اللّباب في علوم الكتاب - ج ٩

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ٩

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٩٩

الثاني : أنّ «من» مجرور المحلّ ، عطفا على الكاف في : «حسبك» ، وهذا رأي الكوفيين وبهذا فسّر الشعبي وابن زيد ، قالا : «معناه : وحسب من اتّبعك».

الثالث : أنّ محلّه نصب على المعيّة.

قال الزمخشريّ : (وَمَنِ اتَّبَعَكَ) الواو بمعنى «مع» وما بعده منصوب ، تقول : حسبك وزيدا درهم ، ولا تجرّ ؛ لأنّ عطف الظّاهر المجرور على المكنيّ ممتنع ؛ وقال : [الطويل]

٢٧٣٥ ـ ..........

فحسبك والضّحّاك سيف مهنّد (١)

والمعنى : كفاك وكفى تبّاعك المؤمنين الله ناصرا.

قال أبو حيّان (٢) : «وهذا مخالف لكلام سيبويه ؛ فإنّه قال «حسبك وزيدا درهم» لمّا كان فيه معنى : كفاك ، وقبح أن يحملوه على الضمير دون الفعل ، كأنّه قال : حسبك وبحسب أخاك» ثم قال : «وفي ذلك الفعل المضمر ضمير يعود على الدرهم والنية بالدرهم التقديم ، فيكون من عطف الجمل ، ولا يجوز أن يكون من باب الإعمال ، لأنّ طلب المبتدأ للخبر وعمله فيه ليس من قبيل طلب الفعل ، أو ما جرى مجراه ، ولا عمله فلا يتوهّم ذلك فيه».

وقد سبق الزمخشريّ إلى كونه مفعولا معه الزجاج ، إلّا أنه جعل «حسب» اسم فعل ، فإنه قال : «حسب» اسم فعل ، والكاف نصب ، والواو بمعنى «مع». وعلى هذا يكون «الله» فاعلا ، وعلى هذا التقدير يجوز في «ومن» أن يكون معطوفا على الكاف ، لأنّها مفعول باسم الفعل ، لا مجرور ، لأنّ اسم الفعل لا يضاف.

ثم قال أبو حيان : «إلّا أنّ مذهب الزجاج خطأ ، لدخول العوامل على «حسب» نحو : بحسبك درهم ، وقال تعالى : (فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ) ، ولم يثبت في موضع كونه اسم فعل ، فيحمل هذا عليه».

وقال ابن عطية (٣) ـ بعدما حكى عن الشعبي ، وابن زيد ما تقدّم عنهما من المعنى ـ : ف «من» في هذا التأويل في محلّ نصب ، عطفا على موضع الكاف ؛ لأنّ موضعها نصب على المعنى ب : «يكفيك» الذي سدّت «حسبك» مسدّه.

قال أبو حيان (٤) «هذا ليس بجيد ؛ لأنّ «حسبك» ليس ممّا تكون الكاف فيه في

__________________

(١) عجز بيت وصدره :

إذا كانت الهيجاء وانشقت العصا

 ..........

ينظر : المغني ٢ / ٥٦٣ والفراء ١ / ٤١٧ وإعراب النحاس ٢ / ١٩٥ شرح المفصل لابن يعيش ٢ / ٤٨ القرطبي ٨ / ٤٢ اللسان [حسب][عصا][هيج] الدر المصون ٣ / ٤٣٣.

(٢) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٥١١.

(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٥٤٩.

(٤) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٥١١.

٥٦١

موضع نصب ، بل هذه إضافة صحيحة ليست من نصب ، و «حسبك» مبتدأ مضاف إلى الضمير وليس مصدرا ، ولا اسم فاعل ، إلّا إن قيل : إنّه عطف على التوهم كأنه توهّم أنه قيل : يكفيك الله ، أو كفاك الله ، لكن العطف على التوهّم لا ينقاس».

والذي ينبغي أن يحمل عليه كلام الشعبي وابن زيد أن تكون «من» مجرورة ب «حسب» محذوفة ، لدلالة «حسبك» عليها ؛ كقوله : [المتقارب]

٢٧٣٦ ـ أكلّ امرىء تححسبين امرأ

ونار توقّد باللّيل نارا (١)

أي : وكلّ نار ، فلا يكون من العطف على الضمير المجرور.

قال ابن عطيّة (٢) : «وهذا الوجه من حذف المضاف مكروه بأنه ضرورة».

قال أبو حيان (٣) : «وليس بمكروه ، ولا ضرورة بل أجازه سيبويه ، وخرّج عليه البيت وغيره من الكلام».

قال شهاب الدين : «قوله : «بل هذه إضافة صحيحة ، ليست من نصب» فيه نظر ؛ لأنّ النّحويين على أنّ إضافة «حسب» وأخواتها إضافة غير محضة ، وعلّلوا ذلك بأنها في قوة اسم فاعل ناصب لمفعول به ، فإنّ «حسبك» بمعنى : كافيك ، و «غيرك» بمعنى مغايرك ، و «قيد الأوابد» بمعنى : مقيدها.

قالوا : ويدلّ على ذلك أنّها توصف بها النّكرات ، فيقال : مررت برجل حسبك من رجل».

وجوّز أبو البقاء (٤) : الرفع من ثلاثة أوجه : أنّه نسق على الجلالة كما تقدّم ، إلّا أنّه قال: فيكون خبرا آخر ، كقولك : القائمان زيد وعمرو ، ولم يثنّ «حسبك» ؛ لأنه مصدر.

وقال قوم : هذا ضعيف ؛ لأن الواو للجمع ، ولا يحسن ههنا ، كما لا يحسن في قولهم : «ما شاء الله وشئت» ، و «ثم» هاهنا أولى. يعني أنّه من طريق الأدب لا يؤتى بالواو التي تقتضي الجمع ، بل يأتي ب «ثم» التي تقتضي التراخي والحديث دالّ على ذلك.

الثاني : أن يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره : وحسب من اتبعك.

الثالث : هو مبتدأ والخبر محذوف تقديره : ومن اتبعك كذلك ، أي : حسبهم الله.

وقرأ الشعبيّ (٥) «ومن» بسكون النون «أتبعك» بزنة «أكرمك».

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ) الآية.

لمّا بيّن أنه تعالى كافيه بنصره ، وبالمؤمنين ، بيّن ههنا أنه ليس من الواجب أن يتكل على ذلك إلا بشرط أن يحرض المؤمنين على القتال ؛ فإنه تعالى كفيل بالكفاية بشرط أن

__________________

(١) تقدم.

(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٥٤٩.

(٣) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٥١١.

(٤) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ٢ / ١٠.

(٥) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٥١١ ، الدر المصون ٣ / ٤٣٥.

٥٦٢

يحصل منهم التعاون على القتال ، والتحريض كالتحضيض والحث.

يقال : حرّض وحرّش وحرّك وحثّ بمعنى واحد.

وقال الهرويّ «يقال : حارض على الأمر ، وأكبّ ، وواكب ، وواظب ، وواصب بمعنى».

قيل : وأصله من الحرض ، وهو الهلاك ، قال تعالى : (حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ) [يوسف : ٨٥].

وقال : [البسيط]

٢٧٣٧ ـ إنّي امرؤ نابني همّ فأحرضني

حتّى بليت وحتّى شفّني سقم (١)

قال الزجاج (٢) : «تأويل التحريض في اللّغة أن يحثّ الإنسان على شيء حتى يعلم منه أنّه حارض والحارض : المقارب للهلاك ، واستبعد النّاس هذا منه ، وقد نحا الزمخشريّ نحوه ، فقال : «التّحريض : المبالغة في الحثّ على الأمر ، من الحرض ، وهو أن ينهكه المرض ، ويتبالغ فيه حتى يشفي على الموت أو تسمّيه حرضا ، وتقول له : ما أراك إلّا حرضا».

