اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٢

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٢

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٩٢

واحتجّ الكعبي (١) بهذه الآية الكريمة بأنّ القرآن مخلوق ؛ فقال : الذي يقدر على إزالته والذّهاب به يستحيل أن يكون قديما ، بل يجب أن يكون محدثا.

وأجيب بأن يكون المراد بهذا الإذهاب إزالة العلم به عن القلوب ، وإزالة النّقش الدّال عليه من المصحف ؛ وذلك لا يوجب كون ذلك المصكوك المدلول محدثا.

فصل في كيفية رفع القرآن آخر الزمان

قال عبد الله بن مسعود (٢) : اقرءوا القرآن قبل أن يرفع ؛ فإنّه لا تقوم الساعة حتّى يرفع ، قيل : هذه المصاحف ترفع ، فكيف بما في صدور النّاس؟ قال : يسري عليه ليلا ، فيرفع ما في صدورهم ، فيصبحون لا يحفظون شيئا ، ولا يجدون في المصاحف شيئا ، ثم يفيضون في الشّعر.

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص (٣) ، قال : لا تقوم السّاعة حتّى يرفع القرآن من حيث نزل ، له دويّ حول العرش ، كدويّ النّحل ؛ فيقول الربّ : ما لك؟ فيقول : يا ربّ ، أتلى ، ولا يعمل بي.

ثم قال : (ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً) أي : لا تجد من تتوكّل عليه في ردّ شيء منه.

قوله تعالى : (إِلَّا رَحْمَةً) : قيل : استثناء متصل ؛ لأنها تندرج في قوله «وكيلا» والمعنى: إلّا أن يرحمك ربّك ؛ فيردّه عليك. وقيل : إنه استثناء منقطع ، فتتقدر ب «لكن» عند البصريين ، و«بل» عند الكوفيين.

والمعنى : إلا رحمة من ربّك ؛ إذ كل رحمة من ربّك تركته غير مذهوب به ، أي : لكن لا يشاء ذلك رحمة من ربّك ، وهذا امتنان من الله ؛ وهو نوعان :

الأول : تسهيل ذلك العلم عليه.

والثاني : إبقاء حفظه عليه.

قوله (مِنْ رَبِّكَ) يجوز أن يتعلق ب «رحمة» وأن يتعلق بمحذوف ، صفة لها.

ثم قال : (إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً).

بسبب إبقاء العلم والقرآن عليك ، وقيل : بسبب أنّه جعلك سيّد ولد آدم ، وختم بك النّبيّين ، وأعطاك المقام المحمود ، فلما كان كذلك ، لا جرم أنعم عليك بإبقاء العلم والقرآن عليك.

__________________

(١) ينظر : الفخر الرازي ٢١ / ٤٥.

(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ١٤٤) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٣٦٣) وعزاه إلى سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والطبراني وابن مردويه والبيهقي في «شعب الإيمان».

(٣) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٣٦٤) وعزاه إلى محمد بن نصر في «كتاب الصلاة».

وذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ١٣٥).

٣٨١

قوله : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُ) الآيات ، وقد تقدّم الكلام على مثل هذه الآية.

فصل

قال بعضهم : هب أنّه ظهر عجز الإنسان عن معارضته ؛ فكيف عرفتم عجز الجنّ؟ وأيضا : فلم لا يجوز أن يقال : إن هذا الكلام نظم الجنّ ، ألقوه على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وخصّوه به على سبيل السّعي في إضلال الخلق؟ فعلى هذا : إنّما تعرفون صدق محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا عرفتم أنّ محمّدا صادق في قوله : إنّه ليس من كلام الجنّ ، بل من كلام الله تعالى ؛ وحينئذ : يلزم الدور ، وليس لأحد أن يقول : كيف يعقل أن يكون هذا من قول الجنّ ؛ لأنا نقول : إنّ هذه الآية دلّت على وقوع التحدّي من الجنّ ، وإنما يحسن وقوع هذا التحدّي ، لو كانوا فصحاء بلغاء ، ومتى كان الأمر كذلك ، كان الاحتمال المذكور قائما.

فالجواب عن الأوّل : بأنّ عجز البشر عن معارضته يكون في إثبات كونه معجزا.

وعن الثاني : أنّ ذلك ، لو وقع ، لوجب في حكمة الله : أن يظهر ذلك التّلبيس ، وحيث لم يظهر ذلك ، دلّ على عدمه ، وعلى أنّ الله تعالى أجاب عن هذه الأسئلة بالأجوبة الشّافية في آخر سورة الشعراء ؛ في قوله : (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) [الشعراء : ٢٢١ ـ ٢٢٢] وسيأتي بيانه ـ إن شاء الله تعالى ـ.

قالت المعتزلة : هذه الآية تدلّ على أنّ القرآن مخلوق ؛ لأنّ التحدّي بالقديم محال ، وقد تقدّمت هذه الآية في سورة البقرة.

قوله : (لا يَأْتُونَ) : فيه وجهان :

أظهرهما : أنه جواب للقسم الموطّأ له باللام.

والثاني : أنه جواب الشرط ، واعتذروا به عن رفعه بأنّ الشرط ماض ؛ فهو كقوله : [البسيط]

٣٤٦٢ ـ وإن أتاه خليل يوم مسألة

يقول لا غائب مالي ولا حرم (١)

واستشهدوا عليه بقول الأعشى : [البسيط]

٣٤٦٣ ـ لئن منيت بنا عن غبّ معركة

لا تلفنا من دماء القوم ننتفل (٢)

فأجاب الشرط مع تقدّم لام التوطئة ، وهو دليل للفراء (٣) ، ومن تبعه على ذلك ، وفيه ردّ على البصريّين ، حيث يحتّمون جواب القسم عند عدم تقدم ذي خبر.

__________________

(١) تقدم.

(٢) ينظر البيت في ديوانه ص ١١٣ ، وخزانة الأدب ١١ / ٣٢٧ ، ٣٠٠ ، ٣٣١ ، ٣٣٣ ، ٣٥٧ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٨٣ ، ٤ / ٤٣٧ ، شرح الأشموني ٣ / ٥٩٤ ، شرح ابن عقيل ص ٥٩٢ ، الدر المصون ٤ / ٤١٨.

(٣) ينظر : معاني القرآن للفراء ٢ / ١٣٠.

٣٨٢

وأجاب بعضهم أنّ اللام في البيت ليست للتوطئة ، بل مزيدة ؛ وهذا ليس بشيء ؛ لأنه لا دليل عليه ، وقال الزمخشريّ : «لولا اللام الموطّئة ؛ لجاز أن يكون جوابا للشرط ؛ كقوله : [البسيط]

٣٤٦٤ ـ ...........

يقول لا غائب ... (١)

لأنّ الشرط وقع ماضيا». وناقشه أبو حيّان : بأنّ هذا ليس مذهب سيبويه ، ولا الكوفيين والمبرّد ؛ لأنّ مذهب سيبويه (٢) في مثله : أن النية به التقديم ، ومذهب الكوفيين ، والمبرّد : أنه على حذف الفاء ، وهذا مذهب ثالث ، قال به بعض الناس.

قوله : «ولو كان» جملة حالية ، وتقدّم تحقيق هذا ، وأنه كقوله ـ عليه‌السلام ـ : «أعطوا السّائل ، ولو جاء على فرس» ، و«لبعض» متعلق ب «ظهيرا».

فصل في معنى الآية

والمعنى : لو كان بعضهم لبعض عونا ، ومظاهرا ، نزلت حين قال الكفّار : ولو شئنا لقلنا مثل هذا ، فكذّبهم الله ـ عزوجل ـ فالقرآن معجز في النّظم ، والتّأليف ، والإخبار عن الغيوب ، وهو كلام في أعلى طبقات البلاغة ، لا يشبه كلام الخلق ؛ لأنّه غير مخلوق ، ولو كان مخلوقا ، لأتوا بمثله.

قوله تعالى : (وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً (٨٩) وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً (٩٠) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً (٩١) أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً (٩٢) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً) (٩٣)

قوله : (وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) الآية.

