اللّباب في علوم الكتاب - ج ١١

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١١

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥١٠

١
٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

سورة يوسف

ربّ يسّر برحمتك. سورة يوسف ـ عليه‌السلام ـ

وهي مكيّة وفي قول ابن عبّاس ، وقتادة : إلا أربع آيات منها (١). وهي مائة وإحدى عشرة آية ، وعدد كلماتها : ألف ، وتسعمائة ، وستّ وتسعون كلمة ، وعدد حروفها سبعة آلاف ، ومائة ، وست وستون حرفا.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى : (الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (١) إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (٢)

قوله تعالى : (الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ) قد تقدم الكلام على قوله : (الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ) في أول سورة يونس ، فالإشارة ب «تلك» إلى آيات هذه السورة على الابتداء والخبر.

وقيل : «الر» اسم للسورة ، أي : هذه السورة المسمّاة : (الر. تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ) والمراد ب «الكتاب» : القرآن ، وأما قوله : «المبين» فيحتمل أن يكون من بان ، بمعنى : ظهر ، أي : المبين حلاله ، وحرامه ، وحدوده ، وأحكامه قال قتادة ـ رحمه‌الله ـ : «المبين والله بركته ، وهداه ورشده» (٢).

وقال الزجاج : «من أبان بمعنى : أظهر ، أي : أبان الحقّ من الباطل ، والحلال من الحرام ، وقصص الأولين والآخرين». ويحتمل أن يكون من البينونة بمعنى : التّفريق ، أي : فرّق بين الحق والباطل ، والحلال والحرام.

قوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) يعني : الكتاب ، وفي نصب : «قرآنا» ثلاثة أوجه :

__________________

(١) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٣) وعزاه إلى أبي الشيخ والنحاس وابن مردويه عن ابن عباس.

(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ١٤٦) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٤) وزاد نسبته إلى عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٤٠٨).

٣

أحدها : أن يكون بدلا من ضمير «أنزلناه» أو حالا موطئة منه ، والضمير في : «أنزلناه» على هذين القولين يعود على الكتاب ، وقيل : «قرآنا» مفعول به ، والضمير في «أنزلناه» ضمير المصدر ، و «عربيّا» نعت للقرآن ، وجوّز أبو البقاء : أن يكون حالا من الضمير في : «قرآنا» إذا تحمّل ضميرا ، يعني : إذا جعلناه حالا مؤولا بمشتقّ ، أي : أنزلناه مجتمعا في حال كونه عربيّا.

والعربيّ منسوب إلى العرب ؛ لأنّه نزل بلغتهم ، وواحد العرب : عربيّ ، كما أن واحد الرّوم: روميّ ، أي : أنزلناه بلغتكم ، لكي تعلموا معانيه ، وتفهموا ما فيه ، و «عربة» ـ بفتح الرّاء ـ ناحية دار إسماعيل ـ عليه‌السلام ـ قال الشاعر : [الطويل]

٣٠٤٣ ـ وعربة أرض ما يحلّ حرامها

من النّاس إلّا اللّوذعيّ الحلاحل (١)

سكن راءها ضرورة ؛ فيجوز أن يكون العربي منسوبا إلى هذه البقعة.

فصل

احتج الجبّائيّ بهذه الآية : على كون القرآن مخلوقا ، لقوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) والقديم لا يجوز إنزاله وتحويله من حال إلى حال ؛ ولأنّه ـ تعالى ـ وصفه بكونه : «عربيّا» والقديم لا يكون عربيّا ؛ ولأنّ قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) يدلّ على أنّه سبحانه وتعالى ـ قادر على أن ينزله لا عربيّا ؛ ولأنّ قوله : (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ) يدلّ على أنّه مركب من الآيات والكلمات ، والمركّب محدث.

قال ابن الخطيب (٢) : «والجواب عن هذه الوجوه أن نقول : المركّب من الحروف والكلمات محدث ، وذلك لا نزاع فيه ، إنّما الذي ندّعي قدمه شيء آخر ، فسقط هذا الاستدلال».

قوله (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) : قال الجبائي : «كلمة «لعلّ» نحملها على اللّام ، والتقدير: إنّا أنزلناه قرآنا عربيّا لتعقلوا معانيه في أمر الدّين ، إذ لا يجوز أن يراد ب (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) : الشّك ؛ لأنّه على الله ـ تعالى ـ محال ، فثبت أنّ المراد : لكي تعرفوا الأدلّة ، وذلك يدلّ على أنّه ـ سبحانه وتعالى ـ أراد من كلّ العباد أن يعقلوا توحيده ، وأمر دينه ، من عرف منهم ، ومن لم يعرف».

قال ابن الخطيب : «والجواب : هب أنّ الأمر كما ذكرتم ، إلّا أنّه يدلّ على أنه ـ تعالى ـ أنزل هذه السورة وأراد منهم معرفة كيفيّة هذه القصّة ، لكن لم قلتم : إنّها تدلّ على أنه ـ تعالى ـ أراد من الكلّ الإيمان والعمل الصالح؟».

__________________

(١) ينظر البيت في روح المعاني ١٢ / ١٧٤ والتهذيب واللسان (عرب) والبحر ٥ / ٢٧٩ والدر المصون ٤ / ١٥٠.

(٢) ينظر : الفخر الرازي ١٨ / ٦٨.

٤

قوله تعالى : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ (٣) إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ (٤) قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٥) وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)(٦)

قوله تعالى : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) الآية.

(نَحْنُ نَقُصُ) : مبتدأ وخبر ، والقاصّ : الذي يتتبّع الآثار ويأتي بالخبر على وجهه ، قال تعالى : (وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ) [القصص : ١١] ، أي : اتّبعي أثره ، (فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً) [الكهف : ٦٤] ، أي : اتّباعا ، وسميت الحكاية قصصا ؛ لأنّ الذي يقصّ الحديث ، يذكر تلك القصّة شيئا فشيئا ، كما يقال : تلا القرآن إذا قرأه ؛ لأنّه يتلو ، أي : يتبع ما حفظ منه آية بعد آية ، والمعنى : نبين لك أخبار الأمم السّالفة ، والقرون الماضية.

روى سعد بن أبي وقّاص ـ رضي الله عنه ـ قال : لمّا أن نزل القرآن على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فتلاه عليهم زمانا ، فقالوا : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لو حدّثتنا ـ فأنزل الله ـ عزوجل ذكره (١) ـ (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) فقالوا : يا رسول الله ، لو ذكرتنا ، فأنزل الله ـ عزوجل ـ (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ)(٢) [الحديد : ١٦].

قوله (أَحْسَنَ الْقَصَصِ) في انتصابه وجهان :

أحدهما : أن يكون منصوبا على المفعول به ، وذلك إذا جعلت القصص مصدرا واقعا موقع المفعول ، كالخلق بمعنى : المخلوق ، أو جعلته فعلا بمعنى : مفعول ، كالقبض ، والنّقض بمعنى : المقبوض ، والمنقوض ، أي : نقصّ عليك أحسن الأشياء المقتصة ، فيكون معنى قوله : (أَحْسَنَ الْقَصَصِ) : لما فيه من العبرة ، والنّكتة ، والحكمة ، والعجائب التي ليست في غيرها.

__________________

(١) في أ : عزوجل ذكره (الله نزل أحسن الحديث) فقالوا يا رسول الله لو ذكرتنا فأنزل الله عزوجل.

