إعجاز القرآن العلمي والبلاغي والحسابي

محمّد حسن قنديل

إعجاز القرآن العلمي والبلاغي والحسابي

المؤلف:

محمّد حسن قنديل


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار ابن خلدون
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٠٢

(وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ) (١) فاحذر الفتن أن تضيع عليك الجنة وتذكر الخالق الملك العلى الكبير.

ـ تذكر أن أقل أهل النار عذابا رجل يوضع فى أخمص قدميه جمرتان من النار يغلى منهما دماغه ... ، سبحانه أرسل الطير على أصحاب الفيل بأحجار ذرية أهلكتهم حيث أضمروا الكيد بهدم الكعبة وإحراق أهلها حقدا وحسدا ... ، ولم يقل الله تعالى وأرسل إليهم طيرا أبابيل ... ، لأن الإرسال إلى يكون بالخير ، (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ) (٢) ....

ـ سبح الله تعالى فى كل وقت حتى يثقل ميزانك ولا تتساوى سيئاتك بحسناتك فتكون من أهل الأعراف ، وإذا كان نظرك فى صلاتك محل سجودك فاجعل فكرك كله فى ذكر ربك وتوكل عليه واستعن به فى جميع الأحوال ... ، فما من طريق لا يذكر الله فيه إلا كان حسرة يوم القيامة ... ، واعلم أن الساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق حيث الزلزلة ونسف الجبال وتسجير البحار وهى رحمة من الله بعباده الذاكرين أن يعفيهم من هول ذلك ... ، إنه يوم القارعة الذى يقرع القلوب ... ، والحاقة التى يقضى فيها بالحق والطامة الكبرى حيث يتحسر الغافلون ، والصاخة التى تصخ الآذان ... ، فاللهم ارحمنا فى هذا اليوم واجعلنا فى ظلك ، يوم لا ظل إلا ظلك ... ، ويكون ذلك لمن أقام العدل ... ، ومن نشأ فى عبادة الله ... ، ومن عف نفسه عن الزنا والمحرمات ... ، ومن تفيض عينه بالدمع حين يذكر الله خاليا ومن ينفق فى سبيل الله ابتغاء وجهه سبحانه لا تعلم يمينه ما تنفق شماله ... ، فعلينا بفعل الخير وقيام الليل ، إن قوام الليل وجوههم مضيئة لأنهم خلوا إلى ربهم فى الظلم فكساهم الله من نوره.

ـ تذكر الصراط والنار والزمهرير ... ، وإذا كان أقل أهل النار عذابا ، من توضع فى أخمص قدميه جمرتان من النار يغلى منهما دماغه ، فتذكر أن الله يرحم من

__________________

(١) سورة التوبة الآية ٧٢.

(٢) سورة نوح الآية ١.

١٤١

يخشاه فقوم لوط لم يبالوا بتول العذاب ، وكذلك قوم صالح فنزل بهم ولكن قوم يونس حين أخبرهم نبيهم بنزول العذاب بهم خافوا وفزعوا وآمنوا فنفعهم إيمانهم ولم ينزل بهم العذاب فالله تعالى يرسل بالآيات تخويفا لعبادة ليستقيموا على الخير (ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ) (١).

ـ تذكر أنك فى ابتلاء فالغنى يجب أن يشكر ولا يبخل بماله والفقير يجب أن يصبر ، والتاجر يجب أن يوفى الكيل والميزان ، فكم من متاجر أغلقت وأموال نزعت منها البركة من الغش وتطفيف الميزان ... ، وأعلم أن السعادة فيما دعا به صلى‌الله‌عليه‌وسلم" اللهم أجعل رزق آل محمدا كفافا ، واعلم أن علامة الإيمان أن تؤمن بالقدر خيره وشره ، وإجمالا كما ورد بالحديث ، تصبر على البلاء وتشكر فى الرخاء وترضى بمواقع القضاء.

ـ لا تخرج عند حدود نفسك وانظر إلى عيوبك وكن نافعا لغيرك ، وانظر إلى الناس وتذكر أن الله خلقنا جميعا من نفس واحدة وأنه العالم بالغيب وبالنفوس ولن يصل الإنسان إلى شىء من علم الغيب ، واحمد الله أنك عرفت ربك بفضله فهى أعلى معرفة ... ، واعلم أن عذاب الله شديد ، هناك من يوضع فى صندوق من نار ثم يكون أسفل النار ... ، " واعلم أن الناس يوم القيامة سوف يرون جهنم وهى تتغيظ وتتسعر وتغضب لغضب الجبار جل جلاله وتأتى على الخلائق والملائكة يحبسونها وجوههم مثل الجمر ، وأعينهم كالبرق ، إذا تكلم أحدهم تناثرت النار من فيه" (٢) وإذا اقتربت النار من الخلائق سمعوا لها شهيقا ولها زفرة تبلغ القلوب منها الحناجر ثم زفرة أخرى أشد من الأولى لا يبقى ملك مقرب ولا نبى مرسل ، ولا ولى ، ولا صديق إلا جثا على ركبتيه حتى إبراهيم وجميع المرسلين ، إلا خاتم النبيين فقد خلصه الله من أهوالها ... ، إن جهنم حين تنظر إلى الكفار ، والمنافقين ، والفجار وأصحاب الخطايا والأوزار ، تزفر زفرة فترمى شررا على

__________________

(١) سورة النساء الآية ١٤٧.

(٢) جزء مما قاله الضحاك عن الأئمة ، عن ابن عباس رضى الله عنهم ، من كتاب بستان الواعظين ورياض السامعين.

١٤٢

رءوس الخلائق مثل عدد نجوم السماء ، ورمل البر فتقع على رءوس الكافرين ، وروى عن النبى أنه قال" كل عين باكية يوم القيامة إلا عين بكت من خشية الله ، وعين غضت عن محارم الله ، وعين باتت تحرس فى سبيل الله" (١) واعلم أن الملك الجبار سيبعث كل غنى وفقير وكل ذليل وحقير ، ويسألهم عن الفتيل والنفير ، وعن الذرة والقطمير ....

