اللّباب في علوم الكتاب - ج ١١

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١١

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥١٠

محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم نبيا حقا من عند الله ، ولما شكوا في أنهم أتوا بالطاعات كاملة فيوجب حصول الوجل في قلوبهم.

وثالثها : أنه حصل في قلوبهم أنهم هل أتوا بالطاعات الموجبة للثواب أم لا؟ وهل احترزوا عن المعصية الموجبة للعقاب أم لا؟.

وقيل : الوجل عند ذكر الله : الوعيد والعقاب ، والطمأنينة عند ذكر الله عزوجل : الوعد والثواب ، فالقلوب توجل إذا ذكرت عدل الله وشدة حسابه ، وتطمئن إذا ذكرت فضل الله وكرمه (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) تسكن قلوب المؤمنين ويستقر فيها اليقين.

قال ابن عباس ـ رحمه‌الله ـ : «هذا في الحلف ، يقول : إذا حلف المسلم بالله على شيء تسكن قلوب المؤمنين إليه» (١).

قوله (بِذِكْرِ اللهِ) يجوز أن يتعلق ب «تطمئنّ» فتكون الباء سببية ، أي : بسبب ذكر الله.

وقال أبو البقاء (٢) : ويجوز أن يكون مفعولا به ، أي : الطمأنينة تحصل لهم بذكر الله.

الثاني : أنه متعلق بمحذوف على أنه حال من «قلوبهم» ، أي : تطمئن وفيها ذكر الله.

قوله (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) فيه أوجه :

أن يكون بدلا من «القلوب» على حذف مضاف أي : قلوب الذين آمنوا وأن يكون بدلا من «من أناب» ، وهذا على قول من لم يجعل الموصول الأول بدلا من «من أناب» وإلا كان يتوالى بدلان ، وأن يكون مبتدأ ، و «طوبى» جملة خبرية ، وأن تكون خبر مبتدأ مضمر ، وأن يكون منصوبا بإضمار فعل ، والجملة من «طوبى لهم» على هذين الوجهين حال مقدرة ، العامل فيها «ءامنوا» و «عملوا».

قوله «طوبى لهم» واو «طوبى» منقلبة عن ياء ، لأنها من الطيب وإنما قلبت لأجل الضمة قبلها ، كموسر وموقن من اليسر واليقين واختلفوا فيها ، فقيل : هي اسم مفرد مصدر ، كبشرى ورجعى من طاب يطيب.

وقيل : بل هي جمع طيبة ، كما قالوا : كوسى في جمع كيسة ، وضوقى في جمع ضيقة.

ويجوز أن يقال : طيبى ، بكسر الباء ، وكذلك الكيسى والضّيقى. وهل هي اسم شجرة بعينها أو اسم للجنة بلغة الهند أو الحبشة؟.

وجاز الابتداء ب «طوبى» إما لأنها علم لشيء بعينه ، وإما لأنها نكرة في معنى الدعاء ، كسلام عليك ، وويل لك ، كذا قال سيبويه.

وقال ابن مالك ـ رحمه‌الله ـ : «إنه يلتزم رفعها بالابتداء ، ولا يدخل عليها نواسخه»

__________________

(١) ذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ٧).

(٢) ينظر : الإملاء ٢ / ٦٤.

٣٠١

وهذا يرد عليه : أن بعضهم جعلها في هذه الآية منصوبة بإضمار فعل ، أي : وجعل لهم طوبى ، وقد تأيد ذلك بقراءة عيسى الثقفي (وَحُسْنُ مَآبٍ) بنصب النون ، قال : إنه معطوف على «طوبى» وأنها في موضع نصب.

قال ثعلب : و «طوبى» على هذا مصدر ، كما قال : «سقيا».

وخرج هذه القراءة صاحب اللوامح على النداء ، كيا أسفى على الفوت ، يعني أن «طوبى» مضاف للضمير معه واللام مقحمة ؛ كقوله : [البسيط]

٣١٧٨ ـ ...........

يا بؤس للجهل ضرّارا لأقوام (١)

وقوله : [مجزوء الكامل]

٣١٧٩ ـ يا بؤس للحرب الّتي

وضعت أراهط فاستراحوا (٢)

ولذلك سقط التنوين من «بؤس» كأنه قيل : يا طيبا ، أي : ما أطيبهم وأحسن مآبهم.

قال الزمخشري (٣) : «ومعنى «طوبى لك» : أصبت خيرا ، و «طيبا» ومحلها النصب أو الرفع ، كقولك : طيبا لك وطيب لك ، وسلاما لك وسلام لك والقراءة في قوله (وَحُسْنُ مَآبٍ) بالنصب والرفع يدل على محلها ، واللام في «لهم» للبيان مثلها في «سقيا لك» فهذا يدل على أنها تتصرف ، ولا يلزم الرفع بالابتداء.

وقرأ مكوزة الأعرابي (٤) : «طيبى» بكسر الطاء لتسلم الياء ، نحو : بيض ومعيشة.

وقرىء (٥) : «وحسن مآب» بفتح النون ورفع «مآب» على أنه فعل ماض ، أصله حسن فنقلت ضمة العين إلى الفاء قصدا للمدح ، كقوله : حسن ذا أدب ، و «مآب» فاعله.

فصل

قال ابن عباس رضي الله عنهما : طوبى ، فرح لهم وقرة عين (٦).

وقال عكرمة : نعم ما لهم (٧). وقال قتادة : حسنى لهم (٨).

__________________

(١) تقدم.

(٢) تقدم.

(٣) ينظر : الكشاف ٢ / ٥٢٨.

(٤) ينظر : الكشاف ٢ / ٥٢٨ والبحر المحيط ٥ / ٣٨٠ والدر المصون ٤ / ٤٢ ، وروح المعاني ١٣ / ١٥١ وفي البحر : بكرة.

(٥) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٣٨١ والدر المصون ٤ / ٢٤٢.

(٦) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٣٨١) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ١١٠ ـ ١١١) وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.

(٧) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٢٨٠) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ١١١) وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة وهناد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.

(٨) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٣٨١) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ١١١) وزاد نسبته إلى أبي الشيخ وابن أبي حاتم.

٣٠٢

وقال معمر عن قتادة : هذه كلمة عربية ، يقول الرجل : طوبى لك ، أي : أصبت خيرا(١).

وقال إبراهيم ـ رحمه‌الله ـ : خير لهم وكرامة (٢). قال الفراء : وفيه لغتان : تقول العرب : طوباك ، وطوبى لك ، أي : لهم الطيب (وَحُسْنُ مَآبٍ) أي : حسن المنقلب.

وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس : «طوبى» اسم الجنة بالحبشية (٣).

وقال الربيع : البستان بلغة الهند. وقال الزجاج : العيش الطيب لهم وروي عن أبي أمامة وأبي هريرة وأبي الدرداء قالوا : طوبى شجرة في الجنة تظل الجنان كلها وقيل (٤) فيها غير ذلك.

قوله تعالى : (كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ)(٣٠)

قوله (كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ) الكاف في محل نصب كنظائرها.

قال الزمخشري : «مثل ذلك الإرسال أرسلناك يعني : إرسالا له شأن».

وقيل : الكاف متعلقة بالمعنى الذي قبله في قوله (إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ) ، أي : كما أنفذ الله هذا كذلك أرسلناك.

وقال ابن عطية (٥) : «الذي يظهر لي أن المعنى كما أجرينا العادة بأن الله يضل ويهدي لا بالآيات المقترحة فكذلك فعلنا أيضا في هذه الأمة أرسلناك إليها بوحي لا بآيات مقترحة».