(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ١٤٨) وابن حبان (١٧٤٦ ـ موارد) والحاكم (٢ / ٣٤٥) وأبو يعلى (٢ / ٨٧ ـ ٨٨) رقم (٧٤٠) والواحدي في «أسباب النزول» ص (٢٠٣) من حديث سعد بن أبي وقاص.

وقال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

وذكره الحافظ ابن حجر في «المطالب العالية» (٣٦٥٢) وقال : حديث حسن ونسبه إلى ابن راهويه وأبي يعلى والبزار.

وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٥) وزاد نسبته إلى ابن راهويه والبزار وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن مردويه.

٥

فإحدى الفوائد في هذه القصة : أنه لا دافع لقضاء الله ، ولا مانع من قدر الله ، وأنّه ـ تعالى ـ إذا قضى لإنسان بخير ؛ فلو اجتمع العالم ، لم يقدروا على دفعه.

والفائدة الثانية : أنّها تدلّ على أنّ الحسد سبب الخذلان ، والنّقصان.

والفائدة الثالثة : أنّ الصّبر مفتاح الفرج ، كما في حقّ يعقوب عليه الصلاة والسلام ؛ فإنّه لما صبر ، نال مقصوده ، وكذلك يوسف ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ.

والوجه الثاني : أن يكون منصوبا على المصدر المبين ، إذا جعلت القصص مصدرا غير مراد به المفعول ، ويكون المقصوص على هذا محذوفا ، أي : نقصّ عليك أحسن الاقتصاص.

وعلى هذا ؛ فالحسن يعود إلى حسن البيان ، لا إلى القصّة ، والمراد بهذا الحسن : كون هذه الألفاظ فصيحة بالغة في الفصاحة إلى حدّ الإعجاز ، ألا ترى أنّ هذه القصّة مذكورة في كتب التّواريخ ، مع أنّ شيئا منها لا يشبه هذه السورة في الفصاحة ، والبلاغة.

و «أحسن» : يجوز أن يكون : أفعل تفضيل على بابها ، وأن يكون لمجرّد الوصف بالحسن ، وتكون من باب إضافة الصّفة لموصوفها ، أي : القصص الحسن.

قال العلماء ـ رضي الله عنهم ـ : ذكر الله أقاصيص الأنبياء في القرآن ، وكرّرها بمعنى واحد ، في وجوه مختلفة ، بألفاظ متباينة على درجات المبالغة ، وقد ذكر قصة يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ ولم يكرّرها ؛ فلم يقدر مخالف على معارضة ما تكرر ، ولا على معارضة غير المتكرّر.

فصل

قال القرطبيّ (١) : وذكر العلماء لكون هذه القصّة أحسن القصص وجوها :

أحدها : أنه ليست قصّة في القرآن تتضمن من العبر والحكم ، ما تتضمن هذه القصّة ؛ لقوله ـ تعالى ـ في آخرها : (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ) [يوسف : ١١١].

وثانيها : لحسن مجاوزة يوسف إخوته ، وصبره على أذاهم ، وعفوه عنهم بعد التقائهم عن ذكر فعلهم ، وكرمه في العفو عنهم ، حتّى قال : (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ) [يوسف : ٩٢].

وثالثها : أن فيها ذكر الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ والصّالحين ، والملائكة ، والجنّ ، والشياطين ، والإنس ، والطير ، وسير الملوك ، والمماليك ، والتّجار ، والعلماء ، والجهال ، والرّجال ، والنّساء وحيلهنّ ومكرهنّ ، وذكر التّوحيد ، والفقه ، والسّير ، وتعبير الرّؤيا ، والسّياسة ، والمعاشرة ، وتدبير المعاش ، وجمل الفوائد التي تصلح للدّين والدّنيا.

__________________

(١) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ٩ / ٨٠.

٦

ورابعها : أنّ فيها ذكر الحبيب ، والمحبوب ، وسيرهما.

وخامسها : أنّ «أحسن» هنا بمعنى : أعجب.

وسادسها : سمّيت أحسن القصص ؛ لأنّ كل من ذكر فيها كان مآله إلى السّعادة ، وانظر إلى يوسف ، وأبيه وإخوته ، وامرأة العزيز ، قيل : والملك أيضا أسلم بيوسف ، وحسن إسلامه ، ومستعبر الرؤيا ، والسّاقي ، والشّاهد فيما يقال ، فما كان أمر الجميع إلّا إلى خير ، والله ـ تعالى ـ أعلم.

قوله : (بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) «الباء سببيّة ، وهي متعلقة ب «نقصّ» و «ما» مصدريّة ، أي : بسبب إيحائنا».

قوله : (هذَا الْقُرْآنَ) يجوز فيه وجهان :

أظهرهما : أن ينتصب على المفعولية ب «أوحينا».

والثاني : أن تكون المسألة من باب التنازع ، أعني : بين «نقصّ» وبين «أوحينا» فإن كلّا منهما يطلب «هذا القرآن» وتكون المسألة من إعمال الثاني ، وهذا إنما يتأتّى على جعلنا «أحسن» : منصوبا على المصدر ، ولم يقدّر ل «نقصّ» مفعولا محذوفا.

قوله : (وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ) [يوسف : ٣] تقدّم إعراب نظيره ، والمعنى : قد كنت من قبله ، أي : من قبل وحينا ، لمن الغافلين ، أي : لمن الساهين عن هذه القصّة لا تعلمها.

وقيل : لمن الغافلين : عن الدّين والشّريعة قبل ذلك ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ) [الشورى : ٥٢].

قال بعض المفسرين : سمى قصّة يوسف خاصّة أحسن القصص ؛ لما فيها من العبر ، والحكم ، والنّكت ، والفوائد التي تصلح للدّين والدّنيا ، من سير الملوك ، والمماليك ، والعلماء ، ومكر النّساء ، والصبر على أذى الأعداء ، وحسن التّجاوز عنهم بعد الالتقاء ، وغير ذلك من الفوائد.

قال خالد بن معدان : «سورة يوسف ، وسورة مريم يتفكّه بهما أهل الجنّة في الجنّة» (١).

وقال عطاء ـ رحمه‌الله ـ : «لا يسمع سورة يوسف محزون إلا استراح لها» (٢).

قوله تعالى : (إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ) الآية.

روي أن علماء اليهود قالوا لكبراء المشركين : سلوا محمّدا لم انتقل يعقوب من الشّام إلى مصر؟ وعن كيفيّة قصّة يوسف؟ فأنزل الله ـ تعالى ـ هذه السورة.

__________________

(١) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٤٠٨).

(٢) ينظر : المصدر السابق.

٧

وفي العامل في «إذ» أوجه :

أظهرها : أنه منصوب ب «قال يا بنيّ» أي : قال يعقوب : يا بني وقت قول يوسف له: كيت وكيت ، وهذا أسهل الوجوه ؛ إذ فيه إبقاء «إذ» كونها ظرفا ماضيا.

وقيل : الناصب له : «الغافلين» قاله مكيّ (١).

وقيل : هو منصوب ب «نقصّ» أي : نقصّ عليك وقت قوله كيت وكيت ، وهذا فيه [إخراج] (٢) «إذ» عن المضيّ ، وعن الظرفيّة ، وإن قدّرت المفعول محذوفا ، أي : نقصّ عليك الحال وقت قوله ، لزم إخراجها عن المضيّ.