فسبحانه أمرك بالخير ، ونهاك عن الشر ، وبين لك الآيات والمعجزات فى كل عصر على قدر العقول ، فلم يدرك الإنسان من قبل تقدم علوم البحث أن الحشرات بالفعل تأكل الخشب وتحيا على مادته السليلوزية واللجنينية الجافة بإفراز بعض الإنزيمات والخمائر الخاصة عليه ، إلا بعد تطور علم الحشرات عبر القرون القليلة الماضية (٢) ، وهناك قرابة المليون نوع منها ... ، وهناك حشرات آكلات النبات ... ، وآكلات اللحوم ... ، وآكلات حيوانات متحللة مما يساعد على تنظيف البيئة ، ومنها ما يعيش داخل ثمار النبات ... ، ومنها ما يعيش داخل أوراق النبات ... ، ومنها ما يعيش على نخز الأخشاب ، وقد زودها الله تعالى بخمائر تساعد على هضم المواد السليلوزية ... ، والأنثى زودها الله تعالى بمنشار تستخدمه عند وضع البيض حيث يستخدم الجزء المسنن لعمل ثقوب فى الخشب تضع فيها البيض يقول تعالى (فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ) (٣) ، وإذا كان لفظ دابة عام لكل ما يتحرك فإن الفعل تأكل ، تفيد التاء أن التى تأكل هى الأنثى بواسطة منشار وضع البيض الذى زودها الله به لتنشر الخشب وتضع بيضها ... ، وهذا بالفعل الذى اكتشفه العلماء ... ، كذلك فى قوله سبحانه (كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً) (٤) نجد أن التاء تفيد أن الأنثى هى التى تتخذ البيت وهى المزودة بالغدد

__________________

(١) أخرجه ابن النجار عن ابن عمر ... ، ولقد أغرق الله تعالى الأرض بالطوفان من قبل حيث كان الشرك والفساد والحضارات القديمة والطقوس الكهنوتية وقتل البشر وتقديم القرابين ، فالحمد لله على الإسلام.

(٢) إشارة عن الاعجاز العلمى فى القرآن ـ ذكرها الدكتور زغلول النجار ـ بعنوان من أسرار القرآن

(٣) سورة سبأ الآية ١٤

(٤) سورة العنكبوت الآية ٤١

١٤٣

الخاصة بإفراز الخيوط ... ، ولقد وجد العلماء الباحثون أن الأنثى هى التى تقوم ببناء البيت ، وهى التى تقتل الذكر وهذا البيت ملئ بالتفكك ، فهو أوهن البيوت ، وهناك ثلاثون ألف نوع من العناكب (١) ، ومن الإعجاز أن سورة النمل تشير إلى الجمع وبالفعل يعيش النمل فى جماعات ، ولكن لفظ العنكبوت يشير إلى المفرد ولم يقل العناكب ، وبالفعل فالعنكبوت يعيش بمفرده ما عدا عند التزاوج ، والإعجاز فى الإشارة بتاء التأنيث رغم أن دراسات الحشرات فى عهد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم تكن قائمة لمعرفة أن الأنثى هى المقصودة بذلك ... ، كذلك حين وجد العلماء أن أنثى البعوض وحدها هى الناقلة للمرض ، حيث تنفذ البعوضة مسببات المرض إلى مجرى الدم ثم تصل الكبد ، ويتم التكاثر لا جنسيا ، وبعد عدد من الأجيال يتم التكاثر جنسيا فتحدث الحمى ، ويتضخم الطحال ثم يتعرض الإنسان لقرصة أخرى ، ينتقل هذا الطور الجنسى على معدة البعوضة ويتكاثر لا جنسيا ثم ينتقل إلى الغدد اللعابية فيصيب إنسانا آخر يتعرض لعضة البعوضة وبذلك يصاب أكثر من ٢٧٠ مليون إنسان بالملاريا سنويا فى كل أنحاء الأرض ، ويتوفى منهم قرابة المليونين مما يجعل الملاريا أكثر الأمراض انتشارا ... ، ولقد وجد العلماء أن الأنثى تتغذى على الدماء ، فلها فم ثاقب وهى تفرز مواد عضوية تؤدى لاحتقان الجلد ، وأخرى تمنع الدم من التجلط حتى يسهل امتصاصه ، والذكر يتغذى على رحيق الأزهار ، وهى تنقل أمراض خطيره كالملاريا ، والحمى الصفراء ، وحمى تكسير العظام ، وداء الفيل ... ، والالتهاب السحائى ، ومرض دودة القلب وأمراض ضعف المناعة وغيرها ... ، وقد أشار الله تعالى إلى البعوضة الأنثى وليس الذكر الذى يتغذى البعوضة الأنثى وليس الذكر الذى يتغذى على رحيق الأزهار فى قوله ـ سبحانه ـ (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها) (٢) ، وما تشمل ما هو أقل منها وما هو أكبر ... ، والبعوضة ليست بالشيء الهين فى تركيبها ... ، فلك أن تنظر إلى إعجاز الله سبحانه فى خلق عين

__________________

(١) نفس المرجع السابق.

(٢) سورة البقرة الآية ٢٦.

١٤٤

البعوضة ، وهى تتكون من مئات العيون المركبة التى تمكنها الرؤية فى الظلام ، وبالنهار فى كل أطياف الضوء ، والعرب لم يعرفوا الفيروسات والبكتريا وغيرها فضرب لله مثلا بالبعوضة التى يعرفونها ... ، إن فى تركيب البعوضة الكثير من آيات الإعجاز حيث لها مئات من العيون المركبة الدقيقة رغم ضآلة حجمها وغير ذلك الكثير من الخلايا العصبية والتركيب الدقيق فى أجهزتها الداخلية والأجنحة ، لذلك يقول تعالى (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها) (١) ... ، كذلك فإن الذباب إذا وقع على سائل وأخذ منه وصل فورا إلى جهازه الهضمى ثم الدورى ثم مختلف خلايا الجسم ، وإن كان صلبا أفرز إنزيمات هاضمة تغير فى خاصية الشيء ثم تمتصه ، ولا سبيل إلى استرجاع ما يسلبه الذباب يقول تعالى (وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ) (٢) والذبابة تضع ٤٠٠ بيضه فى المرة الواحدة ، وهناك مائة ألف نوع تنتشر فى مختلف بيئات الأرض ، ولو لا أن الله يسلط على بيض الذباب كل من الطيور والنمل وغيرها لأضر بالإنسان ضررا بالغا ، ويحتوى جسم الذبابة على أكثر من مليون خلية عصبية متخصصة لحركة الحشرة الضعيفة ، ومرتبطة بثمانية وثلاثين زوجا من العضلات ، منها ما هو لحركة الأجنحة والرأس ، ولها زوج من العيون المركبة ، الزوج الواحد يتكون من ستة آلاف عين سداسية ، يتصل بكل منها ثمانية خيوط عصبية مستقبلة للضوء ، وبذلك يكون هناك ٤٨ ألف خيط عصبى للعين الواحدة يمكن معالجة مائة صورة فى الثانيه الواحدة (٣) ... ، إنها قدرة الله التى لو فهمها الجاحدون المشركون لخروا ساجدين ، وما فتروا عن الذكر ... ، لذلك فهناك الملائكة وقد فهموا وعلموا عظيم قدرة الله ، فهم لا يغفلون عن الذكر ولا يفترون ... ، والمتأمل لبيت العنكبوت يجد أنه لا يحمى من الحر أو البرد أو المطر ، فهو أوهن البيوت ظاهرا ، وخيط العنكبوت يتحمل شدا يصل إلى ٤٢٠٠٠ كجم / كم ٢ مما يكسبه قابلية شديدة للمطلوب لذلك لم يقل الله تعالى أوهن الخيوط ، ولكن قال

__________________

(١) سورة البقرة الآية ٢٦.

(٢) الحج ـ ٧٣.

