اللّباب في علوم الكتاب - ج ٩

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ٩

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٩٩

العاشر : أن تلك الذّرات إمّا أن تكون عين هؤلاء الناس أو غيرهم ، والثاني باطل بالإجماع بقي الأول.

فنقول : إمّا أن يقال إنّهم بقوا فهماء عقلاء قادرين حال ما كانوا نطفه وعلقة ومضغة أو ما بقوا كذلك ، والأوّل باطل ببديهة العقل. والثاني : يقتضي أن يقال إن الإنسان حصلت له الحياة أربع مرات : وقت الميثاق ، وفي الدّنيا ، وفي القبر ، وفي القيامة وأنه حصل له الموت ثلاث مرات : بعد الحياة الحاصلة من الميثاق الأول ، وموت في الدّنيا وموت في القبر ، وهذا العدد مخالف للعدد المذكور في قوله تعالى : (رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) [غافر : ١١].

الحادي عشر : لو كان القول بهذا الذّرّ صحيحا لكان ذلك الذّر هو الإنسان ؛ لأنّه هو المكلّف المخاطب المثاب المعاقب ، وذلك باطل ؛ لأنّ ذلك الذّر غير مخلوق من النطفة والعلقة ، والمضغة ، والقرآن يدلّ على أنّ الإنسان خلق من النّطفة ، والعلقة. قال تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) [المؤمنون : ١٢] الآيات.

وقوله : (قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ) [عبس : ١٧ ـ ١٩] فهذه الوجوه دلّت على ضعف هذا القول.

وقال أرباب المعقولات : إنّ الله تعالى أخرج الذرية وهم الأولاد من صلب آبائهم ، وذلك الإخراج حال كونهم نطفا ، فأخرجها الله تعالى فأودعها أرحام الأمّهات ، وجعلها علقة ثم مضغة حتى جعله بشرا سويّا وخلقا كاملا ثم أشهدهم على أنفسهم بما ركب فيهم من دلائل وحدانيّته ، وغرائب صنعته ، فبالإشهاد صاروا كأنهم قالوا : بلى ، وإن لم يكن هناك قول باللّسان ، ولذلك نظائر منها قوله تعالى : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [النحل : ٤٠].

وقال تعالى : (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) [فصلت : ١١].

وقول العرب : قال الجدار للوتد لم تشقّني قال : سل من يدقّني (١).

وقال الشاعر : [الرجز]

٢٦١٧ ـ امتلأ الحوض وقال قطني

مهلا رويدا قد ملأت بطني (٢)

فهذا النوع من المجاز والاستعارة مشهور في الكلام ، فوجب حمل الكلام عليه ، وهذا القول لا طعن فيه ألبتة ، وليس منافيا لصحة القول الأول.

__________________

(١) ينظر : الفخر الرازي ١٥ / ٥٠.

(٢) ينظر : التهذيب (قطط) ، إصلاح المنطق ، ٥٧ ، ٣٤٢ ، مجالس العلماء ١ / ١٥٨ ، مقاييس اللغة ٥ / ١٣ ، ابن الشجري ٢ / ٤٠ ، شرح التسهيل ١ / ١٥١ ، شرح الجمل ١ / ٨٧ ، الإنصاف ١ / ١٣٠ ، التفسير الكبير ٤ / ٧١ ، الخصائص ١ / ٢٣ ، الصحاح ٣ / ١١٥٢ ، اللسان (قطط).

٣٨١

فصل

قال القرطبيّ (١) : استدلّ بهذه الآية على أنّ من مات صغيرا دخل الجنّة لإقراره في الميثاق الأول ومن بلغ لم يغنه الميثاق الأول.

قوله (مِنْ ظُهُورِهِمْ) بدل من قوله : (مِنْ بَنِي آدَمَ) بإعادة الجارّ ، كقوله : (لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ) [الزخرف : ٣٣] (لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ) [الأعراف : ٧٥] وهل هو بدل اشتمال أو بدل بعض من كل؟ قولان :

الأول لأبي البقاء ، والثاني للزمخشري ، وهو الظاهر كقولك : ضربت زيدا ظهره وقطعته يده ، لا يعرب هذا أحد بدل اشتمال ، و «ذرّيّتهم» مفعول به.

وقرأ الكوفيون وابن (٢) كثير ذرّيّتهم بالإفراد ، والباقون «ذرّيّاتهم» بالجمع.

قال أبو حيان : ويحتمل في قراءة الجمع أن يكون مفعول «أخذ» محذوفا لفهم المعنى وذرّيّاتهم بدل من ضمير «ظهورهم» كما أنّ من ظهورهم بدل من بني آدم والمفعول المحذوف هو الميثاق كقوله : (وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) [النساء : ١٥٤].