وقيل : هو منصوب بمضمر ، أي : اذكر.

وقيل : هو منصوب على أنّه بدل من (أَحْسَنَ الْقَصَصِ) بدل اشتمال.

قال الزمخشري (٣) : «لأنّ الوقت يشتمل على القصص وهو المقصوص» و «يوسف» اسم عبرانيّ ، ولذلك لا ينصرف (٤) ، وقيل : هو عربيّ ، فقال الزمخشريّ : «الصحيح أنه اسم عبرانيّ ؛ لأنه لو كان عربيّا ، لانصرف» وسئل أبو الحسن الأقطع عن الأسف فقال : «الأسف في اللغة : الحزن ، والأسف : العبد ، واجتمعا في يوسف ؛ فسمّي بهما».

روي ابن عمر عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ، يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين (٥) ـ.

قوله : (يا أَبَتِ) قرأ ابن عامر (٦) : بفتح التّاء ، والباقون بكسرها ، وهذه التّاء عوض (٧) عن ياء المتكلم ؛ ولذلك لا يجوز الجمع بينهما.

__________________

(١) ينظر : المشكل ١ / ٤١٨.

(٢) في ب : خروج.

(٣) ينظر : الكشاف ٢ / ٤٤١.

(٤) قال ابن الأنباري في البيان ٢ / ٣٢ : «يوسف» لا ينصرف للعجمة والتعريف ووزنه يفعل ، وليس في كلامهم «يفعل» وأما «يعفر» فأصله يعفر بفتح الياء وإنما ضمت الياء منه إتباعا لضمة الفاء ، والضمة والفتحة والكسرة للاتباع كثير في كلامهم.

(٥) أخرجه البخاري في المصدر السابق (٣٣٩٠) وأحمد في المسند (٢ / ٩٦) والخطيب في التاريخ (٣ / ٤٢٦) وذكره الحافظ ابن كثير في التفسير (٤ / ٢٩٧) والسيوطي في الدر المنثور (٤ / ٤).

(٦) ينظر : الحجة ٤ / ٣٩٠ وإعراب القراءات السبع ١ / ٢٩٨ وحجة القراءات ٣٥٣ وقرأ بها أيضا أبو جعفر ، ينظر : الإتحاف ٢ / ١٣٩ وقرأ بها أيضا أبو جعفر والأعرج ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٢١٩ والبحر المحيط ٥ / ٢٨٠ وينظر : الدر المصون ٤ / ١٥١.

(٧) قال أهل البصرة يجوز إبدال الياء تاء ، والدليل على أنها بدل منها : أنهم لا يجمعون بينهما ، وإنما أبدلت تاء التأنيث لأنها تدل في بعض المواضع على التفخيم ، كما في «علّامة» و «نسّابة» والأب والأم مظنة التفخيم ، ودليل أنها للتأنيث : انقلابها في الوقت هاء. انظر : الكافية ١ / ١٤٨ ، والتصريح على التوضيح ١ / ١٧٩.

٨

وهذا مختصّ بلفظتين : يا أبت ويا أمّت ، ولا يجوز في غيرهما من الأسماء ، لو قلت : «يا صاحبت» لم يجز ألبتّة ؛ كما اختصّت لفظة الأم والعم بحكم في نحو : «يا ابن أمّ» ويجوز الجمع بين هذه التّاء ، وبين كلّ من الياء والألف ضرورة ؛ كقوله : [الرجز]

٣٠٤٤ ـ يا أبتا علّك أو عساكا (١)

وقول الآخر : [المتقارب]

٣٠٤٥ ـ أيا أبتا لا تزل عندنا

فإنّا نخاف بأن تخترم (٢)

وقول الآخر : [الطويل]

٣٠٤٦ ـ أيا أبتي لا زلت فينا فإنّما

لنا أمل في العيش ما دمت عائشا (٣)

وكلام الزمخشريّ يؤذن بأنّ الجمع بين التّاء والألف ليس ضرورة ؛ فإنّه قال : «فإن قلت : فما هذه الكسرة؟ قلت : هي الكسرة الّتي كانت قبل الياء في قولك : «يا أبي» قد زحلقت إلى التاء ؛ لاقتضاء تاء التّأنيث أن يكون ما قبلها مفتوحا.

فإن قلت : فما بال الكسرة لم تسقط بالفتحة الّتي اقتضتها التّاء ، وتبقى التّاء ساكنة؟.

قلت : امتنع ذلك فيها ؛ لأنّها اسم ، والأسماء حقّها التحريك ؛ لأصالتها في الإعراب ، وإنما جاز تسكين الياء ، وأصلها أن تحرّك تخفيفا ؛ لأنها حرف لين ، وأما التاء ، فحرف صحيح ، نحو كاف الضمير ؛ فلزم تحريكها.

فإن قلت : يشبه الجمع بين هذه التّاء وبين هذه الكسرة الجمع بين العوض والمعوّض منه ؛ لأنّها في حكم الياء ، إذا قلت : يا غلام ، فكما لا يجوز : «يا أبتي» لا يجوز (يا أَبَتِ) قلت : الياء والكسرة قبلها شيئان ، والتّاء عوض من أحد الشيئين ، وهو الياء ، والكسرة غير متعرّض لها ؛ فلا يجمع بين العوض والمعوّض منه ، إلا إذا جمع بين التّاء والياء لا غير ؛ ألا ترى إلى قولهم : «يا أبتا» مع كون الألف فيه بدلا من الياء ، كيف

__________________

(١) البيت لرؤبة. ينظر : ملحقات ديوانه ص ١٨١ الكتاب ٢ / ٣٧٥ ، المقتضب ٣ / ٧١ وخزانة الأدب ٥ / ٣٦٢ ، ٣٦٧ ، ٣٦٨ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١٦٤ وشرح شواهد المغني ١ / ٤٣٣ وشرح المفصل ٧ / ١٢٣ ، ٩٠ والمقاصد النحوية ٤ / ٢٥٢ والأشباه والنظائر ١ / ٣٣٦ والإنصاف ١ / ٢٢٢ والجنى الداني ص ٤٤٦ ، ٤٧٠ والخصائص ٢ / ٩٦ والدرر ٢ / ١٥٩ ورصف المباني ص ٢٩ ، ٢٤٩ ، ٣٥٥ وسر صناعة الإعراب ١ / ٤٠٦ ، ٢ / ٤٩٣ ، ٥٠٢ وشرح الأشموني ١ / ١٣٣ ، ٢ / ٤٥٨ واللسان (روى) واللامات ص ١٣٥ وما ينصرف وما لا ينصرف ص ١٣٠. ومغني اللبيب ١ / ١٥١ ، ٦٩٩ والهمع ١ / ١٣٢ والدر المصون ٤ / ١٥١ ، والبحر ٥ / ٢٨٠.

(٢) ينظر البيت في الدر المصون ٤ / ١٥١.

(٣) ينظر البيت في شرح التصريح ٢ / ١٧٨ وشرح الأشموني ٢ / ٤٥٨ المقاصد النحوية ٤ / ٢٥١ وشواهد العيني ٤ / ٢٥١ وحاشية زاده ٣٥ / ٧٣ والدر المصون ٤ / ١٥١.

٩

جاز الجمع بينها وبين التاء ، ولم يعدّ ذلك جمعا بين العوض والمعوّض منه؟ فالكسرة أبعد من ذلك.

