اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٣

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٣

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٦٤٠

وهذا وعد منهما لمن آمن وصدق بالسلامة له (١) من عقوبات الدنيا والآخرة والسلام بمعنى السلامة ، كما يقال : رضاع ورضاعة.

وقيل : هذا من كلام الله تعالى كأنه قال : «فقولا إنا رسولا ربك وقولا له (٢) والسلام على من اتبع الهدى» (٣) ، وليس المراد منه التحية إنما معناه سلم من عذاب الله من أسلم (٤).

قوله (٥) : «أرسل (مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ) خلّ عنهم وأطلقهم عن أعمالك (وَلا تُعَذِّبْهُمْ) لا تتعبهم في العمل ، وكان فرعون يستعملهم في الأعمال الشاقة.

قوله تعالى (٦) : (إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) هذه الآية من أقوى الدلائل على أن عقاب المؤمن لا يدوم ، لأن الألف واللام (٧) للاستغراق ، أو الإفادة (الماهية ، وعلى) (٨) التقديرين يقتضي انحصار (٩) هذا الجنس في (مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) فوجب أن لا تحصل لغير (١٠) المكذب المتولي.

وظاهر هذه الآية يقتضي القطع بأنه لا يعاقب أحدا من المؤمنين بترك العمل به (١١) في بعض الأوقات ، فوجب أن يبقى على أصله في نفي (١٢) الدوام ، ولأن العقاب المتناهي (١٣) إذا حصل بعده السلامة مدة غير متناهية صار ذلك العقاب كأنه لا عقاب ، فلذلك يحسن مع حصول (١٤) ذلك القدر أن يقال : إنه لا عقاب.

وأيضا فقوله : (وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى) يقتضي حصول السلامة لكل من اتبع الهدى ، إذا فسّرنا السلام بالسلامة. والعارف بالله قد اتبع الهدى ، فوجب أن يكون صاحب السلامة(١٥). ومعنى الآية : إنما يعذب الله من كذب بما جئنا (١٦) به وأعرض عنه.

قوله : (أَنَّ الْعَذابَ) «أنّ» وما في خبرها في محل رفع لقيامه (١٧) مقام الفاعل الذي

__________________

(١) له : سقط من الأصل.

(٢) في ب : ولا إله. وهو تحريف.

(٣) قال الفراء : (قال أمر موسى أن يقول لفرعون والسلام على من اتبع الهدى) معاني القرآن ٢ / ١٨٠.

(٤) قال الزجاج : (وقوله : «وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى» ليس يعني به التحية ، وإنما معناه أن من اتبع الهدى سلم من عذاب الله وسخطه ، والدليل على أنه ليس بسلام أنه ليس ابتداء لقاء وخطاب) معاني القرآن وإعرابه ٣ / ٣٥٨.

(٥) في ب : وقوله.

(٦) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٦٢.

(٧) في ب : لأن الألف واللام في العذاب.

(٨) ما بين القوسين سقط من ب.

(٩) في ب : وعلى هذا يقتضي.

(١٠) لغير : سقط من ب.

(١١) به : سقط من ب.

(١٢) في ب : على أصله بقي. وهو تحريف.

(١٣) في ب : وأم لأن العقاب المناهي. وهو تحريف.

(١٤) في ب : حصوله.

(١٥) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ٦٢.

(١٦) في ب : جئت.

(١٧) كذا في ب ، وفي الأصل في محل الرفع لقيامها.

٢٦١

حذف في (١)(أُوحِيَ إِلَيْنا) وسبب (٢) بنائه للمفعول (خوفا أن يبدر من فرعون بادرة لمن أوحي لو سمياه فطويا ذكره تعظيما له واستهانة بالمخاطب (٣)) (٤).

قوله تعالى : (قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى (٤٩) قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى)(٥٠)

قوله : (قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى) وحده بعد مخاطبته لهما معا (٥) إمّا لأنّ موسى هو الأصل في الرسالة وهارون تبع وردء ووزير (٦) وإما لأن فرعون كان (٧) لخبثه يعلم الرّتّة (٨) التي في لسان موسى ، ويعلم فصاحة هارون بدليل قوله : (وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً)(٩) وقوله : (وَلا (١٠) يَكادُ يُبِينُ)(١١) فأراد استنطاقه دون أخيه (١٢).

وإما لأنه حذف المعطوف للعلم به أي : يا موسى وهارون قاله أبو البقاء (١٣) وبدأ به. وقد يقال : حسّن الحذف كون موسى فاصلة ، لا يقال : كان يغني (١٤) في ذلك أن يقدم هارون ويؤخر موسى فيقال : يا هارون وموسى (١٥) فتحصل مجانسة الفواصل من غير حذف ، لأن نداء موسى أهم فهو المبدوء به (١٦). واعلم أن في الكلام حذف ، لأنه لما قال : «فأتياه فقولا إنا رسول ربك أن أرسل معنا بني إسرائيل» إلى قوله : (أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) أمر من الله تعالى لموسى بأن يقول لفرعون ذلك الكلام والتقدير : فذهبا إلى فرعون فقالا له ذلك فقال مجيبا لهما من ربّكما (١٧)؟

قوله : (أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ)(١٨) في هذه الآية وجهان :

أحدهما : أن يكون (كُلَّ شَيْءٍ) مفعولا أول و«خلقه» مفعولا ثانيا (١٩) على معنى أعطى كل شيء شكله وصورته (٢٠) التي تطابق المنفعة المنوطة به كما أعطى العين الهيئة

__________________

(١) حذف في : سقط من ب.

(٢) سبب : سقط من ب.

(٣) البحر المحيط ٦ / ٢٤٧.

(٤) ما بين القوسين سقط من ب ، وفيه : وهو واضح.

(٥) في ب : نادى موسى وحده بعد مخاطبتهما معا.

(٦) في ب : تبعا له في الرسالة.

(٧) كان : سقط من ب.

(٨) الرّتة : عجلة في الكلام ، وقلة أناة ، الأرتّ : الذي في لسانه عقدة وحبسة ، ويعجل في كلامه فلا يطاوعه لسانه. اللسان (رتت).

(٩) [القصص : ٣٤].

(١٠) ولا : سقط من ب.

(١١) من قوله تعالى : «أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ» [الزخرف : ٥٢].

(١٢) انظر الكشاف ٢ / ٤٣٥.

(١٣) انظر التبيان ٢ / ٨٩٢.

(١٤) في ب : ينبغي.

(١٥) في ب : يا هارون ويا موسى.

(١٦) في ب : فهو المبدأ به.

(١٧) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٤٧.

(١٨) في ب : «أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى».

(١٩) الكشاف ٢ / ٤٣٥ ، التبيان ٢ / ٨٩٢.

(٢٠) في ب : صوته. وهو تحريف.

٢٦٢

التي تطابق الإبصار ، والأذن الهيئة التي تطابق الاستماع وتوافقه (١) ، وكذلك اليد والرجل واللسان (٢). قاله مجاهد (٣). أو (٤) أعطى كل حيوان نظيره في الخلق والصورة حيث جعل الحصان والحجر (٥) زوجين ، والناقة والبعير ، والرجل والمرأة ، ولم يزاوج شيئا منها (٦) غير جنسه ، ولا ما هو مخالف لخلقه.

(وقيل : المعنى أعطى كلّ شيء مخلوق خلقه ، أي هو الذي ابتدعه (٧)) (٨).

وقيل : المعنى أعطى كلّ شيء مما خلق خلقته وصورته على ما يناسبه من الإتقان ، لم يجعل خلق الإنسان في خلق البهائم ، ولا بالعكس ، بل خلق كلّ شيء فقدّره تقديرا (٩).

الثاني : أن يكون (كُلَّ شَيْءٍ) مفعولا ثانيا و«خلقه» هو الأول (١٠) فقدّم (١١) الثاني عليه ، والمعنى : أعطى خليقته كلّ شيء يحتاجون إليه ويرتفقون (١٢) به.

وقرأ عبد الله والحسن والأعمش وأبو نهيك وابن أبي إسحاق (١٣) ونصر (١٤) عن الكسائيّ وجماعة من أصحاب رسول الله (١٥) «خلقه» بفتح اللام فعلا ماضيا (١٦) ، وهذه الجملة في هذه القراءة تحتمل أن تكون منصوبة المحلّ لكلّ أو في محل جرّ صفة لشيء. وهذا معنى قول الزمخشري : صفة المضاف يعني «كلّ» (١٧) (أو للمضاف إليه يعني «شيء» (١٨)) (١٩) ، والمفعول الثاني على هذه القراءة محذوف ، فيحتمل أن يكون حذفه حذف اختصار (٢٠) للدلالة عليه (٢١). أي : أعطى كل شيء خلقه ما يحتاج إليه ويصلحه أو كماله ، ويحتمل أن يكون حذفه حذف اقتصار) (٢٢) ، والمعنى أنّ كلّ شيء خلقه الله

__________________

(١) في ب : الشكل الذي يطابق الاستماع ويوافقه.

