اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٣

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٣

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٦٤٠

حيان : وليس كما ذكره ، لأن السنة تقبل الاتساع ، فإذا (١) وقع لقيهما فيها بخلاف هذين الطرفين ، فإن (٢) كل واحد منهما ضيق ليس بمتسع لتخصيصهما بما أضيفا إليه ، فلا (٣) يمكن أن يقع الثاني في الطرف الذي وقع فيه الأول ، إذ الأول ليس متسعا لوقوع الوحي فيه ووقع مشي الأخت ، فليس وقت وقوع الوحي (٤) مشتملا على أجزاء (٥) وقع (٦) في بعضها المشي بخلاف السنة (٧).

قال شهاب الدين : وهذا تحامل منه عليه ، فإن (٨) زمن اللقاء (٩) أيضا ضيق لا (١٠) يسع فعليهما ، وإنما ذلك مبني على التساهل ، إذ المراد أن الزمان مشتمل على فعليهما (١١).

وقال (١٢) أبو البقاء : ويجوز أن يكون بدلا من (إذ) الأولى : لأنّ مشي أخته كان منّة عليه(١٣).

يعني أن قوله : (إِذْ أَوْحَيْنا) منصوب بقوله : («مننّا» (١٤)) (١٥) فإذا جعل (إِذْ تَمْشِي) بدلا منه كان أيضا ممتنا به عليه.

الرابع : أن يكون العامل فيه مضمرا تقديره : اذكر إذ تمشي (١٦) ، وهو على هذا مفعول به (لفساد المعنى على الظرفية) (١٧).

قوله : (إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ) (اسمها مريم) (١٨).

يروى (١٩) أنه فشا الخبر بمصر أن آل فرعون أخذوا غلاما في النيل ، وكان لا يرتضع من ثدي كل امرأة يؤتى بها ، لأن الله ـ تعالى (٢٠) ـ حرّم عليه المراضع غير أمه (٢١)

__________________

(١) في الأصل : فإذن. وهو تحريف.

(٢) في ب : لأن.

(٣) في ب : ولا.

(٤) في النسختين : الفعل. والصواب ما أثبته.

(٥) في ب : أخر. وهو تحريف.

(٦) في ب : وقوع. وهو تحريف.

(٧) البحر المحيط ٦ / ٢٤٢.

(٨) في ب : فإذن. وهو تحريف.

(٩) في ب : التلقي. وهو تحريف.

(١٠) في ب : ولا. وهو تحريف.

(١١) الدر المصون ٥ / ٢٥.

(١٢) في ب : قال.

(١٣) التبيان ٢ / ٨٩١.

(١٤) من قوله تعالى : «وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى» [طه : ٣٧].

(١٥) ما بين القوسين في ب : إذ.

(١٦) ذكره الحوفي وأبو البقاء. التبيان ٢ / ٨٩١ ، البحر المحيط ٦ / ٢٤٢ وقدره ابن عطية ب «مننا». تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٠.

(١٧) ما بين القوسين سقط من ب. وفيه : إذ المراد به ذلك.

(١٨) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٩) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٥٤.

(٢٠) تعالى : سقط من ب.

(٢١) حيث قال الله تعالى :«وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ» [القصص : ١٢].

٢٤١

واضطروا إلى تتبع النساء ، فخرجت أخته (١) متعرفة خبره ، فجاءت إليهم متنكرة فقالت : (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ) أي على امرأة ترضعه؟ قالوا نعم ، فجاءت بالأم ، فقبل ثديها ، فذلك قوله: (فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها) بلقائك (٢). قوله : (كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها). قرأ العامة «تقرّ» بفتح التاء والقاف (٣) وقرأت فرقة : «تقرّ» بكسر القاف (٤) ، وقد تقدم في سورة مريم أنهما لغتان (٥).

وقرأ جناح بن حبيش «تقرّ» بضم التاء وفتح القاف على البناء للمفعول (٦) «عينها» رفعا لما لم يسم فاعله.

فإن قيل : (لو قال) (٧) : كي لا تحزن وتقرّ عينها كان الكلام مفيدا لأنه لا يلزم من عدم حصول الحزن حصول السرور لها ، فلما قال أولا (كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها) كان قوله (وَلا تَحْزَنَ) فضلا (٨) ، لأنه متى حصل السرور وجب زوال الغمّ لا محالة.

فالجواب : المراد تقرّ عينها بسبب وصولك إليها ، ويزول عنها الحزن بسبب عدم وصول لبن غيرها إلى باطنك (٩). قوله : (وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ) ، وهذه المنّة الخامسة. قال ابن عباس : هو الرجل القبطي (١٠) الذي قتله خطأ بأن (وكزه (١١)) (١٢) حيث استغاثه الإسرائيلي إليه ، فحصل له الغم (١٣) من وجهين :

الأول : من (١٤) عقاب الدنيا ، وهو اقتصاص فرعون منه على ما حكى الله تعالى (١٥) عنه (فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ)(١٦).

والثاني : من عقاب الله حيث قتله لا بأمر الله. فنجاه الله ـ تعالى (١٧) ـ من الغمين ، أما من فرعون فوفق له المهاجرة (١٨) إلى مدين ، وأما من عقاب الآخرة (فلأن الله تعالى

__________________

(١) في الأصل : أمه. وهو تحريف.

(٢) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ٥٤.

(٣) البحر المحيط ٦ / ٢٤٢.

(٤) المرجع السابق.

(٥) عند قوله تعالى : «فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً» [مريم ٢٦]. وذكر ابن عادل هناك : (والعامة على فتح القاف من قري ، أمر من قرت عينه تقرّ بكسر العين في الماضي وفتحها في المضارع ، وقرىء بكسر القاف ، وهي لغة نجد ، يقولون : قرت عينه تقرّ بفتح العين في الماضي وكسرها في المضارع) انظر اللباب ٥ / ٤١٢.

(٦) المختصر (٨٧) ، والبحر المحيط ٦ / ٢٤٢.

(٧) لو قال : سقط من ب.

(٨) في ب : فصلا. وهو تصحيف.

(٩) الفخر الرازي ٢٢ / ٥٤.

(١٠) انظر القرطبي ١١ / ١٩٧.

(١١) والوكز : وكزه وكزا : دفعه وضربه. والوكز : الطعن وقيل : وكزه أي ضربه بجمع يده على ذقنه.

اللسان (وكز).

(١٢) ما بين القوسين في ب : ذكره. وهو تحريف.

(١٣) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٥٤ ـ ٥٥.

(١٤) في ب : على. وهو تحريف.

(١٥) تعالى : سقط من ب.

(١٦) [القصص : ١١].

(١٧) تعالى : سقط من ب.

(١٨) في ب : الهاجرة. وهو تحريف.

٢٤٢

غفر له (١) ذلك) (٢). (قال (٣) كعب الأحبار : كان عمره إذ ذاك ابن اثنتي عشرة سنة (٤)) (٥).

قوله : «فتونا» فيه وجهان :

أحدهما : أنه مصدر على فعول كالقعود والجلوس ، إلا أنّ فعولا قليل في المتعدي (٦) ومنه الشّكور والكفور والثّبور واللّزوم قال تعالى : (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً)(٧) وهذا على مذهبهم في تأكيد الأخبار بالمصادر (٨) ، كقوله تعالى : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً)(٩).

والثاني (١٠) : أنه جمع فتن أو فتنة على ترك الاعتداد (١١) بتاء التأنيث (١٢) كحجوز

__________________

(١) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ٥٤ ـ ٥٥.

(٢) ما بين القوسين في ب : فإنه تعالى غفر له بذلك أعني أن الله تعالى غفر له ذلك.

(٣) في ب : فصل قال.

(٤) القرطبي ١١ / ١٩٧ ـ ١٩٨.

(٥) ما بين القوسين سقط من ب.

(٦) وذلك أن مصدر فعل في الغالب الأكثر ـ في غير الأفعال التي على حرفة ، أو صوت ، أو داء ، أو هياج وشراد ، أو لون ، أو تنقل وتقلب ـ أن يكون على فعل بسكون العين إذا كان متعديا نحو ضرب ضربا ، وعلى فعول إذا كان لازما نحو خرج خروجا. وقد يجيء فعول في المتعدي نحو دبلت الأرض دبولا والقياس دبلا وفعل في اللازم نحو ذبل البقل ذبلا ، والقياس ذبولا ، وقد يشتركان في مصدر واحد نحو عثرت على الشيء عثرا وعثورا ، وعبرت النهر عبرا وعبورا. انظر نزهة الطرف في علم الصرف ١٦٠ ـ ١٦١ وشرح الشافية ١ / ١٥٣ ـ ١٥٦.

