اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٢

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٢

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٩٢

سمعت من العرب من يقول : هذا ثوب أكياش.

قال : والذي ذكره سيبويه (١) : هو الفرق بين مفاعل ومفاعيل ، وبين أفعال وفعول وإن كان الجميع أبنية للجمع من حيث إنّ مفاعل ، ومفاعيل لا يجمعان ، وأفعال وفعول قد يخرجان إلى بناء شبه مفاعل ، أو مفاعيل فلما كانا قد يخرجان إلى ذلك انصرفا ، ولم ينصرف «مفاعل» و«مفاعيل» لشبه ذينك بالمفرد من حيث إنّه يمكن جمعها وامتناع هذين من الجمع ، ثمّ قوي شبههما بالمفرد بأن بعض العرب يقول في «أتى» «أتى» بضم الهمزة ، يعني أنه قد جاء نادرا فعول ، من غير المصدر للمفرد ، وبأن بعض العرب قد يوقع أفعالا للمفرد من حيث أفرد الضمير فيقول : هو الأنعام ، وإنّما ذلك على سبيل المجاز ؛ لأنّ الأنعام في معنى النعم والنّعم يفرد ؛ كما قال الشاعر : [الوافر]

٣٣٣٥ ـ تركنا الخيل والنّعم المفدّى

وقلنا للنّساء بها : أقيمي (٢)

ولذلك قال سيبويه : «وأمّا أفعال فقد يقع للواحد» فقوله : «قد يقع للواحد» دليل على أنه ليس ذلك بالوضع ، فقول الزمخشريّ : «إنّه ذكره في الأسماء المفردة على أفعال» تحريف في اللفظ ، وفهم عن سيبويه ما لم يرده ، ويدلّ على ما قلناه : أنّ سيبويه حين ذكر أبنية الأسماء المفردة نص على أنّ أفعالا ليس من أبنيتها.

قال سيبويه في باب ما لحقته الزّيادة من بنات الثلاثة : «وليس في الكلام أفعيل ، ولا أفعول ، ولا أفعال ، ولا أفعيل ، ولا أفعال إلا أن تكسّر عليه اسما للجمع» ، قال : «فهذا نصّ منه على أنّ أفعالا لا يكون في الأسماء المفردة».

قال شهاب الدّين (٣) : الّذي ذكره الزمخشريّ ، وهو ظاهر عبارة سيبويه ، وهو كاف في تسويغ عود الضمير مفردا ، وإن كان أفعالا قد يقع موقع الواحد مجازا ، فإنّ ذلك ليس بصائر فيما نحن بصدده ، ولم يحرّف لفظه ، ولم يفهم عنه غير مراده لما ذكرناه من هذا المعنى الذي قصده.

وقيل : إنّما ذكر الضمير ؛ لأنه يعود على البعض ، وهو الإناث ؛ لأنّ الذّكور لا ألبان لها ، والعبرة إنّما هي في بعض الأنعام.

وقال الكسائي ـ رحمه‌الله ـ : «أي في بطون ما ذكر».

قال المبرّد : وهذا سائغ في القرآن ، قال تعالى : (كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) [عبس : ١١ ، ١٢] ، أي : هذا الشيء الطّالع ، ولا يكون هذا إلّا في التّأنيث المجازي.

__________________

(١) ينظر : الكتاب ٢ / ١٦.

(٢) ينظر : شرح الجمل لابن عصفور ٢ / ٣٩٦ ، المقرب ١ / ٣٠٣ ، روح المعاني ١٤ / ١٧٦ ، الدر اللقيط بهامش البحر ٥ / ٥٠٨ ، البحر المحيط ٥ / ٤٩٣ ، الألوسي ١٤ / ١٧٦ ، الدر المصون ٤ / ٣٤٢.

(٣) ينظر : الدر المصون ٤ / ٣٤٢.

١٠١

ولا يجوز : جاريتك ذهب ، وغلامك ذهبت ، وعلى هذا خرج قوله : [الرجز]

٣٣٣٦ ـ فيها خطوط من سواد وبلق

كأنّه في الجلد توليع البهق (١)

أي : كأن المذكور.

وقيل : جمع التكسير فيما لا يعقل يعامل معاملة الجماعة ، ومعاملة الجمع.

ففي هذه السورة اعتبر معنى الجمع ، وفي سورة المؤمنين ، اعتبر معنى الجماعة ، ومن الأوّل قول الشّاعر : [الرجز]

٣٣٣٧ ـ مثل الفراخ نتفت حواصله (٢)

وقيل : لأنه يسدّ مسدّ الواحد يفهم الجمع فإنّه يسد مسده نعم ، ونعم يفهم الجمع ؛ ومثله قول الشاعر : [الرجز]

٣٣٣٨ ـ وطاب ألبان اللّقاح وبرد (٣)

لأنه يسد مسدّها «لبن».

ومثله قولهم هو أحسن الفتيان ، وأجمله أي : أحسن فتى إلّا أنّ هذا لا ينقاس عند سيبويه وأتباعه.

وذكر أبو البقاء (٤) ستّة أوجه تقدم منها في غضون ما ذكر خمسة ، والسادس : أنّه يعود على الفحل ؛ لأنّ اللبن يكون من طرق الفحل الناقة ، فأصل اللّبن من الفحل.

قال : «وهذا ضعيف ؛ لأنّ اللبن ، وإن نسب إلى الفحل ، فقد جمع البطون وليس في فحل الأنعام إلّا واحدا ، ولا للواحد بطون ، فإن قيل : أراد الجنس ، فقد ذكر».

يعني أنه قد تقدّم أنّ التّذكير باعتبار جنس الأنعام ، فلا حاجة إلى تقدير عوده على فحل المراد به الجنس ، وهذا القول نقله مكي عن إسماعيل القاضي ـ رحمه‌الله ـ ولم يعقبه بنكير.

قال القرطبي (٥) : واستنبط القاضي إسماعيل من عود هذا الضمير أن لبن الفحل يقبل التّحريم.

وقال : إنّما جيء به مذكّرا ؛ لأنّه راجع إلى ذكر النّعم ؛ لأنّ اللّبن للذّكر محسوب

__________________

(١) تقدم.

(٢) ينظر : معاني الفراء ١ / ١٣٠ ، ٢ / ١٠٩ ، ١٣٠ ، رسالة الغفران ٢ / ٤١٦ ، الألوسي ١٤ / ١٧٧ ، المحتسب ٢ / ١٥٣ ، شواهد المغني للبغدادي ٨ / ٤٨ ، المسائل البصريات ١ / ٣٦٨ ، مجالس ثعلب ١٠٣ البحر المحيط ٥ / ٤٩٢ ، القرطبي ١٠ / ٨٢ ، تفسير الطبري ١٣ / ١٣٢ ، الدر المصون ٤ / ٣٤٣.

(٣) تقدم.

(٤) ينظر : الإملاء ٢ / ٨٣.

(٥) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ١٠ / ٨٢.

١٠٢

ولذلك قضى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأنّ اللبن محرّم حين أنكرته عائشة ـ رضي الله عنها ـ في حديث : «أفلح أخي أبي القعيس فللمرأة السّقي وللرّجل اللّقاح».

قوله : (مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ) يجوز فيه أوجه :

أحدها : أنّه متعلق بالسّقي على أنّها لابتداء الغاية ، فإن جعلنا ما قبلها كذلك ، تعين أن يكون مجرورها بدلا من مجرور «من» الأولى ، لئلا يتعلّق عاملان متّحدان لفظا ومعنى [بمعمول](١) واحد ، وهو ممتنع إلا في بدل الاشتمال ؛ لأنّ المكان مشتمل على ما حلّ فيه ، وإن جعلتها للتّبعيض هان الأمر.

الثاني : أنّها في محل نصب على الحال من «لبنا» ، إذ لو تأخّرت ، لكانت مع مجرورها نعتا. قال الزمخشريّ : «وإنّما قدّم ؛ لأنه موضع العبرة ، فهو قمن بالتّقدم».

الثالث : أنّها مع مجرورها حال من الضمير الموصول قبلها.

والفرث : فضالة ما يبقى من العلف في الكرش ، وكثيف ما يبقى من الأكل في الأمعاء ، ويقال : فرث كبده ، أي : فتّتها ، وأفرث فلان فلانا ؛ أوقعه في بليّة يجرى مجرى الفرث.