وقرأ الأعمش (٣) «حرّص» بالصاد المهملة ، وهو من «الحرص» ، ومعناه مقارب لقراءة العامة.

قوله : (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ) الآيات.

أثبت في الشرط الأول قيدا ، وهو الصبر ، وحذف من الثاني ، وأثبت في الثاني قيدا ، وهو كونهم من الكفرة ، وحذف من الأوّل ، والتقدير : مائتين من الذين كفروا ، ومائة صابرة فحذف من كلّ منهما ما أثبت في الآخر ، وهو في غاية الفصاحة.

وقرأ (٤) الكوفيون : «وإن يكن منكم مائة يغلبوا» ، «فإن يكن منكم مائة صابرة» بتذكير «يكن» فيهما ، ونافع وابن (٥) كثير وابن عامر بتأنيثه فيهما ، وأبو عمرو في الأولى كالكوفيين (٦) وفي الثانية كالباقين.

__________________

(١) تقدم.

(٢) ينظر : معاني القرآن للزجاج ٢ / ٤٦٩.

(٣) حكاها الأخفش.

ينظر : الكشاف ٢ / ٢٣٥ ، المحرر الوجيز ٢ / ٥٤٩ ، البحر المحيط ٤ / ٥١٢ ، الدر المصون ٣ / ٤٣٥.

(٤) ينظر : السبعة ص (٣٠٨) ، الحجة ٤ / ١٥٩ ـ ١٦٠ ، حجة القراءات ص (٣١٢ ـ ٣١٣) ، إعراب القراءات ١ / ٢٣٢ ـ ٢٣٣ ، إتحاف ٢ / ٨٣ ، النشر ٢ / ١٧٧.

(٥) انظر السابق.

(٦) وقرأ بها كذلك يعقوب ووافقهما اليزيدي والحسن.

ينظر : السبعة ص (٣٠٨) ، الحجة ٤ / ١٦٠ ، حجة القراءات ص (٣١٣) إعراب القراءات ١ / ٢٣٢ ، إتحاف ٢ / ٨٣.

٥٦٣

فمن ذكّر فللفصل بين الفعل وفاعله بقوله : «منكم» ؛ لأنّ التأنيث مجازي ، إذ المراد ب «المائة» الذّكور ، ومن أنّث فلأجل اللفظ ، ولم يلتفت للمعنى ، ولا للفصل.

وأمّا أبو عمرو فإنّما فرّق بين الموضعين فذكّر في الأول ، لما ذكر ؛ ولأنّه لحظ قوله : «يغلبوا» وأنّث في الثاني ، لقوة التأنيث بوصفه بالمؤنث في قوله : «صابرة» ، وأمّا : (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ) و (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ) فبالتذكير عند جميع القرّاء ، إلّا الأعرج ، فإنه أنّث المسند إلى «عشرون».

فصل

هذا خبر والمراد به الأمر ، كقوله تعالى : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ) [البقرة : ٢٣٣.]

والمعنى : (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ) فليصبروا وليجتهدوا في القتال حتّى (يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) ويدلّ على أنّ المراد الأمر وجوه :

أولها : لو كان المراد الخبر ، لزم أن يقال لم يغلب قط مائتان من الكفّار عشرين من المؤمنين ، وذلك باطل.

وثانيها : قوله تعالى (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ) نسخ والنسخ لا يليق إلّا بالأمر.

وثالثها : قوله تعالى (وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) وذلك ترغيب في الثبات على الجهاد.

فصل

قوله تعالى : (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ) يدلّ على أنّه تعالى ما أوجب هذا الحكم إلّا بشرط كونه صابرا قادرا على ذلك ، وإنّما حصل هذا الشّرط عند حصول أشياء.

منها : أن يكون شديد الأعضاء ، قويا جلدا ، وأن يكون قوي القلب شجاعا غير جبان ، وأن يكون غير متحرّف إلّا لقتال أو متحيزا إلى فئة ؛ فعند حصول هذه الشرائط كان يجب على الواحد أن يثبت للعشرة.

وإنّما حسن هذا التكليف ؛ لأنه مسبوق بقوله : (حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [الأنفال : ٦٤] فلمّا وعد المؤمنين بالكفاية والنّصرة كان هذا التكليف سهلا ؛ لأنّ من تكفّل بنصره فإن أهل العالم لا يقدرون على إيذائه.

فإن قيل : هذه الآية تدلّ على وجوب ثبات الواحد للعشرة ، فما الفائدة في العدول عن هذه اللّفظة الوجيزة إلى تلك الكلمات الطويلة؟.

والجواب : أن هذا الكلام إنّما ورد على وفق الواقعة ؛ لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يبعث السّرايا ، والغالب أن تلك السّرايا ما كان ينتقص عددها عن العشرين ، وما كانت تزيد على المائة فلهذا ذكر الله هذين العددين.

٥٦٤

قوله : (بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) وهذا كالعلّة لتلك الغلبة ؛ لأنّ من لا يؤمن بالله ولا يؤمن بالمعاد ، فالسعادة ليست عنده إلّا هذه الحياة الدنيويّة ، ومن كان هذ معتقده فإنه يشح بهذه الحياة ولا يعرضها للزوال.

وأمّا من اعتقد أن لا سعادة في هذه الحياة وأنّ السعادة لا تحصل إلّا في الدّار الآخرة ، فإنّه لا يبالي بهذه الحياة الدنيا ، ولا يقيم لها وزنا ، فيقدم على الجهاد بقلب قوي وعزم صحيح ، وإذا كان الأمر كذلك ، كان الواحد في الثبات يقاوم العدد الكثير.

وأيضا : فإن الكفّار إنّما يعولون على قوتهم وشوكتهم ، والمسلمون يستغيثون بربهم بالدعاء ، والتضرع ، ومن كان كذلك كان النصر والظفر به أليق وأولى.

فصل

كان هذا يوم بدر فرض الله على الرّجل الواحد من المؤمنين قتال عشرة من الكافرين فثقلت على المؤمنين ، فخفّف الله عنهم فقال : (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً) في الواحد عن قتال العشرة وفي المائة عن قتال الألف.

وقرأ المفضل (١) عن عاصم «وعلم» مبنيا للمفعول ، و (أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً) في محلّ رفع لقيامه مقام الفاعل ، وهو في محلّ نصب على المفعول به في قراءة العامة ؛ لأن فاعل الفعل ضمير يعود على الله تعالى.

قوله : «ضعفا» قرأ عاصم (٢) وحمزة هنا ، وفي الرّوم في كلماتها الثلاث (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً) [الروم : ٥٤] بفتح الضاد والباقون بضمها. وعن حفص وحده خلاف في الروم.

وقرأ عيسى (٣) بن عمر : «ضعفا» بضم الضاد والعين وكلها مصادر.

وقيل : الضّعف ـ بالفتح ـ في الرأي والعقل ، وبالضم في البدن.

وهذا قول الخليل بن أحمد ، هكذا نقله الراغب عنه. ولمّا نقل ابن عطية هذا عن الثعلبي ، قال : «وهذا القول تردّه القراءة». وقيل : هما بمعنى واحد ، لغتان : لغة الحجاز الضّمّ ، ولغة تميم الفتح ، نقله أبو عمرو ، فيكونان ك : الفقر والفقر ، والمكث والمكث ، والبخل والبخل.

وقرأ ابن (٤) عباس فيما حكى عنه النقاش وأبو جعفر «ضعفاء» جمعا على «فعلاء» ك: ظريف وظرفاء.

__________________

(١) ينظر : الدر المصون ٣ / ٤٣٥.

