اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٠

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٠

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٦٢٢

لأن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ ما كان يشير بقوله (كَلامَ اللهِ) [التوبة : ٦] إلا إلى هذه الحروف والأصوات.

وقال آخرون : ثبت بهذه الآية أن كلام الله ليس إلا هذه الحروف والأصوات ، وثبت أن كلام الله قديم ، فوجب القول بقدم الحروف والأصوات.

وقال ابن فورك : «إنا إذا سمعنا هذه الحروف والأصوات ، فقد سمعنا مع ذلك كلام الله تعالى». وأنكروا عليه هذا القول ؛ لأن الكلام القديم ، إما أن يكون نفس هذه الحروف والأصوات ، وإما أن يكون شيئا آخر مغايرا لها.

والأول قول الزجاج ، وهو باطل ، لأن ذلك لا يليق بالعقلاء.

والثاني باطل ، لأنا على هذا التقدير ، لما سمعنا هذه الحروف والأصوات ، فقد سمعنا شيئا آخر يخالف ما هية هذه الحروف والأصوات لكنا نعلم بالضرورة أنا عند سماع هذه الحروف والأصوات لم نسمع شيئا آخر سواها ولم يدرك سمعنا شيئا مغايرا لها ، فسقط هذا الكلام.

والجواب عن كلام المعتزلة : أن يقال هذا الذي نسمعه ليس عين كلام الله على مذهبكم ؛ لأن كلام الله ، ليس الحروف والأصوات التي خلقها أولا ، بل تلك الحروف والأصوات انقضت ، وهذه التي نسمعها حروف وأصوات فعلها الإنسان ، فما ألزمتموه علينا فهو لا زم عليكم.

فصل

قال الفقهاء : إذا دخل الكافر الحربي دار الإسلام ، كان مغنوما مع ماله ، إلا أن يدخل مستجيرا لغرض شرعي ، كاستماع كلام الله رجاء الإسلام ، أو دخل لتجارة ، فإن دخل بأمان صبي أو مجنون ، فأمانهما شبهة أمان ؛ فيجب تبليغه مأمنه ، وهو أن يبلغ محروسا في نفسه وماله إلى مكانه الذي هو مأمن له ، ومن دخل منهم دار الإسلام رسولا ، فالرسالة أمان ، ومن دخل ليأخذ مالا له في دار الإسلام ، ولماله أمان ، فأمان ماله أمان له.

(كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ) الآية.

في خبر (يَكُونُ) ثلاثة أوجه :

أظهرها : أنه (كَيْفَ) ، و (عَهْدٌ) اسمها والخبر هنا واجب التقديم ، لاشتماله على ما له صدر الكلام ، وهو الاستفهام ، بمعنى الاستنكار ، كقولك : كيف يستفتى مثلك؟ أي : لا ينبغي أن يستفتى.

و (لِلْمُشْرِكِينَ) على هذا يتعلق إما ب (يَكُونُ) ، عند من يجيز في «كان» أن تعمل في الظرف وشبهه ، وإما بمحذوف ، على أنها صفة ل (عَهْدٌ) ، في الأصل ، فلما قدمت

٢١

نصبت حالا ، و (عِنْدَ) يجوز أن تكون متعلقة ب (يَكُونُ) أو بمحذوف على أنها صفة ل (عَهْدٌ) أو متعلقة بنفس (عَهْدٌ) لأنه مصدر.

والثاني : أن يكون الخبر (لِلْمُشْرِكِينَ) ، و (عِنْدَ) على هذا فيها الأوجه المتقدمة ، ويزيد وجها رابعا وهو أنه يجوز أن يكون ظرفا للاستقرار الذي تعلق به (لِلْمُشْرِكِينَ).

والثالث : أن يكون الخبر (عِنْدَ اللهِ) ، و (لِلْمُشْرِكِينَ) على هذا إما تبيين ، وإما متعلق ب (يَكُونُ) عند من يجيز ذلك ـ كما تقدم ـ وإما حال من (عَهْدٌ). وإما متعلق بالاستقرار الذي تعلق به الخبر ، ولا يبالى بتقديم معمول الخبر على الاسم لكونه حرف جر ، و (كَيْفَ) على هذين الوجهين مشبهة بالظرف ، أو بالحال ، كما تقدم تحقيقه في : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ) [البقرة : ٢٨].

ولم يذكروا هنا وجها رابعا ـ وكان ينبغي أن يكون هو الأظهر ـ وهو أن يكون الكون تاما ، بمعنى : كيف يوجد عهد للمشركين عند الله؟ والاستفهام هنا بمعنى النفي ، ولذلك وقع بعده الاستثناء ب «إلا» ومن مجيئه بمعنى النفي أيضا قوله :

٢٧٥٠ ـ فهذي سيوف يا صدي بن مالك

كثير ، ولكن كيف بالسيف ضارب (١)

أي : ليس ضارب بالسيف ، وفي الآية محذوف تقديره : كيف يكون للمشركين عهد مع إضمار الغدر فيما وقع من العهد.

قوله : (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) في الاستثناء وجهان :

أحدهما : أنه منقطع ، أي : لكن الذين عاهدتم ، فإن حكمهم كيت وكيت.

والثاني : أنه متصل ، وفيه حينئذ احتمالان :

أحدهما : أنه منصوب على أصل الاستثناء من المشركين.

والثاني : أنه مجرور على البدل منهم ؛ لأن معنى الاستفهام المتقدم نفي ، أي : ليس يكون للمشركين عهد إلا للذين لم ينكثوا ، وقياس قول أبي البقاء فيما تقدم أن يكون مرفوعا بالابتداء ، والجملة من قوله (فَمَا اسْتَقامُوا) خبره.

فصل

معنى الآية : أي : لا يكون لهم عهد عند الله ، ولا عند رسوله وهم يغدرون ، وينقضون العهد ، ثم استثنى فقال : (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ).

قال ابن عباس : «هم قريش» (٢).

__________________

(١) تقدم.

(٢) أخرجه الطبري ف ي «تفسيره» (٦ / ٣٢٣) وذكره السيوطي ف ي «الدر المنثور» (٣ / ٣٨٦) وعزاه إلى ابن المنذر وأبي الشيخ وذكره السيوطي (٣ / ٣٨٦) عن ابن زيد وعزاه لا بن أبي حاتم.

٢٢

وقال قتادة «هم أهل مكة الذين عاهدهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الحديبية» (١).

قال تعالى : (فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ) أي : على العهد : (فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ) [يعني ما أقاموا على العهد ثم إنهم لم يستقيموا] ونقضوا العهد ، وأعانوا بني بكر على خزاعة ، فضرب لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد الفتح أربعة أشهر يختارون من أمرهم ، وإما أن يلحقوا بأي بلاد شاؤا ، فأسلموا قبل الأربعة أشهر.

وقال السدي والكلبي وابن إسحاق : إنهم قبائل من بني بكر وهم خزيمة ، وبنو مدلج من ضمرة ، وبنو الديل ، وهم الذين كانوا قد دخلوا في عهد قريش يوم الحديبية ولم يكن نقض إلا قريش ، وبنو الديل من بكر ؛ فأمر بإتمام العهد لمن لم ينقض وهم بنو ضمرة ، وهذا القول أقرب إلى الصواب ؛ لأن هذه الآيات نزلت بعد نقض قريش العهد وبعد فتح مكة ؛ لأن بعد الفتح كيف يقول قد مضى : (فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ).

وإنما هم الذين قال الله ـ عزوجل ـ فيهم : (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً) كما نقصكم قريش ، ولم يظاهروا عليكم كما ظاهرت قريش بني بكر على خزاعة ، وهم حلفاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢).

قوله (فَمَا اسْتَقامُوا) يجوز في «ما» أن تكون مصدرية ظرفية ، وهي محل نصب على ذلك أي : فاستقيموا لهم مدة استقامتهم لكم ، ويجوز أن تكون شرطية ، وحينئذ ففي محلها وجهان :

أحدهما : أنها في محل نصب على الظرف الزماني ، والتقدير : أي زمان استقاموا لكم فاستقيموا لهم ، ونظره أبو البقاء بقوله : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها) [فاطر : ٢].

