اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٠

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٠

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٦٢٢

والباقون «عمل» بفتح الميم وتنوينه على أنه اسم ، و «غير» بالرّفع.

فقراءة الكسائي : الضمير فيها يتعيّن عوده على ابن نوح ، وفاعل «عمل» ضمير يعود عليه أيضا ، و «غير» مفعول به. ويجوز أن يكون نعتا لمصدر محذوف ، تقديره : عمل عملا غير صالح كقوله (وَاعْمَلُوا صالِحاً) [المؤمنون : ٥١]. وقيل : إنه ذو عمل باطل فحذف المضاف لدلالة الكلام عليه.

وأمّا قراءة الباقين ، ففي الضّمير أربعة أوجه :

أظهرها : أنّه عائد على ابن نوح ، ويكون في الإخبار عنه بالمصدر المذاهب الثلاثة في «رجل عدل» ، و «زيد كرم وجود».

والثاني : أنه يعود على النداء المفهوم من قوله : (وَنادى) أي : نداؤك وسؤالك.

وإلى هذا ذهب أبو البقاء ومكيّ والزمخشريّ. وهذا فيه خطر عظيم (١) ، كيف يقال ذلك في حقّ نبي من الأنبياء ، فضلا عن أول رسول أرسل إلى أهل الأرض بعد آدم ـ عليهما الصلاة والسّلام ـ؟ ولمّا حكاه الزمخشريّ قال : «وليس بذاك» ولقد أصاب. واستدلّ من قال بذلك أنّ في حرف عبد الله بن مسعود إنّه عمل غير صالح أن تسألني ما ليس لك به علم وهذا مخالف للسّواد.

الثالث : أنّه يعود على ركوب ابن نوح المدلول عليه بقوله : (ارْكَبْ مَعَنا).

الرابع : أنّه يعود على تركه الرّكوب ، وكونه مع المؤمنين ، أي : إنّ تركه الركوب مع المؤمنين وكونه مع الكافرين عمل غير صالح ، وعلى الأوجه لا يحتاج في الإخبار بالمصدر إلى تأويل ؛ لأنّ كليهما معنى من المعاني ، وعلى الوجه الرابع يكون من كلام نوح ـ عليه الصلاة والسّلام ـ ، أي: إنّ نوحا قال : إنّ كونك مع الكافرين وتركك الركوب معنا عمل غير صالح ، بخلاف ما تقدّم فإنّه من قول الله تعالى فقط ، هكذا قال مكيّ وفيه نظر ، بل الظّاهر أنّ الكلّ من كلام الله تعالى.

وقال الزمخشريّ : فإن قلت : هلّا قيل : إنّه عمل فاسد. قلت : لما نفاه عن أهله نفى عنه صفتهم بلفظ النفي التي يستبقى معها لفظ المنفي ، وآذن بذلك أنّه إنّما أنجى من أنجى لصلاحهم لا لأنّهم أهلك.

قوله : (فَلا تَسْئَلْنِي) قرأ نافع وابن عامر «فلا تسألنّ» بتشديد النون مكسورة من غير ياء. وابن كثير بتشديدها مع الفتح ، وأبو عمرو والكوفيون بنون مكسورة خفيفة ، وياء وصلا لأبي عمرو ، ودون ياء في الحالين للكوفيين (٢). وفي الكهف (فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ)

__________________

(١) في أ : عقيم.

(٢) ينظر اختلاف السبعة في هذه القراءة في الحجة ٤ / ٣٤٤ ، ٣٤٥ ، ص ٣٤٣ ، ٣٤٤ والإتحاف ٣٢ / ١٢٧ والمحرر الوجيز ٣ / ١٧٧ والبحر المحيط ٥ / ٢٣٠ والدر المصون ٤ / ١٠٤.

٥٠١

قرأه أبو عمرو والكوفيون كقراءتهم هنا ، وافقهم ابن كثير في الكهف ، وأما نافع وابن عامر فكقراءتهما هنا ولابن ذكوان خلاف في ثبوت الياء وحذفها ، وإنّما قرأ ابن كثير التي في هود بالفتح دون التي في الكهف ؛ لأنّ الياء في هود ساقطة في الرسم ؛ فكانت قراءته بفتح النون محتملة بخلاف الكهف فإنّ الياء ثابتة في الرّسم ، فلا يوافق فيها فتحها. وقد تقدّم خلاف ابن ذكوان في ثبوت الياء في الكهف.

فمن خفّف النون ، فهي نون الوقاية وحدها ، ومن شدّدها فهي نون التوكيد.

وابن كثير لم يجعل في هود الفعل متصلا بياء المتكلم ، والباقون جعلوه ، فلزمهم الكسر. وقد تقدّم أنّ «سأل» يتعدّى لاثنين أوّلهما ياء المتكلم ، والثاني (ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ).

قوله : (أَنْ تَكُونَ) على حذف حرف الجر ، أي : من أن تكون أو لأجل أن ، وقوله: (ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) يجوز في «به» أن يتعلّق ب «علم».

قال الفارسيّ : ويكون مثل قوله : [الرجز]

٢٩٧٨ ـ كان جزائي بالعصا أن أجلدا (١)

ويجوز أن يتعلّق بالاستقرار الذي تعلّق به «لك» ، والباء بمعنى «في» ، أي ما ليس لك به علم. وفيه نظر.

ثم قال (إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) يعنى أن تدعو بهلاك الكفار ، ثم تسأل نجاة كافر (قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ) وهذا إخبار بما في المستقبل وهو العزم على الترك.

قوله : (وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي) لم تمنع «لا» من عمل الجازم كما لم تمنع من عمل الجارّ في نحو : «جئت بلا زاد» قال أبو البقاء : «لأنّها كالجزء من الفعل وهي غير عاملة في النّفي ، وهي تنفي ما في المستقبل ، وليس كذلك «ما» فإنّها تنفي ما في الحال ؛ فلذلك لم يجز أن تدخل «إن» عليها».

قوله : (قِيلَ يا نُوحُ) الخلاف المتقدم في قوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا) وشبهه عائد هنا ، أي : في كون القائم مقام الفاعل الجملة المحكية أو ضمير مصدر الفعل.

قوله : «بسلام» حال من فاعل «اهبط» أي : ملتبسا بسلام. و «منا» صفة ل : «سلام» فيتعلق بمحذوف أو هو متعلق بنفس «سلام» ، وابتداء الغاية مجاز ، وكذلك «عليك» يجوز أن يكون صفة ل «بركات» أو متعلقا بها.

ومعنى «اهبط» انزل من السفينة ، وعده عند الخروج بالسّلامة أولا ، ثم بالبركة ثانيا.

__________________

(١) تقدم.

٥٠٢

والبركة : ثبوت الخير ومنه بروك البعير ، ومنه البركة لثبوت الماء فيها ، ومنه (تَبارَكَ اللهُ) [الأعراف : ٥٤] أي : ثبت تعظيمه وقيل : البركة ههنا هي أنّ الله ـ تعالى ـ جعل ذريته هم الباقين إلى يوم القيامة ، ثم لمّا بشّره بالسّلامة والبركة شرح بعده حال أولئك الذين كانوا معه فقال: (وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ) قيل : المراد الذين معه ، وذرياتهم ، وقيل : ذرّية من معه.

قوله (مِمَّنْ مَعَكَ) يجوز في «من» أن تكون لابتداء الغاية ، أي : ناشئة من الذين معك ، وهم الأمم المؤمنون إلى آخر الدّهر ، ويجوز أن تكون «من» لبيان الجنس ، فيراد الأمم الذين كانوا معه في السفينة ؛ لأنّهم كانوا جماعات.