(٢) ينظر : السبعة (٣٠٨ ـ ٣٠٩) الحجة ٤ / ١٦١ ـ ١٦٢ ، حجة القراءات ص (٣١٣) ، إعراب القراءات ١ / ٢٣٣ ، النشر ٢ / ٢٧٧ ، إتحاف ٢ / ٨٣.

(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٧٥٥١ ، الدر المصون ٣ / ٤٣٦.

(٤) ينظر : إعراب القراءات ١ / ٢٣٣ ، الدر المصون ٣ / ٤٣٦.

٥٦٥

قوله «يكن منكم» «يكن» في هذه الأماكن يجوز أن تكون التامّة ، ف «منكم» إمّا حال من «عشرون» لأنها في الأصل صفة لها ، وإمّا متعلق بنفس الفعل ، لكونه تاما ، وأن تكون الناقصة فيكون «منكم» الخبر ، والمرفوع الاسم ، وهو «عشرون» ، و «مائة» ، و «ألف».

فصل

روى عطاء عن ابن عبّاس : «لما نزل التكليف الأوّل ضجّ المهاجرون ، وقالوا : يا ربّنا نحن جياع ، وعدونا شباع ، ونحن في غربة وعدونا في أهلهم ، ونحن قد أخرجنا من ديارنا وأموالنا ، وعدونا ليس كذلك ، وقال الأنصار : شغلنا بعدوّنا ، وواسينا إخواننا ، فنزل التّخفيف» (١).

وقال عكرمة : «إنّما أمر الرجل أن يصبر لعشرة ، والعشرة لمائة حال ما كان المسلمون قليلين ، فلمّا كثروا خفف الله عنهم (٢) ، ولهذا قال ابن عباس : «أيّما رجل فرّ من ثلاثة فلم يفر ، فإن فر من اثنين فقد فرّ». والجمهور ادّعوا أن قوله : (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ) ناسخ للآية المتقدمة».

وأنكر أبو مسلم الأصفهانيّ هذا النسخ ، وقال : «إن قوله في الآية الأولى : (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) فهذا الخبر محمول على الأمر ، لكن بشرط كون العشرين قادرين على الصّبر لمقاتلة المائتين ، وقوله : (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً) يدلّ على أنّ ذلك الشرط غير حاصل في حقّ هؤلاء ، فالآية الأولى دلّت على ثبوت حكم بشرط مخصوص ، وهذه الآية دلّت على أنّ ذلك الشّرط مفقود في حقّ هذه الجماعة ، فلا جرم لم يثبت ذلك الحكم ، وعلى هذا التقدير لم يحصل النسخ ألبتة».

فإن قيل : قوله تعالى : (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) معناه : ليكن العشرون صابرون لمقابلة المائتين ، وعلى هذا التقدير فالنسخ لازم.

فالجواب : لم لا يجوز أن يكون المراد من الآية إن حصل عشرون صابرون في مقابلة المائتين فليشتغلوا بجهادهم؟.

والحاصل أنّ لفظ الآية ورد بلفظ الخبر ؛ خالفنا هذا الظّاهر وحملناه على الأمر ، أما على رعاية الشرط فقد تركناه على ظاهره ، وتقديره : إن يحصل منكم عشرون موصوفون بالصبر على مقاومة المائتين ، فليشتغلوا بمقاومتهم ، وعلى هذا فلا نسخ.

فإن قيل : قوله : (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ) مشعر بأن هذا التّكليف كان متوجها عليهم فالجواب : لا نسلم أنّ لفظ التخفيف يدلّ على حصول التثقيل قبله ؛ لأنّ عادة العرب الرخصة بهذا الكلام ، كقوله تعالى عند الرّخصة للحر في نكاح الأمة ، لمن لا يستطيع

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٨٣).

(٢) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٥ / ١٥٥) عن عكرمة.

٥٦٦

نكاح الحرة : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً) [النساء : ٢٥] فكذا ههنا.

وتحقيقه أنّ هؤلاء العشرين كانوا في محلّ أن يقال إنّ ذلك الشرط حاصل فيهم ، فكان ذلك التكليف لازما عليهم فلمّا بيّن الله تعالى أنّ ذلك الشرط غير حاصل فيهم ، وأنّه تعالى علم أن فيهم ضعفا لا يقدرون على ذلك فقد تخلصوا عن ذلك الخوف ، فصحّ أن يقال : خفّف الله عنهم ، وممّا يدل على عدم النّسخ أنّه تعالى ذكر هذه الآية مقارنة للآية الأولى ، وجعل النّاسخ مقارنا للمنسوخ لا يجوز.

فإن قيل : المعتبر في النّاسخ والمنسوخ بالنّزول دون التلاوة ، فقد يتقدم الناسخ وقد يتأخر ، ألا ترى في عدة الوفاة الناسخ مقدم على المنسوخ.

فالجواب : أنّ الناسخ لمّا كان مقارنته للمنسوخ لا يجوز في الوجود ، وجب ألا يكون جائزا في الذكر ، اللهم إلّا لدليل قاهر ، وأنتم ما ذكرتم ذلك.

وأمّا قوله في عدة الوفاة الناسخ مقدم على المنسوخ ، فأبو مسلم ينكر كلّ أنواع النسخ في القرآن فكيف يمكن إلزام هذا الكلام عليه؟ فهذا تقرير قول أبي مسلم.

قال ابن الخطيب : «إن ثبت إجماع الأمّة على الإطلاق قبل أبي مسلم على النّسخ فلا كلام ، فإن لم يحصل الإجماع القاطع ؛ فنقول : قول أبي مسلم حسن صحيح».

فصل

احتجّ هشام على قوله : إنّ الله تعالى لا يعلم الجزئيات إلّا عند وقوعها بقوله (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً) فإنّ معنى الآية : الآن علم الله أن فيكم ضعفا ، وهذا يقتضي أنّ علمه تعالى بضعفهم ما حصل إلّا في هذا الوقت.

وأجاب المتكلمون بأنّ معنى الآية : أنّه تعالى قبل حدوث الشيء لا يعلمه حادثا واقعا.

فقوله (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً) معناه : أن الآن حصل العلم بوقوعه وحصوله ، وقبل ذلك كان الحاصل هو العلم بأنه سيقع أو سيحدث.

فصل

الذي استقر عليه حكم التكليف بمقتضى هذه الآية أنّ كلّ مسلم بالغ مكلف وقف بإزاء كافرين ، عبدا كان أو حرا فالهزيمة عليه محرمة ما دام معه سلاح يقاتل ، فإن لم يبق معه سلاح ، فله أن ينهزم ، وإن قاتله ثلاثة حلت له الهزيمة والصبر أحسن.

روى الواحديّ في البسيط : «أنه وقف جيش مؤتة ، وهم ثلاثة ألاف وأمراؤهم على التّعاقب زيد بن حارثة ثمّ جعفر بن أبي طالب ثمّ عبد الله بن رواحة لمائتي ألف من المشركين ، مائة ألف من الرّوم ، ومائة ألف من المستعربة ، وهم لخم وجذام».

٥٦٧

قوله : «بإذن الله» أي : أنه لا تقع الغلبة إلّا بإذن الله ، والإذن ههنا هو الإرادة وذلك يدل على مسألة خلق الأفعال ، وإرادة الكائنات.

ثم ختم الآية بقوله : (وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) والمراد ما ذكره في الآية الأولى في قوله (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) فبيّن ههنا أنّ الله مع الصّابرين والمقصود أن العشرين لو صبروا ووقفوا ، فإنّ نصري معهم وتوفيقي مقارن لهم وهذا يدلّ على صحّة مذهب أبي مسلم ، وهو أن ذلك الحكم لم ينسخ ، بل هو ثابت كما كان فإنّ العشرين إن قدروا على مصابرة المائتين ، بقي ذلك الحكم ، وإن لم يقدروا على مصابرتهم فالحكم المذكور هنا زائل.