فإن قلت : قد دلّت الكسرة في «يا غلام» على الإضافة ؛ لأنّها قرينة الياء ولصيقتها ، فإن دلّت على مثل ذلك في : (يا أَبَتِ) فالتّاء المعوّضة لغو ، وجودها كعدمها.

قلت : [بل] حالها مع التّاء كحالها مع الياء إذا قلت : «يا أبي».

وكذا عبارة أبي حيّان ، فإنه قال : وهذه التّاء عوض من ياء الإضافة فلا تجتمعان ، وتجامع الألف التي هي بدل من التاء ، كما قال : [الرجز]

٣٠٤٧ ـ يا أبتا علّك أو عساكا (١)

وفيه نظر ؛ من حيث إن الألف كالتاء لكونها بدلا منها ، فينبغي أن لا يجمع بينهما ، وهذه التاء أصلها للتّأنيث.

قال الزمخشريّ : «فإن قلت : ما هذه التّاء؟ قلت : تاء التأنيث وقعت عوضا من ياء الإضافة ، والدّليل على أنّها تاء التّأنيث : قلبها هاء في الوقف».

قال شهاب الدّين (٢) : وما ذكره من كونها تقلب هاء في الوقف ، قرأ به ابن كثير ، وابن عامر ، والباقون وقفوا عليها بالتّاء ، كأنّهم أجروها مجرى تاء الإلحاق في «بنت وأخت» وممن نصّ على كونها للتّأنيث : سيبويه ؛ فإنه قال : «سألت الخليل عن التّاء في : (يا أَبَتِ) فقال: هي بمنزلة التّاء في تاء «يا خالة وعمّة» يعني : أنّها للتّأنيث» ويدلّ أيضا على كونها للتأنيث : كتبهم إيّاها هاء ، وقياس من وقف بالتّاء : أن يكتبها تاء ، ك «بنت وأخت».

ثم قال الزمخشري (٣) : فإن قلت : كيف جاز إلحاق تاء التّأنيث بالمذكّر؟.

قلت : كما جاز نحو قولك : حمامة ذكر ، وشاة ذكر ، ورجل ربعة ، وغلام يفعة قلت : يعني : أنها جيء بها لمجرّد تأنيث اللفظ ، كما في الأسماء المستشهد بها.

ثم قال الزمخشري : «فإن قلت : فلم ساغ تعويض تاء التأنيث من ياء الإضافة؟.

قلت : لأن التأنيث والإضافة يتناسبان ؛ في أنّ كل واحدة منهما زيادة مضمومة إلى الاسم في آخره».

قال شهاب الدين : «وهذا قياس بعيد لا يعمل به عند الحذاق ، فإنّه يسمّى الشّبه الطّردي ، أي : أنه شبه في الصّورة».

وقال الزمخشري : «إنه قرىء (يا أَبَتِ) بالحركات (٤) الثلاث :

__________________

(١) تقدم.

(٢) ينظر : الدر المصون ٤ / ١٥٢.

(٣) ينظر : الكشاف ٢ / ٤٤٢.

(٤) ينظر : الكشاف ٢ / ٤٤٢ والدر المصون ٤ / ١٥٢.

١٠

فأما الفتح والكسر فقد تقدّم ذكر من قرأ بهما.

وأما الضم فغريب جدّا وهو يشبه من يبني المنادى المضاف لياء المتكلّم على الضمّ ؛ كقراءة من قرأ : (قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِ) [الأنبياء : ١١٢] بضم الباء ، وسيأتي توجيهها هناك ـ إن شاء الله تعالى ـ ولما قلنا : إنّه مضاف للياء ، ولم نجعله مفردا من غير إضافة. وقد تقدّم توجيه كسر هذه التّاء بما ذكره الزمخشريّ من كونها هي الكسرة التي قبل الياء ز حلقت إلى التاء وهذا أحد المذهبين.

والمذهب الآخر : أنّها كسرة أجنبيّة ، جيء بها لتدلّ على الياء المعوّض منها. فأما الفتح ففيه أربعة أوجه ، ذكر الفارسي منها وجهين :

أحدهما : أنه اجتزأ بالفتحة عن الألف المنقلبة عن الياء ، كما اجتزأ عنها الآخر بقوله : [الوافر]

٣٠٤٨ ـ ولست براجع ما فات منّي

بلهف ولا بليت ولا لونّي (١)

وكما اجتزأ بها في : «يا بن أمّ» و «يا بن عمّ».

والثاني : أنه رخم بحذف التاء ، ثم أقحمت التّاء مفتوحة ؛ كقول النابغة الجعديّ : [الطويل]

٣٠٤٩ ـ كليني لهمّ يا أميمة ناصب

وليل أقاسيه بطيء الكواكب (٢)

بفتح تاء أميمة.

الثالث : ما ذكره الفرّاء ، وأبو عبيدة ، وأبو حاتم ، وقطرب في أحد قوليه : وهو أن الألف في : «يا أبتا» للنّدبة ، ثم حذفها مجتزئا عنها بالفتحة ، وهذا قد ينفع في الجواب بين العوض والمعوض منه ، ورد بعضهم هذا ؛ بأنّ الموضع ليس موضع ندبة.

الرابع : أن الأصل «يا أبة» بالتنوين ، فحذف التنوين ، لأنّ النداء باب حذف ، وإلى هذا ذهب قطرب في القول الثاني.

وردّ هذا : بأن التّنوين لا يحذف من المنادى المنصوب نحو : «يا ضاربا رجلا».

وقرأ (٣) أبو جعفر : «يا أبي» بالياء ولم يعوض منها التّاء ، وقرأ الحسن ، والحسين (٤) ، وطلحة بن سليمان ، ـ رضي الله عنهم ـ : «أحد عشر» بسكون العين ؛

__________________

(١) تقدم.

(٢) البيت للنابغة الذبياني وليس للنابغة الجعدي كما قال المصنف. ينظر : ديوانه (٥) والكتاب ٢ / ٢٧ وأمالي ابن الشجري ٢ / ٨٣ والخزانة ٢ / ٣٢١ وابن يعيش ٢ / ١٢ والأشموني ٣ / ١٧٣ والهمع ١ / ١٨٥ والدرر ١ / ١٦٠ والجمل ١٨٦ والدر المصون ٤ / ١٥٢.

(٣) ينظر : الدر المصون ٤ / ١٥٣.

(٤) وقرأ بها أيضا أبو جعفر ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٢١٩ ، والبحر المحيط ٥ / ٢٨٠ والدر المصون ٤ / ١٥٣.

١١

كأنّهم قصدوا التنبيه بهذا التّخفيف على أنّ الاسمين جعلا اسما واحدا.

قوله (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) يجوز فيه وجهان :

أحدهما : أن تكون الواو عاطفة ، وحينئذ : يحتمل أن يكون من باب ذكر الخاصّ بعد ذكر العام تفصيلا له ؛ لأن الشّمس والقمر دخلا في قوله : (أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً) فهذا كقوله : (وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) [البقرة : ٩٨] بعد قوله : (وَمَلائِكَتِهِ) ويحتمل أن لا تكون كذلك ، وتكون الواو لعطف المغايرة ؛ فيكون قد رأى الشمس والقمر زيادة على ال «أحد عشر» ومن جملتها الشمس والقمر ، وهذان الاحتمالان نقلهما الزمخشريّ.