(٣) نفس المرجع السابق ـ عن إشارات الإعجاز العلمى فى القرآن ـ الدكتور / زغلول النجار.

١٤٥

أوهن البيوت ... ، وإذا كان هذا البيت وصف بالوهن من الظاهر ، فهو من الداخل فيه التفكك ، فكل فرد يعيش بمفرده إلا عند التزاوج وأوقات فقس البيض ، والأنثى فى بعض الأنواع تقضى على ذكرها لأنها أكبر حجما منه ، وفى بعض الحالات تلتهم الأنثى صغارها دون أدنى رحمة ، وحين يفقس البيض يبدأ الأخوة الأشقاء فى الاقتتال من أجل الطعام ، أو من أجل المكان ، فيقتل الأخ أخاه ، والأخت أختها حتى تنتهى المعركة ببقاء عدد قليل ، يمزق جدار كيس البيض الذى تم الفقس فيه ، فتخرج الأسرة مفككة ، ويبدو الإعجاز القرآنى فى الإشارة إلى الأنثى يقول تعالى (كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً) (١) ....

يقول تعالى (وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) (٢) ... ، وهذا يثبت أن العرب قديما لم يعلموا تلك الحقائق والدراسات عن الحشرات ... ، إن كل جوانب رسالة الله تعالى فيها الإعجاز ... ، إن قوله سبحانه (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) يدل أن العرب لم يعلموا تلك الحقائق لعدم تقدم علم الحشرات ... ، إن كل جوانب رسالة الله تعالى إعجاز ، وكون الله ملئ بالإعجازات التى تثبت قدرة الله ، حقا إنه الحق من ربنا ... ، إن من عظيم قدرة الله اختلاف الصور فى الكون ، والله سبحانه هو المهيمن على كل شىء ... ، فنحن نرى فى الكون الجمال ... ، والمحن والصبر والكفاح ... ، والغنى والفقر ... ، والسعادة والرضا ... ، إن فضل الله يؤتيه من يشاء ، فلا تغفل عن ذكر الله وحمده ، والاستغفار حتى يختم لك بالخير ... ، هناك الإبداع فى عوالم الكون ... ، ورزق كل دابة ... ، ونظام معيشتها ... ، والغنى والفقر ... ، وهناك رحلات الصبر على الألم ... ، فهناك من يمرض ... ، ومن يكسر ... ، ومن يحرق ... ، ومن يصاب بالخوف ... ، والجوع ... ، ونقص فى الأموال ... ، والأنفس ... ، والثمرات ... ، هناك من أشغله الغنى ... ، ومن أشغله السعى والكفاح ... ، ومن أشغله يوم عرسه ... ،

__________________

(١) سورة العنكبوت الآية ٤١.

(٢) نفس الآية السابقة.

١٤٦

ومن أشغلته تربية أولاده ... ، ومن أشغله مرضه ... ، أو دراسته ... ، أو وظيفته ومكانته ... ، وهناك من شغلته تجارته ... ، أو زراعته ... ، أو جاره ومعاملته والأحداث التى يتعرض لها ... ، هناك من شغله الزنا ... ، ومن شغلته السرقة ... ، ومن شغله التسول ... ، ومن شغلته سيارته ... ، ومن شغلته جريمته ... ، ومن شغلته عبادته وانشغل بذكر الله وشكره وكان همه رضوان الله والدار الآخرة ... ، هل سيرى ربه وهو راض عنه ... ، وهل سيجوز الصراط كالبرق ... ، وهل سيشرب من حوض النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهل سيثقل ميزانه ... ، وهل سيأخذ كتابه بيمينه أو شماله ... ، وقبلها يسأل ربه دائما أن يرحمه عند سكرات الموت ، وضمة القبر ... ، وهذا هو ما يجب على الإنسان أن لا يغفل عنه فى أى وقت ... ، فلقد خلقنا الله تعالى للعبادة (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (١) هناك من سعدوا بإيمانهم ... ، ومن شقوا بالبعد عن منهج الله وطلب الدنيا ونسيان الآخرة ... ، لقد نسى العالم أن القرآن الكريم يخبرنا أن الله تعالى خلقنا جميعا من نفس واحدة ... ، أب واحد وأم واحدة ... ، فالجميع إخوة ... ، ولكننا رأينا الحروب ... ، الاستعمار ... ، ونهب ثروات البلاد وخيراتها ... ، رأينا صور الشرك والأطماع ، ثم بعد الدمار نجد الشعار المزيف والباطل وهو إعادة الإعمار ، وكذبوا ... ، (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (٢) ... ، وفى الماضى كانت الحضارات القديمة ... ، ومن برعوا فى العمارة ... ، والتحنيط ... ، والطب ... ، والإبداع فى نظريات الطب والهندسة ... ، وعالم البحار ... ، وعلوم الكمبيوتر والذرة ... ، وعلم النباتات والحشرات ... ، وعلوم الكيمياء والصناعات ... ، والآلات المختلفة على إختلاف أحجامها ... ، والتقدم فى علم التحنيط والهندسة ... ، والمعمار ... ، ومعرفة زوايا الشمس ... ، وغير ذلك ... ، فسبحان من رزق الجميع فكرا ... ، وقوة ... ، وعلما ... ، هناك اختلاف الرزق ... ، من رزقه الله مالا ... ، أو علما ... ، أو زوجة صالحه ... ، أو صحة ... ، أو أمنا ... ، أو قناعة ... ، أو خلقا طيبا ... ، أو مشاعر مرهفة ... ، أو ذكاء حادا

__________________

(١) سورة الذاريات الآية ٥٦.

(٢) سورة الشعراء الآية ٢٢٧.