(٧) [الفرقان : ٦٢].

(٨) في ب : بالمضادة. وهو تحريف.

(٩) [النساء : ١٦٤]. أي أن المصدر منصوب على أنه مفعول مطلق مؤكد لعامله. انظر الكشاف ٢ / ٤٣٤ ، البيان ٢ / ١٤٢ ، التبيان ٢ / ٩١ البحر المحيط ٦ / ٢٤٢.

(١٠) في ب : الثاني.

(١١) في ب الاعتقاد. وهو تحريف.

(١٢) وذلك أن ما كان على وزن (فعل وفعل وفعل) يطرد جمعه على فعول نحو كعب وكعوب وحمل وحمول ، وجند وجنود. و(فتنة) تجمع على (فعول) على الاعتداد بتاء التأنيث لأنها بدون التاء تكون على فعل وهو يجمع على فعول.

وأما هذه الأوزان مع تاء التأنيث ف (فعلة) جمعها بالتاء الأدنى العدد وتفتح العين نحو جفنة جفنات ، فإذا جاوزت أدنى العدد جمع على فعال نحو قصاع.

وقد جاء على (فعول) ، وهو قليل نحو : مأنة مؤون ، و(فعلة) جمعها بالتاء لأدنى العدد ، وتكسر العين ، ومن العرب من يفتحها نحو سدرة سدرات فإذا أردت الكثير قلت سدر. و(فعلة) تجمع على (فعلات) بضم العين نحو غرفة غرفات ، فإذا أردت الكثير كسرته على (فعل) قلت : غرف. انظر الأصول ٢ / ٤٣٤ ، ٤٣٥ ، ٤٣٩ ـ ٤٤١.

٢٤٣

وبدور في حجزة (١) وبدرة (٢) ، أي : فتناك ضروبا من الفتن (٣). عن (٤) ابن عباس أنه ولد في عام يقتل فيه الولدان ، وألقته أمه في البحر ، وقتل القبطيّ ، وأجّر نفسه عشر سنين ، وضلّ عن الطريق وتفرقت غنمه (٥) في ليلة مظلمة. ولما سأل سعيد بن جبير عن ذلك أجاب بما تقدم ، وصار يقول عند كل واحدة : فهذه فتنة يا ابن جبير ، قال معناه الزمخشري (٦).

وقال غيره : بفتون من الفتن أي المحن مختبر بها (٧).

وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أن الفتون وقوعه في محنة بعد محنة خلصه الله منها ، أولها أنّ أمه حملت (٨) في السنة التي كان فرعون يذبح فيها الأطفال ، ثم إلقاؤه في البحر في التابوت ، ثم منعه من الرضاع إلا من ثدي أمه ، ثم أخذه بلحية فرعون حتى همّ بقتله ، ثم تناوله الجمرة بدل الجوهرة ثم قتله القبطيّ ، وخروجه إلى مدين خائفا. فعلى هذا معنى : فتناك أخلصناك من تلك المحن كما يفتن الذهب بالنار فيتخلص من كل خبث فيه (٩).

فإن قيل (١٠) : إنه تعالى عدّد أنواع مننه على موسى في هذا المقام ، فكيف يليق بهذا قوله : (وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً)؟

فالجواب (١١) من وجهين :

الأول : ما تقدم من أنّ «فتنّاك» بمعنى خلصناك (١٢) تخليصا.

والثاني : أن الفتنة تشديد المحنة يقال : فتن فلان (١٣) عن دينه إذا اشتدت عليه المحنة حتى رجع عن دينه. قال تعالى : (فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللهِ)(١٤) ، وقال : (أَحَسِبَ (١٥) النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ)(١٦) ،

__________________

(١) أصل الحجزة : موضع شدّ الأزار ، ثم قيل للإزار : حجزة للمجاورة ، اللسان (حجز).

(٢) البدرة : جلد السخلة إذا فطم ، والجمع بدور ، وبدر ، والبدرة ، أيضا : كيس فيه ألف أو عشرة آلاف ، سميت ببدرة السخلة ، والجمع البدور ، وثلاث بدرات. اللسان (بدر).

(٣) انظر الكشاف ٢ / ٤٣٤ ، البيان ٢ / ١٤٢ ، التبيان ٢ / ٨٩١ ، البحر المحيط ٢ / ٢٤٢.

(٤) في ب : فصل عن.

(٥) غنمه : سقط من ب.

(٦) الكشاف ٢ / ٤٣٤.

(٧) ابن الأنباري وأبو البقاء حيث جوزا أن يكون منصوبا يحذف حرف الجر ، وتقديره : فتناك بفتون. انظر البيان ٢ / ١٤٢ ، التبيان ٢ / ٨٩١.

(٨) في ب : جملته.

(٩) انظر البغوي ٥ / ٤٢٩ ـ ٤٣١.

(١٠) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٥٥.

(١١) من ب : والجواب.

(١٢) في ب : أخلصناك.

(١٣) في ب : فلانا. وهو تحريف.

(١٤) [العنكبوت : ١٠].

(١٥) في ب : الم أحسب.

(١٦) [العنكبوت : ٢].

٢٤٤

وقال (١) : (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ)(٢) ، ولما كان التشديد في المحنة مما يوجب كثرة الثواب عدّه الله من جملة النّعم (٣).

فإن قيل : هل يصح إطلاق الفتّان عليه سبحانه اشتقاقا (٤) من قوله : (وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً)؟

فالجواب : لا لأنه صفة ذمّ في العرب ، وأسماء الله تعالى توقيفية (٥) لا سيما فيما يوهم (٦) ما لا ينبغي (٧).

قوله : (فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ) والتقدير : (وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً) فخرجت خائفا إلى أهل مدين فلبثت سنين فيهم (٨) وهي إمّا عشرا وثمان (٩) لقوله تعالى : (عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ)(١٠) وقال وهب : لبث موسى عند شعيب عليهما‌السلام (١١) ثمانيا (١٢) وعشرين سنة منها عشر سنين مهر امرأته (١٣).

ويرده قوله تعالى : (فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ)(١٤) أي) (١٥) الأجل المشروط عليه في تزويجه.

ومدين : بلدة (١٦) شعيب على ثمان مراحل من مصر (١٧).

قوله : (ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى) هذا الجار متعلق بمحذوف على أنه حال من فاعل «جئت» أي جئت موافقا لما قدّر لك ، كذا قدره أبو البقاء (١٨) ، وهو تفسير معنى ، والتفسير الصناعي : ثم جئت مستقرا أو كائنا على مقدار معين ، كقول الآخر :

٣٦٥٦ ـ نال الخلافة أو جاءت على قدر

كما أتى ربّه موسى على قدر (١٩)

__________________

(١) وقال : سقط من ب.

(٢) [العنكبوت : ٣].

(٣) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ٥٥.

(٤) في ب : إشفاق. وهو تحريف.

(٥) في ب بوصفيه. وهو تحريف.

(٦) في ب : يفهم هو تحريف.

(٧) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٥٥.

(٨) على أن في الكلام حذفا وهو حذف المعطوف عليه ، وذلك لأنّ الفاء والواو تختصان بجواز حذفهما مع معطوفهما للدليل ، مثال الفاء قوله تعالى : «أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ» [الأعراف : ١٦٠] أي فضرب فانبجست وهذا الفعل المحذوف معطوف على «أوحينا» من قوله تعالى : «وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ». ومثال الواو قول الشاعر :

فما كان بين الخير لو جاء سالما

أبو حجر إلّا ليال قلائل

أي بين الخير وبيني. وقولهم : راكب الناقة طليحان. أي والناقة انظر شرح التصريح ٢ / ١٥٣ ـ ١٥٤.

(٩) في ب : وهي اثنا عشر أو ثمان.

(١٠) [القصص : ٢٧].

(١١) في ب : عليهما الصلاة والسلام.

(١٢) في النسختين : ثمانية ، والصواب ما أثبته.

(١٣) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٥٥ ـ ٥٦. والقرطبي ١١ / ١٩٨.

(١٤) [القصص : ٢٩].

(١٥) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٦) في ب : لمد.

(١٧) انظر البغوي ٥ / ٤٣١.

(١٨) انظر التبيان ٢ / ٨٩١.

(١٩) البيت من بحر البسيط قاله جرير ورواية الديوان : ـ

٢٤٥

ولا بد من حذف في الكلام ، أي : على قدر أمر (١) من الأمور.

