اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٣

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٣

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٦٤٠

٣٦٧٣ ـ تزوّد منّا بين أذناه ضربة

دعته إلى هابي (١) التّراب عقيم (٢)

إلى غير ذلك من الشواهد (٣).

واستدل (٤) لقراءة أبي عمرو بأنها قراءة عثمان وعائشة وابن الزبير وسعيد بن جبير ، روى هشام بن عروة (٥) عن أبيه عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها سئلت عن قوله تعالى : (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) وعن قوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى)(٦)) (٧) (في المائدة) (٨) ، وعن (٩) قوله: (لكِنِ (١٠) الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ)(١١) إلى قوله : (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ (١٢) وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ)(١٣) ، فقالت : يا ابن أخي هذا خطأ من الكاتب (١٤). وروي عن عثمان أنه نظر في المصحف ، فقال : أرى فيه لحنا وستقيمه العرب بألسنتها(١٥).

__________________

(١) في ب : هان. وهو تحريف.

(٢) البيت من بحر الطويل ، لهوبر الحارثي كما في اللسان ، ومعجم شواهد العربية ، وهو في اللسان برواية :

(بين أذنيه) وهذه لا شاهد فيها.

وهو في سر صناعة الإعراب ٢ / ٧٠٤ ، الإفصاح ٣٧٧ ، وشرح المفصل ٣ / ١٢٨ ، ١٠ / ١٩ ، القرطبي ١١ / ٢١٧ ، اللسان (شظى ـ صرع ـ هبا) ، شذور الذهب ٤٧ ، الهمع ١ / ٤٠ ، الدرر ١ / ١٤.

(٣) وهذا الوجه من أحسن ما حملت عليه هذه الآية ، فهذه اللغة معروفة ، وقد حكاها من يرتضى علمه وصدقه وأمانته ، منهم أبو زيد الأنصاري ، وأبو الخطاب الأخفش ، وهو رأس من رؤساء أهل اللغة ، روى عنه سيبويه وغيره.

(٤) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٧٤. بتصرف يسير.

(٥) هو هشام بن عروة بن الزبير بن العوام الأسدي ، أبو المنذر ، أحد الأعلام ، أخذ عن أبيه ، وزوجته فاطمة بنت المنذر ، وأبي سلمة ، وغيرهم ، وأخذ عنه أيوب ، وابن جريج ، وشعبة ، ومعمر ، وغيرهم ، مات سنة ١٤٥ ه‍. خلاصة تذهيب تهذيب الكمال ٣ / ١١٥.

(٦) [المائدة : ٦٩].

(٧) ما بين القوسين في ب : والنصارى والصائبون. وهو تحريف.

(٨) ما بين القوسين سقط من ب.

(٩) عن : سقط من ب.

(١٠) لكن : سقط من ب.

(١١) منهم : سقط من ب.

(١٢) الصلاة : سقط من الأصل.

(١٣) من قوله تعالى : (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً) [النساء : ١٦٢]. والسؤال عن الآية في قوله : (وَالْمُقِيمِينَ) وفي إعرابه وجهان النصب والجر ، فالنصب على المدح بتقدير أعني وأمدح. وأما الجر يجوز أن يكون معطوفا على «ما» أو على الكاف في «قبلك» أو على الكاف في «إليك» أو على «هم» في «منهم».

انظر توضيح هذه التخريجات بإطنات في البيان ١ / ٢٧٥ ـ ٢٧٦ والتبيان ١ / ٤٠٧ ـ ٤٠٨.

(١٤) انظر معاني القرآن للفراء ٢ / ١٨٣. والقرطبي ١١ / ٢١٦.

(١٥) انظر معاني القرآن للفراء ٢ / ١٨٣. والقرطبي ١١ / ٢١٦.

٣٠١

وعن أبي عمرو أنه قال : إنّي لأستحي أن أقرأ «إن هذان لساحران» (١).

وقرأ ابن مسعود : «وأسروا النجوى أن هذان ساحران» بفتح «أن» وإسقاط اللام على أنها وما في خبرها بدل من «النّجوى» كذا قاله الزمخشري (٢) ، وتبعه أبو حيان ولم ينكره (٣) ، وفيه نظر ، لأن الاعتراض (٤) بالجملة القولية بين البدل والمبدل منه لا يصح.

وأيضا : فإن الجملة القولية مفسرة للنجوى في قراءة العامة. وكذا قاله الزمخشري أولا (٥) فكيف يصح أن يجع ل «أن هذان ساحران» بدلا من النجوى؟

وقرأ (٦) حفص عن عاصم بتخفيف النونين (٧).

وعن الأخفش : «إن هذان لساحران» خفيفة بمعنى ثقيلة (٨) وهي لغة لقوم (٩) يرفعون بها ويدخلون اللام ليفرقوا بينها وبين التي تكون في معنى (ما) (١٠).

وروي عن (١١) أبي بن كعب «ما هذان إلّا ساحران» ، وروي عنه أيضا «إن هذان إلّا ساحران» ، وعن الخليل بمثل (١٢) ذلك (١٣).

وعن أبيّ أيضا : «إن ذان لساحران» (١٤).

فصل (١٥)

قال المحققون : هذه القراءات لا يجوز تصحيحها ، لأنها منقولة (١٦) بطريق الآحاد ، والقرآن يجب أن يكون منقولا بالتواتر ، ولو جوزنا إثبات زيادة (١٧) في القرآن بطريق

__________________

(١) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ٧٤. بتصرف يسير.

وفي الفصل الآتي يذكر ابن عادل موقفه فيمن طعن في القراءة المشهورة ناقلا ذلك عن ابن الخطيب.

(٢) انظر الكشاف ٢ / ٤٣٩.

(٣) قال أبو حيان : (وقال ابن مسعود : «أن هذان ساحران» بفتح «أن» وبغير لام بدل من النجوى) البحر المحيط ٦ / ٢٥٥.

(٤) في ب : الإعراض. وهو تحريف.

(٥) قال الزمخشري : (والظاهر أنّهم تشاوروا في السّر وتجاذبوا أهداب القول ، ثم قالوا إن هذان لساحران) الكشاف ٢ / ٤٣٨.

(٦) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٧٤ ـ ٧٥ بتصرف يسير.

(٧) السبعة ٤١٩. الكشف ٢ / ٩٩ ، النشر ٢ / ٣٢٠ ـ ٣٢١.

(٨) في ب : خفيفة لثقيلة. وهو تحريف.

(٩) في ب : قوم.

(١٠) معاني القرآن : ٢ / ٢٦٩.

(١١) في ب : روى.

(١٢) في ب : مثل.

(١٣) معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٣ / ٣٦١.

(١٤) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ٧٤ ـ ٧٥ بتصرف يسير. وفي الفصل الآتي يذكر ابن عادل ما قاله المحققون في القراءات الشاذة في هذه الآية ناقلا ذلك عن ابن الخطيب.

(١٥) هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٧٥.

(١٦) منقولة : سقط من ب.

(١٧) في ب : إثبات قراءة زيادة. وهو تحريف.

٣٠٢

الآحاد لما أمكننا القطع بأن هذا الذي هو عندنا كل القرآن ، لأنه لما جاز في هذه (١) القراءات أنها من القرآن مع كونها ما نقلت بالتواتر جاز في غيرها ذلك. فثبت أن تجويز كون هذه القراءات من القرآن يطرق (٢) جواز الزيادة والنقصان والتغيير في القرآن ، وذلك يخرج القرآن عن كونه حجة ، ولما كان ذلك باطلا فكذلك(٣) ما قرىء (٤).

وأما الطعن في القراءة المشهورة (٥) فلو حكمنا ببطلانها جاز مثله في جميع القرآن ، وذلك يفضي إلى القدح في التواتر ، وإلى القدح في كل القرآن ، وهو باطل ، وإذا ثبت ذلك امتنع صيرورته معارضا بخبر الواحد المنقول عن بعض الصحابة.

وأيضا : فإن المسلمين أجمعوا على أنّ ما بين الدفتين كلام الله ، وكلام الله لا يجوز أن يكون لحنا وغلطا (٦) ولذلك ذكر النحويون وجه تصحيح (٧) القراءة المشهورة كما تقدم (٨).

فصل

اعلم أنه تعالى (٩) لما ذكر ما أسروه من النجوى حكى عنهم ما أظهروه بما يدل على التنفير (١٠) عن متابعة موسى ، وهو أمور :

أحدها : قولهم «إنّ هذين لساحران» وهذا طعن منهم في معجزات (١١) موسى ومبالغة في التنفير عنه ، لأن كل طبع سليم ينفر عن السحر وعن رؤية الساحر (١٢) لأنّ الإنسان يعلم أن السّحر لا بقاء له ، فإذا اعتقدوا فيه السحر قالوا : كيف نتبعه ، وهو لا بقاء له ولا لدينه؟

وثانيها (١٣) : قوله : (يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ) وهذا نهاية التنفير ، لأن مفارقة الوطن والمنشأ شديدة على القلب. وهذا كقول فرعون : تريد أن تخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى ، فكأنّ السحرة تلقفوا (١٤) هذه الشبهة من فرعون ثم أعادوها.