(وَلَقَدْ صَرَّفْنا) : مفعوله محذوف ، وقيل : «من» زائدة في «من كلّ مثل» وهو المفعول ، قاله ابن عطيّة ، وهو مذهب الكوفيين والأخفش (٣).

وقرأ الحسن (٤) : «صرفنا» بتخفيف الراء ، وتقدّم نظيره.

فصل في ذكر الوجوه المحتملة في هذا الكلام

هذا الكلام يحتمل وجوها :

__________________

(١) تقدم.

(٢) ينظر : الكتاب ١ / ٤٣٦.

(٣) ينظر : معاني القرآن للأخفش ٩٨.

(٤) ينظر : البحر ٦ / ٧٧ ، والدر المصون ٤ / ٤١٨.

٣٨٣

أحدها : أنه وقع التحدّي بكلّ القرآن ؛ كما في هذه الآية ، ووقع التحدّي بسورة واحدة ؛ كما في قوله : (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ) [الطور : ٣٤] فقوله : (وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) يحتمل أن يكون المراد منه التحدّي ؛ كما شرحناه ، ثم إنهم مع ظهور عجزهم عن جميع هذه المراتب ، صاروا مصرّين على كفرهم.

وثانيها : أن يكون المراد من «من كلّ مثل» : أنّا أخبرناهم بأنّ الذين بقوا مصرّين على الكفر ؛ مثل قوم نوح ، وعاد ، وثمود ـ ابتلاهم الله بأنواع البلاء ـ وشرحنا هذه الطريقة مرارا ـ ثم إنّ هؤلاء الأقوام ـ يعني أهل مكّة ـ لم ينتفعوا بهذا البيان ، بل أصرّوا على الكفر.

وثالثها : أن يكون المراد من «من كلّ مثل» : من كلّ وجه من العبر ، والأحكام ، والوعد ، والوعيد ، وغيرها.

ورابعها : أن يكون المراد ذكر دلائل التوحيد ، ونفي الشركاء في هذا القرآن مرارا كثيرة ، وذكر شبهات منكري النبوّة ، والمعاد ؛ وأجاب عنها ، ثمّ أردفها بذكر الدّلائل القاطعة على صحّة النبوة ، والمعاد ، ثم إنّ هؤلاء الكفّار لم ينتفعوا بسماعها ، بل بقوا مصرّين على الشّرك ، وإنكار النبوّة.

قوله : «إلّا كفورا» مفعول به ، وهو استثناء مفرّغ ؛ لأنّه في قوة : لم يفعلوا إلّا الكفور.

والمعنى : (فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ) يعني : أهل مكّة ، (إِلَّا كُفُوراً) أي : جحودا للحقّ.

فإن قيل : كيف جاز : (فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) ولا يجوز أن يقال : ضربت إلا زيدا؟.

فالجواب : إنّ لفظة : «أبى» تفيد النّفي ؛ كأنه قيل : فلم يؤمنوا إلّا كفورا.

قوله : (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ) الآية.

قرأ الكوفيّون (١) [«تفجر»] بفتح التّاء ، وسكون الفاء ، وضم الجيم خفيفة ، مضارع «فجر» واختاره أبو حاتم ؛ قالوا : لأنّ الينبوع واحد ، والباقون ، بضمّ التّاء ، وفتح الفاء ، وكسر الجيم شديدة ، مضارع «فجّر» للتكثير ، ولم يختلفوا في الثانية : أنّها بالتثقيل ؛ للتصريح بمصدرها ، وقرأ الأعمش «تفجر» بضمّ التاء ، وسكون الفاء ، وكسر الجيم خفيفة ، مضارع «أفجر» بمعنى «فجر» فليس التضعيف ، ولا الهمزة معدّيين.

فمن ثقّل ، أراد كثيرة الانفجار من الينبوع ، وهو وإن كان واحدا ، فلكثرة الانفجار فيه يحسن أن يثقّل ؛ كما تقول : ضرّب زيد ، إذا كثر الضّرب منه ؛ لكثرة فعله ، وإن كان الفاعل واحدا ، ومن خفّف ؛ فلأن الينبوع واحد.

__________________

(١) ينظر : السبعة ٣٨٤ ، والنشر ٢ / ٣٠٨ ، والتيسير ١٤١ ، والإتحاف ٢ / ٢٠٤ ، والحجة ٤٠٩ ، والحجة للقراء السبعة ٥ / ١١٨ ، والقرطبي ١٠ / ٢١٤ ، والبحر ٦ / ٧٧ ، والدر المصون ٤ / ٤١٨.

٣٨٤

و«ينبوعا» مفعول به ، ووزنه «يفعول» ؛ لأنه من النّبع ، والينبوع : العين تفور من الأرض.

فصل فيما يثبت صدق النبوة

اعلم أنّه تعالى لمّا بيّن بالدليل كون القرآن معجزا ، وظهر هذا المعجز على وفق دعوى محمدصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فحينئذ : تمّ الدليل على كونه نبيّا صادقا ؛ لأنّا نقول : إن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ادّعى النبوة ، وأظهر المعجزة على وفق دعواه ، وكلّ من كان كذلك ، كان نبيّا صادقا ؛ فهذا يدلّ على أنّ محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم صادق ، وليس من شرط كونه نبيّا صادقا تواتر المعجزات الكثيرة ، وتواليها ؛ لأنّا لو فتحنا هذا الباب ، للزم ألّا ينقطع فيه ، وكلما أتى الرّسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ بمعجز ، اقترحوا عليه معجزا آخر ، ولا ينتهي الأمر فيه إلى حدّ ينقطع عنده عناد المعاندين ؛ لأنّه تعالى حكى عن الكفّار : أنهم بعد أن ظهر كون القرآن معجزا ، التمسوا من الرّسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ ستّة أنواع من المعجزات الباهرات ، كما روى عكرمة ، عن ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ أنّ رؤساء أهل مكّة ، سألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهم جلوس عند الكعبة ، فقالوا : يا محمد ، إنّ أرض مكّة ضيقة ، فسير جبالها ؛ لننتفع فيها ، وفجّر لنا ينبوعا ، أي : نهرا ، وعيونا نزرع فيها ، فقال : «لا أقدر عليه».

فقال قائل منهم : أو يكون لك جنّة من نخيل وعنب فتفجّر الأنهار خلالها تفجيرا ، فقال: «لا أقدر عليه» فقيل : أو يكون لك بيت من زخرف ، أي : من ذهب ، فيغنيك عنّا ، فقال : «لا أقدر عليه» فقيل له : أما تستطيع أن تأتي قومك بما يسألونك؟ فقال : لا أستطيع ، فقالوا: فإذا كنت لا تستطيع الخير ، فاستطع الشّر ، فأرسل السّماء ؛ كما زعمت ، علينا كسفا(١).

قرأ العامة «تسقط» بإسناد الفعل للمخاطب ، و«السّماء» مفعول بها ، ومجاهد (٢) على إسناده إلى «السّماء» فرفعها به.

وقرأ (٣) نافع ، وابن عامر ، وعاصم «كسفا» هنا ، بفتح السّين ، وفعل ذلك حفص في الشعراء [الآية : ١٨٧] وفي سبأ [الآية : ٩] ، والباقون يسكنونها في المواضع الثلاثة ، وقرأ ابن ذكوان بسكونها في الروم (٤) [الآية : ٤٨] ؛ بلا خلاف ، وهشام عنه الوجهان ، والباقون بفتحها.

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ١٤٥) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٣٦٥ ـ ٣٦٦) وزاد نسبته إلى ابن إسحق وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(٢) ينظر : الشواذ ٧٧ ، والقرطبي ١٠ / ٢١٤ ، والبحر ٦ / ٧٨.