وقال محمد بن كعب : جئت على القدر الذي قدرت أنك تجيء فيه (٢) وقال مقاتل : كان موعدا (في تقدير الله (٣).

وقال عبد الرحمن بن كيسان (٤) : كان على رأس أربعين سنة ، وهو القدر الذي) (٥) يوحى فيه إلى الأنبياء. وهذا قول أكثر المفسرين ، أي على الوعد الذي وعده الله وقدّر أنه يوحي إليه بالرسالة ، وهو أربعون سنة (٦).

قوله تعالى : (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (٤١) اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي)(٤٢)

قوله : (وَاصْطَنَعْتُكَ (٧) لِنَفْسِي) (أي اخترتك واصطفيتك افتعال من الصنع لوحيي ورسالتي. وأبدلت التاء طاء) (٨) ، لأجل حرف الاستعلاء (٩).

وهذا مجاز عن قرب منزلته ، ودنوه من ربه ، لأن أحدا لا يصطنع إلا من يختاره.

قال القفال : واصطنعتك أصله من قولهم : اصطنع فلان فلانا إذا أحسن إليه حتى

__________________

 ـ نال الخلافة إذ كانت له قدرا

كما أتى ربّه موسى على قدر

والشاهد فيه أن قوله (على قدر) متعلق بمحذوف على أنه حال من موسى ، أي مستقرا أو كائنا على مقدار معين. وفيه شاهد آخر حيث احتج به الكوفيون على أنّ (أو) بمعنى الواو واستشهد به أيضا على جواز توسط المفعول المشتمل على ضمير الفاعل بين العامل والفاعل ، لأن الضمير وإن عاد على متأخر في اللفظ فهو متقدم في الرتبة ف (ربّه) مفعول توسط بين العامل (أتى) والفاعل (موسى) لاشتماله على ضمير يعود على (موسى) وقد تقدم.

(١) في ب : وأمر. وهو تحريف.

(٢) انظر البغوي ٥ / ٤٣١ ، والقرطبي ١١ / ١٩٨.

(٣) انظر البغوي ٥ / ٤٣١.

(٤) هو عبد الرحمن بن كيسان أبو بكر الأصم المعتزلي صاحب المقالات في الأصول له تفسير عجيب ، ومن تلامذته إبراهيم بن إسماعيل بن عبلة. طبقات المفسرين للداودي ١ / ٢٦٩ ، والفهرست ٣٤.

(٥) ما بين القوسين سقط من ب.

(٦) انظر البغوي ٥ / ٤٣١.

(٧) في ب : واصطفيتك. وهو تحريف.

(٨) ما بين القوسين سقط من ب.

(٩) التاء تبدل طاء باطراد في (افتعل) ، إذا كانت الفاء صادا ، أو ضادا ، أو طاء ، أو ظاء ، وذلك للتباعد بين التاء وبين هذه الحروف ، إذ التاء منفتحة منسفلة وهذه الحروف مطبقة مستعلية فأبدلوا من التاء أختها في المخرج ، وأخت هذه الحروف في الاستعلاء والإطباق وهي الطاء. فتقول في (افتعل) من الصّبر : اصطبر ومن الضّرب : اضطرب ومن الظهر : اظطهر ، ومن الطرد : اطّرد. فتدغم لأنك لما أبدلت التاء طاء اجتمع لك مثلان ، الأول منهما ساكن ، فأدغمت ولم تبدل التاء لأجل الإدغام ، بل للتباعد الذي بين الطاء والتاء كما فعلت ذلك مع الحروف الأخرى. انظر سر صناعة الإعراب ١ / ٢١٧ ـ ٢١٩ ، شرح الشافية ٣ / ٢٢٦ الممتع ١ / ٣٦٠ ـ ٣٦١.

٢٤٦

يضاف إليه ، فيقال : هذا صنيع فلان وجريح فلان. وقوله : «لنفسي» أي : لأصرفك (١) في أوامري لئلا تشتغل إلا بما أمرتك به ، وهو إقامة حجتي وتبليغ رسالتي ، وأن تكون في حركاتك وسكناتك لي لا لنفسك ولا لغيرك (٢).

وقال الزجاج : اخترتك لأمري (٣) ، وجعلتك القائم بحجتي ، والمخاطب بيني وبين خلقي : كأني الذي أقمت عليهم الحجة وخاطبتهم (٤).

قوله : (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي)(٥) لما قال : (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) عقبه بذكر ما له اصطنعه ، وهو الإبلاغ والأداء. و«الياء» في «بآياتي» بمعنى (مع) (٦) ، لأنهما لو ذهبا إليه بدون آية معهما لم يلزمه الإيمان ، وذلك من أقوى الدلائل على فساد التقليد (٧).

قال ابن عباس : يعني الآيات التسع التي بعث الله بها موسى (٨). وقيل (٩) : إنها (١٠) العصا واليد ، لأنهما (١١) اللذان جرى ذكرهما في هذا الموضع ، ولم يذكر أنه ـ عليه‌السلام (١٢) ـ أوتي قبل مجيئه إلى فرعون ، لا بعد مجيئه حتى لقي فرعون فالتمس منه آية غير هاتين الآيتين ، قال تعالى حكاية عن فرعون (إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ)(١٣) ، وقال : (فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ)(١٤).

فإن قيل : كيف يطلق لفظ الجمع على الاثنين؟

فالجواب من وجوه :

أحدها (١٥) : أن العصا كانت آيات ، انقلابها (١٦) حيوانا ، ثم إنها كانت في أول الأمر (١٧) صغيرة ، لقوله (١٨) تعالى : (تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ)(١٩) ثم كانت تعظم وهذه آية أخرى ، ثم إنه كانعليه‌السلام يدخل يده في فمها فلم تضره وهذه آية أخرى (٢٠) ، ثم

__________________

(١) في الأصل : لأصرفنك.

(٢) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٥٦.

(٣) في ب : لنفسي وأمري.

(٤) لم أعثر على ما قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه ، وهو في البغوي ٥ / ٤٣١ ، ٤٣٢.

(٥) في ب : قوله تعالى : «اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا».

(٦) وهي التي تكون بمعنى المصاحبة انظر المغني ١ / ١٠٣.

(٧) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٥٦.

(٨) انظر البغوي ٥ / ٤٣٢.

(٩) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٥٦ ـ ٥٧.

(١٠) في ب : هما.

(١١) في ب : ولأنهما.

(١٢) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٣) [الأعراف : ١٠٦ ، ١٠٧ ، ١٠٨].

(١٤) [القصص : ٣٢].

(١٥) في ب : الأول.

(١٦) في ب : لانقلابها. وهو تحريف.

(١٧) في ب : في أول الأمر كانت.

(١٨) في ب : بقوله. وهو تحريف.

(١٩) [النمل : ١٠][القصص : ٣١].

(٢٠) في ب : أخرى ثم إنها كانت تصير ثعبانا وهذه آية أخرى.

٢٤٧

كانت تنقلب (١) عصا وهذه آية أخرى ، وكذلك اليد فإن بياضها آية ، وشعاعها آية أخرى ، ثم زوالهما بعد ذلك آية أخرى ، فدل ذلك على أنهما كانتا (٢) آيات كثيرة.

وثانيها (٣) : هب أن العصا أمر واحد ولكن فيها آيات ، لأن (٤) انقلابها حية يدل على وجود إله (٥) قادر على الكل عالم بالكل حكيم ، ويدل على نبوة موسى ، ويدل على جواز الحشر حيث انقلب الجماد حيوانا ، فهذه آيات كثيرة ، ولذلك قال (٦) : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً)(٧) ... إلى قوله ... (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً)(٨) فهاهنا أولى.

وثالثها (٩) : قال بعضهم : أقل الجمع اثنان (١٠).

وقيل : معنى قوله : «بآياتي» أمدكّما بآياتي ، وأظهر على أيديكما من الآيات ما تزاح به العلل من فرعون وقومه ، والمعنى : فإن آياتي معكما كما يقال : اذهب فإن (١١) جندي معك (١٢) أي : إنّي أمدك بهم متى احتجت (١٣).

وقيل : الآيات : العصا ، واليد ، وحل العقدة من لسانه ، وذلك أيضا معجزة (٨).

قوله : (وَلا تَنِيا) يقال : «ونى يني ونيا كوعد يعد وعدا ، إذا فتر (١٤).

والوني (١٥) الفتور ، ومنه : امرأة أناة (١٦) ، وصفوها بفتور القيام كناية عن ضخامتها. قال زهير(١٧) :

٣٦٥٧ ـ منّا الأناة وبعض القوم يحسبنا

أنّا بطاء وفي إبطائنا سرع (١٨)

__________________

(١) في ب : تقلب.