روى الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ أنه قال : «إذا استقرّ العلف في الكرش ، صار أسفله فرثا ، وأعلاه دما ، وأوسطه لبنا ، فيجري الدّم في العروق واللبن في الضّرع ، ويبقى الفرث كما هو» (٢).

قوله : «لبنا» هو المفعول الثاني للسّقي.

وقرىء (٣) : «سيّغا» بتشديد الياء ، بزنة «سيّد» وتصريفه كتصريفه. وخفف عيسى بن عمر ، نحو «ميت» ، و«هين» ، ولا يجوز أن يكون فعلا ، إذ كان يجب أن يكون سوغا كقول.

ومعنى : (سائِغاً لِلشَّارِبِينَ) ، أي هنيئا يجري بسهولة في الحلق ، وقيل : إنّه لم [يشرق](٤) أحد باللّبن قطّ.

فصل

قال ابن الخطيب (٥) : اللّبن والدّم لا يتولدان ألبتّة في الكرش ، والدّليل عليه الحسّ ، فإنّ هذه الحيوانات تذبح ذبحا متواليا ، وما رأى أحد في كرشها لا دما ، ولا لبنا ، ولو كان تولد الدّم ، واللّبن في الكرش ؛ لوجب أن يشاهد ذلك في بعض الأحوال ، والشيء الذي دلّت المشاهدة على فساده ؛ لم يجز المصير إليه ، بل الحق أنّ الحيوان إذا

__________________

(١) في ب : بعامل.

(٢) ذكره الرازي في «تفسيره» (٢٠ / ٥٢ ـ ٥٣).

(٣) ينظر : المحتسب ٢ / ١١ ، والشواذ ٧٣ ، والمحرر ٨ / ٤٥٧ ، والبحر ٥ / ٤٩٤ ، والدر المصون ٤ / ٣٤٣.

(٤) في أ: يغص.

(٥) ينظر : الفخر الرازي ٢٠ / ٥٣.

١٠٣

تناول الغذاء ، ووصل ذلك العلف إلى معدته إن كان إنسانا ، وإلى كرشه إن كان من الأنعام وغيرها ، فإذا طبخ ، وحصل الهضم الأول فيه ، فما كان منه صافيا انجذب إلى الكبد ، وما كان كثيفا ، نزل إلى الأمعاء ، ثمّ ذلك الذي يحصل منه في الكبد ينطبخ فيها ، ويصير دما ، وذلك هو الهضم الثاني ، ويكون ذلك الدم مخلوطا بالصّفراء ، والسّوداء ، وزيادة المادة المائية ، أمّا الصفراء ، فتذهب إلى المرارة ، والسّوداء إلى الطحال ، والماء إلى الكلية ، ومنها إلى المثانة ، وأما ذلك الدم فإنه يدخل في الأوردة ، وهي العروق النابتة من الكبد ، وهناك يحصل الهضم الثالث ، وبين الكبد ، وبين الضّرع عروق كثيرة ، فينصبّ الدّم من تلك العروق إلى الضّرع والضرع لحم غدديّ رخو أبيض ، فيقلب الله ـ تعالى ـ الدم عند إصبابه إلى ذلك اللّحم الغددي الرّخو الأبيض ، من صورة الدّم إلى صورة اللّبن فهذا هو القول الصحيح في كيفية تولد اللبن.

فإن قيل : هذه المعاني حاصلة في الحيوان الذّكر ، فلم لم يحصل منه اللّبن؟ قلنا : الحكمة الإلهيّة قد اقتضت تدبير كلّ شيء على الوجه اللائق به الموافق لمصلحته ، فمزاج الذّكر من كلّ حيوان يجب أن يكون حارا يابسا ، ومزاج الأنثى يجب أن يكون باردا رطبا ، والحكمة فيه أنّ الولد إنّما يتكوّن في داخل بدن الأنثى ؛ فوجب أن يكون بدن الأنثى مختصا بمزيد الرطوبات لوجهين :

الأول : أنّ الولد إنما يتولّد من الرطوبات ، فوجب أن يحصل في بدن الأنثى رطوبات كثيرة لتصير مادة لتولد الولد.

والثاني : أنّ الولد إذا كبر ، وجب أن يكون بدن الأم قابلا للتّمدد ؛ حتى يتسع لذلك الولد ، فإذا كانت الرّطوبات غالبة على بدن الأم ، كان بدنها قابلا للتمدد ، فيتسع للولد ؛ فثبت بما ذكرنا أنّه ـ تعالى ـ خصّ بدن الأنثى من كل حيوان بمزيد الرّطوبات لهذه الحكمة ، ثم إنّ تلك الرطوبات التي كانت تصير مادة ، لازدياد بدن الجنين حين كان في رحم الأم ، فعند انفصال الجنين ، تنصب إلى الثّدي ، والضرع ، ليصير مادّة لغذاء ذلك الطفل الصّغير ، فظهر أنّ السبب الذي لأجله يتولّد اللّبن من الدّم في حق الأنثى غير حاصل في حق الذّكر ، فظهر الفرق.

وقد تقدّم ما نقل عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ في أنّ الفرث يكون في أسفل الكرش ، والدم يكون في أعلاه ، واللبن يكون في الوسط ، وبيّنّا أنّ هذا القول على خلاف الحس والتجربة.

واعلم أنّ حدوث اللّبن في الثدي ، واتّصافه بالصّفات الموافقة لتغذية الطفل مشتمل على حكم عجيبة ، يشهد صريح العقل بأنّها لا تحصل إلّا بتدبير الفاعل الحكيم والمدبر الرحيم ، وبيانه من وجوه :

الأول : أنه ـ تعالى ـ خلق في أسفل المعدة منفذا يخرج منه ثقل الغذاء فإذا تناول

١٠٤

الإنسان غذاء ، أو شربة رقيقة ؛ انطبق ذلك المنفذ انطباقا كليّا ، لا يخرج منه شيء من ذلك المأكول ، والمشروب إلى أن يكمل انهضامه في المعدة ، وينجذب ما صفا منه إلى الكبد ، ويبقى الثقل هناك ، فحينئذ ينفتح ذلك المنفذ ، وينزل منه ذلك الثقل ، وهذا من العجائب التي لا يمكن حصولها إلا بتدبير الفاعل الحكيم ؛ لأنه متى كانت الحاجة إلى خروج ذلك الجسم من المعدة انفتح فحصل الانطباق تارة ، والانفتاح أخرى ، بحسب الحاجة ، وتقدير المنفعة ممّا لا يتأتّى إلا بتدبير الفاعل الحكيم.

الثاني : أنّه ـ تعالى ـ أودع في الكبدة قوة ، تجذب الأجزاء اللطيفة الحاصلة في ذلك المأكول ، والمشروب ، ولا تجذب الأجزاء الكثيفة ، وخلق في الأمعاء قوّة تجذب تلك الأجزاء الكثيفة التي هي الثقل ، ولا تجذب الأشياء اللطيفة ألبتّة ، ولو كان الأمر بالعكس ، لاختلفت مصلحة البدن ، ولفسد نظام هذا التركيب.

الثالث : أنه ـ سبحانه وتعالى ـ أودع في الكبد قوّة هاضمة طابخة ، حتّى إنّ تلك الأجزاء اللطيفة ؛ تنطبخ في الكبد ، وتنقلب دما ، ثمّ إنّه ـ تعالى ـ أودع في المرارة قوّة جاذبة للصّفراء ، وفي الطحال قوّة جاذبة للسّوداء ، وفي الكلية قوّة جاذبة لزيادة المائيّة ، حتى يبقى الدم الصّافي الموافق لتغذية البدن ، وتخصيص كلّ واحد من هذه الأعضاء بتلك القوّة الحاصلة ، لا يمكن إلا بتدبير الحكيم العليم.

الرابع : أنّ في الوقت الذي يكون الجنين في رحم الأم ينصب من ذلك الدم نصيب وافر إليه حتى يصير مادة تنمي أعضاء ذلك الولد ، وازدياده ، فإذا انفصل ذلك الجنين عن الرّحم ينصب ذلك النّصيب إلى جانب الثّدي ليتولد منه اللبن الذي يكون غذاء له ، فإذا كبر ذلك الولد لم ينصب ذلك النّصيب لا إلى الرّحم ، ولا إلى الثدي ، بل ينصبّ على مجموع بدن المتغذي ، فانصباب ذلك الدّم في كلّ وقت إلى عضو آخر انصبابا موافقا للمصلحة ، والحكمة لا يتأتّى إلّا بتدبير الفاعل المختار الحكيم.