١٤٧

أو فطنة فى دينه يعلم أن ما هو فوقه لا يزيد عنه ... ، بل هو الابتلاء والاختبار ... ، والسعادة فى الرضا بقضاء الله والاستعانة به ... ، فسبحان من رزق الخلق جميعا ... ، وسوف يحاسبهم جميعا ... ، ويعلم السر وأخفى ... ، ويعلم ما تكن الصدور ... ، يعلم بكل تلك العوالم وأسرارها ... ، ما نراه ... ، وما لا نراه ... ، وما هو فى باطن الأرض ... ، أو البحار ... ، أوصافا فى السماء ... ، أو فيما لا ندرى عن عالم الفضاء ... ، أو أمور الغيب كالشقى والسعيد أو أحوال الآخرة ... ، وما توسوس به النفس ... ، وما يظهره الإنسان ... ، سبحانه يقسم الأرزاق والعلم ، والابتلاء ، والهدى والضلال بعلمه الأزلى بالقلوب ... ، إن الإيمان بالله ورسالته يعلو فوق كل شىء ... ، إنه كتاب مكنون ... ، تبدو أسراره بمرور الزمن ... ، فيزداد الفهم لجمال القرآن ... ، نزل منجما على فترات لتثبيت قلب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى كل موقف ... ، وحتى يتعلم المسلمون الآية ويدركون فى أى شىء نزلت ... ، وكذلك تخفيفا على الناس فى أمر التكليف ... ، فالخمر نزل تحريمها على مراحل ... ، كذلك فإن القرآن الكريم لو نزل على جبل لتصدع من خشية الله ... ، فهو قول ثقيل ... ، كان صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتصبب عرقا فى الليالى الباردة حين ينزل عليه الوحى ... ، إنه الكتاب المكنون ... ، يظهر فيه قمة الإعجاز ... ، وقمة القوة وقمة الغيب ... ، وقمة الرحمة ... ، وقمة البساطة ... ، فعلينا بالتمسك به ... ، وطاعة الله فى كل أمر ... ، إن رحمة الله واسعة قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم" من مشى إلى صلاة مكتوبة فهى كحجة" (١) ... ، إن الأماكن المقدسة كالكعبة يرى الناس فوقها بقلوبهم فى لحظات الإشراق حبل نور يمتد إلى السماء ... ، ويمر الطير من حوله ولا يقطعه ... ، فعليك أخى المسلم أن تطبق منهج الله ... ، ولا تنظر إلى ما يملك غيرك ... ، أو تمدن عينيك إلى ما تمتع به غيرك ... ، فهى فتنة الحياة الدنيا ... ، وكل فتنة نهايتها لا شىء ... ، ولا تهمل تربية أولادك أبدا ... ، ولا تشرك بالله وإن قتلت وحرقت ... ، إن الذنوب تسبب الحرمان من العلم ... ، والرزق ... ، وظلمة القلب ... ، وتوهن البدن والقلب ... ، وتحرم الطاعة ... ، (وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ) ... ، إن نور التشريع طريق يضئ لك كل خير ... ،

__________________

(١) رواه الطبرانى وصححه الألبانى.

١٤٨

والنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم نور للبشرية كلها أيده الله تعالى بالمعجزات ... ، حيث حن الجذع لفراقه ... ، ونبع الماء من بين أصابعه ... ، وكثر له الطعام فى غزواته ... ، ولقد كانت المواعظ والكرامات للصالحين من بعده ... ، فهناك من عبروا الماء بفرسانهم كسعد بن أبى وقاص (١) ... ، ومن تنزلت لهم الملائكة كأسيد بن خضير حيث رأى كالمصابيح تتصاعد فى السماء (٢) ... ، هناك طفل وجدوا على جزء من جبهته لا إله إلا الله ... ، وهناك من شق ثمرة الطماطم فوجد بخط واضح كلمة التوحيد ... ، وفى إحدى الدول العربية هناك طفل لا يرى ليلا وأحلامه تتحقق كفلق الصبح ... ، هناك من رأوا سحابة فوق رءوسهم تكون لا إله إلا الله بخط واضح وكانوا قد اجتمعوا للصلاة فى الخلاء يوم عيد (٣) ... ، ولقد أورد الدكتور زغلول النجار فى مقدمة مقالته بجريدة الأهرام عن الإعجاز فى القرآن الكريم صورة توضح لفظ الجلالة الله بخط واضح كتبها النحل بالشمع بعد أن ملأ مكان الحروف بالعسل وهناك طفل بقرية مجاورة مكتوب على جسده بخط واضح كلمة التوحيد وهناك قصص الأولياء ... ، وهناك المعجزات ... ، وفى إحدى البرامج أظهر مقدمة أرنب مكتوب على فرائه كلمة التوحيد بخط يختلف عن اللون السائد وبوضوح تام ... ، وهناك طلاقة قدرة الله فى خلقه يقول سبحانه (يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ) (٤) ... ، حيث هناك من يضغط على النقود المعدنية بجفنيه فتنثنى ... ، ومن يدخل الإبرة والخيط فى خده أو فى جلد جفنيه ... ، وهناك من يمسك الكهرباء ... ، أو النحاس الساخن ولا يتأثر ... ، وهناك من تنشط عنده الخلايا العصبية فترتفع الكهربية فى جسده حتى يؤثر على من حوله ... ، وهذا لا يكون فى البشر فقط ... ، فهناك الأسماك المضيئة التى تضيء فى أعماق البحار ... ، وهناك النباتات التى تصدر رائحة جذابة لجذب الفراشات والحشرات ، ولها مصراعان من الورقة وحين تقف الحشرة تطبق عليها وتحلل مكوناتها للحصول على المواد النتروجينية ، وذلك فى

__________________

(١) رجال حول الرسول ـ خالد محمد خالد.

(٢) أنظر حياة الصحابة ـ محمد يوسف الكاندهلوى.

(٣) حكى لى ذلك رجل شاهد بعينه ذلك عند الحديث عن معجزات الله فى الكون.

(٤) سورة فاطر الآية ١.

١٤٩

الأماكن الصحراوية التى تفتقر التربة فيها السماد (١) ... ، وهناك النحل الذى يدهن أرضية الخلية بمادة صمغية ضد الميكروبات ليضع البيض ويقوم بجمع الصمغ من الأشجار لسد شقوق الخلية ... ، فسبحان القادر البديع ... ، يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" عليكم بالشفاءين العسل والقرآن" (٢) ... ، وبالفعل يشهد بذلك غير المسلمين حيث يقوم أطباء الغرب الآن بالعلاج بالعسل ويعترفون أنه علاج للكثير من الأمراض ... ، فعلينا بذكر الله ، واليقين الثابت حيث جاءت رسالة الله تعالى بدعوة الخير والخشية من الله والحب لله والإعجاز فى مختلف النواحى ... ، أولا بالفطرة والتفكر فى النفس والكون من حولك ، وآيات القرآن الكريم

ثانيا : بالعلم حيث الإعجاز الحسابى ، والعلمى فى القرآن والسنة.

ثالثا : الإعجاز فى تحقق نبوءات النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى مختلف المواقف وتشمل علامات الساعة التى تحقق الكثير منها.

رابعا : الكرامات والخواتيم والمواقف التى جعلها الله تعالى للعبرة والتذكرة الزمنية كمن يبتسم أثناء الغسل ومن يستر نفسه أثناء الغسل ، وسعف النخل الذى يكون كلمة التوحيد وأقراص العسل التى كتب النحل عليها بالشمع لفظ الجلالة بخط واضح ... ، وغير ذلك الكثير من مثل هذه الأمثلة ، وكرامات الأولياء ... ، وعقوبات الظالمين ... ،

خامسا : الإعجاز فى شمول منهج الله لكل شىء ومعالجة جميع القضايا والإخبار عنها ومنها عالم الإنس ... ، والجن ... ، ومختلف الكائنات ... ، للجن والإنس وثبوت عالم الملائكة ، وهو يشمل القرآن والأحاديث القدسية والنبوية ... ، إنه المنهج الثابت لخلق يختلف فى الصورة ... ، واللون ... ، والموهبة ... ، والرزق ... ، والبيئة ... ، والوراثة ... ، وكذلك العوالم المختلفة كالجن ... ، والملائكة ... ، والطير ... ، والنمل ... ، والنحل ... ، والأنعام ... ، والوحوش .. ، ومختلف الدواب ... ، وألوان الإبداع فى الخلق والاختلاف فى البيئة

__________________

(١) الله والعلم الحديث ـ عبد الرازق نوفل.