(٢) في ب : أنها كانت. وهو تحريف.

(٣) في ب : والثاني.

(٤) لأن : سقط من ب.

(٥) في ب : إله موجود.

(٦) في ب : أيضا.

(٧) [آل عمران : ٩٦].

(٨) [آل عمران : ٩٧].

(٩) في ب : والثالث.

(١٠) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ٥٦ ـ ٥٧ بتصرف.

(١١) في الأصل : فإنّي. وهو تحريف.

(١٢) معك : سقط من ب.

(١٣) الفخر الرازي : ٢٢ / ٥٧.

(٨) [آل عمران : ٩٧].

(١٤) في ب : افتر وهو تحريف. وانظر اللسان (ونى).

(١٥) الوني الضعف والفتور والكلال والإعياء. اللسان (ونى).

(١٦) هي التي فيها فتور عند القيام ، وقيل : عند القيام والقعود والمشي. اللسان (ونى).

(١٧) زهير : سقط من ب.

(١٨) البيت من بحر البسيط ، وليس في ديوان زهير ، ولم أجده فيما رجعت إليه من مصادر. أناة : الأصل : وناة ، أبدلت الواو المفتوحة همزة ، وامرأة وناة وأناة : حليمة بطيئة القيام. وهو موطن الشاهد. بطاء : البطء والإبطاء : نقيض الإسراع ، تقول منه : بطؤ مجيئك ، وبطؤ في مشيه يبطؤ ، بطأ وبطاء ، وأبطأ ، وتباطأ وهو بطيء ، ولا تقل : أبطيت والجمع بطاء. ـ

٢٤٨

بكسر السين وفتح الراء مصدر (سرع) بفتح السين وضم الراء.

تقول : سرع سرعا (١) كصغر صغرا.

والأصل : وناة ، فأبدلوا الهمزة (٢) من الواو كأحد في وحد وليس بالقياس (٣) ، وفي الحديث : «إنّ فيك لخصلتين يحبّهما الله الحلم والأناة» (٤).

والواني : المقصّر في أمره ، قال الشاعر :

٣٦٥٨ ـ فما أنا بالواني ولا الضّرع الغمر (٥)

وونى (٦) فعل لازم لا يتعدى (٧) وزعم بعضهم (٨) أنه يكون من أخوات (زال

__________________

ـ السّرعة : نقيض البطء. سرع يسرع سراعة وسرعا وسرعا وسرعا وسرعا وسرعة ، فهو سرع وسريع وسراع ، والأنثى بالهاء. وقد تقدم.

(١) في ب : يقال سرعا سرع.

(٢) الهمزة : سقط من ب.

(٣) إذا وقعت الواو في أول الكلمة مفتوحة لم تبدل همزة إلا فيما سمع لأن الفتحة بمنزلة الألف ، فكما لا تستثقل الألف والواو في (عاود) وأمثاله فكذلك لا تستثقل الواو المفتوحة. والذي سمع في ذلك (أجم) في (وجم) و(أناة) في (وناة) و(أحد) في (وحد) و(أسماء) في (وسماء) اسم امرأة على فعلاء وليس بجمع.

قال سيبويه : (وقالوا : وجم وأجم ، ووناة وأناة ، وقالوا : أحد وأصله وحد ، لأنه واحد ، فأبدلوا الهمزة لضعف الواو عوضا لما يدخلها من الحذف والبدل وليس ذلك مطردا في المفتوحة) الكتاب ٤ / ٣٣١.

انظر سر صناعة الإعراب ١ / ٩٢ ، الممتع ١ / ٣٣٥.

(٤) أخرجه مسلم (الإيمان) ١ / ٤٨ ، ٤٩ ، أبو داود (أدب) ٥ / ٣٩٥ ـ ٣٩١ الترمذي (البر والصلة) ٣ / ٢٤٧ ، ابن ماجة ٢ / ١٤٠١ ، أحمد ٣ / ٢٣ ، ٤ / ٢٠٦.

(٥) عجز بيت من بحر الطويل ، لم أهتد إلى قائله ، وصدره :

أناة وحلما وانتظارا بهم غدا

وهو تفسير ابن عطية ١ / ٣٢ ، واللسان (ضرع) ، البحر المحيط ٦ / ٢٤٤ الضّرع : هو الغمر الضعيف من الرجال ، رجل ضارع بين الضروع والضّراعة : ناحل ضعيف. الغمر : الذي لم يجرب الأمور ، ولا خبرة له بحرب ولا أمر ، ولم تحكنه التجارب. والشاهد في البيت هو أنّ الواني بمعنى الضعيف المتباطىء في الأمر بسبب ضعفه وعجزه.

(٦) في ب : ونى.

(٧) البحر المحيط ٦ / ٢٤٣ ، وقال أبو حيان : (وإذا عدّي فب (عن) وب (في)).

(٨) وهو ابن مالك ، فإنه قال : وقيدت : ونى ورام الملحقتان بهن (يريد يزال وأخوتها) بمرادفتهما لهن ، احترازا من ونى بمعنى فتر ، ومن رام بمعنى حاول وبمعنى تحول ، ومضارع التي بمعنى حاول يروم ، ومضارع التي بمعنى تحول يريم ، وهكذا مضارع المرادفة زال ، وهي وونى بمعنى زال غريبتان ، ولا يكاد النحويون يعرفونهما إلا من عنى باستقرار الغريب ، ومن شواهد استعمالهما قول الشاعر :

لا يني الخبّ شيمة الخبّ ما دا

م فلا يحسبنّه ذا ارعواء

شرح التسهيل ١ / ٣٣٤.

٢٤٩

وانفك) ، فيعمل بشرط النفي (١) أو شبهه (٢) عمل (كان) ، فيقال (٣) : «ما وني زيد قائما ، وأنشد ابن مالك (٤) شاهدا على ذلك قوله :

٣٦٥٩ ـ لا يني الحبّ (٥) شيمة الحبّ ما دا

م فلا يحسبنّه ذا ارعواء (٦)

أي : لا يزال الحب (٧) بضم الحاء شيمة الحبّ (٨) أي : بكسرها وهو المحب (٩). ومن منع ذلك يتأول (١٠) البيت على حذف حرف الجر (١١) ، لأنّ (١٢) هذا الفعل (١٣) يتعدى تارة ب (عن) وتارة ب (في) (١٤) يقال : ما ونيت عن حاجتك ، أو : في حاجتك فالتقدير : لا يفتر الحب في شيمة المحب ، وفيه مجاز بليغ وقد عدي في الآية الكريمة ب (في).

قرأ يحيى بن وثّاب «ولا تنيا» بكسر التاء (١٥) إتباعا لحركة النون ، وسكن الياء في «ذكري»(١٦).

وقرأ أهل الحجاز (١٧) وأبو عمرو «لنفسي اذهب» (١٨) و«ذكري اذهبا» (١٩) و (إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا)(٢٠) و(٢١)(مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ)(٢٢) بفتح الياء فيهن وافقهم (٢٣) أبو بكر في (مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ)

__________________

(١) في ب : بنفي الشرط. وهو تحريف.

(٢) في ب : و. وهو تحريف.

(٣) في ب : فيقول.

(٤) انظر شرح التسهيل ١ / ٣٣٤.

(٥) في ب : الخير. وهو تحريف.

(٦) البيت من بحر الخفيف لم أهتد لقائله. شرح التسهيل ١ / ٣٣٤ ، البحر المحيط ٦ / ٢٥٣ ، الهمع ١ / ١١٢ ، الدرر ١ / ٨٢.

الحبّ بضم الحاء : الوداد والمحبة. الحبّ : بكسر الحاء : الحبيب.

وروي : (لا يني الخبّ شيمه الخبّ) فالخبّ بالكسر : الخداع والغش ، والخبّ : بالفتح الذي يخدع.

الشاهد فيه أن ابن مالك استشهد به على أنّ (ونى) من أخوات (زال وانفك) فيعمل بشرط النفي أو شبهه والتقدير : لا يزال الحبّ.

(٧) في ب : والحرب. وهو تحريف.

(٨) في ب : و. وهو تحريف.

(٩) في ب : المحبة. وهو تحريف.

(١٠) في ب : تأول.