والثاني : أنها في محل رفع بالابتداء ، وفي الخبر الأقوال المشهورة ، و (فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ) جواب الشرط ، وقد نحا إليه الحوفي ، ويحتاج إلى حذف عائد ، أي : أي زمان استقاموا لكم فاستقيموا لهم ، وقد جوز ابن مالك في «ما» المصدرية الزمانية أن تكون شرطية جازمة ، وأنشد على ذلك : [الطويل]

٢٧٥١ ـ فما تحي لا تسأم حياة. وإن تمت

فلا خير في الدنيا ولا العيش أجمعا (٣)

ولا دليل فيه ، لأن الظاهر الشرطية من غير تأويل بمصدرية وزمان.

قال أبو البقاء (٤) : «ولا يجوز أن تكون نافية ، لفساد المعنى ، إذ يصير المعنى

__________________

(١) أخرجه الطبري ف ي «تفسيره» (٦ / ٣٢٤) وذكره السيوطي ف ي «الدر المنثور» (٣ / ٣٨٦) وعزاه إلى ابن أبي حاتم وأبي الشيخ.

(٢) ذكره البغوي ف ي «تفسيره» (٢ / ٢٧٠)

(٣) البيت لعبد الله بن الزبير الأسدي ينظر : الأشموني ٤ / ١٢ الدر المصون ٣ / ٤٤٦.

(٤) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ٢ / ١٢.

٢٣

استقيموا لهم ؛ لأنّهم لم يستقيموا لكم». ثم قال تعالى : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) أي : من اتقى الله فوفى بعهده لمن عاهده.

قوله تعالى : (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ (٨) اشْتَرَوْا بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩) لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ) (١٠)

قوله تعالى : (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً) الآية.

المستفهم عنه محذوف ، لدلالة المعنى عليه ، فقدّره أبو البقاء «كيف تطمئنون ، أو كيف يكون لهم عهد»؟ وقدّره غيره : كيف لا تقاتلونهم؟. والتقدير الثاني من تقديري أبي البقاء أحسن ؛ لأنّه من جنس ما تقدّم ، فالدلالة عليه أقوى.

وقد جاء الحذف في هذا التركيب كثيرا ، وتقدّم منه قوله تعالى : (فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ) [آل عمران : ٢٥] ، (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا) [النساء : ٤١] ؛ وقال الشاعر : [الطويل]

٢٧٥٢ ـ وخبّرتماني أنّما الموت في القرى

فكيف وهاتا هضبة وكثيب (١)

أي : كيف مات؟ وقال الحطيئة : [الطويل]

٢٧٥٣ ـ فكيف ولم أعلمهم خذلوكم

على معظم ولا أديمكم قدّوا (٢)

أي : كيف تلومونني في مدحهم؟.

قال أبو حيّان (٣) : «وقدّر أبو البقاء الفعل بعد «كيف» بقوله : «كيف تطمئنون» ، وقدّره غيره ب : كيف لا تقاتلونهم»؟.

قال شهاب الدّين (٤) : «ولم يقدره أبو البقاء بهذا وحده ، بل به ، وبالوجه المختار كما تقدّم منه».

قوله (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا) «كيف» تكرار ، لاستبعاد ثبات المشركين على العهد ، وحذف الفعل ، لكونه معلوما ، أي : كيف يكون لهم عهد وحالهم أنّهم إن يظهروا عليكم

__________________

(١) البيت لكعب بن سعد الغنوي من قصيدة يرثي بها أخاه ينظر : الكتاب ٣ / ٤٧٨ ، المقتضب ٢ / ٢٨٧ ، ٤ / ٤٧٧ شرح المفصل لابن يعيش ٣ / ١٣٦ الاصمعيات (٩٧) معاني الزجاج ٢ / ٤٣٣ الطبري ١٤ / ١٤٥ إعراب النحاس ٢ / ٢٠٤ البحر المحيط ٥ / ١٥ الدر المصون ٣ / ٤٤٦.

(٢) البيت في ديوانه (٤١) وينظر : المعاني للفراء ١ / ٤٢٤ والزجاج ٢ / ٤٣٣ البحر المحيط ٥ / ١٥ الدر المصون ٣ / ٤٤٦.

(٣) ينظر : البحر المحيط ٥ / ١٥.

(٤) ينظر : الدر المصون ٣ / ٤٤٦.

٢٤

بعد ما سبق لهم من تأكيد الأيمان والمواثيق ، لم ينظروا في حلف ولا عهد ولا يبقوا عليكم. والجملة الشرطية من قوله : (إِنْ يَظْهَرُوا) في محلّ نصب على الحال ، أي : كيف يكون لهم عهد ، وهم على حالة تنافي ذلك؟ وقد تقدّم تحقيق هذا عند قوله : (وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ) [الأعراف : ١٦٩] ، و (لا يَرْقُبُوا) جواب الشرط ، وقرأ زيد (١) بن علي : «وإن يظهروا» ببنائه للمفعول ، من أظهره عليه ، أي : جعله غالبا له ، يقال : ظهرت على فلان : إذا علوته ، وظهرت على السطح : إذا صرت فوقه.

قال اللّيث : «الظّهور : الظّفر بالشّيء ، وأظهر الله المسلمين على المشركين ، أي : أعلاهم عليهم». قال تعالى : (فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ) [الصف : ١٤] وقوله : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) [التوبة : ٣٣] أي : ليعليه.

قوله : (لا يَرْقُبُوا) قال الليث «رقب الإنسان يرقب رقبة ورقبانا ، هو أن ينتظره».

والمعنى : لا ينتظروا ، قاله الضحاك ، ورقيب القوم : حارسهم ، وقوله : (وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) [طه : ٩٤] أي : لم تحفظه.

وقال قطرب : «لا يراعوا فيكم إلّا». قوله : «إلّا» مفعول به ب «يرقبوا». وفي «الإلّ» أقوال.

أحدها : أنّ المراد به العهد ، قاله أبو عبيدة ، وابن زيد ، والسديّ (٢) وكذلك الذمة ، إلّا أنه كرر ، لاختلاف اللفظين ؛ ومنه قول الشاعر : [البسيط]

٢٧٥٤ ـ لو لا بنو مالك ، والإلّ مرقبة

ومالك فيهم الآلاء والشّرف (٣)

أي : الحلف ؛ وقال آخر : [المتقارب]

٢٧٥٥ ـ وجدناهم كاذبا إلّهم

وذو الإلّ والعهد لا يكذب (٤)

وقال آخر : [الرمل]

٢٧٥٦ ـ أفسد النّاس خلوف خلفوا

قطعوا الإلّ وأعراق الرّحم (٥)

وفي حديث أمّ زرع بنت أبي زرع (٦) : «وفيّ الإلّ ، كريم الخلّ ، برود الظّلّ» أي ؛ وفيّ العهد.

__________________

(١) ينظر : البحر المحيط ٥ / ١٥ ، الدر المصون ٣ / ٤٤٦ ـ ٤٤٧.

(٢) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٢٧٠).

(٣) البيت لأوس بن حجر ينظر : ديوانه (٧٦) وتفسير الرازي ١٥ / ٢٣٠ الدر المصون ٣ / ٤٤٧.

(٤) البيت في تفسير الطبري ١٤ / ١٤٩ والرازي ١٥ / ٢٣٠ والدر المصون ٣ / ٤٤٧.

(٥) البيت لابن مقبل في تفسير الطبري ١٤ / ١٤٨ والبحر المحيط ٥ / ٥.

(٦) أخرجه البخاري (٩ / ١٦٣) كتاب النكاح : باب حسن المعاشرة مع الأهل حديث (٥١٨٩) ومسلم (٤ / ١٨٩٦) كتاب فضائل الصحابة : باب ذكر حديث أم زرع حديث (٩٢ ـ ٢٤٤٨) من حديث عائشة.

