اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٣

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٣

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٦٤٠

قوله : «لعبادته» متعلق ب «اصطبر» فإن قيل : لم لم يقل : واصطبر على عبادته ، لأنها صلته ، فكان (١) حقه تعديه ب «على»؟.

فالجواب : أنّه ضمن (٢) معنى الثبات ، لأنّ العبادة ذات تكاليف قل من يصبر (٣) لها ، فكأنّه قيل : واثبت لها مصطبرا (٤). واستدلوا بهذه الآية على أنّ فعل العبد خلق لله ـ تعالى ـ ، لأنّ فعل العبد حاصل بين السموات والأرض ، وهو رب لكل شيء حاصل بينهما (٥).

قوله : (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) أدغم الأخوان (٦) ، وهشام (٧) ، وجماعة لام «هل» في «التاء»(٨).

وأنشدوا (٩) على ذلك بيت مزاحم العقيليّ (١٠) :

٣٦١٤ ـ فذر ذا (١١) ولكن هتّعين متيّما

على ضوء برق آخر اللّيل ناصب (١٢)

__________________

ـ المحض ، نحو : من يأتني فله درهم أو كان المبتدأ نكرة عامة موصوفة بالفعل ، أو الظرف أو الجار والمجرور ، نحو : كلّ رجل يأتيني أو أمامك ، أو في الدار فله درهم ، لأنّ النكرة في إبهامها كالموصول إذا لم يرد به مخصوص ، والصفة كالصلة ، فإذا كانت بالفعل أو ما هو في تقديره من جار ومجرور كانت كالموصول في شبه الشرط والجزاء ، فتدخل الفاء في خبرها كما تدخل في خبر الموصول.

وقد أوّل سيبويه وغيره ما أنشده الأخفش على تقدير مبتدأ ، والفاء عاطفة من عطف جملة فعلية على جملة اسمية.

الكتاب ١ / ١٣٨ ـ ١٤١ ، البيان ٢ / ١٢٩ ـ ١٣٠ ، التبيان ٢ / ٨٧٧ ابن يعيش ١ / ٩٩ ـ ١٠١ ، شرح الكافية ١ / ١٠١ ـ ١٠٢ ، المغني ١ / ١٦٥ ـ ١٦٦.

(١) في ب : وكان.

(٢) التضمين : هو أن يؤدي اللفظ معنى الفظ فيعطى حكمه نحو قوله تعالى : «الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ» [البقرة : ١٨٧] ، ضمّن الرفث معنى الإفضاء فعدي ب (إلى) مثل : «وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ» [النساء : ٢١] ، وإنّما أصل الرفث أن يتعدى بالباء ، ويقال : أرفث فلان بامرأته. المغني ٢ / ٦٨٥.

(٣) في ب : يثبت.

(٤) الكشاف ٢ / ٤١٧ ، البحر المحيط ٦ / ٢٠٤.

(٥) الفخر الرازي ٢١ / ٢٤٠ ـ ٢٤١.

(٦) حمزة والكسائي.

(٧) هو هشام بن عمار بن نصير بن ميسرة أبو الوليد السلمي ، أخذ القراءة عرضا عن أيوب بن تميم ، وعراك بن خالد ، وغيرهما ، وروى القراءة عنه أبو عبيد القاسم بن سلام ، وأحمد بن يزيد الحلواني ، وغيرهما ، مات سنة ٢٤٥ ه‍. طبقات القراء ٢ / ٣٥٤ ـ ٣٥٦.

(٨) السبعة (١٢٢ ـ ١٢٣) ، البحر المحيط ٦ / ٢٠٤ ، الإتحاف ٣٠٠.

(٩) في ب : وأنشد.

(١٠) هو مزاحم بن الحارث من بني عقيل ، شاعر ، بدوي ، فصيح ، إسلاميّ ، كان في زمن جرير والفرزدق ، وكان جرير يقرظه ويقدمه. الخزانة ٦ / ٢٠٤ ، الإتحاف ٣٠٠.

(١١) في ب : ها.

(١٢) البيت من بحر الطويل ، قاله مزاحم العقيل «يّ ، وهو في مجاز القرآن ٢ / ٩ ، الكتاب ٤ / ٤٥٩ ، تفسير ابن عطية ٩ / ٥٠٣ ، ابن يعيش ١٠ / ١٤١ ، ١٤٢ ، البحر المحيط ٦ / ٢٠٤ ، المتيّم : الذي تيّمه الحب ـ

١٠١

فصل

دلّ ظاهر الآية على أنّه ـ تعالى ـ رتب الأمر (١) بالعبادة والأمر بالمصابرة عليها أنه لا سميّ له (٢) ، والأقرب أنه ذكر الاسم وأراد هل تعلم له نظيرا فيما يقتضي العبادة والتي (٣) يقتضيها كونه منعما بأصول (النعم وفروعها ، وهي خلق الأجسام ، والحياة والعقل ، وغيرها ، فإنه لا يقدر على ذلك) (٤) أحد سواه ـ سبحانه وتعالى ـ وإذا كان قد أنعم عليك بغاية الإنعام ، وجب أن تعظمه بغاية التعظيم ، وهي العبادة (٥).

قال ابن عباس : هل تعلم له مثلا (٦).

وقال الكلبي : ليس (٧) له شريك في اسمه (٨). وذلك لأنهم (٩) وإن كانوا يطلقون لفظ الإله على الوثن فما أطلقوا لفظ الله ـ تعالى ـ (١٠) على شيء. قال ابن عباس : لا يسمى بالرحمن غيره. وأيضا : هل تعلم من سمي باسمه على الحق دون الباطل ، لأنّ التسمية على الباطل كلا تسمية ، لأنها غير معتد بها ، والقول الأول أقرب (١١).

قوله تعالى : (وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُ) الآية (١٢). «إذا» منصوب بفعل مقدر مدلول عليه بقوله تعالى : (لَسَوْفَ أُخْرَجُ)(١٣) ، تقديره : إذا مت أبعث أو (١٤) أحيا ، ولا يجوز أن يكون العامل فيه «أخرج» لأنّ ما بعد لام الابتداء لا يعمل فيما قبلها (١٥) قال أبو البقاء : لأن ما بعد اللام وسوف لا يعمل فيما قبلها ك «إنّ» (١٦) قال شهاب الدين : قد جعل

__________________

ـ واستعبده. النّاصب : المنصب والمتعب. وهو غير جار على فعله ، لأنّ الفعل (أنصب) فهو منصب ، وإنما هو على النسب كتامر ولابن. والشاهد فيه إدغام اللام في التاء ، أي : لام (هل) في تاء (تعين) ، لأنّهما متقاربان في المخرج ، إذ هما من حروف طرف اللسان.

(١) في ب : على الأمر.

(٢) في ب : لا يسمى.

(٣) في ب : الذي.

(٤) ما بين القوسين سقط من ب.

(٥) انظر الفخر الرازي ٢١ / ٢٤١.

(٦) انظر البغوي ٥ / ٣٨٦.

(٧) في ب : هل تعلم.

(٨) انظر الفخر الرازي ٢١ / ٢٤١.

(٩) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢١ / ٢٤١.

(١٠) تعالى : سقط من ب.

(١١) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢١ / ٢٤١.

(١٢) الآية : سقط من ب ، وكتبت الآية كاملة.

(١٣) في ب : لسوف أخرج حيا.

(١٤) في ب : و.

(١٥) (إذا) ظرف لما يستقبل من الزمان خافض لشرطه منصوب بجوابه ، ولأنّ «لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا» لا يصح أن يكون جوابا ل «إذا» ، لاقترانه بلام الابتداء ، وهي لها الصدارة في جملتها ، قدر ل «إذا» جوابها ، وهو الناصب لها على نحو ما قدر في الأصل. الكشاف ٢ / ٤١٧ ، البيان ٢ / ١٣٠.

(١٦) التبيان ٢ / ٨٧٧ ، والمقصود بالتنظير هنا أنّ خبر (إنّ) لا يتقدم عليها.

١٠٢

المانع مجموع الحرفين ، أما اللام فمسلم وأما حرف التنفيس فلا مدخل له في المنع ، لأن حرف التنفيس يعمل ما بعده فيما قبله ، تقول : زيدا سأضرب وسوف أضرب ، ولكن فيه خلاف ضعيف (١) ، والصحيح الجواز ، وأنشدوا عليه :

٣٦١٥ ـ فلمّا رأته آمنا هان وجدها

وقالت أبونا هكذا سوف يفعل (٢)

ف «هكذا» (٣) منصوب ب «يفعل» بعد (حرف التنفيس (٤)) (٥) ، (وقال ابن عطية) (٦) : واللام في قوله : «لسوف» مجلوبة على الحكاية لكلام تقدم (٧) بهذا المعنى ، كأن قائلا قال للكافر : (إذا متّ) (٨) يا فلان لسوف تخرج (٩) حيّا ، فقرر الكلام على الكلام على جهة الاستبعاد ، وكرر اللام حكاية للقول الأول (١٠). قال أبو حيان : ولا يحتاج إلى هذا التقدير ، ولا أن (١١) هذا حكاية لكلام (١٢) تقدم بل هو من كلام الكافر ، وهو استفهام فيه معنى الجحد والاستبعاد (١٣). وقال الزمخشري (١٤) : فإن قيل : لام الابتداء الداخلة على المضارع تعطي معنى الحال ، فكيف جامعت حرف الاستقبال؟ قلت : لم تجامعها إلّا مخلصة للتوكيد كما أخلصت الهمزة في يا الله للتعويض ، واضمحلّ (١٥) عنها معنى التعريف (١٦).