قوله تعالى : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧) لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٦٨) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٦٩)

قوله تعالى : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى) الآية.

قرأ أبو (١) عمرو «تكون» بالتأنيث ، مراعاة لمعنى الجماعة ، والباقون بالتّذكير ، مراعاة للفظ الجمع ، والجمهور هنا على «أسرى» وهو قياس «فعيل» بمعنى «مفعول» دالّا على أنه ك : جريح وجرحى.

وقرأ ابن القعقاع والمفضّل (٢) عن عاصم «أسارى» شبّهوا «أسير» ب : «كسلان» فجمعوه على «فعالى» ك : «كسالى» ، كما شبّهوا به «كسلان» فجمعوه على «كسلى» ، وقد تقدّم القول فيهما في البقرة.

قال الزمخشريّ : «وقرىء (٣) «ما كان للنّبي» على التعريف.

فإن قيل : كيف حسن إدخال لفظة «كان» على لفظة «يكون» في هذه الآية؟ فالجواب : قوله «ما كان» معناه النفي والتنزيه ، أي : ما يجب وما ينبغي أن يكون المعنى المذكور ، كقوله : (ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ) [مريم : ٣٥].

قال أبو عبيدة «يقول : لم يكن لنبي ذلك ، فلا يكن لك ، ومن قرأ «ما كان للنّبي» فمعناه : أنّ هذا الحكم ما كان ينبغي حصوله لهذا النبي ، وهو محمد عليه الصلاة والسلام».

__________________

(١) ينظر : الحجة ٤ / ١٦٢ ـ ١٦٣ ، حجة القراءات ص (٣١٣) ، إعراب القراءات ١ / ٢٣٣ ، إتحاف ٢ / ٨٣.

(٢) ينظر : السبعة ص (٣٠٩) ، الحجة ٤ / ١٦٣ ـ ١٦٤ ، حجة القراءات ص (٣١٤).

(٣) قرأ بها أبو الدرداء وأبو حيوة.

ينظر : الكشاف ٢ / ٢٣٥ ، المحرر الوجيز ٢ / ٥٥٢ ، البحر المحيط ٤ / ٥١٣.

٥٦٨

قوله : «حتّى يثخن» قرأ العامّة «يثخن» مخففا ، عدوه بالهمزة.

وقرأ أبو جعفر (١) ويحيى بن وثاب ويحيى بن يعمر «يثخّن» بالتشديد ، عدوه بالتضعيف ، وهو مشتقّ من الثّخانة ، وهي الغلظ والكثافة في الأجسام ، ثمّ يستعار ذلك في كثرة القتل ، والجراحات ، فيقال : أثخنته الجراح ، أي : أثقلته حتى أثبتته ، ومنه : «حتّى إذا أثخنتموهم».

وقيل : حتى يقهر ، والإثخان : القهر.

وأنشد المفضل : [الطويل]

٢٧٣٨ ـ تصلّي الضّحى ما دهرها بتعبّد

وقد أثخنت فرعون في كفره كفرا (٢)

كذا أنشده الهروي شاهدا على القهر ، وليس فيه معنى ، إذ المعنى على الزّيادة والمبالغة المناسبة لأصل معناه ، وهي الثّخانة.

ويقال منه : ثخن يثخن ثخانة فهو ثخين ، ك : ظرف يظرف ظرافة ، فهو ظريف.

قوله (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ). الجمهور على نصب «الآخرة».

وقرأ سليمان (٣) بن جماز المدني بجرّها ، وخرّجت على حذف المضاف وإبقاء المضاف إليه على جرّه. وقدّره بعضهم عرض الآخرة ، فعيب عليه ، إذ لا يحسن أن يقال : والله يريد عرض الآخرة فأصلحه الزمخشريّ بأن جعله كذلك ؛ لأجل المقابلة ، قال : «يعني ثوابها» وقدّره بعضهم ب «أعمال» ، أو «ثواب» ، وجعله أبو البقاء كقول الآخر : [المتقارب]

٢٧٣٩ ـ ..........

ونار توقّد باللّيل نارا (٤)

وقدّر المضاف : «عرض الآخرة».

قال أبو حيان (٥) : «ليست الآية مثل البيت ، فإنه يجوز ذلك ، إذا لم يفصل بين حرف العطف وبين المجرور بشيء كالبيت ، أو يفصل ب «لا» نحو : «ما مثل زيد ولا أخيه يقولان ذلك» أمّا إذا فصل بغيرها كهذه القراءة فهو شاذّ قليل».

فصل

اعلم أنّه تعالى علّم في هذه الآية حكما آخر من أحكام الجهاد في حقّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

__________________

(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٢٣٥ ، المحرر الوجيز ٢ / ٥٥٢ ، البحر المحيط ٤ / ٥١٤ ، الدر المصون ٣ / ٤٣٦.

(٢) البيت ينظر : القرطبي ٨ / ٤٨ الدر المصون ٣ / ٤٣٧.

(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٥٥٢ ، البحر المحيط ٤ / ٥١٤ ، الدر المصون ٣ / ٤٣٧.

(٤) تقدم.

(٥) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٥١٤.

٥٦٩

قال الزجاج : «أسرى» جمع ، و «أسارى» جمع الجمع. والإثخان : قال الواحديّ : «الإثخان» في كلّ شيء : عبارة عن قوّته وشدّته.

يقال : قد أثخنه المرض : إذا اشتد قوة المرض عليه وكذلك أثخنته الجراح.

فقوله : (حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) أي : حتى يقوى ويشتد ويغلب ويقهر.

قال أكثر المفسرين : المراد منه : أن يبالغ في قتل أعدائه ، قالوا : وإنّما جعلنا اللّفظ يدل عليه ؛ لأنّ الملك والدولة إنما تقوى وتشتد بالقتل ؛ قال الشّاعر :

٢٧٤٠ ـ لا يسلم الشّرف الرّفيع من الأذى

حتّى يراق على جوانبه الدّم (١)

وكثرة القتل توجب قوة الرهب وشدة المهابة ، وكلمة «حتّى» لانتهاء الغاية ، فقوله (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) يدلّ على أنّ بعد حصول الإثخان في الأرض فله أن يقدم على الأسارى.

وقوله : (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا) المراد منه : الفداء ، وإنّما سمى منافع الدنيا عرضا ؛ لأنّه لا ثبات له ولا دوام ، فكأنه يعرض ثم يزول ، ولذلك سمّى المتكلمون الأعراض أعراضا ، لأنها لا ثبات لها كثبات الأجسام ؛ لأنها تطرأ على الأجسام ، وتزول عنها والأجسام باقية.

وقوله : (وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) أي : أنه تعالى لا يريد ما يفضي إلى السعادات الدنيوية التي تعرض وتزول ، وإنّما يريد ما يفضي إلى السعادات الأخروية الدائمة الباقية المصونة عن التبدل والزوال.

ثم قال : (وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) أي : إن طلبتم الآخرة لم يغلبكم عدوكم ؛ لأنّ الله عزيز لا يقهر ولا يغلب ، حكيم في تدبير مصالح العالم.

قال ابن عبّاس : «هذا الحكم إنّما كان يوم بدر ؛ لأنّ المسلمين كانوا قليلين ، فلما كثروا وقوي سلطانهم أنزل الله بعد ذلك في الأسارى : (حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً)(٢) [محمد : ٤].