(٢) انظر الكشاف ٢ / ٤٣٥ ، القرطبي ١١ / ١٠٤.

(٣) في ب : قال مجاهد.

(٤) في ب : و.

(٥) الحجر : الفرس الأنثى. لم يدخلوا فيه الهاء ، لأنه اسم لا يشركها فيه المذكر ، والجمع أحجار وحجورة وحجور. اللسان (حجر).

(٦) منها : سقط من ب.

(٧) التبيان ٢ / ٨٩٢.

(٨) ما بين القوسين سقط من ب.

(٩) انظر القرطبي ١١ / ٢٠٤.

(١٠) في ب : الأولى. وهو تحريف.

(١١) في ب : تقدم.

(١٢) انظر الكشاف ٢ / ٤٣٥ ، والتبيان ٢ / ٨٩٢ ، والقرطبي ١١ / ١٠٤.

(١٣) هو عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي ، النحوي ، البصري ، أخذ القراءة عرضا عن يحيى بن يعمر ، ونصر بن عاصم ، وروى القراءة عنه عيسى بن عمر ، وأبو عمرو بن العلاء وغيرهما. مات سنة ١١٧ ه‍ طبقات القراء ١ / ٤١٠.

(١٤) هو نصر بن يوسف صاحب الكسائي.

(١٥) في ب : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(١٦) انظر المختصر (٨٧) ، الكشاف ٢ / ٤٣٥ ، البحر المحيط ٦ / ٢٤٧.

(١٧) في ب : أعني كل شي.

(١٨) الكشاف ٢ / ٤٣٥.

(١٩) ما بين القوسين سقط من ب.

(٢٠) في ب : حذفه اختصارا. وحذف الاختصار هو أن يكون في الكلام ما يدل على المحذوف.

(٢١) التبيان ٢ / ٨٩٢.

(٢٢) ما بين القوسين سقط من ب.

٢٦٣

تعالى (١) لم يخله من إنعامه وعطائه (٢).

فصل (٣)

اعلم أن فرعون كان شديد القوة عظيم الغلبة كثير العسكر ، ثم إن موسى لما دعاه إلى ربه (٤) لم يبطش به ، ولم يؤذه ، بل خرج معه في المناظرة ، لأنه لو أذاه لنسب إلى الجهل والسفاهة ، فاستنكف من (٥) ذلك وشرع في المناظرة ، وذلك يدل أن السفاهة من غير حجة شيء لم يرضه فرعون مع كمال جهله وكفره فكيف يليق ذلك بمن يدعي الإسلام والعلم؟ ثم إن فرعون لما سأل موسى ـ عليه‌السلام (٦) ـ عن ذلك قبل موسى ذلك السؤال ، واشتغل بإقامة الدلالة على وجود الصانع ، وذلك يدل على فساد التقليد ، ويدل أيضا على قول التعليمية (٧) الذين يقولون : نستفيد معرفة الإله من قول الرسول ، لأن موسى ـ عليه‌السلام (٨) ـ اعترف هاهنا بأن معرفة الله تجب أن تكون مقدمة على معرفة الرسول. ودلت الآية أيضا على أنه يجوز حكاية كلام المبطل ، لأنه تعالى حكى كلام فرعون في إنكاره الإله ، وحكى شبهات منكري النبوة ، وشبهات منكري الحشر (٩) إلا أنه يجب أن يذكر الجواب مقرونا بالسؤال (١٠) (كما فعل الله (١١) تعالى في هذه المواضع لئلا يبقى الشك) (١٢).

ودلت الآية على أن المحق يجب عليه استماع كلام المبطل ويجيب عنه من غير إيذاء ولا إيحاش ، كما فعل موسى عليه‌السلام (١٣) بفرعون هاهنا ، ولقوله تعالى : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ)(١٤) ، وقال : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ)(١٥).

فصل (١٦)

قال بعضهم : إنّ فرعون كان عارفا بالله تعالى إلا أنه كان يظهر الإنكار (١٧) تكبرا

__________________

(١) تعالى : سقط من ب.

(٢) انظر الكشاف ٢ / ٤٣٥ ، البحر المحيط ٦ / ٢٤٧.

(٣) هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٦٢ ـ ٦٣.

(٤) في ب : الله.

(٥) في ب : عن.

(٦) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٧) التعليمية : سقط من ب.

(٨) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٩) في ب : البعث.

(١٠) في ب : لأنه يجب أن يذكر السؤال مقرونا بالجواب.

(١١) لفظ الجلالة مكرر في الأصل.

(١٢) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٤) [النحل : ٢٥].

(١٥) [التوبة : ٦].

(١٦) هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٦٣ ـ ٦٤ بتصرف يسير.

(١٧) في ب : ينكر الإظهار. وهو تحريف.

٢٦٤

وتجبرا ، لقوله تعالى (١) : (لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)(٢) فيمن نصب التاء في «علمت» (٣) كان ذلك خطابا لموسى ـ عليه‌السلام (٤) ـ مع فرعون ، وذلك يدل على أن فرعون كان عالما (٥) بذلك ، وقوله : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا)(٦). ولأنه لو لم يكن عاقلا لم يجز تكليفه ، والعاقل يعلم بالضرورة أنه وجد بعد العدم ، ويعلم أن من كان كذلك افتقر إلى مدبّر ، وهذان العلمان الضروريان يستلزمان (٧) العلم بوجود المدبّر ، ولأن قول موسى ـ عليه‌السلام (٨) ـ (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) يقتضي ذلك (٩) ، لأن كلمة «الّذي» تقضي وصف المعرفة بجملة (١٠) معلومة عند المخاطب. وأيضا فإن ملك فرعون (١١) لم يتجاوز القبط ، ولم يبلغ الشام ، ولما هرب موسى إلى مدين قال له شعيب : (لا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ)(١٢) ، فمع هذا كيف يعتقد أنّه إله العالم؟

وقال آخرون : إنّه كان جاهلا برّبه.

واتفقوا على أنّ العاقل لا يجوز أن يعتقد في نفسه أنه خالق هذه السموات والأرض والشمس والقمر ، وأنه خالق نفسه ، لأنه يعلم بالضرورة عجزه عنها ، ويعلم بالضرورة أنها كانت موجودة قبله ، فحصل له العلم الضروري بأنه ليس موجدا لها ولا خالقا لها.

واختلفوا في كيفية جهله بالله تعالى ، فيحتمل أنه كان دهريا نافيا للمدبّر ، ويحتمل (١٣) أنه كان فلسفيا قائلا بالعلة الموجبة (١٤) ، ويحتمل أنه كان من عبدة الكواكب ، ويحتمل أنه كان من الحلوليّة ، وأما ادعاؤه الربوبية لنفسه فبمعنى أنه يجب عليهم طاعته والانقياد له.

فصل (١٥)

قال هاهنا : (فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى) ، وقال في سورة الشعراء : (وَما رَبُ

__________________

(١) تعالى : سقط من الأصل.

(٢) [الإسراء : ١٠٢].

(٣) ونصب التاء في «علمت» قراءة غير الكسائي ، أما هو فقد قرأ بضم التاء. انظر السبعة ٣٨٥ ـ ٣٨٦.

(٤) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٥) في ب : كان عارفا عالما.

(٦) [النمل : ١٤].

(٧) في ب : يلتزمان.

(٨) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٩) في ب : مقتضى ذلك.

(١٠) في الأصل جملة.

(١١) في ب : وأيضا فإن ذلك أعني ملك فرعون.

(١٢) [القصص : ٣١] ، وليس هذا قول شعيب وإنما قول شعيب له هو : «لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» [القصص : ٢٥] وذلك كما في الفخر الرازي.

(١٣) يحتمل : سقط من ب.

(١٤) في ب : بالعلة الموجبة. ويحتمل أنه كان جاهلا بربّه واتفق جماعة منهم على ذلك.

(١٥) هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ ـ ٦٤ بتصرف يسير.

٢٦٥

الْعالَمِينَ)(١) ، وهو سؤال عن الماهية ، فهما سؤالان مختلفان ، والواقعة واحدة ، والأقرب أن يقال(٢) : سؤال «من» كان مقدما على سؤال «ما» (٣) ، لأنه كان يقول : أنا الله والرّبّ (٤) ، فقال : (فَمَنْ رَبُّكُما) ، فلما أقام موسى الدلالة على الوجود ، وعرف أنه لا يمكنه أن يقاومه (٥) في هذا المقام ، لظهوره وجلائه ، عدل إلى طلب الماهية ، وهذا ينبه (٦) على أنه كان عالما بالله ، لأنه ترك المنازعة في هذا المقام لعلمه بغاية ظهوره ؛ وشرع في المقام الصعب ، لأن العلم بماهية الله تعالى (٧) غير حاصل للبشر.