(٣) ينظر : السبعة ٣٨٥ ، والنشر ٢ / ٣٠٩ ، والتيسير ١٤١ ، والحجة ٤١٠ والإتحاف ٢ / ٢٠٥ ، والحجة للقراء السبعة ٥ / ١١٩ ، والقرطبي ١ / ٢١٤ ، والرازي ٢١ / ٤٨ ، والبحر ٦ / ٧٨ ، والدر المصون ٤ / ٤١٩.

(٤) ينظر : النشر ٢ / ٣٠٩ ، والدر المصون ٤ / ٤١٩.

٣٨٥

فمن فتح السين ، جعله جمع كسفة ؛ نحو : قطعة وقطع ، وكسرة وكسر ، ومن سكّن ، جعله جمع كسفة أيضا على حدّ : سدرة وسدر ، وقمحة وقمح.

وجوّز أبو البقاء (١) فيه وجهين آخرين :

أحدهما : أنه جمع على «فعل» بفتح العين ، وإنما سكّن تخفيفا ، وهذا لا يجوز ؛ لأنّ الفتحة خفيفة يحتملها حرف العلة ، حيث يقدر فيه غيرها ، فكيف بالحرف الصحيح؟.

قال : والثاني : أنه «فعل» بمعنى «مفعول» ؛ ك «الطحن» بمعنى «مطحون» ؛ فصار في السكون ثلاثة أوجه.

وأصل الكسف : القطع ، يقال : كسفت الثّوب قطعته ؛ وفي الحديث في قصّة سليمان مع الصّافنات الجياد : أنه «كسف عراقيبها» ، أي : قطعها.

فصل في معنى الكسف

قال اللّيث : الكسف : قطع العرقوب ، قال الفراء : وسمعت أعرابيّا يقول لبزّاز : أعطني كسفة ، وقال الزجاج (٢) : «كسف الشيء بمعنى غطّاه» ، قيل : ولا يعرف هذا لغيره.

وانتصابه على الحال في القراءتين فإن جعلناه جمعا ، كان على حذف مضاف ، أي : ذات كسف ، وإن جعلناه «فعلا» بمعنى «مفعول» لم يحتج إلى تقدير ، وحينئذ : فإن قيل لم لم يؤنّث؟ فالجواب : لأنّ تأنيثه أعني : السّماء غير حقيقيّ ، أو بأنّها في معنى السّقف.

قوله : (كَما زَعَمْتَ) : نعت لمصدر محذوف ، أي : إسقاطا مثل مزعومك ؛ كذا قدّره أبو البقاء (٣).

فصل في المراد بالآية

قال عكرمة : (كَما زَعَمْتَ) ، يا محمد : أنّك نبيّ ، «فأسقط» السماء علينا كسفا.

وقيل : كما زعمت أن ربّك إن شاء فعل ، وقيل : المراد قوله : (أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً) [الإسراء : ٦٨].

فقيل : اجعل السّماء قطعا متفرقة ؛ كالحاصب ، وأسقطها علينا.

قوله : (أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً).

القبيل : بمعنى : المقابل ؛ كالعشير ، بمعنى : المعاشر.

وقال ابن عباس (٤) : فوجا بعد فوج. وقال الليث : كلّ جند من الجنّ والإنس قبيل ، وقيل: كفيلا ، أي : ضامنا.

__________________

(١) ينظر : الإملاء ٢ / ٩٦.

(٢) ينظر : معاني القرآن للزجاج ٣ / ٢٥٩.

(٣) ينظر : الإملاء ٢ / ٩٦.

(٤) ذكره الرازي في «تفسيره» (٢١ / ٤٨).

٣٨٦

قال الزجاج : يقال : قبلت به أقبل ؛ كما يقال : كفلت به أكفل ، وعلى هذا : فهو واحد أريد به الجمع ؛ كقوله : (وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) [النساء : ٦٩] ، وقال أبو عليّ : معناه المعاينة ؛ كقوله تعالى : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا) [الفرقان : ٢١].

قوله : «قبيلا» [حال من «الله ، والملائكة» أو من أحدهما ، والآخر محذوفة حاله ، أي : بالله قبيلا ، والملائكة قبيلا ؛] كقوله : [الطويل]

٣٤٦٥ ـ .......... كنت منه ووالدي

بريئا ... (١)

وكقوله : [الطويل]

٣٤٦٦ ـ ...........

فإنّي وقيّار بها لغريب (٢)

ذكره الزمخشريّ ، هذا إذا جعلنا «قبيلا» بمعنى كفيلا ، أي : «ضامنا» أو بمعنى «معاينة» كما قاله الفارسي ، وإن جعلناه بمعنى «جماعة» كان حالا من «الملائكة».

وقرأ الأعرج (٣) «قبلا» من المقابلة.

قوله : (أَوْ تَرْقى) : فعل مضارع [منصوب] تقديرا ؛ لأنه معطوف على «تفجر» ، أي : أو حتّى ترقى في السّماء ، [أي :] في معارجها ، والرقيّ : الصعود ، يقال : رقي ، بالكسر ، يرقى ، بالفتح ، رقيّا على فعول ، والأصل : «رقوي» فأدغم بعد قلب الواو ياء ، ورقيا بزنة ضرب ، قال الراجز : [الرجز]

٣٤٦٧ ـ أنت الّذي كلّفتني رقي الدّرج

على الكلال والمشيب والعرج (٤)

قوله تعالى : (نَقْرَؤُهُ) يجوز فيه وجهان :

أحدهما : أن يكون نعتا ل «كتابا».

والثاني : أن يكون حالا من «نا» في «علينا» ؛ قاله أبو البقاء ، وهي حال مقدرة ؛ لأنهم إنما يقرؤونه بعد إنزاله ، لا في حال إنزاله.

فصل في سبب نزول الآية

قال المفسرون : لمّا قال المشركون : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا) الآيات ، قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقام معه عبد الله بن أميّة ، وهو ابن عمّته عاتكة بنت عبد المطلب ، فقال : يا محمد ، عرض عليك قومك ما عرضوا ، فلم تقبله منهم ، ثمّ سألوك لأنفسهم أمورا يعرفون بها منزلتك من الله تعالى ، فلم تفعل ، ثمّ سألوك أن تعجّل ما تخوّفهم به ، فلم تفعل ، فو الله لا أومن بك حتّى تتّخذ إلى السّماء سلّما ترقى فيه ، وأنا أنظر حتّى تأتيها ، وتنزل بنسخة منشورة ، ومعك نفر من الملائكة يشهدون لك بما تقول. وأيم الله ، لو فعلت ذلك ،

__________________

(١) تقدم.

(٢) تقدم.

(٣) ينظر : البحر المحيط ٦ / ٧٨ ، والدر المصون ٤ / ٤١٩.

(٤) ينظر : لسان العرب (عرج) ، والبحر المحيط ٦ / ٦٧.

٣٨٧

لظننت أنّي لا أصدّقك ، فانصرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حزينا لما يرى من مباعدتهم (١).

ثم قال تعالى : قل ، يا محمد : (سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) أمره بتنزيهه ، وتمجيده ، أي : أنّه لو أراد أن ينزل ما طلبوا ، لفعل ، ولكن لا ينزل الآيات على ما يقترحه البشر.

واعلم أنّه تعالى قد أعطى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الآيات والمعجزات ما يغني عن هذا كلّه مثل القرآن ، وانشقاق القمر ، وتفجير العيون من بين الأصابع ، وما أشبهها ، والقوم عامّتهم كانوا متعنّتين ، لم يكن قصدهم طلب الدّليل ؛ ليؤمنوا ، فردّ الله عليهم سؤالهم.

قوله : (قُلْ سُبْحانَ رَبِّي) قرأ ابن كثير ، وابن عامر (٢) «قال» فعلا ماضيا ؛ إخبارا عن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ بذلك ، والباقون «قل» على الأمر أمرا منه تعالى لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بذلك ، وهي مرسومة في مصاحف المكيين (٣) والشاميين : «قال» بألف ، وفي مصاحف غيرهم «قل» بدونها ، فكل وافق مصحفه.