(٢) ذكر الحديث ـ الدكتور ـ زغلول النجار فى حديثه عن الإعجاز القرآنى ـ وفى رواية البخارى برقم ١٠ / ١٤٣ ـ قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم الشفاء فى ثلاثة ، فى شرطه محجم أو شربة عسل أو كية نار ، وأنهى أمتى عن الكى".

١٥٠

المعتدلة ... ، والحارة ... ، والباردة ... ، وكذلك اختلاف الثروات والمعادن ... ، والصراعات .. ، والبناء ... ، واختلاف أنواع النباتات ... ، وأنواع الشموس والكواكب والنجوم والمجرات فى السماء ... ، وما لا نعلمه من أسرار عن عالم الغيب ... ، وما لا نعلمه عن الأمم السابقة والأحداث السابقة ، وما يحدث ، وما سيحدث فى المستقبل ... ، وما يكون يوم القيامة من أهوال ومواقف مختلفة ، وشدة الزحام يوم الحشر ... ، وعند تطاير الصحف ... ، وعند الميزان ... ، وعند عبور الصراط ... ، والنار وهولها وهى ترمى بشرر كالقصر وما تحتويه من الحميم والزقوم ، وعظم أجساد الكافرين عند العذاب ... ، وما فى الجنة من النعيم ... ، حيث فيها ما لا عين رأت ... ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ... ، يقول تعالى (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) (١) ... ، وعلينا بالخشوع فى العبادة وإتقانها وذلك فى الصلاة والصيام وعند قراءة القرآن ، وتحرى الحلال فى الزكاة والحج وفى كل الأمور فالإيمان بضع وسبعون شعبه ... ، يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" فأتموا صلاتكم فإن الله لا يقبل إلا تاما" (٢) ... ، ومن علامات الخشوع ، الصبر على البلاء ... ، والصبر على الدعوة فى سبيل الله ... ، يقول تعالى (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) (٣) ... ، وعلينا بالمعاملة الحسنة مع الجار ، والأهل ، والأولاد ، والوالدين ، والناس جميعا بل ومع الحيوان والجماد ... ، لنا مثلا فى المرأة الصوامة القوامة والتى تؤذى جيرانها ، قال عنها صلى‌الله‌عليه‌وسلم" هى فى النار" ... ، يخبرنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن" الله فى عون العبد ما دام العبد فى عون أخيه" ... ، هناك امرأة دخلت النار فى هرة حبستها ولم تطعمها حتى ماتت جوعا ... ، ومن دخلت النار فى مخيط لم ترده ... ، ومن دخل النار فى قيد دابه ... ، ومن دخل النار فى شمله غلها قبل أن يقسم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما غنمه المسلمون ... ، وعلينا باستحضار العقوبة وتذكر النعيم فهناك محن سيمر بها كل إنسان ... ، منها سكرات الموت ... ، وضمة القبر ... ، والبعث وأهوال يوم الحشر والحساب ، والصراط يقول

__________________

(١) سورة السجدة الآية ١٧.

(٢) جزء من حديث رواه الطبرانى فى الأوسط ـ بإسناد حسن ـ الترغيب والترهيب ص ٢٣٧.

(٣) سورة يوسف الآية ١٠٨.

١٥١

تعالى عن جزاء الغافلين (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى) ... ، كذلك فإن نعيم الجنة يستحق منا الثبات على الخير حيث هناك الفوز بالنظر إلى وجه الله عزوجل وهو راض ... ، وهناك الفواكه والثمرات ولحم الطير ... ، وأنهار العسل واللبن ، وغير ذلك من مختلف النعم يقول تعال (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (١) ويقول تعالى (وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) (٢) ....

وعلينا بالإيمان والصبر وذلك يشمل الحب لله والصبر على الطاعة ... ، والصبر على البلاء ... ، والصبر على الدعوة فى سبيل الله ... ، إن الصابرين يوم القيامة يوفون أجورهم بغير حساب وعليهم صلوات من ربهم ورحمة ولهم ثواب المجاهدين ... ، ولنا مثل فى المرأة التى مات ولدها؟ ... ، فغسلته وكفنته ... ، ثم جاء زوجها فقابلته بالبشاشة ، وأعدت له طعامه ... ، ثم قضى وطره منها ... ، ثم أخبرته بعد ذلك أن الله تعالى قد أسترد أمانته فأخبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بذلك فقال له إن الله قد بارك لكما فى ليلتكما هذه ... ، وعوضه الله بأولاد يحفظون القرآن (٣) ... ، وعلينا بالإيثار فإنه إن حل فى أمه حل فيها الأمان والبركة ... ، كان العرب بالفطرة فى الجاهلية يتصفون بالإيثار فهو يمكن أن يذبح ناقته التى لا يملك سواها من أجل الضيف ... ، إن المؤمن ينظر للقليل والكثير بمنظار الإيمان ... ، وأن البركة من الله عزوجل فلا يبخل كما يبخل اللذين غفلوا عن قدرة الله ونسوا أنه الخالق ، الرازق ، المجيب وهو رب الأسباب والمسببات ... ، وعليك بإحكام لسانك قبل أن تقول الكلمة ، واعمل صالحا ، فالدنيا هى دار العمل ... ، فمتى العمل؟! وتذكر أن الله معك (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) (٤) ... ، وتذكر الموت ... ، ويقين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وثبات الصحابة عند الجهاد والإقبال على الموت وعليك بالتصديق واليقين فهناك الإعجازات وقصص الأولياء والكرامات والخواتيم ، وأن تتيقن أن الله موجود يهيمن على كل شىء ومحيط بكل شىء والآيات كثيرة فى نفسك

__________________

(١) سورة القيامة الآية ٢٢ ، ٢٣.

(٢) سورة الطور الآية ٢٢.

(٣) انظر قصص الصالحين ونوادر الزاهدين.

(٤) سورة الحديد الآية ٤.