قوله (٨) : (قالَ فَمَنْ رَبُّكُما) ولم يقل : «فمن إلهكما» لأنه أثبت نفسه ربّا في قوله : (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً)(٩) ، فذكر ذلك على سبيل التعجب كأنه قال : أنا ربّك فلم تدعي ربّا آخر ، وهذا يشبه (١٠) كلام نمروذ حين قال له إبراهيم (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ)(١١) قال نمروذ : (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ)(١٤) ولم يكن الإحياء والإماتة التي ذكرها إبراهيم هي (١٢) التي عارضه نمروذ بها إلا في اللفظ ، فكذا هاهنا لما ادعى (١٣) موسى ـ عليه‌السلام (١٤) ـ ربوبية الله تعالى ذكر فرعون هذا الكلام ، أي : أنا الرّبّ الذي ربيتك ، ومعلوم أن الربوبية التي ادعاها موسى (١٥) لله تعالى غير هذه الربوبية في المعنى وأنه لا مشاركة بينهما (١٦) إلا في اللفظ(١٧).

فصل

استدل موسى (١٨) عليه‌السلام (١٩) ـ على (٢٠) إثبات الصانع بأحوال المخلوقات ، وهو قوله : (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) ، وهذه الدلالة هي التي ذكرها الله تعالى لمحمد ـ عليه‌السلام (٢١) ـ في قوله : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ، الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ، وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى)(٢٢) وقال إبراهيم ـ عليه‌السلام (٢٣) ـ : (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَ

__________________

(١) من قوله تعالى : «قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ» [الشعراء : ٢٣].

(٢) في ب : والأقرب واحد. وهو تحريف.

(٣) ما : سقط من ب.

(٤) في ب : إني أنا الله والرّب. وهو تحريف.

(٥) في ب : أن يقال وأن يقاومه. وهو تحريف.

(٦) في ب : وذلك يدل.

(٧) تعالى : سقط من ب.

(٨) في ب : فإن قيل.

(٩) [الشعراء : ١٨].

(١٠) في ب : شبه. وهو تحريف.

(١١) [البقرة : ٢٥٨].

(١٤) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٢) في ب : على. وهو تحريف.

(١٣) في ب : فصل لما ادعى.

(١٤) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٥) في ب : موسى عليه الصلاة والسلام.

(١٦) في ب : فيها. وهو تحريف.

(١٧) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٦٤.

(١٨) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٦٤ ـ ٦٦.

(١٩) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٢٠) في الأصل : في. وهو تحريف.

(٢١) في ب : صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٢٢) [الأعلى : ١ ، ٢ ، ٣].

(٢٣) في ب : وقال عليه‌السلام.

٢٦٦

الْعالَمِينَ. الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ)(١).

واعلم أن الخلق عبارة عن تركيب القوالب والأبدان ، والهداية عبارة عن إيداع القوى المدركة والحركة في تلك الأجسام ، فالخلق مقدم على الهداية كما قال تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ)(٢) إلى أن قال : (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ)(٣).

واعلم (٤) أن عجائب حكمة الله تعالى في الخلق والهداية بحر لا ساحل له ولنذكر منه أمثلة (٥) :

أحدها (٦) : أنّ الطبيعي يقول (٧) : الثقيل هابط ، والخفيف صاعد ، وأثقل الأشياء الأرض ثم الماء ، وأخفها النار ثم الهواء ، فلذلك وجب أن تكون النار أعلى العنصريات والأرض أسفلها ، ثم إنه تعالى قلب هذا (٨) في خلقة الإنسان ؛ فجعل أعلى الأشياء منه العظم والشعر (٩) ، وهما (١٠) أيبس ما في البدن ، وهما بمنزلة الأرض ، ثم جعل تحته الدماغ الذي هو (١١) بمنزلة الماء ، وجعل تحته النفس الذي هو (١٢) بمنزلة الهواء ، وجعل تحته الحرارة الغريزية التي في القلب ، وهي بمنزلة النار ، فجعل مكان الأرض من البدن الأعلى ، وجعل مكان النار من البدن الأسفل ليعلم أن ذلك بتدبير (١٣) القادر الحكيم لا باقتضاء العلة والطبيعة.

وثانيها (١٤) : أنّك إذا نظرت إلى عجائب النحل في تركيب البيوت المسدسة وقسمتها ، وعجائب أحوال البق والبعوض والنمل في اهتدائها (١٥) إلى مصالح أنفسها لعرفت أن ذلك لا يمكن إلا بإلهام مدبر عالم بجميع المعلومات.

وثالثها (١٦) : أنه تعالى هو الذي أنعم على الخلائق (١٧) بما به قوامهم من المطعوم ، والمشروب ، والملبوس ، والمنكوح ، ثم هداهم إلى كيفية الانتفاع بها فيستخرجون المعادن من الجبال ، واللآلىء من البحار ، ويركبون الأدوية (١٨) والدرياقات النافعة ، ويجمعون بين الأشياء المختلفة ، ويستخرجون لذائذ الأطعمة ، فدل ذلك على أنه تعالى هو الذي خلق الأشياء (١٩) ثم أعطاهم العقول التي بها يتوصلون إلى كيفية الانتفاع بها ،

__________________

(١) [الشعراء : ٧٧ ، ٧٨].

(٢) [المؤمنون : ١٢].

(٣) [المؤمنون : ١٤].

(٤) في ب : فصل واعلم.

(٥) في ب : مثلة. وهو تحريف.

(٦) في ب : الأول.

(٧) في ب : يقول الطبيعي إن.

(٨) في ب : خلق قلب ذلك. وهو تحريف.

(٩) في ب : الشعر والعظم.

(١٠) في ب : ومنه. وهو تحريف.

(١١) هو : سقط من ب.

(١٢) هو : سقط من ب.

(١٣) في ب : بتقدير وهو تحريف.

(١٤) في ب : الثاني.

(١٥) في ب : البعوض في ابتدائها ، وهو تحريف.

(١٦) في ب : الثالث.

(١٧) في الأصل : الخلق.

(١٨) في الأصل : الأودية. وهو تحريف.

(١٩) في ب : الإنسان. وهو تحريف.

٢٦٧

وليس هذا مختص بالإنسان بل عام في جميع الحيوان ، فأعطى الإنسان إنسانة ، والحمار حمارة ، والبعير ناقة هداه لها ليدوم التناسل (١) ، وهدى الأولاد لثدي الأمهات ، بل هذا غير مختص بالحيوانات (٢) ، بل هو حاصل في أعضائها ، فخلق اليد على تركيب خاص ، وأودع فيها قوة الأخذ ، وخلق الرّجل على تركيب خاص ، وأودع فيها قوّة المشي ، وكذا العين ، والأذن ، وجميع الأعضاء ، ثم ربط البعض بالبعض على وجه يحصل من ارتباطها مجموع واحد هو الإنسان.

وإنما دلت هذه الأشياء على وجود الصانع ، لأن اتصاف كلّ جسم من هذه الأجسام بتلك الصفة أعني التركيب والقوة الهادية إما أن يكون واجبا أو جائزا ، والأول باطل لأنا نشاهد تلك الأجسام بعد الموت منفكة عن ذلك التركيب والقوى ، فدل على أن ذلك جائز ، والجائز لا بد له من مرجّح ، وليس ذلك المرجّح هو الإنسان ، ولا قواه ، لأنّ فعل ذلك يستدعي قدرة عليه ، وعلما بما فيه من المصالح والمفاسد ، والأمران نائيان عن الإنسان ، لأنه (٣) بعد كمال عقله يعجز عن تغيير شعرة واحدة ، وبعد (٤) البحث الشديد عن (٥) كتب التشريح لا يعرف من منافع الأعضاء ومصالحها إلا القدر القليل ؛ فلا بد وأن (٦) يكون المتولي (٧) لتدبيرها وترتيبها موجودا آخر ، وذلك الموجود لا يجوز أن يكون جسما ، لأن الأجسام متساوية في الجسمية ، واختصاص ذلك الجسم بتلك المؤثرية (٨) لا بد وأن يكون جائزا فيفتقر إلى سبب آخر ، والدور والتسلسل محالان ، فلا بد من الانتهاء في سلسلة الحاجة (٩) إلى مدبر ليس بجسم ولا جسماني ، ثم تأثير ذلك المؤثر (١٠) إما أن يكون بالذات أو بالاختيار ، والأول محال لأن الموجب لا يميز (١١) مثلا عن مثل ، وهذه الأجسام متساوية في الجسمية فلم (١٢) اختص بعضها بالصورة الفلكية وبعضها بالصورة العنصرية وبعضها بالنباتية ، وبعضها بالحيوانية؟

فثبت أن المؤثر والمدبر قادر ، والقادر لا يمكنه مثل هذه الأفعال العجيبة إلا إذا كان عالما ، ثم إن هذا (١٣) المدبر الذي ليس بجسم ولا جسماني لا بد وأن (١٤) يكون واجب الوجود في ذاته (١٥) وصفاته ، وإلا لافتقر إلى مدبر آخر ، ولزم التسلسل ، وهو محال ، وإذا كان واجب الوجود في قادريته وعالميته ، والواجب لذاته لا يتخصص ببعض

__________________

(١) في ب : التسلسل. وهو تحريف.