وقال أبو البقاء (٦) : وكذلك : «الأمر كذلك» فجعلها في موضع رفع.

وقال الحوفي : الكاف للتشبيه في موضع نصب ، أي : كفعلنا الهداية والإضلال والإشارة بذلك إلى ما وصف به نفسه من أن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء وتكون الكاف للتشبيه.

قال ابن عباس والحسن ـ رضي الله عنهم ـ أي : أرسلناك كما أرسلنا الأنبياء قبلك (٧).

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٣٨١) وذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ١٨).

(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٣٨١) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ١١١) وزاد نسبته إلى أبي الشيخ.

(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٣٨١).

(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٣٨٢) عن ابن عباس وأبي هريرة وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ١١١) عن ابن عباس وزاد نسبته إلى ابن المنذر وأبي الشيخ.

وذكره أيضا عن أبي هريرة وزاد نسبته إلى عبد الرزاق وابن أبي الدنيا «صفة الجنة» وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(٥) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٣١١.

(٦) ينظر : الإملاء ٢ / ٦٤.

(٧) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٩ / ٤١) عن ابن عباس والحسن كما ذكره القرطبي (٩ / ٢٠٨) عن الحسن.

٣٠٣

وقيل : كما أرسلنا إلى أمم وأعطيناهم كتبا تتلى عليهم كذلك [أعطيناك](١) هذا الكتاب وأنت تتلوه عليهم.

قوله «قد خلت» جملة في محل جر صفة ل «أمّة» ، و «لتتلو» متعلق ب «أرسلناك» والمعنى : أنه فسر كيف أرسله فقال : (فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ) أي : أرسلناك في أمة قد تقدمها أمم وهم آخر الأمم وأنت آخر الأنبياء «لتتلو» لتقرأ عليهم الذي أوحينا إليك وهو الكتاب العظيم.

قوله (وَهُمْ يَكْفُرُونَ) يجوز أن تكون هذه الجملة استئنافية ، وأن تكون حالية والضمير في (وَهُمْ يَكْفُرُونَ) عائد على «أمّة» من حيث المعنى ، ولو عاد على لفظها لكان التركيب: وهي تكفر.

وقيل : الضمير عائد على «أمّة» وعلى «أمم». وقيل : عائد على الذين قالوا : (لَوْ لا أُنْزِلَ).

فصل

قال قتادة ومقاتل وابن جريج : الآية مدنية نزلت في صلح الحديبية وذلك أن سهل بن عمرو لما جاءوا واتفقوا على أن يكتبوا كتاب الصلح ، فقال رسول الله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ لعلي ـ كرم الله وجه ـ : اكتب : بسم الله الرحمن الرحيم. قالوا لا نعرف الرحمن إلا صاحب اليمامة يعنون : مسيلمة الكذاب ، اكتب كما كنت تكتب : باسمك اللهم فهذا معنى قوله (وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ)(٢) والمعروف أن الآية مكية ، وسبب نزولها : أن أبا جهل سمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو في الحجر يدعو يا الله يا رحمن فرجع إلى المشركين ، وقال : إن محمدا يدعو إلهين : يدعو الله ويدعو الرحمن إلها آخر يسمى الرحمن ، ولا نعرف الرحمن إلّا رحمن اليمامة فنزلت هذه الآية ، ونزل قوله تعالى : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) [الإسراء : ١١٠].

وروى الضحاك عن ابن عباس : أنها نزلت في كفار قريش حين قال لهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وشرف وكرم وبجل وعظم : (اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ) ، قالوا : وما الرحمن؟ قال الله تعالى : «قل لهم يا محمد إن الرحمن الذي أنكرتم معرفته هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت» اعتمدت (وَإِلَيْهِ مَتابِ) ، أي : توبتي ومرجعي (٣).

__________________

(١) في أ : آتيناك.

(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٣٨٥) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ١١٦) وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم وأبي الشيخ.

وذكره السيوطي أيضا (٤ / ١١٦) عن ابن جريج وعزاه إلى الطبري وابن المنذر ورواية الطبري عن ابن جريج عن مجاهد.

(٣) ذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ١٩) والقرطبي (٩ / ٢٠٨) من رواية الضحاك عن ابن عباس.

٣٠٤

فصل

اعلم أن قوله (يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ) أنا إن حملناه على هذه الروايات كان معناه : يكفرون بإطلاق هذا الاسم على الله ـ تعالى ـ لا أنهم كفروا بالله تعالى وقال آخرون : بل كفروا بالله إما جحدا له ، وإما لإثباتهم الشركاء معه. قال القاضي : وهذا القول أليق بالظاهر ؛ لأن قوله تعالى (وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ) يقتضي أنهم كفروا بالله وهو المفهوم من الرحمن ، وليس المفهوم منه الاسم كما لو قال قائل : كفروا بمحمد وكذبوا به فكان المفهوم هو دون اسمه تعالى.

قوله : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ) نزلت في نفر من مشركي مكة منهم : أبو جهل بن هشام وعبد الله بن أمية المخزومي جلسوا في فناء الكعبة فأتاهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وعرض عليهم الإسلام ، فقال عبد الله بن أمية المخزومي : إن سرك أن نتبعك فسيّر لنا جبال مكة بالقرآن فأذهبها حتى تنفسح علينا فإنها أرض ضيقة لمزارعنا ، واجعل لنا فيها عيونا وأنهارا لنغرس الأشجار ونزرع ، فلست كما زعمت بأهون على ربك من داود حيث سخر له الجبال تسبح معه ، أو [سخر لنا الريح ، فنركبها إلى الشام والبلاد لميرتنا وحوائجنا ، ونرجع في يومنا ؛ فقد](١) سحر الريح لسليمان ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ كما زعمت فلست على ربك بأهون من سليمان ، أو أحي لنا جدك قصي ، أو من شئت من موتانا نسأله عن أمرك ، أحق ما تقول أو باطل فقد كان عيسى يحيي الموتى ، ولست بأهون على الله منه ، فأنزل الله ـ عزوجل ـ (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ) أي : شققت فجعلت أنهارا وعيونا (أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى).

قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ)(٣١)

قوله (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ) جوابها محذوف ، أي : لكان هذا القرآن ، لأنه في غاية ما يكون من الصحة ، واكتفى بمعرفة السامعين من مراده ؛ كقول الشاعر : [الطويل]

٣١٨٠ ـ فأقسم لو شيء أتانا رسوله

سواك ولكن لم نجد عنك مدفعا (٢)

أراد : لرددناه ، وهذا معنى قول قتادة : قالوا : لو فعل هذا بقرآن قبل قرآنكم لفعل بقرآنكم.

__________________

(١) سقط من ب.

(٢) البيت لامرىء القيس. ينظر : ديوانه ٢ / ٢٤ ، معاني الفراء ٢ / ٢٦٣ ، ٣ / ١٩٢ ، البحر ٥ / ٣٩٢ ، تأويل مشكل القرآن (١٦٦) ، ابن يعيش ٩ / ٧ ، الخزانة ٤ / ٢٢٧ ، الألوسي ١٣ / ١٥٤ ، اللسان (وحد) ، الصناعتين ص ١٨٢.

٣٠٥

وقيل : تقديره لما آمنوا.

ونقل عن الفراء (١) : جواب «لو» هي الجملة من قوله (وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ) وفي الكلام تقديم وتأخير وما بينهما اعتراض ، وتقدير الكلام : وهم يكفرون بالرحمن لو أن قرآنا سيرت به الجبال كأنه قيل : لو سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم الموتى به لكفروا بالرحمن ولم يؤمنوا لما سبق من علمنا فيهم ، كقوله : (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) [الأنعام : ١١١] وهذا في الحقيقة دال على الجواب.