والوجه الثاني : أن تكون الواو بمعنى : «مع» إلا أنّه مرجوح ؛ لأنّه متى أمكن العطف من غير ضعف ، ولا إخلال بمعنى ، رجّح على المعيّة ؛ وعلى هذا فيكون كالوجه الذي قبله ، بمعنى : أنه رأى الشمس ، والقمر زيادة على الأحد عشر كوكبا.

قوله (رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) يحتمل وجهين :

أحدهما : أنّها جملة كرّرت للتوكيد ؛ لما طال الفصل بالمفاعيل ، كما كرّرت «أنّكم» في قوله تعالى : (أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) [المؤمنون : ٣٥]. كذا قاله أبو حيّان (١) ، وسيأتي تحقيقه ـ إن شاء الله تعالى ـ.

والثاني : أنه ليس [بتأكيد] (٢) ، وإليه نحا الزمخشريّ ؛ فإنه قال : «فإن قلت : ما معنى تكرار «رأيتهم»؟ قلت : ليس بتكرار ؛ إنّما هو كلام مستأنف على تقدير سؤال وقع جوابا له ؛ كأنّ يعقوب ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال له عند قوله : (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) كيف رأيتها؟ سائلا عن حال رؤيتها ، فقال : (رأيتهم لي ساجدين) وهذا أظهر ؛ لأنّه متى دار الكلام بين الحمل على التأكيد والتأسيس ، فحمله على التّأسيس أولى».

و «ساجدين» : صفة جمع جمع العقلاء ، فقيل : لأنّه لما عاملهم معاملة العقلاء في إسناد فعلهم إليهم ، جمعهم جمع العقلاء ؛ لأنّ الشيء قد يعامل معاملة شيء آخر ، إذا شاركه في صفة ما ؛ كما قال في صفة الأصنام : (وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) [الأعراف : ١٧٨] ، وكقوله عزوجل : (يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ) [النمل : ١٨].

والرّؤية هنا : مناميّة ، وقد تقدم أنّها تنصب مفعولين ؛ كالعلميّة ؛ وعلى هذا قد حذف المفعول الثاني من قوله : (رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً) ، ولكن حذفه اقتصارا ممتنع ، فلم يبق إلا اختصارا ، وهو قليل ، أو ممتنع عند بعضهم (٣).

وقال بعضهم : إن إحداهما من الرّؤية ، والأخرى من الرّؤيا.

__________________

(١) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٢٨١.

(٢) في ب : بتكرار.

(٣) ينظر : الكتاب ١ / ٤٠ ، وابن يعيش ٧ / ٧٨ ، والتصريح ١ / ٢٤٩ ـ ٢٥٠ ، والمقتضب ٣ / ١٨٩ ، والهمع ١ / ١٤٩.

١٢

قال القفّال : ذكر الرّؤية الأولى ؛ ليدل على أنّه شاهد الكواكب ، والشّمس والقمر ، والثانية ؛ ليدل لا على مشاهدة كونها ساجدة له.

فصل

ذكر المفسرون : أنّ يوسف ـ عليه‌السلام ـ رأى في المنام أحد عشر كوكبا ، والشمس والقمر يسجدون له ، وكان له أحد عشر من الإخوة يستضاء بهم ؛ كما يستضاء بالنّجوم ، ففسّر الكواكب : بالإخوة ، والشمس والقمر : بالأب والأم ، والسجود : بتواضعهم له ، ودخولهم تحت أمره ، وإنما حملنا الرّؤية على رؤية المنام ؛ لأن الكواكب لا تسجد في الحقيقة ، ولقول يعقوب ـ عليه الصلاة والسلام ـ : (لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ).

وقال السديّ : «القمر : خالته ، والشمس : أبوه ؛ لأن أمّه راحيل كانت قد ماتت»(١).

وقال ابن جريح : القمر : أبوه ، والشّمس : أمّه ؛ لأن الشمس مؤنثة ، والقمر مذكّر (٢).

وقال وهب بن منبّه ـ رضي الله عنه ـ : «إن يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ رأى وهو ابن سبع سنين ، إحدى عشرة عصا طوالا كانت مركوزة في الأرض كهيئة الدّائرة ، وإذا عصا صغيرة وثبت عليها حتى اقتلعتها (٣) ، فذكر ذلك لأبيه ؛ فقال : إيّاك أن تذكر هذا لإخوتك ، ثمّ رأى وهو ابن اثنتي عشرة سنة ، الشّمس ، والقمر والكواكب ، تسجد له ؛ فقصّها على أبيه ؛ فقال : لا تذكرها لهم فيكيدوا لك كيدا» (٤).

روى الزمخشريّ ـ رحمه‌الله ـ : «أن يهوديّا جاء إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال يا محمّد : أخبرني عن النّجوم التي رآهن يوسف ، فسكت النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ ؛ فنزل جبريل ـ عليه‌السلام ـ فأخبره بذلك ؛ فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ لليهوديّ : إن أخبرتك بذلك هل تسلم؟ قال : نعم ؛ فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وشرف وكرم ومجد وبجل وعظم : حرثان ، والطارق والذيال ، وقابس ، وعمودان ، والفليق ، والمصبح ، والقرع ، والضروح ووثاب ، وذو الكتفين ـ رآها يوسف ، والشمس والقمر [نزلن] (٥) من السّماء ، وسجدن له ، فقال اليهوديّ : إي والله إنّها لأسماؤها»(٦).

__________________

(١) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٤٠٩).

(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ١٤٩) وذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٤٠٩).

(٣) في أ : تلقفتها.

(٤) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٨ / ٧٠).

(٥) في أ : نزلت.

(٦) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ١٤٨) والحاكم (٢ / ١٧٢) والبزار كما في «المجمع» (٧ / ٤٢) وأبو يعلى كما في «المطالب» (٣ / ٣٤٤) رقم (٣٦٥٢) والعقيلي في «الضعفاء» (١ / ٢٥٩) وابن حبان في المجروحين (١ / ٢٥٠ ـ ٢٥١) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٦) وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن مردويه وأبي نعيم والبيهقي كلاهما في «دلائل النبوة».

وقال الحاكم : صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.

١٣

واعلم أن كثيرا من هذه الأسماء غير مذكورة في الكتب المصنفة في صور الكواكب.

فصل

زعمت طائفة من العلماء : أنه لم يكن في أولاد يعقوب نبيّ غير يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ وباقي إخوته لم يوح إليهم ، واستدلّوا بظاهر ما ذكر من أفعالهم ، وأحوالهم في هذه القصّة ، ومن استدلّ على نبوتهم ، استدلّ بقوله ـ تعالى ـ : (آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ) [البقرة : ١٣٦] وزعم أنّ هؤلاء : هم الأسباط ، وهذا استدلال ضعيف ؛ لأن المراد بالأسباط : شعوب بني إسرائيل ، وما كان يوجد فيهم من الأنبياء الذين نزل عليهم الوحي ، وأيضا : فإنّ يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ هو المخصوص من بين إخوته بالنبوة والرسالة ؛ لأنّه نصّ على نبوّته ، والإيحاء إليه في آيات من القرآن ولم ينصّ على أحد إخوته سواه ؛ فدلّ على ما ذكرنا.