١٥٢

وفى الكون حولك ... ، هناك كما أشرنا النحل الذى كتب لفظ الجلالة ، وهناك الطفل الذى قرأت على جسده عبارة التوحيد بخط واضح ... ، فسبحان الله فى كل وقت وحين ... ، كيف يكفر الإنسان وكان لا شىء ... ، فوجد نفسه بتلك الصورة الطيبة ومن حوله كل تلك النعم وهذا الدستور الذى به تسعد البشرية كلها ، والفؤاد ... ، فحقا قليلا ما يشكر الإنسان ... ، عليك أن تعامل أولادك برفق فهم من أسباب رحمة الله لك وإنزال البركة عليك ... ، فلو لا أطفال رضع ، وبهائم رتع ومشايخ ركع ، لصب علينا العذاب صبا ... ، وعليك بحضور مجالس العلم وكثرة التسبيح ، حيث إن مجلس العلم خير من عباده سبعين عاما ، وبذلك ترتفع حسناتك ولا تكون من أهل الأعراف يوم القيامة .. ، إن الله تعالى قادر على أن يملأ الأرض خيرا ورزقا وأموالا تفيض ... ، ولكن بذلك ستتوقف حركة الحياة ، فلن يعمل الطبيب ... ، ولن يعمل الصانع ... ، ولن يعمل الفلاح ولكن الله تعالى يريد للكون صورة طيبة حيث الحركة والعمل والكفاح والعبادة والدعاء ، ليشعر كل إنسان بقيمته فى الحياة ويدرك فضل الله عليه فالله تعالى ينزل بقدر لحكمه حتى يعمل العامل ويساهم فى إعمار الكون ... ، ويعمل الفلاح ويجنى حصاد ما قام بزراعته ... ، وبالعمل تشيد المبانى ... ، وتشق الترع ... ، وتمهد الطرق ... ، وحين يعمل الطبيب ... ، ويعمل المهندس ... ، ويعمل المدرس ... ، تتكامل حركة الحياة ويرزق سبحانه كل مجتهد بقدر ما بذل ... ، وعلينا أن ندرك أن البركة من الله تعالى فعن عائشة رضى الله عنها قالت : " توفى رسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وليس عندى شىء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير فى رق لى ، فأكلت منه حتى طال على فكلته ففنى" (١).

وهناك أمثلة كثيرة تثبت حلول البركة فى القليل من الطعام الذى بين يدى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومنها حين دعاه جابر بن عبد الله رضى الله عنه إلى طعام يكفى رجلا أو رجلين ، فنادى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى الجيش ، وكانوا أكثر من ثلاثمائة رجل فأكلوا وبقى منهم ... ، وفى عصرنا نرى مشاكل كثيرة حيث إنه إذا قل الزاد وارتفعت الأسعار نجد الجميع لا يبالون بالعمل فى أى تجارة حتى لو كانت محرمة كبيع السجائر ... ،

__________________

(١) رواه البخارى ومسلم الترمذى

١٥٣

وشرائط الغناء ... ، بل هناك من يسرق ... ، ومن يطفف الميزان ... ، ومن يحقد على جاره الغنى ... ، ومن يقنط من رحمة الله ... ، ومن يترك القرآن ... ، ومجالس العلم بحجة الانشغال فى العمل لقسوة الظروف ... ، لقد نسى هؤلاء قوله تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها) (١) ... ، نسوا قوله تعالى (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) (٢) وقوله تعالى فى الحديث القدسى وهو يخاطب عبده" تفرغ لعبادتى أسد فقرك والا تفعل ملأت يديك شغلا ولم أسد فقرك" ... ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم" لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا" ... ، إن ذكرك لله وحسن توكلك عليه يجعل كل مخلوقات الله فى الكون هينة معك ... ، لأن كل شىء فى الكون جنود لله ... ، ومن كانت الدنيا همه جعل الله تعالى فقره بين عينيه ... ، وفرق شمله ... ، ولم يؤت من الدنيا إلا ما كتبه الله له ، وأما من كانت الآخرة همه جمع الله شمله ، وجعل غناه فى قلبه ، وأتته الدنيا وهى راغمة" (٣) ... ، والقناعة هى السعادة ... ، وحين ذهب جماعة من الصحابة الفقراء إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقالوا له : ذهب أهل الدثور بالأجور ، أى أن الأغنياء معهم النفقة التى تعينهم على الصدقة والجهاد وسائر أعمال الخير ... ، فأمرهم صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالتسبيح دبر كل صلاة ، ففعلوا ... ، وحين علم الأغنياء بذلك فعلوا مثلهم ، فقالوا للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنهم فعلوا مثلنا ... ، فقال ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ... ، فالحمد لله على فضله واحفظنا برحمتك يا أرحم الراحمين إن الخشية من الله تعالى تمحو ذنوب العبد ... ، قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم" إذا اقشعر جلد العبد من خشية الله تحاتت عنه ذنوبه العبد كما يتحات عن الشجرة اليابسة ورقها" (٤) ... ، إن مسئوليات المسلم فى الدنيا كثيرة ... ، وأكثر منها فى الآخرة ... ، لقد مر صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقوم يضحكون فقال : " تضحكون وذكر الجنة والنار بين أظهركم" قال الراوى وهو عبد الله بن الزبير فما

__________________

(١) سورة هود الآية ٦.

(٢) سورة الحديد الآية ٤.

(٣) ذكر الحديث فى كتاب الترغيب والترهيب ، باب الزهد فى الدنيا.

(٤) رواه البيهقى.

١٥٤

رأى أحد منهم ضاحكا حتى مات : قال ونزلت فيهم (نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ، وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ) (١) ... ، وعن ابن عمر رضى الله عنهما عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه خطب فقال : " لا تنسوا العظيمتين : الجنة والنار ، ثم بكى حتى جرى أو بل دموعه جانبى لحيته ثم قال" والذى نفسى محمد بيده لو تعلمون ما اعلم من امر الآخرة لمشيتم إلى الصعيد ، ولحثيتم على رءوسكم التراب" (٢).

وحين طلب صلى‌الله‌عليه‌وسلم من جبريل عليه‌السلام أن يصف له النار فأخبره أنها أوقد عليها ألف عام حتى ابيضت ، ثم ألف عام حتى احمرت ، ثم ألف عام حتى اسودت ، فهى سوداء مظلمة ، لا يضئ شررها ولا يطفأ لهبها ... ، ثم قال له والذى بعثك بالحق لو أن قدر ثقب أبره فتح من جهنم لمات من فى الأرض كلهم جميعا من حره ... ، والذى بعثك بالحق لو أن خازنا من خزنة جهنم برز إلى أهل الدنيا لمات من فى الأرض كلهم من قبح وجهه ومن نتن ريحه ، والذى بعثك بالحق لو أن حلقة من حلق سلسلة أهل النار التى نعت الله فى كتابه ، وضعت على جبال الدنيا لا رفضت وما تقارت حتى ينتهى إلى الأرض السفلى ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : " حسبى يا جبريل لا يتصدع قلبى فأموت" (٣).