قال : وتقدير الكلام : وإذ أخذ ربّك من ظهور ذرّيات بني آدم ميثاق التوحيد لله ، واستعار أن يكون أخذ الميثاق من الظهر كأن الميثاق لصعوبته والارتباط به شيء ثقيل يحمل على الظّهر.

وكذلك قرأ الكوفيّون وابن كثير في سورة يس ، وفي الطّور في الموضعين ذرّيّتهم بالإفراد ؛ وافقهم أبو عمرو على ما في يس ، ونافع وافقهم في أول الطور ، وهي ذرّيّتهم بإيمان دون الثانية ، وهي : (أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) ، فالكوفيون وابن كثير جروا على منوال واحد وهو الإفراد ، وابن عامر على الجمع ، وأبو عمرو ونافع جمعوا بين الأمرين.

قال أبو حيان في قراءة الإفراد في هذه السّورة : ويتعيّن أن يكون مفعولا ب «أخذ» وهو على حذف مضاف ، أي : ميثاق ذريتهم. يعني أنه لم يجز فيه ما جاز في ذرّيّاتهم من أنّه بدل ، والمفعول محذوف وذلك واضح ؛ لأنّ من قرأ : «ذرّيّتهم» بالإفراد لم يقرأه إلّا منصوبا ، ولو كان بدلا من هم في ظهورهم لكان مجرورا ، بخلاف ذرّيّاتهم بالجمع فإنّ الكسرة تصلح أن تكون علامة للجر وللنصب في جمع المؤنّث السّالم.

قال الواحديّ : الذرية تقع على الواحد والجمع ، فمن أفرد فقد استغنى عن جمعه بوقوعه على الجمع كالبشر فإنه يقع على الواحد ، كقوله : (ما هذا بَشَراً) [يوسف : ٣١] وعلى الجمع ، كقوله : (أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا) [التغابن : ٦] ، (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) [إبراهيم: ١٠] فكما لم يجمع «بشر» جمع تصحيح ، ولا تكسير كذلك لا يجمع «الذريّة».

__________________

(١) ينظر : تفسير القرطبي ٧ / ٢٠١.

(٢) ينظر : السبعة ٢٩٨ ، والحجة ٤ / ١٠٤ ، وإعراب القراءات ٢ / ٢١٤ ، وحجة القراءات ٣٠١ ـ ٣٠٢.

٣٨٢

ومن جمع قال : إنّ الذرية وإن كان واحدا فلا إشكال في جواز الجمع فيه ، وإن كان جمعا فجمعه حسن ؛ لأنّ الجموع المكسرة قد جمعت نحو : الطرقات والجدرات.

قوله : (وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا).

أمّا على قول من أثبت الميثاق الأوّل فكل هذه الأشياء محمولة على ظواهرها ، وأمّا من أنكره ، قال : إنّها محمولة على التّمثيل ، أي : أنه تعالى نصب لهم الأدلة على ربوبيته ، وشهدت بها عقولهم ، فصار ذلك جاريا مجرى ما إذا أشهدهم على أنفسهم ، وقال لهم : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ). وكأنهم قالوا بلى أنت ربّنا.

قوله : «بلى» جواب : «ألست».

قال ابن عبّاس : لو قالوا «نعم» لكفروا ، يريد أنّ النّفي إذا أجيب ب «نعم» كان تصديقا له ، فكأنهم أقرّوا بأنه ليس بربهم ، هكذا ينقلونه عن ابن عباس.

وفيه نظر ـ إن صحّ عنه ـ وذلك أن هذا النفي صار مقرّرا ، فكيف يكفرون بتصديق التقرير؟ وإنّما المانع من جهة اللغة ، وهو أنّ النفي مطلقا إذا قصد إيجابه أجيب ب «بلى» وإن كان مقرّرا بسبب دخول الاستفهام عليه ، وإنّما كان ذلك تغليبا لجانب اللفظ ، ولا يجوز مراعاة جانب المعنى إلّا في شعر ، كقوله : [الوافر]

٢٦١٨ ـ أليس اللّيل يجمع أمّ عمرو

وإيّانا فذاك بنا تداني

نعم وأرى الهلال كما تراه

ويعلوها النّهار كما علاني (١)

فأجاب قوله أليس ب «نعم» ، مراعاة للمعنى ؛ لأنه إيجاب.

قوله شهدنا هذا من كلام الله تعالى ، وقيل : من كلام الملائكة ، لأنهم لمّا قالوا بلى ، قال الله للملائكة : اشهدوا فقالوا : شهدنا ، وعلى هذا القول يحسن الوقف على قوله : (قالُوا بَلى) لأنّ كلام الذرية قد انقطع ههنا.