__________________

(١) هذه : سقط من ب.

(٢) في ب : وبطريق. وهو تحريف.

(٣) في ب : فذلك.

(٤) في الفخر الرازي : ما أدى إليه.

(٥) المشهورة : سقط من ب.

(٦) وذكر ابن الخطيب أيضا ما قاله ابن الأنباري فإنه قال : (قال ابن الأنباري إن الصحابة هم الأئمة والقدوة فلو وجدوا في المصحف لحنا لما فوّضوا إصلاحه إلى غيرهم من بعدهم مع تحذيرهم من الابتداع وترغيبهم في الاتباع ، حتى قال بعضهم : اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم) الفخر الرازي ٢٢ / ٧٥.

(٧) تصحيح سقط من ب.

(٨) قبل صفحات.

(٩) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٨٠.

(١٠) في ب : التغيير. وهو تحريف.

(١١) في ب : معجزة.

(١٢) في ب : وعن متابعة الساحر ورؤيته.

(١٣) في ب : وثالثها. وهو تحريف.

(١٤) في ب : يلقوا. وهو تحريف.

٣٠٣

وثالثها : قوله : (وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى) ، وهذا أيضا له تأثير شديد في القلب ، فإن العدو إذا استولى على جميع المناصب والأشياء التي يرغب فيها فذلك يكون في نهاية (١) المشقة على القلب (٢). قال (٣) ابن عباس : يعني براءة قومكم وأشرافهم يقال : هؤلاء طريقة قومهم أي : أشرافهم(٤).

والمثلى تأنيث الأمثل (وهو الأفضل (٥). وسمي الأفضل بالأمثل) (٦) ، لأن الأمثل هو الأشبه بالحق وقيل (٧) : الأمثل : الأوضح الأظهر (٨) وحدث الشعبي (٩) عن عليّ قال : يصرفان وجوه الناس إليهما(١٠).

وقال قتادة : «طريقتكم المثلى» يومئذ بنو إسرائيل (١١) ، كانوا (١٢) أكثر القوم عددا (وأموالا) (١٣) ، فقال عدو الله يريد أن يذهبا بهم لأنفسهم (٩).

وقيل : بطريقتكم أي بسنتكم ودينكم (١٤) الذي أنتم عليه (٩). والمثلى : نعت الطريقة ، تقول العرب : فلان على الطريقة المثلى يعني على الهدى المستقيم (٩).

وقيل : الطريقة المثلى الجاه والمنصب والرياسة.

قوله : «بطريقتكم» الياء معدّية كالهمزة ، والمعنى بأهل طريقتكم. قال الزجاج : هذا من باب حذف المضاف (١٥). وإذا كانت الطريقة عبارة عن العادة فلا حذف.

قوله تعالى : (فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى)(٦٤)

قوله : «فأجمعوا» قرأ أبو عمرو «فاجمعوا» بوصل الألف وفتح الميم. والباقون : بقطعها مفتوحة وكسر (١٦) الميم (١٧) ، وقد تقدم تحقيق ذلك في سورة يونس (١٨).

__________________

(١) في ب : وكان ذلك غاية.

(٢) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ٨٠.

(٣) في ب : فقال.

(٤) البغوي ٥ / ٤٤٠.

(٥) انظر البغوي ٥ / ٤٤٠.

(٦) ما بين القوسين سقط من ب.

(٧) في الأصل : أو.

(٨) الفخر الرازي ٢٢ / ٨٠ ـ ٨١.

(٩) هو عامر بن شراحيل الحميري الشعبي ، أبو عمرو السكوني ، روى عن عمر ، وعليّ ، وابن مسعود ، وأبي هريرة وعائشة وغيرهم ، وروى عنه ابن سيرين والأعمش وغيرهما ، مات سنة ١٠٣ ه‍. خلاصة تذهيب تهذيب الكمال ٢ / ٢٢.

(١٠) انظر البغوي ٥ / ٤٤٠ ـ ٤٤١.

(١١) في ب : كانوا بنوا إسرائيل. وهو تحريف.

(١٢) في ب : وكانوا.

(١٣) ما بين القوسين سقط من ب ، وفيه : وهوالا. وهو تحريف.

(٩) هو عامر بن شراحيل الحميري الشعبي ، أبو عمرو السكوني ، روى عن عمر ، وعليّ ، وابن مسعود ، وأبي هريرة وعائشة وغيرهم ، وروى عنه ابن سيرين والأعمش وغيرهما ، مات سنة ١٠٣ ه‍. خلاصة تذهيب تهذيب الكمال ٢ / ٢٢.

(١٤) في ب : دينكم.

(٩) هو عامر بن شراحيل الحميري الشعبي ، أبو عمرو السكوني ، روى عن عمر ، وعليّ ، وابن مسعود ، وأبي هريرة وعائشة وغيرهم ، وروى عنه ابن سيرين والأعمش وغيرهما ، مات سنة ١٠٣ ه‍. خلاصة تذهيب تهذيب الكمال ٢ / ٢٢.

(٩) هو عامر بن شراحيل الحميري الشعبي ، أبو عمرو السكوني ، روى عن عمر ، وعليّ ، وابن مسعود ، وأبي هريرة وعائشة وغيرهم ، وروى عنه ابن سيرين والأعمش وغيرهما ، مات سنة ١٠٣ ه‍. خلاصة تذهيب تهذيب الكمال ٢ / ٢٢.

(١٥) انظر معاني القرآن وإعرابه ٣ / ٣٦٤ ـ ٣٦٥.

(١٦) في ب : والباقون بكسرها مقطوعة فاجمعوا كسر.

(١٧) السبعة (٤١٩ ـ ٤٢٠) الحجة لابن خالويه (٢٤٤) ، الكشف ٢ / ١٠٠ ، النشر ٢ / ٣٢١ ، الإتحاف (٣٠٤).

(١٨) عند قوله تعالى : «فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ» [يونس : ٧١]. وذكر ابن عادل هناك : أن قراءة أبي عمرو بوصل الألف من (جمع) الثلاثي ، وقراءة الباقين بقطع الهمزة من (أجمع). انظر اللباب ٤ / ٣٠٩.

٣٠٤

و«كيدكم» مفعول به ، وقيل : هو على إسقاط الخافض أي : على كيدكم وليس بشيء (١). فأما قراءة أبي عمرو فهي من الجمع (٢) أي لا تدعوا شيئا من كيدكم إلا جئتم به بدليل قوله (فَجَمَعَ كَيْدَهُ)(٣).

ومعنى قراءة الباقين قيل : معناه الجمع أيضا تقول العرب : أجمعت الشيء وجمعته بمعنى واحد(٤).

والصحيح أن معناه العزم والإحكام قال الفراء : الإجماع (٥) الإحكام والعزيمة على الشيء (٦). أي أجمعوا كلكم على كيده مجتمعين له ولا تختلفوا فيختل أمركم (٧).

(ثُمَ (٨) ائْتُوا صَفًّا) أي جميعا ، قاله مقاتل والكلبي (٩).

وقيل : أي : مصطفّين مجتمعين ، ليكون أنظم لأمركم وأشد لهيبتكم (١٠).

وقال أبو عبيدة ، والزجاج (١١) : الصّف موضع الجمع ، ويسمى المصلى صفا ، أي : ائتوا المكان الموعود الذي تجتمعون فيه لعيدكم (١٢).

قوله : «صفّا» يجوز أن يكون حالا من فاعل «ائتوا» أي ائتوا مصطفين (١٣) أي ذوي صفّ فهو (١٤) مصدر في الأصل (١٥).

وقيل : هو مفعول به أي : ائتوا قوما صفّا (١٦) ، وفيه التسمية بالمصدر. أو هو (١٧)

__________________

(١) وذلك أنّ من قرأ بوصل الهمزة ف «كيدكم» مفعول به لأن «فاجمعوا» من جمع ، وهو يتعدى بنفسه فلم يفتقر إلى تقدير حذف حرف الجر. ومن قرأ بقطعها نصب «كيدكم» ب «أجمعوا» على تقدير حذف حرف الجر ، وتقديره : فأجمعوا على كيدكم فحذف الجر فاتصل الفعل به فنصبه ، لأنه من أجمع رباعيا ومعناه العزم يقال : أجمع على كذا : إذا عزم عليه. البيان ٢ / ١٤٦ ـ ١٤٧ ، التبيان ٢ / ٨٩٥.

(٢) في ب : الجميع.

(٣) [طه : ٦٠].

(٤) انظر البغوي ٥ / ٤٤١ والقرطبي ١١ / ٢٢.

(٥) كذا في ب ، وفي الأصل : الجمع.

(٦) معاني القرآن ٢ / ١٨٥.

(٧) انظر البغوي ٥٠ / ٤٤١.

(٨) في ب : قوله لم. وهو تحريف. انظر القرطبي ١١ / ٢٢١.

(٩) انظر البغوي ٥ / ٤٤١ ، والقرطبي ١١ / ٢٢١.

(١٠) انظر البغوي ٥ / ٤٤١.

(١١) في ب : وأبو عبيدة والزجاج قالا.