إنها العبر والمواعظ ... ، وليتنا نعتبر ... ، فلا بد من الرجوع إلى الله تعالى والقناعة ، والقصد يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" القصد القصد تبلغوا" (٤) أى القصد فى الطعام والشراب وعدم الإسراف فى كل شىء ... ، ومن يلتزم بتعاليم الله يكن عبدا ربانيا ، على بصيرة ، ويلهمه الله الفطنة ، ومعرفة الكثير من الأسرار ... ، فهناك من تتحقق رؤياهم كفلق الصبح .. ، ومن يتنبأ بأنه اقترب ميعاد موته ، ولقد رأى عثمان بن عفان رضى الله

__________________

(١) سورة الحجر الآية ٤٩. ٥٠

(٢) رواه أبو يعلى

(٣) جزء من حديث رواه الطبرانى فى الأوسط الترغيب والترهيب ـ الجزء الرابع

(٤) رواه البخارى

١٥٥

عنه رؤيا قبل استشهاده بقليل وكان صائما حيث أخبره صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقوله" أفطر عندنا غدا يا عثمان" ولقد أصبح صائما فى هذا اليوم وقد تحققت رؤياه (١) ... ، هناك رجل كان يملك عنزا على أذنها لفظ الجلالة وعلى الأخرى لفظ محمد" وهناك من يسرع بالمحمل ويقف فى مكان ويجدوا تجهيزه ولحده فى هذا المكان ... ، وهناك من يتحدث عند موته ويقول انتظروا قليلا سأحضر معكم وكأنه يرى الملائكة ... ، وبعد موته يرى من ينظر إليه وجها طيبا مضيئا وعند السير به اثناء جنازته ، يقف عند أحد المنازل حتى يخرج صاحب الدار ثم يسير ... ، إن الميت يكشف عنه الغطاء فبصره حديد ... ، وإنه ليسمع قرع نعال من شيعوه عند انصرافهم ... ، هناك من تستجاب دعوتهم ، وفى رقيتهم البركة والشفاء ... ، وهناك من ينتقم الله لهم إذا ظلمهم أحدا أو أغضبهم وقد دعا سعد بن أبى وقاص على رجل قد أخطأ فى حقه فاستجاب الله دعاءه (٢) ... ، إن هؤلاء الصالحين ينسجم الكون معهم عند تسبيحهم ... ، هناك من قنع فى نفسه ورضى بالقليل ولم يسأل أحدا أو يثقل عليه فسهل الله له كل الأمور عند تجهيزه ... ، وهناك من تبيض وجوههم رغم بشرتهم السمراء ... ، ومن تتحول وجوههم وأجسادهم إلى اللون الأسود رغم بشرتهم البيضاء العادية ، يقسم لى أحد المغسلين ، وكنا بالمسجد ولم يذكر اسما إن من الناس من يتغير لونه إلى ما يفوق الفحم ومنهم من يبيض وجهه ... ، هناك من نقلوا أجسادهم وكانوا من شهداء أكتوبر فكانت أجسادهم كما هى ووجوههم لها نضرة ويشهد بذلك من رآهم ... ، " وهناك فتاه أطلقت الزغاريد أثناء غسل أمها حيث رأتها تبتسم أثناء الغسل" (٣) ... ، وهناك من ابيض وجهه كالبدر ، ومن مات على سماع الغناء فساءت خاتمته ، ولم يصل عليه سوى اثنان ... ، ومن خرجت منه رائحة طيبة كالمسك ... ، ومن حجبت عورته تماما ... ، ووجدوا قبره مجهزا فكان صالحا محفظا للقرآن ... ، وهناك من يجرى الله على لسانه كلمة فتتحقق ... ، وهناك من يملك شفافية وفراسة حيث إنه ينظر بنور الله" اتق

__________________

(١) وداعا عثمان ـ خالد محمد خالد ،

(٢) أنظر ـ رجال حول الرسول ـ الحديث عن سعد ابن أبى وقاص.

(٣) أخبرتنى بذلك إحدى النساء ونحسبها من الصالحات وقد حضرت هذا الغسل.

١٥٦

فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ... ، أحد الصالحين كان له مبلغ من المال عند أحد الناس وحين ذهب الرجل ليعطيه المال قال أحد أقاربه خذ المال وارجع فأنت محتاج إليه فأشار الرجل الصالح بكلمات للرجل تشير بأنه قد أعلمه الله بما فعل ... ، ويذكرنا ذلك بنداء عمر بن الخطاب رضى الله عنه" الجبل يا سارية ... ، يا سارية الجبل" ... ، فسمعه سارية وهو فى بلد بعيدة واتخذ الجبل خلفه وكان النصر بإذن الله ... ، وهناك من يفسر الحلم ببصيرة الإيمان فتتحقق كما فسرها ، ولنا مثل فى ابن سيرين وغيره ممن صلحت سريرتهم ... ، إن العودة إلى كتاب الله وسنة رسوله هى سر قوة المؤمن ... ، كذلك حبه لأخيه ما يحب لنفسه ، فالله فى عون العبد ما دام العبد فى عون أخيه ... ، كان الصحابة فى الغزوات ، وفى شدة الحر ... ، وقد أحتاج المصابون منهم إلى الماء ... ، وحين حضر الماء بعد أن أوشكوا على الموت من شدة العطش ... ، كان الواحد منهم يرفض أن يشرب قبل أخيه رغم مرور الماء عليه ، وهو فى أشد الحاجة إليه (١) ... ، (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) (٢) ... ، إن البصيرة تعينك على فهم نفسك وفهم القرآن الكريم ... ، وفهم الناس من حولك ... ، فتقترب من أهل الخير وتجالسهم ... ، وإذا ضربنا مثلا بالنسبة لفهم القرآن الكريم نجد مثلا قوله تعالى (وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا) (٣) ....

نلاحظ أننا لم نجد كلمة وجعل مع لفظ الجلالة ، وذلك لأن كلمة الله لا تكون جعلا ولكنها العليا دائما ... ، كذلك قوله تعالى عن اصحاب الفيل (وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ ، تَرْمِيهِمْ. بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ. فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) (٤) ... ، ولم يقل سبحانه فجعلتهم كعصف مأكول لأن الطير لم تفعل شيئا ولم ترمى تلك الحجارة إلا بأمر الله ... ، فالذى جعلهم كذلك هو الله القادر ... ، حيث أرسل عليهم حجارة ذرية وهى من

__________________

(١) انظر ـ حياة الصحابة ـ عن يوسف الكاندهلوى.

(٢) سورة الحشر الآية ٩٠.

(٣) سورة التوبة الآية ٤٠.

(٤) سورة الفيل الآية ٣ ، ٤ ، ٥.

١٥٧

جنس السحابة الذرية التى أهلك الله بها الأقوام السابقة يقول تعالى (فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ) ... ، إن رضا الله سبحانه رحمة وبركة .. ، لقد بارك سبحانه وتعالى حول البيت الحرام ... ، فكانت بركة الإيمان ... ، وبركة الوقت ... ، وبركة الخشية ... ، وبركة الرضا ... ، هناك يلبى الملايين والمكان يتسع ... ، والمجموعة يعيشون فى حجرة واحدة ، والمكان يتسع ... ، إنها رحمة وسعه.