وإنما حذفت التاء في قوله (أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى) وثبتت في الفعلين قبله ؛ لأنه من باب التغليب ، لأن الموتى تشمل المذكر والمؤنث.

ثم قال (بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً) إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل ، وليس لأحد عليه اعتراض.

قوله (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا) أصل اليأس : قطع الطمع عن الشيء والقنوط منه ، واختلف الناس فيه ههنا ، فقال بعضهم هو هنا على بابه ، والمعنى أفلم ييأس الذين آمنوا من إيمان الكفار من قريش ، وذلك أنهم لما سألوا هذه الآيات طمعوا في إيمانهم وطلبوا نزول هذه الآيات ليؤمن الكفار ، وعلم الله أنهم لا يؤمنون فقال : أفلم ييأس الذين آمنوا من آيات الكفار ، أي : ييأس من إيمانهم قاله الكسائي.

وقال الفراء (٢) : «أوقع الله للمؤمنين أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا فقال : أفلم ييأسوا علما» يقول : يؤيسهم العلم ، فكان فيهم العلم مضمرا كما تقول في الكلام : «يئست منك أن لا تفلح» كأنه قال : علمه علما ، قال : فيئست بمعنى علمت ، وإن لم يكن سمع فإنه يتوجه لذلك بالتأويل».

وقال ابن عطية (٣) : ويحتمل أن يكون اليأس في هذه الآية على بابه وذلك لأنه لما أبعد إيمانهم في قوله ـ عزوجل ـ (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ) على [التأويلين](٤) في المحذوف المقدر ، قال في هذه الآية (أَفَلَمْ يَيْأَسِ) المؤمنون من إيمان هؤلاء علما منهم (أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً).

وقال الزمخشري (٥) : «ويجوز أن يتعلق (أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ) ب «آمنوا» على أو لم يقنط عن إيمان هؤلاء الكفرة الذين آمنوا بأن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ولهداهم».

وهذا قد سبقه إليه أبو العباس ـ رضي الله عنه ـ.

وقال أبو حيان (٦) : ويحتمل عندي وجه آخر غير الذي ذكروه ، وهو : أن الكلام تام

__________________

(١) ينظر : معاني القرآن للفراء ٢ / ٦٣.

(٢) ينظر : معاني القرآن للفراء ٢ / ٦٣.

(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٣١٣.

(٤) في ب : التأويل.

(٥) ينظر : الكشاف ٢ / ٥٣١.

(٦) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٣٨٣.

٣٠٦

عند قوله تعالى (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا) إذ هو تقرير ، أي : قد يئس المؤمنون من إيمان هؤلاء المعاندين ، و (أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ) جواب قسم محذوف ، أي : وأقسم أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ، ويدل على هذا القسم [وجود](١) «أن» مع «لو» في قول الشاعر : [الوافر]

٣١٨١ ـ أما والله أن لو كنت حرّا

وما بالحرّ أنت ولا العتيق (٢)

وقول الآخر : [الطويل]

٣١٨٢ ـ فأقسم أن لو التقينا وأنتم

لكان لكم يوم من الشّر مظلم (٣)

وقد ذكر سيبويه (٤) أن «أن» تأتي بعد القسم ، وجعلها ابن عصفور رابطة للقسم بالجملة المقسم عليها ، وقال بعضهم بل هو ههنا بمعنى «علم» و «تبيّن».

قال القاسم بن معن ـ وهو من ثقات الكوفيين ـ : هي من لغة هوازن.

وقال الكلبي : هي لغة حي من النّخع ، ومنه قول رباح بن عدي : [الطويل]

٣١٨٣ ـ ألم ييأس الأقوام أنّي أنا ابنه

وإن كنت عن أرض العشيرة نائيا (٥)

وقول سحيم بن وثيل الرياحي : [الطويل]

٣١٨٤ ـ أقول لهم بالشّعب إذ يأسرونني

ألم تيأسوا أنّي ابن فارس زهدم (٦)

وقول الآخر : [الكامل]

٣١٨٥ ـ حتّى إذا يئس الرّماة فأرسلوا

غضفا دواجن قافلا أعصامها (٧)

__________________

(١) في ب : جواز.

(٢) ينظر : معاني الفراء ٢ / ٤٤ ، الإنصاف ١ / ٢٠٠ ، المقرب ١ / ٢٥٠ ، شرح الرضي ١ / ٢٦٧ ، رصف المباني ١١٦ ، التصريح ٢ / ٢٣٣ ، المغني ١ / ٣٣ ، الجنى الداني (٤٠) ، البحر المحيط ٥ / ٣٨٣ ، جواهر الأدب ص ١٩٧ ، خزانة الأدب ٤ / ١٤١ ، المقاصد النحوية ٤ / ٤٠٩ ، همع الهوامع ٢ / ٤١٨٨ الدر المصون ٤ / ٢٤٣.

(٣) البيت للمسيب بن علس. ينظر : شواهد الكتاب ٣ / ١٠٧ ، شرح المفصل ٩ / ٧٩٤ أوضح المسالك ٢ / ٢٠٣ ، المغني ١ / ٣٣ ، شواهد المغني (٤٠) ، الخزانة ١ / ٢٦٠ ، البحر المحيط ٥ / ٣٨٣ ، روح المعاني ١٣ / ١٥٦ ؛ خزانة الأدب ٤ / ١٤٥ ، ١٠ / ٥٨٠ ، ٥٨١ ، ١١ / ٣١٨ ، جواهر الأدب ص ١٩٧ شرح الأشموني ٣ / ٥٥٣ ، شرح التصريح ٢ / ٢٣٣ ، لسان العرب (ظلم) ، المقاصد النحوية (٤ / ٤١٨) الدر المصون ٤ / ٢٤٣.

(٤) ينظر : الكتاب ١ / ٤٥٥.

(٥) ينظر : المحتسب ١ / ٣٥٧ ، الطبري (١٦ / ٤٥٠) ، القرطبي ٩ / ٣٢٠ ، البحر المحيط ٥ / ٣٨٢ ، روح المعاني ١٣ / ١٥٦ ، شرح القصائد السبع (٥٦٧) ، الرازي ١٩ / ٥٥ ، الدر المصون ٤ / ٢٤٣.

(٦) ينظر : المحتسب (١ / ٣٥٧) ، مجاز القرآن (١ / ٣٣٢) ، تأويل المشكل (١٩٢) ، الطبري (١٦ / ٤٥٠) ، القرطبي (٩ / ٣٢٠) ، البحر المحيط ٥ / ٣٨٢ ، التهذيب ١٣ / ٦٠ ، ١٤٢ ، الصحاح ٣ / ٩٩٣ ، الدر المصون ٤ / ٢٤٣.

(٧) البيت من معلقة لبيد. ينظر : ديوانه (١٧٤) ، معاني الفراء ٢ / ٧٦٤ الطبري ١٦ / ٤٥١ ، اللسان (يئس) شرح القصائد السبع لابن الأنباري (٥٦٦) ، شرح القصائد العشر للزوزني (١٨٠) ، تأويل مشكل القرآن (١٩٢) ، الدر المصون ٤ / ٢٤٤.

٣٠٧

ورد الفراء هذا وقال : «لم أسمع «يئست» بمعنى علمت».