وقرىء «اهبط» بضمّ الباء ، وقد تقدّم أول البقرة ، وقرأ (١) الكسائيّ ـ فيما نقل عنه ـ «وبركة» بالتوحيد.

قوله : (وَأُمَمٌ) يجوز أن يكون مبتدأ ، و «سنمتّعهم» خبره ، وفي مسوغ الابتداء وجهان :

أحدهما : الوصف التقديري ، إذ التقدير : وأمم منهم ، أي : ممّن معك كقولهم : «السّمن منوان بدرهم» ف «منوان» مبتدأ وصف ب «منه» تقديرا.

والثاني : أنّ المسوّغ لذلك التفصيل نحو : «النّاس رجلان : رجل أهنت ، وآخر أكرمت» ومنه قول امرىء القيس : [الطويل]

٢٩٧٩ ـ إذا ما بكى من خلفها انحرفت له

بشقّ وشقّ عندنا لم يحوّل (٢)

ويجوز أن يكون مرفوعا بالفاعلية عطفا على الضّمير المستتر في «اهبط» وأغنى الفصل عن التأكيد بالضّمير المنفصل ، قاله أبو البقاء. قال أبو حيّان : وهذا التقدير والمعنى لا يصلحان ، لأنّ الذين كانوا مع نوح في السّفينة إنّما كانوا مؤمنين ؛ لقوله : (وَمَنْ آمَنَ) ولم يكونوا كفّارا ومؤمنين ، فيكون الكفار مأمورين بالهبوط ، إلّا إن قدّر أنّ من المؤمنين من يكفر بعد الهبوط ، وأخبر عنهم بالحال التي يؤولون إليها فيمكن على بعد. وقد تقدّم أنّ مثل ذلك لا يجوز ، في قوله (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ) [البقرة : ٣٥] لأمر صناعي ، و «سنمتّعهم» على هذا صفة ل «أمم» ، والواو يجوز أن تكون للحال قال الأخفش : كما تقول : «كلّمت زيدا وعمرو جالس» ويجوز أن تكون لمجرّد النّسق.

واعلم أنّه سبحانه أخبر بأنّ الأمم النّاشئة الذين كانوا مع نوح لا بدّ وأن ينقسموا إلى مؤمن وكافر.

ثم قال : (تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) وقد تقدّم الكلام فيها عند قوله (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) [آل عمران : ٤٤] في آل عمران. و «تلك» في محلّ رفع على الابتداء ، و (مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) الخبر ، و (نُوحِيها إِلَيْكَ) خبر ثان.

__________________

(١) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٢٣١ ، والدر المصون ٤ / ١٠٥.

(٢) تقدم.

٥٠٣

قوله : (ما كُنْتَ تَعْلَمُها) يجوز في هذه الجملة أن تكون حالا من الكاف في «إليك» وأن تكون حالا من المفعول في «نوحيها» وأن تكون خبرا بعد خبر.

والمعنى : ما كنت تعلمها أنت يا محمد ولا قومك ، أي : إنّك ما كنت تعرف هذه القصة وقومك أيضا ما كانوا يعرفونها ، كقول الإنسان لآخر : لا تعرف هذه المسألة لا أنت ولا أهل بلدك.

فإن قيل : أليس قد كانت قصة الطوفان مشهورة عند أهل العلم؟.

فالجواب : أنها كانت مشهورة بحسب الإجمال ، أمّا التّفاصيل المذكورة فما كانت معلومة.

ثم قال تعالى : «فاصبر» يا محمد أنت وقومك على أولئك الكفار (إِنَّ الْعاقِبَةَ) آخر الأمر والنّصر والظّفر «للمتّقين».

فإن قيل : إنّه ذكر هذه القصة في سورة يونس ثم أعادها ، فما فائدة هذا التكرار؟.

فالجواب : أنّ القصة الواحدة قد ينتفع بها من وجوه ، ففي السورة الأولى كان الكفار يستعجلون نزول العذاب ، فذكر ـ تعالى ـ قصة نوح وبيّن أنّ قومه كانوا يكذبونه بسبب أنّ العذاب ما كان يظهر ثمّ في العاقبة ظهر ، فكذا في واقعة محمد ـ صلوات الله البر الرحيم وسلامه عليه ـ ، وفي هذه السورة ذكر القصة لبيان أنّ إقدام الكفّار على الإيذاء ، والإيحاش كان حاصلا في زمن نوح ، فلمّا صبر نال الفتح والظفر ، فكن ، يا محمّد ، كذلك لتنال المقصود ، فلمّا كان الانتفاع بالقصة في كلّ سورة من وجه لم يكن تكريرها خاليا عن الفائدة.

قوله تعالى : (وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ (٥٠) يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ (٥١) وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (٥٢) قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (٥٣) إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٥٤) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (٥٥) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٦) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٥٧) وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ)(٥٨)

قوله تعالى : (وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً) القصّة. معطوفان على قوله : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى

٥٠٤

قَوْمِهِ) [هود : ٢٥] في عطف مرفوع على مرفوع ومجرور ، كقولك : ضرب زيد عمرا ، وبكر خالدا وليس من باب ما فصل فيه بين حرف العطف والمعطوف بالجار والمجرور نحو : «ضربت زيدا ، وفي السوق عمرا» فيجيء الخلاف المشهور.

وقيل : بل هو على إضمار فعل ، أي : وأرسلنا هودا ، وهذا أوفق لطول الفصل.

و «هودا» بدل أو عطف بيان لأخيهم.

وقرأ ابن (١) محيصن «يا قوم» بضم الميم ، وهي لغة بعضهم يبنون المضاف للياء على الضم كقوله تعالى : (قالَ رَبِّ احْكُمْ) بضم الباء ، ولا يجوز أن يكون غير مضاف للياء كما سيأتي في موضعه إن شاء الله.

وقوله : (مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) تقدم في الأعراف.

فصل

كان هود أخاهم في النسب لا في الدين ؛ لأنه كان من قبيلة عاد ، وهم قبيلة من العرب بناحية اليمن ، كما يقال للرجل : يا أخا تميم ، ويا أخا سليم ، والمراد رجل منهم.

فإن قيل : إنه تعالى قال في ابن نوح (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) فبين أن قرابة النسب لا تفيد إذا لم تحصل قرابة الدين ، وهاهنا أثبت هذه الأخوة مع الاختلاف في الدين ، فما الفرق بينهما؟.

فالجواب : أن المراد من هذا الكلام استمالة قوم محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ لأن قومه كانوا يستبعدون في محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع أنه واحد من قبيلتهم أن يكون رسولا إليهم من عند الله ، فذكر الله تعالى أن هودا كان واحدا من عاد ، وأن صالحا كان واحدا من ثمود ، لإزالة هذا الاستبعاد.

(قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ) وحدوا الله ، ولا تعبدوا غيره.

فإن قيل : كيف دعائهم إلى عبادة الله قبل إقامة الدلالة على ثبوت الإله تعالى؟.

فالجواب : أن دلائل ثبوت وجود الله تعالى ظاهرة ، وهي دلائل الآفاق والأنفس ، وقلما توجد في الدنيا طائفة ينكرون وجود الإله ؛ ولذلك قال تبارك وتعالى في صفة الكفار : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) [لقمان : ٢٥].

ثم قال : (إِنْ أَنْتُمْ) ما أنتم (إِلَّا مُفْتَرُونَ) كاذبون في إشراككم.

ثم قال : (يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً) أي : على تبليغ الرسالة جعلا (إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي) وهذا عين ما ذكره نوح ـ عليه الصلاة والسلام ـ.