علينا أن نزهد فيما عند الناس ، ولا نتكلم كثيرا ... ، إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تذكر اللسان وتقول : يا لسان اتق الله فينا فإنما نحن بك فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا" ... ، واتق أخى المسلم دعوة المظلوم وإن كان كافرا ... ، قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم" قذف محصنة يهدم عمل مائة سنة" ... ، يقول الإمام أحمد" إن الله ينصر الدولة العادلة ولو كافرة ... ، ولا ينصر الظالمة ولو مسلمة .. ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم" يوشك الناس أن يضربوا أكباد الإبل فلا يجدون عالما أفضل من عالم المدينة" (١) ... ، ولقد تحققت نبوءة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكان هو الإمام مالك بن أنس ... ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى نبوءة عن الإمام الشافعى" عالم قريش يملأ طباق الأرض علما" ... ، كان صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يأكل حتى يجوع ... ، وإذا أكل لا يشبع ، لذلك ما تثاءب قط ، حيث إنه علامه الكسل والشبع ... ، والله يكره التثاؤب ، ويحب العطاس ... ، ويخبرنا صلى الله عليه وسلم عن خبر النساء ، وشرهن ... ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم" خير نسائكم الودود ، الولود ، المواسية إذا اتقين الله ، وشر نسائكم ، المتبرجات المتخيلات" (٢).

ويخبرنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه لا يقوم بهذا الدين إلا من حاطه من جميع جوانبه" ويقول تعالى (أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ ، وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) (٣) ... ، واحرص أخى المسلم على غض البصر لأن النظر سهم من سهام إبليس ، وهو يورث الشهوة الحرام دون أن يصل صاحبها إلى شىء إلا مرض القلب.

__________________

(١) الرواية عن الإمام أحمد وذكرها ابن تيمية فى أكثر من موضع.

(٢) ذكر الحديث برواية أخرى" تزوجوا الودود الولود فإنى مكاثر بكم الأمم يوم القيامة" فقه السنة الجزء الثانى ص ١٨.

(٣) سورة البقرة الآية ٨٥.

١٥٨

إن العبد إذا فعل ذنبا لا يكتبه ملك السيئات لأن ملك الحسنات أمير عليه ، فهو يمهل العبد فى الأولى عله يتوب أو يستغفر ... ، ثم فى الثانية يطلب الملك أن يكتبها فيطلب منه ملك الحسنات أن يمهله فى الثانية ... ، وإذا لم يتب العبد أو يستغفر قال ملك الحسنات فى الثالثة اكتبها عليه أراحنا الله منه ... ، إن الله تعالى يخفى عنا فهم الكثير من الحكمة عن بعض الأمور ليختبر استسلام العبد لربه وتسليمه له ... ، إن من حياء الرجل غض البصر والخلق الحسن ... ، ومن حياء المرأة ، سترها لجسدها وارتداء الحجاب الذى فرضه الله عليها ... ، فإن خروجها متبرجة يجعلها تأخذ سيئة مع كل نظره توجه إليها ، فكيف يكون مصيرها عند محنة الميزان ولا أحد يذكر أهله يوم القيامة فى ثلاث مواضع ، عند تطاير الصحف ... ، وعند الميزان ... ، وعند عبور الصراط ... ، واعلم أخى المسلم أن هناك ثلاثة لا يدخلون الجنة ، منهم الرجل الديوث ... ، وهو الذى لا يأمر أهله بالمعروف ، ولا ينهاهم عن المنكر ... ، ولا تردد أخى المسلم تعبيرات المنجمين مثل عبارة نزل أمر السماء ... ، عدالة السماء ... ، أو الدين السماوى ... ، إنه وحى الله ... ، وعدالة الله ... ، ودين الله ... ، والسلطان لله ... ، وليس للسماء التى خلقها ... ، وعلينا أن نتعلم الدروس من رسالة ربنا سبحانه فهى رسالة جامعة أرسلها الله تعالى لنؤمن بها ونطبق ما فيها من خلال ما تعلمناه من الدروس .. ، لقد نزل القرآن منجما وليس جملة واحدة لتثبيت قلب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ... ، ومعرفة الصواب من الخطأ بالنسبة للموقف الذى حدث ، أما لو كان جملة واحدة لما أدرك الصحابة أى المواقف فيه العتاب من الله ، وأيها فيه التأييد ... ، كذلك هناك مواقف فى الغزوات ، فحين أعجب المسلمون بكثرتهم فى غزوة حنين حيث كانوا عشرة آلاف فى فتح مكة وانضم إليهم ألفان بعد الفتح فكانوا أثنى عشر ألفا فقالوا لن نهزم اليوم عن قلة ... ، فأراد الله تعالى أن يعلمهم درسا ، فخرج عليهم المشركون من هوازن وثقيف من وراء الأحجار والجبال فرموهم بالنبال ... ، يقول تعالى (وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) (١) ... ، وحين رجع

__________________

(١) سورة التوبة الآية ٢٥.

١٥٩

ابن سلول بمجموعة من الجيش فى إحدى الغزوات ، بين الله تعالى أنهم ظلوا فيكم ما زادوكم إلا خيالا ... ، ولأوقعوا بينكم البغضاء ، حيث إنهم لا يمتلكون روح الفدائية والقتال مثل الصحابة الصادقين ... ، وحين قبل النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم الأسرى وكان فى بداية الدعوة نزل العتاب من الله عزوجل ... ، وغير ذلك الكثير من المواقف ... ، كذلك نجد الدقة فى نقل الأحاديث عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم فهى عن فلان ، عن فلان ... ، حتى تصل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويشترط فى من يؤخذ عنهم الحديث الصدق والأمانة والورع والتقوى ... ، إنه حفظ الله لرسالته ، ولو سقط أحد الرواة فى رواية الحديث يضعف الحديث ، لو كان الحديث صحيحا ... ، كذلك فالقرآن الكريم جاءنا من الله تعالى إلى الأمين جبريل عليه‌السلام إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم دون واسطه ، لنؤمن أن القرآن الكريم هو الحق المطلق بلا جدال وأيد الله تعالى ذلك بقوله سبحانه (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثاً) (١) ... ، وقوله سبحانه (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) (٢) ... ، وقوله سبحانه (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى ، ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى. وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى. فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى. فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) (٣) ... ، ولقد أيد الله تعالى نبيه فيما رآه فى رحلة الأسراء والمعراج من مشاهد وآيات بقوله تعالى (ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى. لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) (٤) ... ، ونتعلم من تلك الآيات أن لا نتهاون فى العبادة ، فما أشد عقاب المتكاسل عن الصلاة ... ، ومن يقع فى الغيبة ... ، والربا ... ، وغير ذلك ... ، نتعلم من قصة إبراهيم عليه‌السلام مع السيدة هاجر رضى الله عنها كيف أنه يطبق أوامر ربه ويترك أهله فى صحراء جرداء ثقة فى وعد الله ، وأنه الرازق المجيب ... ، وهى تقول آلله أمرك بهذا ... ، وحين تعلم أنه أمر الله ، تقول إذن لن يضيعنا ... ، وهى رغم ثقتها بأمر الله لم تجلس بجوار وليدها وتتواكل ، بل هرولت من الصفا إلى المروة سبعة. أشواط حتى أجهدها السعى حيث يأتى الفرج من الله تعالى وينبع الماء من البقعة الظاهرة ... ،

__________________

(١) سورة النساء الآية ٨٧.

(٢) سورة النجم الآية ٣.

(٣) سورة النجم الآيات من ٥ ـ ١٠.

(٤) سورة النجم الآية ١٨.

١٦٠