٢٥

الثاني : أنه القرابة ، قاله ابن عبّاس (١) والضحاك ، وبه قال الفراء وأنشدوا لحسان : [الوافر]

٢٧٥٧ ـ لعمرك إنّ إلّك من قريش

كإلّ السّقب من رأل النّعام (٢)

وأنشد أبو عبيدة على ذلك قوله : [الرمل]

٢٧٥٨ ـ .........

قطعوا الإلّ وأعراق الرّحم (٣)

والظّاهر أنّ المراد به العهد ـ كما تقدّم ـ لئلّا يلزم التكرار.

الثالث : أنّ المراد به الله ـ تعالى ـ أي : هو اسم من أسمائه ، واستدلّوا على ذلك بحديث أبي بكر لمّا عرض عليه كلام مسيلمة ـ لعنه الله ـ «إنّ هذا الكلام لم يخرج من إلّ» ، أي : الله ـ عزوجل ـ قاله أبو مجلز ، ومجاهد (٤) وقال عبيد بن عمير : يقرأ جبرئل بالتشديد ، يعني عبد الله ولم يرتض هذا الزجاج ، قال : «لأنّ أسماءه ـ تعالى ـ معروفة في الكتاب والسّنّة ـ ولم يسمع أحد يقول : يا إلّ ، افعل لي كذا».

الرابع : أنّ : «الإلّ» الجؤار ، وهو رفع الصّوت عند التحالف ، وذلك أنهم كانوا إذا تماسحوا ، وتحالفوا ، جأروا بذلك جؤارا. ومنه قول أبي جهل : [الطويل]

٢٧٥٩ ـ لإلّ علينا واجب لا نضيعه

متين قواه غير منتكث الحبل (٥)

الخامس : أنه من : ألّ البرق ، أي : لمع.

قال الأزهريّ : «الأليل : البريق ، يقال : ألّ يؤلّ ، أي : صفا ولمع» ، ومنه الألّة ، للمعانها.

وقيل : الإلّ من التحديد ، ومنه «الألّة» الحربة ، وذلك لحدّتها ، وقد جعل بعضهم بين هذه المعاني قدرا مشتركا ، يرجع إليه جميع ما تقدّم ، فقال الزّجّاج : «حقيقة الإلّ عندي على ما توحيه اللغة : التحديد للشيء ، فمن ذلك الألّة : الحربة ، وأذن مؤلّلة ، فالإلّ يخرج في جميع ما فسّر من العهد ، والقرابة ، والجؤار على هذا ، فإذا قلت في

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٣٢٥) عن ابن عباس والضحاك وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣٨٧) وعزاه للطستي في مسائله وذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٢٧١) عن ابن عباس والضحاك.

(٢) البيت لحسان وهو في ديوانه (١٠٥) تفسير الطبري ١٤ / ١٤٩ الكشاف ٢ / ١٩٦ البحر المحيط ٥ / ٥ القرطبي ٨ / ١٧٩ الرازي ١٥ / ٢٣٠ روح المعاني ١٠ / ٥٥ اللسان [ألل] الدر المصون ٣ / ٤٤٧.

(٣) تقدم.

(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٣٢٥) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣٨٦) وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.

وذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٢٧١) عن مجاهد.

(٥) البيت من شواهد البحر المحيط ٥ / ٥ ، والدر المصون ٣ / ٤٤٧.

٢٦

العهد : بينهما إلّ ، فتأويله أنّهما قد حدّدا في أخذ العهود ، وكذلك في الجؤار والقرابة».

وقال الرّاغب (١) : «الإلّ» كلّ حالة ظاهرة من عهد ، وحلف ، وقرابة تئلّ ، أي : تلمع ، وألّ الفرس : أسرع. والألّة : الحربة اللّامعة» وأنشد غيره على ذلك قول حماس بن قيس يوم فتح «مكّة» : [الرجز]

٢٧٦٠ ـ إن تقتلوا اليوم فما لي علّه

سوى سلاح كامل وألّه

وذي غرارين سريع السّلّه (٢)

قال : وقيل : الإلّ والإيل : اسمان لله ـ تعالى ـ ، وليس ذلك بصحيح.

قال الأزهريّ «إيل» من أسماء الله بالعبرانية ؛ فجاز أن يكون عرّب ، فقيل : «إلّ» والأللان : صفحتا السكّين». انتهى ، ويجمع الإلّ في القلّة على آلّ ، والأصل : «أألل» بزنة «أفلس» ، فأبدلت الهمزة الثانية ألفا ، لسكونها بعد أخرى مفتوحة ، وأدغمت اللّام في اللام ، وفي الكثرة على «إلال» ك «ذئب وذئاب».

و «الألّ» بالفتح : قيل : شدّة القنوط. قال الهرويّ في الحديث : «عجب ربكم من ألّكم وقنوطكم» (٣). قال أبو عبيدة : المحدّثون يقولونه بكسر الهمزة ، والمحفوظ عندنا فتحها ، وهو أشبه بالمصادر ، كأنّه أراد : من شدّة قنوطكم ، ويجوز أن يكون من رفع الصّوت ، يقال : ألّ يؤلّ ألّا ، وأللّا ، وأليلّا ، إذا رفع صوته بالبكاء ، ومنه يقال له : الويل والأليل ؛ ومنه قول الكميت : [البسيط]

٢٧٦١ ـ وأنت ما أنت في غبراء مظلمة

إذا دعت ألليها الكاعب الفضل (٤)

انتهى (٥).

وقرأ فرقة «ألّا» بالفتح ، وهو على ما ذكر من كونه مصدرا ، من : ألّ يؤلّ إذا عاهد. وقرأ عكرمة (٦) «إيلا» بكسر الهمزة ، بعدها ياء ساكنة ، وفيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أنّه اسم الله تعالى ، ويؤيّده ما تقدم في : جبرائيل [البقرة : ٩٧] ، و (إِسْرائِيلَ) [البقرة : ٤] أنّ المعنى : عبد الله.

الثاني : يجوز أن يكون مشتقا من : آل يؤول : إذا صار إلى آخر الأمر ، أو من : آل

__________________

(١) ينظر : المفردات للراغب ٢٠.

(٢) تنظر الأبيات في التهذيب واللسان والتاج [سلل] والدر المصون ٣ / ٤٤٨.

(٣) ذكره الخطابي في «إصلاح خطأ المحدثين» ص (٣١) وذكره القرطبي في «تفسيره» (١٥ / ١٧).

(٤) البيت في التهذيب واللسان «ألل» والدر المصون ٣ / ٤٤٨.

(٥) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ١٠ ، البحر المحيط ٥ / ١٥ ، الدر المصون ٣ / ٤٤٨.

(٦) ينظر : الكشاف ٢ / ٢٥٠ ، المحرر الوجيز ٣ / ١٠ ، البحر المحيط ٥ / ١٥ ، الدر المصون ٣ / ٤٤٨.

٢٧

يؤول : إذا ساس ، قاله ابن جني ، أي : لا يرقبون فيكم سياسة ولا مداراة ، وعلى التقديرين سكنت الواو بعد كسرة فقلبت ياء ، ك : «ريح».

الثالث : أنه هو «الإلّ» المضعف ، وإنّما استثقل التّضعيف ، فأبدل إحداهما حرف علة ، كقولهم : أمليت الكتاب ، وأمللته.

وقال الشاعر : [البسيط]

٢٧٦٢ ـ يا ليتما أمّنا شالت نعامتها

أيما إلى جنّة أيما إلى نار (١)

قوله : (وَلا ذِمَّةً) الذّمّة قيل : العهد ، فيكون ممّا كرّر لاختلاف لفظه ، إذا قلنا : إنّ الإلّ العهد أيضا ، فهو كقوله تعالى : (صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ) [البقرة : ١٥٧] ، وقوله : [الوافر]

٢٧٦٣ ـ .........

وألفى قولها كذبا ومينا (٢)

وقوله : [الطويل]

٢٧٦٤ ـ .........