وردّ عليه بأن من حفظ حجة على من لم يحفظ ، ويدل على ذلك : قراءة علي وابن عباس وعكرمة وابن أبي مليكة والجحدري وعلي بن الحسين وابنه زيد وجعفر بن محمد وابن يزيد المدني وعبد الله بن يزيد ، وعلي بن بذيمة : (أفلم يتبين) من : «تبينت كذا» إذا عرفته ، وقد افترى من قال : إنما كتبه الكاتب وهو ناعس ، وكان أصله : «أفلم يتبين» فسوى هذه الحروف [فتوهّم](١) أنها سين.

قال الزمخشري (٢) : «وهذا ونحوه مما لا يصدق في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وكيف يخفى هذا حتى يبقى بين دفتي الإمام ، وكان متقلبا في أيدي أولئك الأعلام المحتاطين في دين الله المهيمنين عليه ، لا يغفلون عن جلائله ودقائقه خصوصا عن القانون الذي إليه المرجع ، والقاعدة التي عليها المبنى ، هذه والله فرية ما فيها مرية».

وقال الزمخشري (٣) أيضا : «وقيل : إنما استعمل اليأس بمعنى العلم ؛ لأن الآيس عن الشيء عالم بأنه لا يكون ، كما استعمل الرجاء في معنى الخوف ، والنسيان في معنى الترك لتضمنه ذلك».

وتحصل في «أن» قولان :

أحدهما : أنها «أن» المخففة من الثقيلة ، فاسمها ضمير الشأن ، والجملة الامتناعية بعدها خبرها ، وقد وقع الفصل ب «لو» ، و «أن» وما في حيزها إن علقناها ب «ءامنوا» يكون في محل نصب ، أو جر على الخلاف بين الخليل وسيبويه ، إذ أصلها الجر بالحرف ، أي : آمنوا بأن لو يشاء الله ، وإن علقناها ب «ييأس» على أنه بمعنى علم كانت في محل نصب لسدها مسد المفعولين.

والثاني : رابطة بين القسم والمقسم عليه ، كما تقدم.

فصل

قال المفسرون : إن أصحاب رسول الله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ لما سمعوا كلام المشركين طمعوا في أن يفعل الله تعالى ما سألوا فيؤمنوا ، فنزل (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا) يعني الصحابة من إيمان هؤلاء ، يعني : ألم ييأسوا وكل من علم شيئا ييأس عن خلافه.

يقول : ألم يؤيسهم العلم (أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً).

فصل

احتج أهل السنة بقوله : (أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً) وكلمة «لو» تفيد انتفاء

__________________

(١) في ب : فتبين.

(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٥٣٠ ـ ٥٣١.

(٣) ينظر : الكشاف ٢ / ٥٣٠.

٣٠٨

الشيء لانتفاء غيره ، والمعنى : أنه ـ تعالى ـ ما شاء هداية جميع الناس والمعتزلة تارة يحملون هذه المشيئة على مشيئة الإلجاء ، وتارة يحملون هذه المشيئة على مشيئة الهداية إلى طريق الجنة ، ومنهم من يجري الكلام على الظاهر ، ويقول : إنه تعالى ما شاء هداية جميع الناس لأنه ما شاء هداية الأطفال والمجانين فلا يكون مباينا لهداية جميع الناس ، وقد تقدم الكلام على هذه المسألة مرارا.

قوله تعالى : (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُ) الآية قيل : أراد جميع الكفار ؛ لأن الوقائع الشديدة [التي وقعت لبعض الكفار من القتل والسبي ، أوجب حصول الغم](١) في قلوب الكل.

وقيل : أراد بعض الكفار وهم جماعة معينون ، فتكون الألف واللام للعهد ، والمعنى لا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا من كفرهم وأعمالهم القبيحة «قارعة» أي : نازلة وداهية تقرعهم من أنواع البلاء أحيانا بالجدب وأحيانا بالسلب وأحيانا بالقلب.

يقال : قرعه أمر إذا أصابه ، والجمع قوارع ، والأصل في القرع : الضرب أي : لا يزال الكافرون تصيبهم داهية مهلكة من صاعقة كما أصاب أربد ، أو من قتل أو أسر أو جدب أو غير ذلك من العذاب والبلاء كما نزل ـ يخاطب المستهزئين من رؤساء المشركين.

وقال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : أراد كفار قريش يصيبهم بما صنعوا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم من العداوة والتكذيب بأن لا يزال يبعث السرايا فتغير حول مكة وتختطف منهم وتصيب من مواشيهم» (٢).

قوله «أو تحلّ» يجوز أن يكون فاعله ضمير الخطاب ، أي : تحل أنت يا محمد وأن يكون ضمير القارعة ، وهذا أبين ، أي : تصيبهم قارعة أو تحل القارعة ، وموضعها نصب عطف على خبر «يزال».

وقرأ ابن جبير (٣) ومجاهد : «أو يحلّ» بالياء من تحت ، والفاعل على ما تقدم إما ضمير القارعة ـ وإنما ذكر الفعل ؛ لأنها بمعنى العذاب ولأن التاء للمبالغة ، والمراد : قارع ـ وإما ضمير الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ أتى به غائبا ، وقرأ أيضا (٤) : «من ديارهم» جمعا ، وهي واضحة.

المعنى : أو تحل القارعة أو أنت يا محمد ـ صلوات الله وسلامه عليك ـ بجيشك قريبا من دارهم كما حل بالحديبية (حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ) وهو فتح مكة ، وكان قد وعده ذلك. وقيل : يوم القيامة.

__________________

(١) سقط في ب.

(٢) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٩ / ٤٤).

(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٣١٣ ، والبحر المحيط ٥ / ٣٨٤ والدر المصون ٤ / ٢٤٤.

(٤) ينظر : المصادر السابقة.

٣٠٩

(إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) والغرض منه : [تقوية](١) قلب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإزالة الحزن عنه وتسليته.

فصل

قال القاضي (٢) : قوله تعالى (إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) يدل على بطلان قول من يجوز الخلف على الله ـ تعالى ـ في ميعاده ، وهذه الآية وإن كانت واردة في حق الكفار إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وعمومه يتناول كل وعيد ورد في حق [الفساق](٣) من العناد.

والجواب : أن الخلق غير ، وتخصيص العموم غير ، ونحن لا نقول بالخلف ، ولكننا نخصص عمومات الوعيد بالآيات الدالة على العفو.

قوله تعالى : (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (٣٢) أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٣٣) لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ)(٣٤)

قوله تعالى : (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ) الآية لما طلبوا المعجزات من الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ على سبيل الاستهزاء ، وكان يتأذى من تلك الكلمات ، فأنزل الله ـ تعالى ـ هذه الآية تسلية له وتصبيرا على سفاهتهم فقال : إن أقوام سائر الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ استهزؤوا بهم كما أن قومك يستهزئون بك (فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) أمهلتهم وأطلت لهم المدة بتأخير [العقوبة](٤)(ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ) عاقبتهم في الدنيا بالقتل ، وفي الآخرة بالنار (فَكَيْفَ كانَ عِقابِ) لهم؟.

والإملاء : الإمهال وإن تركوا مدة من الزمان في خفض وأمن كالبهيمة يملى لها في المرعى ، ومنه الملوان وهو الليل والنهار.

قوله (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ) «من» موصولة ، وصلتها «هو قائم» والموصول مرفوع بالابتداء ، وخبره محذوف تقديره : كمن ليس كذلك من شركائهم التي لا تضر ولا تنفع ، ودل على هذا المحذوف ، قوله (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ) ونحوه قوله (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) [الزمر : ٢٢] تقديره : كمن قسا قلبه.