__________________

(١) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ١٧٩ ، والبحر المحيط ٥ / ٢٣٢ والدر المصون ٤ / ١٠٦.

٥٠٥

قرأ نافع (١) ، والبزي بفتح ياء «فطرني» ، وأبو عمرو وقنبل بإسكانها. ومعنى «فطرني» خلقني ، (أَفَلا تَعْقِلُونَ) أني مصيب في المنع من عبادة الأوثان.

ثم قال : (وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ) آمنوا به ، والاستغفار ـ هاهنا ـ بمعنى الإيمان.

وقال الأصم : (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ) أي : سلوه أن يغفر لكم ما تقدم من شرككم ، ثم توبوا من بعده بالندم على ما مضى ، وبالعزم على أن لا تعودوا إلى مثله ، فإذا فعلتم ذلك فالله يكثر النعمة عليكم.

قوله : (يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً) نصب «مدرارا» على الحال ، ولم يؤنثه وإن كان من مؤنث لثلاثة أوجه :

أحدها : أن المراد بالسماء السحاب ، فذكر على المعنى.

الثاني : أن مفعالا للمبالغة فيستوي فيه المذكر والمؤنث ك : صبور ، وشكور ، وفعيل.

الثالث : أن الهاء حذفت من «مفعال» على طريق النسب قاله مكي ، وقد تقدم إيضاحه في الأنعام.

والمعنى : يرسل عليكم المطر متتابعا مرة بعد أخرى في أوقات الحاجة. (وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ) أي : شدة مع شدتكم. وقيل : المراد بالقوة : المال وذلك أن الله تعالى لما بعث هودا إليهم ، وكذبوه حبس الله المطر عنهم ثلاث سنين ، وأعقم أرحام نسائهم ، فقال لهم هود : إن آمنتم بالله أحيا الله بلادكم ورزقكم المال ، والولد ، فذلك قوله تعالى : (يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً) والمدرار : بالكسر الكثير الدر وهو من أبنية المبالغة.

فإن قيل : إن هودا ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال : لو اشتغلتم بعبادة الله لا نفتحت عليكم أبواب الخيرات الدنيوية ، وليس الأمر كذلك لقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ «خص البلاء بالأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل ، فالأمثل» (٢) فكيف الجمع بينهما؟ وأيضا فقد جرت عادة القرآن بالترغيب في الطاعات بسبب ترتيب الخيرات الدنيوية ، والآخروية عليها ، فأما الترغيب في الطاعات لأجل ترتيب الخيرات الدنيوية عليها ؛ فذلك لا يليق بالقرآن.

فالجواب : لما كثر الترغيب في سعادات الآخرة لم يتغير بالترغيب أيضا في خير الدنيا بقدر الكفاية.

قوله : (إِلى قُوَّتِكُمْ) يجوز أن يتعلق ب «يزدكم» على التضمين ، أي : يضيف إلى قوتكم قوة أخرى ، أو يجعل الجار والمجرور صفة ل «قوة» فيتعلق بمحذوف.

وقدره أبو البقاء : «مضافة إلى قوتكم» ، وهذا يأباه النحاة ؛ لأنهم لا يقدرون إلا الكون

__________________

(١) ينظر : الدر المصون ٤ / ١٠٦.

(٢) ذكره المتقي الهندي في «كنز العمال» (٦٧٨٣) بلفظ أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل وعزاه لا بن حبان عن أبي سعيد.

٥٠٦

المطلق في مثله ، أو تجعل «إلى» بمعنى «مع» أي : مع قوتكم ، كقوله : (إِلى أَمْوالِكُمْ).

ثم قال : (وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ) أي : ولا تدبروا مشركين مصرين على الكفر.

(قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ) ببرهان وحجة واضحة على ما تقول. والباء في «بينة» يجوز أن تكون للتعدية ؛ فتتعلق بالفعل قبلها أي ما أظهرت لنا بينة قط.

والثاني : أن تتعلق بمحذوف على أنها حال ؛ إذ التقدير : مستقرا أو ملتبسا ببينة.

قوله : (وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ) أي : وما نترك آلهتنا صادرين عن قولك ، فيكون (عَنْ قَوْلِكَ) حال من الضمير في «تاركي» ويجوز أن تكون «عن» للتعليل كهي في قوله تعالى : (إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ ،) أي : إلا لأجل موعدة. والمعنى هنا : بتاركي آلهتنا لقولك ، فيتعلق بنفس «تاركي». وقد أشار إلى التعليل ابن عطية ، ولكن المختار الأول ، ولم يذكر الزمخشري غيره.

قوله : (وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) بمصدقين.

(إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ) الظاهر أن ما بعد «إلا» مفعول بالقول قبله ، إذ المراد : إن نقول إلا هذا اللفظ فالجملة محكية نحو قولك : «ما قلت إلا زيد قائم». وقال أبو البقاء : «الجملة مفسرة لمصدر محذوف ، التقدير : إن نقول إلا قولا هو اعتراك ، ويجوز أن يكون موضعها نصبا ، أي : ما نذكر إلا هذا القول».

وهذا غير مرض ؛ لأن الحكاية بالقول معنى ظاهر لا يحتاج إلى تأويل ، ولا إلى تضمين القول بالذكر.

وقال الزمخشري (١) : «اعتراك» مفعول «نقول» و «إلا» لغو ، أي : ما نقول إلا قولنا «اعتراك». انتهى.

يعنى بقوله : «لغو» أنه استثناء مفرغ ، وتقديره بعد ذلك تفسير معنى لا إعراب ، إذ ظاهره يقتضي أن تكون الجملة منصوبة بمصدر محذوف ، ذلك المصدر منصوب ب «نقول» هذا الظاهر.

ويقال : اعتراه يعتريه إذا أصابه ، وهو افتعل من عراه يعروه ، والأصل : اعترو من العرو ، مثل : اغتزو من الغزو ، فتحرك حرف العلة وانفتح ما قبله فقلب ألفا ، وهو يتعدى لا ثنين ثانيهما بحرف الجر.

والمعنى : أنك شتمت آلهتنا ، فجعلتك مجنونا ، وأفسدت عقلك ، ثم قال لهم هود : (إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ) على نفسي (وَاشْهَدُوا) يا قومي (أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) من دونه ، يعنى : الأوثان.

__________________

(١) ينظر : تفسير الكشاف ٢ / ٤٠٣.

٥٠٧

قوله : (أَنِّي بَرِيءٌ) يجوز أن يكون من باب الإعمال ؛ لأن «أشهد» يطلبه ، و «اشهدوا» يطلبه أيضا ، والتقدير : أشهد الله على أني بريء ، واشهدوا أنتم عليه أيضا ، ويكون من باب إعمال الثاني ؛ لأنه لو أعمل الأول لأضمر في الثاني ، ولا غرو في تنازع المختلفين في التعدي واللزوم.

و (مِمَّا تُشْرِكُونَ) يجوز أن تكون «ما» مصدرية ، أي : من إشراككم آلهة من دونه ، أو بمعنى «الذي» ، أي : من الذين تشركونه من آلهة من دونه ، أي : أنتم الذين تجعلونها شركاء.

وقوله : «جميعا» حال من فاعل «فكيدوني» ، وأثبت سائر القراء ياء «فكيدوني» في الحالين ، وحذفوها في المرسلات.

وهذا نظير ما قاله نوح ـ عليه الصلاة والسلام ـ لقومه : (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ) إلى قوله : (وَلا تُنْظِرُونِ) [يونس : ٧١].