(١٢) انظر مجاز القرآن ٢ / ٢٣ ، معاني القرآن وإعرابه ٣ / ٣٦٥.

(١٣) في ب : مطيعين مصطفين.

(١٤) فهو : سقط من ب.

(١٥) انظر البيان ٢ / ١٤٧ ، التبيان ٢ / ٨٩٥ ، البحر المحيط ٦ / ٢٥٦.

(١٦) انظر التبيان ٢ / ٨٩٥ ، البحر المحيط ٦ / ٢٥٦ ، إذ هو المكان الذي يجتمعون فيه لعيدهم وصلاتهم.

وابن الأنباري قدّر كون «صفا» مفعولا به على حذف حرف الجر ، وتقديره : ائتوا إلى صفّ ، فحذف حرف الجر فاتصل الفعل به فنصبه ، ولذلك نجده يرجح أن يكون «صفا» مصدرا في موضع الحال.

انظر البيان ٢ / ١٤٧.

(١٧) في ب : أي وهو.

٣٠٥

على حذف مضاف أي ذوي صف.

قوله : (وَقَدْ أَفْلَحَ) قال الزمخشري : اعتراض بمعنى : وقد (١) فاز من غلب (٢).

يعني بالاعتراض : أنه جيء بهذه الجملة (أجنبية من كلامهم ومقولهم ، لأن من جملة قولهم :

(قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ)(٣) ، وهذه الجملة) (٤) أعني : قوله : (وَقَدْ أَفْلَحَ) من كلام الله تعالى ، فهي اعتراض بهذا الاعتبار. وفيه نظر ، لأن الظاهر أنها من (مقولاتهم قالوا ذلك تحريضا لقومهم على القتال وحينئذ فلا اعتراض.

قوله تعالى : (قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى (٦٥) قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى (٦٦) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى (٦٧) قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى (٦٨) وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى (٦٩) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى)(٧٠)

قوله تعالى : (قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ) الآية ، وهنا حذف والتقدير : فحضروا الموضع قالوا السحرة يا موسى.

قوله : (إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ) فيه أوجه) (٥) :

أحدها (٦) : أنه منصوب بإضمار فعل تقديره : اختر أحد الأمرين. كذا قدره (٧) الزمخشري (٨).

قال أبو حيان : وهذا تفسير معنى لا تفسير إعراب ، وتفسير الإعراب إما (٩) أن تختار الإلقاء(١٠).

والثاني : أنه مرفوع (١١) على خبر مبتدأ محذوف تقديره : الأمر إما إلقاؤك أو إلقاؤنا. كذا قدره (١٢) الزمخشري (١٣).

الثالث : أن يكون مبتدأ وخبره محذوف ، تقديره : إلقاؤك أول ، ويدل عليه قوله (١٤) : (وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى) ، واختار هذا أبو حيان ، وقال : فتحسن (١٥)

__________________

(١) في ب : قد.

(٢) الكشاف ٢ / ٤٣٩.

(٣) [طه : ٦٥].

(٤) ما بين القوسين سقط من ب.

(٥) ما بين القوسين سقط من ب.

(٦) في ب : أحدهما. وهو تحريف.

(٧) في ب : قاله وهو تحريف.

(٨) الكشاف ٢ / ٤٣٩.

(٩) في ب : إنما. وهو تحريف.

(١٠) البحر المحيط ٦ / ٢٥٨ ، وفيه : إما أن تختار أن تلقي.

(١١) في ب : أنه منصوب أو مرفوع. وهو تحريف.

(١٢) في ب : قاله. وهو تحريف.

(١٣) الكشاف ٢ / ٤٣٩.

(١٤) قوله : سقط من ب.

(١٥) في ب : قد تحسن.

٣٠٦

المقابلة من حيث المعنى ، وإن لم تحسن المقابلة (١) من حيث التركيب اللفظي (٢). قال : وفي تقدير الزمخشري الأمر إلقاؤك لا مقابلة فيه (٣). وتقدم نظير هذا في الأعراف (٤).

فصل (٥)

معنى الكلام : إما أن تلقي ما معك قبلنا (وإما أن نلقي ما معنا قبلك) (٦) وهذا التخيير مع تقديمه (٧) في الذكر حسن أدب منهم وتواضع ، فلا جرم رزقهم الله (٨) الإيمان ببركته ، ثم إن موسى ـ عليه‌السلام (٩) ـ قابل أدبهم بأدب فقال : (بَلْ أَلْقُوا).

فإن قيل : كيف يجوز أن يقول موسى (بَلْ أَلْقُوا) فيأمرهم بما هو سحر وكفر لأنهم إذا قصدوا بذلك تكذيب موسى ـ عليه‌السلام (١٠) ـ كان كفرا؟

فالجواب من وجوه :

الأول : لا نسلم أن نفس الإلقاء كفر ، لأنهم إذا ألقوا وكان غرضهم أن يظهروا (١١) الفرق بين ذلك(١٢) الإلقاء وبين معجزة موسى ـ عليه‌السلام (١٣) ـ (كان ذلك الإلقاء إيمانا إنما الكفر هو القصد إلى تكذيب موسى ـ عليه‌السلام ـ ، وهو عليه‌السلام) (١٤) إنما أمر بالإلقاء لا بالقصد إلى التكذيب (١٥) فزال السؤال.

والثاني : ذلك الأمر كان مشروطا ، والتقدير : ألقوا ما أنتم ملقون إن كنتم محقين ، كقوله تعالى(١٦) : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ)(١٧) (أي : إن كنتم قادرين) (١٨).

الثالث : أنه لما تعيّن ذلك (١٩) طريقا إلى كشف الشبهة صار ذلك جائزا ، وهذا

__________________

(١) في الأصل : مقابلة.

(٢) البحر المحيط ٦ / ٢٥٨. وفيه : وإن كان من حيث التركيب اللفظي لم تحصل المقابلة ، وقال بعد ذلك : (لأنا قدرنا إلقاؤك أول ، ومقابلة كونهم يكونون أول من يلقي ، لكنه يلزم من ذلك أن يكون القاؤهم أول فهي مقابلة معنوية).

(٣) البحر المحيط ٦ / ٢٥٨.

(٤) عند قوله تعالى : «قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ» [الأعراف : ١١٥]. انظر اللباب ٤ / ٨٢ ـ ٨٣.

(٥) هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٨١ ـ ٨٢.

(٦) ما بين القوسين سقط من ب.

(٧) في ب : مع تقديم. وهو تحريف.

(٨) لفظ الجلالة سقط من الأصل.

(٩) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٠) في ب : عليه الصلاة السلام.

(١١) في الأصل : يظهر.

(١٢) ذلك : سقط من ب.

(١٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٤) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٥) في ب : لا يقصد التكذيب.

(١٦) تعالى : سقط من ب.

(١٧) [البقرة : ٢٣].

(١٨) ما بين القوسين سقط من ب. وفيه : إن كنتم صادقين.

(١٩) ذلك : سقط من ب.

٣٠٧

كالمحق إذا علم أن في قلب واحد شبهة ، وأنه لو لم يطالبه (١) بذكرها وتقريرها (٢) بأقصى ما يقدر عليه لبقيت تلك الشبهة في قلبه (٣) ويخرج بسببها عن الدين ، فإن للمحق أن يطالبه بتقريرها على أقصى الوجوه ، ويكون غرضه من ذلك أن يجيب عنها ، ويزيل أثرها عن قلبه ، فمطالبته بذكر الشبهة لهذا الغرض جائز فكذا ههنا.

الرابع : أن لا يكون ذلك أمرا بل معناه : إنكم إن أردتم فعله فلا مانع منه حسّا (٤) لكي ينكشف الحق (٥).

الخامس : أن موسى ـ عليه‌السلام (٦) ـ لا شك أنه كان كارها لذلك ولا شك أنه نهاهم عن ذلك بقوله: (وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ)(٧) وإذا كان كذلك استحال أن يأمرهم بذلك ، لأن الجمع بين كونه ناهيا آمرا بالفعل الواحد محال ، فعلمنا أن أمره غير محمول على ظاهره ، وحينئذ يزول الإشكال. فإن قيل : لم قدمهم في الإلقاء على نفسه مع أن تقديم إسماع الشبهة على إسماع الحجة غير جائز ، فكذا تقديم إرائة الشبهة على إرائة الحجة (٨) يجب أن لا يجوز ، لاحتمال أنه ربما أدرك الشبهة (٩) ثم لا يتفرغ لإدراك (١٠) الحجة بعده ، فيبقى حينئذ في الكفر والضلال ، وليس لأحد أن يقول : إن ذلك كان (١١) بسبب أنهم لما قدموه على أنفسهم فهو ـ عليه‌السلام (١٢) ـ قابل ذلك بأن قدمهم ، لأن أمثال ذلك إنما يحسن فيما يرجع إلى حظ النفس فأما ما يرجع إلى الدليل والشبهة فغير جائز.