يدل عليه أيضا (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ) [الزمر : ٢٢] وإنما حسن حذفه

__________________

(١) في أ : تسلية.

(٢) ينظر : الفخر الرازي ١٩ / ٤٤.

(٣) ب : الكفار.

(٤) في أ : العقاب.

٣١٠

كون الخبر مقابلا للمبتدأ ، وقد جاء مبينا ، كقوله (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ) [النحل : ١٧] (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى).

والمعنى : أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت ، أي : حافظها ورازقها وعالم بها ومجازيها بما عملت ، وجوابه محذوف ، تقديره : كمن ليس بقائم بل عاجز عن نفسه.

قوله (وَجَعَلُوا لِلَّهِ) يجوز أن يكون استئنافا ، وهو الظاهر ، جيء به للدلالة على الخبر المحذوف كما تقدم تقريره.

وقال الزمخشري (١) : «ويجوز أن تقدر ما يقع خبر للمبتدأ ويعطف عليه : «وجعلوا» وتمثيله : أفمن هو بهذه الصفة لم يوحدوه «جعلوا له» وهو الله تعالى أي : وهو الذي يستحق العبادة».

قال أبو حيان (٢) : «وفي هذا التوجيه إقامة الظاهر مقام المضمر في قوله تعالى (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ) أي : له ، وفيه حذف الخبر غير المقابل ، وأكثر ما جاء الخبر مقابلا».

وقيل : الواو للحال ، والتقدير : أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت موجودة والحال أنهم جعلوا له شركاء ، فأقيم الظاهر وهو «الله» مقام المضمر تقريرا للإلهية وتصريحا بها ، قاله صاحب العقد.

وقال ابن عطية : «ويظهر أن القول مرتبط بقوله (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ) كان التقدير : أفمن له القدرة والوحدانية ، ويجعل له شريك أهل ينتقم ويعاقب أم لا؟».

وقيل : «وجعلوا» عطف على «استهزىء» بمعنى : وقد استهزؤوا وجعلوا.

وقال أبو البقاء (٣) : «هو معطوف على «كسبت» أي : ويجعلهم لله شركاء» ولما قرر هذه الحجة زاد في الحجاج فقال : «قل سمّوهم» وإنما يقال ذلك في الأمر المستحقر الذي بلغ في الحقارة إلى ألا يذكر ، ولا يوضع له اسم فعند ذلك يقال : سمه إن شئت ، يعني أنه [أخس](٤) من أن يسمى ويذكر ، ولكن إن شئت أن تضع له اسما فافعل ، وقيل : «سموهم» : أي : صفوهم ، ثم انظروا : هل هي أهل أن تعبد؟ على سبيل التهديد ، والمعنى : سواء سميتموهم باسم الآلهة أو لم تسموهم فإنها في الحقارة بحيث لا تستحق أن يلتفت العاقل إليها ، ثم زاد في الحجاج.

قوله (أَمْ تُنَبِّئُونَهُ) «أم» هذه منقطعة مقدرة ب «بل» والهمزة والاستفهام للتوبيخ بل أتنبؤونه شركاء لا يعلمهم في الأرض ونحوه (قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) [يونس : ١٨] فجعل الفاعل ضميرا عائدا على الله ، والعائد على «ما» محذوف تقديره : بما لا يعلمه الله ، وقد تقدم في تلك الآية : أن الفاعل ضمير يعود على «ما» وهو جائز هنا أيضا.

__________________

(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٥٣٢.

(٢) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٣٨٤.

(٣) ينظر : الإملاء ٢ / ٦٤.

(٤) في أ : أحضر.

٣١١

قوله «أم بظاهر» الظاهر أنها منقطعة. والظاهر هنا ، قيل : الباطن ؛ وأنشدوا : [الطويل]

٣١٨٦ ـ أعيّرتنا ألبانها ولحومها

وذلك عار يا ابن ريطة ظاهر (١)

أي : باطن.

وفسره مجاهد : بكذب (٢) ، وهو موافق لهذا.

وقيل : «أم» متصلة ، أي : تنبئونه بظاهر لا حقيقة له.

والمعنى : أم يخبرون الله بأمر يعلمونه وهو لا يعلمه ، فإنه لا يعلم لنفسه شريكا وإنما خص الأرض بنفي الشريك عنها وإن لم يكن له شريك البتة ؛ لأنهم ادعوا أن له شريكا في الأرض لا في غيرها أم تموهون بظاهر من القول لا حقيقة له وهو كقوله (ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ) [التوبة : ٣٠].

ثم إنه تعالى بعد هذا الحجاج بيّن طريقتهم ، فقال على وجه التحقير لما هم عليه (بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ).

قال الواحدي : «معنى «بل» ههنا كأنه يقول : دع ذلك زين لهم مكرهم لأنه ـ تعالى ـ لما ذكر الدلائل على فساد قولهم فكأنه يقول : دع ذلك الدليل فإنه لا فائدة فيه ، لأن زين لهم كفرهم ومكرهم فلا ينتفعون بذكر هذه الدلائل».

فصل

قالت المعتزلة : لا شبهة في أنه إنما ذكر ذلك لأجل أن يذمّهم به وإذا كان كذلك امتنع أن يكون ذلك المزين هو الله تعالى ، فلا بد إما أن يكون شياطين الإنس وإما شياطين الجن.

قال ابن الخطيب (٣) ـ رحمه‌الله ـ : وهذا التأويل ضعيف من وجوه :

الأول : أنه إن كان المزين هو أحد شياطين الإنس أو الجن فالمزين لذلك الشيطان إن كان شيطانا آخر لزم التسلسل ، وإن كان هو الله فقد زال السؤال.

والثاني : أن أفعال القلوب لا يقدر عليها إلا الله ـ عزوجل ـ.

والثالث : أنا دللنا على أن ترجيح الداعي لا يحصل إلا من الله ـ عزوجل ـ وعند حصوله يجب الفعل.

قوله (وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ) قرأ الكوفيون (٤) ويعقوب «وصدّوا» مبنيا للمفعول ، وفي

__________________

(١) البيت لسبرة الفقعسي. ينظر : الخزانة ٢ / ٦٣٧ ، الحماسة للمرزوقي (١٥٠) ، شرح أبيات الحماسة للتبريزي ١ / ٢٣٤ ، الحماسة لأبي تمام ١ / ٨١ ، ابن الشجري ١ / ٢١٩ ، القرطبي ٥ / ٣٦١ ، البحر المحيط ٥ / ٢٤٥ ، الألوسي ١٣ / ١٦١ ، الدر المصون ٤ / ٢٤٥.

(٢) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٩ / ٢١٢).

(٣) ينظر : الفخر الرازي ١٩ / ٤٥.

(٤) ينظر : السبعة ٣٥٩ والحجة ٥ / ١٧ ، ١٨ وإعراب القراءات السبع ١ / ٣٢٩ وحجة القراءات ٣٧٣ ، ٣٧٤ والإتحاف ٢ / ١٦٢ والمحرر الوجيز ٣ / ٣١٤ والبحر المحيط ٥ / ٣٨٥ ، ٣٨٦ والدر المصون ٤ / ٢٤٥.

٣١٢

غافر (وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ) [غافر : ٣٧] كذلك ، وباقي السبعة مبنيّين للفاعل ، و «صد» جاء لازما ومتعديا ، فقراءة الكوفية من التعدي فقط ، وقراءة الباقين : يحتمل أن تكون من المتعدي ومفعوله محذوف ، أي : صدوا غيرهم أو أنفسهم ، وأن يكون من اللازم ، أي : أعرضوا وتولوا.