الخامس : أنّ عند تولد اللّبن في الضرع أحدث ـ تعالى ـ في حلمة الثّدي ثقوبا صغيرة ومسامّا ضيّقة ، وجعلها بحيث إذا اتّصل المصّ ، أو الحلب بتلك الحملة ، انفصل اللّبن عنها من تلك المسامّ الضيّقة ، ولما كانت تلك المسامّ ضيّقة جدّا ، فحينئذ لا يخرج منها إلا ما كان في غاية الصّفاء ، واللّطافة ، وأمّا الأجزاء الكثيفة فإنّه لا يمكنها الخروج من تلك المنافذ الضيّقة فتبقى في الدّاخل ، والحكمة في إحداث تلك الثّقوب الصّغيرة والمنافذ الضيّقة في رأس الحملة ؛ لكي تكون كالمصفاة ، فكل ما كان لطيفا خرج ، وما كان كثيفا ؛ احتبس في الدّاخل ، فبهذا الطريق يصير ذلك اللّبن خالصا موافقا لبدن الصّبي (سائِغاً لِلشَّارِبِينَ).

السادس : أنه ـ تعالى ـ ألهم ذلك الصبي إلى المص ؛ فإنّ الأم إذا ألقت حلمة الثّدي في فم الصبي ، فذلك الصبيّ في الحال يأخذ في المص ، ولولا أنّ الفاعل المختار الرحيم قد ألهم ذلك الطفل الصغير ذلك العمل المخصوص ، وإلا لم يحصل تخليق ذلك اللبن في الثّدي.

١٠٥

السابع : أنّا بيّنا أنه ـ تعالى ـ إنّما خلق اللّبن من فضلة الدّم ، وإنما خلق الدّم من الغذاء الذي يتناوله الحيوان ، فالشّاة لمّا تناولت العشب ، وتولّد منه الدم ، وتولّد اللبن من بعض أجزاء ذلك الدّم ، ثمّ إنّ اللبن حصلت فيه أجزاء ثلاثة على طبائع متضادة ، فما فيه من الدهن يكون حارا رطبا ، وما فيه من المائيّة يكون باردا رطبا ، وما كان فيه من الجبنية يكون باردا يابسا ، وهذه الطبائع ما كانت حاصلة في العشب الذي تناولته الشّاة ، فظهر بهذين أنّ هذه الأجسام لا تزال تنقلب من صفة إلى صفة ، ومن حالة إلى حالة ، مع أنّه لا يناسب بعضه بعضا ، ولا يشاكل بعضه بعضا ، وعند ذلك فإنّ هذه الأحوال إنما تحدث بتدبير فاعل مختار حكيم رحيم ، يدبّر أحوال هذا العالم على وفق مصالح العباد.

قال المحققون ـ رضي الله عنهم ـ : اعتبار حدوث اللّبن كما يدلّ على وجود الصّانع المختار ، فكذلك يدل على إمكان الحشر والنشر ؛ لأنّ العشب الذي يأكله الحيوان إنّما يتولد من الماء والأرض ، فخالق العالم دبّر تدبيرا آخر ، فقلب ذلك العشب دما ، ثم دبّر تدبيرا آخر فقلب ذلك الدّم لبنا خالصا ، ثمّ أحدث من ذلك اللبن الدهن والجبن ، وهذا الاستقرار يدل على أنه ـ تعالى ـ قادر على تقليب هذه الأجسام من صفة إلى صفة ، ومن حالة إلى حالة ، وإذا كان كذلك ، لم يمتنع أيضا أن يكون قادرا على قلب أجزاء أبدان الأموات إلى صفة الحياة والعقل كما كانت قبل ذلك ، فبهذا الاعتبار يدلّ من هذا الوجه على أنّ البعث والقيامة أمر ممكن غير ممتنع.

قوله : (وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ) فيه أربعة أوجه :

أحدها : أنّه متعلق بمحذوف ، فقدّره الزمخشري : ونسقيكم من ثمرات النّخيل والأعناب ، أي : من عصيرها ؛ وحذف لدلالة «نسقيكم» قبله عليه قال : «وتتّخذون بيان وكشف عن كيفية الإسقاء».

وقدّره أبو البقاء : خلق لكم أو جعل لكم ـ وما قدّره الزمخشري أليق.

لا يقال : لا حاجة إلى تقدير نسقيكم ، بل قوله : (وَمِنْ ثَمَراتِ) عطف على قوله : (مِمَّا فِي بُطُونِهِ) فيكون عطف بعض متعلقات الفعل الأوّل على بعض ؛ كما تقول : سقيت زيدا من اللّبن ومن العسل ، فلا يحتاج إلى تقدير فعل قبل قولك : من العسل.

لا يقال ذلك ؛ لأن «نسقيكم» الملفوظ به وقع تفسير ل «عبرة» الأنعام ، فلا يليق تعلّق هذا به ؛ لأنه ليس من العبرة المتعلّقة بالأنعام.

قال أبو حيان (١) : وقيل : متعلق ب «نسقيكم» فيكون معطوفا على (مِمَّا فِي بُطُونِهِ) أو : ب «نسقيكم» محذوفة دلّ عليها «نسقيكم» انتهى.

ولم يعقبه تنكير ، وفيه ما تقدّم.

__________________

(١) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٤٩٤.

١٠٦

الثاني : أنه متعلق ب «تتّخذون» ، و«منه» تكرير للظرف توكيدا ؛ نحو : زيد في الدّار فيها ، قاله الزمخشري (١) ـ رحمه‌الله تعالى ـ وعلى هذا فالهاء في «منه» فيها ستّة أوجه :

أحدها : أنها تعود على المضاف المحذوف الذي هو العصير ؛ كما رجع في قوله تعالى : (أَوْ هُمْ قائِلُونَ) [الأعراف : ٤] إلى الأهل المحذوف.

الثاني : أنها تعود على معنى الثمرات ؛ لأنها بمعنى الثّمر.

الثالث : أنها تعود على النّخيل.

الرابع : أنها تعود على الجنس.

الخامس : أنها تعود على البعض.

السادس : أنها تعود على المذكور.

الوجه الثالث من الأوجه الأول : أنه معطوف على قوله : (فِي الْأَنْعامِ) فيكون في المعنى خبرا عن اسم إنّ في قوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً) التقدير : وإن لكم في الأنعام ومن ثمرات النخيل لعبرة ، ويكون قوله : «تتّخذون» بيانا وتفسيرا للعبرة ، كما وقع «نسقيكم» تفسيرا لها أيضا.

الرابع : أن يكون خبرا لمبتدإ محذوف ، فقدّره الطبري : ومن ثمرات النّخيل والأعناب ما تتّخذون.

قال أبو حيان (٢) : «وهو لا يجوز على مذهب البصريّين».

قال شهاب الدين (٣) : وفيه نظر ؛ لأنّ له أن يقول : ليست «ما» هذه موصولة ، بل نكرة موصوفة ، وجاز حذف الموصوف والصّفة جملة ؛ لأنّ في الكلام «من» ، ومتى كان في الكلام «من» اطرد الحذف ، نحو : «منّا ظعن ومنّا أقام» ؛ ولهذا نظّره مكيّ بقوله ـ تعالى ـ (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) [الصافات : ١٦٤] ، أي : إلّا من له مقام معلوم ، قال : فحذفت «من» لدلالة «من» عليها في قوله : (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ).

ولمّا قدّر الزمخشري الموصوف ، قدره : «ثمر تتّخذون منه» ؛ ونظّره بقول الشاعر : [الرجز]

٣٣٣٩ ـ يرمي بكفّي كان من أرمى البشر (٤)

تقديره : بكفّي رجل ، إلا أنّ الحذف في البيت شاذّ ؛ لعدم «من».

ولما ذكر أبو البقاء هذا الوجه ؛ قال : «وقيل : هو صفة لمحذوف تقديره : شيئا تتخذون منه بالنصب ، أي : وإن من ثمرات النّخيل وإن شئت «شيء» ـ بالرفع ـ على الابتداء ، و (مِنْ ثَمَراتِ) خبره».

__________________

(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٦١٦.

(٢) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٤٩٤.

(٣) ينظر : الدر المصون ٤ / ٣٤٤.

(٤) تقدم.