فالجواب أنه ـ عليه‌السلام (١٣) ـ كان قد أظهر المعجزة مرة واحدة فما كان به حاجة إلى إظهارها مرة أخرى ، والقوم (١٤) إنما جاءوا لمعارضته ، فقال ـ عليه‌السلام (١٥) ـ لو أظهرت (١٦) المعجزة أولا لكنت كالسبب في إقدامهم على إظهار السحر وقصد إبطال المعجزة وهو لا يجوز ، ولكنني (١٧) أفوض الأمر إليهم باختيارهم يظهرون ذلك السحر ، ثم أظهر أنا (١٨) ذلك المعجز الذي يبطل سحرهم ، فيكون هذا التقديم (١٩) سببا لدفع الشبهة فكان أولى (٢٠).

__________________

(١) في ب : فإنه لو لم يطابقه. وهو تحريف.

(٢) في ب : وتقريره. وهو تحريف.

(٣) في ب : بقلبه.

(٤) حسّا : سقط من ب.

(٥) في ب : من الحق. وهو تحريف.

(٦) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٧) [طه : ٦١].

(٨) في ب : أداة الشبهة على أداة الحجة. وهو تحريف.

(٩) في ب : أنه أراد الشبهة. وهو تحريف.

(١٠) لإدراك : سقط من ب.

(١١) كان سقط من ب.

(١٢) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٤) في ب : وإن كان به حاجة إلى مرة أخرى فالقوم. وهو تحريف.

(١٥) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٦) في ب : لو كنت أظهرت.

(١٧) في ب : ولكني.

(١٨) في ب : أن. وهو تحريف.

(١٩) في ب : التقدير. وهو تحريف.

(٢٠) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٨٢.

٣٠٨

قوله : (فَإِذا حِبالُهُمْ) هذه الفاء عاطفة على (جملة محذوفة دل عليها السياق ، والتقدير : فألقوا فإذا (١) ، وإذا هذه هي التي للمفاجأة وفيها ثلاثة أقوال تقدمت :

أحدها : أنها باقية على ظرفية الزمان (٢).

الثاني : أنها ظرف مكان (٣).

الثالث : أنها حرف (٤).

قال الزمخشري : والتحقيق فيها أنها الكائنة بمعنى الوقت الطالبة ناصبا لها ، وجملة تضاف إليها ، خصت في بعض المواضع بأن يكون الناصب لها فعلا مخصوصا ، وهو فعل المفاجأة ، والجملة ابتدائية لا غير ، فتقدير قوله : (فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ) ففاجأ موسى وقت تخييل سعي حبالهم وعصيّهم ، وهذا تمثيل ، والمعنى : على مفاجأته حبالهم وعصيّهم مخيّلة إليه السعي (٥).

قال أبو حيان : قوله : إنها زمانية قول مرجوح ، وهو مذهب الرياشي.

وقوله : الطالبة ناصبا لها صحيح. وقوله : وجملة تضاف إليها ليس صحيحا عند

__________________

(١) اختلف العلماء في (الفاء) الداخلة على (إذا) الفجائية فذهب أبو بكر إلى أنها عاطفة ، كأنه حمل ذلك على المعنى ، لأن معنى خرجت فإذا زيد : خرجت فقد جاءني زيد ، وهذا القول هو أقرب الأقوال إلى السداد ، لأن الحمل على المعنى كثير في كلامهم. وذهب الزيادي إلى أنها داخلة على جواب شرط مقدر ، وهو ضعيف ، لأنه لا معنى للشرط هنا ، ولو كان فيه معنى الشرط لأغنت (إذا) في الجواب عن الفاء ، كما أغنت في قوله تعالى : «وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ» [الروم : ٣٦]. وذهب أبو عثمان إلى أنها زائدة ، وهو ضعيف ، لأنه لا يجوز حذفها ، فلا يقال : خرجت إذا زيد ، لأن الزائد حكمه أن يجوز طرحه ولا يختل الكلام ـ انظر شرح المفصل ٩ / ٣ ، ٤ ، شرح الكافية ١ / ١٠٤.

(٢) هذا قول الزجاج واختاره الزمخشري كما يتضح من النص المنقول عنه من الكشاف ، وعلى هذا يجوز أن تكون «إذا» في قولهم خرجت فإذا السبع خبرا عما بعدها بتقدير مضاف أي : ففي ذلك الوقت حصول السبع ، لأن ظرف الزمان لا يكون خبرا عن الجثة. ويجوز أن يكون الخبر محذوفا و«إذا» ظرف لذلك الخبر غير ساد مسده أي : ففي ذلك الوقت السبع بالباب ، فحذف بالباب لدلالة قرينة خرجت عليه. ويجوز أن يكون ظرف الزمان مضافا إلى الجملة الاسمية وعامله محذوفا أي ففاجأت وقت وجود السبع بالباب ، إلا أنه إخراج لإذا عن الظرفية إذ هو إذن مفعول به لفاجأت ، ولا حاجة إلى هذه الكلفة فإن «إذا» الظرفية غير متصرفة. انظر شرح الكافية ١ / ١٠٣ ، ١٠٤ ، المغني ١ / ٨٧.

(٣) وهذا قول المبرد حيث قال : (فأما (إذا) التي تقع للمفاجأة فهي تسدّ مسدّ الخبر ، والاسم بعدها مبتدأ ، وذلك قولك : جئتك فإذا زيد ، وكلمتك فإذا أخوك ، وتأويل هذا : جئت ففاجأني زيد ، وكلمتك ففاجأني أخوك) المقتضب ٣ / ١٧٨.

فعلى قوله يجوز أن تكون خبرا للمبتدأ الذي بعدها ، ولا يجوز على قوله أن يكون (إذا) مضافا إلى الجملة الاسمية المحذوفة الخبر إذ لا يضاف من ظروف المكان إلى الجمل إلا حيث. انظر شرح الكافية ١ / ١٠٣ ، المغني ١ / ٨٧.

(٤) هذا قول الأخفش وعلى ذلك فالخبر محذوف انظر المغني ١ / ٨٧.

(٥) الكشاف ٢ / ٤٣٩.

٣٠٩

بعض أصحابنا ، لأنها إما أن تكون هي خبرا لمبتدأ ، وإما أن تكون معمولة لخبر المبتدأ ، وإذا كان كذلك استحال أن تضاف إلى الجملة ، لأنها إما أن تكون بعض الجملة أو معمولة لبعضها ، فلا يمكن الإضافة.

وقوله : خصت في بعض المواضع إلى آخره. قد بيّنا الناصب لها. وقوله : والجملة بعدها ابتدائية لا غير هذا الحصر ليس بصحيح ، بل قد جوّز الأخفش على أن الجملة الفعلية المقترنة بقد تقع بعدها نحو خرجت فإذا قد ضرب زيد عمرا وبنى على ذلك مسألة الاشتغال نحو : خرجت فإذا زيد قد ضربه عمرو ، برفع زيد ونصبه على الاشتغال (١).

وقوله : والمعنى على مفاجأته حبالهم وعصيهم مخيّلة إليه السعي ، فهذا عكس ما قدر بل المعنى على مفاجأة حبالهم وعصيّهم إياه. فإذا قلت : خرجت فإذا السبع ، فالمعنى : أنه فاجأني وهجم ظهوره(٢). انتهى.

قال شهاب الدين : وما ردّ به غير لازم له ، لأنه ردّ عليه بقول بعض النحاة ، وهو لا يلزم ذلك القول حتى يرد به عليه لا سيما إذا كان المشهور غيره ومقصوده تفسير المعنى (٣). وقال أبو البقاء : الفاء جواب ما حذف وتقديره : فألقوا فإذا ، ف «إذا» في هذا ظرف مكان العامل فيه «ألقوا» (٤). وفي هذا نظر ، لأن «ألقوا» هذا المقدر لا يطلب جوابا حتى يقول : الفاء جوابه ، بل كان ينبغي أن يقول : الفاء عاطفة هذه الجملة الفجائية على جملة أخرى مقدرة ، وقوله : ظرف مكان هذا مذهب المبرد ، وظاهر قول سيبويه أيضا وإن كان المشهور بقاؤها على الزمان وقوله : إن العامل فيها «فألقوا» لا يجوز لأن الفاء تمنع من ذلك. هذا كلام أبي حيان (٥). ثم قال بعده : ولأن «إذا» هذه إنما هي معمولة لخبر المبتدأ الذي هو حبالهم وعصيهم إن لم يجعلها هي في موضع الخبر ، لأنه يجوز أن يكون) (٦) الخبر «يخيّل» ، ويجوز أن تكون «إذا» و«يخيّل» في موضع الحال ، وهذا نظير : خرجت فإذا الأسد رابض ورابضا (٧) ، وإذا رفعت رابضا (٨) كانت إذا معمولة (٩) له والتقدير : فبالحضرة الأسد رابض ، أو في المكان ، وإذا نصبت كانت «إذا» خبرا ، ولذلك

__________________

(١) لأن «إذا» الفجائية على مذهب الأخفش يجوز دخولها على الجملة الفعلية فيجوز رفع الاسم الواقع بعدها ونصبه في المثال المذكور ويكون المثال من باب الاشتغال. وذلك أن صاحب شرح التصريح ذكر أن «إذا» الفجائية فيها ثلاثة أقوال : الأول : أنها تختص بالابتداء على الأصح. والثاني : جواز دخولها على الفعل مطلقا. والثالث التفرقة بين أن يقترن الفعل بقد فيجوز ، وأن لا يقترن فيمتنع.