(١١) قال السيوطي : (وقال أبو حيان : ذكر أصحابنا أن «ونى» زادها بعض البغداديين في أفعال هذا الباب لأن معناها معنى (ما زال) نحو ما ونى زيد قائما ورد بأنه لا يلزم من كونها بمعناها مساواتها لها في العمل ، ألا ترى أن (ظلّ زيد قائما) معناه : أقام زيد قائما النهار ، ولم يجعل العرب ل (أقام) اسما ولا خبرا كما فعلت ذلك ب (ظلّ) ، قالوا والتزام التنكير في المنصوب بها دليل على أنه حال ....

فالمنصوب في (البيت) على إسقاط الخافض ، أي : لا يني عن شيمة الحب) الهمع ١ / ١١٢.

(١٢) في ب : فإن.

(١٣) في ب : البيت. وهو تحريف.

(١٤) في ب : تارة بفي وتارة بعن.

(١٥) في ب : بكسر النون وكسر التاء.

(١٦) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٤٥.

(١٧) نافع وابن كثير.

(١٨) نهاية الآية (٤١) وبداية الآية (٤٢).

(١٩) نهاية الآية (٤٢) وبداية الآية (٤٣) من سورة طه.

(٢٠) من قوله تعالى : «وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً» [الفرقان : ٣٠].

(٢١) و : سقط من ب.

(٢٢) [الصف : ٦].

(٢٣) في ب : وأهمز. وهو تحريف.

٢٥٠

وقرأ الآخرون بإسكانها (١).

والمراد بالذكر تبليغ الرسالة. وقيل : لا تفترا عن ذكر الله. (والحكمة فيه (٢)) (٣) أنّ من ذكر جلال الله استخف غيره ، فلا يخاف أحدا ، ويقوى روحه بذلك الذكر فلا يضعف في (٤) مقصوده ، ومن ذكر الله فلا بد وأن يكون ذاكرا إحسانه (وذاكر إحسانه) (٥) لا يفتر في أداء أوامره.

وقيل : لا تنيا في ذكري عند فرعون ، وكيفية الذكر أن يذكرا (٦) لفرعون وقومه أنّ الله تعالى لا يرضى منهم (٧) الكفر ، ويذكرا (٨) لهم أمر الثواب والعقاب ، والترغيب والترهيب (٩).

قوله تعالى : (اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (٤٣) فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى)(٤٤)

قوله : (اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى) ذكر المذهوب إليه في قوله : (اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ)(١٠) وحذفه في الأول في قوله : (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ) اختصارا في الكلام.

وقال القفال : فيه وجهان :

أحدهما : أن قوله : (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ)(١١) يحتمل أن يكون كل واحد منهما مأمورا بالذهاب على الانفراد ، فقيل (١٢) مرة أخرى : «اذهبا» ليعرفا أن المراد منه أن يشتغلا بذلك (١٣) جميعا لا أن ينفرد به أحدهما دون الآخر.

__________________

(١) السبعة (٤٢٦ ، ٤٦٨ ، ٦٣٥) ، الكشف ٢ / ١٠٩ ، النشر ٢ / ٣٢٣ الإتحاف (٣٠٣) وذلك أنه يجوز إسكان ياء الإضافة وفتحها مع المضاف الواجب كسر آخره ، وهو ما سوى المنقوص والمقصور ، والمثنى ، وجمع المذكر السالم ، وذلك أربعة أشياء المفرد الصحيح نحو غلامي وفرسي ، والعمل الجاري مجراه نحو ظبيي ودلوي ، وجمع التكسير نحو رجالي وهنودي ، وجمع المؤنث السالم نحو مسلماتي.

واختلف في الأصل منهما فقيل الإسكان ، وقيل : الفتح ، وجمع بينهما بأن الإسكان أصل أول إذ هو الأصل في كل مبني ، والفتح أصل ثان ، إذ هو الأصل فيما هو على حرف واحد. انظر شرح الأشموني ٢ / ٢٨١ ـ ٢٨٢ ، والكشف ١ / ٣٢٤.

(٢) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٥٧. بتصرف.

(٣) ما بين القوسين في ب : والمعنى.

(٤) في ب : عن.

(٥) ما بين القوسين سقط من ب.

(٦) في ب : يذكر. وهو تحريف.

(٧) في ب : منهما وهو تحريف.

(٨) في ب : ويذكر. وهو تحريف.

(٩) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ٥٧ بتصرف.

(١٠) فرعون : سقط من ب ، وفيه : قوله.

(١١) في ب : اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي.

(١٢) في ب : فقال.

(١٣) في ب : بالذهاب.

٢٥١

والثاني (١) أن قوله : (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي)(٢) أمر بالذهاب إلى كل الناس من بني إسرائيل وقوم فرعون ، ثم قوله : (اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ) أمر بالذهاب إلى فرعون وحده (٣).

قيل : وهذا فيه بعد ، بل الذهابان متوجهان (٤) لشيء واحد وهو فرعون ، وقد حذف من كل من الذهابين ما أثبته في الآخر ، وذلك أنه حذف المذهوب إليه من الأول وأثبته في الثاني ، وحذف المذهوب به ، وهو «بآياتي» من الثاني وأثبته في الأول.

فإن قيل (٥) : قوله : (اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ)(٦) خطاب مع موسى وهارون (٧) ، (وهارونعليه‌السلام) (٨) لم يكن حاضرا هناك (٩) ، وكذا في قوله تعالى (١٠) : (قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى)(١١) وأجاب القفال بوجوه (١٢) :

أحدها (١٣) : أن الكلام كان مع موسى إلا أنه كان متبوع هارون ، فجعل الخطاب معه خطابا مع هارون ، (وكلام هارون) (١٤) على سبيل التقدير بالخطاب في تلك (١٥) الحالة ، وإن كان مع موسى ـ عليه‌السلام (١٦) ـ وحده ، إلا أنه تعالى أضافه إليهما كما في قوله تعالى (١٧) : (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها)(١٨) وقوله : (لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ)(١٩) روي أن القائل هو عبد الله ابن أبيّ (٢٠) وحده.

وثانيها (٢١) : يحتمل أن الله (٢٢) تعالى لمّا قال : (قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى)(٢٣) سكت حتى لقي أخاه ، ثم إن الله ـ تعالى ـ خاطبهما بقوله : (اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ).

وثالثها (٢٤) : حكي في مصحف ابن مسعود «قال (٢٥)(رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ) أي أنا وأخي(٢٦).

__________________

(١) في ب : الثاني.

(٢) بآياتي : سقط من ب.

(٣) الفخر الرازي ٢٢ / ٥٧ ـ ٥٨.

(٤) في ب : لأن الذهاب متوجه ..

(٥) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٥٨.

(٦) في ب : «اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى».

(٧) في ب : وهارون عليهما الصلاة والسلام.

(٨) ما بين القوسين سقط من ب.

(٩) في ب : ولم يكن هناك حاضرا.

(١٠) تعالى : سقط من ب.

(١١) [طه : ٤٥].

(١٢) في ب : فالجواب من وجوه.

(١٣) في ب : الأول.

(١٤) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٥) في ب : كل. وهو تحريف.

(١٦) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٧) تعالى : سقط من ب.

(١٨) [البقرة : ٧٢].

(١٩) [المنافقون : ٨].

(٢٠) في ب : أبيّ بن عبد الله وهو تحريف.

(٢١) في ب : الثاني.

(٢٢) في ب : أنه.

(٢٣) [طه : ٣٦].

(٢٤) في ب : الثالث.

(٢٥) في ب : قالا. وهو تحريف.

(٢٦) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ٥٨.

٢٥٢

قوله : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً) قرأ أبو معاذ (١) : «قولا لينا» وهو تخفيف من ليّن كميت في ميّت(٢).

وقوله : «لعلّه» فيه أوجه :

أحدها : أن «لعلّ» على بابها للترجي ، وذلك بالنسبة إلى المرسل وهو موسى وهارون ، أي : اذهبا على رجائكما وطمعكما في إيمانه أي (٣) اذهبا مترجين طامعين ، وهذا معنى قول الزمخشري (٤) ولا يستقيم أن يرد ذلك في حق الله (٥) تعالى ، إذ هو (٦) عالم بعواقب الأمور. وعن سيبويه : كل ما ورد في القرآن من (لعلّ ، وعسى) فهو من الله واجب. يعني أنه يستحيل بقاء (٧) معناه في حق الله تعالى.

والثاني : أنّ «لعلّ» بمعنى (كي) فتفيد العلية ، وهذا قول الفراء قال : كما تقول : اعمل لعلّك تأخذ أجرك ، أي : كي تأخذ (٨).

والثالث : أنها استفهامية ، أي : هل يتذكر أو يخشى (٩)؟

وهذا قول ساقط ، وذلك أنه يستحيل الاستفهام في حق الله تعالى كما يستحيل الترجي ، فإذا كان لا بد من التأويل فجعل اللفظ على مدلوله باقيا أولى من إخراجه عنه.