وهند أتى من دونها النّأي والبعد (٣)

وقيل : الذّمّة : الضّمان ، يقال : هو في ذمّتي ، أي : في ضماني ، وبه سمّي أهل الذّمّة ، لدخولهم في ضمان المسلمين. ويقال : له عليّ ذمّة ، وذمام ومذمّة ، وهي الذمّ قال ذلك ابن عرفة ، وأنشد لأسامة بن الحارث : [الطويل]

٢٧٦٥ ـ يصيّح بالأسحار في كلّ صارة

كما ناشد الذّمّ الكفيل المعاهد (٤)

وقال الرّاغب (٥) «الذّمام : ما يذمّ الرجل على إضاعته من عهد ، وكذلك الذّمّة ، والمذمّة والمذمة ، يعني بالفتح والكسر. وقيل : لي مذمّة فلا تهتكها» وقال غيره : «سمّيت ذمّة ، لأنّ كلّ حرمة يلزمك من تضييعها الذّمّ ، يقال لها : ذمّة ، وتجمع على «ذمّ» ، كقوله : [الطويل]

٢٧٦٦ ـ .........

كما ناشد الذّمّ .... (٦)

وعلى ذمم ، وذمام». وقال أبو زيد : «مذمّة ، بالكسر من الذّمام ، وبالفتح من الذّمّ».

__________________

(١) البيت لسعد بن قرط ينظر : المحتسب لابن جني ١ / ٤١ أوضح المسالك ٣ / ٣٨٢ شرح ابن يعيش ٦ / ٧٥ المغني ١ / ١٥٩ الهمع ٢ / ١٣٥ التصريح ٢ / ١٤٦ الأشموني ٣ / ١٠٩ شرح الحماسة للتبريزي ٤ / ٣٥٤ شرح الرضي ٢ / ٢٧٢ الخزانة ١١ / ٨٦ الجنى الداني (٥٣٣) البحر المحيط ٥ / ١٥ الدر المصون ٣ / ٤٤٨.

(٢) تقدم.

(٣) تقدم.

(٤) تقدم.

(٥) ينظر : المفردات للراغب ١٨١.

(٦) تقدم.

٢٨

وقال الأزهري : «الذّمّة : الأمان». وفي الحديث : «ويسعى بذمّتهم أدناهم» (١).

قال أبو عبيد : «الذّمّة : الأمان ههنا ، يقول إذا أعطى أدنى الناس أمانا لكافر نفذ عليهم ، ولذلك أجاز عمر ـ رضي الله عنه ـ أمان عبد على جميع العسكر». وقال الأصمعي «الذّمّة : ما لزم أن يحفظ ويحمى».

قوله : «يرضونكم» فيه وجهان :

أحدهما : أنه مستأنف ، وهذا هو الظاهر ، أخبر أنّ حالهم كذلك.

والثاني : أنها في محلّ نصب على الحال من فاعل (لا يَرْقُبُوا).

قال أبو البقاء : «وليس بشيء ؛ لأنّهم بعد ظهورهم لا يرضون المؤمنين».

ومعنى الآية : يعطونكم بألسنتهم خلاف ما في قلوبهم.

قوله (وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ) يقال : أبى يأبى ، أي : اشتد امتناعه ، فكلّ إباء امتناع من غير عكس ، قال : [الطويل]

٢٧٦٧ ـ أبى الله إلّا عدله ووفاءه

فلا النّكر معروف ولا العرف ضائع (٢)

وقال آخر : [الطويل]

٢٧٦٨ ـ أبى الضّيم والنّعمان يحرق نابه

عليه فأفضى والسّيوف معاقله (٣)

فليس من فسّره بمطلق الامتناع بمصيب. ومجيء المضارع منه على «يفعل» بفتح العين شاذّ ، ومثله «قلى يقلى في لغة».

فصل

المعنى : (وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ) الإيمان (وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ) وفيه سؤالان :

السؤال الأول : أنّ الموصوفين بهذه الصفة كفار ، والكفر أقبح وأخبث من الفسق ، فكيف يحسن وصفهم بالفسق في معرض المبالغة؟.

السؤال الثاني : أنّ الكفار كلّهم فاسقون ، فلا يبقى لقوله (وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ) فائدة ،

__________________

(١) أخرجه أبو داود (٢٧٥١) وابن ماجة (٢٦٥٩) وأحمد (٢ / ١٩١ ، ١٩٢) وابن الجارود (٧٧١) والبيهقي (٨ / ٢٩) من طرق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا بلفظ : المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم. وله شاهد من حديث علي :

أخرجه أبو داود (٤٥٣٠) والنسائي (٨ / ٢٤) وأحمد (١ / ١٢٢) والطحاوي في «مشكل الآثار» (٢ / ٩٠) وفي «شرح المعاني» (٣ / ١٩٢) والبيهقي من طريق قتادة عن الحسن عن قيس بن عباد قال : انطلقت أنا والأشتر إلى علي فقلنا : هل عهد إليك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في شيء لم يعهده للناس عامة قال : لا إلّا ما كان في كتابي هذا فأخرج كتابا من قراب سيفه فإذا فيه المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم ...

(٢) البيت للنابغة الذبياني ينظر : ديوانه (٨٢) معاهد التنصيص ١ / ٣٣١ والخزانة ٢ / ٤٦٨ البحر المحيط ٥ / ٦ والدر المصون (٣ / ٤٤٩).

(٣) تقدم.

٢٩

والجواب عن الأوّل : أنّ الكافر قد يكون عدلا في دينه ، وقد يكون فاسقا خبيث النفس في دينه ، فالمراد أن هؤلاء الكفار الذين من عادتهم نقض العهود ، (أَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ) في دينهم ، وذلك يوجب المبالغة في الذّم.

والجواب عن الثّاني عين الأول ؛ لأنّ الكافر قد يكون محترزا عن الكذب ، ونقض العهد ، والمكر ، والخديعة وقد يكون موصوفا بذلك ، ومثل هذا الشّخص يكون مذموما عند جميع النّاس ، وفي جميع الأديان.

ومعنى الآية : أنّ أكثرهم موصوف بهذه الصفات الذميمة. وقال ابن عبّاس «لا يبعد أن يكون بعض أولئك الكفار قد أسلم ، وتاب ، فلهذا السبب قال : (وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ). ليخرج عن هذا الحكم ، أولئك الذين أسلموا». (١)

قوله (اشْتَرَوْا بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ).

قال مجاهد «أطعم أبو سفيان حلفاءه ، وترك حلفاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنقضوا العهد الذي كان بينهم بسبب تلك الأكلة» (٢). وقال ابن عبّاس : «إنّ أهل الطائف أمدوهم بالأموال ليقووهم على حرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم» (٣).

وقيل : لا يبعد أن تكون طائفة من اليهود ، أعانوا المشركين على نقض العهود ، فكان المراد من هذه الآية ، ذم أولئك اليهود ، وهذا اللفظ في القرآن ، كالأمر المختص باليهود ، ويتأكد هذا بأنّ الله تعالى أعاد قوله : (لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً) ولو كان المراد منه المشركين ، لكان هذا تكرارا محضا ، وإذا حمل على اليهود لم يكن تكرارا ، فكان أولى.

ثم قال : (إِنَّهُمْ ساءَ) أي : بئس (ما كانُوا يَعْمَلُونَ).

قال أبو حيّان (٤) : يجوز أن تكون على بابها من التّصرّف والتعدّي ، ومفعولها محذوف ، أي : ساءهم الذي كانوا يعملونه ، أو عملهم ، وأن تكون الجارية مجرى «بئس» فتحوّل إلى «فعل» بالضمّ ، ويمتنع تصرّفها ، وتصير للذّم ، ويكون المخصوص بالذم محذوفا ، كما تقرّر مرارا.

قوله : (لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً) أي : لا تبقوا عليهم أيها المؤمنون كما لا ييقون عليكم لو ظهروا. (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ) لنقض العهد ، وتعديهم ما حدّ الله في دينه ، وما يوجبه العقد والعهد.