فعلى الرأي الأول يجب الرفع في المثال ، ويجوز النصب على الثاني وعلى الثالث أيضا لوجود (قد) ، أما إذا كان المثال خاليا من (قد) فيمتنع النصب على الثالث لفقدان (قد) انظر شرح التصريح ١ / ٣٠٢ ، ٣٠٣.

(٢) البحر المحيط ٦ / ٢٥٩.

(٣) الدر المصون ٥ / ٣٢.

(٤) البحر المحيط ٦ / ٢٥٨.

(٥) البحر المحيط ٦ / ٢٥٨ ـ ٢٥٩.

(٦) ما بين القوسين سقط من ب.

(٧) في ب : وأيضا. وهو تحريف.

(٨) في ب : فإذا ربعت رابض. وهو تحريف.

(٩) في ب : معمولا.

٣١٠

يكتفى بها وبالمرفوع بعدها كلاما نحو خرجت فإذا الأسد (١).

قوله : «يخيّل إليه» (٢) قرأ (٣) العامة «يخيّل» بضم الياء الأولى وفتح الثانية مبنيّا للمفعول ، و (أَنَّها تَسْعى) مرفوع (٤) بالفعل قبله لقيامه مقام الفاعل تقديره : يخيّل إليه سعيها (٥).

وجوز أبو البقاء فيه (٦) وجهين (٧) :

أحدهما (٨) : (أن يكون القائم مقام الفاعل ضمير الحبال والعصيّ وإنما ذكّر ولم يقل «تخيّل» بالتاء من فوق ، لأن تأنيث الحبال غير حقيقي.

الثاني : أن القائم مقام الفاعل ضمير يعود على الملقي ، فلذلك ذكر. وعلى الوجهين : ففي قوله : (أَنَّها تَسْعى) وجهان أحدهما) (٩) : أنه بدل اشتمال من ذلك الضمير المستتر في «يخيّل» والثاني : أنه مصدر في موضع نصب (١٠) على الحال من الضمير المستتر أيضا ، والمعنى : يخيّل إليه هي أنها ذات سعي (١١). ولا حاجة إلى هذا ، وأيضا فقد نصوا على أن المصدر المؤول لا يقع موقع الحال ، لو قلت : جاء زيد أن ركض ، تريد ركضا بمعنى ذا ركض لم يجز (١٢).

وقرأ ابن ذكوان : «تخيّل» بالتاء من فوق (١٣) ، وفيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أن الفعل مسند لضمير الحبال والعصيّ ، أي : تخيّل الحبال (والعصي ، و) (١٤)(أَنَّها تَسْعى) بدل اشتمال من ذلك الضمير (١٥).

__________________

(١) البحر المحيط ٦ / ٢٥٩.

(٢) إليه : سقط من ب.

(٣) في ب : قراءة.

(٤) في ب : يرفع. وهو تحريف.

(٥) معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٣ / ٣٦٦ ، ومشكل إعراب القرآن ٢ / ٧١ ، البيان ٢ / ١٤٧ ، التبيان ٢ / ٨٩٦.

(٦) فيه سقط من ب.

(٧) في ب : وجهين آخرين.

(٨) في ب : الأول.

(٩) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٠) في ب : النصب.

(١١) انظر التبيان ٢ / ٨٩٦.

(١٢) منع سيبويه وقوع المصدر المؤول حالا فإنه قال : (ولا تقع (أم) وصلتها حالا يكون الأول في حال وقوعه ، لأنها إنما تذكر لما لم يقع بعده) الكتاب ١ / ٣٩٠ وجوزه الزمخشري والعكبري في آيات من القرآن الكريم ، فقد جوزه الزمخشري في قوله تعالى :«وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا» [النساء : ٩٢] وردّه أبو حيان. انظر الكشاف ١ / ٢٩٠ ، البحر المحيط ٣ / ٣٢٣ ـ ٣٢٤. دراسات لأسلوب القرآن الكريم قسم (٣) ج ٣ / ٢٥.

(١٣) الكشف ٢ / ١٠١ ، النشر ٢ / ٣٢١ ، الإتحاف ٣٠٥.

(١٤) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٥) انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٣ / ٣٦٦ ، مشكل إعراب القرآن ٢ / ٧١ ، الكشف ٢ / ١٠١ الكشاف ٢ / ٤٣٩ ، البيان ٢ / ١٤٧ ، التبيان ٢ / ٩٦ ، البحر المحيط ٦ / ٢٥٩.

٣١١

الثاني : كذلك إلا (أَنَّها تَسْعى)(١) حال ، أي : ذات سعي كما تقدم تقريره قبل ذلك (٢).

الثالث : أن الفعل مسند (٣) لقوله : (أَنَّها (٤) تَسْعى) كقراءة العامة في أحد الأوجه (٥) وإنما أنّث الفعل لاكتساب المرفوع التأنيث (٦) بالإضافة ، إذ التقدير : تخيّل إليه سعيها ، فهو (٧) كقوله :

٣٦٧٤ ـ شرقت صدر القناة من الدّم (٨)

(فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها)(٩)) (١٠).

وقرأ أبو (١١) السمال (١٢) : «تخيّل» بفتح التاء والياء مبنيا للفاعل ، والأصل : تتخيّل ، فحذف إحدى التاءين نحو (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ)(١٣) ، و (أَنَّها تَسْعى) بدل اشتمال أيضا من ذلك الضمير (١٤). وجوّز ابن عطية أيضا أنه مفعول من أجله (١٥). ونقل ابن جبارة (١٦) الهذلي : قراءة أبي السمال : «تخيّل» (١٧) بضم التاء من فوق وكسر الياء (١٨) ، فالفعل مسند لضمير الحبال ، و (أَنَّها تَسْعى) مفعول ، أي : تخيّل الحبال سعيها (١٩).

__________________

(١) في ب : كذلك إلا أنّها تسعى الثاني : كذلك إلا أنها.

(٢) وذلك في تجويز أبي البقاء في قراءة العامة. انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٣ / ٣٦٦ ، التبيان ٢ / ٨٩٦.

(٣) في ب : مسندا. وهو تحريف.

(٤) أنها : سقط من ب.

(٥) في ب : في قراءة العامة كأحد الأوجه. وهو تحريف.

(٦) التأنيث : سقط من ب.

(٧) فهو : سقط من ب.

(٨) هذا جزء بيت من الطويل ، قاله الأعشى ، وتمامه :

وتشرق بالقول الذي قد أذعته

كما شرقت صدر القناة من الدم

وقد تقدم.

(٩) من قوله تعالى : «مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ» [الأنعام : ١٦٠]. والاستشهاد بالآية في قراءة العامة وهي إضافة (عشر) إلى (أمثالها) وحينئذ يكون في حذف التاء من (عشر) وجوه منها : أن (المضاف) المذكر وهو (أمثال) اكتسب التأنيث من المؤنث ، وهو (ها) فحذفت التاء من (عشر) لذلك. وهو المطلوب من الاستشهاد بالآية هنا.

وانظر الوجوه في البيان ٢ / ٣٥٠ ـ ٣٥١.

(١٠) ما بين القوسين سقط من ب.

(١١) في الأصل : أبو. وهو تحريف.

(١٢) في النسختين : السماك ، وكذا في البحر المحيط ولعله السمال. وهو قعنب بن أبي قعنب أبو السمال العدوى البصري ، له اختيار في القراءة شاذ عن الجماعة ، رواه عنه أبو زيد سعيد بن أوس. طبقات القراء ٢ / ٢٧.

(١٣) [القدر : ٤].

(١٤) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٥٩.

(١٥) تفسير ابن عطية ١٠ / ٥٣.

(١٦) في ب : أبو حيان. وهو تحريف.

(١٧) تخيل : سقط من ب.

(١٨) المختصر (٨٨).

(١٩) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٥٩.

٣١٢

ونسب ابن عطية هذه القراءة للحسن وعيسى الثقفي (١).

وقرأ أبو حيوة : «نخيّل» بنون العظمة ، و (أَنَّها تَسْعى) مفعول به أيضا على هذه القراءة(٢).

وقرأ الحسن والثقفي «عصيّهم» بضم العين حيث وقع ، وهو الأصل (٣) ، وإنما كسرت العين إتباعا (للصاد ، وكسرت الصاد إتباعا) (٤) للياء نحو دلو ودليّ ، وقوس وقسيّ ، والأصل : عصوو ، بواوين فأعلّ كما ترى بقلب (٥) الواوين ياءين استثقالا لهما ، فكسرت الصاد لتصح (٦) الياء ، وكسرت العين إتباعا (٧).

ونقل صاحب اللوامح : أنّ قراءة الحسن «عصيهم» بضم العين وسكون الصاد وتخفيف الياء مع الرفع (٨) ، وهو أيضا جمع كالعامة إلا أنه على فعل ، والأول على (٩) فعول كفلوس (١٠).