١٠٧

قال الواحدي : «و«الأعناب» عطف على الثّمرات لا على «النّخيل» ؛ لأنّه يصير التقدير : ومن ثمرات الأعناب ، والعنب نفسه ثمرة وليس له ثمرة أخرى».

والسّكر : بفتحتين فيه أقوال :

أحدها : أنّه من أسماء الخمر ؛ كقول الشاعر : [البسيط]

٣٣٤٠ ـ بئس الصّحاة وبئس الشّرب شربهم

إذا جرى فيهم المزّاء والسّكر (١)

الثاني : أنه في الأصل مصدر ، ثم سمّي به الخمر ، يقال : سكر يسكر سكرا وسكرا ؛ نحو: رشد يرشد رشدا ورشدا ؛ قال الشاعر : [الوافر]

٣٣٤١ ـ وجاءونا بهم سكر علينا

فأجلى اليوم والسّكران صاحي (٢)

قاله الزمخشري.

الثالث : أنه اسم للخلّ بلغة الحبشة ؛ قاله ابن عبّاس.

الرابع : أنه اسم للعصير ما دام حلوا ؛ كأنّه سمّي بذلك لمآله لذلك لو ترك.

الخامس : أنه اسم للطعم ، قاله أبو عبيدة ؛ وأنشد : [الرجز]

٣٣٤٢ ـ جعلت أعراض الكرام سكرا (٣)

أي : تنقلت بأعراضهم.

وقيل في البيت بأنه من الخمر ، وأنه إذا انتهك أعراض النّاس كان يخمر بها.

وقال الضحاك والنّخعي ومن يبيح شرب النبيذ : السّكر هو النبيذ ؛ وهو نقيع التمر والزبيب إذا اشتدّ ، والمطبوخ من العصير (٤).

ومن حرّمه يقول : المراد من الآية : الإخبار لا الإحلال.

قوله : (وَرِزْقاً حَسَناً) يجوز أن يكون من عطف المتغايرات ، وهو الظاهر ؛ كما قال المفسرون : إنه كالزّبيب والخلّ والدّبس ونحو ذلك وأن يكون من عطف الصّفات بعضها على بعض ، أي : تتّخذون منه ما يجمع بين السّكر والرّزق الحسن ؛ كقوله : [المتقارب]

__________________

(١) البيت للأخطل. ينظر : ديوانه ١١٠ ، القرطبي ١٠ / ٨٥ ، تفسير الماوردي ٢ / ٣٩٨ ، التهذيب ١٣ / ١٧٦ ، روح المعاني ١٤ / ١٧٩ ، اللسان والتاج والصحاح (سكر) ، الأغاني ١٠ / ٤ ، البحر المحيط ٥ / ٤٩٥ ، الدر المصون ٤ / ٣٤٥.

(٢) البيت لغني بن مالك العقيلي. ينظر : اللسان (سكر) ، شواهد الكشاف ٤ / ٤١٧ ، البحر المحيط ٥ / ٤٨٥ ، الألوسي ١٤ / ١٧٩ ، الدر المصون ٤ / ٣٤٥.

(٣) وروي البيت : جعلت عيب الأكرمين سكرا.

والبيت لجندل بن المثنى الطهوي. ينظر : مجاز القرآن ١ / ٣٦٣ ، اللسان (سكر) ، زادة ٣ / ١٨٧ ، البيضاوي ٣ / ١٨٧ ، إعراب القرآن للزجاج ٣ / ٢٠٩ ، الخازن ٤ / ١٠٠ ، التاج (سكر) ، البحر المحيط ٥ / ٤٩٥ ، الكشاف ٢ / ٤١٧ ، الطبري ١٤ / ٨٤ ، القرطبي ١٠ / ٨٥ ، الدر المصون ٤ / ٣٤٥.

(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٦١١) عن مجاهد والشعبي.

١٠٨

٣٣٤٣ ـ إلى الملك القرم وابن الهمام

 ........... (١)

فصل

ذهب ابن مسعود ، وابن عمر ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، ومجاهد إلى أن السّكر الخمر ، والرزق الحسن الخلّ والربّ والتّمر والزّبيب (٢).

قالوا : وهذا قبل تحريم الخمر ؛ لأن هذه السورة مكية ، وتحريم الخمر نزل في سورة المائدة.

قال بعضهم : ولا حاجة إلى التزام النّسخ ؛ لأنه ـ تعالى ـ ذكر ما في هذه الأشياء من المنافع ، وخاطب المشركين بها ؛ لأنها من أشربتهم ، فهي منفعة في حقّهم.

ثم إنه ـ تعالى ـ نبّه في هذه الآية أيضا على تحريمها ؛ لأنه ميّز بينها وبين الرزق الحسن في الذكر ، فوجب أنّ السّكر لا يكون رزقا حسنا ؛ وهو حسن بحسب الشّهوة ، فوجب أن يقال : بأن الرجوع عن كونه حسنا بحسب الشّريعة ، وإنّما يكون كذلك إذا كانت محرّمة.

ثم إنه ـ تعالى ـ لمّا ذكر هذه الوجوه الّتي هي دلائل على التّوحيد من وجه ، وتعديد للنّعم العظيمة من وجه آخر ـ قال ـ جل ذكره ـ : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) أي : من كان عاقلا ، علم بالضرورة أن هذه الأحوال لا يقدر عليها إلا الله ـ تعالى ـ ، فيحتجّ بأصولها على وجود الإله القادر الحكيم.

قوله تعالى : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (٦٨) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٦٩) وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (٧٠) وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ (٧١) وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (٧٢) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ (٧٣) فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(٧٤)

قوله ـ تعالى ـ : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) الآية لما بيّن أن إخراج الألبان من النّعم ، وإخراج السّكر من ثمرات النّخيل والأعناب دلائل قاهرة على أنّ لهذا العالم إلها قادرا

__________________

(١) تقدم.

(٢) ينظر : تفسير البغوي (٣ / ٧٥).

١٠٩

مختارا حكيما فكذلك إخراج العسل من النحل دليل قاطع على إثبات هذا المقصود.

اعلم أنه ـ تعالى ـ قال : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) يقال : وحى وأوحى وهو هنا الإلهام ، والمعنى : أنّه ـ تعالى ـ قرّر في أنفسها هذه الأعمال العجيبة التي يعجز عنها العقلاء من البشر ، وبيانه من وجوه :

الأول : أنها تبني البيوت مسدّسة من أضلاع متساوية ، لايزيد بعضها على بعض بمجرّد طبائعها ، والعقلاء من البشر لا يمكنهم بناء مثل تلك البيوت إلا بآلات وأدوات مثل : المسطرة والبيكار.

الثاني : أنه ثبت في الهندسة أنّ تلك البيوت لو كانت مشكلة بأشكال سوى المسدّسات ، فإنه يبقى بالضّرورة فيما بين تلك البيوت فرج خالية ضائقة أما إذا كانت تلك البيوت مسدسة ، فإنه لا يبقى فيها فرج خالية ضائقة فاهتداء ذلك الحيوان الضّعيف إلى تلك الحكمة الخفيّة الدّقيقة اللّطيفة من الأعاجيب.

الثالث : أن النّحل يحصل فيما بينها واحد يكون كالرّئيس للبقيّة ، وذلك الواحد يكون أعظم جثّة من الباقي ، ويكون نافذ الحكم على البقيّة وهم يخدمونه ويحملونه عند تعبه ، وذلك أيضا من الأعاجيب.

الرابع : أنها إذا نفرت وذهبت من وكرها مع الجماعة إلى موضع آخر ، فإذا أرادوا عودها إلى وكرها ، ضربوا الطبول وآلات الموسيقى ، وبواسطة تلك الألحان يقدرون على ردّها إلى أوكارها ، وهذه أيضا حالة عجيبة ، فلمّا امتاز هذا الحيوان بهذه الخواصّ العجيبة الدالّة على مزيد الذّكاء والكياسة ، ليس إلا على سبيل الإلهام ، وهي حالة شبيهة بالوحي ، لا جرم قال ـ سبحانه وتعالى ـ في حقّها : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ).

فصل

قال أبو العباس أحمد بن علي المقري ـ رحمه‌الله ـ : الوحي يرد على ستّة أوجه :

الأول : الرّسالة ؛ قال ـ تعالى ـ : (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) [النساء : ١٦٣] ، أي : أرسلنا إليك.

الثاني : الإلهام ؛ قال ـ تعالى ـ : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) [النحل : ٦٨].