قوله تعالى : (فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ

__________________

(١) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٥ / ١٨٥) عن ابن عباس.

(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٣٢٧) وذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٢٧١).

(٣) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٢٧١).

(٤) ينظر : البحر المحيط ٥ / ١٦.

٣٠

وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (١١) وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (١٢) أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣) قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (١٤) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٥) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ)(١٦)

قوله تعالى : (فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ).

لمّا بيّن تعالى حال من لا يرقب في الله إلّا ولا ذمّة ، وينقض العهد ، ويتعدّى ما حدّ له. بيّن بعده أنهم إن تابوا ، وأقاموا الصّلاة ، وآتوا الزكاة ، فهم : «إخوانكم (فِي الدِّينِ).

فإن قيل : المعلق على الشيء بكلمة «إن» عدم عند عدم ذلك الشيء ، فهذا يقتضي أنّه متى لم توجد هذه الثلاثة ، لا تحصل الأخوة في الدّين ، وهو مشكل ؛ لأنّه ربّما كان فقيرا ، أو كان غنيّا ، لكن قبل انقضاء الحول ، لا تلزمه الزكاة.

فالجواب : أنّه قد تقدّم في تفسير قوله تعالى : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ) [النساء: ٣١] أن المعلق على الشّيء بكلمة «إن» لا يلزم منه عدم ذلك الشّيء ، كذلك ههنا ، ومن النّاس من قال : إنّ المعلق على الشّيء بكلمة «إن» عدم عند عدم ذلك الشيء ، فها هنا قال: المؤاخاة بين المسلمين موقوفة على فعل الصلاة والزكاة جميعا ، فإنّ الله شرطها في إثبات المؤاخاة ، ومن لم يكن أهلا لوجوب الزكاة عليه ؛ وجب عليه أن يقرّ بحكمها فإذا أقرّ بهذا الحكم دخل في الشّرط الذي به تجب الأخوة.

قوله : فإخوانكم خبر مبتدأ محذوف ، أي : فهم إخوانكم ، والجملة الاسمية في محلّ جزم على جواب الشرط ، وفي الدّين متعلّق ب «إخوانكم» لما فيه من معنى الفعل.

فصل

قال أبو حاتم «قال أهل البصرة أجمعون : الإخوة في النّسب ، والإخوان في الصّداقة». وهذا غلط ، يقال للأصدقاء وغير الأصدقاء إخوة ، وإخوان ، قال الله تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات : ١٠] ولم يعن النّسب ، وقال تعالى : (أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ) [النور : ٦١] وهذا في النسب.

قال ابن عبّاس : «حرمت هذه الآية دماء أهل القبلة» (١) ومعنى قوله : «فإخوانكم»

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٣٢٨) وذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٢٧١) والرازي في «التفسير الكبير» (١٥ / ١٨٦).

٣١

أي : فهم إخوانكم (فِي الدِّينِ) لهم ما لكم ، وعليهم ما عليكم ، قال ابن مسعود «أمرتم بالصّلاة والزكاة فمن لم يزك فلا صلاة له» (١).

وروى أبو هريرة قال : لمّا توفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكان أبو بكر ، وكفر من كفر من العرب فقال عمر : كيف تقاتل النّاس ، وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا لا إله إلّا الله ، فمن قالها فقد عصم منّي ماله ونفسه إلّا بحقّها وحسابه على الله». فقال : والله لأقاتلنّ من فرّق بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حق المال ، والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لقاتلتهم على منعه ، قال عمر : «فو الله ما هو إلّا أن شرح الله صدر أبي بكر للقتال ، فعرفت أنه الحقّ» (٢).

قوله (وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) قال الزمخشريّ : وهذا اعتراض واقع بين الكلامين ، والمقصود : الحث والتحريض على تأمل ما فصل من أحكام المشركين المعاهدين وعلى المحافظة عليها.

قوله (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ) نقضوا عهودهم ، «الأيمان» جمع «يمين» بمعنى : الحلف. (مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ) عقدهم. يعني : مشركي قريش. قال الأكثرون : المراد : نكثهم لعهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقيل : المراد : حمل العهد على الإسلام ، ويؤيده قراءة من قرأ «وإن نكثوا إيمانهم» بكسر الهمزة والأول أولى ، للقراءة المشهورة ؛ ولأنّ الآية وردت في ناقضي العهد ، وقوله : (وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ) أي : عابوه ، وهذا دليل على أنّ الذّمّي إذا طعن في دين الإسلام ظاهرا لا يبقى له عهد.

قوله (فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ) أي : متى فعلوا ذلك فافعلوا هذا. قرأ نافع (٣) وابن كثير وأبو عمرو «أئمّة» بهمزتين ثانيتهما مسهّلة بين بين ، ولا ألف بينهما.

والكوفيون (٤) وابن ذكوان عن ابن عامر بتحقيقها ، من غير إدخال ألف بينهما ، وهشام كذلك ، إلّا أنّه أدخل بينهما ألفا ، هذا هو المشهور بين القراء السبعة ، وفي بعضها كلام يأتي إن شاء الله تعالى ، ونقل أبو حيان عن نافع ومن معه ، أنّهم يبدلون الثانية ياء صريحة ، وأنّه قد نقل عن نافع المدّ بينهما ، أي : بين الهمزة والياء. فأمّا قراءة التحقيق ، وبين بين ، فقد ضعّفها جماعة من النحويين ، كأبي علي الفارسي ، وتابعيه ، ومن القرّاء أيضا من ضعّف التّحقيق مع روايته له وقراءته به لأصحابه ، ومنهم من أنكر التسهيل بين بين ، فلم يقرأ به لأصحاب التخفيف ، وقرءوا بياء خفيفة الكسر ، نصّوا على ذلك في

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٣٢٨) وذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٢٧١).

(٢) تقدم.

(٣) ينظر : السبعة ص (٣١٢) ، الحجة ٤ / ١٦٧ ـ ١٧٦ ، حجة القراءات ص (٣١٥) ، إعراب القراءات ١ / ٢٣٥ ، النشر ١ / ٣٧٨ ، إتحاف ٢ / ٨٧.

(٤) انظر السابق.

٣٢

كتبهم ، وأمّا القراءة بالياء فهي التي ارتضاها الفارسيّ ، وهؤلاء الجماعة ؛ لأنّ النّطق بالهمزتين في كلمة واحدة ثقيل ، وهمزة بين بين بزنة المخففة.

والزمخشري جعل القراءة بصريح الياء لحنا ، وتحقيق الهمزتين غير مقبول عند البصريين ، قال : «فإن قلت : كيف لفظ «أئمة»؟ قلت : بهمزة بعدها همزة بين بين ، أي : بين مخرج الهمزة والياء وتحقيق الهمزتين قراءة مشهورة ، وإن لم تكن مقبولة عند البصريين ، وأمّا التصريح بالياء فلا يجوز أن تكون ، ومن قرأ بها فهو لاحن محرّف».

قال أبو حيّان (١) : «وذلك دأبه في تلحين المقرئين ، وكيف يكون لحنا ، وقد قرأ بها رأس النّحاة البصريين أبو عمرو بن العلاء ، وقارىء أهل مكة ابن كثير ، وقارىء أهل المدينة نافع»؟.

قال شهاب الدّين (٢) : «لا ينقم على الزمخشريّ شيء ، فإنه إنّما قال : إنّها غير مقبولة عند البصريين ، ولا يلزم من ذلك أنه لا يقبلها ، غاية ما في الباب أنّه نقل عن غيره ، وأمّا التصريح بالياء فإنّه معذور فيه ، لما تقدّم من أنه اشتهر بين القراء التسهيل بين بين ، لا الإبدال المحض ، حتّى إنّ الشّاطبي جعل ذلك مذهبا للنحويين ، لا للقراء ، فالزمخشري إنما اختار مذهب القراء لا مذهب النّحاة في هذه اللّفظة».