قوله : (إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) يجوز أن يكون «بشرا» خبر «كنت» و«رسولا» صفته ، ويجوز أن يكون «رسولا» هو الخبر ، و«بشرا» حال مقدمة عليه.

فصل في استدلالهم بهذه الآية

استدلّوا بهذه الآية على أن المجيء على الله والذهاب محال ؛ لأنّ كلمة «سبحان» للتنزيه عمّا لا ينبغي.

فقوله : (سُبْحانَ رَبِّي) : تنزيه لله تعالى عن شيء لا يليق به ، وذلك تنزيه الله عما نسب إليه ممّا تقدّم ذكره ، وليس فيما تقدّم ذكره شيء مما لا يليق بالله إلا قولهم : أو تأتي بالله ، فدلّ على أنّ قوله : (سُبْحانَ رَبِّي) تنزيه لله تعالى أن يتحكّم عليه المتحكّمون في الإتيان ، والمجيء ؛ فدلّ ذلك على فساد قول المشبهة.

فإن قالوا : لم لا يجوز أن يكون المراد تنزيه الله تعالى أن يتحكّم عليه المتحكّمون في اقتراح الأشياء؟.

فالجواب : أنّ القوم لم يتحكّموا على الله ، وإنما قالوا للرسول : إن كنت نبيّا صادقا ، فاطلب من الله أن يشرّفك بهذه المعجزات ، فالقوم إنّما تحكّموا على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا على الله ، فلا يليق حمل قوله : (سُبْحانَ رَبِّي) على هذا المعنى ، فيجب حمله على قولهم : (أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ).

__________________

(١) تقدم.

(٢) ينظر : السبعة ٣٨٥ ، والنشر ٢ / ٣٠٩ ، والحجة ٤١٠ ، والتيسير ١٤١ ، والإتحاف ٢ / ٢٠٥ ، والحجة للقراء السبعة ٥ / ١٢١ ، والقرطبي ١ / ٢١٤ ، والبحر ٦ / ١٩ ، والدر المصون ٤ / ٤١٩.

(٣) في ب : الكوفيين.

٣٨٨

فصل في تقرير هذا الجواب

اعلم أنّ تقرير هذا الجواب : أن يقال : إما أن يكون مرادكم من هذا الاقتراح أنّكم طلبتم الإتيان من عند نفسي بهذه الأشياء ، أو طلبتم منّي أن أطلب من الله إظهارها على يديّ ؛ لتدلّ لكم على كوني رسولا حقّا من عند الله.

والأول باطل ؛ لأنّي بشر ، والبشر لا قدرة له على هذه الأشياء.

والثاني أيضا : باطل ؛ لأنّي قد أتيتكم بمعجزة واحدة ، وهي القرآن ، فطلب هذه المعجزات طلب لما لا حاجة إليه ، وكان طلبها يجري مجرى التعنّت والتحكّم ، وأنا عبد مأمور ليس لي أن أتحكّم على الله ؛ فسقط هذا السؤال ؛ فثبت كون قوله : (سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) جوابا كافيا في هذا الباب.

قوله تعالى : (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلاَّ أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً (٩٤) قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً (٩٥) قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (٩٦) وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً (٩٧) ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (٩٨) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً)(٩٩)

قوله : (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا) الآية.

لمّا حكى الله تعالى شبهة القوم في اقتراح المعجزات الزّائدة ، وأجاب عنها حكى شبهة (١) أخرى وهي أنهم استبعدوا أن يبعث الله للخلق رسولا من البشر ، بل اعتقدوا أنّ الله تعالى ، لو أرسل رسولا إلى الخلق ، لكان ذلك الرسول من الملائكة ، وأجاب الله تعالى عن هذه الشبهة بوجوه :

أحدها : قوله تعالى : (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى).

وتقرير هذا الجواب : أنّ بتقدير أن يبعث الله ملكا رسولا إلى الخلق ، فالخلق إنما يؤمنون بكونه رسولا من عند الله ؛ لأجل قيام المعجزات الدالة على صدقه ؛ وذلك المعجز هو الذي يهديهم إلى معرفة صدق ذلك الملك في ادّعاء رسالته ، فالمراد من قوله : (إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى) هو المعجز ، [وإذا كان كذلك ، فنقول : لما كان الدليل على

__________________

(١) سقط من : أ.

٣٨٩

الصّدق هو المعجز](١) فقط فهذا المعجز سواء ظهر على الملك ، أو على البشر ، وجب الإقرار برسالته ، فقولهم : «لا بدّ وأن يكون الرسول من الملائكة» : تحكم فاسد باطل.

والجواب الثاني عن شبهتهم ، وهي أنّ أهل الأرض لو كانوا ملائكة ، لوجب أن يكون رسولهم من الملائكة ؛ لأنّ الجنس إلى الجنس أميل ، فلما كان [أهل الأرض](٢) من البشر ، فوجب أن يكون رسولهم من البشر ؛ وهذا هو المراد من قوله تعالى : (لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً) [الإسراء : ٩٥].

الجواب الثالث : قوله تعالى : (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ).

وتقريره أنّ الله تعالى ، لمّا أظهر المعجزة على وفق دعواى ، كان ذلك شهادة من الله تعالى على كوني صادقا ، ومن شهد الله على صدقه ، فهو صادق ، فقولكم بأنّ الرسول يجب أن يكون ملكا ، فذلك تحكّم فاسد ؛ لا يلتفت إليه. ولمّا ذكر الله تعالى هذه الأجوبة الثلاثة ، أردفها بما يجري مجرى التهديد ، والوعيد ؛ فقال : (إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) [الإسراء : ٩٦]. أي : يعلم ظواهرهم وبواطنهم ، ويعلم أنّهم لا يذكرون هذه الشبهات إلا لمحض الحسد ، وحبّ الرياسة.

قوله : (أَنْ يُؤْمِنُوا) : مفعول ثان ل «منع» ، أي : ما منعهم إيمانهم ؛ و (أَنْ قالُوا) هو الفاعل ، و«إذ» ظرف ل «منع» ، والتقدير : وما منع الناس من الإيمان وقت مجيء الهدى إيّاهم إلا قولهم : أبعث الله.

وهذه الجملة المنفيّة يحتمل أن تكون من كلام الله ، فتكون مستأنفة ، وأن تكون من كلام الرسول ، فتكون منصوبة المحلّ ؛ لاندراجها تحت القول في كلتا القراءتين.

قوله : (بَشَراً رَسُولاً) تقدّم في نظيره وجهان ، وكذلك قوله (لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً).

قوله تعالى : (قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ) : يجوز في «كان» هذه التمام ، أي : لو وجد ، وحصل ، و«يمشون» صفة ل «ملائكة» و (فِي الْأَرْضِ) متعلق به ، «مطمئنين» حال من فاعل «يمشون» ، ويجوز أن تكون الناقصة ، وفي خبرها أوجه ، أظهرها : أنه الجار ، و«يمشون» و«مطمئنّين» على ما تقدم. وقيل : الخبر «يمشون» و (فِي الْأَرْضِ) متعلق به.

وقيل : الخبر «مطمئنّين» و«يمشون» صفة ، وهذان الوجهان ضعيفان ؛ لأنّ المعنى على الأول.

فإن قيل : إنّه تعالى لو قال : قل لو كان في الأرض ملائكة ، لنزّلنا عليهم من السّماء ملكا رسولا كان كافيا في هذا المعنى. فما الحكمة في قوله : (يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ)؟!.

__________________

(١) زيادة من ب.

(٢) في أ: رسولهم.

٣٩٠

فالجواب : أن المراد بقوله : (يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ) أي : مستوفين مقيمين.

قوله : (وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ) الآية.

لما أجاب عن شبهات القوم في إنكار النبوة ، وأردفها بالوعيد بقوله : (إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) على الإجمال ، ذكر بعده الوعيد الشديد على التّفصيل ، فقال : (وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ).

المراد تسلية الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو أنّ الذين حكم لهم بالإسلام والهداية سابقا ، وجب أن يصيروا مؤمنين ، ومن سبق لهم حكم الله بالضّلال والجهل ، استحال أن ينقلبوا عن ذلك.