فصل

في الآية دليل على تحذير المسلم أخاه المسلم ، ولا يكون ذلك داخلا في معنى الغيبة ؛ لأنّ يعقوب قد حذّر يوسف أن يقصّ رؤياه على إخوته ؛ فيكيدوا له كيدا ، وفيها أيضا : دليل على جواز ترك إظهار النّعمة عند من يخشى غائلته حسدا ، وفيها أيضا : دليل على معرفة يعقوب ـ عليه الصلاة والسلام ـ بتأويل الرّؤيا ؛ فإنه علم من تأويلها : أنّه سيظهر عليهم.

قوله (يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ) قرأ حفص : «يا بنيّ» (١) بفتح الياء ، والباقون بكسرها ، وقرأ العامة : بفك الصادين ، وهي لغة الحجاز ، وقرأ زيد بن علي (٢) : بصاد واحدة مشددة ، والإدغام لغة تميم ، وقد تقدّم تحقيق هذا في المائدة ، عند قوله : (مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ) [المائدة : ٥٤] والرّؤيا مصدر كالبقيا.

وقال الزمخشريّ : «الرّؤيا بمعنى : الرّؤية ، إلا أنّها مختصة بما كان في النّوم دون اليقظة ، فرّق بينهما بحرفي التأنيث ؛ كما قيل : القربة والقربى».

وقرأ العامّة : «الرّؤيا» مهموزة من غير إمالة ، وقرأها (٣) الكسائيّ في رواية الدّوريّ عنه بالإمالة : وأما (الرؤيا) [يوسف : ١٠٠] : و «رؤياي» الاثنتان في هذه السورة ، فأمالهما الكسائيّ من غير خلاف في المشهور ، وأبو عمرو يبدل هذه الهمزة واوا في طريق السوسيّ.

وقال الزمخشري (٤) : وسمع الكسائيّ : «ريّاي وريّاك» بالادغام ، وضم الرّاء ،

__________________

(١) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٢٨١.

(٢) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٢٨١ والدر المصون ٤ / ١٥٤.

(٣) ينظر : الإتحاف ٢ / ١٤٠ والمحرر الوجيز ٣ / ٢٢٠ والدر المصون ٤ / ١٥٤.

(٤) ينظر : الكشاف ٢ / ٤٤٤.

١٤

وكسرها ، وهي ضعيفة ؛ لأن الواو في تقدير الهمزة ؛ فلم يقو إدغامها ؛ كما لم يقو إدغام «اتّزر» من الإزار ، و «اتّجر» من «الأجر».

يعني : أن العارض لا يعتدّ به ، وهذا هو الغالب ، وقد اعتدّ القراء بالعارض في مواضع يأتي بعضها ـ إن شاء الله تعالى ـ نحو قوله : «رئيا» في قوله : (أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً) [مريم: ٧٤] عند حمزة ، و (عاداً الْأُولى) [النجم : ٥٠] وأما كسر «ريّاك» فلئلا يؤدّي إلى ياء ساكنة بعد ضمّة ، وأما الضمّ فهو الأصل ، والياء قد استهلكت بالإدغام.

قوله «فيكيدوا» : منصوب في جواب النّهي ، وهو في تقدير شرط وجزاء ، ولذلك قدّره الزمخشريّ بقوله : «إن قصصتها عليهم كادوك».

و «كيدا» فيه وجهان :

أظهرهما (١) : أنه مصدر مؤكد ، وعلى هذا ففي اللام في قوله : «لك» خمسة أوجه :

أحدها : أن يكون «يكيد» ضمن معنى ما يتعدّى باللّام ؛ لأنّه في الأصل يتعدّى بنفسه ، وقال : (فَكِيدُونِي جَمِيعاً) [هود : ٥٥] والتقدير : فيحتالوا لك بالكيد.

قال الزمخشري مقدّرا لهذا الوجه : «فإن قلت : هلا قيل : «فيكيدوك» (٢) كما قيل : فكيدوني [هود : ٥٥]؟.

قلت : ضمّن معنى فعل يتعدّى باللّام ؛ ليفيد معنى فعل الكيد (٣) مع إفادة معنى الفعل المضمّن ، فيكون آكد وأبلغ في التّخويف ، وذلك نحو : فيحتالوا لك ؛ ألا ترى إلى تأكيده بالمصدر».

الوجه الثاني من أوجه اللّام : أن تكون اللّام معدية ، ويكون هذا الفعل ممّا يتعدّى بحرف الجرّ تارة ، وبنفسه أخرى ؛ ك «نصح» و «شكر» كذا قاله أبو حيّان (٤) ، وفيه نظر ؛ لأنّ ذلك باب لا ينقاس ، إنّما يقتصر فيه على ما ذكره النّحاة ، ولم يذكروا منه كاد.

والثالث : أن تكون اللّام زائدة في المفعول به ؛ كزيادتها في قوله : (رَدِفَ لَكُمْ) [النمل: ٧٢] ، قاله أبو البقاء (٥) ؛ وهو ضعيف ؛ لأن اللام لا تزاد إلا بأحد شرطين : تقديم المعمول ، أو كون العامل فرعا.

الرابع : أن تكون اللام للعلّة ، أي : فيكيدوا لأجلك ؛ وعلى هذا فالمفعول محذوف اقتصارا ، أو اختصارا.

الخامس : أن تتعلّق بمحذوف ؛ لأنّها حال من «كيدا» إذ هي في الأصل يجوز أن تكون صفة له لو تأخّرت.

__________________

(١) في ب : أحدهما وهو الظاهر.

(٢) في أ : فيكيدوكن.

(٣) في ب : العبد.

(٤) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٢٨١.

(٥) ينظر : الإملاء ٢ / ٤٩.

١٥

الوجه الثاني من وجهي «كيدا» : أن يكون مفعولا به ، أي : فيصنعوا لك كيدا ، أي : أمرا يكيدونك به ، وهو مصدر في موضع الاسم ، ومنه : (فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ) [طه : ٦٤] ، أي : ما تكيدون به ؛ ذكره أبو البقاء ، وعلى هذا ففي اللّام في : «لك» وجهان فقط : كونها صفة في الأصل ، ثم صارت حالا ، أو هي للعلّة ، وأما الثلاثة الباقية ، فلا تتأتّى بعد ، فامتناعها واضح.

ثمّ قال (إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) أي : يزيّن لهم الشيطان ، ويحملهم على الكيد بعداوته القديمة.

فصل

قال أبو سلمة : كنت أرى الرّؤيا تهمّني ، حتى سمعت أبا قتادة يقول : كنت أرى الرّؤيا ، فتمرضني ، حتى سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «الرّؤيا الصّالحة من الله ، فإذا رأى أحدكم ما يحبّ ، فلا يحدّث به إلّا من يحبّ ، وإذا رأى ما يكره ، فلا يحدّث به ، وليتفل عن يساره ، وليتعوّذ بالله من الشيطان الرّجيم ، من شر ما رأى (١) فإنّها لن تضره» (٢) وقالصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الرّؤيا جزء من أربعين أو ستّة (٣) وأربعين جزءا من النّبوّة ، وهي على رجل طائر فإذا حدّث بها وقعت». قال الراوي : وأحسبه قال : «لا تحدّث بها إلّا حبيبا ، أو لبيبا» (٤).