وقد ردّ أبو البقاء قراءة التّسهيل بين بين ، فقال : «ولا يجوز هنا أن تجعل بين بين ، كما جعلت همزة «أئذا» ؛ لأنّ الكسرة هنا منقولة ، وهناك أصلية ، ولو خفّفت الهمزة الثانية على القياس لقلبت ألفا ، لانفتاح ما قبلها ، ولكن ترك ذلك للتتحرك بحركة الميم في الأصل».

قال شهاب الدّين «قوله «منقولة» لا يفيد ؛ لأنّ النقل هنا لازم ، فهو كالأصل ، وقوله «ولو خفّفت على القياس» إلى آخره ، لا يفيد أيضا ؛ لأنّ الاعتناء بالإدغام سابق على الاعتناء بتخفيف الهمزة».

ووزن «أئمّة» «أفعلة» ، لأنّها جمع «إمام» ، ك «حمار وأحمرة» والأصل : «أأممة» فالتقى ميمان ، فأريد إدغامهما فنقلت حركة الميم الأولى للسّاكن قبلها ، وهو الهمزة الثانية ، فأدّى ذلك إلى اجتماع همزتين ثانيتهما مكسورة ، فالنحويون البصريون يوجبون إبدال الثانية ياء ، وغيرهم يحقق ، أو يسهّل بين بين ، ومن أدخل الألف فللخفّة حتى يفرّق بين الهمزتين ، والأحسن أن يكون ذلك في التحقيق ، كما قرأ هشام ، وأمّا ما رواه أبو حيان عن نافع من المدّ مع نقله عنه أنّه يصرّح بالياء فللمبالغة في الخفة.

قوله : (لا أَيْمانَ لَهُمْ) قرأ ابن (٣) عامر «لا إيمان» بكسر الهمزة ، وهو مصدر آمن

__________________

(١) ينظر : البحر المحيط ٥ / ١٧.

(٢) ينظر : الدر المصون ٣ / ٤٥٠.

(٣) ينظر : السبعة (٣١٢) ، الحجة للقراء السبعة ٤ / ١٧٧ ـ ١٧٨ حجة القراءات ص (٣١٥) ، إعراب القراءات ١ / ٢٣٥.

٣٣

يؤمن إيمانا. وهل هو من الأمان؟ وفي معناه حينئذ وجهان :

أحدهما : أنهم لا يؤمنون في أنفسهم ، أي : لا يعطون أمانا بعد نكثهم وطعنهم ، ولا سبيل إلى ذلك.

والثاني : الإخبار بأنهم لا يوفون لأحد بعهد يعقدونه له ، أو من التصديق أي : إنّهم لا إسلام لهم ، واختار مكيّ التأويل الأوّل ، لما فيه من تجديد فائدة لم يتقدّم لها ذكر ؛ لأنّ وصفهم بالكفر وعدم الإيمان قد سبق وعرف.

وقرأ الباقون بالفتح ، وهو جمع يمين وهذا مناسب للنكث ، وقد أجمع على فتح الثّانية ، ويعني نفي الأيمان عن الكفّار ، أنّهم لا يوفون بها وإن صدرت منهم وثبتت ؛ وهذا كقول الآخر : [الطويل]

٢٧٦٩ ـ وإن حلفت لا ينقض النّأي عهدها

فليس لمخضوب البنان يمين (١)

وبذلك قال الشّافعي ، وحمله أبو حنيفة على حقيقته أنّ يمين الكافر لا تكون يمينا شرعية ، وعند الشافعي يمين شرعية.

فصل في المراد من الآية

معنى الآية : قاتلوا الكفار بأسرهم ، وإنّما خصّ الأئمّة ، والسّادة بالذّكر ، لأنهم هم الذين يحرضون الأتباع على الأفعال الباطلة.

قال ابن عبّاس : «نزلت في أبي سفيان بن حرب ، والحارث بن هشام ، وسهل بن عمرو ، وعكرمة بن أبي جهل ، وسائر رؤساء قريش يومئذ ، والذين نقضوا العهد ، وهم الذين همّوا بإخراج الرسول» (٢) ، وقال مجاهد «هم أهل فارس والروم» وقال حذيفة بن اليمان «ما قوتل أهل هذه الآية ، ولم يأت أهلها بعد» (٣).

(إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ) أي : لا عهود لهم. ثم قال : (لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ) وهو متعلق بقوله: (فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ) أي : ليكن غرضكم في مقاتلتهم بعد ما وجد منهم من العظائم أن تكون المقاتلة سببا في انتهائهم عن الكفر.

قوله تعالى : (أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ).

__________________

(١) البيت لكثير في ديوانه (١٧٦) شرح الحماسة ٣ / ١٣٠٩ وفي تفسير القرطبي ٨ / ٨١ والدر المصون ٣ / ٤٥١ والقرافي في الاستغناء (٢٣٧).

(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٣٢٩) عن قتادة وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣٨٨) وزاد نسبته إلى عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن قتادة.

وذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٢٧٢) عن ابن عباس.

(٣) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣٨٨) وعزاه إلى ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن مردويه.

٣٤

لما قال (فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ) أتبعه بذكر السبب الباعث على مقاتلتهم ، فقال (أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ) نقضوا عهودهم ، وهم الذين نقضوا عهد الصّلح بالحديبية وأعانوا بني بكر على خزاعة ، (وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ) من مكة حين اجتمعوا في دار النّدوة. وقيل : المراد من المدينة ، لما أقدموا عليه من المشورة والاجتماع على قصده بالقتل ، وقيل : بل همّوا على إخراجه من حيث أقدموا على ما يدعوه إلى الخروج ، وهو نقض العهد ، وإعانة أعدائه ، فأضيف الإخراج إليهم توسعا لما وقع منهم من الأمور الدّاعية إليه.

وقوله : (وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ) إمّا بالفعل ، وإمّا بالعزم عليه ، وإن لم يوجد ذلك الفعل بتمامه ، واعلم أنّه ذكر ثلاثة أشياء ، كل واحد منها يوجب مقاتلتهم إذا انفرد ، فكيف إذا اجتمعت؟.

أحدها : نكثهم العهد.

والثاني : أنهم همّوا بإخراج الرسول ، وهذا من أوكد موجبات القتال.

والثالث : قوله (وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) يعني : بالقتال يوم بدر ؛ لأنّهم حين سلم العير ، قالوا : لا ننصرف حتى نستأصل محمدا ومن معه.

وقال ناس (١) من المفسّرين : أراد أنّهم بدأوا بقتال خزاعة حلفاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقال الحسن : لا يجوز أن يكون المراد منه ذلك ؛ لأنّ سورة براءة نزلت بعد فتح مكّة.

وقوله : (أَوَّلَ مَرَّةٍ) نصب على ظرف الزّمان ، وأصلها المصدر من : مرّ يمرّ ، كما تقدم [الأنعام ٩٤].

قوله : (أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ) الجلالة مبتدأ ، وفي الخبر أوجه :

أحدها : أنّه «أحقّ» ، و (أَنْ تَخْشَوْهُ) على هذا بدل من الجلالة بدل اشتمال ، والمفضّل عليه محذوف ، والتقدير : فخشية الله أحقّ من خشيتهم.

الثاني : أنّ «أحقّ» خبر مقدم ، و (أَنْ تَخْشَوْهُ) مبتدأ مؤخر ، والجملة خبر الجلالة.

الثالث : أنّ «أحقّ» مبتدأ ، و (أَنْ تَخْشَوْهُ) خبره ، والجملة أيضا خبر الجلالة ، قاله ابن عطية (٢) ، وحسن الابتداء بالنكرة ، لأنها أفعل تفضيل ، وقد أجاز سيبويه أن تكون المعرفة خبرا للنكرة في نحو : اقصد رجلا خير منه أبوه.

الرابع : أنّ (أَنْ تَخْشَوْهُ) في محلّ نصب ، أو جرّ ، بعد إسقاط الخافض ، إذ التقدير : أحقّ بأن تخشوه ، وقوله : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) شرط حذف جوابه ، أو قدّم على حسب الخلاف [الأنفال : ١].

__________________

(١) في ب : ابن جماعة.