واحتجّ أهل السنة بهذه الآية على صحّة مذهبهم في الهدى والضّلال ، والمعتزلة حملوا هذا الضلال تارة على طريق الجنّة ؛ وتارة على منع الألطاف ، وتارة على التّخلية ، وعدم التعرّض لهم بالمنع. والواو مندرجة تحت القول ، فيكون محلّها نصبا ، وأن يكون من كلام الله ، فلا محلّ لها ؛ لاستئنافها ، ويكون في الكلام التفات ؛ إذ فيه خروج من غيبة إلى تكلّم في قوله : (وَنَحْشُرُهُمْ).

وحمل على لفظ «من» في قوله (فَهُوَ الْمُهْتَدِ) فأفرد ، وحمل على معنى «من» الثانية في قوله «ومن يضلل ، فلن تجد لهم» ، [فجمع].

ووجه المناسبة في ذلك ـ والله أعلم ـ : أنه لمّا كان الهدي شيئا واحدا غير متشعّب السبل ، ناسبه التوحيد ، ولمّا كان الضلال له طرق متشعبة ؛ نحو : (وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) [الأنعام : ١٥٣] ناسب الجمع الجمع ، وهذا الحمل الثاني مما حمل فيه على المعنى ، وإن لم يتقدمه حمل على اللفظ ، قال أبو حيان : «وهو قليل في القرآن» ، يعني : بالنسبة إلى غيره ، ومثله : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) [يونس : ٤٢] ويمكن أن يكون المحسّن لهذا هنا كونه تقدّم حمل على اللفظ ، وإن كان في جملة أخرى غير جملته.

وقرأ نافع ، وأبو عمرو بإثبات (١) ياء «المهتدي» وصلا ، وحذفها وقفا ، وكذلك في التي تحت هذه السورة ، وحذفها الباقون في الحالين.

قوله : (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا) يجوز أن يتعلق الجار في قوله (عَلى وُجُوهِهِمْ) بالحشر ، وأن يتعلق بمحذوف على أنه حال من المفعول ، أي : كائنين ومسحوبين على وجوههم.

فإن قيل : كيف يمكنهم المشي على وجوههم؟.

فالجواب من وجهين :

الأول : أنّهم يسحبون على وجوههم ، قال تعالى : (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ) [القمر : ٤٨].

__________________

(١) ينظر : السبعة ٣٨٦ ، والنشر ٢ / ٣٠٩ ، والتيسير ١٤٢ ، والإتحاف ٢ / ٢٠٥ ، والدر المصون ٤ / ٤٢١.

٣٩١

والثاني : قال أبو هريرة : قيل : يا رسول الله ، كيف يمشون على وجوههم؟ قال : «الذي يمشيهم على أقدامهم قادر أن يمشيهم على وجوههم» (١).

قوله : «عميا» يجوز أن تكون حالا ثانية من الضمير ، أو بدلا من الأولى ، وفيه نظر ؛ لأنه لا يظهر فيه أنواع البدل ، وهي : كلّ من كلّ ، ولا بعض من كلّ ، ولا اشتمال ، وأن تكون حالا من الضمير المرفوع [في الجارّ] لوقوعه حالا ، وأن تكون حالا من الضمير المجرور في «وجوههم».

فصل في توهم الاضطراب بين بعض الآيات والجواب عنه

قال رجل لابن عباس : أليس أنه تعالى يقول : (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ) [الكهف : ٥٣].

وقال : (سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً) [الفرقان : ١٢].

وقال : (دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً) [الفرقان : ١٣].

وقال : (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها) [النحل : ١١١].

وقال حكاية عن الكفّار : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) [الأنعام : ٢٣].

وأثبت لهم الرؤية ، والكلام ، والسّمع ، فكيف قال ههنا : (عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا)؟.

فأجاب ابن عباس وتلامذته من وجوه :

الأول : قال ابن عباس : «عميا» : لا يرون شيئا يسرهم ، و«صمّا» : لا يسمعون شيئا يسرهم ، و«بكما» لا ينطقون بحجّة (٢).

والثاني : في رواية عطاء : «عميا» عن النّظر إلى ما جعله الله إلى أوليائه ، و«بكما» عن مخاطبة الله تعالى ، ومخاطبة الملائكة المقرّبين (٣).

الثالث : قال مقاتل : حين قال لهم : (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) [المؤمنون : ١٠٨] يصيرون صمّا بكما ، أما قبل ذلك ، فهم يرون ، ويسمعون ، وينطقون (٤).

الرابع : أنّهم يكونون رائين ، سامعين ، ناطقين في الموقف ، ولولا ذلك ، لما قدروا على مطالعة كتبهم ، ولا سمعوا إلزام حجة الله تعالى عليهم ، إلا أنّهم إذا ذهبوا من الموقف إلى النّار ، صاروا صمّا ، وبكما ، وعميا.

وقيل : يحشرون على هذه الصفة (٥).

قوله : (مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) يجوز في هذه الجملة الاستئناف ، والحالية إمّا من الضمير المنصوب ، أو المجرور.

__________________

(١) أخرجه البخاري (٨ / ٣٧٨) ومسلم (٤ / ٢١٦١) من حديث أنس بن مالك.

(٢) ذكره الرازي في «تفسيره» (٢١ / ٥١).

(٣) ينظر : المصدر السابق.

(٤) ينظر : الرازي (٢١ / ٥١).

(٥) ينظر : المصدر السابق.

٣٩٢

قوله : (كُلَّما خَبَتْ) يجوز فيها الاستئناف ، والحالية من «جهنّم» ، والعامل فيها معنى المأوى.

وخبت النّار تخبو : إذا سكن لهيبها ؛ قال الواحدي : خبت سكنت ، فإذا ضعف جمرها ، قيل : خمدت ، فإذا طفئت بالجملة ، قيل : همدت ؛ قال :

٣٤٦٨ ـ وسطه كاليراع أو سرج المج

دل طورا يخبو وطورا ينير (١)

وقال آخر : [الهزج]

٣٤٦٩ ـ لمن نار قبيل الصّب

ح عند البيت ما تخبو

إذا ما أخمدت ألقي

عليها المندل الرّطب (٢)

وأدغم التاء في زاي (٣) «زدناهم» أبو عمرو ، والأخوان ، وورش ، وأظهرها الباقون.

قوله : (زِدْناهُمْ سَعِيراً).

قال ابن قتيبة : زدناهم تلهّبا.

فإن قيل : إنه تعالى لا يخفف عنهم العذاب. وقوله : (كُلَّما خَبَتْ) يدلّ على أنّ العذاب محقّق في ذلك الوقت.

فالجواب : أن قوله (كُلَّما خَبَتْ) يقتضي سكون لهب النّار ، أما أنه يدل على تخفيف العذاب ، فلا ؛ لأنّ الله تعالى قال : (لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ).

وقيل : معناه : (كُلَّما خَبَتْ) [أي :] كلما أرادت أن تخبو (زِدْناهُمْ سَعِيراً) أي: وقودا.

وقيل : المراد من قوله : (كُلَّما خَبَتْ) أي : نضجت جلودهم ، واحترقت ، أعيدوا إلى ما كانوا عليه.

قوله تعالى : (ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ) يجوز أن يكون مبتدأ وخبرا ، و«بأنهم» متعلق بالجزاء ، أي : «ذلك العذاب المتقدم جزاؤهم بسبب أنّهم» ويجوز أن يكون «جزاؤهم» مبتدأ ثانيا ، والجار خبره ، والجملة خبر «ذلك» ، ويجوز أن يكون «جزاؤهم» بدلا ، أو بيانا ، و«بأنّهم» الخبر.

__________________

(١) البيت لعدي بن زيد ينظر : ديوانه ص ٨٥ ، الدرر ٣ / ٨٨ ، لسان العرب «وسط» ، همع الهوامع ١ / ٢٠١ ، الدر المصون ٤ / ٤٢١.