وهذه معجزة قاهرة ؛ لأن الرجل الواحد إذا أقبل على القوم العظام ، وقال لهم : بالغوا في عداوتي ، وفي إيذائي ، ولا تؤجلون فإنه لا يقول هذا إلا إذا كان واثقا من الله بأنه يحفظه ، ويصونه عن كيد الأعداء ، وهذا هو المراد بقوله : (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ) أي : اعتمادي على الله ربي وربكم.

(ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها) قال الأزهري : «الناصية عند العرب : منبت الشعر في مقدم الرأس ، ويسمى الشعر النابت هناك أيضا ناصية باسم منبته».

ونصوت الرجل : أخذت بناصيته ، فلامها واو ، ويقال : ناصاة بقلب يائها ألفا ، وفي الأخذ بالناصية عبارة عن الغلبة والتسلط وإن لم يكن آخذا بناصيته ، ولذلك كانوا إذا منوا على أسير جزوا ناصيته ليكون ذلك علامة لقهره ، والعرب إذا وصفوا إنسانا بالذلة ، والخضوع قالوا : ما ناصية فلان إلا بيد فلان ، أي : إنه مطيع له.

ومعنى (آخِذٌ بِناصِيَتِها) قال الضحاك : «محييها ومميتها» (١). وقال الفراء : «مالكها والقادر عليها» وقال القتيبي : «بقهرها».

(إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) يعني : وإن كان ربي قادرا عليهم فإنه لا يظلمهم ، ولا يعمل إلا بالإحسان والعدل ، فيجازي المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته.

وقيل : معناه دين ربي صراط مستقيم. وقيل : فيه إضمار ، أي : إن ربي يحثكم ويحملكم على صراط مستقيم.

(فَإِنْ تَوَلَّوْا) أي : تتولوا فحذف إحدى التاءين ، ولا يجوز أن يكون ماضيا كقوله :

__________________

(١) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٣٨٨ ـ ٣٨٩).

٥٠٨

«أبلغتكم» ولا يجوز أن يدعى فيه الالتفات ، إذ هو ركاكة في التركيب ، وقد جوز ذلك ابن عطية فقال : «ويحتمل أن يكون «تولوا» ماضيا ، ويجيء في الكلام رجوع من غيبة إلى خطاب».

قال شهاب الدين (١) : «ويجوز أن يكون ماضيا لكن لمدرك آخر غير الالتفات : وهو أن يكون على إضمار القول ، أي : فقل لهم : قد أبلغتكم ، ويترجح كونه بقراءة عيسى الثقفي والأعرج (فَإِنْ تَوَلَّوْا) بضم التاء واللام ، مضارع «ولى» ، والأصل : توليوا فأعل.

وقال الزمخشري (٢) : «فإن قلت : الإبلاغ كان قبل التولي ، فكيف وقع جزاء للشرط؟.

قلت : معناه ، وإن تتولوا لم أعاتب على تفريط في الإبلاغ ، وكنتم محجوجين بأن ما أرسلت به إليكم قد بلغكم فأبيتم إلا التكذيب».

قوله : (وَيَسْتَخْلِفُ) العامة على رفعه استئنافا. وقال أبو البقاء (٣) : هو معطوف على الجواب بالفاء. وقرأ عبد الله بن مسعود (٤) ـ رضي الله عنه ـ بتسكينه ، وفيه وجهان :

أحدهما : أن يكون سكن تخفيفا لتوالي الحركات.

والثاني : أن يكون مجزوما عطفا على الجواب المقترن بالفاء ، إذ محله الجزم وهو نظير قوله : (فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ) [الأعراف : ١٨٦] وقد تقدم تحقيقه ، إلا أن القراءتين ثم في المتواتر.

والمعنى : إن تتولوا أهلككم الله ، ويستبدل قوما غيركم أطوع منكم يوحدونه ويعبدونه.

قوله : (وَلا تَضُرُّونَهُ) العامة : على النون ؛ لأنه مرفوع على ما تقدم ، وابن مسعود بحذفها (٥) ، وهذا يعين أن يكون سكون «يستخلف» جزما ولذلك لم يذكر الزمخشري غيره ؛ لأنه ذكر جزم الفاعلين ، ولما لم يذكر أبو البقاء الجزم في «تضرونه» جوز الوجهين في «يستخلف». و «شيئا» مصدر ، أي : شيئا من الضرر.

والمعنى : أن إهلاككم لا ينقص من ملكه شيئا ، لأن وجودكم وعدمكم عنده سواء.

وقيل : لا تضرونه شيئا بتوليكم وإعراضكم ، إنما تضرون أنفسكم (إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِ

__________________

(١) ينظر : الدر المصون ٤ / ١٠٨.

(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٤٠٤.

(٣) ينظر : الإملا ٢ / ٤١.

(٤) ينظر : الكشاف ٢ / ٤٠٤ ورويت عن عاصم هكذا في المحرر الوجيز ٣ / ١٨٢ والبحر المحيط ٥ / ٢٣٤ وينظر : الدر المصون ٤ / ١٠٨.

(٥) ينظر : الكشاف ٢ / ٤٠٤ والبحر المحيط ٥ / ٢٣٤ والدر المصون ٤ / ١٠٨.

٥٠٩

شَيْءٍ حَفِيظٌ) أي : يحفظ أعمال العباد حتى يجازيهم عليها. وقيل : يحفظني من شركم ، ومكركم. وقيل : حفيظ من الهلاك إذا شاء ، ويهلك إذا شاء.

قوله : (وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) أي : عذابنا ، وهو ما نزل بهم من الريح العقيم ، عذبهم الله بها سبع ليال ، وثمانية أيام ، تدخل في مناخرهم وتخرج من أدبارهم وتصرعهم على الأرض على وجوههم حتى صاروا (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ) [الحاقة : ٧].

(نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) وكانوا أربعة آلاف (بِرَحْمَةٍ مِنَّا) بنعمة منا. وقيل : المراد بالرحمة : ما هداهم إليه من الإيمان. وقيل : المراد أنه لا ينجو أحد ، وإن اجتهد في الإيمان والعمل الصالح إلا برحمة من الله تعالى.

ثم قال : (وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ) فالمراد بالنجاة الأولى : هي النجاة من عذاب الدنيا ، والنجاة الثانية من عذاب القيامة.

والمراد بقوله : (وَنَجَّيْناهُمْ) أي : حكمنا بأنهم لا يستحقون ذلك العذاب الغليظ.

قوله تعالى : (وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ(٥٩) وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ)(٦٠)

ولما ذكر قصة عاد خاطب قوم محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : (وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ) وهو إشارة إلى قبورهم وآثارهم كأنه قال : سيحوا في الأرض فانظروا إليها واعتبروا.

قوله : «جحدوا» جملة مستأنفة سيقت للإخبار عنهم بذلك ، وليست حالا مما قبلها ، و «جحد» يتعدى بنفسه ، ولكنه ضمن معنى «كفر» ، فيعدى بحرفه ، كما ضمن «كفر» معنى «جحد» فتعدى بنفسه في قوله بعد ذلك : (كَفَرُوا رَبَّهُمْ).

وقيل : إن «كفر» ك «شكر» في تعديه بنفسه تارة وبحرف الجر أخرى.

واعلم أنه تعالى وصفهم بثلاث صفات :

الأولى : قوله : (جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ) أي : جحدوا دلائل المعجزات على الصدق ، أو جحدوا دلائل المحدثات على وجود الصانع الحكيم.