(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ١٣.

٣٥

فصل

هذا الكلام يقوي داعية القتال من وجوه :

الأول : أنّ تقرير الموجبات القويّة ، وتفصيلها ممّا يقوّي هذه الداعية.

الثاني : أنّك إذا قلت للرجل : أتخشى خصمك ؛ فكأنك تحرضه على القتال ، أي : لا تخف منه.

والثالث : قوله (فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ) أي : إن كنت تخشى أحدا فالله أحقّ أن تخشاه ، لكونه في غاية القدرة ، فالضّرر المتوقع منهم غايته القتل ، وأمّا المتوقع من الله فالعقاب الشديد في القيامة ، والذم اللازم في الدّنيا.

والرابع : قوله : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي : إن كنتم موقنين بالإيمان ، وجب عليكم القتال ، أي : إنكم إن لم تقدموا على القتال ، وجب أن لا تكونوا مؤمنين.

فصل

حكى الواحديّ عن أهل المعاني أنهم قالوا : «إذا قلت : ألا تفعل كذا ، فإنّما يستعمل ذلك في فعل مقدر وجوده ، وإذا قلت : ألست تفعل ، فإنّما تقول ذلك في فعل تحقّق وجوده ، والفرق بينهما أنّ «لا» ينفى بها المستقبل ، فإذا أدخلت عليها الألف كان تحضيضا على فعل ما يستقبل ، و «ليس» إنما تستعمل لنفي الحال ، فإذا أدخلت عليها الألف صار لتحقيق الحال».

فصل

نقل عن ابن عباس أنه قال قوله : (أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً) ترغيب في فتح مكّة (١) وقوله : (قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ) أي : عهدهم ، يعني قريشا حين أعانوا بني الديل بن بكر على خزاعة ، كما تقدم.

وقال الحسن «لا يجوز أن يكون المراد منه ذلك ؛ لأنّ سورة براءة نزلت بعد فتح مكّة»(٢).

فصل

قال الأصم «دلّت الآية على أنّهم كرهوا هذا القتال ، لقوله : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) [البقرة : ١١٦] فأمنهم الله تعالى بهذه الآيات». قال القاضي «إنه تعالى قد يحث على فعل الواجب من لا يكون كارها له ، ولا مقصرا فيه ، فإن أراد أن مثل هذا التحريض على الجهاد لا يقع إلّا وهناك كره للقتال ، لا يصح أيضا ، لأنّه يجوز أن يحث تعالى بهذا الجنس على الجهاد ، لكي لا يحصل الكره الذي لو لا هذا التحريض كان يقع».

__________________

(١) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٥ / ١٨٨).

(٢) انظر المصدر السابق.

٣٦

فصل

قال القرطبيّ «استدلّوا بهذه الآية على وجوب قتل كل من طعن في الدّين ، إذ هو كافر ، والطعن هو أن ينسب إليه ما لا يليق به ، أو يعترض بالاستخفاف على ما هو من الدّين ، لما ثبت بالدليل القطعي على صحّة أصوله ، واستقامة فروعه» قال ابن المنذر : «أجمع عامّة أهل العلم على أنّ من سبّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقتل». قال القرطبيّ (١) : «وأمّا الذّمي إذا طعن في الدّين انتقض عهده في المشهور من مذهب مالك ، لقوله تعالى : (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ) [التوبة : ١٣] الآية ، فأمر بقتلهم وقتالهم ، وهو مذهب الشّافعي وقال أبو حنيفة : يستتاب ، وإنّ مجرّد الطّعن لا ينقض به العهد إلّا مع وجود النّكث».

فصل

[إذا حارب الذميّ انتقض عهده ، وكان ماله وولده فيئا معه](٢).

فصل

قال القرطبيّ (٣) : «أكثر العلماء على أنّ من سبّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أهل الذّمة ، أو عرّض ، أو استخفّ بقدره ، أو وصفه بغير الوجه الذي نعت به فإنه يقتل ؛ لأنّا لم نعطه الذّمة أو العهد على هذا ، لقوله تعالى : (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ) الآية ، وقال أبو حنيفة والثوريّ وأتباعهما من أهل الكوفة : لا يقتل ، لأنّ ما هو عليه من الشرك أعظم ، ولكن يؤدّب».

فصل

قال القرطبي (٤) «اختلفوا فيما إذا سبّه ثم اسلم تقية من القتل ، فقيل : يسقط القتل بإسلامه ، وهو المشهور من المذاهب ؛ لأن الإسلام يجبّ ما قبله. بخلاف المسلم إذا سبّه ثم تاب ، قال تعالى : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) [الأنفال : ٣٨]. وقيل : لا يسقط الإسلام قتله ، قاله في العتبية».

قوله تعالى : (قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ) الآية.

اعلم أنّه تعالى لمّا قال في الآية الأولى : (أَلا تُقاتِلُونَ) وذكر الأشياء التي توجب إقدامهم على القتال ، ذكر في هذه الآية خمسة أنواع من الفوائد ، كلّ واحد منها يعظم موقعه إذا انفرد فكيف إذا اجتمعت؟.

أولها : قوله : (يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ) وسمى ذلك عذابا ؛ لأنّ الله تعالى يعذب الكافرين ، إن شاء في الدّنيا ، وإن شاء في الآخرة ، والمراد من هذا العذاب القتل تارة ، والأسر أخرى ، واغتنام الأموال ثالثا.

__________________

(١) ينظر : تفسير القرطبي ٨ / ٥٣.

(٢) سقط في ب.

(٣) ينظر : تفسير القرطبي ٨ / ٥٤.

(٤) ينظر : تفسير القرطبي ٨ / ٥٤.

٣٧

فإن قيل : أليس قد قال تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) [الأنفال : ٣٣] فكيف قال ههنا : (يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ)؟.

فالجواب : المراد من قوله (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) عذاب الاستئصال والمراد من قوله : (يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ) عذاب القتل والحرب ، والفرق بين البابين : أنّ عذاب الاستئصال قد يتعدّى إلى غير المذنب ، وإن كان في حقه سببا لمزيد الثواب ، أمّا عذاب القتل ، فالظّاهر أنه مقصور على المذنب.

فصل

احتج أهل السنة على أنّ فعل العبد مخلوق لله تعالى بقوله : (يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ) فإنّ المراد من هذا العذاب ، القتل والأسر ، وظاهر هذا النص يدلّ على أنّ ذلك القتل والأسر فعل الله تعالى ، يدخله في الوجود على أيدي العباد.

وأجاب الجبائيّ عنه فقال : لو جاز أن يقال إنّه يعذب الكفّار بأيدي المؤمنين لجاز أن يقال : إنه يعذب المؤمنين بأيدي الكفار ، ولجاز أن يقال : إنّه يكذب الأنبياء على ألسنة الكفّار ، ويلعن المؤمنين على ألسنتهم ، لأنّه تعالى خالق لذلك ، فلمّا لم يجز ذلك عند المجبرة ، علم أنّه تعالى لم يخلق أعمال العباد ، وإنّما نسب ما ذكر إلى نفسه على سبيل التوسع من حيث إنّه حصل بأمره وألطافه ، كما يضيف جميع الطاعات إليه بهذا التفسير.

وأجيب : بأنّ الذي ألزمتموه علينا فالأمر كذلك ، إلّا أنا لا نقوله باللّسان ، كما نعلم أنه تعالى هو الخالق لجميع الأجسام ، ثم إنا لا نقول : يا خالق الأبوال والعذرات ، ويا مكون الخنافس ، والديدان ، فكذا ههنا ، وأيضا : أنا توافقنا على أن الزّنا واللّواط وسائر القبائح ، إنما حصلت بتقدير الله وتيسيره ، ثمّ لا يجوز أن يقال : يا مسهل الزنا واللواط ، ويا دافع الموانع عنها.