وقرأ ابن وثاب (١) : «وصدّوا عن السّبيل» بكسر الصاد ، وهو مبني للمفعول أجراه مجرى «قيل» و «بيع» فهو كقراءة : (رُدَّتْ إِلَيْنا) [يوسف : ٦٥]. وقوله : [الطويل]

٣١٨٧ ـ وما حلّ من جهل حبا حلمائنا

 ........... (٢)

وقد تقدم. فأما قراءة المبني للمفعول ، فعند أهل السنة : أن الله صدهم. وللمعتزلة وجهان:

قيل : الشيطان وبعضهم لبعض ، وهو قول أبي مسلم ـ رحمه‌الله ـ. ومن فتح الصاد : يعني الكفار أعرضوا إن كان لازما ، وصدوا غيرهم إن كان متعديا. وحجة القراءة الأولى مشاكلتها لما قبلها من بناء الفعل للمفعول ، وحجة القراءة الثانية قوله ـ جل ذكره ـ (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا) [محمد : ١١] ثم قال : (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ).

وتمسك أهل السنة بهذه الآية من وجوه : أحدها : قوله (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ) وقد تقدم بالدليل أن المزين هو الله تعالى. وثانيها : قوله (وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ) بضم الصاد ، وبينا أيضا أن ذلك الصاد هو الله تعالى.

وثالثها : قوله سبحانه وتعالى : (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) ، وهو صريح في المقصود ، ثم قال تعالى : (لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) بالقتل والأسر (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُ) أي : أشد (وَما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ) مانع يمنعهم من العذاب. قال الواحدي : أكثر القراء وقفوا على القاف من غير إثبات ياء ، مثل قوله ـ عزوجل (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) [غافر : ٣٣] وكذلك (مِنْ والٍ وَلا واقٍ) [الرعد : ٣٧] وهو الوجه ؛ لأنه يقال في الوصل : «هاد ووال وواق» محذوف الياء لسكونها والتقائها مع التنوين ، فإذا وقفت انحذف التنوين في الوقف في الرفع والجر ، والياء [كانت](٣) انحذفت في الوصل فيصادف الوقف الحركة التي كسرت فتحذف كما يحذف سائر الحركات التي يوقف عليها ، فيقال : «هاد» و «وال» و «واق».

وابن كثير يقف بالياء ، ووجهه ما حكى سيبويه : أن بعض من يوثق به من العرب يقفون بالياء ، وقد تقدم.

__________________

(١) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٣١٤ ، البحر المحيط ٥ / ٣٨٦ ، والدر المصون ٤ / ٢٤٥.

(٢) البيت للفرزدق ينظر : ديوانه ٢ / ٢٩ ، الكتاب ٤ / ١١٨ ، شرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٨١ ، المحتسب ١ / ٣٤٦ ، المنصف ١ / ٢٥٠ ، لسان العرب (حلل) ، جمهرة أشعار العرب ص ٨٨٧ والدر المصون ١ / ١١٨.

(٣) في ب : قد.

٣١٣

قوله تعالى : (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ (٣٥) وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ (٣٦) وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا واقٍ)(٣٧)

قوله (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) الآية لما ذكر عذاب الكفار في الدنيا والآخرة أتبعه بذكر ثواب المتقين فقال «مثل الجنّة».

قال سيبويه (١) : «مثل الجنّة» مبتدأ ، وخبره محذوف ، والتقدير : فيما قصصنا ـ أو فيما يتلى ـ عليكم مثل الجنة وعلى هذا فقوله (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) تفسير لذلك المثل.

وقال أبو البقاء (٢) : «فعلى هذا «تجري» حال من العائد المحذوف في «وعد» أي : وعدها مقدرا جريان أنهارها».

ثم نقل عن الفراء (٣) : أنه جعل الخبر قوله : «تجري» قال : «وهذا خطأ عند البصريين ، قال : لأن المثل لا تجري من تحته الأنهار وإنما هو من صفات المضاف إليه ، وشبهته : أن المثل هنا بمعنى الصفة فهو كقوله : صفة زيد أنه طويل ويجوز أن يكون «تجري» مستأنفا.

وهذا الذي ذكره أبو البقاء نقل نحوه الزمخشري ، ونقل غيره عن الفراء في الآية تأويلين آخرين :

أحدهما : على حذف لفظة «أنها» والأصل : صفة الجنة أنها تجري وهذا منه تفسير معنى لا إعراب ، وكيف تحذف «أنها» من غير دليل؟.

والثاني : أن لفظة «مثل» زائدة ، والأصل : الجنة تجري من تحتها الأنهار ، وزيادة «مثل» في لسانهم كثير ، ومنه (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١] (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ) [البقرة : ١٣٧] وقد تقدم.

قال الزمخشري (٤) : «وقال غيره ، أي غير سيبويه ـ : الخبر (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) كما تقول : صفة زيد أسمر».

قال أبو حيان (٥) : «وهذا أيضا لا يصح أن يكون «تجري» خبرا عن الصفة ولا

__________________

(١) ينظر : الكتاب ١ / ٧١.

(٢) ينظر : الإملاء ٢ / ٦٥.

(٣) ينظر : معاني القرآن للفراء ٢ / ٦٥.

(٤) ينظر : الكشاف ٢ / ٥٣٢.

(٥) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٣٨٦.

٣١٤

«أسمر» خبرا عن الصفة ، وإنما يتاول «تجري» على إسقاط «أن» ورفع الفعل ، والتقدير أن تجري ، أي : جريانها».

وقال الزجاج (١) : «مثل الجنّة» «جنة» على حذف المضاف تمثيلا لما غاب عنا بما نشاهده.

ورد عليه أبو علي قال : «لا يصح ما قال الزجاج لا على معنى الصفة ولا على معنى الشبه ؛ لأن الجنة التي قدرها جثّة ولا تكون الصفة ، ولأن الشبه عبارة عن المماثلة بين المتماثلين وهو حدث والجنة جثة فلا تكون [المماثلة](٢)».

والجمهور على أن المثل هنا بمعنى الصفة ، فليس هنا ضرب مثل ، فهو كقوله تعالى : (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى) [النحل : ٦٠] ، وأنكر أبو علي أن يكون بمعنى الصفة ، وقال : معناه: الشبه.

وقرأ علي وابن مسعود (٣) «أمثال الجنّة» ، أي : صفاتها وقد تقدم خلاف القراء فيه في البقرة.

فصل

اعلم أنه ـ تعالى ـ وصف الجنة بصفات ثلاث :

أولها : (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ).

وثانيها : (أُكُلُها دائِمٌ) أي : لا ينقطع ثمرها ونعيمها بخلاف جنات الدنيا.

و «أكلها دائم» كقوله : «تجري» في الاستئناف التفسيري ، أو الخبري ، أو الحالية ، وقد تقدم.

وثالثها : ظلها ظليل لا يزول ، أي : ليس هناك حر ولا برد ولا شمس ولا قمر ولا ظله نظيره قوله تعالى : (لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً) [الإنسان : ١٣] وهذا رد على الجهمية حيث قالوا : نعيم الجنة يفنى.

ولما وصف الجنة بهذه الصفات الثلاث ، بين أن تلك عقبى المتقين ، أي : عاقبتهم ، يعني الجنة ، وعاقبة الكافرين النار.