والثانية : قوله : (وَعَصَوْا رُسُلَهُ) ومعناه : أنهم إذا عصوا رسولا واحدا ؛ فقد عصوا جميع الرسل لقوله : (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) [البقرة : ٢٨٥].

والثالثة : قوله : (وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) والمعنى : أن السفلة كانوا يقلدون الرؤساء في قولهم (ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) [المؤمنون : ٣٣].

وتقدم اشتقاق (الْجَبَّارُ) [المائدة : ٢٢]. والعنيد والعنود والمعاند : المنازع المعارض قاله أبو عبيد وهو الطّاغي المتجاوز في الظّلم من قولهم : «عند يعند» إذا حاد

٥١٠

عن الحقّ من جانب إلى جانب. ومنه «عندي» الذي هو ظرف ؛ لأنه في معنى جانب ، من قولك : عندي كذا ، أي : في جانبي.

ثم قال : (وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً) أي : أردفوا لعنة تلحقهم ، وتصاحبهم في الدنيا وفي الآخرة. واللعنة : هي الإبعاد ، والطّرد عن الرّحمة.

ثم بيّن السّبب في نزول هذه الأحوال فقال : (أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ) أي : كفروا بربهم فحذف الباء. وقيل : هو من باب حذف المضاف ، أي كفروا نعمة ربّهم.

ثم قال : (أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ) قيل : بعدا من رحمة الله ، وقيل : هلاكا. وللبعد معنيان :

أحدهما : ضدّ القرب ، يقال منه : بعد يبعد بعداو بعدا.

والآخر : بمعنى الهلاك فيقال منه : بعد يبعد بعدا وبعدا.

فإن قيل : اللعن هو البعد ، فلمّا قال : (وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ) فما فائدة قوله : (أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ)؟.

فالجواب : كانوا عاديين.

فالأولى هم قوم هود الذين ذكرهم الله في قوله (أَهْلَكَ عاداً الْأُولى) [النجم : ٥٠].

والثانية أصحاب إرم ذات العماد.

وقيل : المبالغة في التّنصيص تدلّ على مزيد التأكيد.

قوله تعالى : (وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (٦١) قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (٦٢) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (٦٣) وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ (٦٤) فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (٦٥) فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (٦٦) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (٦٧) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ)(٦٨)

قوله تعالى : (وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً) القصة.

الكلام على أوّلها كالذي قبلها. والعامّة على منع «ثمود» الصّرف هنا لعلّتين : وهما

٥١١

العلمية والتّأنيث ، ذهبوا به مذهب القبيلة ، والأعمش ويحيى (١) بن وثاب صرفاه ، ذهبا به مذهب الحي ، وسيأتي بيان الخلاف إن شاء الله تعالى.

قوله : (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) يجوز أن تكون «من» لابتداء الغاية ، أي ابتداء إنشائكم منها إمّا إنشاء أصلكم ، وهو آدم ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ.

قال ابن الخطيب (٢) : «وفيه وجه آخر وهو أقرب منه ؛ وذلك لأنّ الإنسان مخلوق من المنيّ ومن دم الطمث ، والمنيّ إنما تولد من الدّم ، فالإنسان مخلوق من الدّم ، والدّم إنما تولد من الأغذية ، والأغذية إما حيوانية وإما نباتية ، والحيوانات حالها كحال الإنسان ؛ فوجب انتهاء الكل إلى النبات والنبات أنما تولد من الأرض ؛ فثبت أنه تعالى أنشأنا من الأرض».

أو لأن كل واحد خلق من تربته ؛ أو لأن غذاءهم وسبب حياتهم من الأرض.

وقيل : «من» بمعنى «في» ولا حاجة إليه.

قوله : (وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها) أي جعلكم عمّارها وسكانها. قال الضحاك : «أطال أعماركم فيها» (٣). وقال مجاهد : أعمركم من العمرى (٤). أي جعلها لكم ما عشتم. وقال قتادة ـ رضي الله عنه ـ : «اسكنكم فيها» (٥). قال ابن العربي : «قال بعض علمائنا : الاستعمار: طلب العمارة ، والطلب المعلق من الله ـ تعالى ـ على الوجوب ، قال القاضي أبو بكر : تأتي كلمة استفعل في لسان العرب على معان منها : استفعل بمعنى : طلب الفعل كقوله : استحملته أي : طلبت منه حملانا ، وبمعنى اعتقد ؛ كقوله : استسهلت هذا الأمر اعتقدته سهلا ، أو وجدته سهلا ، واستعظمته أي : وجدته عظيما ، وبمعنى أصبت كقوله : استجدته أي : أصبته جيدا ، وبمعنى «فعل» ؛ كقوله : قرّ في المكان ، واستقر ، قالوا وقوله : [(يَسْتَهْزِؤُنَ) [الأنعام : ٥] و (يَسْتَسْخِرُونَ) [الصافات : ١٤] منه ، فقوله تعالى : (وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها) أي : خلقكم لعمارتها ، لا على معنى : استجدته واستسهلته ، أي : أصبته جيدا ، وسهلا ، وهذا يستحيل](٦) في حقّ الخالق ، فيرجع إلى أنّه خلق لأنه الفائدة ؛ وقد يعبّر عن الشيء بفائدته مجازا ، ولا يصحّ أن يقال إنه طلب من الله لعمارتها ، فإن هذا لا يجوز في حقه» ويصحّ أن يقال : استدعى عمارتها ، وفي الآية دليل على الإسكان والعمرى.

ثم قال : (فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) وقد تقدّم تفسيره. (إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ) أي:

__________________

(١) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ١٨٣ والبحر المحيط ٥ / ٢٣٩ والدر المصون ٤ / ١٠٩.

(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ١٧ / ١٤ ـ ١٥.

(٣) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٣٩٠).

(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٦٢) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٦١١) وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم.

(٥) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٣٩٠).

(٦) سقط في أ.

٥١٢

أقرب بالعلم والسمع «مجيب» دعاء المحتاجين بفضله ، ورحمته.

ولمّا قرّر صالح هذه الدلائل (قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا) أي : كنّا نرجو أن تكون سيّدا فينا. وقيل : كنّا نرجو أن تعود إلى ديننا ، وذلك أنّه كان رجلا قوي الخاطر وكان من قبيلتهم ، فقوي رجاؤهم في أن ينصر دينهم ، ويقرّر طريقتهم ، فلمّا دعاهم إلى الله وترك الأصنام زعموا أنّ رجاءهم انقطع منه فقالوا : .. (أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا) من الآلهة ، فتمسّكوا بطريق التقليد. ونظير تعجّبهم هذا ما حكاه الله ـ تعالى ـ عن كفّار مكّة في قولهم : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ).

قوله : (وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ) مما تدعونا إليه مريب هذا هو الأصل ، ويجوز «وإنا» بنون واحدة مشدّدة كما في السورة الأخرى [إبراهيم : ٩]. وينبغي أن يكون المحذوف النّون الثّانية من «إنّ» ؛ لأنّه قد عهد حذفها دون اجتماعها مع «نا» ، فحذفها مع «نا» أولى ، وأيضا فإنّ حذف بعض الأسماء ليس بسهل وقال الفرّاء : «من قال «إنّنا» أخرج الحرف على أصله ؛ لأنّ كتابة المتكلمين «نا» فاجتمع ثلاث نونات ، ومن قال : «إنا» استثقل اجتماعها ؛ فأسقط الثالثة ، وأبقى الأوليين» انتهى. وقد تقدّم الكلام في ذلك.

قوله : «مريب» اسم فاعل من «أراب» يجوز أن يكون متعدّيا من «أرابه» ، أي : أوقعه في الرّيبة ، أو قاصرا م ن «أراب الرجل» أي : صار ذا ريبة. ووصف الشّكّ بكونه مريبا بالمعنيين المتقدمين مجازا.