والجملة من «تخيّل» يحتمل أن تكون في محل رفع خبرا لهي (١١) على أن «إذا» الفجائية فضلة. وأن تكون في محل نصب على الحال على أن «إذا» الفجائية هي الخبر (١٢) والضمير في «إليه» الظاهر عوده على موسى. وقيل يعود على (فرعون) (١٣) (ويدل للأول) (١٤) قوله تعالى : (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى) (١٥)(١٦).

وفيه إضمار أي : فألقوا فإذا حبالهم وعصيّهم ، جمع حبل وعصا (١٧).

فصل

قال ابن عباس : ألقوا حبالهم وعصيّهم وأخذوا أعين الناس فرأى موسى (١٨) والقوم كأن (١٩) الأرض امتلأت حيّات وكانت أخذت ميلا من كل جانب ، وأنها تسعى فخاف ،

__________________

(١) تفسير ابن عطية ١٠ / ٥٣.

(٢) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٥٩.

(٣) انظر المختصر ٨٨ ، البحر المحيط ٦ / ٢٥٩.

(٤) ما بين القوسين سقط من ب.

(٥) في ب : فقلب وهو تحريف.

(٦) في ب : لفتح. وهو تحريف.

(٧) وذلك أن عصي جمع عصا ، والأصل : عصوو ، وقعت الواو لام فعول جمعا فقلبت ياء فصارت عصوى ، اجتمعت الواو والياء في كلمة وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء وكسرت الصاد لأجل الياء ثم كسرت العين إتباعا لكسرة الصاد. انظر شرح الملوكي ٤٧٧ ـ ٤٧٩ ، الأشموني ٤ / ٣٢٧.

(٨) في ب : بالرفع.

(٩) على : سقط من ب.

(١٠) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٥٩.

(١١) أي : ل (حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ).

(١٢) انظر التبيان ٢ / ٨٩٦ ، البحر المحيط ٦ / ٢٥٩.

(١٣) فرعون : تكملة من البحر المحيط.

(١٤) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٥) [طه : ٦٧].

(١٦) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٥٩.

(١٧) وعصا : سقط من الأصل.

(١٨) في ب : موسى عليه الصلاة والسلام.

(١٩) والقوم كأن : سقط من ب.

٣١٣

و«أوجس (فِي نَفْسِهِ خِيفَةً) وأوجس (١) : أضمر في نفسه خوفا. (وقيل : وجد في نفسه خيفة) (٢).

فإن قيل : كيف استشعر الخوف وقد (٣) عرض عليه المعجزات الباهرة كالعصا واليد ، فجعل العصا حيّة عظيمة ، ثم إنه تعالى أعادها لما كانت ، ثم أعطاه الاقتراحات الثمانية ، وذكر ما أعطاه قبل ذلك من المنن وقال له بعد ذلك كله : (إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى)(٤) ، فمع هذه المقدمات الكثيرة كيف وقع الخوف في قلبه؟

فالجواب من وجوه :

أحدها : قال الحسن : إن ذلك الخوف إنما (٥) كان لطبع البشرية من ضعف القلب (٦) وإن كان قد علم موسى أنهم لا يصلون إليه وأن الله ناصره.

والثاني : قال مقاتل : خاف على القوم أن يلتبس عليهم الأمر فيشكوا في أمره ، فيظنون أنهم قد ساووا موسى ـ عليه‌السلام (٧) ـ ويؤكده قوله تعالى : (لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى)(٨).

الثالث : خاف حيث بدأوا (٩) وتأخر إلقاؤه أن ينصرف بعض القوم قبل مشاهدة ما يلقيه ، فيدوموا على اعتقاد الباطل.

الرابع : لعلّه ـ عليه‌السلام (١٠) ـ كان مأمورا بأن لا يفعل شيئا إلا بالوحي ، فلما (١١) تأخر نزول الوحي في ذلك الجمع بقي في الخجل.

الخامس : لعله ـ عليه‌السلام (١٢) ـ خاف من أنه لو أبطل سحرهم ، فلعلّ فرعون قد أعد (١٣) أقواما آخرين فيحتاج مرة أخرى إلى إبطال سحرهم وهلم جرّا ، فلا يظهر له مقطع وحينئذ لا يتم الأمر ولا يحصل المقصود (١٤).

فصل

اختلفوا في عدد السحرة ، فقال الكلبي : كانوا اثنين وسبعين ساحرا ، اثنان من القبط ، وسبعون (١٥) من بني إسرائيل ، أكرههم فرعون على ذلك مع كل واحد منهم عصا وحبل.

__________________

(١) وأوجس : سقط من ب.

(٢) ما بين القوسين سقط من ب.

(٣) في ب : وهو. وهو تحريف.

(٤) [طه : ٤٦].

(٥) في ب : وإنما. وهو تحريف.

(٦) القلب : سقط من الأصل.

(٧) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٨) من الآية (٦٨) من السورة نفسها.

(٩) في ب : بدأه.

(١٠) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١١) في الأصل : فلو. وهو تحريف.

(١٢) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٣) في ب : أوعد. وهو تحريف.

(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٨٤.

(١٥) في الأصل : وسبعين. وهو تحريف.

٣١٤

وقال ابن جريج (١) : تسعمائة ، ثلاثمائة من الفرس ، وثلاثمائة من الروم ، وثلاثمائة من الإسكندرية. وقال وهب : خمسة عشر ألفا (٢). وقال السدي : بضعة وثلاثون ألفا.

وقال القاسم بن سلام : سبعون ألفا. وظاهر القرآن لا يدل على شيء من هذه الأقوال (٣). ثم إنه تعالى (٤) أزال (٥) ذلك الخوف بقوله : (لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى)(٦) أي الغالب : يعني : لك (٧) الغلبة والظفر ، وذلك (٨) يدل على أن خوفه كان لأمر يرجع (٩) إلى أنّ (١٠) أمره لا يظهر للقوم (١١) ، فآمنه الله تعالى بقوله : (إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى) ، وفيه أنواع من المبالغة : أحدها (١٢) : ذكر كلمة التأكيد وهي (إنّ). وثانيها (١٣) تكرير الضمير. وثالثها (١٤) : لام التعريف. ورابعها (١٥) : لفظ العلو ، وهو الغلبة الظاهرة(١٦).

قوله : (وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ) وهاهنا سؤال ، وهو أنه لم (١٧) لم يقل وألق عصاك؟

والجواب : جاز (١٨) أن يكون تصغيرا لهما ، أي : لا تبال بكثرة (١٩) حبالهم وعصيهم ، وألق العويد الفرد الصغير الجرم الذي بيمينك ، فإنّه بقدرة الله يتلقفها (٢٠) على وحدته وكثرتها ، وصغره وعظمها.

وجاز (٢١) أن يكون تعظيما لها أي لا تخيفك هذه (٢٢) الأجرام الكثيرة فإن في يمينك شيئا أعظم منها كلها ، وهذه (٢٣) على كثرتها أقل شيء عندها ، فألقه يتلقفها بإذن الله ويمحقها (٢٤). قوله : «تلقف» أي : تلقم وتبتلع «ما (٢٥) صنعوا» بسرعة.

قرأ العامة بفتح اللام وتشديد القاف وجزم الفاء (٢٦) على جواب الأمر (٢٧) ، وقد تقدم أن حفصا يقرأ «تلقف» بسكون اللام وتخفيف القاف (٢٨) ، وقرأ ابن ذكوان هنا

__________________

(١) ف ب : وقال ابن جريح وعكرمة.

(٢) في ب : عشرون ألفا.

(٣) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٨٣.

(٤) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٨٤.

(٥) أزال : سقط من ب.

(٦) [طه : ٦٨].

(٧) في ب : أن. وهو تحريف.

(٨) في ب : وهذا.

(٩) في ب : راجع.

(١٠) أنّ : سقط من ب.

(١١) في ب : القوم. وهو تحريف.

(١٢) في ب : الأول.

(١٣) في ب : الثاني.

(١٤) في ب : الثالث.

(١٥) في ب : الرابع.

(١٦) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ٨٤.

(١٧) في الأصل : لو وسقط من ب : لم.

(١٨) في ب : جائز.

(١٩) في ب : لا تمال لكثرة. وهو تحريف.

(٢٠) في ب : يلتقفها. وهو تحريف.

(٢١) في ب : وجائز.

(٢٢) في الأصل : بهذه. وهو تحريف.

(٢٣) في ب : وهي.

(٢٤) انظر الكشاف ٢ / ٤٤٠ ، الفخر الرازي ٢٢ / ٨٤.

(٢٥) في ب : لما.

(٢٦) في ب : الفاعل. وهو تحريف.

(٢٧) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ٧٢ ، البيان ٢ / ١٤٨ ، البحر المحيط ٦ / ٢٦٠.