(٢) في الأصل : الحيوان.

(٣) في ب : لأن. وهو تحريف.

(٤) في ب : بعد.

(٥) في ب : من.

(٦) في ب : أن.

(٧) في ب : للتولي. وهو تحريف.

(٨) في ب : المؤثر.

(٩) في ب : تسلسلة الحال. وهو تحريف.

(١٠) في ب : المدبر وهو تحريف.

(١١) لا غير : سقط من ب.

(١٢) في ب : علم. وهو تحريف.

(١٣) هذا : سقط من ب.

(١٤) في ب : أن.

(١٥) في ب : نفسه. وهو تحريف.

٢٦٨

الممكنات دون البعض ، فوجب أن يكون عالما بكل ما صح أن يكون معلوما ، وقادرا على كل ما صح أن يكون مقدورا ، فظهر (١) بهذه الدلالة التي تمسك بها موسى (٢) وقررها (٣) احتياج العالم إلى مدبر ليس بجسم ولا جسماني ، وهو واجب الوجود في ذاته وصفاته عالم بكل المعلومات ، قادر على كل المقدورات ، وذلك هو الله سبحانه وتعالى (٤).

قوله تعالى : (قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى (٥١) قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى (٥٢) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى (٥٣) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (٥٤) مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى)(٥٥)

قوله : (قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى) البال : الفكر ، يقال : خطر بباله كذا ، ولا يثنى ولا يجمع ، وشذ جمعه على بالات ، ويقال للحال المكترث بها ، وكذلك يقال : ما باليت بالة ، والأصل بالية كعافية فحذف لامه تخفيفا (٥).

فصل

قال المفسرون : البال : الحال ، أي ما حال القرون الماضية والأمم الخالية كقوم نوح وعاد وثمود(٦).

وفي ارتباط هذا الكلام بما قبله وجوه (٧) :

الأول : أنّ موسى ـ عليه‌السلام (٨) ـ لمّا قرر عليه أمر المبدأ قال فرعون : إن كان إثبات المبدأ ظاهرا (٩) إلى هذا الحد «فما بال القرون الأولى» (١٠)؟ ما أثبتوه بل تركوه ، فكأن موسى ـ عليه‌السلام (٨) ـ لما استدل على إثبات الصانع (١١) بالدلالة القاطعة قدح فرعون في تلك الدلالة بقوله : إن كان الأمر على ما ذكرت من قوة (١٢) الدلالة وجب على أهل القرون الماضية أن لا يغفلوا عنها (١٣). فعارض الحجة بالتقليد.

__________________

(١) في ب : وظهر.

(٢) في ب : موسى عليه الصلاة والسلام.

(٣) في ب : وقرر. وهو تحريف.

(٤) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ٦٤ ـ ٦٦ بتصرف يسير.

(٥) اللسان (بول).

(٦) انظر البغوي ٥ / ٤٣٦.

(٧) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٦٦ ـ ٦٧ بتصرف يسير.

(٨) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٩) في ب : ظاهر. وهو تحريف.

(١٠) الأولى : سقط من ب.

(٨) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١١) في ب : لما استدل بوجود الصانع أعني على إثبات الصانع والزيادة تبدو من كلام الناسخ.

(١٢) في ب : بقوة. وهو تحريف.

(١٣) في الأصل : عنه وهو تحريف.

٢٦٩

الثاني : أنّ موسى ـ عليه‌السلام (١) ـ لما هدده بالعذاب (٢) في قوله : (أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) قال فرعون : (فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى) فإنها كذبت ولم يعذبوا؟

الثالث : وهو الأظهر ، أنّ فرعون لما قال : (فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى)(٣) فذكر موسى ـ عليه‌السلام ـ دليلا ظاهرا على صحة دعواه فقال : (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) خاف فرعون أن يزيد في تلك الحجة ، فيظهر للناس صدقه ، وفساد طريق (٤) فرعون ، فأراد أن يصرفه عن ذلك الكلام ، ويشغله بالحكايات فقال : (فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى) فلم يلتفت موسى ـ عليه‌السلام (٥) ـ إلى ذلك الحديث وقال : (عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ) ولا يتعلق غرضي بأحوالهم ، ولا أشتغل بها ، ثم عاد إلى تتميم (٦) كلامه الأول ، وإبراز الدلائل الظاهرة (٧) على الوحدانية فقال (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً) ، وهذا الوجه هو المعتمد في صحة النظم (٨).

فإن قيل : العلم الذي عند الرب ، كيف يكون في الكتاب؟ وذلك أن علم الله صفة قائمة به ، فكون صفة الشيء حاصلة في كتاب (٩) غير معقول ، فذكروا في الجواب وجهين (١٠) :

الأول : معناه : أنه تعالى (١١) أثبت تلك (١٢) الأحكام في كتاب عنده ليكون ما كتبه فيه ظاهرا للملائكة ، فيكون ذلك زيادة لهم في الاستدلال على أنه تعالى عالم بكل المعلومات ينزه عن السهو والغفلة ، ولقائل أن يقول : قوله : (فِي كِتابٍ) يوهم احتياجه سبحانه في العلم إلى ذلك الكتاب ، وهذا وإن كان غير واجب لا محالة ولكنه لا أقل من أن يوهمه في أول الأمر لا سيما للكافر ، فكيف يحسن ذكره مع معاند مثل فرعون في وقت الدعوة؟

الوجه الثاني : أن يفسّر ذلك بأن بقاء تلك المعلومات في علمه سبحانه كبقاء المكتوب في الكتاب ، فيكون (١٣) الغرض من هذا الكلام تأكيد القول بأن أسرارها معلومة لله تعالى بحيث لا يزول منها شيء (١٤) عن علمه ، ويؤكد هذا التفسير قوله بعد ذلك : (لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى)(١٥).

__________________

(١) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٢) في ب : في العذاب. وهو تحريف.

(٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٤) طريق : سقط من ب.

(٥) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٦) تتميم : سقط من ب.

(٧) في ب : وإيراد الدلائل الباهرة. وهو تحريف.

(٨) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ٦٦ ـ ٦٧ بتصرف يسير.

(٩) في ب : فيكون صفة الشيء في كتاب. وهو تحريف.

(١٠) في ب : فالجواب من وجهين.

(١١) في ب : الأول : أنه.

(١٢) في ب : ذلك. وهو تحريف.

(١٣) في ب : فيبقى.

(١٤) في ب : شيئا. وهو تحريف.

(١٥) الفخر الرازي ٢٢ / ٦٧.

٢٧٠

وقيل : إنما ردّ موسى علم ذلك إلى الله ، لأنه لم يعلم ذلك فإن (١) التوراة أنزلت بعد هلاك فرعون(٢) والمراد بالكتاب : اللوح المحفوظ.

قوله : (عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي) في خبر (٣) هذا المبتدأ وجوه :

أحدها (٤) : أنّه (عِنْدَ رَبِّي) وعلى هذا فقوله : (فِي كِتابٍ) متعلق بما تعلق به الظرف من الاستقرار ، أو (٥) متعلق بمحذوف على أنه حال من الضمير المستتر في الظرف ، أو خبر ثان (٦).

الثاني : أن الخبر قوله : (فِي كِتابٍ) ، فعلى هذا قوله : (عِنْدَ رَبِّي) معمول للاستقرار الذي تعلق به (فِي كِتابٍ) كما تقدم في عكسه ، أو يكون حالا من الضمير المستتر في الجار الواقع خبرا (٧) ، وفيه خلاف أعني تقديم الحال على عاملها المعنوي (٨) ، والأخفش يجيزه ويستدل بقراءة (٩) : (وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ)(١٠) ، وقوله :

٣٦٦٢ ـ رهط ابن كوز محقبي أدراعهم(١١)

فيهم ورهط ربيعة بن حذار (١٢)

__________________

(١) في ب : لأن.

(٢) البحر المحيط ٦ / ٢٤٨.

(٣) في ب : في تفسير وهو تحريف.

(٤) في ب : الأول.

(٥) في ب : و. وهو تحريف.