__________________

(١) حيث منع ابن الطراوة ، وتلميذه السهيلي أن يتقدم ما بعد السين وسوف عليهما ، وعندهما أنهما حرفا مصدر ، لأنهما من حروف المعاني الداخلة على الجمل ، ومعناها في نفس المتكلم ، وإليه يسند لا إلى الاسم المخبر عنه ، فوجب أن يكون له صدر الكلام كحروف الاستفهام والنفي والتمني ، وغير ذلك ، ولذلك قبح زيدا سأضرب ، وزيد سيقوم ، مع أنّ الخبر عن زيد إنّما هو بالفعل لا بالمعنى الذي دلّت عليه السين ، فإن ذلك المعنى مسند إلى المتكلم لا إلى زيد ، فلا يجوز أن يخلط بالخبر عن زيد فتقول : زيد سيفعل.

نتائج الفكر ١٢١ ـ ١٢٢ ، حاشية يس على التصريح ١ / ١٦٠.

(٢) البيت من بحر الطويل قاله النمر بن تولب ، وهو في البحر المحيط ٦ / ٢٠٦ ، تخليص الشواهد وتلخيص الفوائد ٥٥ ، حاشية يس ١ / ١٦٠.

هان : ضعف الوجد : الشّوق. الشاهد فيه أن ما بعد حرف التنفيس يعمل فيما قبله ، ف (هكذا) منصوب ب (يفعل) بعد سوف. وبهذا البيت ردّ على ابن الطراوة وتلميذه السهيلي حيث منعا أن يتقدم ما بعد السين وسوف عليهما.

(٣) في ب : فكذا. وهو تحريف.

(٤) الدر المصون ٥ / ١١.

(٥) ما بين القوسين في ب : حرف التعليل والتنفيس.

(٦) ما بين القوسين سقط من ب.

(٧) في ب : مقدم.

(٨) ما بين القوسين سقط من الأصل.

(٩) في ب : أخرج.

(١٠) تفسير ابن عطيه ٩ / ٥٠٥ ـ ٥٠٦.

(١١) في ب : ولا يحتاج هذا لأن.

(١٢) في ب : للقول لكلام.

(١٣) البحر المحيط ٦ / ٢٠٧.

(١٤) في ب : وقال الزمخشري : لام الابتداء الداخلة على المضارع تعطي لام الحال كيفية فإن قيل.

(١٥) اضمحل السحاب : تقشع ، واضمحل الشيء ، أي : ذهب. اللسان (ضحل).

(١٦) الكشاف ٢ / ٤١٧.

١٠٣

قال أبو حيان : وما ذكر من أن اللام (١) تعطي «معنى» (٢) الحال مخالف فيه (٣) ، فعلى مذهب من لا يرى ذلك (٤) يسقط (٥) السؤال ، وأما قوله : كما أخلصت الهمزة. فليس ذلك إلّا على مذهب من يزعم أن أصله : إله (٦) ، وأما من يزعم أن (٧) أصله : لاه. فلا تكون الهمزة فيه للتعويض «إذ لم يحذف منه شيء ، ولو قلنا : إنّ أصله إله ، وحذفت فاء الكلمة لم يتعين أن الهمزة فيه في النداء للتعويض» (٨) ، إذ لو كانت عوضا من المحذوف لثبتت دائما في النداء وغيره ، ولما جاز حذفها في النداء ، قالوا : يا لله بحذفها (٩) ، وقد نصوا على أن «قطع» (١٠) همزة الوصل في النداء شاذ (١١).

__________________

(١) في ب : من معنى اللام.

(٢) معنى : تكملة من البحر المحيط.

(٣) لام الابتداء الداخلة على الفعل المضارع من الأمور المختلف في دلالتها ، فذهب الكوفيون إلى أنها تقصر الفعل على الحال بعد أن كان مبهما ، ولذلك لا يجوزون اجتماع لام الابتداء مع حرف التنفيس ، للتناقض ، فلا تقول : إن محمدا لسوف يقوم. وذهب البصريون إلى أنها لا تقصره على الحال ، بل هو مبهم ، لأنّ اللام عندهم باقية على إفادة التوكيد ، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى : «وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ» [النحل : ١٢٤] ، فيجوزون اجتماع اللام مع سوف لقوله تعالى : «وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ» [الضحى : ٥] ، فيجوز عندهم إن محمّدا لسوف يقوم. ابن يعيش ٩ / ٢٦ ، شرح الكافية ٢ / ٢٢٦ ـ ٢٢٧.

(٤) وهو مذهب البصريين.

(٥) في ب : لسقط.

(٦) أي أنّ أصل لفظ الجلالة على هذا المذهب (إلاه) على وزن فعال بمعنى مفعول لأنه مألوه ، أي : معبود ، ثم دخلت عله (ال) ، فصار (الإلاه) ، ثم حذف الهمزة بعد نقل حركتها إلى اللام قبلها ، فصار (اللاه) بكسر لام التعريف ، ثم سكنت لام التعريف ، وأدغمت في اللام الثانية ، وفخمت تعظيما.

فلما كثر استعمال لفظ الجلالة ، وكانت (ال) عوضا من المحذوف صارتا كحرف من حروفه ، وجاز نداؤه ، وإن كانت فيه (ال).

الكتاب ٢ / ١٩٥ ، ابن يعيش ٢ / ٩.

(٧) في ب : رغم أنه.

(٨) ما بين القوسين تكملة من البحر المحيط.

(٩) عند نداء لفظ الجلالة تقول : يا الله. باثبات الألفين ، ألف (يا) وألف (الله) ، ويلله ، بحذفهما معا ، ويالله بحذف الثانية فقط وإبقاء الأولى.

والأكثر حذف حرف النداء (يا) وتعوض عنه الميم المشددة ، فتقول : اللهم بحذف حرف النداء وزيادة الميم في آخره ، ولم تزد مكان المعوض منه ، لئلا يجتمع زيادتا الميم و(ال) في الأول ، وخصّت الميم بذلك ، لأنّ الميم عهدت زيادتها آخرا كميم زرقم.

شرح التصريح ١ / ١٧٢.

(١٠) قطع : تكملة من البحر المحيط.

(١١) البحر المحيط ٦ / ٢٠٧.

لم أجد من قال بشذوذ قطع همزة الوصل في النداء مطلقا فيما وصلت إليه يدي من مراجع.

١٠٤

وقرأ الجمهور «أءذا» بالاستفهام (١) ، وهو استبعاد كما تقدم (٢). وقرأ ابن ذكوان (٣) بخلاف عنه ، وجماعة «إذا» بهمزة واحدة (٤) على الخبر أو (٥) الاستفهام وحذف أداته للعلم بها ، ولدلالة القراءة الأخرى عليها.

وقرأ طلحة بن مصرّف (٦) «لسأخرج» بالسين دون سوف. هذا نقل الزمخشري عنه (٧). وغيره نقل «سأخرج» دون لام الابتداء (٨) ، وعلى هذه القراءة يكون العامل (٩) في الظرف نفس «أخرج» ، ولا يمنع حرف التنفيس (١٠) على الصحيح (١١).

وقرأ العامة «أخرج» مبنيا للمفعول (١٢). والحسن ، وأبو حيوة «أخرج» مبنيا للفاعل(١٣). و«حيّا» حال مؤكدة (١٤) ، لأنّ من لازم خروجه أن يكون حيّا ، وهو كقوله : (أُبْعَثُ حَيًّا)(١٥).

فصل

لما أمر بالعبادة (١٦) والمصابرة عليها ، فكأنّ سائلا سأل وقال : هذه العبادات لا منفعة فيها في الدنيا ، وأمّا في (١٧) الآخرة فقد أنكرها قوم ، فلا (١٨) بدّ من ذكر الدلالة على القول بالحشر حتى تظهر فائدة الاشتغال بالعبادة ، فلهذا حكى الله ـ تعالى ـ قول منكري الحشر ، فقال : (وَيَقُولُ الْإِنْسانُ) الآية ، قالوا ذلك على سبيل الإنكار والاستبعاد وذكروا في الإنسان وجهين :

__________________

(١) انظر البحر المحيط : ٦ / ٢٠٦.

(٢) أي : هو استفهام فيه معنى الجحد والاستبعاد.

(٣) تقدم.

(٤) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٠٦.

(٥) في ب : على جواز.

(٦) تقدم.

(٧) الكشاف ٢ / ٤١٨.

(٨) المختصر (٨٥).

(٩) في ب : العالم. وهو تحريف.

(١٠) التنفيس : مكرر في ب.

(١١) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٠٦.

(١٢) تفسير ابن عطية ٩ / ٥٠٦ ، البحر المحيط ٦ / ٢٠٧.

(١٣) المختصر (٨٥) تفسير ابن عطية ٩ / ٢٠٦ ، البحر المحيط ٦ / ٢٠٦.

(١٤) الحال المؤكدة هي التي يستفاد معناها بدون ذكرها ، وتكون مؤكدة لمضمون جملة قبلها نحو «زيد أبوك عطوفا» ، أو لعاملها كقوله تعالى : «وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا» [مريم : ٣٣] أو لصاحبها كقوله تعالى :«لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً» [يونس : ٩٩]. فإنّ الأبوة من شأنها العطف ، والبعث من لازمه الحياة ، والعموم من مقتضياته الجمعية.