قال ابن الخطيب : «هذا الكلام يوهم أنّ قوله : (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) يزيد على حكم الآية التي نحن في تفسيرها ، وليس الأمر كذلك ؛ لأنّ كلتا الآيتين متوافقتان ، فإنهما يدلان على أنه لا بد من تقديم الإثخان ، ثم بعده أخذ الفداء».

فصل

احتج الجبائيّ والقاضي بهذه الآية على فساد قول من يقول : كلّ ما يكون من العبد

__________________

(١) البيت للمتنبي ينظر : ديوانه بشرح العكبري ٤ / ١٢٥ وتفسير الرازي ١٥ / ٢٠١.

(٢) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٢٦٢).

٥٧٠

فالله يريده ؛ لأنّ هذا الأسر وقع منهم على هذا الوجه ، ونصّ الله على أنّه لا يريده ، بل يريد منهم ما يؤدي إلى ثواب الآخرة وهو الطاعة.

وأجيبوا : بأنه تعالى ما أراد أن يكون هذا الأمر منهم طاعة وعملا جائزا مأذونا فيه ، فلا يلزم من نفي الإرادة كون هذا الأمر طاعة ، نفي كونه مراد الوجود.

فصل

روي عن عبد الله بن مسعود قال : لما كان يوم بدر وجيء بالأسرى ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم «ما تقولون في هؤلاء الأسرى» فقال أبو بكر : يا رسول الله قومك وأهلك استبقهم ، واستأن بهم لعلّ الله أن يتوب عليهم ، وخذ منهم فدية تكون لنا قوة على الكفّار.

وقال عمر : يا رسول الله ، كذبوك وأخرجوك ، فدعنا نضرب أعناقهم ، مكّن عليّا من عقيل فيضرب عنقه ، ومكّني من فلان : «نسيبا لعمر» فأضرب عنقه ، فإن هؤلاء أئمّة الكفر.

وقال عبد الله بن رواحة : يا رسول الله انظر واديا كثير الحطب ؛ فأدخلهم فيه ، ثم أضرم عليهم نارا ، فقال له العباس : قطعت رحمك. فسكت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلم يجبهم ، ثم دخل فقال ناس : يأخذ بقول أبي بكر ، وقال ناس : يأخذ بقول عمر ، وقال ناس : يأخذ بقول ابن رواحة ، ثم خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال «إنّ الله ليليّن قلوب رجال حتّى تكون ألين من اللبن ، ويشدد قلوب رجال حتى تكون أشد من الحجارة ، وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم ، قال : (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [إبراهيم : ٣٦] ومثلك يا أبا بكر كمثل عيسى ، قال : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [المائدة: ١١٨] ومثلك يا عمر ، كمثل نوح ، قال : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) [نوح : ٢٦] ومثلك كمثل موسى ، قال : (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ) [يونس : ٨٨] الآية».

ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنتم اليوم عالة فلا ينقلبن أحد منهم إلّا بفداء أو ضرب عنق».

قال عبد الله بن مسعود : إلا سهيل بن بيضاء ، فإني سمعته يذكر الإسلام فسكت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : فما رأيتني في يوم أخوف أن تقع عليّ الحجارة من السماء من ذلك اليوم ، حتّى قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إلا سهيل بن بيضاء (١).

قال ابن عباس : قال عمر بن الخطاب : فهوي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما قال أبو بكر ولم

__________________

(١) أخرجه أحمد (١ / ٣٨٣) والترمذي (٣٠٨٤) والحاكم (٣ / ٢٢) والبيهقي في «دلائل النبوة» (٣ / ١٣٨ ـ ١٣٩) عن عبد الله بن مسعود وقال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣٦٤ ـ ٣٦٥) وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه.

٥٧١

يهو ما قلت ، فلمّا كان من الغد جئت فإذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان ، قلت : يا رسول الله ، أخبرني من أيّ شيء تبكي أنت وصاحبك ، فإن وجدت بكاء بكيت ، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «أبكي للّذي عرض عليّ أصحابك من أخذهم الفداء ، لقد عرض عليّ عذابهم أدنى من هذه الشجّرة». شجرة قريبة من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنزل الله عزوجل (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) إلى قوله : (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً) وأحلّ الله الغنيمة لهم (١).

وكان الفداء لكل أسير أربعين أوقية ، والأوقية : أربعون درهما.

قوله : (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ).

قال ابن عباس : كانت الغنائم حراما على الأنبياء ؛ فكانوا إذا أصابوا مغنما جعلوه للقربان فكانت تنزل نار من السّماء فتأكله ، فلمّا كان يوم بدر أسرع المؤمنون في الغنائم ، وأخذ الفداء ، فأنزل الله تعالى : (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ)(٢).

يعني : لو لا قضاء من الله سبق في اللوح المحفوظ بأنّه تحلّ لكم الغنائم لمسّكم العذاب.

وهذا مشكل ؛ لأنّ تحليل الغنائم والفداء ، هل كان حاصلا في ذلك الوقت ، أو ما كان حاصلا فيه؟ فإن كان ذلك التّحليل والإذن حاصلا في ذلك الوقت امتنع إنزال العذاب عليهم ؛ لأنّ ما كان مأذونا فيه من قبل الشرع لم يحصل العقاب على فعله.

وإن قلنا : إنّ الإذن ما كان حاصلا في ذلك الوقت كان ذلك الفعل حراما في ذلك الوقت ، أقصى ما في الباب أنّه سيحكم بحله بعد ذلك ، إلّا أنّ هذا لا يقدح في كونه حراما في ذلك الوقت.

فإن قالوا : إنّ كونه بحيث يصير بعد ذلك حلالا ، يوجب تخفيف العقاب.

قلنا : فإذا كان الأمر كذلك امتنع إنزال العقاب بسببه ، وذلك يمنع من التخويف بسبب ذلك العقاب.

قال ابن العربيّ : «في هذه الآية دليل على أنّ العبد إذا اقتحم ما يعتقده حراما ممّا هو في علم الله حلال له لا عقوبة عليه ، كالصّائم إذا قال : هذا يوم نوبي فأفطر الآن ، وتقول المرأة : هذا يوم حيضتي فأفطر ، ففعلا ذلك ، وكان النوب والحيض الموجبان للفطر ، فمشهور المذهب أن فيه الكفارة ، وهو قول الشافعيّ.

وقال أبو حنيفة : لا كفارة عليه. وجه الأوّل أنّ طريق الإباحة لا يثبت عذرا غير عقوبة التّحريم عند الهتك ، كما لو وطىء امرأة ثمّ نكحها.

__________________

(١) أخرجه مسلم (٣ / ١٣٨٣ ـ ١٣٨٥) كتاب الجهاد والسير : باب الإمداد بالملائكة.

(٢) ذكره البغوي في «معالم التنزيل» (٢ / ٢٦٢).

٥٧٢

ووجه قول أبي حنيفة : أنّ حرمة اليوم ساقطة عند الله ـ عزوجل ـ ، فصادف الهتك محلّا لا حرمة له في علم الله تعالى ، كما لو قصد وطء امرأة زفّت إليه ، وهو يعتقد أنّها ليست بزوجة له فإذا هي زوجته».

قال القرطبيّ : «وهذا أصحّ».

وقال ابن جريح : «لو لا كتاب من الله سبق» أنّه لا يضلّ قوما بعد إذ هداهم حتّى يبين لهم ما يتقون (١) ، وأنّه لا يأخذ قوما فعلوا شيئا بجهالة ، وأنّه لا يعذب إلا بعد النهي ، لعذبكم فيما صنعتم ، وأنّه تعالى ما نهاهم عن أخذ الفداء. وهذا أيضا ضعيف ؛ لأنّا نقول حاصل هذا القول أنه ما وجد دليل شرعي يوجب حرمة ذلك الفداء. فهل حصل دليل عقليّ يقتضي حرمته أم لا؟.