قال الحكماء : الرؤيا الرّديئة يظهر تعبيرها عن قرب ، والرّؤيا الجيّدة ، إنّما يظهر تعبيرها بعد حين ، قالوا : والسّبب فيه أنّ رحمة الله تقتضي ألّا يحصل الإعلام بوصول الشّر ، إلا عند قرب وصوله حتى يقل الحزن ، والغمّ الحاصل بسبب توقّعه ، وأمّا الإعلام بالخير ، فإنه يحصل متقدّما على ظهوره ، بزمان طويل ؛ حتى يكون السّرور الحاصل بسبب توقّع حصوله كثيرا.

فصل

قال القرطبيّ (٥) : «الرّؤيا حالة شريفة ، ومنزلة رفيعة ، قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لم يبق بعدي من

__________________

(١) في ب : ومن سرّ برؤيا.

(٢) أخرجه البخاري (٦ / ٣٣٨) في كتاب بدء الخلق باب صفة إبليس وجنوده (٣٢٩٢) ، (٥٧٤٧) ، (٦٩٨٤) ، (٦٩٨٦) ، (٦٩٩٥) ، (٦٩٩٦) (٧٠٠٥) ، (٧٠٤٤). ومسلم (٤ / ١٧٧٢) في الرؤيا (٢ / ٢٢٦٢) وأخرجه مالك في الموطأ (٢ / ٩٥٧) في الرؤيا : باب ما جاء في الرؤيا (٢).

(٣) في ب : أربعة ، وفي أ : تسع والصواب ما أثبتناه.

(٤) أخرجه الترمذي (٤ / ٥٣٦) في الرؤيا : باب ما جاء في تعبير الرؤيا (٢٢٧٨) (٢٢٧٩) ، وقال حسن صحيح ، وأبو داود الطيالسي في المسند ١٤٧ / (١٠٨٨) وأحمد في المسند ٤ / ١٢ ، والحاكم في المستدرك ٤ / ٣٩٠ ، في تعبير الرؤيا باب القيد ثبات في الدين وقال صحيح الإسناد ، ووافقه الذهبي.

(٥) ينظر : الحامع لأحكام القرآن ٩ / ٨٢.

١٦

المبشرات إلّا الرّؤيا الصّالحة ، يراها [الرجل] (١) الصّالح ، أو ترى له» (٢) وقالصلى‌الله‌عليه‌وسلم : [أصدقكم رؤيا ، أصدقكم حديثا (٣) ، وحكم صلى‌الله‌عليه‌وسلم] (٤) بأنّها جزء من ستّة وأربعين جزءا من النّبوّة (٥) وروي : من سبعين ، وروي : من [تسعة] (٦) وأربعين ، وروي : من خمسين جزءا ، وروي : من ستّة وعشرين جزءا من النبوّة ، وروي : من أربعين ، والصحيح : حديث السّت والأربعين ، ويتلوه في الصّحة حديث السّبعين.

فإن قيل : إن يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان صغيرا ، والصغير لا حكم لفعله ، فكيف يكون لرؤياه حكم ، حتى يقول له أبوه : (لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ).

فالجواب : أن الرّؤيا إدراك حقيقة ، فتكون من الصّغير كما يكون منه الإدراك الحقيقيّ في اليقظة ، وإذا أخبر عمّا رأى في اليقظة ، صدق ؛ فكذلك إذا أخبر عمّا رأى في المنام ، وروي : أن يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان ابن اثنتي عشرة سنة.

فصل

في الآية دليل على أن الرّؤيا لا تقصّ على غير شقيق ولا ناصح ، ولا على امرىء لا يحسن التأويل فيها.

وروى الترمذيّ : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «الرّؤيا برجل طائر ، ما لم يحدّث بها صاحبها ، فإذا حدّث بها ، وقعت ، فلا تحدّثوا بها إلا عارفا ، أو محبّا ، أو ناصحا» (٧).

قوله (وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ) الكاف في موضع نصب ، أو رفع.

فالنّصب إما على الحال من ضمير المصدر المقدّر ، وقد تقدم أنه رأي سيبويه ، وإمّا على النعت لمصدر محذوف ، والمعنى : مثل ذلك الاجتباء العظيم يجتبيك.

والرّفع على أنّه خبر ابتداء مضمر ، يعني : الأمر كذلك ، وقد تقدم نظيره.

قوله : (وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) مستأنف ليس داخلا في حيّز التشبيه ، والتقدير : وهو يعلمك ، والأحاديث : جمع تكسير ، فقيل : لواحد ملفوظ به ، وهو «حديث» ولكنّه شذّ جمعه على : أحاديث ، وله أخوات في الشّذوذ ؛ كأباطيل ، وأقاطيع ، وأعاريض ، في «باطل وقطيع وعروض».

[وزعم](٨) أبو زيد (٩) : «أن لها واحدا مقدرا ، وهو «أحدوثة» ونحوه ، وليس باسم

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) تقدم.

(٣) أخرجه مسلم كتاب الرؤيا المقدمة (٥ ، ٦) وأحمد (٢ / ٢٦٩).

(٤) سقط في أ.

(٥) تقدم.

(٦) في ب : أربعة.

(٧) تقدم.

(٨) في ب وقال.

(٩) في أ : وزعم يزيد.

١٧

جمع ؛ لأن هذه الصّيغة مختصّة بالتكسير ، وإذا كانوا قد التزموا ذلك فيما لم يصرح له مفرد من لفظه ، نحو : «شماطيط» ، و (أَبابِيلَ) (١) [الفيل : ٣] ففي أحاديث أولى».

ولهذا ردّ على الزمخشري قوله : «وهي اسم جمع للحديث ، وليس بجمع أحدوثة» بما ذكرنا ، ولكن قوله : «ليس بجمع أحدوثة» صحيح ؛ لأن مذهب الجمهور خلافه ، على أنّ كلامه قد يريد به غير ظاهره من قوله : «اسم جمع».

فصل

قال الزجاج (٢) : الاجتباء مشتقّ من جببت الشيء : إذا أخلصته لنفسك ، ومنه : جببت الماء في الحوض ، والمعنى : كما رفع منزلتك بهذه الرّؤيا العظيمة الدّالة على الشّرف والعز ، كذلك يجتبيك ربّك ، ويصطفيك ربّك بالنّبوّة.

وقيل : بإعلاء الدّرجة (ويعلمك من تأويل الأحاديث) : يريد تعبير الرّؤيا ، وسمّي تأويلا ؛ لأنّه يئول أمره إلى ما رأى في منامه ، والتأويل : ما يئول إليه عاقبة الأمر ، وكان ـ عليه الصلاة والسلام ـ غاية في علم التّعبير.

وقيل : في تأويل الأحاديث في كتبه ـ تعالى ـ ، والأخبار المرويّة عن الأنبياء المتقدمين ـ عليهم الصلاة والسلام ـ.

وقيل : الأحاديث : جمع «حديث» ، والحديث هو الحادث ، وتأويلها : مآلها ومآل الحوادث إلى قدرة الله ـ تعالى ـ ، وتكوينه ، وحكمته ، والمراد من تأويل الأحاديث :كيفية الاستدلال بأصناف المخلوقات على قدرة الله ـ تعالى ـ وحكمته ، وجلاله.

قوله : (وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) يجوز أن يتعلق «عليك» ب «يتمّ» وأن يتعلق ب «نعمته» ، وكرّر «على» في قوله : «وعلى آل» لتمكن العطف على الضمير المجرور ، وهذا مذهب البصريّين.