والشّك : أن يبقى الإنسان متوقفا بين النّفي والإثبات ، والمريب : هو الذي يظن به السوء والمعنى : أنّه لم يترجّح في اعتقادهم فساد قوله وهذا مبالغة في تزييف كلامه.

قوله : (أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ) تقدّم نظيره [يونس : ٥٠] ، والمفعول الثّاني هنا محذوفق تقديره : أأعصيه ويدل عليه (إِنْ عَصَيْتُهُ). وقال ابن عطيّة : هي من رؤية القلب ، والشّرط الذي بعده وجوابه يسدّ مسدّ مفعولين ل «أرأيتم».

قال أبو حيّان (١) : «والذي تقرّر أنّ «أرأيت» ضمّن معنى «أخبرني» ، وعلى تقدير أن لا يضمّن ، فجملة الشّرط والجواب لا تسدّ مسدّ مفعولي «علمت» وأخواتها».

قوله : (إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) ورد بحرف الشّك ، وكان على يقين تام في أمره إلّا أنّ خطاب المخالف على هذا الوجه أقرب إلى القبول ؛ فكأنه قال : قدّروا أنّي على بيّنة من ربّي وأنّي نبيّ على الحقيقة ، وانظروا إن تابعتكم ، وعصيت أمر ربّي ، فمن يمنعني من عذاب الله فما تزيدونني على هذا التقدير غير تخسير.

قوله : (غَيْرَ تَخْسِيرٍ) الظاهر أنّ «غير» مفعول ثان ل «تزيدونني».

قال أبو البقاء (٢) : الأقوى هنا أن تكون «غير» استثناء في المعنى ، وهي مفعول ثان

__________________

(١) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٢٤٠.

(٢) ينظر : الإملاء ٢ / ٤١.

٥١٣

ل «تزيدونني» ، أي : فما تزيدونني إلّا تخسيرا. ويجوز أن تكون «غير» صفة لمفعول محذوف ، أي شيئا غير تخسير ، وهو جيد في المعنى.

ومعنى التّفعيل هنا النسبة ، والمعنى : غير أن أخسركم ، أي : أنسبكم إلى التّخسير ، قاله الزمخشريّ.

قال الحسن بن الفضل : لم يكن صالح في خسارة حتى قال : (فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ) وإنّما المعنى : فما تزيدونني بما تقولون إلا نسبتي إيّاكم إلى الخسارة (١).

والتفسيق والتّفجير في اللغة : النسبة إلى الفسق والفجور ، فكذلك التّخسير هو النسبة إلى الخسران.

وقيل : هو على حذف مضاف ، أي : غير بضارّه تخسيركم ، قاله ابن عبّاس (٢).

قوله تعالى : (وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً) الآية.

«لكم» في محلّ نصب على الحال من «آية» ؛ لأنّه لو تأخّر لكان نعتا لها ، فلمّا قدّم انتصب حالا.

قال الزّمخشريّ (٣) : فإن قلت : بم تتعلّق «لكم»؟ قلت : ب «آية» حالا منها متقدمة ، لأنّها لو تأخّرت لكانت صفة لها ، فلما تقدّمت انتصبت على الحال.

قال أبو حيّان : وهذا متناقض لأنّه من حيث تعلق «لكم» ب «آية» كان معمولا ل «آية» وإذا كان معمولا لها امتنع أن يكون حالا منها ، لأنّ الحال تتعلّق بمحذوف.

قال شهاب الدّين ـ رحمه‌الله ـ : ومثل هذا كيف يعترض به على مثل الزمخشري بعد إيضاحه المعنى المقصود بأنه التعلّق المعنويّ؟.

و «آية» نصب على الحال بمعنى علامة ، والنّاصب لها : إمّا «ها» التّنبيه ، أو اسم الإشارة ، لما تضمّناه من معنى الفعل ، أو فعل محذوف.

فصل

اعلم أنّ العادة فيمن يدّعي النبوة عند قوم يعبدون الأصنام لا بدّ وأن يطلبوا منه معجزة ، فطلبوا منه أن يخرج ناقة عشراء من صخرة معينة ، فدعا صالح ؛ فخرجت ناقة عشراء ، وولدت في الحال ولدا مثلها.

وهذه معجزة عظيمة من وجوه :

الأول : خلقها من الصّخرة.

وثانيها : خلقها في جوف الجبل ثم شق عنها الجبل.

__________________

(١) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٣٩١).

(٢) انظر المصدر السابق.

(٣) ينظر : الكشاف ٢ / ٤٠٨.

٥١٤

وثالثها : خلقها على تلك الصّورة دفعة واحدة من غير ولادة.

ورابعها : أنّه كان لها شرب يوم.

وخامسها : أنه كان يحصل منها لبن كثير يكفي الخلق العظيم.

ثم قال : (فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ) من العشب ، والنبات ، فليس عليكم مؤنتها.

وقرىء «تأكل» بالرفع : إمّا على الاستئناف ، وإمّا على الحال.

(وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ) ، ولا تصيبوها بعقر «فيأخذكم» إن قتلتموها (عَذابٌ قَرِيبٌ) يريد اليوم الثالث.

«فعقروها فقال لهم» صالح : (تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ) أي : في دياركم ، فالمراد بالدّار : البلد ، وتسمّى البلاد بالدّيار ، لأنّه يدار فيها ، أي : يتصرف ، يقال : ديار بكر أي : بلادهم.

وقيل : المراد بالدّيار : دار الدّنيا ، وقيل : هو جمع «دارة» كساحة وساح وسوح ، وأنشد ابن أبي الصّلت : [الوافر]

٢٩٨٠ ـ له داع بمكّة مشمعلّ

وآخر فوق دارته ينادي (١)

فصل

قال القرطبيّ : «استدلّ العلماء بتأخير الله العذاب عن قوم صالح ثلاثة أيام على أنّ المسافر إذا لم يجمع على إقامة أربع ليال قصر ؛ لأنّ الثلاثة أيام خارجة عن حكم الإقامة».

والتّمتع : التّلذّذ بالمنافع والملاذ. «ذلك وعد غير مكذوب» ، [أي : غير كذب](٢).

قوله : «مكذوب» يجوز أن يكون مصدرا على زنة مفعول ، وقد جاء منه أليفاظ نحو : المجلود والمعقول والميسور والمفتون ، ويجوز أن يكون اسم مفعول على بابه ، وفيه حينئذ تأويلان : أحدهما : غير مكذوب فيه ، ثم حذف حرف الجر فاتّصل الضّمير مرفوعا مستترا في الصّفة ومثله «يوم مشهود» وقول الشاعر : [الطويل]

٢٩٨١ ـ ويوم شهدناه سليما وعامرا

قليل سوى الطّعن النّهال نوافله (٣)

والثاني : أنه جعل هو نفسه غير مكذوب ؛ لأنّه قد وفي به ، فقد صدّق.

__________________

(١) ينظر البيت في ديوانه (٣٣١) والبحر المحيط ٥ / ٢٤٠ وروح المعاني ١٢ / ٩١ واللسان (دور) والتهذيب ١٤ / ١٥٤ (دار) والدر المصون ٤ / ١١٠.

(٢) سقط في ب.

(٣) تقدم.

٥١٥

فصل

قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : «لمّا أمهلهم ثلاثة أيّام ، قالوا وما علامة ذلك؟ قال : تصبحوا في اليوم الأوّل وجوهكم مصفرة ، وفي اليوم الثاني محمرة وفي اليوم الثالث مسودة ، ثم يأتيكم العذاب في اليوم الرّابع فكان كما قال» (١).