فإن قلنا : حصل ، فيكون الله تعالى قد بيّن تحريمه بواسطة ذلك الدّليل العقلي ، فلا يمكن أن يقال : إنّه تعالى لم يبيّن تلك الحرمة ، وإن قلنا : إنه ليس في العقل ولا في الشّرع ما يقتضي المنع ؛ فحينئذ امتنع أن يكون المنع حاصلا وإذا كان الإذن حاصلا فكيف يمكن ترتيب العقاب على فعله؟.

وقال الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير : «لو لا كتاب من الله سبق» أنّه لا يعذّب أحدا شهد بدرا مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢) ، وهذا أيضا مشكل ؛ لأنّه يقتضي أن يقال : إنهم ما منعوا عن الكفر والمعاصي والزّنا والخمر ، وما هددوا بترتيب العذاب على هذه القبائح ، وذلك يوجب سقوط التّكاليف عنهم ، ولا يقوله عاقل ، وأيضا فلو كان كذلك ، فكيف أخذهم الله في ذلك الموضع بعينه في تلك الواقعة بعينها؟.

قال ابن الخطيب : «واعلم أنّ النّاس أكثروا فيه ، والمعتمد في هذا الباب أن نقول : أمّا على قول أهل السنة : فيجوز أن يعفو الله عن الكبائر. فقوله (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ) لو لا أنه تعالى حكم في الأزل بالعفو عن هذه الواقعة لمسّهم عذاب عظيم ، وهذا هو المراد من قوله (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) [الأنعام : ٥٤] وقوله «سبقت رحمتي غضبي».

وأمّا على قول المعتزلة : فهم لا يجوزون العفو عن الكبائر ، فكان معناه (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ) في أنّ من احترز عن الكبائر صارت صغائره مغفورة ، وإلّا لمسّهم عذاب عظيم ، وهذا الحكم وإن كان ثابتا في حقّ جميع المسلمين ، إلّا أنّ طاعات أهل بدر كانت عظيمة ، وهو قبولهم الإسلام ، وانقيادهم لمحمّد ، وإقدامهم على مقاتلة الكفار من غير سلاح وأهبة فلا يبعد أن يقال: إنّ الثّواب الذي استحقّوه على هذه الطاعات كان أزيد

__________________

(١) ذكره البغوي في «معالم التنزيل» (٢ / ٢٦٢).

(٢) ذكره البغوي في «معالم التنزيل» (٢ / ٢٦٢).

٥٧٣

من العقاب الذي استحقوه على هذا الذنب ، فلا جرم صار هذا الذنب مغفورا ، ولو قدّرنا صدور هذا الذنب من المسلمين ، لما صار مغفورا ، فبسبب هذا القدر من التفاوت ، حصل لأهل بدر هذا الاختصاص».

قال ابن إسحاق : لم يكن من المؤمنين أحد ممّن حضر إلّا أحبّ الفداء ، إلّا عمر بن الخطاب فإنه أشار على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقتل الأسرى ، وسعد بن معاذ قال : يا نبيّ الله الإثخان في القتل أحب إليّ من استبقاء الرّجال ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «لو نزل من السّماء عذاب لما نجا منه غير عمر بن الخطاب ، وسعد بن معاذ».

قوله تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً) الآية.

روي أنهم أمسكوا أيديهم عمّا أخذوا من الفداء ، فنزلت هذه الآية.

فإن قيل : ما معنى «الفاء» في قوله : «فكلوا»؟ فالجواب : التقدير قد أبحث لكم الغنائم فكلوا.

و «ما» يجوز أن تكون مصدرية ، والمصدر واقع موقع المفعول ، ويجوز أن تكون بمعنى «الّذي» وهو في المعنى كالذي قبله ، والعائد على هذا محذوف.

وقوله : «حلالا» نصب على الحال ، إمّا من ما الموصولة ، أو من عائدها إذا جعلناها اسمية.

وقيل : هو نعت مصدر محذوف ، أي : أكلا حلالا.

وقوله : «واتّقوا» قال ابن عطية : «وجاء قوله : (وَاتَّقُوا اللهَ) اعتراضا فصيحا في أثناء القول ؛ لأنّ قوله : (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) متصل بقوله : «فكلوا ممّا غنمتم» يعني : أنه متصل به من حيث إنه كالعلة له. والمعنى : واتقوا الله ولا تقدموا بعد ذلك على المعاصي واعلموا أنّ الله غفور لما أقدمتم عليه من الزلة».

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧٠) وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)(٧١)

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى) الآية.

لمّا أخذ الفداء من الأسارى ، وشق عليهم أخذ أموالهم ، ذكر الله تعالى هذه الآية استمالة لهم.

قوله : «من الأسرى» قرأه أبو (١) عمرو بزنة «فعالى» والباقون بزنة «فعلى» وقد عرف ما فيهما.

__________________

(١) تقدم تخريج ذلك في الآية (٦٧) من هذه السورة فلينظر.

٥٧٤

ووافق أبا عمرو قتادة ونصر بن عاصم وابن أبي إسحاق وأبو جعفر. واختلف عن الجحدري والحسن. وقرأ ابن (١) محيصن «من أسرى» منكّرا.

قوله : «يؤتكم» جواب الشّرط. وقرأ الأعمش (٢) «يثبكم» من الثّواب ، وقرأ الحسن (٣) وأبو حيوة وشيبة وحميد «ممّا أخذ» مبنيا للفاعل ، وهو الله تعالى.

فصل

وهذه الآية نزلت في العباس بن عبد المطلب ؛ وكان قد أسر يوم بدر.

وكان أحد العشرة الذين ضمنوا إطعام أهل بدر ، وكان يوم بدر نوبته ، وكان خرج بعشرين أوقية من ذهب ليطعم بها النّاس ، فأراد أن يطعم ذلك اليوم فاقتتلوا وبقيت العشرون أوقية معه ، فأخذت منه في الحرب ، فكلّم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يحسب العشرين أوقية من فدائه فأبى وقال : «أما شيء خرجت تستعين به علينا ، فلا أتركه» وكلفه فداء ابني أخويه عقيل بن أبي طالب ، ونوفل بن الحارث ، فقال العبّاس : يا محمّد تركتني أتكفّف قريشا ما بقيت؟.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وأين الذهب الذي دفعته إلى أم الفضل وقت خروجك من مكّة ، فقلت لها : إني لا أدري ما يصيبني في وجهي هذا فإن حدث لي حدث ، فهو لك ولعبد الله ولعبيد الله والفضل وقثم» يعني : بنيه.

فقال العبّاس : وما يدريك؟ قال : «أخبرني به ربّي.

قال العباس : أشهد أنّك صادق وأن لا إله إلّا الله ، وأنّك عبده ورسوله ، والله لم يطلع عليه أحد إلّا الله ، ولقد رفعته إليها في سواد الليل ، ولقد كنت مرتابا في أمرك ، فأمّا إذ أخبرتني بذلك ، فلا ريب.

فذلك قوله عزوجل : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى) الذين أخذتم منهم الفداء (إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً) أي : إيمانا : (يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ) من الفداء : «ويغفر لكم» ذنوبكم : (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) قال العباس فأبدلني الله عنها عشرين عبدا كلهم تاجر بمالي ، وإنّ أدناهم يضرب بعشرين ألف درهم مكان العشرين أوقية ، وأعطاني زمزم ، وما أحب أنّ لي بها جميع أموال أهل مكة وأنا أنتظر المغفرة من ربي.

فصل

اختلف المفسرون في أنّ الآية نزلت في العبّاس خاصة ، أو في جملة الأسارى.