فإن قيل : لم أمر الله تعالى باللين مع الكافر الجاحد؟ فالجواب من وجهين :

أحدهما (١٠) : أنه قد ربّى موسى ـ عليه‌السلام (١١) ـ فأمره أن يخاطبه بالرفق رعاية لتلك الحقوق ، وهذا تنبيه على نهاية تعظيم حق الأبوين.

__________________

(١) هو الفضل بن خالد أبو معاذ النحوي المروزي ، روى القراءة عن خارجة بن مصعب ، روى عنه القراءة محمد بن هارون النيسابوري ومحمد بن عبد الحكم والليث بن مقاتل بن الليث المرسي مات قريبا من سنة ٢١١ ه‍. طبقات القراء ٢ / ٩.

(٢) المختصر (٨٨) ، الكشاف ٣ / ٤٣٤ ، البحر المحيط ٦ / ٢٤٦.

(٣) أي : سقط من ب.

(٤) أي : أنه يصرف الرجاء للمخاطبين. الكشاف ٢ / ٤٣٤.

(٥) في ب : في قوله. وهو تحريف.

(٦) في ب : لأنه.

(٧) في الأصل : إبقاء.

(٨) انظر قول الفراء في البحر المحيط ٦ / ٢٤٦. وممن أثبت هذا المعنى أيضا الكسائي والأخفش ، فقال الأخفش (وقال : «لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ» نحو قول الرجل لصاحبه : افرغ لعلّنا نتغدّى والمعنى : لنتغدّى وحتى نتغدّى. وتقول للرجل : اعمل عملك لعلّك تأخذ أجرك أي لتأخذه) معاني القرآن ٢ / ٦٣١ ، وانظر المغني ١ / ٢٨٨.

(٩) أثبته الكوفيون قال ابن هشام : ولهذا علّق بها الفعل في نحو : «لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً» [الطلاق : ١] ونحو «وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى» [عبس : ٣] المغني ١ / ٢٨٨ وهذان المعنيان (التعليل والاستفهام) لا يثبتهما البصريون ورجعوا هذه المعاني إلى الترجي والإشفاق انظر شرح التصريح ١ / ٢١٣ ، والهمع ١ / ١٣٤.

(١٠) في ب : الأول.

(١١) في ب : عليه الصلاة والسلام.

٢٥٣

والثاني : أنّ من عادة الجبابرة إذا غلّظ (١) لهم (٢) في الوعظ (٣) أن يزدادوا عتوا وتكبّرا.

والمقصود من البعثة حصول النفع لا حصول زيادة الضرر ، فلهذا أمر الله تعالى بالرفق (٤).

قوله : (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) أي يتعظ ويخاف.

فصل

اختلفوا في ذلك القول اللين (٥) ، فقال ابن عباس : لا تعنّفا في قولكما (٦).

وقال السّدّي وعكرمة : كنّياه ، فقولا : يا أبا العباس. وقيل : يا أبا الوليد (٧).

وقال مقاتل : القول الليّن : (هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى. وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى) (٨)(٩) ، وقولهما(١٠) : (إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ)(١١) إلى قوله : (وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى)(١٢).

وقال السدي (١٣) : القول الليّن أن موسى أتاه ووعده على قبول الإيمان شبابا لا يهرم ، وملكا لا ينزع منه إلا بالموت ، وتبقى عليه لذة المطعم (١٤) والمشرب ، والمنكح إلى حين موته ، وإذا مات دخل الجنة. فأعجبه (١٥) ذلك ، وكان لا يقطع أمرا دون هامان ، وكان غائبا ، فلما قدم أخبره بالذي (١٦) دعاه إليه موسى ، قال : اردت أن أقبل منه. فقال له هامان : كنت أرى لك عقلا ورأيا ، أنت ربّ تريد أن تكون مربوبا ، وأنت تعبد تريد (١٧) أن تعبد ، فقلبه عن رأيه (١٨).

فصل

قال ابن الخطيب : هذا التكليف لا يعلم سره إلا الله تعالى ، لأنه تعالى لما (١٩) علم أنه لا يؤمن قط كان (٢٠) إيمانه ضدا لذلك العلم الذي يمتنع زواله ، فيكون سبحانه عالما بامتناع ذلك الإيمان ، وإذا كان عالما بذلك ، فكيف أمر موسى بذلك الرفق ، وكيف بالغ

__________________

(١) في الأصل : أغلظ.

(٢) في ب : عليهم.

(٣) في ب : في اللفظ والوعظ.

(٤) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٥٨.

(٥) قوله : سقط من ب.

(٦) في ب : واللين. وهو تحريف.

(٧) انظر البغوي ٥ / ٤٣٢.

(٨) المرجع السابق.

(٩) [النازعات : ١٨ ـ ١٩].

(١٠) البغوي ٥ / ٤٣٢.

(١١) في ب : وقوله.

(١٢) [طه : ٤٧].

(١٣) من هنا نقله ابن عادل عن البغوي ٥ / ٤٣٢ ـ ٤٣٣.

(١٤) في ب : الطعم.

(١٥) في ب : وأعجبه.

(١٦) في ب : بالأمر الذي.

(١٧) في ب : وتريد.

(١٨) آخر ما نقله هنا عن البغوي ٥ / ٤٣٢ ـ ٤٣٣.

(١٩) لما : سقط من ب.

(٢٠) في ب : وكان.

٢٥٤

في الأمر بتلطف دعوته (١) إلى الله ـ تعالى ـ مع علمه باستحالة حصول (٢) ذلك منه؟ ثم هب أن المعتزلة ينازعون (٣) في هذا الامتناع من غير أن يذكروا شبهة قادحة في (٤) هذا السؤال ، ولكنهم سلموا أنه كان عالما بأنه لا يحصل ذلك الإيمان ، وسلموا أن فرعون لا يستفيد ببعثة موسى ـ عليه‌السلام (٥) ـ إلا استحقاق العذاب ، والرحيم الكريم كيف يليق به أن يدفع سكينا إلى من علم قطعا أنه يمزق به بطن نفسه (٦) ، ثم يقول : إني ما أردت بدفع السكين إليه (٧) إلا الإحسان إليه؟ يا أخي : العقول قاصرة عن معرفة هذه الأسرار ، ولا سبيل فيها إلا التسليم ، وترك الاعتراض والسكوت بالقلب واللسان ، ويروى عن كعب أنه قال : والذي يحلف به كعب إنه لمكتوب (٨) في التوراة «فقولا له قولا ليّنا وسأقسي قلبه فلا يؤمن» (٩).

قوله تعالى : (قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى (٤٥) قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى)(٤٦)

قوله : (قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى) قد تقدم أن هارون لم يكن حاضرا هناك ، فكيف قال : (قالا رَبَّنا) وتقدم جوابه (١٠).

فإن قيل : إن موسى ـ عليه‌السلام (١١) ـ قال : (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي)(١٢) وأجابه (الله تعالى) (١٣) بقوله : (قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى)(١٤) وهذا يدل أنه قد شرح صدره ، ويسر (١٥) ، وعيّن له ذلك الأمر ، فكيف قال بعده : (إِنَّنا (١٦) نَخافُ)، فإن حصول الخوف يمنع من حصول شرح الصدر ، فالجواب : أن (١٧) شرح الصدر عبارة عن قوته على ضبط تلك الأوامر والنواهي وحفظ تلك الشرائع على وجه لا يتطرق إليها السّهو والتحريف (١٨) ، وذلك شيء آخر غير زوال (١٩) الخوف(٢٠). فإن قيل : أما علم موسى وهارون ـ عليهما‌السلام (٢١) ـ وقد حمّلهما الله تعالى الرسالة أنه تعالى يؤمنهما من القتل.

__________________

(١) في ب : دعواه.

(٢) في ب : حصوله. وهو تحريف.

(٣) في ب : تنازعوا. وهو تحريف.

(٤) في ب : شبه ما وجه. وهو تحريف.

(٥) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٦) في ب : حتف أنفه. وهو تحريف.

(٧) إليه : سقط من ب.

(٨) في ب : المكتوب. وهو تحريف.

(٩) الفخر الرازي ٢٢ / ٥٩.

(١٠) عند قوله تعالى : اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى.

(١١) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٢) [طه : ٢٥].

(١٣) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٤) [طه : ٣٦].

(١٥) ويسّر : سقط من ب.

(١٦) في ب : أنا. وهو تحريف.