شرح التصريح ١ / ٣٦٧.

(١٥) من قوله تعالى : «وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا» [مريم : ٣٣].

(١٦) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢١ / ٢٤١ ـ ٢٤٢.

(١٧) في : سقط من الأصل.

(١٨) في ب : ولا.

١٠٥

أحدهما : أن يكون المراد الجنس كقوله : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ)(١).

فإن قيل : كلهم غير قائلين بذلك ، فكيف يصح هذا القول؟.

فالجواب من وجهين : الأول : أنّ (٢) هذه المقولة لمّا كانت موجودة في جنسهم صحّ اسنادها إلى جميعهم ، كما يقال : بنو فلان قتلوا فلانا ، وإنما القاتل رجل منهم (٣).

الثاني : أنّ هذا الاستبعاد موجود ابتداء في طبع كل أحد إلّا أنّ بعضهم تركه للدلالة القاطعة على صحة القول به.

القول الثاني (٤) : أنّ المراد بالإنسان شخص معين ، فقيل : أبيّ بن خلف الجمحي.

وقيل : أبو جهل. وقيل : المراد جنس الكفار القائلين بعدم البعث (٥).

ثم إن الله ـ تعالى ـ أقام الدلالة على صحة البعث فقال : (أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ) الآية (٦) قرأ نافع (٧) ، وابن عامر (٨) ، وعاصم (٩) ، وجماعة : «يذكر» مضارع ذكر.

والباقون بالتشديد (١٠) مضارع تذكّر. والأصل : يتذكر ، فأدغمت التاء في الذال (١١).

__________________

(١) من قوله تعالى : «هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً» [الإنسان : ١].

(٢) في ب : لما كانت.

(٣) في ب : بنوا فلان تغلبوا طبع كل أحد الأقوال وإنما قاله رجل منهم. وهو تحريف ، وفي الأصل : بنوا.

وهو تحريف.

(٤) في الأصل : الثالث. وهو تحريف.

(٥) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢١ / ٢٤١ ـ ٢٤٢.

(٦) في ب : فقال أولا قوله تعالى : «أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً».

(٧) هو نافع بن عبد الرحمن بن نعيم أبو رويم ، أحد القراء السبعة ، وإليه انتهت رئاسة القراءة بالمدينة أخذ القراءة عرضا عن جماعة من تابعي أهل المدينة عبد الرحمن بن هرمز الأعرج وأبي جعفر القارىء ، وغيرهما ، وروى القراءة عنه عرضا وسماعا إسماعيل بن جعفر وعيسى ½بن وردان ، وغيرهما. مات سنة ١٦٩ ه‍.

طبقات القراء ٢ / ٣٣٠ ـ ٣٣٤.

(٨) هو عبد الله بن عامر اليحصبي ، إمام أهل الشام في القراءة ، أحد القراء السبعة ، وكان أسنهم وأعلاهم سندا ، قرأ على جماعة من الصحابة ، وقيل : قرأ على عثمان بن عفان ، مات سنة ١١٨ ه‍. طبقات القراء ١ / ٤٢٣ ـ ٤٢٥.

(٩) تقدم.

(١٠) السبعة (٤١٠) ، الحجة لابن خالويه (٢٣٨) ، الكشف ٢ / ٩٠ ، النشر ٢ / ٣١٨ ، الإتحاف ٣٠٠. فمن قرأ بالتخفيف جعله من الذكر الذي يكون عقيب النسيان ، ومن قرأ بالتشديد جعله من التذكر الذي هو بمعنى التدبر.

(١١) قال سيبويه : (ومما يدغم إذا كان الحرفان من مخرج واحد ، وإذا تقارب المخرجان قولهم : يطّوّعون في يتطوّعون ، ويذّكرون في يتذكرون ، ويسّمّعون في يتسمّعون ، الإدغام في هذا أقوى ، إذ كان يكون في الانفصال ، والبيان فيهما عربيّ حسن لأنهما متحركان ، كما حسن في يختصمون ويهتدون. وتصديق الإدغام قوله تعالى : «يَطَّيَّرُوا بِمُوسى» «ويذكرون» الكتاب ٤ / ٤٧٤ ـ ٤٧٥.

١٠٦

وقد قرأ بهذا الأصل وهو «يتذكّر» أبيّ (١).

والهمزة في قوله : (أَوَلا يَذْكُرُ) مؤخرة عن حرف العطف تقديرا كما هو قول الجمهور (٢) وقد رجع الزمخشري إلى قول (٣) الجمهور هنا فقال : الواو عطفت «لا يذكر» على «يقول» ووسطت همزة الإنكار بين المعطوف «عليه» (٤) وحرف العطف (٥).

ومذهبه : أن يقدر بين حرف العطف وهمزة الاستفهام جملة يعطف عليها ما بعدها (٦).

وقد فعل هذا أعني الرجوع إلى قول الجمهور في سورة الأعراف كما نبّه عليه في موضعه(٧).

قوله : (مِنْ قَبْلُ) أي : من قبل بعثه (٨) ، وقدره الزمخشري : من قبل الحالة التي هو فيها ، «وهي حالة» (٩) بقائه (١٠).

فصل

قال بعض العلماء (١١) : لو اجتمع كل الخلائق على إيراد حجة في البعث على هذا

__________________

(١) المختصر (٨٦) ، الكشاف ٢ / ٤١٨ ، تفسير ابن عطية ٩ / ٥٠٦ ، البحر المحيط ٦ / ٢٠٧.

(٢) مذهب الجمهور أنّ همزة الاستفهام إذا كانت في جملة معطوفة ب (الواو) أو ب (الفاء) أو ب (ثم) قدمت على العاطف ، تنبيها على أصالتها في التصدير ، ويعطف ما بعدها على ما قبلها. والزمخشري خالف الجمهور في ذلك فهو يعتبر الهمزة في محلها الأصلي ، وأن العطف على جملة مقدرة بينها وبين العاطف محافظة على إقرار حرف العطف على حاله من غير تقديم ولا تأخير. المغني ١ / ١٦ ، الهمع ٦٩.

(٣) في ب : لما رأى. وهو تحريف.

(٤) عليه : تكملة من الكشاف.

(٥) الكشاف ٢ / ٤١٨.

(٦) ويظهر ذلك في حديث الزمخشري عند قوله تعالى : (أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) [البقرة : ١٠٠] قال :(«أَوَكُلَّما» الواو للعطف على محذوف معناه : أكفروا بالآيات البينات وكلما عاهدوا عهدا) الكشاف ١ / ٨٥. وعند الجمهور المعطوف عليه قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ) [البقرة : ٩٩]. شرح الشافية ٢ / ٣٦٨. وضعف مذهب الزمخشري بما فيه من التكلف بتقدير المعطوف عليه بين الهمزة وحرف العطف ، وعدم اطراده في جميع المواضع فقد رجع إلى رأي الجمهور كما في الآية هنا ، وفي قوله تعالى : (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ) [الأعراف : ٩٧ ، ٩٨] حيث قال : (والفاء والواو في «أفأمن» و«أوأمن» حرفا عطف دخلت عليهما همزة الإنكار ، فإن قلت : ما المعطوف عليه ، ولم عطفت الأولى بالفاء والثانية بالواو؟ قلت : المعطوف عليه قوله : (فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً) ، وقوله (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى) إلى «يكسبون» وقع اعتراضا بين المعطوف والمعطوف عليه وإنما عطف بالفاء ، لأنّ المعنى فعلوا وصنعوا فأخذناهم بغتة أبعد ذلك من أهل القرى يأتيهم بأسنا بياتا وأمنوا أن يأتيهم بأسنا ضحى) الكشاف ٢ / ٧٨.

(٧) ب : موضعين. وهو تحريف.

(٨) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٠٧.

(٩) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٠) الكشاف ٢ / ٤١٨.

(١١) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢١ / ٢٤٢.

١٠٧

الاختصار ما قدروا عليه ، إذ لا شك أنّ الإعادة ثانيا أهون من الإيجاد أولا ، ونظيره قوله تعالى (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ)(١) ، وقوله (٢) : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ)(٣) واحتجوا بهذه الآية على أنّ المعدوم ليس بشيء ، وهو ضعيف ؛ لأن الإنسان عبارة عن مجموع جواهر متألفة قامت بها أعراض ، وهذا المجموع ما كان شيئا ، ولكن لم قلت : إن كل واحد من تلك الأجزاء ما كان شيئا قبل (٤) كونه موجودا فإن قيل : كيف أمر الله ـ تعالى ـ الإنسان بالتذكر مع أنّ التذكر هو العلم بما علمه من قبل ثم تخللهما سهو؟.

فالجواب : المراد أو لا (٥) يتفكر فيعلم خصوصا إذا قرىء (٦) «أو لا يذّكّر» مشددا (٧) ، أما إذا قرىء (٨) «أو لا يذكر» مخففا (٩) ، فالمراد أو لا يعلم ذلك من حال نفسه لأنّ كل أحد يعلم أنه لم يكن حيّا في الدنيا ثم صار حيّا (١٠).

ثم إنه تعالى لما قرر المطلوب بالدليل (١١) أردفه بالتشديد (١٢) فقال (فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ) أي : لنجمعنهم في المعاد ، يعنى المشركين المنكرين للبعث مع الشياطين ، وذلك أنه يحشر كل كافر مع شيطان في سلسلة.