وأما قوله : المراد إذن الإقدار ، فهذا صرف للكلام عن ظاهره ، وذلك لا يجوز إلّا لدليل قاهر ، والدّليل القاهر من جانبنا ، فإنّ الفعل لا يصدر إلّا عند الدّاعية الحاصلة ، وحصول تلك الدّاعية ليس إلّا من الله تعالى.

وثانيها : قوله : (وَيُخْزِهِمْ) أي : يذلهم بالأسر والقهر ، قال الواحديّ «إنّهم بعد قتلكم إيّاهم» وهذا يدلّ على أنّ الإخزاء وقع بهم في الآخرة ، وهذا ضعيف لما تقدّم من أنّ الإخزاء حاصل في الدنيا.

وثالثها : قوله (وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ) أي : لمّا حصل لهم الخزي ، بسبب كونهم مقهورين فقد حصل النصر للمسلمين [بسبب] كونهم قاهرين.

فإن قيل : لمّا كان حصول الخزي مستلزما لحصول النصر ، كان إفراده بالذّكر عبثا.

فالجواب : ليس الأمر كذلك ؛ لأنه يحتمل أن يحصل الخزي لهم من جهة

٣٨

المؤمنين ، إلّا أنّ المؤمنين يحصل لهم آفة بسبب آخر ، فلمّا قال : (وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ) دلّ على أنهم ينتفعون بهذا النصر والفتح والظفر.

ورابعها : قوله (وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ). قرأ الجمهور بياء الغيبة ، ردّا على اسم الله تعالى ، وقرأ زيد بن (١) علي «نشف» بالنّون ، وهو التفات حسن ، وقال : (قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) شهادة للمخاطبين بالإيمان ، فهو من باب الالتفات ، وإقامة الظّاهر مقام المضمر ، حيث لم يقل «صدوركم».

والمعنى : ويبرىء داء قلوب قوم مؤمنين ممّا كانوا ينالونه من الأذى منهم.

ومعلوم أنّ من طال تأذّيه من خصمه ، ثم مكّنه الله منه على أحسن الوجوه ، فإنّه يعظم سروره به ، ويصير ذلك سببا لقوة النفس ، وثبات العزيمة.

وقال مجاهد والسديّ «أراد صدور خزاعة حلفاء رسول الله ، حيث أعانت قريش بني بكر عليهم حتى نكّلوا بهم ، فشفى الله صدورهم من بني بكر بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم» (٢).

وخامسها : قوله : (وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ) كربها ووجدها بمعونة قريش بني بكر عليهم.

فإن قيل : قوله (وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) معناه : أنّه يشفي من ألم الغيظ ، وهذا هو عين إذهاب الغيظ ، فكان قوله : (وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ) تكرارا.

فالجواب : أنّه تعالى وعدهم بحصول هذا الفتح ، فكانوا في زحمة الانتظار ، كما قيل : الانتظار الموت الأحمر ، فشفى صدورهم من زحمة الانتظار ، فظهر الفرق بين قوله : (وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) وبين قوله : (وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ) فهذه المنافع الخمسة ترجع إلى تسكين الدّواعي الناشئة من القوّة الغضبيّة ، وهي التّشفي ، ودرك الثّأر وإزالة الغيظ ، ولم يذكر فيها وجدان المال ، والفوز بالمطاعم والمشارب ؛ لأنّ العرب جبلوا على الحميّة والأنفة ، فرغبهم في هذه المعاني لكونها لائقة بطباعهم.

وقرأ الجمهور : «ويذهب» بضمّ الياء وكسر الهاء من : «أذهب» ، و «غيظ» مفعول به وقرىء (٣) «ويذهب» بفتح الياء والهاء ، جعله مضارعا ل «ذهب» ، و «غيظ» فاعل به

__________________

(١) ينظر : الدر المصون ٣ / ٤٥١.

(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٣٣٢) عن السدي وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣٨٩) وعزاه إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن مجاهد.

وذكره أيضا (٣ / ٣٨٩) عن قتادة وعزاه إلى أبي الشيخ.

وأخرجه الطبري (٦ / ٣٣٢) عن مجاهد مثله وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣٨٩) وعزاه إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ وذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٢٧٣) عن مجاهد والسدي.

(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ١٤ ، البحر المحيط ٥ / ١٩ ، الدر المصون ٣ / ٤٥٢.

٣٩

وقرأ زيد (١) بن علي كذلك ، إلّا أنّه رفع الفعل مستأنفا ، ولم ينسقه على المجزوم قبله ، كما قرءوا «ويتوب» بالرفع عند الجمهور.

قوله : (وَيَتُوبُ اللهُ عَلى مَنْ يَشاءُ) قرأ الجمهور بالرّفع ، وقرأ زيد بن علي ، والأعرج ، وابن أبي إسحاق ، وعمرو بن عبيد (٢) ، وعمرو بن فائد ، وعيسى الثقفي ، وأبو عمرو في رواية ويعقوب «ويتوب» بالنّصب ، فأمّا قراءة الجمهور فإنّها استئناف إخبار ، وكذلك وقع ، فإنه قد أسلم ناس كثيرون ، كأبي سفيان ، وعكرمة بن أبي جهل ، وسهيل بن عمرو وغيرهم.

قال الزجاج ، وأبو الفتح : وهذا أمر موجود ، سواء قوتلوا ، أم لم يقاتلوا ، ولا وجه لإدخال التوبة في جواب الشرط الذي في : «قاتلوهم». يعنيان بالشّرط : ما فهم من الجملة الأمرية. قالوا : ونظيره : (فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ) [الشورى : ٢٤] وتمّ الكلام ههنا ، ثم استأنف فقال : (وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ). وأمّا قراءة زيد ومن ذكر معه فإنّ التوبة تكون داخلة في جواب الأمر من طريق المعنى ، وفي توجيه ذلك غموض ، فقال بعضهم : إنّه لمّا أمرهم بالمقاتلة شقّ ذلك على بعضهم ، فإذا أقدموا على المقاتلة صار ذلك العمل جاريا مجرى التوبة من تلك الكراهة ، قاله الأصمّ. فيصير المعنى : إن تقاتلوهم يعذّبهم الله ، ويتب عليكم من تلك الكراهة لقتالهم ، وقال آخرون ـ في توجيه ذلك ـ : إنّ حصول الظّفر وكثرة الأموال لذّة تطلب بطريق حرام ، فلمّا حصلت لهم بطريق حلال ، كان ذلك داعيا لهم إلى التّوبة ممّا تقدم ، فصارت التوبّة معلقة على المقاتلة.

وقال ابن عطية (٣) ـ في توجيه ذلك ـ : «يتوجه عندي إذا ذهب إلى أنّ التوبة يراد بها هنا قتل الكافرين والجهاد في سبيل الله ، هو توبة لكم أيها المؤمنون ، وكمال لإيمانكم ، فتدخل التسوية على هذا في شرط القتال».

قال أبو حيان (٤) «وهذا الذي قرروه من كون التّوبة تدخل تحت جواب الأمر بالنسبة للمؤمنين الذين أمروا بقتال الكفّار ، والذي يظهر أنّ ذلك بالنسبة إلى الكفّار ، والمعنى : على من يشاء من الكفار ، لأنّ قتال الكفار ، وغلبة المسلمين إياهم قد يكون سببا لإسلام كثير ، ألا ترى إلى فتح مكّة ، كيف أسلم لأجله ناس كثيرون ، وحسن إسلام بعضهم جدّا ، ك : ابن أبي سرح ، ومن تقدم ذكره ، وغيرهم» فيصير المعنى : إن تقاتلوهم يتب الله على من يشاء من الكفّار ، أي: يسلم من يشاء منهم ، والمراد بالتّوبة هنا : الهداية إلى الإسلام كما ذكره جمهور المفسرين ، ثمّ قال (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) عليم بكل ما يفعل في

__________________

(١) انظر السابق.

(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٢٥٢ ـ ٢٥٣ ، المحرر الوجيز ٣ / ١٤ ، البحر المحيط ٥ / ١٩ ، الدر المصون ٣ / ٤٥٢.

(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ١٤.

(٤) ينظر : البحر المحيط ٥ / ١٩.

٤٠