(٢٨) في سورة الأعراف عند قوله تعالى :«فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ» [الأعراف : ١٧] وذكر ابن عادل هناك : وقرأ حفص : «تلقف» بتخفيف القاف من لقف كعلم يعلم وركب ، يقال : لقفت الشيء ألقفه لقفا ـ

٣١٥

«تلقّف» بالرفع (١) إما على الحال (٢) ، وإما على الاستئناف (٣) ، وأنّث الفعل في «تلقف» حملا على معنى «ما» لأن معناها العصا (٤) ، ولو ذكّر ذهابا إلى لفظها لجاز ولم يقرأ به.

وقال أبو البقاء : إنه يجوز أن يكون فاعل «تلقف» ضمير موسى (٥) فعلى هذا يجوز أن يكون «تلقف» في قراء الرفع حالا من موسى ، وفيه (٦) بعد (٧). و(«صنعوا» ههنا : اختلقوا وزوّروا) (٨) والعرب تقول في الكذب : هو (٩) كلام مصنوع (١٠). قوله : «إنّما صنعوا كيد ساحر» (١١) العامة على رفع «كيد» على أنه خبر «إنّ» و«ما» موصولة ، و«صنعوا» صلتها ، والعائد محذوف ، والموصول هو الاسم ، والتقدير : إنّ الذي صنعوه كيد ساحر (١٢).

ويجوز أن تكون «ما» مصدرية فلا (١٣) حاجة إلى العائد ، والإعراب بحاله والتقدير : (إنّ صنعهم) (١٤) كيد ساحر (١٥).

(وقرأ مجاهد وحميد وزيد بن عليّ «كيد» بالنصب على أنه مفعول به و«ما» مزيدة مهيئة (١٦). وقرأ الأخوان : «كيد سحر» (١٧) على أن) (١٨) المعنى (١٩) : كيد ذوي

__________________

ـ وتلقفته أتلقفه تلقفا إذا أخذته بسرعة فأكلته أو ابتلعته ، ويقال : لقف ولقم بمعنى واحد قاله أبو عبيد.

انظر اللباب ٤ / ٨٣.

(١) السبعة (٤٢٠ ـ ٤٢١) الحجة لابن خالويه (٢٤٤) ، الكشف ٢ / ١٠١ ، النشر ٢ / ٣٢١ ، الإتحاف (٣٠٥).

(٢) قال مكي : (قوله : «تلقف» قرأه ابن ذكوان بالرفع ، وجزمه الباقون ، وخففه حفص وشدده الباقون.

وحجة من رفعه أنه جعله حالا من الملقى) الكشف ٢ / ١٠١ ، وانظر أيضا مشكل إعراب القرآن ٢ / ٧٢ ، الكشاف ٢ / ٤٤٠.

(٣) انظر الكشاف ٢ / ٤٤٠.

(٤) انظر البيان ٢ / ١٤٨ ، التبيان ٢ / ٨٩٦. وجوز ابن الأنباري أن تكون التاء للمخاطب ، وتقديره : تلقف أنت. وذكر ذلك أبو البقاء حين جوز أن يكون فاعل «تلقف» ضمير موسى ، كما سيأتي.

(٥) انظر التبيان ٢ / ٨٩٦.

(٦) في الأصل : وبعد.

(٧) لأن المعنى للعصا وليس لموسى.

(٨) ما بين القوسين سقط من ب.

(٩) هو : سقط من ب.

(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٨٤.

(١١) ساحر : سقط من ب.

(١٢) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ٧٢ ، البيان ٢ / ١٤٨ ، التبيان ٢ / ٨٩٧ البحر المحيط ٦ / ٢٦٠.

(١٣) في ب : ولا.

(١٤) ما بين القوسين في ب : الذين صنعوا. وهو تحريف.

(١٥) انظر التبيان ٢ / ٨٩٧ ، البحر المحيط ٦ / ٢٦٠.

(١٦) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ٧٣ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٥٥ ، التبيان ٢ / ٨٩٧ ، البحر المحيط ٦ / ٢٦٠.

(١٧) وهما حمزة والكسائي. السبعة (٤٢١) ، الكشف ٢ / ١٠٢ النشر ٢ / ٣٢١ ، الإتحاف (٣٠٥).

(١٨) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٩) في ب : ويجوز أن يكون المعنى.

٣١٦

سحر (١) ، (أو جعلوا نفس السحر مبالغة وتبيينا للكيد ، أي حيلة سحر ، لأنه يكون سحرا وغير سحر)(٢) كما تميز (٣) سائر الأعداد بما يفسره (٤) نحو (٥) مائة درهم ، وألف دينار ، ومثله علم فقه وعلم نحو(٦). وقال أبو البقاء : (كَيْدُ ساحِرٍ)(٧) إضافة المصدر إلى الفاعل ، و«كيد سحر» إضافة الجنس إلى النوع (٨). والباقون : («ساحر» (٩)) (١٠). وأفرد (١١) ساحرا وإن كان المراد به جماعة ، قال الزمخشري : لأن القصد في (١٢) هذا الكلام إلى (١٣) معنى الجنسية لا إلى (١٤) معنى العدد (فلو جمع لخيّل أنّ المقصود هو العدد) (١٥)(١٦). وقرىء (١٧) «ساحرا» (١٨) بالنصب على أن «ما» كافة (١٩). ثم قال : (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى) من الأرض. قال ابن عباس : لا يسعد حيث كان. وقيل معناه : حيث احتال (٢٠).

قوله : (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً)(٢١) لما ألقى ما في يمينه ، وصار حيّة ، وتلقف (٢٢) ما صنعوا ، وظهر الأمر ، خروا عند ذلك سجدا ، لأنهم كانوا في أعلى طبقات السحر ، فلما رأوا ما فعل (٢٣) موسى ـ عليه‌السلام (٢٤) ـ خارجا عن صناعتهم عرفوا أنه ليس من السحر البتّة ، روي أن رئيسهم قال : كنّا نغلب الناس بالسحر ، وكانت (الآلات) (٢٥) تبقى علينا ، فلو كان هذا سحرا فأين ما ألقيناه؟ فاستدل بتغير أحوال الأجسام على الصانع القادر العالم ، وبظهوره (٢٦) على يد موسى ـ عليه‌السلام (٢٧) ـ على كونه رسولا صادقا من عند الله فلا جرم تابوا وآمنوا وأتوا بما هو النهاية في الخضوع وهو السجود. قال الأخفش : إنهم في سرعة ما سجدوا كأنهم خروا. قال الزمخشري : ما أعجب أمرهم قد

__________________

(١) أي : على حذف مضاف.

(٢) ما بين القوسين سقط من ب.

(٣) في ب : يفسر.

(٤) في ب : يميزه.

(٥) في ب : ك.

(٦) انظر الكشاف ٢ / ٤٤٠ ، البحر المحيط ٦ / ٢٦٠.

(٧) ساحر : سقط من الأصل.

(٨) التبيان ٢ / ٨٩٧.

(٩) السبعة (٤٢١) ، الكشف ٢ / ١٠٢ ، النشر ٢ / ٣٢١ ، الإتحاف (٣٠٥).

(١٠) ما بين القوسين سقط من ب.

(١١) في ب : أفردوا.

(١٢) في ب : إلى. وهو تحريف.

(١٣) في ب : و. وهو تحريف.

(١٤) إلى : سقط من ب.

(١٥) الكشاف ٢ / ٤٤٠.

(١٦) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٧) في ب : و.

(١٨) لم أجد من ذكر هذه القراءة فيمن تيسر لي الرجوع إلى مؤلفاتهم وقرىء «كيد ساحر» بنصب «كيد» وهي قراءة مجاهد وحميد وزيد بن علي كما تقدم.

(١٩) انظر القرطبي ١١ / ٢٢٤.

(٢٠) في ب : خان. وهو تحريف.

(٢١) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٨٦.

(٢٢) في ب : وتلقفت. وهو تحريف.

(٢٣) في ب : ألقى.

(٢٤) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٢٥) ما بين القوسين سقط من ب.

(٢٦) في ب : وتحويلها وبظهورها.

(٢٧) في ب : عليه الصلاة والسلام.

٣١٧

ألقوا حبالهم (١) للكفر والجحود ، ثم ألقوا رؤوسهم بعد ساعة للشكر والسجود ، فما أعظم الفرق بين الإلقاءين. روي أنهم لم يرفعوا رؤوسهم حتى رأوا الجنة والنار ، ورأوا ثواب أهلها ، وعن عكرمة : لما خروا سجّدا أراهم الله في سجودهم منازلهم التي يصيرون إليها في الجنة (٢).

قال القاضي : هذا بعيد ، لأنهم لو أراهم عيانا لصاروا ملجئين ، وذلك لا يليق به (٣) قولهم : إنّا آمنّا بربّنا (٤) ليغفر لنا» (٥).