(٢) البيتان لعمرو بن ربيعة وهما في ديوانه هكذا :

من نار قبيل الصب

ح عند البيت ما تخبو

إذا ما أوقدت يلهى

 ..........

ينظر : ديوانه ٣١ ، الكامل ٣ / ١١٧ ، البحر المحيط ٦ / ٦٧ ، اللسان والتهذيب «ذا» ، الدر المصون ٤ / ٤٢١.

(٣) ينظر : الإتحاف ٢ / ٢٠٥ ، والنشر ٢ / ٥.

٣٩٣

وهذه الآية تدلّ على أنّ العمل علّة الجزاء.

قوله : (وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً).

لمّا أجاب عن شبهات منكري النبوة ، عاد إلى حكاية شبهة منكري المعاد.

وتلك الشبهة : هي أنّ الإنسان بعد أن يصير رفاتا ، ورميما ، يبعد أن يعود هو بعينه ، فأجاب الله عنه : بأنّ من قدر على خلق السموات والأرض في عظمتها وشدّتها قادر على أن يخلق مثلهم في صغرهم ، وضعفهم ؛ نظيره قوله تعالى : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) [غافر : ٥٧].

وفي قوله : (قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) قولان :

الأول : [معناه] قادر على أن يخلقهم ثانيا ، فعبّر عن خلقهم بلفظ «المثل» ؛ كقول المتكلّمين : إنّ الإعادة مثل الابتداء.

والثاني : قادر على أن يخلق عبيدا آخرين يوحّدونه ، ويقرّون بكمال حكمته وقدرته ، ويتركون هذه الشبهات الفاسدة ؛ وعلى هذا ، فهو كقوله تعالى : (وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) [إبراهيم : ١٩] وقوله : (وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) [التوبة : ٣٩].

قال الواحديّ (١) : والأول أشبه بما قبله.

ولمّا بيّن الله تعالى بالدّليل المذكور : أنّ البعث يمكن الوجود في نفسه ، أردفه بأنّ لوقوعه ودخوله في الوجود وقتا معلوما عند الله تعالى ؛ وهو قوله : (وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ) أي : جعل لهم وقتا لا ريب فيه ، (فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً) أي بعد هذه الدلائل الظاهرة : (فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً) أي : الظالمون إلا الكفر والجحود.

قوله : (وَجَعَلَ لَهُمْ) : معطوف على قوله (أَوَلَمْ يَرَوْا) ؛ لأنّه في قوة : قد رأوا ، فليس داخلا في حيّز الإنكار ، بل معطوفا على جملته برأسها.

وقوله : (لا رَيْبَ فِيهِ) صفة ل «أجلا» ، أي : أجلا غير مرتاب فيه ، فإن أريد به يوم القيامة ، فالإفراد واضح ، وإن أريد به الموت ، فهو اسم جنس ؛ إذ لكلّ إنسان أجل يخصه.

وقوله (إِلَّا كُفُوراً) قد تقدّم.

قوله تعالى : (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً)(١٠٠)

اعلم أنّ الكفار ، لما قالوا : لن نؤمن لك ؛ حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعا وطلبوا إجراء الأنهار ، والعيون في بلدهم لتكثر أموالهم ؛ بيّن أنّهم لو ملكوا خزائن رحمة الله ،

__________________

(١) ينظر : الفخر الرازي ٢١ / ٥٢.

٣٩٤

لبقوا على بخلهم وشحهم ، ولا أقدموا على إيصال النفع إلى أحد ، وعلى هذا التقدير : فلا فائدة في إسعافهم لما طلبوه.

قوله : (لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ) : فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : ـ وإليه ذهب الزمخشري ، والحوفي ، وابن عطيّة ، وأبو البقاء (١) ، ومكيّ (٢) ـ : أن المسألة من باب الاشتغال ، ف «أنتم» مرفوع بفعل مقدر يفسّره هذا الظاهر ، لأنّ «لو» لا يليها إلا الفعل ، ظاهرا أو مضمرا ، فهي ك «إن» في قوله تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [التوبة : ٦] ، وفي قوله :

٣٤٧٠ ـ وإن هو لم يحمل على النّفس ضيمها

فليس إلى حسن الثّناء سبيل (٣)

والأصل : لو تملكون ، فحذف الفعل ؛ لدلالة ما بعده عليه ، فانفصل الضمير ، وهو الواو ؛ إذ لا يمكن بقاؤه متّصلا بعد حذف رافعه ، ومثله : «وإن هو لم يحمل» : الأصل : وإن لم يحمل ، فلما حذف الفعل ، انفصل ذلك الضمير المستتر ، وبرز ، ومثله فيما نحن فيه قول الشاعر :

٣٤٧١ ـ «لو ذات سوار لطمتني» (٤)

برفع «ذات» وقول المتلمّس :

٣٤٧٢ ـ ولو غير أخوالي أرادوا نقيصتي

 ........... (٥)

ف «ذات سوار» مرفوعة بفعل مفسّر بالظاهر بعده.

الثاني : أنه مرفوع ب «كان» وقد كثر حذفها بعد «لو» والتقدير : لو كنتم تملكون ، فحذف «كان» ، فانفصل الضمير ، و«تملكون» في محلّ نصب ب «كان» المحذوفة ، وهو قول ابن الصائغ ؛ وقريب منه قوله : [البسيط]

٣٤٧٣ ـ أبا خراشة أمّا أنت ذا نفر

 ........... (٦)

__________________

(١) ينظر : الإملاء ٢ / ٩٧.

(٢) ينظر : المشكل ٢ / ٣٤.

(٣) تقدم.

(٤) مثل عربي ينسب لحاتم وليس بشعر.

ينظر : الجنى الداني ص ٢٧٩ ، جمهرة الأمثال ١٧٤ ، ومجمع الأمثال ٢ / ١٢٢.

(٥) البيت للمتلمس في ديوانه ص ٢٩ ، الأصمعيات ص ٢٤٥ ، خزانة الأدب ١٠ / ٥٩ ، اللامات ص ١٢٨ ، تذكرة النحاة ص ٤٩٠ ، لسان العرب «نقص» ، «وسم» ، والمقتضب ٣ / ٧٧ ، الدر المصون ٤ / ٤٢٢.

(٦) البيت لعباس بن مرداس في ديوانه ص ١٢٨ ، والأشباه والنظائر ٢ / ١١٣ ، الاشتقاق ص ٣١٣ ، خزانة الأدب ٤ / ١٣ ، ١٤ / ١٧ ، ٢٠٠ ، ٥ / ٤٤٥ ، ٦ / ٥٣٢ ، ١١ / ٦٢ ، الدرر ٢ / ٩١ ، شرح شذور الذهب ص ٢٤٢ ، شرح شواهد الإيضاح ص ٤٧٩ ، شرح شواهد المغني ١ / ١١٦ ، ١٧٩ ، شرح قطر الندى ص ١٤٠ ، ولجرير في ديوانه ١ / ٣٤٩ ، الخصائص ٢ / ٣٨١ ، شرح المفصل ٢ / ٩٩ ، ٨ / ١٣٢ ، ـ

٣٩٥

فإنّ الأصل : لأن كنت ، فحذفت «كان» ، فانفصل الضمير ، إلّا أنّ هنا عوّض من «كان» «ما» ، وفي [«لو»] لم يعوّض منها.

الثالث : أنّ «أنتم» توكيد لاسم «كان» المقدر معها ، والأص ل «لو كنتم أنتم تملكون» فحذفت «كان» واسمها ، وبقي المؤكّد ، وهو قول ابن فضال المجاشعيّ ، وفيه نظر ؛ من حيث إنّا نحذف ما في التّوكيد ، وإن كان سيبويه يجيزه (١).