وفائدة القسم أمران : أحدهما (١٣) : أنّ العادة جارية بتأكيد الخبر باليمين.

والثاني : أنّ في إقسام الله ـ تعالى ـ باسمه (١٤) مضافا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رفعا (١٥) منه لشأنه كما رفع من شأن السماء والأرض في قوله : (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌ)(١٦). والواو في «والشّياطين» يجوز أن تكون للعطف (١٧) ، وبمعنى «مع» وهي بمعنى «مع» (١٨) أوقع (١٩). والمعنى ، أنهم يحشرون مع قرنائهم من الشياطين الذين أغروهم. (ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ) أي : نحضرهم على أذل صورة لقوله: «جثيّا» ، لأنّ البارك على ركبتيه صورته صورة الذليل ، أو صورة العاجز (٢٠).

__________________

(١) [يس : ٧٩].

(٢) في ب : ومثله.

(٣) [الروم : ٢٧].

(٤) في ب : لم يكن.

(٥) في ب : منتقى. وهو تحريف.

(٦) في الأصل : أن لا. وهو تحريف.

(٧) في الأصل : قرأ.

(٨) وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وحمزة والكسائي ، وسبق تخريجها.

(٩) وهي قراءة نافع وعاصم وابن عامر.

(١٠) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢١ / ٢٤٢.

(١١) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢١ / ٢٤٢ ـ ٢٤٣.

(١٢) في ب : بالدليل بالتهديد.

(١٣) في ب : الأول.

(١٤) في الأصل : بنفسه.

(١٥) في الأصل : رفع.

(١٦) [الذاريات : ٢٣].

(١٧) في ب : للتعظيم. وهو تحريف.

(١٨) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٩) على العطف تكون «الشياطين» معطوفة على الضمير في «لنحشرنّهم» ، وعلى كونها بمعنى (مع) يكون ما بعد الواو منصوبا على المفعول معه ، والمعنى : لنحشرنهم في صحبة الشياطين. الكشاف ٢ / ٤١٨.

(٢٠) في ب : لأن البارك على ركبته صورة الذليل أو صورة الفاجر.

١٠٨

فإن قيل : هذا المعنى حاصل للكل لقوله : (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً)(١) ، ولأنّ العادة جارية بأنّ الناس في مواقف (٢) مطالبات الملوك يتجاثون على ركبهم لما في ذلك من القلق ، أو لما يدهمهم من شدة الأمر التي لا يطيقون معه (٣) القيام على أرجلهم وإذا (٤) كان هذا حاصلا (٥) للكل ، فكيف يدل على مزيد ذل الكفار.

فالجواب : لعل المراد أنهم يكونون من وقت الحشر إلى وقت الحضور في الموقف على هذه (٦) الحال ، وذلك يوجب مزيد ذلهم (٧).

قوله : «جثيّا» حال مقدرة (٨) من مفعول «لنحضرنّهم» (٩). و«جثيّا» جمع جاث جمع على فعول ، نحو قاعد وقعود ، وجالس وجلوس ، وفي لامه (١٠) لغتان :

أحدهما : الواو.

والأخرى : الياء.

يقال : جثا يجثو جثوّا ، وجثا يجثي جثيّا (١١).

فعلى التقدير الأول : يكون أصله جثوو. بواوين الأولى زائدة علامة للجمع والثانية لام الكلمة ، ثم أعلت إعلال عصيّ ودليّ ، وتقدم تحقيقه في «عتيّا» (١٢).

وعلى الثاني يكون الأصل : جثويا ، فأعل إعلال هيّن وميّت (١٣).

وعن ابن عباس : أنه بمعنى جماعات جماعات ، جمع جثوة ، وهو المجموع من

__________________

(١) [الجاثية : ٢٨].

(٢) في ب : بمواقع.

(٣) في الأصل : معها.

(٤) في ب : ولما.

(٥) في الأصل : حاصل.

(٦) في ب : هذا.

(٧) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢١ / ٢٤٢ ـ ٢٤٣.

(٨) الحال المقدرة : هي الحال المستقبلة ، وهي ما لم تحدث بعد ، ولكن يقدر وينتظر حدوثها مثل : مررت برجل معه صقر صائدا به غدا ، أي : مقدرا ذلك ، وعليه ف (جثيّا) كوصف للكفار والشياطين لم يتحقق بعد ، ولكنه سيتحقق يوم القيامة. انظر المغني ٢ / ٤٦٥ ، والأشموني ٢ / ١٩٣.

(٩) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ٦٠ ، الكشاف ٢ / ٤١٩ ، البيان ٢ / ١٣٠.

(١٠) في ب : الآية. وهو تحريف.

(١١) قال ابن منظور : (جثا يجثو ويجثي جثوّا وجثيّا على فعول فيهما ، جلس على ركبته للخصومة ونحوها) اللسان (جثا).

(١٢) عند قوله تعالى : «قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا» [مريم : ٨]. انظر اللباب ٥ / ٤٠١.

(١٣) تقلب الواو ياء إذا اجتمعت مع الياء في كلمة ، وكان السابق منهما ساكنا ، ثم تدغم الياء في الياء ، فأصل : جثيّ (على أن لامه ياء) وهيّن وميّت ، جثوي وهيون وميوت قلبت الواو للعلة السابقة وأدغمت الياء في الياء فصار : جثيا ، وهينا ، وميتا ، ثم في (جثيّا) تقلب ضمة الثاء كسرة لمناسبة الياء المشددة ثم يتبع كسر الثاء كسر الجيم. شرح الشافية ٣ / ١٣٩.

١٠٩

التراب والحجارة (١) ، وفي صحته عنه نظر من حيث إنّ فعله لا يجمع على فعول. ويجوز في «جثيّا» أن يكون مصدرا على فعول (٢) ، وأصله كما تقدم في حال كونه جمعا ، إمّا جثوو ، وإمّا جثوي (٣).

وقد تقدم أنّ الأخوين (٤) يكسران فاءه ، والباقون يضمونها (٥).

والجثوّ : القعود على الركب (٦).

قوله : (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ) أي : ليخرجن من كل أمة وأهل دين (٧) من الكفار والشيعة(٨) فعلة كفرقة : ومنه الطائفة التي شاعت ، أي : تبعت غاويا من الغواة.

قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً)(٩)(١٠). والمعنى (١١) : أنه ـ تعالى ـ يحضرهم أولا (١٢) حول جهنم ، ثم يميز البعض من البعض ، فمن كان منهم أشد (١٣) تمردا في (١٤) كفره خص بعذاب عظيم ، لأنّ عذاب الضال المضل يجب أن يكون فوق عذاب من يضل تبعا لغيره ، وليس عذاب من يتمرد ويتجبر كعذاب المقلد ، ومعنى الآية : أنه ينزع من كل فرقة من كان أشد عتيا وتمردا ليعلم (١٥) أنّ عذابه أشد وفائدة هذا التمييز التخصيص «بشدة العذاب لا التخصيص» (١٦) بأصل العذاب ، فلذلك قال في جميعهم: (ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا)(١٧) ولا يقال (١٨) : «أولى» إلا مع اشتراكهم في العذاب (١٩).

قوله : (أَيُّهُمْ أَشَدُّ) فيه أقوال كثيرة ، أظهرها عند جمهور المعربين ، وهو مذهب سيبويه (٢٠) : أنّ «أيّهم» موصولة بمعنى «الذي» ، وأنّ حركتها حركة بناء ، بنيت عند سيبويه لخروجها عن النظائر (٢١).

__________________

(١) البحر المحيط ٦ / ٢٠٨.

(٢) مشكل إعراب القرآن ٢ / ٦٠ ، البيان ٢ / ١٣٠.

(٣) أي : أنه قد تكون لامه واوا أو ياء ، فاذا كانت لامه واوا جاز الإعلال والتصحيح ، والغالب التصحيح لخفة المفرد. شرح الشافية ٣ / ١٧١ ، شرح الأشموني ٤ / ٣٢٧.

(٤) في الأصل : الأخوان. والأخوان هما : حمزة والكسائي.

(٥) السبعة : (٤٠٧). الحجة لابن خالويه (٢٣٥) الكشف ٢ / ٨٤ ، النشر ٢ / ٣١٧ ، الإتحاف (٢٩٨). فمن قرأ بكسر الجيم يتبع الكسر الكسر طلبا للمجانسة ، والخفة ، ومن قرأ بالضم فعلى الأصل الكشف ٢ / ٨٤ ـ ٨٥ ، البيان ٢ / ١٣٠.

(٦) اللسان (جثا).

(٧) في ب : دار.

(٨) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢١ / ٢٤٣.

(٩) في ب : فارقوا. وهي قراءة حمزة والكسائي. السبعة (٢٧٤).

(١٠) [الأنعام : ١٥٩].

(١١) في ب : فصل والمعنى.

(١٢) أولا : سقط من ب.

(١٣) في ب : أشدهم.

(١٤) في ب : إلى. وهو تحريف.

(١٥) في ب : فيعلم.

(١٦) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٧) [مريم : ٧٠].

(١٨) في ب : أولى يقال. وهو تحريف.

(١٩) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢١ / ٢٤٣.

(٢٠) تقدم.

(٢١) انظر الكتاب ٢ / ٤٠٠.

١١٠

و«أشدّ» خبر مبتدأ مضمر ، والجملة صلة ل «أيّهم» ، و«أيّهم» وصلتها في محل نصب مفعولا بها بقوله : «لننزعنّ».