وأجيب : أنه (٦) لما جاز لإبراهيم (٧) مع (٨) قطعه بكونه مغفورا له أن يقول (٩) : (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي)(١٠) فلم لا يجوز في حق السحرة (١١)؟

قوله : (آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى)(١٢) احتج التعليمية (١٣) بهذه الآية وقالوا (١٤) : إنّهم آمنوا بالله الذي عرفوه من (١٥) قبل هارون وموسى ، وفي الآية فائدتان :

الفائدة (١٦) الأولى : أنّ فرعون ادّعى الربوبية في قوله : (أَنَا رَبُّكُمُ)(١٧). والإلهية في قوله : (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي)(١٨) فلو (١٩) قالوا : آمنّا بربّ العالمين ، لكان فرعون يقول : إنهم آمنوا بي لا بغيري ، فلقطع هذه التهمة اختاروا هذه العبارة ، ويدل عليه تقديمهم ذكر هارون على موسى ، لأن فرعون كان يدعي ربوبية موسى (بناء على أنه ربّاه) (٢٠) ، وقال : (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً)(٢١) ، فالقوم لما احترزوا عن إيهامات (فرعون قدموا ذكر هارون على موسى قطعا لهذا الخيال.

الفائدة الثانية : هي أنهم لما شاهدوا) (٢٢) ما خصهما الله تعالى به من المعجزات

__________________

(١) في ب : حبالهم وعصيهم.

(٢) الكشاف ٢ / ٤٤٠ ـ ٤٤١.

(٣) في ب : لهم. وهو تحريف.

(٤) «بربنا» : سقط من ب.

(٥) في ب : «لنا خطايانا» [طه : ٧٣].

(٦) في الأصل : لأنه.

(٧) في ب : لابراهيم عليه الصلاة والسلام.

(٨) في ب : مع كونه.

(٩) في ب : بقوله. وهو تحريف.

(١٠) من قوله تعالى : «وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ» [الشعراء : ٨٢].

(١١) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ٨٦.

(١٢) في ب : قوله :«آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ. رَبِّ مُوسى وَهارُونَ» [الأعراف : ١٢١ ، ١٢٢].

(١٣) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢ / ٨٧. ولم أجد فيما رجعت إليه من كتب الفرق والمذاهب من ذكر التعليمية.

(١٤) في ب : وقال. وهو تحريف.

(١٥) من : سقط من ب.

(١٦) الفائدة : سقط من ب.

(١٧) في ب :«أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى» [النازعات : ٢٤].

(١٨) [القصص : ٣٨].

(١٩) في ب : فلوا. وهو تحريف.

(٢٠) ما بين القوسين في ب : كونه ربّاه.

(٢١) [الشعراء : ١٨].

(٢٢) ما بين القوسين سقط من ب.

٣١٨

العظيمة (١) والدرجات الشريفة قالوا : «ربّ (هارُونَ وَمُوسى)(٢).

قوله تعالى : (قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى)(٧١)

(فصل (٣)) (٤)

قوله : (آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ) اعلم أن فرعون لما شاهد منهم السجود والإقرار خاف أن يصير (٥) ذلك سببا لاقتداء سائر الناس بهم في الإيمان بالله وبرسوله ففي الحال ألقى هذه الشبهة في النبي (٦) ، وهي مشتملة (٧) على التنفير من وجهين :

الأول : أن الاعتماد على أول خاطر لا يجوز بل لا بد فيه من البحث ، والمناظرة ، والاستعانة بخواطر الغير ، فلمّا لم تفعلوا شيئا من ذلك بل في الحال (آمَنْتُمْ لَهُ) دلّ ذلك على أن (٨) إيمانكم ليس عن (٩) بصيرة بل لسبب آخر.

والثاني : قوله : (إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ) يعني : أنكم تلامذته في السحر ، فاصطلحتم (١٠) على أن تظهروا العجز من أنفسكم ترويجا لأمره وتفخيما لشأنه. ثم بعد إيراد هذه الشبهة اشتغل بالتهديد تنفيرا لهم عن الإيمان ، وتنفيرا لغيرهم عن الاقتداء بهم ، فقال : «لأقطعن (أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ)(١١).

قوله : «لأقطّعنّ» تقدم نحوه (١٢) ، و (مِنْ خِلافٍ) حال أي مختلفة و«من» لابتداء الغاية ، وتقدم تحرير (١٣) هذا ، وما قرىء به وقوله : (فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) يحتمل أن يكون

__________________

(١) في ب : من الوحي والمعجزات العظيمة.

(٢) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ٨٧.

(٣) هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٨٧.

(٤) ما بين القوسين سقط من ب.

(٥) في ب أن يكون.

(٦) في النبي : سقط من ب.

(٧) في ب : وهي تدل. وهو تحريف.

(٨) أن : سقط من ب.

(٩) عن : سقط من ب.

(١٠) في ب : واصطلحتم.

(١١) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٢) عند قوله تعالى : (لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ) [الأعراف : ١٢٤].

وذكر ابن عادل هناك : وقرأ مجاهد وابن جبير وحميد المكيّ وابن محيصن «لأقطعنّ» مخففا من قطع الثلاثي ، وكذا «لأصلبنكم» من صلب الثلاثي ، وروي ضم اللام وكسرها وهما لغتان في المضارع يقال : صلبه يصلبه ويصلبه. وقوله : (مِنْ خِلافٍ) يحتمل أن يكون المعنى أنه يقطع من كل شق طرفا فيقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى فيكون من خلاف «حالا» ، أي : مختلفة ، ويحتمل أن يكون المعنى «لأقطعن» لأجل مخالفتكم إياي فتكون «من» تعليلية.

انظر اللباب ٤ / ٨٥.

(١٣) في ب : تجويز. وهو تحريف.

٣١٩

حقيقة ، ففي التفسير (١) أنه نقّر (٢) جذوع النخل حتى (٣) جوّفها ووضعهم (٤) فيها فماتوا (٥) جوعا وعطشا (٦) وأن يكون مجازا ، وله وجهان :

أحدهما (٧) : أنه وضع (في) مكان (٨) (على) ، والأصل : على جذوع النخل (٩) ، كقول الآخر(١٠) :

٣٦٧٥ ـ بطل كأنّ ثيابه في سرحة

يحذى نعال السّبت ليس (بتوأم (١١)) (١٢)

والثاني : أنه شبه تمكنهم بتمكن من حواء الجذع واشتمل عليه ، شبه تمكن المصلوب في الجذع بتمكّن الشيء (١٣) الموعى في وعائه ، فلذلك قيل (١٤)(فِي جُذُوعِ النَّخْلِ)(١٥). ومن تعدّي (صلب) ب (في) قوله :

٣٦٧٦ ـ وقد صلبوا العبديّ في جذع (١٦) نخلة

فلا عطست شيبان إلّا بأجدعا (١٧)

قوله : (أَيُّنا أَشَدُّ) مبتدأ وخبر ، وهذه الجملة سادة مسد المفعولين إن كانت (علم) على بابها (١٨) ، ومسد واحد (١٩) إن كانت عرفانيّة (٢٠). ويجوز على جعلها عرفانية أن

__________________

(١) في ب : يحتمل أن يكون في التفسير. وهو تحريف.

(٢) في ب : يقرأ. وهو تحريف.

(٣) في ب : حفر. وهو تحريف.

(٤) في ب : ووصفهم. وهو تحريف.

(٥) في ب : فيموتوا. وهو تحريف.

(٦) قال أبو البقاء : (قوله تعالى : «فِي جُذُوعِ النَّخْلِ» : في هنا على بابها ، لأن الجذع مكان للمصلوب ومحتو عليه) التبيان ٢ / ٨٩٧.

(٧) في ب : الأول.

(٨) في ب : موضع.

(٩) انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٣ / ٣٦٨ ، التبيان ٢ / ٨٩٧.

(١٠) في ب : كقوله.

(١١) البيت من بحر الكامل ، وهو من معلقة عنترة بن شداد.

والشاهد فيه أن (في) بمعنى (على) أي : على سرحة.

(١٢) ما بين القوسين في ب : يعوام.

(١٣) في ب : في الجذع كالشيء.

(١٤) في ب : قال. وهو تحريف.

(١٥) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٨٧.

(١٦) في ب : جذوع. وهو تحريف.

(١٧) البيت من بحر الطويل قاله سويد بن أبي كاهل اليشكرى ، ونسبه ابن جني في الخصائص لامرأة من العرب. وهو في مجاز القرآن ٢ / ٢٤ ، المقتضب ٢ / ٣١٨ ، الكامل ٢ / ١٠٠١ ، معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٣ / ٣٦٨ ، الخصائص ٢ / ٣١٣ ، أمالي ابن الشجري ٢ / ٣٦٧ ابن يعيش ٨ / ٢١ ، القرطبي ١١ / ٢٢٤ اللسان (عبد) المغني ١ / ١٦٨ شرح شواهده ١ / ٤٧٩.

العبديّ : نسبة إلى عبد القيس. الأجدع : الأنف المقطوع. والشاهد فيه تعدي (صلب) ب (في). أو على أن (في) بمعنى (على).

(١٨) في ب : إن كانت علما بأينا ، وهو تحريف.

(١٩) في ب : ومسدا واحدا. وهو تحريف.

(٢٠) وذلك لأن (علم) إذا كانت بمعنى أيقن تعدت إلى مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر نحو قوله تعالى :(فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ) [الممتحنة : ١٠] وإن كانت بمعنى عرف تعدت إلى مفعول واحد نحو قوله تعالى : (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً) [النحل : ٧٨] انظر الهمع ١ / ١٤٩.

٣٢٠