فإن قيل : كيف يعقل أن تظهر هذه العلامات مطابقة لقول صالح ، ثم يبقون مصرين على الكفر؟ فالجواب : ما دامت الأمارات غير بالغة إلى حدّ اليقين لم يمتنع بقاؤهم على الكفر وإذا صارت يقينيّة قطعيّة ، فقد انتهى الأمر إلى حدّ الإلجاء ، والإيمان في ذلك الوقت غير مقبول.

قوله (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) أي : عذابنا ، وتقدّم الكلام على مثله.

قوله : (وَمِنْ خِزْيِ) متعلّق بمحذوف ، أي : ونجّيناهم من خزي. وقال الزمخشريّ : فإن قلت : علام عطف؟ قلت : على «نجّينا» ؛ لأنّ تقديره : ونجّيناهم من خزي يومئذ كما قال : (وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ) [هود : ٥٨] أي : وكانت التنجية من خزي. وقال غيره : «إنّه متعلق ب «نجّينا» الأول».

وهذا لا يجوز عند البصريين غير الأخفش ؛ لأنّ زيادة الواو غير ثابتة.

وقرأ نافع (٢) والكسائيّ بفتح ميم «يومئذ» على أنّها حركة بناء لإضافته إلى غير متمكن ؛ كقوله : [الطويل]

٢٩٨٢ ـ على حين عاتبت المشيب على الصّبا

فقلت ألمّا أصح والشّيب وازع (٣)

وقرأ الباقون : بخفض الميم.

فمن قرأ بالفتح فعلى أنّ «يوم» مضاف إلى «إذ» ، و «إذ» مبني ، والمضاف إلى المبني يجوز جعله مبنيا ، ألا ترى أنّ المضاف يكتسب من المضاف إليه التعريف فكذا ههنا ، وأمّا الكسر : فالسّبب فيه أنّه يضاف إلى الجملة من المبتدأ والخبر ، تقول : «جئتك إذ الشّمس طالعة» ، فلمّا قطع عنه المضاف إليه نون ليدل التنوين على ذلك ثمّ كسرت الذّال لسكونها وسكون التنوين.

وأما قراءة الكسر فعلى إضافة «الخزي» إلى «اليوم» ، ولم يلزم من إضافته إلى المبني أن يكون مبنيّا لأنّ إضافته غير لازمة.

__________________

(١) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٣٩١).

(٢) ينظر : الحجة ٤ / ٣٤٦ ، ٣٤٧ وإعراب القراءات السبع ١ / ٢٨٤ وحجة القراءات ٣٤٤ وقرأ بها أيضا أبو جعفر في الإتحاف ٢ / ١٢٩ وينظر : المحرر الوجيز ٣ / ١٨٦ والبحر المحيط ٥ / ٢٤١ والدر المصون ٤ / ١١١.

(٣) تقدم.

٥١٦

وكذلك الخلاف جار في (سَأَلَ سائِلٌ) [المعارج : ١١].

وقرأ طلحة (١) وأبان بن تغلب بتنوين «خزي» و «يومئذ» نصب على الظّرف ب «الخزي» ، وقرأ الكوفيون ونافع في النّمل (مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ) [الآية : ٨٩] بالفتح أيضا ، والكوفيون وحدهم بتنوين «فزع» ونصب «يومئذ» به.

ويحتمل في قراءة من نوّن ما قبل «يومئذ» أن تكون الفتحة فتحة إعراب ، أو فتحة بناء ، و «إذ» مضافة لجملة محذوفة عوّض عنها التّنوين تقديره : إذ جاء أمرنا.

وقال الزمخشريّ : ويجوز أن يراد يوم القيامة ، كما فسّر العذاب الغليظ بعذاب الآخرة.

قال أبو حيان (٢) : وهذا ليس بجيّد ؛ لأنه لم يتقدّم ذكر يوم القيامة ، ولا ما يكون فيها ، فيكون هذا التّنوين عوضا عن الجملة التي تكون يوم القيامة.

قال شهاب الدّين (٣) ـ رحمه‌الله ـ : قد تكون الدّلالة لفظية ، وقد تكون معنوية ، وهذه من المعنوية.

والخزي : الذّل العظيم حتى يبلغ حدّ الفضيحة كما قال الله تعالى في المحاربين : (ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا) [المائدة : ٣٣].

ثم قال : (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) وإنّما حسن ذلك ، لأنّه تعالى بيّن أنه أوصل العذاب إلى الكافر وصان أهل الإيمان عنه ، وهذا لا يصحّ إلّا من القادر الذي يقدر على قهر طبائع الأشياء ، فيجعل الشّيء الواحد بالنّسبة إلى إنسان بلاء وعذابا ، وبالنسبة إلى إنسان آخر راحة وريحانا.

قوله : (وَأَخَذَ الَّذِينَ) : حذفت تاء التّأنيث : إمّا لكون المؤنث مجازيا ، أو للفصل بالمفعول أو لأنّ الصّيحة بمعنى الصياح ، والصّيحة : فعله يدل على المرّة من الصّياح ، وهي الصوت الشديد : صاح يصيح صياحا ، أي : صوّت بقوة.

قال ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ : المراد : الصّاعقة (٤). وقيل : صيحة عظيمة هائلة سمعوها فهلكوا جميعا فأصبحوا جاثمين في دورهم.

وجثومهم : سقوطهم على وجوههم.

وقيل : الجثوم : السّكون ، يقال للطّير إذا باتت في أوكارها إنها جثمت ، ثم إنّ العرب أطلقوا هذا اللفظ على ما لا يتحرك من الموات.

__________________

(١) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٢٤١ والدر المصون ٤ / ١١١.

(٢) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٢٤١.

(٣) ينظر : الدر المصون ٤ / ١١.

(٤) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٨ / ١٨).

٥١٧

فإن قيل : ما السّبب في كون الصّيحة موجبة للموت؟.

فالجواب من وجوه : أحدها : أنّ الصّيحة العظيمة إنما تحدث عن سبب قوي يوجب تموج الهواء ، وذلك التموج الشديد ربما يتعدّى إلى صمخ الإنسان فيمزق غشاء الدّماغ فيورث الموت.

وثانيها : أنّه شيء مهيب فتحدث الهيبة العظيمة عند حدوثها والأعراض النّفسانية إذا قويت أوجبت الموت.

وثالثها : أنّ الصّيحة العظيمة إذا حدثت من السحاب فلا بد وأن يصحبها برق شديد محرق ، وذلك هو الصّاعقة التي ذكرها ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ.

ثم قال تعالى : (كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها) كأنّهم لم يوجدوا. والمغنى المقام الذي يقيم الحي فيه يقال : غني الرّجل بمكان كذا إذا أقام به.

قوله : (أَلا إِنَّ ثَمُودَ) قرأ حمزة (١) وحفص هنا «ألا إن ثمود» ، وفي الفرقان : (وَعاداً وَثَمُودَ) [الآية : ٣٨] وفي العنكبوت : (وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ) [الآية : ٣٧] ، وفي النجم : (وَثَمُودَ فَما أَبْقى) [الآية : ٥١] جميع ذلك بمنع الصرف ، وافقهم أبو بكر على الذي في النّجم.