وإنما أحوج هذين القائلين إلى ذلك : كون مذهب البصريّين في «لو» أنّه لا يليها إلّا الفعل ظاهرا ، ولا يجوز عندهم أن يليها مضمرا مفسّرا إلّا في ضرورة ، أو ندور ، كقوله : «لو ذات سوار لطمتني» ، فإن قيل : هذان الوجهان أيضا فيهما إضمار فعل ، قيل : ليس هو الإضمار المعنيّ ؛ فإنّ الإضمار الذي أبوه هو على شريطة التفسير في غير «كان» ، وأمّا «كان» فقد كثر حذفها بعد [«لو»] في مواضع كثيرة ، وقد وقع الاسم الصّريح بعد «لو» غير مذكور بعده فعل ؛ وأنشد الفارسيّ : [الرمل]

٣٤٧٤ ـ لو بغير الماء حلقي شرق

كنت كالغصّان بالماء اعتصاري (٢)

إلا أنه أخرجه على أنه مرفوع بفعل مقدّر يفسّره الوصف من قوله «شرق» ، وقد تقدّم الكلام في «لو». قال أهل المعاني : إنّ التقديم بالذكر يدل على التّخصيص ، فقوله : (لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ) دليل على أنّهم هم المختصّون بهذه الحالة الخسيسة ، والشّحّ الكامل.

واعلم أنّ خزائن رحمة الله غير متناهية ؛ فكان المعنى أنكم لو ملكتم من النّعم خزائن لا نهاية لها ، لتقيمنّ على الشحّ ، وهذه مبالغة عظيمة في وصفهم بهذه الصفة.

قوله : «لأمسكتم» يجوز أن يكون لازما ؛ لتضمنه معنى «بخلتم» وأن يكون متعدّيا ، ومفعوله محذوف ، أي : لأمسكتم المال ، ويجوز أن يكون كقوله (يُحْيِي وَيُمِيتُ) [البقرة : ٢٥٨].

قوله : (خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ) فيه وجهان :

أظهرهما : أنه مفعول من أجله.

والثاني : أنه مصدر في موضع الحال ، قاله أبو البقاء ، أي : خاشين الإنفاق ، وفيه نظر ؛ إذ لا يقع المصدر المعرف موقع الحال ، إلا سماعا ؛ نحو : «جهدك» و«طاقتك» ، وكقوله :

٣٤٧٥ ـ وأرسلها العراك ...

 ........... (٣)

__________________

ـ والشعر والشعراء ١ / ٣٤١ ، الكتاب ١ / ٢٩٣ ، لسان العرب (خرش) ، (ضبع) ، المقاصد النحوية ٢ / ٥٥ ، الأزهية ص ١٤٧ ، أمالي ابن الحاجب ١ / ٤١١ ، ٤٤٢ ، الإنصاف ١ / ٧١ ، أوضح المسالك ١ / ٢٦٥ ، تخليص الشواهد ص ٢٦٠ ، الجنى الداني ص ٥٢٨ ، جواهر الأدب ١٩٨ ، ٤١٦ ، ٤٢١ ، رصف المباني ص ٩٩ ، ١٠١ ، شرح الأشموني ١ / ١١٩ ، شرح ابن عقيل ص ١٤٩ ، لسان العرب (أما) مغني اللبيب ١ / ٣٥ ، المنصف ٣ / ١١٦ ، همع الهوامع ١ / ٢٣ ، الدر المصون ٤ / ٤٢٢.

(١) ينظر : الكتاب ١ / ٢٤٧.

(٢) تقدم.

(٣) البيت للبيد في ديوانه ص ٨٦ ، وينظر : أساس البلاغة (نغص) ، خزانة الأدب ٣ / ١٩٢ ، شرح أبيات ـ

٣٩٦

ولا يقاس عليه ، والإنفاق مصدر «أنفق» ، أي : أخرج المال ، وقال أبو عبيدة : «هو بمعنى الافتقار ، والإقتار».

قوله : (خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي) ، أي : نعمة ربّي.

(إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ) لبخلتم.

(خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ) : الفاقة.

وقيل : خشية النفاق يقال : أنفق الرجل ، أي : أملق ، وذهب ماله ، ونفق الشّرّ ، أي : ذهب.

وقيل : لأمسكتم عن الإنفاق ؛ خشية الفقر ، ومعنى «قتورا» : قال قتادة : بخيلا ممسكا(١).

يقال : أقتر يقتر إقتارا ، وقتّر تقتيرا : إذا قصّر في الإنفاق.

فإن قيل : قد حصل في الإنسان الجواد ، والكريم.

فالجواب من وجوه :

الأول : أن الأصل في الإنسان البخل ؛ لأنّه خلق محتاجا ، والمحتاج لا بد وأن يحبّ ما به يدفع الحاجة ، وأن يمسكه لنفسه ، إلا أنّه قد يجود به [الأسباب](٢) من خارج ، فثبت أنّ الأصل في الإنسان البخل.

الثاني : أنّ الإنسان إنّما يبذل ؛ لطلب الحمد ، وليخرج من عهدة الواجب ، ثم للتّقرّب إلى الله تعالى ، فهو في الحقيقة إنّما أنفق ليأخذ العوض ، فهو بخيل ، والمراد بهذا الإنسان المعهود السّابق ، وهم الذين قالوا : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً).

قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً (١٠١) قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً (١٠٢) فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً (١٠٣) وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً)(١٠٤)

قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ) الآيات. اعلم أنّ المقصود من هذا الكلام هو الجواب عن قولهم : لن نؤمن لك ؛ حتّى تأتينا بهذه المعجزات الباهرة ؛ فقال تعالى :

__________________

ـ سيبويه ١ / ٢٠ ، شرح التصريح ١ / ٣٧٣ ، شرح المفصل ٢ / ٦٢ ، شرح ابن عقيل ص ٣٢٤ ، الكتاب ١ / ٣٧٢ ، لسان العرب (نغص) ، (عرك) ، (دخل) ، المقاصد النحوية ٣ / ٢١٩ ، الأشباه والنظائر ٦ / ٨٥ ، الإنصاف ٢ / ٨٢٢ ، جواهر الأدب ص ٣١٨ ، المقتضب ٣ / ٢٣٧ ، الدر المصون ٤ / ٤٢٣.

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ١٥٤) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٣٦٩) وزاد نسبته إلى عبد الرزاق وابن أبي حاتم.

(٢) سقط من أ.

٣٩٧

ولقد آتينا موسى معجزات مساويات لهذه الأشياء التي طلبتموها ، بل أقوى ، وأعظم ، فلو حصل في علمنا أنّ جعلها في زمانكم مصلحة ، لفعلناها ، كما فعلناها في حق موسى ؛ فدلّ هذا على أنّا إنّما [لم] نفعلها في زمانكم ؛ لعلمنا بأنها لا مصلحة في فعلها.

واعلم : أنّ الله تعالى ذكر في القرآن أشياء كثيرة من معجزات موسى ـ عليه‌السلام ـ.

منها : أنّه [أزال](١) العقدة من لسانه.

قال المفسرون : أذهب الأعجمية منه ، وبقي فصيحا.

ومنها : انقلاب العصا حيّة.

ومنها : تلقّف الحية حبالهم وعصيّهم ، مع كثرتها.

ومنها : اليد البيضاء من غير سوء.

ومنها : الطّوفان والجراد ، والقمّل ، والضّفادع ، والدّم.

ومنها : شقّ البحر.

ومنها : ضربه الحجر بالعصا ، فانفجر.

ومنها : إظلال الجبل.

ومنها : إنزال المنّ والسلوى عليه وعلى قومه.

ومنها : قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ) [الأعراف : ١٣٠] لأهل القرى ؛ فهذه آيتان.

ومنها : الطّمس على أموالهم ، فجعلها حجارة من النّخيل ، والدّقيق ، والأطعمة ، والدّراهم والدّنانير.

روي أن عمر بن عبد العزيز سأل محمد بن كعب ، عن قوله : (تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ) ، فذكر محمد بن كعب في جملة التسعة ؛ حلّ عقدة اللّسان ، والطّمس ، فقال عمر بن العزيز : هكذا يجب أن يكون الفقيه ، ثم قال : يا غلام ، أخرج ذلك الجراب ، فأخرجه ، فإذا فيه بيض مكسور ؛ نصفين ، وجوز مكسور ، وفول ، وحمص ، وعدس ، كلها حجارة (٢).