الثالث : الإيماء ، قال ـ تعالى ـ : (فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا) [مريم : ١١] أي : أومأ إليهم.

الرابع : الكتابة ، قال ـ تعالى ـ : (وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ) [الأنعام : ١٢١] أي : يكتبون إليهم.

الخامس : الأمر ، قال ـ تعالى ـ : (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها) [الزلزلة : ٥] ، أي : أمرها.

السادس : الخلق ، قال ـ تعالى ـ : (وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها) [فصلت : ١٢] ، أي : خلق.

١١٠

قال القرطبي (١) : الإلهام هو ما يخلقه الله ـ تعالى ـ في القلب ابتداء من غير سبب ظاهر ؛ قال ـ تعالى ـ : (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) [الشمس : ٧] ومن ذلك البهائم وما يخلقه الله فيها من إدراك منافعها ، واجتناب مضارّها ، وتدبير معاشها ، وقد أخبر الله ـ تعالى ـ عن الأرض فقال : (تُحَدِّثُ أَخْبارَها بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها) [الزلزلة : ٤ ، ٥].

واعلم أن الوحي قد ورد في حقّ الأنبياء ؛ قال ـ تعالى ـ : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) [الشورى : ٥١] ، وفي حقّ الأولياء ؛ قال ـ تعالى ـ : (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ) [المائدة : ١١١] وبمعنى الإلهام في حقّ بقية البشر ؛ قال ـ تعالى ـ : (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى) [القصص : ٧] وفي حقّ سائر الحيوانات بمعنى خاصّ.

قال الزجاج : يجوز أن يقال : سمّي هذا الحيوان نحلا ؛ لأن الله ـ تعالى ـ نحل النّاس العسل الذي يخرج من بطونها.

وقال غيره : النّحل يذكّر ويؤنث على قاعدة أسماء الأجناس ، فالتأنيث فيها لغة الحجاز ، ولذلك أنثها الله ـ تعالى ـ وكذلك كل جمع ليس بينه وبين واحده إلّا الهاء.

وقرأ ابن وثّاب (٢) : «النّحل» بفتح الحاء ، فيحتمل أن يكون لغة مستقلة ، وأن يكون إتباعا.

قوله (أَنِ اتَّخِذِي) يجوز أن تكون مفسّرة ، وأن تكون مصدريّة.

واستشكل بعضهم كونها مفسّرة ، قال : لأنّ الوحي هنا ليس فيه معنى القول ؛ إذ هو الإلهام لاقول فيه.

وفيه نظر ؛ لأن القول لكل شيء بحسبه.

و (مِنَ الْجِبالِ) «من» فيه للتبعيض ؛ إذ لا يتهيّأ لها ذلك في كل جبل ولا شجر ، وتقدّم القول في «يعرشون» ومن قرأ بالكسر والضم في الأعراف.

والمراد ب (مِمَّا يَعْرِشُونَ) ما يبنون لها من الأماكن التي تأوي إليها ، وقرىء (٣) : «بيوتا» بكسر الباء.

فصل

اعلم أن النّحل نوعان :

أحدهما : ما يسكن الجبال والغياض ولا يتعهّدها أحد من النّاس.

والثاني : ما يسكن البيوت ويتعهّدها الناس ، فالأول هو المراد بقوله عزوجل : (أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ).

__________________

(١) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ١٠ / ٨٨.

(٢) ينظر : القرطبي ١٠ / ٨٨ والبحر ٥ / ٤٩٦ ، والدر المصون ٤ / ٣٤٦.

(٣) ينظر : الإتحاف ٢ / ١٨٦.

١١١

والثاني هو المراد بقوله ـ عزوجل ـ (وَمِمَّا يَعْرِشُونَ) وهو خلايا النحل ، واختلفوا فيه.

فقال بعضهم : لا يبعد أن يكون لهذه الحيوانات عقول مخصوصة ، بحيث يمكن أن يتوجّه عليها أمر الله ونهيه.

وقال آخرون : المراد منه أنه ـ تعالى ـ خلق غرائز وطبائع توجب هذه الأحوال ، وسيأتي الكلام على ذلك في قوله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا النَّمْلُ) [النمل : ١٣] إن شاء الله ـ تعالى ـ.

ثم قال ـ تعالى ـ : (ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) «من» هنا للتبعيض ؛ لأنها لا تأكل من كلّ الثمرات ؛ فهو كقوله : (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) [النحل : ٢٣] أو لابتداء الغاية.

قال ابن الخطيب : رأيت في كتب الطبّ أن الله ـ تعالى ـ دبّر هذا العالم على وجه يحدث في الهواء طلّ لطيف في الليل ، ويقع ذلك الطّلّ على أوراق الأشجار ، وقد تكون الأجزاء الطليّة لطيفة صغيرة متفرّقة على الأوراق والأزهار ، وقد تكون كثيرة بحيث يجمع منها أجزاء متساوية محسوسة كالترنجبين ، فإنه طلّ ينزل من الهواء يجتمع على أطراف أوراق الشّجر في بعض البلدان ، وذلك محسوس ، فالقسم الأول : هو الذي ألهم الله ـ تعالى ـ هذا النّحل ، حتى أنّها تلتقط تلك الذرات من الأزهار والأوراق والأشجار بأفواهها ، وتأكلها وتتغذى بها ، فإذا شبعت ، التقطت بأفواهها مرة أخرى شيئا من تلك الأجزاء ، ثم تذهب بها إلى بيوتها وتضعها هناك كأنها تدّخر لنفسها غذاءها ، فإذا اجتمع في بيوتها من تلك الأجزاء الطلية شيء كثير ، فذلك هو العسل.

ومنهم من يقول : إنّ النّحل تأكل من الأزهار الطّيبة والأوراق العطرة أشياء ، ثم إنه ـ تعالى ـ يقلّب تلك الأجسام في داخل أبدانها عسلا ، ثمّ إنها تقيء مرّة أخرى ؛ فذلك هو العسل.

والأول أقرب ، ولا شكّ أنه طلّ يحدث في الهواء ويقع على أطراف الأشجار والأزهار ، فكذلك ههنا ، ونحن نشاهد أن النّحل إنّما يتغذّى بالعسل ؛ ولذلك إذا أخرجوا العسل من بيوت النّحل تركوا لها بقية من العسل لأجل أن يتغذى بها ، فعلمنا أنها تتغذّى بالعسل ، وأنّها إنما تقع على الأشجار والأزهار ؛ ليتغذى بتلك الأجزاء الطلّية العسليّة الواقعة من الهواء ، وإذا كان ذلك ، فقوله : (مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) أن «من» هنا لابتداء الغاية لا للتبعيض.

قوله : (فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ) أي : إذا أكلت من كل الثمرات ، فاسلكي سبل ربك الطرق التي ألهمك وأفهمك في عمل العسل ، أو اسلكي في طلب تلك الثّمرات سبل ربك.

قوله تعالى : «ذللا» جمع ذلول ، ويجوز أن يكون حالا من السبل ، أي : ذلّلها لها

١١٢

الله ـ تعالى ـ ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً) [الملك : ١٥] وأن يكون حالا من فاعل «اسلكي» ، أي : مطيعة منقادة ، بمعنى أنّ أهلها ينقلونها من مكان إلى مكان ولها يعسوب إذا وقف وقفت وإذا سار سارت.

وانتصاب «سبل» يجوز أن يكون على الظرفية ، أي : فاسلكي ما أكلت في سبل ربك ، أي في مسالكه التي يحيل فيها بقدرته النوار ونحوه عسلا ، وأن يكون مفعولا به أي : اسلكي الطّرق التي أفهمك وعلّمك في عمل العسل.

قوله : (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها) التفات وإخبار بذلك ، والمقصود منه أن يحتجّ المكلف به على قدرة الله وحكمته وحسن تدبيره.

واعلم أنّا إذا حملنا الكلام على أنّ النّحل تأكل الأوراق والثّمرات ثم تتقيّأ ، فذلك هو العسل فظاهر ، وإذا ذهبنا إلى أنّ النحل يلتقط الأجزاء الطلية بفمه ، فالمراد من قوله : (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها) ، أي : من أفواهها ، فكل تجويف في داخل البدن يسمى بطنا ، كقولهم : بطون الدّماغ ، أي : تجاويف الدّماغ ، فكذا قوله ـ تعالى ـ (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها) أي : من أفواهها.