وقوله : (أَلا بُعْداً لِثَمُودَ) منعه القراء الصرف إلّا الكسائيّ فإنّه صرفه (٢) وقد تقدّم أنّ من منع الصرف جعله اسما للقبيلة ، ومن صرف جعله اسما للحيّ ، أو إلى الأب الأكبر ؛ وأنشد على المنع : [الوافر]

٢٩٨٣ ـ ونادى صالح يا ربّ أنزل

بآل ثمود منك غدا عذابا (٣)

وأنشد على الصّرف قوله : [الطويل]

٢٩٨٤ ـ دعت أمّ عمرو أمر شرّ علمته

بأرض ثمود كلّها فأجابها (٤)

وقد تقدّم الكلام على اشتقاق هذه اللفظة في سورة الأعراف.

قوله تعالى : (وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (٦٩) فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ (٧٠) وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ

__________________

(١) ينظر : الحجة ٤ / ٣٥٤ وإعراب القراءات السبع ١ / ٢٨٦ وحجة القراءات ٣٤٤ وأيضا قرأ بها يعقوب ينظر : الإتحاف ٢ / ١٢٩ وينظر : المحرر الوجيز ٣ / ١٨٧ والبحر المحيط ٥ / ٢٤١ والدر المصون ٤ / ١١١.

(٢) ينظر : الحجة ٤ / ٣٥٤ وإعراب القراءات السبع ١ / ٢٨٨ وحجة القراءات ٣٤٤ وقرأ بها أيضا الأعمش ينظر : الإتحاف ٢ / ١٢٠ وينظر : المحرر الوجيز ٣ / ١٨٧ والبحر المحيط ٥ / ٢٤١ والدر المصون ٤ / ١١١.

(٣) ينظر البيت في الدر المصون ٤ / ١١١.

(٤) ينظر البيت في الدر المصون ٤ / ١١٢.

٥١٨

(٧١) قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (٧٢) قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (٧٣) فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ (٧٤) إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (٧٥) يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ)(٧٦)

قوله : (وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى) القصة.

قال النحويون : دخلت كلمة «قد» هاهنا لأنّ السّامع لقصص الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسّلام ـ يتوقع قصة بعد قصة ، و «قد» للتوقع ، ودخلت اللّام في «لقد» تأكيدا للخبر.

فصل

لفظ «رسلنا» جمع وأقله ثلاثة ، فهذا يدلّ على أنهم كانوا ثلاثة ، والزّائد على هذا العدد لا يثبت إلّا بدليل آخر ، وأجمعوا على أنّ الأصل فيهم كان جبريل ـ عليه‌السلام ـ.

قال ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ : «كانوا ثلاثة جبريل ، وميكائيل ، وإسرافيل (١) ، وهم المذكورون في الذّاريات (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ) [الذاريات : ٢٤] وفي الحجر (وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ) [الحجر : ٥١].

وقال الضحّاك : «كانوا تسعة» (٢). وقال محمد بن كعب ـ رضي الله عنه ـ «كان جبريل ومعه سبعة» (٣) وقال السّديّ : «أحد عشر ملكا» (٤) وقال مقاتل : «كانوا اثني عشر ملكا على صور الغلمان الوضاء وجوههم» (٥).

«بالبشرى» بالبشارة بإسحاق ويعقوب وقيل : بسلامة لوط ، وإهلاك قومه.

قوله : (قالُوا سَلاماً) : في نصبه وجهان :

أحدهما : أنّه مفعول به ، ثم هو محتمل لأمرين :

أحدهما : أن يراد قالوا هذا اللفظ بعينه ، وجاز ذلك لأنّه يتضمّن معنى الكلام.

الثاني : أنّه أراد قالوا معنى هذا اللفظ ، وقد تقدّم نحو ذلك في قوله تعالى : (وَقُولُوا حِطَّةٌ) [البقرة : ٥٨].

وثاني الوجهين : أن يكون منصوبا على المصدر بفعل محذوف ، وذلك الفعل في محلّ نصب بالقول ، تقديره : قالوا : سلّمنا سلاما ، وهو من باب ما ناب فيه المصدر عن العامل فيه ، وهو واجب الإضمار.

قوله : «سلام» في رفعه وجهان :

__________________

(١) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٣٩٢) والرازي (١٨ / ١٩).

(٢) انظر المصدر السابق.

(٣) انظر المصدر السابق.

(٤) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٣٩٢).

(٥) انظر المصدر السابق.

٥١٩

أحدهما : أنّه مبتدأ وخبره محذوف ، أي : سلام عليكم.

والثاني : أنّه خبر مبتدأ محذوف أي : أمري أو قولي سلام.

وقد تقدّم أنّ الرفع أدلّ على الثّبوت من النّصب [الفاتحة : ٢] ، والجملة بأسرها ـ وإن كان أحد جزأيها محذوفا ـ في محلّ نصب بالقول ؛ كقوله : [الطويل]

٢٩٨٥ ـ إذا ذقت فاها قلت : طعم مدامة

 ......... (١)

وقرأ الأخوان (٢) : «قال سلم» هنا وفي سورة الذّاريات بكسر السين وسكون اللّام.

ويلزم بالضرورة سقوط الألف ، قال الفرّاء : «هما لغتان كحرم وحرام وحلّ وحلال» ؛ وأنشد : [الطويل]

٢٩٨٦ ـ مررنا فقلنا : إيه سلم فسلّمت

كما اكتلّ بالبرق الغمام اللّوائح (٣)

يريد : سلام ؛ بدليل : فسلّمت.

وقال الفارسي : «السّلم» بالكسر ضد الحرب ، وناسب ذلك لأنّهم لمّا امتنعوا من تناول ما قدّمه إليهم ، أنكرهم ، وأوجس منهم خيفة ، فقال : أنا سلم ، أي : مسالمكم غير محارب لكم ، فلم تمتنعوا من تناول طعامي؟.

قال ابن الخطيب (٤) ـ رحمه‌الله ـ : وهذا بعيد ؛ لأنّ على هذا التقدير ينبغي أن يكون تكلّم إبراهيم ـ عليه الصلاة والسّلام ـ بهذا اللفظ بعد إحضار الطّعام ، والقرآن يدل على أنّ هذا الكلام قبل إحضار الطّعام ؛ لأنّه تعالى قال : (قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) والفاء للتّعقيب ، فدلّ على أنّ مجيئه بالعجل الحنيذ بعد السّلام.

فصل

أكثر ما يستعمل «سلام عليكم» منكّرا ؛ لأنّه في معنى الدّعاء كقولهم : خير بين يديك.

فإن قيل : كيف جاز الابتداء بالنّكرة؟.

__________________

(١) صدر بيت لامرىء القيس وعجزه :

معتقة مما يجيء به التجر

ينظر : ديوانه (٩٩) والهمع ١ / ١٥٧ والدرر ١ / ١٣٨ واللسان (تجر) والبحر المحيط ٥ / ٢٤٢ والدر المصون ٤ / ١١٢.

(٢) ينظر : السبعة ٣٣٧ ، ٣٣٨ والحجة ٤ / ٣٥٩ وإعراب القراءات السبع ١ / ٢٨٨ وحجة القراءات ٣٤٦ والإتحاف ٢ / ١٣٠ والمحرر الوجيز ٣ / ٣ / ١٨٧ والبحر المحيط ٥ / ٢٤٢ والدر المصون ٤ / ١١٢.

(٣) ينظر البيت في البحر المحيط ٥ / ٢٤٢ ومعاني الفراء ٢ / ٢١ وروح المعاني ١٢ / ٩٤ والطبري ١٥ / ٣٨٣ واللسان (سلم) والكشاف ٢ / ٤٠٩ والدر المصون ٤ / ١١٢.

(٤) ينظر : تفسير الفخر الرازي ١٧ / ٢٠.

٥٢٠