وإذا كان كذلك ، فإنه تعالى ذكر في القرآن أنّ هذه المعجزات لموسى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال في هذه الآية : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ) وتخصيص التسعة بالذّكر لا يقدح فيه ثبوت الزائد عليه ؛ لأنّه ثبت في أصول الفقه أنّ تخصيص العدد بالذكر لا يدلّ على نفي الزائد ؛ وهذه الآية دليل على هذه المسألة.

واعلم : أن هذه التسعة قد اتّفقوا على سبعة منها ؛ وهي : العصا ، واليد ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، وبقي اثنتان اختلفت أقوال المفسرين

__________________

(١) في أ: أذهب.

(٢) ذكره الرازي في «تفسيره» (٢١ / ٥٤).

٣٩٨

فيهما ، ولمّا لم تكن تلك الأقوال مستندة إلى حجّة ظنيّة ؛ فضلا عن حجة يقينيّة ، لا جرم تركت تلك الروايات.

فصل في أجود ما قيل في تفسير التسع آيات

في تفسير قوله : (تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ) قول هو أجود ما قيل ، وهو ما روي عن صفوان بن عسّال المراديّ : أن يهوديّا قال لصاحبه : اذهب بنا إلى هذا النبي نسأله عن تسع الآيات ، فقال الآخر : لا تقل : نبي ؛ فإنه لو سمع ، لصارت له أربعة أعين فأتياه ، فسألاه عن هذه الآية (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ).

فقال : هي ألّا تشركوا بالله شيئا ، ولا تقتلوا النّفس التي حرّم الله إلّا بالحقّ ، ولا تزنوا ، ولا تأكلوا الرّبا ، ولا تسحروا ، ولا تمشوا بالبريء للسلطان ؛ ليقتله ، ولا تسرقوا ، ولا تقذفوا المحصنة ، ولا تفرّوا من الزّحف ، وعليكم ـ خاصة اليهود ـ ألّا تعدوا في السّبت ، فقام اليهوديّان يقبّلان يده ، ويقولون : نشهد أنّك نبيّ ، قال : فما يمنعكم أن تتبعوني؟ قال اليهودي : إنّ داود دعا ربّه ألّا يزال في ذريّته نبيّ ، وإنّا نخاف إن اتّبعناك أن تقتلنا يهود (١).

قوله تعالى : (تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ) : [يجوز في «بيّنات»] النصب صفة للعدد ، والجر صفة للمعدود.

قوله : (إِذْ جاءَهُمْ) فيه أوجه :

أحدها : أن يكون معمولا ل «آتينا» ويكون قوله (فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ) اعتراضا ، وتقديره : ولقد آتينا موسى تسع آيات بيّنات ؛ إذ جاء بني إسرائيل ، فسألهم ، وعلى هذا التقدير: فليس المطلوب من سؤال بني إسرائيل أن يستفيد هذا العلم منهم ، بل المقصود أن يظهر لعامة اليهود بقول علمائهم صدق ما ذكره الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيكون هذا السؤال سؤال استشهاد.

والثاني : أنه منصوب بإضمار اذكر.

والثالث : أنه منصوب ب «يخبرونك» مقدرا.

الرابع : أنه منصوب بقول مضمر ؛ إذ التقدير : فقلنا له : سل بني إسرائيل حين جاءهم ، ذكر هذه الأوجه الزمخشري مرتبة على مقدمة ذكرها قبل [قال :] فاسأل بني إسرائيل ، أي : فقلنا له : اسأل بني إسرائيل ، أي : اسألهم عن فرعون ، وقل له : أرسل معي بني إسرائيل ، أو اسألهم عن إيمانهم ، وحال دينهم ، أو اسألهم أن يعاضدوك. ويدل عليه قراءة (٢) رسول الله «فسأل» على لفظ الماضي ، بغير همز ، وهي لغة قريش.

__________________

(١) أخرجه الترمذي (٣١٤٤) والنسائي (٧ / ١١١) وأحمد (٤ / ٢٣٩) والبيهقي في «الدلائل» (٦ / ٢٦٨) والطبراني (٧ / ٤٣ ، ٤٤) من حديث صفوان بن عسال.

(٢) ينظر : الدر المصون ٤ / ٤٢٤ ، والقرطبي ١٠ / ٢١٨ وقد نسبها إلى ابن عباس وأبي نهيك.

٣٩٩

وقيل : فسل ، يا رسول الله ، المؤمن من بني إسرائيل ؛ كعبد الله بن سلام وأصحابه عن الآيات ؛ ليزدادوا يقينا وطمأنينة ؛ كقوله : (وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) [البقرة : ٢٦٠] [ثم قال:] فإن قيل بم تعلق (إِذْ جاءَهُمْ)؟ فالجواب :

أمّا على الوجه الأول : فبالقول المحذوف ، [أي] : فقلنا له : سلهم حين جاءهم ، أو ب «سال» في القراءة الثانية ، وأمّا على الآخر فب «آتينا» أو بإضمار «اذكر» أو ب «يخبرونك» ومعنى «إذ جاءهم» «إذ جاء آباءهم» ، انتهى.

قال أبو حيّان : «ولا يتأتّى تعلقه ب «اذكر» ولا ب «يخبرونك» ؛ لأنّه ظرف ماض».

قال شهاب الدين : إذا جعله معمولا ل «اذكر» ، أو ل «يخبرونك» لم يجعله ظرفا ، بل مفعولا به ، كما تقرّر مرارا.

الوجه الخامس : أنه مفعول به ، والعامل فيه «فسل».

قال أبو البقاء (١) : «فيه وجهان :

أحدهما : هو مفعول به ب «اسأل» على المعنى إذ التقدير : اذكر لبني إسرائيل ؛ إذ جاءهم ، وقيل : التقدير : اذكر إذا جاءهم وهي غير «اذكر» الذي قدّرت به «اسأل» ، يعني: أن «اذكر» المقدرة غير «اذكر» التي فسّرت «اسأل» بها ؛ وهذا يؤيّد ما تقدّم من أنهم ، إذا قدروا «اذكر» جعلوا «إذ» مفعولا به ، لا ظرفا.

إلا أنّ أبا البقاء ذكر [حال] كونه ظرفا ، ما يقتضي أن يعمل فيه فعل مستقبل ، فقال(٢): «والثاني : أن يكون ظرفا ، وفي العامل وجوه :

أحدها : «آتينا».

والثاني : «قلنا» مضمرة.

والثالث : [«قل»] ، تقديره : قل لخصمك : سل ؛ والمراد به فرعون ، أي : قل ، يا موسى ، وكان الوجه أن يقال : إذ جئتهم بالفتح ، فخرج من الخطاب ، إلى الغيبة».

فظاهر الوجه الثالث : أن العامل فيه «قل» وهو ظرف ماض ، على أنّ هذا المعنى الذي نحا إليه ليس بشيء ؛ إذ يرجع إلى : يا موسى ، قل لفرعون : يا فرعون سل بني إسرائيل ، فيعود فرعون هو السائل لبني إسرائيل ، وليس المراد ذلك قطعا ، وعلى التقدير الذي تقدم عن الزمخشري ـ وهو أن المعنى : يا موسى ، سل بني إسرائيل ، [أي : اطلبهم من فرعون ـ يكون المفعول الأول للسؤال محذوفا ، والثاني هو (بَنِي إِسْرائِيلَ)] ، والتقدير : سل فرعون بني إسرائيل ، وعلى هذا : فيجوز أن تكون المسألة من التنازع ، وأعمل الثاني ؛ إذ التقدير : سل فرعون ، فقال فرعون ، فأعمل الثاني ، فرفع به الفاعل ، وحذف المفعول من الأول ، وهو المختار من المذهبين.

__________________

(١) ينظر : الإملاء ٢ / ٩٧.

(٢) ينظر : المصدر السابق.

٤٠٠