قوله : (وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) يعني القرآن وهم أصحاب محمد ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ (يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ) من القرآن (وَمِنَ الْأَحْزابِ) أي : الجماعات ، يعني الكفار الذين تحزبوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من اليهود والنصارى (مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ) هذا قول الحسن وقتادة (٤).

__________________

(١) ينظر : معاني القرآن للزجاج ٣ / ١٤٩.

(٢) في ب : المشابهة.

(٣) ينظر : الكشاف ٢ / ٥٣٢ والمحرر الوجيز ٣ / ٣١٥ والبحر المحيط ٥ / ٣٨٦ والدر المصون ٤ / ٢٤٦.

(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٣٩٧) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ١٢١) وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.

٣١٥

فإن قيل : الأحزاب ينكرون كلّ القرآن.

فالجواب : أن الأحزاب لا ينكرون كل القرآن ؛ لأنه ورد فيه إثبات لله ـ تعالى ـ وإثبات قدرته وعلمه وحكمه وقصص الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ وهم لا ينكرون هذه الأشياء.

وقيل : المراد بالكتاب : التوراة والإنجيل ، وعلى هذا ففي الآية قولان :

الأول : قال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : (الذينءاتيناهم الكتاب) كعبد الله بن سلام وكعب وأصحابهما ومن آمن من النصارى وهم ثمانون رجلا : أربعون بنجران وثمانية باليمن ، واثنان وثلاثون بأرض الحبشة ، فرحوا بالقرآن ، لأنهم آمنوا به وصدقوه. وسبب فرحهم به أن ذكر الرحمن كان في القرآن قليلا في الابتداء فلما أسلم عبد الله بن سلام وأصحابه ساء هم قلة ذكره في القرآن مع كثرة ذكره في التوراة فلما كرر الله ذكره في القرآن فرحوا به فنزلت الآية. والأحزاب بقية أهل الكتاب وسائر المشركين (١).

قال القاضي (٢) : وهذا القول أولى من الأول ؛ لأنه لا شبهة في أن من أوتي القرآن فإنهم يفرحون بالقرآن ، فإذا حملناه على هذا الوجه ظهرت الفائدة.

ويمكن أن يقال : إن الذين أوتوا القرآن يزداد فرحهم به لما رأوا فيه من العلوم الكثيرة والفوائد العظيمة ، ولهذا السبب حكى الله فرحهم به.

والثاني : أن الذين آتيناهم الكتاب : اليهود أعطوا التوراة ، والنصارى الإنجيل يفرحون بما أنزل في القرآن ، لأنه مصدق لما معهم (وَمِنَ الْأَحْزابِ) سائر الكفار (مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ) وهو قول مجاهد (٣).

قال القاضي : وهذا لا يصح لقوله (يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) أي جميع ما أنزل الله إليك ويمكن أن يجاب فيقال : إن قوله (بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) لا يفيد العموم بدليل جواز إدخال لفظة الكل والبعض عليه ، ولو كانت كلمة «ما» للعموم لكان إدخال لفظ الكل عليه تكرارا ، وإدخال لفظ البعض عليه نقصا.

ثم إنه ـ تعالى ـ لما بين هذا جمع كل ما يحتاج المرء إليه في معرفة المبدأ والمعاد في ألفاظ قليلة فقال (قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ) وهذا كلام جامع لكل ما ورد التكليف به ، وفيه فوائد.

أولها : كلمة «إنّما» للحصر ، ومعناه : أني ما أمرت إلا بعبادة الله ـ تعالى ـ وذلك يدل على أنه لا تكليف ولا أمر ولا نهي إلا بذلك.

وثانيها : أن العبادة غاية التعظيم ، وذلك يدل على أن المرء كلف بذلك.

__________________

(١) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٩ / ٤٨).

(٢) ينظر : الفخر الرازي ١٩ / ٤٨.

(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٣٦٧).

٣١٦

وثالثها : أن عبادة الله لا تمكن إلا بعد معرفته ولا سبيل إلى معرفته إلا بالدليل وهذا يدل على أن المرء مكلف بالنظر والاستدلال ، في معرفة الصانع وصفاته وما يجب ويجوز ويستحيل عليه.

ورابعها : أن عبادة الله واجبة ، وهي تبطل قول نفاة التكليف ويبطل القول بالجبر المحض.

وخامسها : قوله (وَلا أُشْرِكَ بِهِ) وهذا يدل على نفي الأضداد والأنداد بالكلية ويدخل فيه إبطال قول كل من أثبت معبودا سوى الله ـ تعالى ـ من الشمس والقمر والكواكب والأصنام والأوثان والأرواح ، وهو على ما يقوله المجوس أو النور والظلمة على ما تقوله الثنوية.

وسادسها : قوله (إليه أدعو) أي : كلما وجب عليه الإتيان بهذه العبادات يجب عليه الدعوة إلى [عبودية](١) الله ـ تعالى ـ وهو إشارة إلى الحشر والنشر والبعث والقيامة.

قوله : (وَلا أُشْرِكَ) قرأ نافع (٢) في رواية عنه برفع «ولا أشرك» وهي تحتمل القطع ، أي : وأنا لا أشرك. وقيل : هي حال.

وفيه نظر ؛ لأن المنفي ب «لا» كالمثبت في عدم مباشرة واو الحال.

قوله : (وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا) الكاف في محل نصب ، أي : وكما يسرنا هؤلاء للفرح وهؤلاء لإنكار البعض كذلك (أَنْزَلْناهُ حُكْماً) و «حكما» حال من مفعول «أنزلناه».

وقيل : شبه إنزاله حكما عربيا بما أنزل على من تقدم من الأنبياء أي : كما أنزلنا الكتب على الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ بلسانهم كذلك أنزلنا إليك القرآن.

وقيل : كما أنزلنا إليك الكتاب يا محمد فأنكره الأحزاب كذلك أنزلنا الحكم والدين «عربيّا» نسب إلى العرب ، لأنه منزل بلغتهم فكذب به الأحزاب ، ولما كان القرآن مشتملا على جميع أنواع التكاليف وكان سببا للحكم جعل نفس الحكم مبالغة.

فصل

قالت المعتزلة (٣) : دلت الآية على حدوث القرآن من وجوه :

الأول : أنه ـ تعالى ـ وصفه بكونه منزلا وذلك لا يليق إلا بالمحدث.

والثاني : وصفه بكونه عربيا ، والعربي هو الذي حصل بوضع العرب واصطلاحهم وما كان كذلك كان محدثا.

والثالث : أن الآية دلت على أنه إنما كان حكما عربيا ؛ لأن الله جعله كذلك والموصوف بهذه الصفة محدث.

__________________

(١) في ب : عبادة.

(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٥٣٣ والبحر المحيط ٥ / ٣٨٧ والدر المصون ٤ / ٢٤٧.

(٣) ينظر : الفخر الرازي ١٩ / ٤٩.

٣١٧

والجواب : أن كل هذه الوجوه دالة على أن المركب من الحروف والأصوات محدث لا نزاع فيه.

قوله (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ) روي أن المشركين كانوا يدعونه إلى ملة آبائهم ، فتوعده الله على موافقتهم على تلك المذاهب مثل أن يصلي إلى قبلتهم بعد ما حوله الله عنها.

قال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : الخطاب مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمراد أمته (١).

وقيل : المراد منه حث الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ على القيام بحق الرسالة وتحذيره من خلافها ، وذلك يتضمن تحذير جميع المكلفين بطريق الأولى.

قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ (٣٨) يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ)(٣٩)

قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ) الآية اعلم أن القوم كانوا يذكرون أنواعا من الشبهات في [إبطال](٢) النبوة :

فالشبهة الأولى : قولهم : (ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ) [الفرقان: ٧] وهذه الشبهة ذكرها الله في سورة أخرى.

والشبهة الثانية : قولهم : الرسول الذي يرسله الله تعالى إلى الخلق لا بد أن يكون من جنس الملائكة كما قال : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) [الأنعام : ٧] وقالوا : (لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ) [الحجر : ٧].

الشبهة الثالثة : عابوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بكثرة الزوجات ، وقالوا لو كان رسولا من عند الله لما اشتغل بالنسوة بل كان معرضا عنهن مشتغلا بالنسك والزهد فأجاب الله ـ عزوجل ـ بقوله (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً) وهذا أيضا يصلح أن يكون جوابا عن الشبهات المتقدمة فقد كان لسليمان ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ ثلاثمائة امرأة ممهرة وسبعمائة سرية ، ولداود ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ مائة امرأة.

والشبهة الرابعة : قولهم : لو كان رسولا من عند الله لكان أي شيء طلبناه منه من المعجزات أتى به ولم يتوقف ، فأجاب الله تعالى عنه بقوله (وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ).

الشبهة الخامسة : أنه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ كان يخوفهم بنزول العذاب [وظهور النصرة له ولقومه ، فلما تأخر ذلك احتجوا بتأخره للطعن في نبوته وصدقه ، فأجاب الله تعالى عنه بقوله : (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ) يعني نزول العذاب على

__________________

(١) ينظر : الرازي (١٩ / ٤٩).

(٢) في أ : بطلان.

٣١٨

الكفار](١) وظهور النصر والفتح للأولياء فقضى الله بحصولها في أوقات معينة ولكل حادث وقت معين و (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ) فقيل : حضور ذلك الوقت لا يحدث ذلك الحادث ، وتأخر تلك المواعيد لا يدل على كونه كاذبا.

الشبهة السادسة : قالوا : لو كان صادقا في دعوى الرسالة لما نسخ الأحكام التي نص الله على ثبوتها في الشرائع المتقدمة ، كالتوراة والإنجيل ، لكنه نسخها وحرفها كما في القبلة ، ونسخ أكثر أحكام التوراة والإنجيل ، فوجب أن لا يكون نبيا حقا.

فأجاب الله ـ تعالى ـ عنه بقوله (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) ويمكن أيضا أن يكون قوله : (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ) كالمقدمة لتقرير هذا الجواب ، وذلك لأنا نشاهد أنه ـ تعالى ـ يخلق حيوانا عجيب الخلقة بديع الفطرة من قطرة من النطفة ، ثم يبقيه مدة مخصوصة ، ثم يميته ويفرق أجزاءه وأبعاضه ، فلما لم يمتنع أن يحيي أولا ثم يميت ثانيا ، فكيف يمتنع أن يشرع الحكم في بعض الأوقات؟ فكان المراد من قوله (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ) ما ذكرنا.

ثم إنه تعالى لما قرر تلك المقدمة قال (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) أي : أنه يوجد تارة ويعدم أخرى ، ويحيي تارة ويميت أخرى ، ويغني تارة ويفقر أخرى ، فكذلك لا يبعد أن يشرع الحكم تارة ثم ينسخه أخرى بحسب ما تقضيه المشيئة الإلهية عند أهل السنة ، أو بحسب رعاية المصالح عند المعتزلة.

قوله (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ) أي : لكل شيء وقت مقدر وقيل : لكل حادث وقت معين قضى الله حصوله فيه كالحياة والموت والغنى والفقر والسعادة والشقاوة ، ولا يتغير البتة عن ذلك الوقت.

وقيل : هذا من المقلوب أي : فيه تقديم وتأخير ، أي : لكل كتاب أجل ينزل فيه ، أي : لكل كتاب وقت يعمل به ، فوقت العمل بالتوراة قد انقضى ، ووقت العمل بالقرآن قد أتى وحضر.

وقيل : (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ) عند الملائكة ، فللإنسان أحوال :

أولها نطفة ثم علقة ثم مضغة يصير شابا ثم يصير شيخا ، وكذلك القول في جميع الأحوال من الإيمان والكفر والسعادة والشقاوة والحسن والقبح.

وقيل : لكل وقت مشتمل على مصلحة خفية ومنفعة لا يعلمها إلا الله ـ عزوجل ـ فإذا جاء ذلك الوقت حدث الحادث ، ولا يجوز حدوثه في غيره.

وهذه الآية صريحة في أن الكل بقضاء الله وقدره.

قوله (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ) قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم : «ويثبت» مخففا من

__________________

(١) سقط من ب.

٣١٩

«أثبت» والباقون (١) بالتشديد والتضعيف ، والهمزة للتعدية ولا يصح أن يكون التضعيف للتكثير ، إذ من شرطه أن يكون متعديا قبل ذلك ، ومفعول «يثبت» محذوف ، أي : ويثبت ما يشاء والمحو : ذهاب أثر الكتابة ، يقال : محاه يمحوه محوا ، إذا أذهب أثره.

قوله : «ويثبت» قال النحويون : ويثبته إلا أنه استغنى بتعدية الفعل الأول عن تعدية الفعل الثاني ، وهو كقوله ـ عزوجل ـ (وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ) [الأحزاب : ٣٥].

فصل

قال سعيد بن جبير وقتادة (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ) من الشرائع والفرائض فينسخه ويبدله «ويثبت» ما يشاء منها فلا ينسخه (٢).

وقال ابن عباس ـ رضي الله عنه : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ) الرزق والأجل والسعادة والشقاوة (٣).

وعن ابن عمر وابن مسعود ـ رضي الله عنهما ـ أنهما قالا : «يمحو السعادة والشقاوة ويمحو الرزق والأجل ويثبت ما يشاء» (٤).

وروي عن عمر ـ رضي الله عنه ـ : أنه كان يطوف بالبيت وهو يبكي يقول : «اللهم إن كنت كتبتني في أهل السعادة فأثبتني فيها ، وإن كنت كتبتني في أهل الشقاوة فامحني منها بفضلك وأثبتني في أهل السعادة والمغفرة ، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب» (٥).

ومثله عن ابن مسعود وفي بعض الآثار : أن الرجل قد يكون بقي له من عمره ثلاثون سنة ، فيقطع رحمه فيرد إلى ثلاثة أيام ، والرجل قد بقي له من عمره ثلاثة أيام فيصل رحمه فيرد إلى ثلاثين سنة.

روي عن أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ينزل الله ـ سبحانه وتعالى ـ في آخر ثلاث ساعات يبقين من اللّيل فينظر في الساعة الأولى منهنّ في أم الكتاب الذي لا ينظر فيه أحد غيره فيمحو ما يشاء ويثبت» (٦).

__________________

(١) ينظر : السبعة ٣٥٩ والحجة ٥ / ١٩ ، ٢٠ وإعراب القراءات السبع ١ / ٣٣٠ وحجة القراءات ٣٧٤ والإتحاف ٢ / ١٦٣ والمحرر الوجيز ٣ / ٣١٧ والبحر المحيط ٥ / ٣٨٨ والدر المصون ٤ / ٢٤٧.

(٢) ذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ٢٢).

(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٣٩٩).

(٤) أخرجه الطبري (٧ / ٤٠١) عن ابن مسعود وذكره الرازي في «تفسيره» (١٩ / ٥٢).

(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٤٠١).

(٦) أخرجه الطبري (٧ / ٤٠٤) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ١٢٢) وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم وابن مردويه والطبراني.

٣٢٠