(٦) انظر التبيان ٢ / ٨٩٢.

(٧) انظر البيان ٢ / ١٤٢ ، التبيان ٢ / ٨٩٢.

(٨) تقديم الحال على عاملها المعنوي فيه خلاف بين النحويين : فذهب البصريون إلى منع تقديم الحال على عاملها المعنوي لضعفه نحو : سعيد مستقرّا عندك أو في الدار ، وما ورد من ذلك مسموعا يحفظ ولا يقاس عليه. وذهب الفراء والأخفش إلى جواز ذلك مطلقا ، واستدل على ذلك بقراءة عيسى بن عمر : «والسموات مطويّات بيمينه» بنصب «مطويّات» على الحال ، وهي متقدمة على عاملها المعنوي ، وقول الشاعر :

رهط ابن كوز محقبي أدراعهم

فيهم ورهط وبيعة بن حذار

ف (محقبي أدراعهم) وقع حالا من (فيهم).

وذهب الكوفيون إلى جواز ذلك إذا كانت الحال فيه من مضمر نحو أنت قائما في الدار وقيل : يجوز إن كان الحال ظرفا أو جارا ومجرورا. صرح بذلك ابن برهان كما في شرح الكافية ، لتوسعهم في الظروف نحو زيد عندك أمامك ، أو في الدار أمامك شرح الكافية ١ / ٢٠٤ ـ ٢٠٥ ، الأشموني ٢ / ١٨١.

(٩) عيسى بن عمر ، وهي نصب «مطويّات». المختصر (١٣١).

(١٠) [الزمر : ٦٧]. والاستشهاد بالقراءة على تقديم الحال على عاملها المعنوي وتأويل المانع بأن «السّموات» عطف على الضمير المستتر في «قبضته» من قوله تعالى«وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ»لأنها بمعنى مقبوضة و«مطويّات» حال من «السّموات» و«بيمينه» ظرف لغو متعلق ب «مطويّات» انظر حاشية الصبان ٢ / ١٨٢.

(١١) في ب : أذراعهم. وهو تصحيف.

(١٢) البيت من بحر الكامل ، قاله النابغة الذبياني. رهط الرجل : قومه وقبيلته ، ما دون العشرة من الرجال لا يكون فيهم امرأة. وقد تقدم.

٢٧١

وقال بعض النحويين : إنه (١) إذا كان العامل معنويا والحال ظرف (٢) أو عديله حسن التقديم عند الأخفش وغيره ، وهذا منه (٣) ، أو يكون ظرفا للعلم نفسه ، أو يكون حالا من المضاف إليه ، وهو الضمير في «علمها» (٤) ولا يجوز أن يكون (فِي كِتابٍ) متعلقا ب «علمها» على قولنا : إنّ (عِنْدَ رَبِّي) الخبر ، كما جاز تعلق «عند» به ، لئلا يلزم الفصل بين المصدر ومعموله بأجنبي (٥) وقد تقدم أنه لا يخبر عن الموصول إلا بعد تمام صلته.

الثالث : أن يكون الظرف وحرف الجر معا خبرا واحدا في المعنى فيكون بمنزلة : هذا حلو حامض ، قاله أبو البقاء (٦). وفيه نظر إذ كل منهما يستقل بفائدة الخبرية بخلاف هذا حلو حامض. والضمير في «علمها» فيه وجهان : أظهرهما : عوده على «القرون» (٧) والثاني : عوده على القيامة لدلالة ذكر «القرون» على ذلك لأنه سأله (٨) عن بعث الأمم ، والبعث يدل على القيامة (٩).

قوله : (لا يَضِلُّ رَبِّي) في هذه الجملة وجهان :

أحدهما (١٠) : أنّها في محل جر صفة ل «كتاب» ، والعائد محذوف تقديره : في كتاب لا يضلّه ربّي ، أو (١١) لا يضل حفظه ربّي ، ف «ربّي» ، فاعل «يضلّ» على هذا التقدير.

وقيل : تقديره : لا يضلّ (١٢) الكتاب ربّي ، فيكون في «يضلّ» ضمير يعود على الكتاب ، و«ربّي» منصوب على التعظيم (١٣) ، وكان الأصل عن ربي ، فحذف الحرف اتساعا.

__________________

(١) أنه : سقط من ب.

(٢) في ب : والظرف حال.

(٣) ذكر الرضي أن الأخفش يجوز تقديم الحال على عاملها المعنوي مطلقا ، وأن ابن برهان صرح بجواز تقديم الحال على عاملها المعنوي الذي هو ظرف أو جار ومجرور ، وذلك لتوسعهم في الظرف حتى جاز أن يقع موضعا لا يقع غيرها فيه نحو قوله تعالى : «إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ» [الغاشية : ٥] فقوله تعالى «عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ» نرى أن «عند» ظرف وقع حالا وهو متقدم على عامله النحوي وهو جار ومجرور. شرح الكافية ١ / ٢٠٤ ـ ٢٠٥.

(٤) انظر التبيان ٢ / ٨٩٢.

(٥) وذلك أن المصدر لا يفصل بينه وبين ما عمل فيه بأجنبي ، والمراد بالأجنبي أن لا يكون للمصدر فيه عمل ، فلو قلت : أعجب ركوب الدابة زيدا عمرو. لم يجز ، لأن زيدا أجنبي من المصدر الذي هو الركوب ، إذ لم يكن فيه تعلق ، وقد فصلت بين المصدر وما عمل فيه. التبيان ٢ / ٨٩٢ ، شرح المفصل ٦ / ٦٧.

(٦) التبيان ٢ / ٨٩٢ أي من تعدد الخبر في اللفظ دون المعنى ، إذ معنى حلو حامض : مزّ ، وضابطه أن لا يصدق الإخبار ببعضه عن المبتدأ البيان ٢ / ١٤٣ ، شرح الأشموني ١ / ٢٢٢.

(٧) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٤٨.

(٨) في ب : سأل.

(٩) البحر المحيط ٦ / ٢٤٨.

(١٠) في ب : الأول.

(١١) في ب : و. وهو تحريف.

(١٢) لا يضل : سقط من ب.

(١٣) التبيان ٢ / ٨٩٢.

٢٧٢

يقال : ضللت كذا وضللته بفتح اللام وكسرها لغتان مشهورتان وأشهرهما الفتح (١).

والثاني : أنها مستأنفة لا محل لها من الإعراب ـ ساقها الله ـ تعالى (٢) ـ لمجرد الإخبار بذلك حكاية عن موسى (٣).

وقرأ الحسن وقتادة والجحدري وعيسى الثقفي وابن محيصن وحماد بن سلمة (٤) «لا يضلّ» بضم الياء (٥) ، أي لا يضلّ ربّي الكتاب ، أي : لا يضيعه ، يقال : أضللت الشيء أي أضعته و«ربّي» فاعل على هذا التقدير (٦).

وقيل : تقديره : لا يضلّ أحد ربّي عن علمه ، أي من علم الكتاب ، فيكون الربّ منصوبا على التعظيم (٦). وفرّق بعضهم بين ضللت وأضللت ، فقال (٧) : ضللت منزلي بغير ألف ، وأضللت بعيري ونحوه من الحيوان بالألف ، نثل ذلك الرماني (٨) عن العرب (٩).

وقال الفراء : يقال : ضللت الشيء إذا أخطأت (١٠) في مكانه ، وضللت لغتان ، فلم تهتد له (١١) كقوله (١٢) : ضللت الطريق والمنزل ، ولا يقال : أضللته إلا إذا ضاع منك كالدابة انفلتت وشبهها(١٣).

قوله : (وَلا يَنْسى) في فاعل «ينسى» قولان :

__________________

(١) في اللسان (ضلل) : ضللت تضلّ هذه اللغة الفصيحة ، وضللت تضل ضلالا وضلالة ، وبنو تميم يقولون : ضللت أضلّ ، وضللت أضلّ وأهل الحجاز يقولون : ضللت أضلّ ، وأهل نجد يقولون : ضللت أضلّ ، وقال الجوهري : لغة نجد هي الفصيحة.

(٢) في ب : ساقها تبارك وتعالى.

(٣) القرطبي : ١١ / ٢٠٨.

(٤) هو حماد بن سلمة بن دينار أبو سلمة البصري ، روى القراءة عرضا عن عاصم وابن كثير ، روى عنه الحروف حرميّ بن عمارة وحجاج بن المنهال وشيبة بن عمرو المصيصي. مات سنة ١٦٧ ه‍. طبقات القراء ١ / ٢٥٨.

(٥) انظر المختصر (٨٧) والبحر المحيط ٦ / ٢٤٨.

(٦) التبيان ٢ / ٨٩٣.

(٦) التبيان ٢ / ٨٩٣.

(٧) في ب : ويقال.