(١٧) أن : سقط من ب.

(١٨) في ب : التحريف والسهو.

(١٩) زوال : سقط من ب.

(٢٠) الفخر الرازي ٢٢ / ٦٠.

(٢١) في ب : عليهما الصلاة والسلام.

٢٥٥

فالجواب : قد أمنا ذلك وإن جوزا أن ينالهما السوء من قبل تمام الأداء أو بعده ، وأيضا فإنهما استظهرا بأن سألا (١) ربهما ما يزيد في ثبات قلبهما (٢) على دعائه ، وذلك بأن ينضاف الدليل النقلي إلى العقلي زيادة في الطمأنينة كما في قوله تعالى (٣) : (وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) (٤)(٥).

فإن قيل : لمّا تكرر الأمر من الله ـ تعالى ـ بالذهاب ، فعدم الذهاب والتعلل بالخوف هل يدل على المعصية؟

فالجواب : إن اقتضى الأمر الفور كان ذلك من أقوى الدلائل على المعصية ، لا سيما وقد أكثر الله ـ تعالى ـ من أنواع التشريف ، وتقوية القلب ، وإزالة الغم ، ولكن الأمر ليس على الفور (٦) ، فزال السؤال ، وهذا من أقوى الدلائل على أن الأمر لا يقتضي الفور (١٠) إذا ضممت إليه ما يدل على أن المعصية غير جائزة على الرسل (٧).

قوله : (أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا) مفعول «يخاف» ، ويقال : فرط يفرط سبق وتقدم ، ومنه الفارط (٨) وهو الذي يتقدم الواردة إلى الماء ، وفرس فرط تسبق الخيل ، أي : نخاف (٩) أن يعجل علينا بالعقوبة ويبادرنا بها. قاله الزمخشري (١٠). ومن ورود الفارط بمعنى المتقدم على الواردة قول الشاعر :

٣٦٦٠ ـ واستعجلونا وكانوا من صحابتنا

كما تقدّم فرّاط لورّاد (١١)

وفي الحديث : «أنّا فرطكم على الحوض» (١٢) أي سابقكم ومتقدمكم.

وقرأ يحيى بن وثاب وابن محيصن وأبو نوفل (١٣) «يفرط» بضم حرف المضارعة

__________________

(١) في ب : مثلا. وهو تحريف.

(٢) في الأصل : قلوبهما.

(٣) تعالى : سقط من ب.

(٤) [البقرة : ٢٦٠].

(٥) الفخر الرازي ٢٢ / ٦٠.

(٦) في ب : الفوز. وهو تصحيف.

(١٠) الكشاف ٢ / ٤٣٥.

(٧) الفخر الرازي ٢٢ / ٦٠.

(٨) الفارط : الذي يتقدم القوم فيصلح لهم الدلاء والأرشية وما أشبه ذلك من أمرهم حتى يردوا. الكامل ٣ / ١٣٦٤ ـ ١٣٦٥ اللسان (فرط).

(٩) أي نخاف : مكررة في الأصل.

(١٠) الكشاف ٢ / ٤٣٥.

(١١) البيت من بحر البسيط قاله القطامي. تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٤ ، اللسان (فرط) والبحر المحيط ٦ / ٢٤٦.

(١٢) أخرجه البخاري (الرقاق) ٤ / ١٤١ ، (الفتن) ٤ / ٢٢١ ومسلم (طهارة) ١ / ٢١٨ ، (فضائل) ٤ / ١٧٩٢ ، ١٧٩٣ وابن ماجة (مناسك) ٢ / ١٠١٦ ، (فتن) ٢ / ١٣٠٠ ، ١٣٠١ (زهد) ٢ / ٤١٣٩ ـ ٦٤٤٠ والنسائي (طهارة) ١ / ٩٣ ـ ٩٥ ، وأحمد ١ / ٤٢٥ ، ٢ / ٤٠٨ ، ٤ / ٣١٣ ، ٥ / ٤١ ، ٨٦ ، ٨٨ ، ٨٩.

(١٣) هو أبو نوفل العرنجي ، اسمه مسلم ، أو عمرو بن مسلم ، أخذ عن عائشة وابن عمر ، وأخذ عنه عبد الملك بن عمير ، وابن جدعان. خلاصة تذهيب تهذيب الكمال ٣ / ٢٥١.

٢٥٦

وفتح الراء على البناء للمفعول (١) ، والمعنى : خافا أن يسبق في العقوبة أي يحمله حامل عليها وعلى المعاجلة بها إما قومه وإما الشيطان وإما حبه الرياسة ، وإما ادعاؤه الإلهية.

وقرأ ابن محيصن في رواية الزعفراني (٢) : «أن يفرط» بضم حرف المضارعة وكسر الراء من أفرط(٣).

قال الزمخشري : من أفرطه غيره ، إذا حمله على العجلة خافا (٤) أن يحمله حامل على المعاجلة بالعقاب (٥).

وقال كعب بن زهير (٦) :

٣٦٦١ ـ تنفي (٧) الرّياح القذى عنه وأفرطه

من صوب سارية بيض يعاليل (٨)

أي سبقت هذه البيض لتملاه.

وفاعل (٩) يفرط ضمير فرعون ، وهذا هو الظاهر الذي ينبغي أن لا يعدل عنه ، وجعله أبو البقاء مضمرا لدلالة الكلام عليه ، فقال : فيجوز أن يكون التقدير : أن يفرط (١٠) علينا (١١) منه قول فأضمر القول لدلالة الحال عليه كما تقول : فرط منّي قول ، وأن يكون الفاعل ضمير فرعون كما كان في «يطغى»(١٢).

فصل

قال ابن عباس : (يَفْرُطَ عَلَيْنا) يعجل علينا بالقتل والعقوبة. يقال : فرط علينا فلان إذا عجل بمكروه ، وفرط منه أمر أي بدر وسبق (١٣)(أَوْ أَنْ يَطْغى) يجاوز الحد بالتخطي (١٤) إلى أن يقول فيك ما لا ينبغي لجرأته عليك. واعلم أن من أمر بشيء فحاول دفعه لأعذار يذكرها فلا بد أن يختم كلامه بما هو الأقوى ، كما أن الهدهد ختم عذره

__________________

(١) انظر المختصر (٨٧) ، والمحتسب ٢ / ٥٢ ، والبحر المحيط ٦ / ٢٤٦ ، والإتحاف ٣٠٣.

(٢) هو عبد الله بن محمد بن هشام أبو محمد الزعفراني ، روى القراءة عرضا عن خلف ودحيم الدمشقي ، والدوري وغيرهم ، وروى القراءة عنه عرضا علي بن الحسين الغضائري طبقات القراء ١ / ٤٥٤ ـ ٤٥٥.

(٣) انظر المختصر (٨٧) ، الكشاف ٢ / ٤٣٥ ، البحر المحيط ٦ / ٢٤٦.

(٤) في ب : خاف.

(٥) الكشاف ٢ / ٤٣٥.

(٦) هو كعب بن زهير بن أبي سلمى ، صحابي ، كان شاعرا مجودا كثير الشعر ، مقدما في طبقته. الخزانة ٩ / ١٥٣ ـ ١٥٥.

(٧) في ب : تبقى وهو تصحيف.

(٨) البيت من بحر البسيط قاله كعب بن زهير ، وهو في ديوانه (٧) واللسان (فرط) (علل).

(٩) في ب : وفا. وهو تحريف.

(١٠) في ب : فيفرط. وهو تحريف.

(١١) علينا : سقط من ب.

(١٢) انظر التبيان ٢ / ٨٩١ ـ ٨٩٢.

(١٣) انظر البغوي ٥ / ٤٣٤ ، وفي اللسان (فرط) : الفرط : العجلة ، وقال الفراء في قوله تعالى : «إنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا» قال : يعجل إلى عقوبتنا ، والعرب تقول : فرط منه أمر ، أي : بدر وسبق.

(١٤) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٦٠.

٢٥٧

بقوله : (وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ)(١) ، فكذا هاهنا بدأ موسى بقوله (أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا) ، وختم بقوله (أَوْ أَنْ يَطْغى) لما كان طغيانه في حق الله ـ تعالى ـ أعظم من إفراطه في حق موسى وهارون (٢).

قوله : (قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى) لا تخافا مما عرض في قلبكما (٣) من الإفراط والطغيان ، لأن ذلك هو المفهوم من الكلام ، لأنه ـ تعالى ـ لم يؤمنهما من الرد ، ولا من التكذيب بالآيات ومعارضة السحرة (٤) وقوله : (إِنَّنِي مَعَكُما) أي : بالحراسة والحفظ وقوله : (أَسْمَعُ وَأَرى) قال ابن عباس : اسمع دعاءكما فأجيبه ، وأرى ما يراد بكما فأمنع لست بغافل عنكما فلا تهتما(٥).