قوله : (شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ) أنّه تارة يشرب وحده ، وتارة نتّخذ منه الأشربة ، و (مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ) أبيض وأحمر وأصفر.

وقوله ـ تعالى ـ (فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ) ، أي : في العسل.

روى أبو سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال : جاء رجل إلى النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : إنّ أخي استطلق بطنه ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اسقه عسلا ، فسقاه ، ثمّ جاء فقال : إني سقيته فلم يزده إلّا استطلاقا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اسقه عسلا ثلاث مرّات ، ثمّ جاء الرّابعة ، فقال صلوات الله وسلامه عليه : اسقه عسلا فقال : قد سقيته فلم يزده إلا استطلاقا فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «صدق الله وكذب بطن أخيك ، فسقاه فبرأ» (١).

وقال عبد الله بن مسعود : «العسل شفاء من كلّ داء» (٢).

فإن قيل : كيف يكون شفاء للناس وهو يضرّ بالصفراء ويهيج المرار؟.

فالجواب : أنه ـ تعالى ـ لم يقل : إنه شفاء لكلّ الناس وشفاء لكل داء في كلّ حال ، بل لمّا كان شفاء للبعض ومن بعض الأدواء ، صلح بأن يوصف بأنه فيه شفاء ؛ والذي يدل على أنه شفاء في الجملة : أنه قلّ معجون من المعاجين إلا وتمامه وكماله إنما

__________________

(١) أخرجه البخاري (١٠ / ١٣٩) كتاب الطب : باب الدواء بالعسل (٥٦٨٤) ومسلم (٤ / ١٧٣٦) كتاب السلام : باب التداوي بسقي العسل حديث (٩١ / ٢٢١٧) وأحمد (٣ / ١٩ ، ٩٢) والبغوي في «شرح السنة» (٦ / ٢٤٩) والبيهقي (٩ / ٣٤٤) من طريق قتادة عن أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري.

(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٦١٤) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٢٣٠) وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة.

١١٣

يحصل بالعجن بالعسل ، والأشربة المتّخذة منه في الأمراض البلغميّة عظيمة النّفع.

وقال مجاهد ـ رحمه‌الله ـ : المراد بقوله ـ تعالى ـ : (فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ) القرآن (١) ؛ لقوله ـ تعالى ـ : (وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) [يونس : ٥٧].

وقال ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ : «عليكم بالشّفاءين : العسل والقرآن» (٢).

وعلى هذا تمّ الكلام عند قوله : (مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ) ، ثم ابتدأ وقال : (فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ) أي : في هذا القرآن.

وهذا القول ضعيف ؛ لما تقدم من الحديث ؛ ولأنّ الضمير يجب عوده إلى أقرب مذكور وهو الشّراب ، وأما عوده إلى غير مذكور ، فلا يناسب.

فإن قيل : ما المراد بقوله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ : «وكذب بطن أخيك»؟.

فالجواب : لعلّه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ علم بالوحي أنّ ذلك العسل سيظهر نفعه بعد ذلك ، فلمّا لم يظهر نفعه في الحال ـ مع أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان عالما بأنه سيظهر نفعه بعد ذلك ـ كان هذا جاريا مجرى الكذب ، فلهذا أطلق عليه هذا اللفظ.

ثم إنه ـ تعالى ـ ختم الآية بقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) أي : ما ذكرنا من اختصاص النّحل بتلك العلوم الدقيقة والمعارف الغامضة ؛ مثل بناء البيوت المسدّسة واهتدائها إلى جمع تلك الأجزاء الواقعة من جو الهواء على أطراف أوراق الأشجار بعد تفرّقها ، فكل ذلك أمور عجيبة دالّة على أنّ إله هذا العالم رتّبه على رعاية الحكمة والمصلحة.

قوله ـ تعالى ـ : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ) الآية لمّا ذكر ـ تعالى ـ عجائب أحوال الأنهار والنّبات والأنعام والنّحل ، ذكر بعض عجائب أحوال الناس في هذه الآية.

واعلم أن العقلاء ضبطوا مراتب عمر الإنسان في أربع مراتب :

أولها : سنّ النشوء والنّماء.

وثانيها : سن الوقوف وهو سنّ الشباب.

وثالثها : سن الانحطاط القليل ، وهو سنّ الكهولة.

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٦١٤) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٢٣٠) وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم.

(٢) أخرجه ابن ماجه (٢ / ١١٤٢) رقم (٣٤٥٢) والحاكم (٤ / ٢٠٠) والخطيب (١١ / ٣٨٥) من طريق زيد بن الحباب عن سفيان عن أبي إسحق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود مرفوعا.

وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وقال البوصيري في «الزوائد» (٣ / ١٢٠): هذا إسناد صحيح رجاله ثقات ومن هذا الوجه أخرجه البيهقي (٩ / ٣٤٤) وقال : رفعه غير معروف والصحيح موقوف ورواه وكيع عن سفيان موقوفا.

والموقوف أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٦١٤) والحاكم (٤ / ٤٠٣) والبيهقي (٩ / ٣٤٥) وابن أبي شيبة كما في «الدر المنثور» (٤ / ٢٣٠).

١١٤

ورابعها : الانحطاط الكبير ، وهو سن الشيخوخة.

فاحتجّ ـ تعالى ـ بانتقال الحيوان من بعض هذه المراتب إلى بعض ، على أن ذلك النّاقل هو الله ـ تعالى ـ ثم قال : (ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ) عند قضاء آجالكم صبيانا ، أو شبابا ، أو كهولا أو شيوخا.

(وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) ، أي : أردأه لقوله ـ عزوجل ـ : (وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) [الشعراء : ١١١] وقوله ـ تعالى ـ : (إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا) [هود : ٢٧].

قال مقاتل : يعني الهرم (١). وقال قتادة : تسعون سنة (٢).

وقيل : ثمانون سنة.

قيل : هذا مختصّ بالكافر ؛ لأنّ المسلم لا يزداد بطول العمر إلا كرامة على الله ، ولا يجوز أن يقال إنه رده إلى أرذل العمر ؛ لقوله ـ تعالى ـ : (ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) [التين : ٥ ، ٦] ، فبيّن أن الذين آمنوا وعملوا الصّالحات ما ردّوا إلى أسفل سافلين.

وقال عكرمة : من قرأ القرآن ، لم يردّ إلى أرذل العمر.

قوله : «لكيلا» في هذه اللّام وجهان :

أحدهما : أنّها لام التعليل ، و«كي» بعدها مصدرية ليس إلا وهي ناصبة بنفسها للفعل بعدها ، وهي منصوبة في تأويل مصدر مجرور باللام ، واللام متعلقة ب «يردّ».

قال الحوفيّ : إنها لام «كي» ، و«كي» للتأكيد.

وفيه نظر ؛ لأنّ اللام للتّعليل و«كي» بعدها مصدريّة لا إشعار لها بالتّعليل والحالة هذه ، وأيضا فعملها مختلف.

والثاني : أنها لام الصّيرورة.

قوله : «شيئا» يجوز فيه التنازع ؛ لأنه تقدمه عاملان : يعلم وعلم ، أي : الفعل والمصدر ، فعلى رأي البصريّين ـ وهو المختار ـ يكون منصوبا ب «علم» وعلى رأي الكوفيين يكون منصوبا ب «يعلم».

وهو مردود ؛ إذ لو كان كذلك لأضمر في الثاني ، فيقال : لكيلا يعلم بعد علم إيّاه شيئا.

ومعنى الآية : لا يعقل بعد عقله الأوّل شيئا ، إن الله عليم قدير.

قال ابن عبّاس ـ رضي الله عنه ـ : يريد بما صنع أولياؤه وأعداؤه ، «قدير» على ما يريد(٣).

__________________

(١) ذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ٧٦).

(٢) ينظر : المصدر السابق.

(٣) ذكره الرازي في «تفسيره» (٢٠ / ٦٣).