ول «أيّ» أحوال الأربعة : إحداها تبنى فيها ، وهي كما في هذه الآية (١) أن (٢) تضاف ويحذف صدر صلتها (٣) ، ومثله قول الآخر :

٣٦١٦ ـ إذا ما أتيت بني مالك

فسلّم على أيّهم أفضل (٤)

بضم «أيّهم». وتفاصيلها مقررة في كتب النحو (٥).

وزعم الخليل (٦) ـ رحمه‌الله (٧) ـ أنّ «أيّهم» هنا مبتدأ ، و«أشدّ» خبره ، وهي استفهامية ، والجملة محكية بالقول مقدرا (٨) ، والتقدير : لننزعنّ من كل شيعة المقول فيهم أيّهم (٩).

وقوى الخليل تخريجه بقول الشاعر :

٣٦١٧ ـ ولقد أبيت من الفتاة بمنزل

فأبيت لا حرج ولا محروم (١٠)

__________________

(١) في ب : وهي كهذه الآية.

(٢) في ب : وأن وهو تحريف.

(٣) (أي) إذا أضيفت وحذف صدر صلتها تكون مبنية عند البصريين معربة عند الكوفيين انظر الإنصاف (المسألة ١٠٢) ٢ / ٧٠٩ ـ ٧١٦.

(٤) البيت من بحر المتقارب ، قاله غسان بن وعلة ، وهو في الإنصاف ٢ / ٤١٥ ، ابن يعيش ٣ / ١٤٧ ، ٤ / ٢١ ، ٧ / ٨٧ المغني ١ / ٧٨ ، ٢ / ٤٠٩ ، ٥٥٢ ، التصريح ١ / ١٣٥ الهمع ١ / ١٤ ، ٩١ ، شرح شواهد المغني ١ / ٢٣٦ ، ٢ / ٨٣٠ ، الأشموني ١ / ١٦٦ حاشية يس ١ / ١٣٦ ، الخزانة ٦ / ٦١ ، الدرر ١ / ٦٠ ، والشاهد فيه بناء (أيّ) على الضم : حيث جاءت مضافة وحذف صدر صلتها ، والتقدير : فسلّم على أيّهم هو أفضل ، وهو مذهب البصريين.

(٥) اكتفى ابن عادل بذكر حالة واحدة من أحوال (أيّ) ، وأشار إلى بقية الأحوال بقوله : وتفاصيلها مقررة في كتب النحو. ونذكر أحوالها باختصار وهي أنّ (أيّ) لها أربعة أحوال :

الأولى : ذكرها ابن عادل ، وهي أن تضاف لفظا ويحذف صدر صلتها ، وهي مبنية عند البصريين معربة عند الكوفيين.

الثانية : أن تضاف لفظا ويذكر صدر صلتها مثل : يعجبني أيّهم هو قائم.

الثالثة : أن تقطع عن الإضافة ويذكر صدر صلتها مثل : يعجبني أيّ هو قائم. وهي معربة في هذين الحالين باجماع.

الرابعة : أن تقطع عن الإضافة ويحذف صدر صلتها مثل : يعجبني أيّ قائم. وهي معربة في هذه الحالة ، قال ابن مالك : بلا خلاف. وذهب بعض النحويين إلى بنائها في هذه الحالة قياسا على بنائها في الحالة الأولى. الهمع ١ / ٩١.

(٦) تقدم.

(٧) في ب : الله تعالى.

(٨) في الأصل : مقدر.

(٩) في ب : أشد.

(١٠) البيت من بحر الكامل قاله الأخطل ، وهو في شرح ديوانه (٦١٦) ، الكتاب ٢ / ٨٤ ، ٣٩٩ أمالي ابن الشجري ٢ / ٢٩٧ ، الإنصاف ٢ / ٧١٠ ، ابن يعيش ٣ / ١٤٦ ، ٧ / ٨٧ ، الخزانة ٦ / ١٣٩. الفتاة : الجارية ـ

١١١

قال (١) : فأبيت يقال فيّ : لا حرج ولا محروم (٢).

وذهب يونس (٣) إلى أنّها استفهامية مبتدأ ، وما بعدها خبرها كقول الخليل إلّا أنّه زعم أنها معلقة (٤) ل «ننزعنّ» ، فهي في محل نصب (٥) ، لأنّه يجوز التعليق في سائر الأفعال (٦) ، ولا يخصه «بأفعال القلوب كما يخصه» (٧) بها الجمهور (٨).

وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون النزع واقعا على (٩)(مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ) كقوله : (وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا)(١٠) ، أي : لننزعنّ بعض كل شيعة ، فكأنّ قائلا قال : من هم؟ فقيل : أيهم أشدّ عتيّا (١١).

فجعل «أيّهم» موصولة أيضا ، ولكن هي في قوله خبر مبتدأ محذوف أي : هم الذين هم أشد. قال أبو حيان : وهذا تكلف ما لا حاجة إليه ، وادعاء إضمار غير محتاج إليه ،

__________________

ـ الشابة. الحرج ـ بفتح الحاء وكسر الراء ـ : المضيق عليه. المحروم : الممنوع مما يريده.

والبيت أتى به الخليل لتقوية ما ذهب إليه في تخريج الآية ، فإن قوله (لا حرج ولا محروم) مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف ليس ضمير المتكلم ، والجملة محكية بقول محذوف ، والتقدير : فأبيت مقولا في شأني : هو لا حرج ولا محروم.

(١) في ب : قال تقديره.

(٢) قال سيبويه : وزعم الخليل أنّ (أيّهم) إنما وقع في : اضرب أيّهم أفضل على أنّه حكاية ، كأنه قال : اضرب الذي يقال له أيّهم أفضل ، وشبهه بقول الأخطل :

ولقد أبيت من الفتاة بمنزل

فأبيت لا حرج ولا محروم

الكتاب ٢ / ٣٩٩. وانظر الإنصاف ٢ / ٧١٠ ـ ٧١١.

(٣) تقدم.

(٤) التعليق : هو إبطال العمل لفظا لا محلّا. شرح الأشموني ٢ / ٢٦.

(٥) قال سيبويه : (وأما يونس فيزعم أنّه بمنزلة قولك : أشهد أنّك لرسول الله. واضرب معلقة) الكتاب ٢ / ٤٠٠ ، وانظر الإنصاف ٢ / ٧١١.

(٦) أي أنّ يونس يرى أنّ التعليق غير مختص بأفعال القلوب فقط ، بل يكون فيها وفي غيرها نحو أضرب أيّهم أفضل ، على تعليق العامل. وما ذهب إليه يونس ضعيف. لأنّ التعليق ضرب من الإلغاء ، ولا يجوز أن يعلق من الأفعال عن العمل إلّا ما يجوز إلغاؤه ، والذي يجوز إلغاؤه أفعال القلب نحو ظننت ، وعلمت. شرح المفصل ٣ / ١٤٦.

(٧) ما بين القوسين مكرر في ب.

(٨) ضعّف سيبويه ما ذهب إليه الخليل ويونس ، لأن القول بالحكاية ـ وهو ما ذهب إليه الخليل ـ بعيد في اختيار الكلام ، وإنما يجوز مثله في الشعر ، ألا ترى أنّه لو جاز مثل هذا لجاز أن يقال : اضرب الفاسق الخبيث بالرفع أي : اضرب الذي يقال له : الفاسق الخبيث ، ولا خلاف أن هذا لا يقال بالإجماع. وأما القول بالتعليق وهو ما ذهب إليه يونس فضعيف ، لأنّ تعليق اضرب ونحوه من الأفعال لا يجوز ، لأنه فعل مؤثر فلا يجوز إلغاؤه ، وإنما يجوز أن تعلق أفعال القلوب ، الكتاب ٢ / ٤٠١ ، الإنصاف ٢ / ٧٠٦.

(٩) على : سقط من ب.

(١٠) [مريم : ٥٠].

(١١) الكشاف ٢ / ٤١٩.

١١٢

وجعل ما ظاهره أنه جملة واحدة جملتين (١). وحكى أبو البقاء عن الأخفش والكسائي (٢) أن مفعول «ننزعنّ» : «من كلّ شيعة» و«من» مزيدة ، قال : وهما يجيزان زيادة «من» في الواجب (٣)» (٤) ، و«أيّهم» استفهام أي : لننزعنّ كلّ شيعة (٥).

وهذا مخالف في المعنى تخريج الجمهور ، فإنّ تخريجهم يؤدي إلى التبعيض ، وهذا (٦) يؤدي إلى العموم ، إلّا أن (٧) يجعل «من» لابتداء الغاية لا للتبعيض فيتفق التخريجان ، وذهب الكسائي إلى أنّ معنى «لننزعنّ» لننادينّ ، فعومل معاملته ، فلم يعمل في «أيّ» (٨). قال المهدوي (٩) : «ونادى» (١٠) يعلق إذا كان بعده جملة نصب ، فيعمل في المعنى ولا يعمل في اللفظ (١١). وقال المبرد (١٢) : «أيّهم» متعلق ب «شيعة» فلذلك ارتفع (١٣) ، والمعنى من الذين تشايعوا أيهم أشد ، كأنهم يتبادرون إلى هذا (١٤). «ويلزمه على هذا» (١٥) أن يقدر مفعولا ل «ننزعنّ» محذوفا (١٦) وقدر بعضهم في قول المبرد : من الذين تعاونوا فنظروا (١٧) أيهم(١٨).