__________________

(١) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٥٥٤ ، البحر المحيط ٤ / ٥١٦ ، الدر المصون ٣ / ٤٣٧.

(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٢٣٨ ، المحرر الوجيز ٢ / ٥٥٤ ، البحر المحيط ٤ / ٥١٦ ، الدر المصون ٣ / ٤٣٧.

(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٥٥٤ ، البحر المحيط ٤ / ٥١٦ ، الدر المصون ٣ / ٤٣٧.

٥٧٥

قال قوم : إنّها في العباس خاصة ، وقال آخرون : إنّها نزلت في الكلّ ، وهذا أولى لقوله تعالى : (قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى) ، ولقوله (مِنَ الْأَسْرى) ، ولقوله (فِي قُلُوبِكُمْ) ولقوله : (يُؤْتِكُمْ خَيْراً) ، ولقوله (مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ) ، ولقوله : (وَيَغْفِرْ لَكُمْ) ، أقصى ما في الباب أن يقال : سبب نزول الآية هو العباس ، إلّا أنّ العبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص السّبب.

فصل

احتج هشام بن الحكم على أنّه تعالى لا يعلم الشّيء إلّا عند حدوثه بهذه الآية ، لأن قول: (إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً) فعل كذا ، وكذا شرط وجزاء ، والشّرط هو حصول هذا العلم ، والشرط والجزاء لا يصح حصولهما إلا في المستقبل ، وذلك يوجب حدوث علم الله تعالى.

والجواب : أنّ ظاهر اللفظ وإن كان يقتضي ما ذكره ، إلّا أنه لمّا دلّ الدليل على أن علم الله يمتنع أن يكون محدثا ، وجب أن يقال : ذكر العلم وأراد به المعلوم من حيث إنّه يدل حصول العلم على حصول المعلوم.

قوله تعالى : (وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ) الآية.

الضمير في «يريدوا» يعود على «الأسرى» ، لأنهم أقرب مذكور.

وقيل : على الجانحين.

وقيل : على اليهود.

وقيل : على كفّار قريش.

قال ابن جريج : أراد بالخيانة الكفر (١) أي : إن كفروا بك فقد كفروا بالله من قبل ، فأمكن منهم المؤمنين ببدر حتى قتلوهم.

وقيل : أراد بالخيانة منع ما ضمنوا من الفداء.

قال الأزهريّ : يقال أمكنني الأمر يمكنني فهو ممكن ، ومفعول الإمكان محذوف ، والمعنى : فأمكن المؤمنين منهم يوم بدر حتى قتلوهم وأسروهم.

ثم قال : (وَاللهُ عَلِيمٌ) أي : ببواطنهم وضمائرهم : «حكيم» يجازيهم بأعمالهم.

قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٧٢) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي

__________________

(١) ذكره البغوي في «معالم التنزيل» (٢ / ٢٦٢).

٥٧٦

الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ (٧٣) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٧٤) وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(٧٥)

قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا) الآية.

اعلم أنّه تعالى قسم المؤمنين في زمان الرسول ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ إلى أربعة أقسام وذكر حكم كل واحد منهم ، وتقرير هذه القسمة أنّه ـ عليه الصلاة والسلام ـ لما ظهرت نبوته ودعا النّاس إلى الدّين ، ثم انتقل من مكّة إلى المدينة ، فمنهم من وافقه في تلك الهجرة ، ومنهم من لم يوافقه فيها بل بقي في مكة.

أمّا القسم الأوّل : فهم المهاجرون الأوّلون ، وقد وصفهم الله بقوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) وإنما قلنا : إن المراد بهم المهاجرون الأولون ؛ لأنّه تعالى قال بعد ذلك : (وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا) وقال تعالى : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا) [الحديد : ١٠].

وقال : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ) [التوبة : ١٠٠].

القسم الثاني من الموجودين في زمان محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ وهم الأنصار ؛ لأنّه عليه الصلاة والسلام لمّا هاجر إليهم مع طائفة من أصحابه ، فلو لا أنّهم آووا ، ونصروا ، وبذلوا النّفس والمال في خدمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإصلاح مهمات أصحابه لما تمّ المقصود ألبتّة فحال المهاجر أعلى في الفضيلة من حال الأنصار ؛ لأنّهم السّابقون إلى الإيمان ، وتحمّلوا العناء والمشقة دهرا طويلا من كفّار قريش ، وصبروا على أذاهم ، وهذه الحالة ما حصلت للأنصار. وفارقوا الأوطان ، والأهل ، والأموال ، والجيران ، ولم يحصل ذلك للأنصار ، وأيضا فإنّ الأنصار اقتدوا بهم في الإسلام ، وهم السابقون للإيمان.

ولمّا ذكر الله تعالى هذين القسمين ، قال : (أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) قال الواحديّ عن ابن عباس وغيره من المفسرين «المراد في الميراث» (١) وقالوا : جعل الله تعالى سبب الإرث الهجرة ، والنصرة دون القرابة ، وكان القريب الذي آمن ولم يهاجر لم يرث ؛ لأنّه لم يهاجر ولم ينصر.

واعلم أنّ لفظ الولاية غير مشعر بهذا المعنى ؛ لأنّ اللفظ مشعر بالقرب على ما تقرّر في هذا الكتاب.

__________________

(١) ذكره الواحدي في «الوسيط» (٢ / ٤٧٤) ، والبغوي (٢ / ٢٦٤) والقرطبي (٨ / ٣٨).

٥٧٧

ويقال : السلطان ولي من لا ولي له ولا يفيد الإرث.

وقال تعالى : (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) [يونس : ٦٢] ولا يفيد الإرث بل الولاية تفيد القرب ، فيمكن حمله على غير الإرث ، وهو كون بعضهم معظما للبعض ، مهتما بشأنه ، مخصوصا بمعاونته ومناصرته ، وأن يكونوا يدا واحدة على الأعداء ، فحمله على الإرث بعيد عن دلالة اللفظ ، لا سيما وهم يقولون إن ذلك الحكم نسخ بقوله في آخر الآية : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ).

فأيّ حاجة إلى حمل اللفظ على معنى لا إشعار لذلك اللفظ به ، ثمّ الحكم بأنّه صار منسوخا بآية أخرى مذكورة معه ، هذا في غاية البعد ، اللهم إلا إذا حصل إجماع المفسرين على ذلك فيجب المصير إليه ، إلّا أنّ دعوى الإجماع بعيد.

القسم الثالث : المؤمنون الذين لم يهاجروا وبقوا في مكة ، وهم المراد بقوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا) فقال تعالى : (ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا) ، فالولاية المنفية في هذه الصّورة ، هي الولاية المثبتة في القسم المتقدم ، فما قيل هناك قيل هنا.

واحتج الذّاهبون إلى أنّ المراد من هذه الولاية الإرث ، بأن قالوا : لا يجوز أن يكون المراد منها ولاية النصرة والدليل عليه أنّه تعالى عطف عليه قوله : (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ) وذلك عبارة عن الموالاة في الدّين ، والمعطوف مغاير للمعطوف عليه فوجب أن يكون المراد بالولاية المذكورة أمرا مغايرا لمعنى النصرة ، وهذا استدلال ضعيف لأنا إذا حملنا تلك الولاية على التّعظيم والإكرام ، فهو أمر مغاير للنصرة ، لأنّ الإنسان قد ينصر بعض أهل الذمة في بعض المهمات ، مع أنه لا يواليه بمعنى التعظيم ، وقد ينصر عبده وأمته بمعنى الإعانة ، مع أنه لا يواليه بمعنى التعظيم ، فسقط هذا الاستدلال.