١١٥

فصل

هذه الآية كما دلّت على وجود الإله العالم القادر الفاعل المختار ، فهي أيضا تدلّ على صحّة البعث والقيامة ؛ لأن الإنسان كان معدوما محضا ، ثمّ أوجده الله ، ثم أعدمه مرّة ثانية ، فدلّ على أنّه لمّا كان معدوما في المرة الأولى ، وكان عوده إلى العدم في المرّة الثانية جائزا ؛ فلذلك لمّا صار موجودا ثم عدم ، وجب أن يكون عوده إلى الوجود في المرّة الثانية جائزا ، وأيضا : كان ميّتا حين كان نطفة ، ثم صار حيّا ، ثمّ مات فلما كان الموت الأوّل جائزا ، كان عود الموت جائزا ؛ وكذلك لمّا كانت الحياة الأولى جائزة ، وجب أن يكون عود الحياة جائزا في المرّة الثانية ، وأيضا الإنسان في أول طفولته جاهل لا يعرف شيئا ، ثم صار عالما عاقلا ، فلما بلغ أرذل العمر ، عاد إلى ما كان عليه في زمان الطفولة ؛ وهو عدم العقل والفهم فعدم العقل والفهم في المرة الأولى عاد بعينه في آخر العمر ، فكذلك العقل الذي حصل ثمّ زال ، وجب أن يكون جائز العود في المرّة الثانية ، وإذا ثبتت هذه الجملة ، ثبت أنّ الذي مات وعدم فإنه يجوز عود وجوده ، وعود حياته ، وعود عقله مرّة أخرى ، ومتى كان الأمر كذلك ، ثبت أن القول بالبعث والحشر والنّشر حقّ.

قوله : (وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ) الآية هذا اعتبار بحال أخرى من أحوال الإنسان ؛ لأنّا نرى أكيس النّاس وأكثرهم عقلا يفني عمره في طلب القدر القليل من الدنيا ولا يتيسّر له ذلك ، ونرى أجلاف النّاس وأقلهم عقلا وفهما ينفتح عليه أبواب الدنيا ، وكلّ شيء خطر بباله أو دار في خياله ، فإنه يحصل له في الحال ، ولو كان السّبب هو جهد الإنسان وعقله ، لوجب أن يكون العاقل أفضل في هذه الأحوال ، فلمّا رأينا أن الأعقل الأفضل أقلّ نصيبا ، والأجهل الأخس أوفر نصيبا ـ علمنا أنّ ذلك بسبب قسمة القسام ؛ كما قال ـ تعالى ـ : (نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) [الزخرف : ٣٢] وهذا التفاوت غير مختصّ بالمال ، بل حاصل في الذّكاء والبلادة ، والحسن والقبح ، والعقل والحمق والصحة والسقم وغير ذلك.

قوله : (فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) فيه قولان :

الأول : أنّ المراد من هذا الكلام تقرير ما تقدّم من أن السّعادة والنّحوسة لا يحصلان إلا من الله ـ تعالى ـ ، والمعنى : إنا رزقنا الموالي والمماليك جميعا ، فهم في رزقي سواء ، فلا يحسبنّ الموالي أنّهم يرزقون مماليكهم من عندهم شيئا ، وإنما ذلك رزقي أجريته على أيديهم إلى مماليكهم.

والحاصل : أن الرّزاق هو الله ـ تعالى ـ ، وأن المالك لا يرزق العبد ؛ وتحقيق القول فيه : أنه ربما كان العبد أكمل عقلا ، وأقوى جسما ، وأكثر وقوفا على المصالح والمفاسد من المولى ؛ وذلك يدلّ على أن ذلّة العبد وعزة ذلك المولى من الله ؛ كما قال ـ

١١٦

جل ذكره ـ : (وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ) [آل عمران : ٢٦].

الثاني : أن المراد من الآية : الرد على من أثبت شريكا لله ـ عزوجل ـ ، وعلى هذا القول ففيه وجهان :

الأول : أن يكون هذا ردّا على عبدة الأصنام ؛ كأنه قيل : إنّه ـ تعالى ـ فضّل الملوك على مماليكهم ، فجعل المملوك لا يقدر على ملك مع مولاه ، فإذا لم يكن عبيدكم معكم سواء في الملك ، فكيف تجعلون هذه الجمادات معي سواء في العبودية.

والثاني : قال ابن عبّاس ـ رضي الله عنه ـ : «نزلت هذه الآية في نصارى نجران ، حين قالوا : إنّ عيسى ابن مريم ابن الله» ، والمعنى : أنكم لا تشركوني عبيدكم فيما ملكتم فتكونوا سواء ، فكيف جعلتم عبدي ولدا وشريكا لي في هذه الألوهية؟.

قوله : (فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ) في هذه الجملة أوجه :

أحدها : أنّها على حذف أداة الاستفهام ، تقديره : أفهم فيه سواء ، ومعناه النفي ، أي : ليسوا مستوين فيه.

الثاني : أنها إخبار بالتّساوي ، بمعنى أنّ ما يطعمونه ويلبسونه لمماليكهم ، إنّما هو رزقي أجريته على أيديهم فهم فيه سواء.

الثالث : قال أبو البقاء (١) : إنّها واقعة موقع الفعل ، ثم جوز في ذلك الفعل وجهين :

أحدهما : أنه منصوب في جواب النّفي ، تقديره : فما الّذين فضّلوا برادّي رزقهم على ما ملكت أيمانهم ، فيستووا.

الثاني : أنه معطوف على موضع «برادّي» فيكون مرفوعا ، تقديره : فما الذين فضّلوا يردّون ، فما يستوون.

قوله : (أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ) [فيه وجهان :

أحدهما : لا شبهة في أن المراد من قوله (أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ) الإنكار على المشركين الذين أورد الله تعالى هذه الحجة عليهم.

الثاني](٢) : الباء في قوله : (أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ) يجوز أن تكون زائدة ؛ لأنّ الجحود لا يتعدّى بالباء ؛ كما تقول : خذ الخطام وبالخطام ، وتعلّقت زيدا وبزيد ، ويجوز أن يراد بالجحود الكفر ، فعدي بالباء لكونه بمعنى الكفر.

وقرأ عاصم (٣) في رواية أبي بكر : «تجحدون» بالخطاب ؛ لقوله : «بعضكم»

__________________

(١) ينظر : الإملاء ٢ / ٨٤.

(٢) سقط من : أ.

(٣) ينظر : السبعة ٣٧٤ ، والنشر ٢ / ٣٠٤ ، والإتحاف ٢ / ١٨٦ ، والحجة ٣٩٢ ، والبحر ٥ / ٤٩٩ ، والدر المصون ٤ / ٣٤٧.

١١٧

و«خلقكم» ، والباقون بالغيبة ؛ مراعاة لقوله ـ عزوجل ـ : (فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ) وقوله : (فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ) واختاره أبو عبيدة وأبو حاتم ؛ لقرب المخبر عنه ، وأيضا فظاهر الخطاب أن يكون مع المسلمين ، والمسلمون لا يخاطبون بجحد النّعمة ، وهذا إنكار على المشركين.

فإن قيل : كيف يصيرون جاحدين بنعمة الله عليهم بسبب عبادة الأصنام؟.

فالجواب من وجهين :

الأول : أنّه لمّا كان المعطي لكل الخيرات هو الله ـ تعالى ـ ، فالمثبت له شريكا ، فقد أضاف إليه بعض تلك الخيرات ، فكان جاحدا لكونها من عند الله ، وأيضا فإنّ أهل الطبائع وأهل النجوم يضيفون أكثر هذه النّعم إلى الطبائع وإلى النّجوم ، وذلك يوجب كونهم جاحدين لكونها من عند الله.

الثاني : قال الزجاج : إنّه ـ تعالى ـ لمّا بين الدلائل ، وأظهرها بحيث يفهمها كل عاقل ، كان ذلك إنعاما عظيما منه على الخلق ، فعند ذلك قال : (أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ) في تقرير هذه البيانات وإيضاح هذه البينات «يجحدون».

قوله : (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) الآية هذا نوع آخر من أحوال الناس استدلّ به على وجود الإله المختار الحكيم ، وتنبيها على إنعام الله على عبيده بمثل هذه النعم ، وهذا الخطاب للكلّ ، فتخصيصه بآدم وحوّاء ـ صلوات الله وسلامه عليهما ـ خلاف للدّليل ، والمعنى : أنه ـ تعالى ـ خلق النّساء ليتزوج بها الذّكور ، ومعنى (مِنْ أَنْفُسِكُمْ) كقوله ـ تعالى ـ : (فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) [البقرة : ٥٤] وقوله : (فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ) [النور : ٦١] ، أي : بعضكم بعضا ؛ ونظيره : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) [الروم : ٢١].