قال النحاس (١٩) وهذا قول حسن (٢٠). وقد حكى الكسائي تشايعوا بمعنى

__________________

(١) البحر المحيط ٦ / ٢٠٨.

(٢) تقدم.

(٣) جمهور النحويين على زيادة (من) بشرطين : أولهما : أن يكون مجرورها نكرة.

ثانيهما : أن يكون في سياق النفي. نحو قوله تعالى : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ) [مريم : ٩٨] ، وقوله تعالى : هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ [فاطر : ٩٧]. وقد أجاز كل من الكسائي والأخفش زيادة (من) في الواجب وغيره والنكرة والمعرفة حيث قالا بزيادة (من) في قوله تعالى : (فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها) [البقرة : ٦١] ، وفي قوله تعالى : و (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) [نوح : ٤] وفي قوله تعالى : (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ) [الحج : ٢٣] ، وردّ الجمهور بأنه يمكن حمل (من) في الآيات ونحوها على أنها للتبعيض.

ابن يعيش ٨ / ١٢ ـ ١٤ ، شرح الكافية ٢ / ٣٢٢ ـ ٣٢٣ ، المغني ١ / ٣٢٢ ـ ٣٢٥ ، الهمع ٢ / ٣٥.

(٤) ما بين القوسين سقط من ب.

(٥) التبيان ٢ / ٨٧٨.

(٦) في ب : هذا.

(٧) في ب : الآن. وهو تحريف.

(٨) تفسير ابن عطية ٩ / ٥٠٩ ، البحر المحيط ٦ / ٢٠٨.

(٩) تقدم.

(١٠) ما بين القوسين بياض في ب.

(١١) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٠٨.

(١٢) تقدم.

(١٣) في ب : رفع.

(١٤) لم أعثر على ما قاله المبرد في الكامل والمقتضب ، وهو في تفسير ابن عطية ٩ / ٥٠٩ ، البحر المحيط ٦ / ٢٠٨.

(١٥) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٦) القائل بهذا ابن عطية. تفسير ابن عطية ٩ / ٥١٠.

(١٧) في ب : فنظروا في.

(١٨) مشكل إعراب القرآن ٢ / ٦٢ ، البحر المحيط ٦ / ٢٠٧.

(١٩) تقدم.

(٢٠) إعراب القرآن ٣ / ٢٥.

١١٣

تعاونوا (١) قال شهاب الدين : وفي هذه العبارة المنسوبة (٢) للمبرد (٣) قلق ، ولا بيّن الناقل عنه وجه الرفع عن ماذا يكون ، وبيّنه أبو البقاء ، لكن جعل «أيهم» فاعلا لما تضمنه «شيعة» «من معنى الفعل ، قال : التقدير : لننزعن من كل» (٤) فريق يشيع أيهم. وهي (٥) على هذا بمعنى «الذي» (٦). ونقل الكوفيون أنّ «أيّهم» في الآية بمعنى الشرط ، والتقدير : إن اشتدّ عتوهم أو لم يشتد ، كما تقول : ضرب القوم أيهم غضب. المعنى : إن غضبوا أو لم يغضبوا (٧). وقرأ طلحة بن مصرّف «ومعاذ بن مسلم الهراء (٨) أستاذ الفراء (٩) ، وزائدة» (١٠) عن الأعمش «أيّهم» نصبا (١١).

فعلى هذه القراءة والتي قبلها ينبغي أن يكون مذهب سيبويه جواز إعرابها وبنائها ، وهو المشهور عند النقلة عنه ، «وقد نقل عنه» (١٢) أنّه يحتم بناءها (١٣).

قال النحاس : ما علمت أحدا من النحويين إلّا وقد خطّأ سيبويه ، «قال : وسمعت أبا إسحاق الزجاج يقول : ما يبين لي أنّ سيبويه» (١٤) غلط في كتابه إلّا في موضعين هذا أحدهما. قال : وقد أعرب(١٥) سيبويه «أيّا» وهي مفردة ، لأنّها تضاف (١٦) فكيف يبينها مضافة (١٧). وقال الجرميّ (١٨) : خرجت من البصرة فلم أسمع منذ فارقت الخندق إلى مكة أحدا يقول : لأضربن (١٩) أيّهم قائم ، بالضم بل ينصب(٢٠).

__________________

(١) انظر إعراب القرآن للنحاس ٣ / ٢٥ ، البحر المحيط ٦ / ٢٠٨ ـ ٢٠٩.

(٢) في ب : المنقولة.

(٣) للمبرد : سقط من الأصل.

(٤) ما بين القوسين سقط من ب.

(٥) هي : سقط من ب.

(٦) التبيان ٢ / ٨٧٨. الدر المصون ٥ / ١٢.

(٧) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ٦٣ ، البيان ٢ / ١٣٢ ، التبيان ٢ / ٨٧٩ ، البحر المحيط ٦ / ٢٠٩.

(٨) هو معاذ بن مسلم الهرّاء ، أبو مسلم ، كان من أعيان النّحاة. أخذ عنه أبو الحسن الكسائي ، وغيره ، وصنف كتبا في النحو ، وروى الحديث عن جعفر الصادق ، وعطاء بن السائب ، وروى عنه عبد الرحمن المحاربي ، والحسن بن الحسين الكوفي ، مات سنة ١٩٠ ه‍. بغية الوعاة ٢ / ٢٩٠ ـ ٢٩٣.

(٩) هو يحيى بن زياد بن عبد الله بن مروان الديلمي إمام العربية ، المعروف بالفراء كان أعلم الكوفيين بالنحو بعد الكسائي ، ومن مصنفاته : معاني القرآن ، المصادر في القرآن ، المذكر والمؤنث ، وغير ذلك ، مات سنة ٢٠٧ ه‍. بغية الوعاة ٢ / ٣٣٣.

(١٠) ما بين القوسين سقط من ب.

(١١) المختصر (٨٦) ، تفسير ابن عطية ٩ / ٥٠٨ ، البحر المحيط ٦ / ٣٠٩.

(١٢) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٣) انظر الكتاب ٢ / ٤٠٠.

(١٤) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٥) في ب : أثبت. وهو تحريف.

(١٦) في النسختين : مضافة.

(١٧) إعراب القرآن ٣ / ٢٤.

(١٨) تقدم.

(١٩) في ب : ضربت.

(٢٠) انظر الإنصاف ٢ / ٧١٢ ، والكوفيون أخذوا قول الجرميّ هذا دليلا لمذهبهم في إعراب (أيّ) إذا أضيفت وحذف صدر صلتها ، مع أنه لم يكن دليلا قاطعا ، لجواز أن يكون قد سمع غيره الضم.

الإنصاف ٢ / ٧١٥.

١١٤

قوله : «على الرّحمن» متعلق ب «أشدّ» ، و«عتيّا» منصوب على التمييز وهو محول عن المبتدأ (١) ، «إذ التقدير» (٢) : أيّهم هو عتوه أشد (٣). ولا بدّ من محذوف يتم به الكلام (٤) ، التقدير : فيلقيه في العذاب ، أو فنبدأ بعذابه (٥). قال الزمخشري : فإن قلت (٦) : بم (٧) يتعلق «على» ، و«الباء» ، فإن تعلقهما بالمصدرين لا سبيل إليه.

قلت : هما للبيان لا للصلة ، أو يتعلقان (٨) بأفعل ، أي : عتوهم أشد على الرحمن ، وصليهم أولى بالنار ، كقولهم : هو أشد على خصمه ، وهو أولى بكذا (٩).

يعني ب «على» قوله : «على الرّحمن» ، وب «الباء» قوله : (بِالَّذِينَ هُمْ) (١٠) وقوله : بالمصدرين. يعني بهما «عتيّا» و«صليّا».

«وأما كونه لا سبيل إليه» (١١) ، فلأنّ المصدر في نية الموصول (١٢) ، ولا يتقدم معمول الموصول عليه (١٣) «وجوّز بعضهم» (١٤) أن يكون «عتيّا» ، و«صليّا» في هذه الآية مصدرين كما تقدم (١٥) وجوّز أن يكون جمع عات وصال فانتصابهما على هذا على الحال. وعلى هذا يجوز أن يتعلق «على» و«الباء» بهما لزوال المحذوف المذكور (١٦).

قال المفسرون : معنى قوله : (ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا) أي أحق بدخول النار(١٧). يقال : صلي يصلى صليّا مثل لقي يلقى لقيّا ، وصلى يصلي صليّا مثل مضى يمضي مضيّا ، إذا دخل النار ، وقاسى حرّها.

قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) الآية (١٨). الواو في «وإن» فيها وجهان :

أحدهما : أنها عاطفة لهذه الجملة (١٩) على ما قبلها (٢٠). وقال ابن عطية : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) قسم ، والواو تقتضيه ، ويفسره قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «من مات له ثلاث من

__________________

(١) في ب : الابتداء.

(٢) ما بين القوسين سقط من ب.

(٣) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٠٩.

(٤) في ب : الكلام المحذوف. وهو تحريف.

(٥) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٠٩.

(٦) في ب : فإن قيل.

(٧) في ب : بما. وهو تحريف.

(٨) في ب : متعلقان.

(٩) الكشاف ٢ / ٤١٩.

(١٠) في ب : هم الذين أولى بها صليّا.

(١١) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٢) في ب : المعمول. وهو تحريف.