قوله : (مِنْ وَلايَتِهِمْ) قرأ حمزة (١) هنا ، وفي الكهف «الولاية لله» هو ، والكسائيّ بكسر الواو ، والباقون بفتحها. فقيل : لغتان. وقيل : بالفتح من «المولى» يقال : مولى بيّن الولاية ، وبالكسر من ولاية السلطان. قاله أبو عبيدة. وقيل : بالفتح من النّصرة والنّسب ، وبالكسر من الإمارة. قاله الزّجّاج قال : «ويجوز الكسر ؛ لأنّ في تولّي بعض القوم بعضا جنسا من الصناعة والعمل ، وكلّ ما كان من جنس الصناعة مكسور كالخياطة والقصارة». وقد خطّأ الأصمعيّ قراءة الكسر ، وهو المخطىء ، لتواترها.

وقال أبو عبيد : «والذي عندنا الأخذ بالفتح في هذين الحرفين ؛ لأنّ معناهما من الموالاة في الدّين».

__________________

(١) ينظر : السبعة ص (٣٠٩) ، الحجة ٤ / ١٦٥ ، حجة القراءات ص (٣١٤) ، إعراب القراءات ١ / ٢٣٤ ، النشر ٢ / ١٧٧ ، إتحاف ٢ / ٨٤.

٥٧٨

وقال الفارسي (١) : «الفتح أجود ؛ لأنّها في الدّين» ، وعكس الفرّاء هذا ، فقال «يريد من مواريثهم ، فكسر الواو أحبّ إليّ من فتحها ؛ لأنها إنّما تفتح إذا كانت نصرة وكان الكسائيّ يذهب بفتحها إلى النصرة ، وقد سمع الفتح والكسر في المعنى جميعا».

قوله : (حَتَّى يُهاجِرُوا) يوهم أنّهم لمّا لم يهاجروا مع رسول الله سقطت ولايتهم مطلقا فأزال الله هذا الوهم بقوله : (ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا) أي : أنهم لو هاجروا لعادت تلك الولاية.

قوله تعالى : (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ).

لمّا بيّن قطع الولاية بين تلك الطّائفة من المؤمنين ، بيّن أنّ المراد منه ليس هو المقاطعة التّامة كما في حقّ الكفّار ، بل هؤلاء المؤمنون الذين لم يهاجروا «لو استنصروكم فانصروهم» ولا تخذلوهم.

قوله : «فعليكم النّصر» مبتدأ وخبر ، أو فعل وفاعل عند الأخفش ، ولفظة «على» تشعر بالوجوب ، وكذلك قدّره الزمخشريّ ، وشبّهه بقوله : [الطويل]

٢٧٤١ ـ على مكثريهم رزق من يعتريهم

وعند المقلّين السّماحة والبذل (٢)

قوله : (إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ) أي : لا يجوز لكم نصرتهم عليهم إذ الميثاق مانع من ذلك.

ثم قال : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) قرأ السلمي (٣) والأعرج : «يعملون» بياء الغيبة وكأنه التفات ، أو إخبار عنهم.

قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) الآية.

اعلم أنّ هذا ترتيب في غاية الحسن ؛ لأنّه تعالى ذكر للمؤمنين أقساما ثلاثة :

الأول : المؤمنون من المهاجرين.

والثاني : الأنصار وهم أفضل النّاس وبيّن أنه يجب أن يوالي بعضهم بعضا.

والقسم الثالث : المؤمنون الذين لم يهاجروا.

فهؤلاء لهم بسبب إيمانهم فضل ، وبسبب ترك الهجرة لهم حالة نازلة ، فيكون حكمهم متوسطا بمعنى أنّ الولاية للقسم الأوّل منفية عن هذا القسم ، إلّا أنّهم يكونون بحيث لو استنصروا المؤمنين ، واستعانوا بهم نصروهم وأعانوهم ، فهذا الحكم متوسط بين الإجلال ، والإذلال ، وأمّا الكفار فليس لهم ما يوجب شيئا من أسباب الفضيلة ،

__________________

(١) ينظر : الحجة ٤ / ١٦٦.

(٢) البيت لزهير بن أبي سلمى ينظر ديوانه (١١٤) والعمدة ٢ / ١٢٤ والكامل ١ / ٢٧ والبحر المحيط ٤ / ٥١٨ والدر المصون ٣ / ٤٣٨.

(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٥٥٦ ، البحر المحيط ٤ / ٥١٧ ، الدر المصون ٣ / ٤٣٨.

٥٧٩

فوجب كون المسلمين منقطعين عنهم من كل الوجوه ، فلا يكون بينهم ولاية ولا مناصرة.

فصل

قال ابن عباس «يرث المشركون بعضهم من بعض» (١) وهذا إنما يستقيم إذا حملنا الولاية على الإرث ، بل الحق أن يقال : إنّ كفار قريش كانوا في غاية العداوة لليهود فلمّا ظهرت دعوة محمد ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ تناصروا وتعاونوا على إيذائه ومحاربته ، فالمراد من الآية ذلك.

قوله «إلّا تفعلوه» الهاء تعود إمّا على النّصر ، أو الإرث ، أو الميثاق ، أي : حفظه أو على جميع ما تقدّم ذكره ، وهو معنى قول الزمخشريّ : «إلّا تفعلوا ما أمرتكم به».

وقرأ العامة «كبير» بالباء الموحدة ، وقرأ الكسائيّ فيما (٢) حكى عنه أبو موسى الحجازي «كثير» بالثّاء المثلثة ، وهذا قريب ممّا في البقرة.

والمعنى : قال ابن عبّاس : «إلّا تأخذوا في الميراث بما أمرتكم به» (٣). وقال ابن جريج : «إلّا تتعاونوا وتتناصروا» (٤).

وقال غيرهم : إن لم تفعلوا ما أمرتكم به في هذه التّفاصيل المذكورة تحصل فتنة في الأرض ، قوة الكفر ، وفساد كبير ، وضعف الإسلام. وبيان هذه الفتنة والفساد من وجوه : الأول : أنّ المسلمين لو اختلطوا بالكفار في زمان ضعف المسلمين وقلة عددهم ، وزمان قوة الكفار وكثرة عددهم فربما صارت تلك المخالطة سببا لالتحاق المسلم بالكافر. وثانيها : أن المسلمين إذا تفرقوا لم يظهر لهم جمع عظيم ، فيصير ذلك سببا لجراءة الكفار عليهم. وثالثها : إذا كان جمع المسلمين يزيد كل يوم في العدة والقوة ، صار ذلك سببا لمزيد رغبتهم في الإسلام ورغبة المخالف في الالتحاق بهم.

قوله تعالى (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا).

زعم بعضهم أنّ هذه الجملة تكرار للتي قبلها ، وليس كذلك ، فإنّ التي قبلها تضمنت ولاية بعضهم لبعض ، وتقسيم المؤمنين إلى ثلاثة أقسام ، وبيان حكمهم في ولايتهم ، وتناصرهم وهذه تضمّنت الثناء والتشريف والاختصاص ، وما آل إليه حالهم من المغفرة والرزق الكريم والمعنى : «أولئك هم المؤمنون حقّا» لا مرية ولا ريب في إيمانهم ، وقيل : حققوا إيمانهم بالهجرة والجهاد وبذل المال في الدين ، (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) الجنة.

__________________

(١) ذكره البغوي في «معالم التنزيل» (٢ / ٢٦٤).

(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٢٤٠ ، المحرر الوجيز ٢ / ٥٥٧ ، البحر المحيط ٤ / ٥١٨ ، الدر المصون ٣ / ٤٣٨.

(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٩٧) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣٧٣) وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.

(٤) ذكره البغوي في «معالم التنزيل» (٢ / ٢٦٤) عن ابن جريج.

٥٨٠