قال الأطباء وأهل الطبيعة : المنيّ إذا انصبّ إلى الخصية اليمنى من الذّكر ، ثمّ انصبّ منه إلى الجانب الأيمن من الرّحم ، كان الولد ذكرا تامّا ، وإن انصبّ إلى الخصية اليسرى ، ثمّ انصبّ منها إلى الجانب الأيسر من الرّحم ، كان الولد أنثى تامّا في الأنوثة ، وإن انصبّ منها إلى الخصية اليمنى ، وانصبّ منها إلى الجانب الأيسر من الرّحم ، كان ذكرا في طبيعة الإناث ، وإن انصبّ إلى الخصية اليسرى ، ثم انصبّ إلى الجانب الأيمن من الرّحم ، كان هذا الولد أنثى في طبيعة الذّكور.

وحاصل كلامهم : أنّ الذّكور الغالب عليها الحرارة واليبوسة ، والغالب على الإناث البرودة والرطوبة ، وهذه العلّة ضعيفة ، فإنّا رأينا في النّساء من كان مزاجه في غاية السّخونة ، وفي الرّجال من كان مزاجه في غاية البرودة ، ولو كان الموجب للذّكورة والأنوثة ذلك ، لامتنع ذلك ؛ فثبت أنّ خالق الذّكر والأنثى هو الإله القادر الحكيم.

قوله : «وحفدة» فيه أوجه :

أظهرها : أنه معطوف على «بنين» بقيد كونه من الأزواج ، وفسّر هذا بأنّه أولاد الأولاد.

١١٨

الثاني : أنه من عطف الصفات لشيء واحد ، أي : جعل لكم بنين خدما ، والحفدة : الخدم.

الثالث : أنه منصوب ب «جعل» مقدّرة ، وهذا عند من يفسّر الحفدة بالأعوان والأصهار ، وإنما احتيج إلى تقدير «جعل» ؛ لأن «جعل» الأولى مقيّدة بالأزواج ، والأعوان والأصهار ليسوا من الأزواج ، والحفدة : جمع حافد ؛ كخادم وخدم.

قال الواحدي ـ رحمه‌الله ـ : «ويقال في جمعه : الحفد بغير هاء ؛ كما يقال : الرّصد ، ومعنى الحفدة في اللغة : الأعوان والخدم».

وفيهم للمفسّرين أقوال كثيرة ، واشتقاقهم من قولهم : حفد يحفد حفدا وحفودا وحفدانا ، أي : أسرع في الطّاعة ، وفي الحديث : «وإليك نسعى ونحفد» ، أي : نسرع في طاعتك ؛ وقال الآخر : [الكامل]

٣٣٤٤ ـ حفد الولائد حولهنّ وأسلمت

بأكفهنّ أزمّة الأجمال (١)

ويستعمل «حفد» أيضا متعديا ؛ يقال : حفدني فهو حافد ؛ وأنشد أيضا : [الرمل]

٣٣٤٥ ـ يحفدون الضّيف في أبياتهم

كرما ذلك منهم غير ذل (٢)

وحكى أبو عبيدة أنه يقال : أحفد رباعيّا ، وقال بعضهم : الحفدة الأصهار ؛ وأنشد : [الطويل]

٣٣٤٦ ـ فلو أنّ نفسي طاوعتني لأصبحت

لها حفد ممّا يعدّ كثير

ولكنّها نفس عليّ أبيّة

عيوف لإصهار اللّئام قذور (٣)

ويقال : سيف محتفد ، أي : سريع القطع ؛ وقال الأصمعي : أصل الحفد مقاربة الخطى.

قوله : (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) ولمّا ذكر إنعامه على عبيده بالمنكوح وما فيه من المنافع والمصالح ، ذكر إنعامه عليهم بالمطعمومات الطيبة ، و«من» في (مِنَ الطَّيِّباتِ) للتبعيض.

ثم قال (أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ) قال ابن عبّاس ـ رضي الله عنه ـ يعني : بالأصنام وقال

__________________

(١) البيت لجميل بن عبد الله الحارثي العذري ونسب إلى الفرزدق وليس في ديوانه. ينظر : الجمهرة ٢ / ١١٢٣ ، معاني الأخفش ١ / ٤٦٤ ، الكشاف ٢ / ٤١٩ ، اللسان والتاج (حفد) الدر اللقيط ٥ / ٥١٤ ، مجاز القرآن ١ / ٣٦٤ ، الطبري ١٤ / ١٤٤ ، البحر المحيط ٥ / ٤٨٤ ، الدر المنثور ٤ / ١٢٤ ، القرطبي ١٠ / ٩٤١ ، الدر المصون ٤ / ٣٤٧.

(٢) البيت لطرفة وليس في ديوانه. ينظر : تفسير الماوردي ٢ / ٤٠٢ ، البحر المحيط ٥ / ٤٨٤ ، الألوسي ١٤ / ١٩٠ ، الدر المصون ٤ / ٣٤٨.

(٣) البيت لجميل وليس في ديوانه. ينظر : اللسان (حفد) ، البحر المحيط ٥ / ٤٨٤ ، الألوسي ١٤ / ١٩٠ ، فتح القدير ٣ / ١٧٨ ، الدر المصون ٤ / ٣٤٧.

١١٩

مقاتل : يعني : بالشيطان ، وقال عطاء : يصدّقون أن لي شريكا وصاحبة وولدا.

(وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) أي : بأن يضيفوها إلى غير الله ولا يضيفونها إلى الله ، وقيل : يكفرون بالتّوحيد والإسلام.

وقيل : يحرّمون على أنفسهم طيّبات أحلّها الله لهم ؛ مثل : البحيرة والسّائبة والوصيلة والحام ، ويبيحون لأنفسهم محرّمات حرمها الله عليهم ، وهي الميتة ولحم الخنزير (وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) [المائدة : ٣] ، أي : يجحدون ويكفرون إنعام الله في تحليل الطيّبات وتحريم الخبائث ، ويحكمون بتلك الأحكام الباطلة.

قوله ـ تعالى ـ : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً) الآية لمّا شرح الدّلائل الدالة على صحّة التّوحيد ، وأتبعها بذكر أقسام النّعم العظيمة ، أتبعها بالردّ على عبدة الأصنام ؛ قال (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ) يعني : المطر والأرض ، ويعني النّبات والثّمار.

قوله تعالى : (مِنَ السَّماواتِ) فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه متعلق ب «يملك» ، وذلك على الإعرابين الأولين في نصب «شيئا».

الثاني : أنه متعلق بمحذوف على أنه صفة ل «رزقا».

الثالث : أن يتعلق بنفس «رزقا» إن جعلناه مصدرا.

وقال ابن عطية (١) ـ بعد أن ذكر إعمال المصدر منونا ـ : والمصدر يعمل مضافا باتّفاق ؛ لأنه في تقدير الانفصال ، ولا يعمل إذا دخله الألف واللّام ؛ لأنه قد توغّل في حال الأسماء وبعد عن الفعليّة ، وتقدير الانفصال في الإضافة حسن عمله ؛ وقد جاء عاملا مع الألف واللام في قول الشاعر : [المتقارب]

٣٣٤٧ ـ ضعيف النّكاية أعداءه

 ........... (٢)

وقوله : [الطويل]

٣٣٤٨ ـ ..........

 ... فلم أنكل عن الضّرب مسمعا(٣)

__________________

(١) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٤٠٩.

(٢) تقدم.

(٣) تمام البيت :

لقد علمت أولي المغيرة أنني

لحقت ...

نسب إلى مالك بن زغبة الباهلي أو للمرار الأسدي. ينظر : ديوانه ص ٤٦٤ ، شرح أبيات سيبويه ١ / ٦٠ ، الكتاب ١ / ١٩٣ ، شرح شواهد الإيضاح ص ١٣٦ ، شرح المفصل ٦ / ٦٤ ، المقاصد النحوية ٣ / ٤٠ ، ٥٠١ ، خزانة الأدب ٨ / ١٢٨ ، الدرر ٥ / ٢٥٥ ، شرح الأشموني ١ / ٢٠٢ ، شرح ابن عقيل ص ٤١٢ ، المقتضب ١ / ١٤ ، همع الهوامع ٢ / ٩٣ ، الجمل ١٣٦ ، العيني ٣ / ٤٠ ، الدر اللقيط ٥ / ٥١٦ ، البحر المحيط ٥ / ٥٠٠ ، الدر المصون ٤ / ٣٤٨.

١٢٠