وقال القفال : (قوله : أسمع وأرى» يحتمل أن يكون مقابلا لقوله (يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى) (يَفْرُطَ عَلَيْنا) بأن لا يسمع منّا (أَوْ أَنْ يَطْغى) بأن يقتلنا ، فقال الله تعالى : (إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ) كلامكما فأسخّره للاستماع منكما ، «وأرى» أفعاله فلا أتركه حتى يفعل بكما ما تكرهانه (٦) واعلم أن مفعول) (٧)(أَسْمَعُ وَأَرى) محذوف (٨) ، فقيل : تقديره : أسمع أقوالكما وأرى أفعالكما.

وعن ابن عباس : أسمع جوابه لكما (وأرى ما يفعل بكما (٩)) (١٠).

أو (١١) يكون من حذف الاقتصار ، نحو (يُحْيِي وَيُمِيتُ)(١٢).

قوله تعالى : (فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى (٤٧) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى)(٤٨)

قوله : «فأتياه» أعاد التكليف المتقدم فقال : «فأتياه فقولا له» (١٣) وذلك أنه (١٤) تعالى قال (١٥) أولا (اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ)(١٦) وثانيا قال (١٧) : (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ)(١٨)

__________________

(١) [النمل : ٢٤].

(٢) آخر ما نقله عن الفخر الرازي ٢٢ / ٦٠.

(٣) في الأصل : قلوبكما.

(٤) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٦٠.

(٥) انظر البغوي ٥ / ٤٣٤.

(٦) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٦٠.

(٧) ما بين القوسين سقط من ب.

(٨) في ب : هناك محذوف.

(٩) البحر المحيط ٦ / ٢٤٦.

(١٠) ما بين القوسين سقط من الأصل.

(١١) في ب : و.

(١٢) قوله :«يُحْيِي وَيُمِيتُ» ورد في القرآن تسع مرات ، بداية من الآية (٢٥٨) من سورة البقرة انظر المعجم المفهرس لألفاظ القرآن (٢٢٣).

وحذف الاقتصار هو أن لا يكون في الكلام دليل على الحذف ، انظر الهمع ١ / ١٥٢.

(١٣) له : سقط من الأصل.

(١٤) في ب : لأنه.

(١٥) قال : سقط من ب.

(١٦) [طه : ٢٤].

(١٧) قال : سقط من ب.

(١٨) [طه : ٤٢].

٢٥٨

وقال ثالثا (١) : (اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ)(٢). ورابعا (قال هاهنا «فأتياه» (٣)) (٤).

فإن قيل : إنه تعالى أمرهما بأن يقولا له (قَوْلاً لَيِّناً)(٥) ، وهاهنا أمرهما (٦) بأن (٧) يقولا «إنّا رسولا ربّك (فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ) وفي هذا تغليظ من وجوه :

الأول : (إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ)(٨) وهذا يقتضي انقياده لهما والتزامه لطاعتهما ، وذلك يعظم على الملك المتبوع.

والثاني (٩) : قوله : (فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ) فيه إدخال النقص على ملكه ، لأنه كان محتاجا إليهم فيما يريده من الأعمال وأيضا : أمرهم له بالإرسال يقتضي وجوب الطاعة والانقياد فيصير تحت أمرهم.

والثالث (١٠) : نهيهم له بقولهم : (وَلا تُعَذِّبْهُمْ).

والرابع : قوله (١١) : (قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ).

فما الفائدة في القول اللين أولا والتغليظ ثانيا؟

فالجواب : أن الإنسان إذا أظهر (١٢) اللجاجة (١٣) فلا بد له من التغليظ.

فإن قيل : أليس أن الأولى أن يقولا إنا رسولا ربّك قد جئناك بآية فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذّبهم ، فإن ذكر المعجز مقرونا بادعاء الرسالة أولى من تأخيره عنه؟

فالجواب : بل هذا أولى ، لأنهم ذكروا مجموع الدعاوى ثم استدلوا على ذلك المجموع بالمعجز(١٤).

قوله : (قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ) قال الزمخشري : هذه الجملة جارية من الجملة الأولى وهي: (إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ) مجرى البيان والتفسير ، لأن دعوى الرسالة لا تثبت إلا ببينتهما التي هي مجيء (١٥) الآية(١٦).

فإن قيل : إن الله تعالى أعطاه آيتين ، وهما العصا واليد ثم قال : (اذْهَبْ أَنْتَ

__________________

(١) في ب : وثالثا قال : وفي الأصل : وقال ثالثا قال.

(٢) [طه : ٤٣].

(٣) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٦٠.

(٤) ما بين القوسين في ب : قال أتياه.

(٥) من قوله تعالى : «فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى» [طه : ٤٤].

(٦) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٦١ ، بتصرف يسير.

(٧) في ب : أن.

(٨) ما بين القوسين سقط من ب.

(٩) في ب : الثاني.

(١٠) في ب : الثالث.

(١١) قوله : سقط من ب.

(١٢) في ب : ظهر.

(١٣) لج في الأمر : تمادى عليه وأبى أن ينصرف عنه.

(١٤) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ٦١. بتصرف يسير.

(١٥) في الأصل : مجرى. وهو تحريف.

(١٦) الكشاف ٢ / ٤٣٥.

٢٥٩

وَأَخُوكَ بِآياتِي)(١) ، وذلك يدل على ثلاث (٢) آيات وقال (٣) هاهنا (قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ) ، وذلك يدل على أنها كانت واحدة (فكيف الجمع) (٤)؟

أجاب القفال (٥) : بأن معنى (٦) الآية هاهنا الإشارة (٧) إلى جنس الآيات كأنه قال : جئناك ببيان من عند الله. ثم يجوز أن يكون ذلك حجة واحدة أو حججا كثيرة (٨).

وقال غيره (٩) : المراد في هذا الموضوع (١٠) تثبيت الدعوى ببرهانها فكأنه قال (١١) : قد جئناك بمعجزة وبرهان وحجة على ما ادعينا من الرسالة كقوله : (قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ)(١٢) ، وقوله: (فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ)(١٣) وقوله : (أَوَلَوْ(١٤) جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ(١٥))(١٦).

وتقدم الجواب عن التثنية والجمع ، وأن في العصا واليد آيات (١٧).

قوله : (وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى) يحتمل أن يكون تسليما منهما ولم يؤمرا به ، فتكون الجملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب (١٨) قال بعضهم : إنّ (على) بمعنى (اللام) أي والسلام لمن اتبع الهدى (١٩) كقوله تعالى (٢٠) : (لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)(٢١) أي : عليهم اللعنة(٢٢) ، وقال تعالى : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها)(٢٣) وقال (٢٤) : (إِنْ (٢٥) أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها)(٢٦).

__________________

(١) [طه : ٤٢].

(٢) في الأصل : الثلاث.

(٣) قال : سقط من ب.

(٤) ما بين القوسين سقط من ب.

(٥) في ب : فالجواب قال القفال.

(٦) في ب : على معنى. وهو تحريف.

(٧) في الأصل : إشارة.

(٨) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٦١.

(٩) هو الزمخشري. الكشاف ٢ / ٤٣٥.

(١٠) في ب : المعنى.

(١١) في النسختين : قيل.

(١٢) [الأعراف : ١٠٥].

(١٣) من قوله تعالى : «ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ» [الشعراء : ١٥٤] وفي ب : «فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ» [الأعراف : ١٠٦].

(١٤) في الأصل : ولو. وهو تحريف.

(١٥) من قوله تعالى : «قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ» [الشعراء : ٣٠].

(١٦) الكشاف ٢ / ٤٣٥.

(١٧) تقدم قبل صفحات.

(١٨) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٤٦ ـ ٢٤٧.

(١٩) قال الفراء : (وقوله : «وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى» يريد : والسلام على من اتبع الهدى ، ولمن اتبع الهدى سواه) معاني القرآن ٢ / ١٨٠.

(٢٠) تعالى : سقط من الأصل.

(٢١) [الرعد : ٢٥].

(٢٢) اللعنة : سقط من ب.

(٢٣) من قوله تعالى : «مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ» [فصلت : ٤٦].

(٢٤) في ب : وقوله.

(٢٥) في ب : فإن.

(٢٦) [الإسرا : ٧].

٢٦٠