(٨) هو علي بن عيسى أبو الحسن الرماني ، كان إماما في العربية في طبقة الفارسي ، والسيرافي ، أخذ عن الزجاج وابن السراج وابن دريد ، صنف التفسير ، شرح أصول ابن السراج ، شرح سيبويه ، شرح المقتصب ، معاني الحروف وغير ذلك مات سنة ٣٨٤ ه‍. البغية ٢ / ١٨٠ ـ ١٨١.

(٩) البحر المحيط ٦ / ٢٤٨.

(١٠) في ب : إذا خطأت.

(١١) في ب : لذلك.

(١٢) في ب : كما تقول.

(١٣) يبدو أن ابن عادل نقل ما قاله الفراء من البحر المحيط ٦ / ٢٤٨. دون الرجوع إلى كتاب معاني القرآن للفراء ، ونص كلام الفراء : (وتقول : أضللت الشيء إذا ضاع ، مثل الناقة والفرس وما انفلت منك وإذا أخطأت الشيء الثابت موضعه مثل الدار والمكان قلت : ضللته وضللته لغتان ، ولا تقل : أضللت ولا أضللته) معاني القرآن ٢ / ١٨١.

٢٧٣

أحدهما : أنه عائد على «ربّي» أي : ولا ينسى ربّي ما أثبته في الكتاب.

والثاني : أن الفاعل ضمير عائد على «الكتاب» على سبيل المجاز (١) كما أسند إليه الاحصاء مجازا (٢) في قوله : (إِلَّا أَحْصاها)(٣) لما كان محلا للإحصاء (٤).

فصل

قال مجاهد (٥) في قوله : (لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى) : إن معنى اللفظين واحد أي : لا يذهب عليه شيء ولا يخفى عنه. وفرق الأكثرون بينهما ، فقال القفال (٦) : لا يضلّ عن الأشياء ومعرفتها ، وما علم من ذلك لم ينسه ، فاللفظ الأول إشارة (٧) إلى كونه عالما بكل المعلومات ، وقوله : (وَلا يَنْسى) دليل على بقاء ذلك العلم أبد الآباد ، وهو إشارة إلى نفي التغير.

وقال مقاتل : لا يخطىء ذلك الكتاب ربّي ، ولا ينسى ما فيه.

(وقال الحسن : لا يخطىء وقت البعث ولا ينساه. وقال أبو عمرو : وأصل الضلال الغيبوبة ، والمعنى: لا يغيب عن شيء ولا يغيب عنه شيء.

وقال ابن جرير : لا يخطىء في التدبير ، فيعتقد فيما ليس بصواب كونه صوابا ، وإذا عرفه لا ينساه(٨)) (٩). وكلها متقاربة ، والتحقيق هو الأول (١٠). واعلم (١١) أن فرعون لمّا سأل موسى عن الإله فقال : (فَمَنْ (١٢) رَبُّكُما) وكان ذلك ممّا سبيله الاستدلال ، أجاب بالصواب بأوجز عبارة ، وأحسن معنى ، ولما سأله عن القرون الأولى ، وكان ذلك مما سبيله الإخبار لم يأته خبر من ذلك ، وكلها إلى عالم الغيوب (١٣).

قوله : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ) في هذا الموصول وجهان :

أحدهما : أنه خبر مبتدأ مضمر (١٤) ، أو منصوب بإضمار أمدح (١٥) ، وهو (١٦) على هذين التقديرين من كلام الله تعالى لا من كلام موسى ، وإنما احتجنا إلى ذلك ، لأن

__________________

(١) فإسناد عدم النسيان إلى الكتاب استعارة.

(٢) كذا في ب ، وفي الأصل : مجاز.

(٣) من قوله تعالى :«وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً» [الكهف : ٤٩].

(٤) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٤٩.

(٥) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٦٧.

(٦) في ب : فقال الفراء ، وهو تحريف.

(٧) إشارة : سقط من ب.

(٨) انظر جامع البيان.

(٩) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٠) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ٦٧.

(١١) في ب : فصل واعلم.

(١٢) في ب : من.

(١٣) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٦٧.

(١٤) في ب : مضمرا. وهو تحريف.

(١٥) انظر الكشاف ٢ / ٤٣٦ ، والقرطبي ١١ / ٢٠٩.

(١٦) في ب : فهو.

٢٧٤

قوله : (فَأَخْرَجْنا بِهِ)(١) وقوله : (كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ) وقوله : (مِنْها خَلَقْناكُمْ) إلى قوله: (وَلَقَدْ أَرَيْناهُ) لا يتأتى (٢) أن يكون من كلام موسى ، فلذلك (٣) جعلناه من كلام الباري تعالى (٤) ، ويكون فيه التفات من ضمير الغيبة إلى ضمير المتكلم المعظم نفسه. فإن قلت (٥) : أجعله من كلام موسى يعني (٦) : أنه وصف ربّه تعالى بذلك ، ثم التفت إلى الإخبار عن الله ـ تعالى ـ بلفظ التكلم؟

قيل (٧) : إنما جعلناه التفاتا في الوجه الأول ، لأن المتكلم واحد بخلاف هذا فإنه لا يتأتى فيه (٨) الالتفات المذكور وأخواته من كلام الله (٩).

والثاني : أن «الّذي» صفة ل «ربّي» (١٠) ، فيكون في محل رفع أو نصب على حسب ما تقدم من إعراب «ربّي» (١١). وفيه ما تقدم من الإشكال في نظم الكلام من قوله : «فأخرجنا» وأخواته من عدم جواز الالتفات (١٢) ، وإن كان قد قال بذلك الزمخشري (١٣) والحوفي (١٤). وقال ابن عطية : إن كلام موسى تم عند قوله : (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً)(١٥) وأن قوله : «فأخرجنا» إلى آخره من كلام الله تعالى (١٦). وفيه بعد (١٧) وقرأ الكوفيون (١٨)

__________________

(١) في ب : فأخرجنا به جنات وهو تحريف.

(٢) في ب : لا ينافي. وهو تحريف.

(٣) في ب : فكذلك. وهو تحريف.

(٤) تعالى : سقط من ب.

(٥) في ب : فإن قيل.

(٦) في ب : بمعنى. وهو تحريف.

(٧) في ب : فالجواب.

(٨) في ب : لا ينافي. وهو تحريف.

(٩) ذهب أبو حيان إلى أن هذا من كلام الله تعالى ، لأنه لو كان من كلام موسى لا يكون فيه إلا الالتفات المذكور لأن الالتفات لا يكون من قائلين ، قال أبو حيان : (وإنما ذهبنا إلى أن هذا من كلام الله تعالى لقوله تعالى :«فَأَخْرَجْنا»وقوله : «كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ» وقوله : «وَلَقَدْ أَرَيْناهُ»فيكون قوله : فَأَخْرَجْنا و (أَرَيْناهُ) التفاتا من الضمير الغائب في «جعل» و«سلك» إلى ضمير المتكلم المعظم نفسه ولا يكون الالتفات من قائلين) البحر المحيط ٦ / ٢٥٠ ـ ٢٥١.

(١٠) في قوله تعالى : «لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى» من الآية السابقة.

(١١) وقد تقدم إن «ربّي» فاعل «يضلّ» على تقدير : في كتاب لا يضلّ ربّي أو لا يضلّ حفظه ربّي. فيكون «الّذي» في محل رفع. أو أن «ربّي» منصوب على التعظيم وذلك إذا كان التقدير : لا يضلّ الكتاب ربي. فيكون الذي في محل نصب.

(١٢) لأن هذا الوجه من الإعراب يجعل قوله الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ من كلام موسى وقد تقدم أن قوله : فَأَخْرَجْنا بِهِ وقوله : (كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ) و (مِنْها خَلَقْناكُمْ) و (وَلَقَدْ أَرَيْناهُ) لا يتأتى أن يكون من كلام موسى ، وأن الالتفات لا يكون من قائلين.

(١٣) أي أن الزمخشري ذكر أن «جعل» صفة ل «ربّي» انظر الكشاف ٢ / ٤٣٦.

(١٤) البحر المحيط ٦ / ٢٥١.

(١٥) ماء : سقط من ب.

(١٦) تفسير ابن عطية ١٠ / ٤٠.

(١٧) لما ذكر في جواب الاعتراض السابق حيث قال : (إنما جعلناه التفاتا في الوجه الأول لأن المتكلم واحد بخلاف هذا فإنه لا يتأتى فيه الالتفات المذكور وأخواته من كلام الله).

(١٨) وهم عاصم وحمزة والكسائي.

٢٧٥

«مهدا» بفتح الميم وسكون الهاء من غير ألف. والباقون (١) : «مهادا» بكسر الميم وفتح الهاء وألف بعدها (٢). وفيه وجهان :

أحدهما : قال المفضل (٣) : إنّهما مصدران بمعنى واحد يقال : مهّدته مهدا ومهادا (٤).