وقوله (مِنْ قَبْلُ) أي : من قبلك ، واعلم : أنّ من فسر الاجتباء بالنّبوّة ، لا يمكنه أن يفسّر إتمام النّعمة ههنا بالنبوة ، وإلا لزم التكرار ، بل يفسر إتمام النّعمة ههنا : بسعادات الدنيا والآخرة.

أما سعادات الدنيا ؛ فالإكثار من الولد ، والخدم ، والأتباع ، والتّوسّع في المال والجاه ، والجلال في قلوب الخلق ، وحسن الثّناء والحمد ، وأما سعادات الآخرة ، فالعلوم الكثيرة ، والأخلاق الفاضلة.

__________________

(١) قال الفراء ٣ / ٢٩٢ : أبابيل : لا واحد لها ، مثل : الشماطيط ، والعباديد ، والشعارير ، كل هذا لا يفرد له واحد. ثم قال : وزعم لي الرؤاسي ، وكان ثقة مأمونا : أنه سمع واحدها إبالة لا ياء فيها ولقد سمعت من العرب من يقول : ضغث على إبّالة ... فلو قال واحد الأبابيل إيبالة كان صوابا ، كما قالوا : دينار ، دنانير.

(٢) ينظر : معاني القرآن ٣ / ٩١.

١٨

وقيل : المراد من إتمام النّعمة : خلاصته من المحن ، ويكون وجه التّشبيه ب «إبراهيم وإسحاق ـ عليهما الصلاة والسلام ـ» وهو إنعام الله ـ تعالى ـ على إبراهيم بإنجائه من النّار ، وعلى ابنه إسحاق بتخليصه من الذّبح.

وقيل : إن إتمام النّعمة هو : وصل نعم الدّنيا بنعم الآخرة ؛ بأن جعلهم في الدّنيا أنبياء ملوكا ، ونقلهم عنها إلى الدّرجات العلى في الآخرة (١).

وقيل : إتمام النّعمة على إبراهيم : خلّته ، وعلى إسحاق بإخراج يعقوب والأسباط من صلبه.

ومن فسر الاجتباء : بالدّرجات العالية ؛ فسّر إتمام النّعمة : بالنّبوّة ؛ لأنّ الكمال المطلق ، والتّمام المطلق في حقّ البشر ليس إلّا النّبوّة ، يدلّ عليه قوله تعالى : (وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ) أي : على أولاده ؛ لأن أولاده كلهم كانوا أنبياء ، وقوله : (كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ) والنّعمة التّامة التي بها حصل امتياز إبراهيم وإسحاق من سائر النّاس ليس إلا النبوة ؛ فوجب أن يكون المراد بإتمام النّعمة : هو النبوة ، وعلى هذا فيلزم الحكم بأنّ أولاده يعقوب كلهم كانوا أنبياء ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ).

فإن قيل : كيف يجوز أن يكونوا أنبياء ، وقد أقدموا على ما أقدموا عليه في حقّ يوسف ـ عليه‌السلام ـ؟.

فالجواب : أنّ ذلك وقع قبل النبوّة ، والعصمة إنّما تثبت في وقت النّبوّة ، لا قبلها.

قوله (إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ) «يجوز أن يكونا بدلا من «أبويك» أو عطف بيان ، أو على إضمار أعني» ، ثم لما وعد ـ عليه الصلاة والسلام ـ بهذه الدرجات الثلاث ، ختم [الآية](٢) بقوله : (إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) فقوله «عليم» إشارة إلى قوله : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) [الأنعام : ١٢٤] ، وقوله : «حكيم» إشارة إلى أنه مقدّس عن العبث ، فلا يضع النبوة إلا في نفس قدسيّة.

فإن قيل : هذه البشارات التي ذكرها يعقوب هل كان قاطعا بصحّتها ، أم لا؟ فإن كان قاطعا بصحّتها ، فكيف حزن على يوسف؟ وكيف جاز أن يشتبه عليه أنّ الذئب أكله؟ وكيف خاف عليه من إخوته أن يهلكوه؟ وكيف قال لإخوته : (وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ) مع علمه بأن الله ـ تعالى ـ سينجّيه ، ويبعثه رسولا؟.

وإن قلت : إنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ ما كان عالما بهذه الأحوال ، فكيف قطع بها؟ وكيف حكم بوقوعها جزما من غير تردّد؟.

فالجواب قال ابن الخطيب : «لا يبعد أن يكون قوله : (وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ) مشروطا

__________________

(١) في أ : الجنة.

(٢) في أ : الكلام.

١٩

بألا يكيدوه ؛ لأن ذكر ذلك قد تقدّم ، وأيضا : فيبعد أن يقال : إنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ سيصل إلى هذه المناصب ، إلا أنه لا يمتنع أن يقع في المضايق الشديدة ، ثم يتخلّص منها ، أو يصل إلى تلك المناصب ، وكان خوفه بهذا السّبب ، ويكون معنى قوله : (وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ) الزّجر عن التهاون في حقّه وإن كان يعلم أن الذئب لا يصل إليه».

قوله تعالى : (لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ (٧) إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٨) اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ (٩) قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (١٠) قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ (١١) أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (١٢) قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ (١٣) قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ) (١٤)

قوله تعالى : (لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ) الآية.

قال الزمخشري (١) : «أسماء إخوة يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ يهوذا وروبيل ، وشمعون ، ولاوى ، وزبالون ، ويشجر ، وأمهم : ليا بنت ليان ، وهي ابنة خال يعقوب ، وولد له من سريتين ـ تسمى إحداهما زلفة والأخرى بلهة ـ أربعة أولاد : دان ، ونفتالي ، وجاد وآشر ، فلما توفيت «ليا» تزوج يعقوب أختها راحيل ، فولدت له يوسف وبنيامين».

قوله تعالى (آياتٌ) قرأ (٢) ابن كثير «آية» بالإفراد ، والمراد بها : الجنس ، والباقون الجمع تصريحا بالمراد ؛ لأنها كانت علامات كثيرة ، وزعم بعضهم : أن ثمّ معطوفا محذوفا ، تقديره : للسّائلين ولغيرهم ، ولا حاجة إليه ، و «للسّائلين» : متعلق بمحذوف نعتا ل «آيات».

فصل

معنى : (آياتٌ لِلسَّائِلِينَ) أنه عبرة للمعتبرين ؛ فإنها تشتمل على حسد إخوة يوسف ، وما آل إليه أمرهم من الحسد ، وتشتمل على صبر يوسف عن قضاء الشّهود ، وعلى الرقّ والسّجن ، وما آل إليه أمره من الوصول إلى المراد ، وغير ذلك.

وقيل : (آياتٌ لِلسَّائِلِينَ) ، أي دلالة على نبوّة الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ.

__________________

(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٤٤٥.

(٢) ينظر : السبعة ٣٤٤ الحجة ٤ / ٣٩٦ وإعراب القراءات السبع ١ / ٢٩٩ وحجة القراءات ٣٥٥ وقرأ بها أيضا ابن محيصن ينظر : الإتحاف ٢ / ١٤٠ وينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٣٣١ وقرأ بها أيضا مجاهد وأهل مكة ينظر : البحر المحيط ٥ / ٢٨٣ وينظر : الدر المصون ٤ / ١٥٥.

٢٠