(١٣) أي : أنّ الموصول لا تتقدم صلته عليه ، لأنّ الموصول والصلة كجزأي الكلمة ، وكذلك المصدر لا يتقدم معموله عليه ، إذ إن المصدر مقدر ب (أن) والفعل ، و(أن) صلة كالذي ، فلا يتقدم عليه ما كان من صلته ، فالمصدر ومعموله أيضا كجزأي الكلمة.

شرح المفصل ٦ / ٦٧ ، شرح الكافية ٢ / ٦٠ ، المقرب ١٤٥.

(١٤) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٥) وهو الزمخشري. الكشاف ٢ / ٤١٩.

(١٦) البحر المحيط ٦ / ٢٠٩.

(١٧) القرطبى ١١ / ١٣٥.

(١٨) الآية : سقط من ب ، وكتبت الآية كاملة.

(١٩) في ب : للجملة.

(٢٠) البحر المحيط ٦ / ٢٠٩.

١١٥

الولد لم تمسه النار إلّا تحلة القسم (١)» (٢). وأراد بالقسم قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها). قال أبو حيان (٣) : «وذهل عن» (٤) قول النحويين : إنه لا يستغنى عن القسم بالجواب لدلالة المعنى إلا إذا (٥) كان الجواب باللام أو ب «إنّ» ، والجواب هنا على زعمه ب «إن» النافية ، فلا يجوز حذف القسم على ما نصوا. وقوله : والواو تقتضيه. يدلّ على أنها عنده واو القسم ، ولا يذهب نحوي (٦) إلى أنّ مثل هذه الواو واو القسم ، لأنّه يلزم عن ذلك حذف المجرور وإبقاء الجار ، ولا يجوز بذلك إلا إن وقع في شعر أو نادر كلام بشرط أن تقوم صفة المحذوف مقامه ، كما أولوا في قولهم : نعم السّير على بئس العير (٧). أي : على عير بئس العير ، وقول الشاعر :

٣٦١٨ ـ والله ما ليلي بنام صاحبه (٨)

أي : بليل (٩) نام صاحبه ، وهذه الآية ليست من هذا الضرب ، إذ لم يحذف المقسم (١٠) «به» (١١) وقامت صفته مقامه (١٢). و«إن» حرف نفي ، «و«منكم» صفة لمحذوف تقديره : وإن أحد منكم (١٣)» (١٤) ويجوز أن يكون التقدير : وإن منكم إلّا من هو واردها وقد تقدم لذلك نظائر (١٥). والخطاب في قوله : «منكم» يحتمل الالتفات وعدمه.

__________________

(١) أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن أبي هريرة ٢ / ٢٧٦.

(٢) تفسير ابن عطية ٩ / ٥١١.

(٣) في ب : فصل قال أبو حيان.

(٤) ما بين القوسين في ب : ودل.

(٥) إذا : سقط من ب.

(٦) نحويّ : سقط من ب.

(٧) احتج الكوفيون بهذا القول على اسمية (بئس) لدخول حرف الجر عليها ، وأوله البصريون بأنّ حرف الجر داخل على محذوف ، و(بئس العير) مقول لقول محذوف وقع صفة لموصوف محذوف ، والتقدير نعم السير على عير مقول فيه بئس العير. وهذا يدل على أنّ حذف المجرور وإبقاء الجار لا يقع إلا في النادر من الكلام أو في الشعر كما سيأتي مع تحقق الشرط المذكور ، وهو إقامة صفة الموصوف مقامه ، الإنصاف ١ / ٩٨ ، ١١٢ ، ١١٣.

(٨) رجز قاله القناني ، وتمامه :

ولا مخالط اللّيان جانبه

وهو في الخصائص ٢ / ٣٦٦ ، أمالي ابن الشجري ٢ / ١٤٨ ، الإنصاف ١ / ١١٢ ، ابن يعيش ٣ / ٦٢ ، شرح قطر الندى (٣٧) اللسان (نوم) ، المقاصد النحوية ٤ / ٣ الهمع ١ / ٦ ، ٢ / ١٢٠ ، الخزانة ٩ / ٣٨٨ ، الدرر ١ / ٣ ، ٢ / ١٥٣.

(٩) في النسختين : برجل.

(١٠) في ب : القسم.

(١١) به : تكملة من البحر المحيط.

(١٢) انظر البحر المحيط : ٦ / ٢٠٩.

(١٣) وعلى هذا التقدير يكون (منكم) صفة ل (أحد) المقدر ، وهو مبتدأ وقوله : (واردها) خبر ، البيان ٢ / ١٣٣ ، التبيان ٢ / ٨٧٩.

(١٤) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٥) انظر التبيان ٢ / ٨٧٩.

١١٦

قال الزمخشري : التفات إلى الإنسان ، ويعضده قراءة ابن مسعود وعكرمة «وإن منهم» (١) أو خطاب للناس من غير التفات إلى المذكور (٢).

والحتم : القضاء ، والوجوب حتم ، أي : أوجبه حتما (٣) ، ثم يطلق الحتم على الأمر المحتوم كقوله تعالى : (هذا خَلْقُ اللهِ)(٤) ، وهذا درهم ضرب الأمير. و«على ربّك» متعلق ب «حتم» ، لأنّه في معنى اسم المفعول (٥) ولذلك وصفه ب «مقضيّا».

فصل

المعنى : وما منكم إلا واردها ، والورود هو موافاة المكان (٦). وقيل القسم فيه مضمر ، أي: والله ما منكم من أحد إلا واردها. واختلفوا في معنى الورود هنا (٧) فقال ابن عباس والأكثرون: الورود ههنا هو الدخول ، والكناية راجعة إلى النار ، وقالوا : يدخلها البر والفاجر ، ثم ينجي الله المتقين فيخرجهم منها ، ويدلّ على أنّ الورود هو الدخول قوله تعالى : (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ)(٨).

روى ابن عيينة (٩) عن عمرو بن دينار (١٠) أنّ نافع بن الأزرق مارى ابن عباس في الورود فقال ابن عباس : هو الدخول. وقال نافع : ليس الورود الدخول ، فتلى ابن عباس (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ)(١١) أدخلها (١٢) هؤلاء أم لا؟ ثم قال : يا نافع أما والله أنا وأنت سنردها ، وأنا أرجو أن يخرجني الله ، وما أرى الله أن (١٣) يخرجك منها بتكذيبك (١٤).

ويدلّ عليه أيضا قوله تعالى (١٥)(ثُمَّ نُنَجِّي(١٦) الَّذِينَ اتَّقَوْا)(١٧) ، أي : ننجي من الواردين من اتقى ، ولا يجوز أن يقول (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا) إلّا

__________________

(١) المختصر (٨٦) ، تفسير ابن عطية ٩ / ٥١١.

(٢) الكشاف ٢ / ٤١٩.

(٣) اللسان (حتم).

(٤) [لقمان : ١١].

(٥) لأن المصدر يستعمل بمعنى اسم الفاعل وبمعنى اسم المفعول نحو : ماء غور. أي : غائر. ورجل عدل ، أي : عادل ، وقالوا : درهم ضرب الأمير ، أي : مضروبه ، و«هذا خَلْقُ اللهِ» ، والإشارة إلى المخلوق. ابن يعيش ٦ / ٥٠ ، شرح الكافية ٢ / ١٩٨.

(٦) في ب : المورود.

(٧) هنا : سقط من ب.

(٨) [هود : ٩٨].

(٩) تقدم.

(١٠) هو عمرو بن دينار ، أبو محمد المكي مولى باذام عالم مكة ، وردت الرواية عنه في حروف القرآن ، روى القراءة عن ابن عباس ، وروى القراءة عنه يحيى بن صبيح ، مات سنة ١٢٦ ه‍. طبقات القراء ١ / ٦٠٠ ـ ٦٠١.

(١١) [الأنبياء : ٩٨].

(١٢) في ب : أدخل.

(١٣) أن : سقط من الأصل.

(١٤) انظر البغوي ٥ / ٣٨٨ ـ ٣٨٩.

(١٥) تعالى : سقط من ب.

(١٦) في ب : ينجي الله.

(١٧) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢١ / ٢٤٤ بتصرف.

١١٧

والكل واردون. والأخبار المروية دل على هذا القول ، وهو ما روي عن عبد الله بن رواحة (١) قال (٢) : أخبر الله تعالى عن الورود ولم يخبر بالصد (٣) ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٤) «يا ابن رواحة» (٥) اقرأ ما بعدها (ثُمَّ نُنَجِّي)(٦)(الَّذِينَ اتَّقَوْا)(٧) فدلّ على أنّ ابن رواحة فهم من الورود الدخول ، ولم ينكر عليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذلك وعن جابر (٨) أنّه سئل عن هذه الآية ، فقال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «الورود الدخول ، ولا يبقى برّ ولا فاجر إلا دخلها ، فتكون على المؤمنين بردا وسلاما ، حتى إن للنار ضجيجا من بردها (٩)» (١٠).

وقيل : المراد (١١) من تقدم ذكره من الكفار ، فكنى عنهم أولا كناية الغيبة ثم خاطب خطاب المشافهة. قالوا : ولا يجوز أن يدخل النار مؤمن أبدا لقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها)(١٢) والمبعد (١٣) عنها لا يوصف بأنه واردها ، ولو وردوا (١٤) جهنم لسمعوا (١٥) حسيسها.

وقوله : (وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ)(١٦). والمراد في قوله (١٧) : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) الحضور والرؤية لا الدخول ، كقوله : (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ)(١٨) أراد به الحضور. وقال عكرمة : الآية في الكفار يدخلونها ولا يخرجون منها.