والثاني : أنهما مختلفان ، فالمهاد هو الاسم ، والمهد هو الفعل كالفرش والفراش ، فالفرش المصدر (٥) ، والفراش اسم لما يفرش. أو أن مهادا (٦) جمع مهد نحو فرخ وفراخ (٧) وكعب وكعاب (٨). ووصف الأرض بالمهد إما مبالغة ، وإما على حذف مضاف أي ذات مهد (٩).

قال أبو عبيد : الذي أختاره مهادا وهو اسم والمهد الفعل (١٠).

وقال غيره : المهد الاسم والمهاد الجمع كالفرش والفراش (١١).

أجاب أبو عبيد (١٢) : بأن الفرش والفراش (١٣) فعل (١٤).

قوله : «شتّى» فعلى (١٥) ، وألفه للتأنيث ، وهو جمع الشّتيت (١٦) نحو مرضى في جمع مريض ، وجرحى في جمع جريح ، وقتلى في جمع قتيل (١٧).

__________________

(١) وهم ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر.

(٢) السبعة (٤١٨) الحجة لابن خالويه (٢٤١) ، الكشف ٢ / ٩٧ ، النشر ٢ / ٣٢٠ ، الإتحاف (٣٠٣).

(٣) المفضل بن محمد بن يعلى الضبيّ النحوي ، الأديب أبو العباس ، وقيل أبو عبد الرحمن ، كان عالما بالنحو والشعر والغريب وأيام الناس ، وكان يكتب المصاحف ويقفها في المساجد تكفيرا لما كتبه بيده من أهاجي الناس. بغية الوعاة ٢ / ٢٩٧.

(٤) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٥١.

(٥) في ب : مصدر.

(٦) في ب : أو المهاد.

(٧) في ب : وأفراخ. وهو تحريف.

(٨) انظر الكشف ٢ / ٩٧ ـ ٩٨.

(٩) وذلك على مذهب البصريين في الوصف بالمصدر ، فعندهم إما أن يكون على تقدير مضاف أو جعل العين نفس المعنى مبالغة مجازا وادعاء. وعند الكوفيين على التأويل بالمشتق. انظر شرح التصريح ٢ / ١١٣.

(١٠) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٥١.

(١١) المرجع السابق.

(١٢) في الأصل : أبو عبيدة.

(١٣) في ب : بأن الفراش والفرش.

(١٤) في الفخر الرازي : (أجاب أبو عبيدة : بأن الفراش اسم ، والفرش فعل) ٢٢ / ٦٨ وفي اللسان (فرش) : فرش الشيء يفرشه ويفرشه فرشا ، فانفرش وافترشه : بسطه. الليث : الفرش مصدر فرش يفرش ويفرش ، وهو بسط الفراش.

(١٥) في ب : فعل. وهو تحريف.

(١٦) في ب : شتيت.

(١٧) وذلك أن (فعلى) من أمثلة جمع الكثرة وهو مطرد في وصف على فعيل بمعنى مفعول دال على هلك أو توجّع أو تشتت نحو قتيل وقتلى وأسير وأسرى ، وجريح وجرحى ، ويحمل عليه ما أشبهه في المعنى من فعل : كزمن وزمنى ، وفاعل كهالك وهلكى ، وفيعل كميت وموتى ، وفعيل بمعنى فاعل كمريض ـ

٢٧٦

يقال : شتّ الأمر يشتّ شتّا (١) وشتاتا فهو شتّ (٢) أي (٣) تفرق ، وشتّان اسم فعل ماض بمعنى : افترق ، ولذلك لا يكتفى بواحد (٤). وفي «شتّى» أوجه (٥) :

أحدها (٦) : أنّها منصوبة نعتا لأزواج ، أي أزواجا متفرقة ، بمعنى مختلفة الألوان (والطعوم (٧))(٨).

والثاني : أنّها منصوبة على الحال من أزواج ، وجاز (٩) مجيء الحال من النكرة لتخصصها بالصفة(١٠) ، وهي «من نبات» (١١).

الثالث : أن تنتصب على الحال أيضا من فاعل الجار ، لأنه لما وقع وصفا وقع ضميرا (١٢) فاعلا.

الرابع : أنه في محل جر نعتا لنبات ، قال الزمخشري : يجوز (١٣) أن يكون صفة لنبات ، ونبات مصدر سمي به النبات كما سمي بالنبت ، واستوى فيه الواحد والجمع ، يعني : أنها شتّى مختلفة النفع والطعم (١٤) واللون والرائحة والشكل ، بعضها يصلح للناس وبعضها للبهائم (١٥). ووافقه أبو البقاء أيضا (١٦) ، والظاهر الأول.

قوله : «كلوا» منصوب بقول محذوف ، وذلك القول منصوب على الحال من فاعل «أخرجنا» تقديره : فأخرجنا كذا قائلين كلوا (١٧).

وترك مفعول الأكل على حد تركه في قوله تعالى : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا)(١٨) «وارعوا»

__________________

ـ ومرضى ، وأفعل كأحمق وحمقى ، وفعلان كسكران وسكرى. وما سوى ذلك محفوظ كقولهم كيس وكيسى ، فإنه ليس فيه ذلك المعنى ، وسنان ذرب وأسنّة ذربى. انظر شرح الأشموني ٤ / ١٣٢ ـ ١٣٣.

(١) شتا : سقط من ب.

(٢) في ب : فهو شتيت.

(٣) أي : سقط من الأصل.

(٤) اللسان (شتت).

(٥) في ب : نحو شتى وفيها أوجه. وهو تحريف.

(٦) في ب : الأول.

(٧) الكشاف ٢ / ٤٣٦ ، التبيان ٢ / ٨٩٣.

(٨) ما بين القوسين في ب : الفهوم. وهو تحريف.

(٩) في ب : وجاء. وهو تحريف.

(١٠) في ب : لتخصها فالصفة. وهو تحريف.

(١١) وذلك أن الأصل في صاحب الحال أن يكون معرفة ، لأنه محكوم عليه وحق المحكوم عليه أن يكون معرفة. وقد يقع صاحب الحال نكرة بمسوّغ يقويه من المعرفة ، ومن هذه المسوغات أن يكون صاحب الحال مخصوصا بوصف كقراءة إبراهيم بن أبي عبلة «ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدقا» [البقرة : ٨٩]. بنصب «مصدّق» وقول الشاعر :

نجيت يا ربّ نوحا واستجبت له

في فلك ماخر في اليمّ مشحونا

انظر شرح التصريح ١ / ٣٧٦ ، وشرح الأشموني ٢ / ١٧٥.

(١٢) في ب : مضمرا.

(١٣) في ب : ويجوز.

(١٤) في ب : مختلفة الطعم.

(١٥) الكشاف ٢ / ٤٣٦.

(١٦) التبيان ٢ / ٨٩٣.

(١٧) انظر الكشاف ٢ / ٤٣٦ ، والبحر المحيط ٦ / ٢٥١.

(١٨) قوله تعالى : «وَكُلُوا وَاشْرَبُوا» ورد في القرآن ست مرات [البقرة : ٦٠ ، ١٨٧] ، [الأعراف : ٣١] ، [الطور : ١٩] ، [الحاقة : ٢٤][المرسلات : ٤٣]. انظر المعجم المفهرس لألفاظ القرآن ٣٧٧.

٢٧٧

(رعى) يكون لازما ومتعديا ، يقال : رعى دابّته رعيا فهو راع ، ورعت الدابة ترعى رعيا فهي راعية (١) ، وجاء في الآية متعديا (٢) ، و«النّهى» (٣) فيه قولان : أحدهما أنه جمع نهية كغرف جمع غرفة (٤).

والثاني : أنّها اسم مفرد ، وهو مصدر كالهدى والسّرى ، قاله أبو عليّ (٥) وقد تقدم أول الكتاب أنهم قالوا لم يأت مصدر على «فعل» من المعتل اللام إلا سرى وهدى وبكى ، وأن بعضتم زاد لقى ، وأنشد عليه بيتا (٦). وهذا لفظ آخر فيكون خامسا. والنّهى : العقل سمّي العقل به ، لأنه ينهى صاحبه عن ارتكاب القبائح (٧).

فصل

لما ذكر موسى ـ عليه‌السلام (٨) ـ الدلالة الأولى ، وهي (دلالة عامّة) (٩) تتناول جميع المخلوقات من الحيوان والنبات والجماد ذكر بعده دلائل خاصة فقال : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ) مهادا» أي جعلها بحيث يتصرف العباد ، وغيرهم عليها من النوم (١٠) ، والقعود ، والقيام ، والزراعة ، وجميع المنافع المذكورة في تفسير قوله تعالى (١١) : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً)(١٢).

(وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً) السّلك : إدخال الشيء في الشيء ، أي : أدخل في الأرض لأجلكم طرقا تسلكونها (١٣).

قال ابن عباس : سهّل لكم فيها طرقا (١٤). (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) تقدم الكلام فيه في البقرة (١٥)(فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً) تقدّم أنّ هذا من كلام موسى تقديره : يقول ربّي الذي

__________________

(١) في ب : متعدية. وهو تحريف.

(٢) اللسان (رعى) ، البحر المحيط ٦ / ٢٥١.

(٣) في ب : قوله : النهى.

(٤) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٥١.

(٥) قال أبو عليّ : (وقد يجوز أن يكون (فعل) مصدرا اختص به المعتل وإن لم يكن في الصحيح ، كما كان كينونة ونحوه مصادر) الحجة ١ / ١٣٤ وانظر البحر المحيط ٦ / ٢٥١.

(٦) ذكر ابن عادل هناك : أن الإمام أبو عبد الله محمد بن علي بن يوسف الشاطبي ذكر أن العرب قالت لقيته لقى ، وأنشدنا لبعض الرجاز :

وقد زعموا علما ولم أزد

بحمد الذي أعطاك حلما ولا عقلا

انظر اللباب ١ / ٤٢ ـ ٤٣.

(٧) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٥١.

(٨) في ب : لما سأل موسى.

(٩) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٠) في ب : بالنوم.

(١١) تعالى : سقط من ب.

(١٢) [البقرة : ٢٢].

(١٣) في ب : أي أدخل لكم في الأرض لأجلكم طرق تسلكونها.

(١٤) انظر البغوي ٥ / ٤٣٧.

(١٥) عند قوله تعالى : «الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ» [البقرة : ٢٢] وذكر ابن عادل هناك : من السماء ـ

٢٧٨

جعل كذا وكذا «فأخرجنا» نحن معاشر عباده بذلك الماء بالحراسة (أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ).

وتقدم (١) أنّ الصحيح أنه من كلام الله تعالى (٢) ، لأنّ ما بعده لا يليق بموسى ـ عليه‌السلام (٣) ـ ، ولأن أكثر ما في قدرته صرف المياه إلى سقي الأراضي (٤) والحراسة ، فأما إخراج النبات على أصناف طبائعه وألوانه وأشكاله فليس من موسى عليه‌السلام (٥) ، فثبت أنه كلام الله تعالى (٦).

وقوله : «أزواجا» أي أصنافا سميت بذلك ، لأنها مزدوجة (٧) مقترنة بعضها ببعض. «شتّى» مختلفة الألوان والطعوم والمنافع بعضها يصلح للناس وبعضها للبهائم.

«كلوا» أمر إباحة (٨). (وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ) تقول العرب : رعيت الغنم فرعت أي أسيموا أنعامكم ترعى. (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي فيما أنزلت لكم من هذه النعم «لآيات» لعبرة ودلالات (٩). (لِأُولِي النُّهى) لذوي العقول.

(قال الضحّاك) (١٠)(لِأُولِي النُّهى)(١١) الذي ينتهون عما حرم الله عليهم (١٢).

وقال قتادة : لذوي الورع (١٢).

قوله تعالى : (مِنْها خَلَقْناكُمْ) الآية ، لما ذكر منافع الأرض السماء بيّن أنّها غير مخلوقة لذاتها ، بل لكونها وسائل إلى منافع الآخرة ، فقال : (مِنْها خَلَقْناكُمْ) أي من الأرض.

فإن قيل : إنّما خلقنا (١٣) من النّطفة على ما بيّن في سائر الآيات (١٤).

فالجواب من وجوه :

الأول : أنّه لمّا خلق (١٥) أصلنا وهو آدم ـ عليه‌السلام (١٦) ـ من تراب كما قال تعالى : (كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ)(١٧) حسن إطلاق ذلك علينا (١٨).

الثاني : أنّ تولّد الإنسان إنّما هو من النطفة ودم الطمث ، وهما يتولّدان من

__________________

ـ ابتداء الغاية ، ويجوز أن تتعلق بمحذوف على أن تكون حالا من ماء ، لأن صفة النكرة إذا قدمت عليها نصبت حالا ، وحينئذ فمعناها التبعيض ، وثمّ مضاف محذوف ، أي : من مياه السماء ماء ، وأصل «ماء» موه بدليل تصغيره على مويه وجمعه على مياه وأمواه. انظر اللباب ١ / ٨٢ بتصرف.

(١) في ب : وقد تقدم.

(٢) تعالى : سقط من ب.

(٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٤) في ب : سقي الأراضي والزراعة.

(٥) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٦) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٦٨ ، ٦٩ بتصرف.

(٧) في ب : مزوجة. وهو تحريف.

(٨) في ب : بإباحة.

(٩) في ب : أو لآيات. وهو تحريف.

(١٠) ما بين القوسين : سقط من ب.

(١١) في ب : لذي النهى. وهو تحريف.

(١٢) البغوي : ٥ / ٤٣٧.

(١٢) البغوي : ٥ / ٤٣٧.

(١٣) في ب : إنّا خلقناكم. وهو تحريف.

(١٤) في ب : المخلوقات. وهو تحريف.

(١٥) في ب : ذكر. وهو تحريف.

(١٦) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٧) [آل عمران : ٥٩].

(١٨) في الأصل : عليه. وهو تحريف.

٢٧٩

الأغذية ، والغذاء إما حيواني أو نباتي ، والحيواني ينتهي إلى النباتي ، والنبات إنما يحدث (١) من امتزاج الماء والتراب ، فصح أنه سبحانه خلقنا منها ، وذلك لا ينافي كوننا مخلوقين من النطفة.

الثالث : روى ابن مسعود أن ملك الأرحام يأتي إلى الرّحيم حين يكتب أجل المولود ورزقه ، والأرض التي يدفن فيها ، وأنه يأخذ من تراب تلك البقعة وينثره على النطفة ، ثم يدخلها في الرحم (٢). ثم قال : (وَفِيها نُعِيدُكُمْ) أي عند الموت (٣) ، (وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى) عند (٤) البعث.

قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها فَكَذَّبَ وَأَبى (٥٦) قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى (٥٧) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً (٥٨) قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى)(٥٩)

قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا) الآية. هذه الرؤية (٥) بصرية فلما دخلت همزة النقل تعدت بها إلى اثنين أولهما الهاء (٦) والثاني «آياتنا» (٧). والمعنى : أبصرناه (٨) ، والإضافة هنا (٩) قائمة مقام التعريف العهدي ، أي (١٠) : الآيات المعروفة كالعصا (١١) واليد ونحوهما (١٢). وإلا فلم ير (١٣) الله تعالى فرعون جميع آياته.

وجوّز الزمخشري أن يراد بها الآيات على العموم (١٤) ، بمعنى أن موسى ـ عليه‌السلام (١٥) ـ أراه الآية (١٦) التي بعث بها وعدد عليه الآيات التي جاءت بها الرسل قبله عليهم‌السلام (١٧) وهو نبيّ (١٨) صادق لا فرق (١٩) بين ما يخبر عنه وبين ما يشاهد به (٢٠).

قال أبو حيان : وفيه بعد ، لأن الإخبار بالشيء لا يسمّى رؤية له إلا بمجاز بعيد (٢١)

__________________

(١) في ب : ينتهي. وهو تحريف.

(٢) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٦٩ ـ ٧٠.

(٣) في ب : عند الموت والدفن.

(٤) في ب : يوم وهو تحريف.

(٥) في الأصل : الآرائه. وهو تحريف.

(٦) في ب : النهى. وهو تحريف.

(٧) في ب : آيات. وهو تحريف.

(٨) في ب : أبصرنا. وهو تحريف.

(٩) في ب : ههنا.

(١٠) في ب : في. وهو تحريف.

(١١) في ب : في العصا. وهو تحريف.

(١٢) الكشاف ٢ / ٤٣٧.

(١٣) في الأصل : يرى.

(١٤) ف ب : أن يراد بها العموم على الإطلاق. وهو تحريف.

(١٥) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٦) في ب : الآيات. وهو تحريف.

(١٧) في ب : عليهم الصلاة والسلام.

(١٨) في ب : بين. وهو تحريف.

(١٩) في ب : لا جرم فرق. وهو تحريف.

(٢٠) قال الزمخشري : (والثاني أن يكون موسى قد أراه آياته ، وعدّد عليه ما أوتيه غيره من الأنبياء من آياتهم ومعجزاتهم ، وهو نبي صادق لا فرق بين ما يخبر عنه وبين ما يشاهد به) الكشاف ٢ / ٤٣٧.

(٢١) البحر المحيط ٦ / ٢٥٢.

٢٨٠