وقال ابن مسعود : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) يعني القيامة والكناية راجعة إليها (١٩).

__________________

(١) هو عبد الله بن رواحة بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي ، أخذ عنه أبو هريرة ، وابن عباس ، وأرسل عنه قيس بن أبي حازم ، وجماعة ، استشهد بمؤتة ـ رضي الله عنه ـ خلاصة تذهيب تهذيب الكمال ٢ / ٥٥ ـ ٥٦.

(٢) قال : سقط من الأصل.

(٣) في الأصل : عن الصدور.

(٤) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٥) ما بين القوسين سقط من ب.

(٦) في ب : ينجي الله.

(٧) هو جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصارى السلمي ، أبو عبد الرحمن ، صحابيّ مشهور ، شهد العقبة ، وغزا تسع عشرة غزوة ، أخذ عنه بنوه ، وطاوس ، والشعبي ، وعطاء ، مات سنة (٧٨) ه بالمدينة. خلاصة تذهيب تهذيب الكمال ١ / ١٥٦ ـ ١٥٧.

(٨) أخرجه الإمام أحمد في مسنده ٣ / ٣٢٩ ، وانظر الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف (١٠٧) والدر المنثور ٤ / ٢٨٠.

(٩) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢١ / ٢٤٤. بتصرف.

(١٠) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢١ / ٢٤٣.

(١١) [الأنبياء : ١٠١ ، ١٠٢].

(١٢) في ب : والبعيد.

(١٣) في ب : ورد.

(١٤) في ب : يسمعوا.

(١٥) [النمل : ٨٩].

(١٦) آخر ما نقله عن الفخر الرازي ٢١ / ٢٤٣.

(١٧) من هنا نقله ابن عادل عن البغوي ٥ / ٣٨٩.

(١٨) [القصص : ٢٣].

(١٩) آخر ما نقله عن البغوي ٥ / ٣٨٩.

١١٨

وقال البغوي (١) : والأول أصح (٢) ، وعليه أهل السنة أنهم جميعا يدخلون النار ، ثم يخرج الله منها أهل الإيمان ، لقوله تعالى : (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا) أي : الشرك ، وهم المؤمنون ، والنجاة إنما تكون مما دخلت فيه (٣).

قوله : (كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا) أي : كان (٤) ورودكم جهنم حتما لازما مقضيا قضاه الله عليكم (٥).

قوله : (ثُمَّ نُنَجِّي). قرأ العامة «ثمّ ننجّي» (٦) بضم «ثمّ» على أنّها العاطفة (٧).

وقرأ علي بن أبي طالب (٨) ـ رضي الله عنه ـ وابن مسعود ، وابن عباس ، وأبي (٩) ، والجحدري(١٠) ويعقوب (١١) «ثمّ» بفتحها (١٢) على أنّها الظرفية (١٣) ، ويكون منصوبا بما بعده (١٤) ، أي: هناك ننجّي الذين اتّقوا.

وقرأ الجمهور «ننجّي» (١٥) بضم النون الأولى وفتح الثانية وتشديد الجيم من نجّى مضعفا(١٦). وقرأ الكسائي والأعمش وابن محيصن (١٧) «ننجي» من أنجى (١٨).

والفعل على هاتين القراءتين مضارع (١٩).

وقرأت فرقة (٢٠) «نجّي» بنون واحدة مضمومة وجيم مشددة (٢١) ، وهو على هذه

__________________

(١) هو الحسين بن مسعود بن محمد أبو محمد البغوي ، يعرف بابن الفراء ، ويلقب محيي السنة وركن الدين أيضا ، كان إماما في التفسير ، والحديث ، والفقه ، ومن مصنفاته : معالم التنزيل في التفسير ، وشرح السنة والمصابيح ، والجمع بين الصحيحين ، والتهذيب في الفقه ، مات سنة ٥١٦ ه‍.

طبقات المفسرين للسيوطي ٤٩ ـ ٥٠.

(٢) في ب : والأول أصح قال البغوي.

(٣) البغوي ٥ / ٤٨٩. وفيه : مما دخلت فيه لا ما وردت.

(٤) كان : سقط من ب.

(٥) انظر البغوي ٥ / ٣٩١.

(٦) ما بين القوسين سقط من ب.

(٧) البحر المحيط ٦ / ٢٠٩.

(٨) تقدم.

(٩) تقدمت ترجمته.

(١٠) هو عاصم بن أبي الصباح العجاج الجحدري البصري ، أخذ القراءة عرضا عن سليمان بن قتة عن ابن عباس ، وروى حروفا عن أبي بكر عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قرأ عليه عرضا أبو المنذر سلام بن سليمان ، وغيره ، مات سنة ١٢٨ ه‍. طبقات القراء ١ / ٣٤٩.

(١١) تقدم.

(١٢) المختصر (٨٦) ، البحر المحيط ٦ / ٢١٠.

(١٣) في ب : وهي الظوفية.

(١٤) في ب : بعدها.

(١٥) ننجي : سقط من ب.

(١٦) السبعة (٤١١) الحجة لابن خالويه (٢٣٩) الكشف ٢ / ٩١.

(١٧) تقدم.

(١٨) أي : بإسكان النون وتخفيف الجيم. السبعة ٤١١ ، المختصر ٨٦ ، الحجة لابن خالويه ٢٣٩ ، الكشف ٢ / ٩١ ، الإتحاف (٣٠٠).

(١٩) وكلا القراءتين بمعنى واحد ، إلا أنه في التشديد معنى التكرير والتكثير ، كأنه نجاة بعد نجاة. الكشف ٢ / ٩١.

(٢٠) فرقة : سقط من ب.

(٢١) البحر المحيط ٦ / ١٢٠.

١١٩

القراءة ماض مبني للمفعول ، وكان من حق قارئها أن يفتح الياء ، ولكنه سكنه تخفيفا.

وتحتمل هذه القراءة توجيها آخر سيأتي في قراءة متواترة في آخر سورة الأنبياء (١).

وقرأ علي بن أبي طالب ـ أيضا ـ «ننحّي» بحاء مهملة (٢) من التنحية (٣).

ومفعول «اتّقوا» (٤) محذوف مراد للعلم به ، أي : اتقوا الشرك والظلم (٥).

قوله : «جثيّا» إمّا مفعول ثان إن كان «نذر» يتعدى لاثنين بمعنى «نترك ونصير»(٦).

وإمّا حال إن جعلت «نذر» بمعنى نخليهم. و«جثيّا» على ما تقدم (٧).

و«فيها» يجوز أن يتعلق ب «نذر» ، وأن يتعلق ب «جثيّا» إن كان حالا (٨) ولا يجوز ذلك فيه إن كان مصدرا (٩) ، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه حال (١٠) من «جثيّا» ، لأنه في الأصل صفة لنكرة قدم (١١) عليها فنصب حالا (١٢).

فصل

اختلفوا في أنّه كيف يندفع (١٣) عن المتقين ضرر النار إذا وردوها بأنّ القول هو الدخول(١٤). فقيل : «البقعة المسماة بجهنم لا يمتنع أن يكون في خلالها ما لا نار فيه ، وإذا كان كذلك لا يمتنع» (١٥) أن يدخل (١٦) الكل في جهنم ، ويكون المؤمنون في تلك المواضع الخالية عن النار والكفار في وسط النار ، وعن جابر أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول بعضهم لبعض : أليس (١٧) وعدنا ربنا (١٨) أن نرد النار؟ فيقال لهم : قد دخلتموها (١٩) وهي خامدة» (٢٠).

وقيل : إنّ الله ـ تعالى ـ يخمد النار فيعبرها المؤمنون ، وتنهار بالكافرين. قال (٢١) ابن

__________________

(١) عند قوله تعالى : «فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ» الآية (٨٨) ، وهي قراءة أبي بكر عن عاصم وابن عامر. السبعة (٤٣٠) ، الكشف ٢ / ١١٣ ، النشر ٢ / ٣٢٤.

(٢) البحر المحيط ٦ / ٢١٠.

(٣) في ب : التنحي.

(٤) في ب : القول. وهو تحريف.

(٥) انظر البحر المحيط ٦ / ٢١٠.

(٦) ما بين القوسين في ب : ترك.

(٧) على ما تقدم من الإعلال.

(٨) ما بين القوسين في ب : إما مفعول وإن كان (نذر) يتعدى لاثنين بمعنى ترك وإما حال.

(٩) لأنّ المصدر في نية الموصول ، ولا يتقدم معمول الموصول عليه ، وكذلك المصدر لا يتقدم معموله عليه.

(١٠) حال : سقط من ب.

(١١) في ب : للنكرة وقدم.

(١٢) لأنّ صفة النكرة إذا قدمت عليها نصبت على الحال ، لامتناع تقديم الصفة على الموصوف. انظر ابن يعيش ٢ / ٦٣ ـ ٦٤.

(١٣) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢١ / ٢٤٤ ـ ٢٤٥.

(١٤) في ب : على القول بأن الورود هو الدخول.

(١٥) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٦) في الأصل : يدخلوا.

(١٧) في ب : ليس. وهو تحريف.

(١٨) ربنا : سقط من ب.

(١٩) في ب : وردتموها.

(٢٠) انظر الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف (١٠٧).

(٢١) في ب : فصل قال.

١٢٠