وقوله : (أَنْ تَقُولُوا) أي : لئلا تقولوا (يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ) تقريره: أنّ الملائكة قالوا شهدنا عليهم بالإقرار ؛ يقولوا ما أقررنا ، فأسقط كلمة «لئلّا» كقوله (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) [النحل : ١٥] ، أي : لئلّا تميد بكم. قاله الكوفيون ، وعند البصريين تقديره : شهدنا كراهة أن تقولوا.

وقيل : من كلام الله تعالى والملائكة.

وقيل : من كلام الذّريّة ، وعلى هذا فقوله : (أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ) متعلق بقوله (وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ) تقديره : وأشهدهم على أنفسهم بكذا وكذا لئلا يقولوا يوم القيامة : (إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ) أو كراهية أن يقولوا ذلك.

__________________

(١) تقدم.

٣٨٣

قال الواحديّ : وعلى هذا لا يحسن الوقف على قوله : بلى ولا يتعلّق أن تقولوا ب «شهدنا» ولكن بقوله : «وأشهدهم» فلم يجز قطعه عنه.

قوله «أن تقولوا» مفعول من أجله ، والعامل فيه إمّا شهدنا أي : شهدنا كراهة أن تقولوا. هذا تأويل البصريين ، وأما الكوفيون : فقاعدتهم تقدير «لا» النافية ، أي : لئلا تقولوا ، كقوله (أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) [النحل : ١٥].

كما تقدم.

وقول القطامي : [الوافر]

٢٦١٩ ـ رأينا ما يرى البصراء فيها

فآلينا عليها أن تباعا (١)

أي : أن لا تباع ، وأما : «وأشهدهم» أي : وأشهدهم لئلا يقولوا أو كراهة أن يقولوا ، وقد تقدم أن الواحدي قد قال : إنّ شهدنا إذا كان من قول الذّريّة يتعيّن أن يتعلّق أن تقولوا ب «أشهدهم» كأنّه رأى أن التركيب يصير : شهدنا أن تقولوا ، سواء قرىء بالغيبة أو الخطاب ، والشّاهدون هم القائلون في المعنى ، فكان ينبغي أن يكون التركيب : شهدنا أن نقول نحن ، وهذا غير لازم ؛ لأنّ المعنى : شهد بعضهم على بعض ، فبعض الذرية قال : شهدنا أن يقول البعض الآخر كذلك.

وذكر الجرجانيّ عن بعضهم وجها آخر : وهو أن يكون قوله : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ) إلى قوله (قالُوا بَلى) تمام قصة الميثاق ، ثم ابتدأ عزوجل خبرا آخر بذكر ما يقوله المشركون يوم القيامة ، فقال : «شهدنا» بمعنى : نشهد ؛ كقول الحطيئة : [الكامل]

٢٦٢٠ ـ شهد الحطيئة حين يلقى ربّه

 .......... (٢)

أي : يشهد ، فيكون تأويله : يشهد أن يقولوا.

وقرأ أبو عمرو (٣) : «يقولوا» في الموضعين بالغيبة ، جريا على الأسماء المتقدمة ، والباقون بالخطاب ، وهذا واضح على قولنا : إنّ شهدنا مسند لضمير الله تعالى.

وقيل : على قراءة الغيبة يتعلّق أن يقولوا ب «أشهدهم» ، ويكون قالوا شهدنا معترضا بين الفعل وعلّته ، والخطاب على الالتفات ، فتكون الضّمائر لشيء واحد.

فإن قيل : كيف يلزم الحجة وأحد لا يذكر الميثاق؟

فالجواب : أن الله تعالى قد أوضح الدّلائل على وحدانيته وصدق رسله فيما

__________________

(١) تقدم.

(٢) صدر بيت وعجزه :

أن الوليد أحق بالعذر

ينظر : ديوانه (١٧٩) ، مجالس ثعلب ٢ / ٣٨٨ ، اللسان (حسب) الدر المصون ٣ / ٣٧١.

(٣) انظر : السبعة ٢٩٨ ، والحجة ٤ / ١٠٧ ، وإعراب القراءات ١ / ٢١٥ ، وحجة القراءات ٣٠٢ ، وإتحاف فضلاء البشر ٢ / ٦٩.

٣٨٤

أخبروا ، فمن أنكره كان معاندا ناقضا للعهد ، ولزمته الحجة ، وبنسيانهم وعدم حفظهم لا يسقط الاحتجاج بعد إخبار المخبر الصادق صاحب المعجزة.

قوله : (أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ).

قال المفسرون : المعنى أنّ المقصود من هذا الإشهاد ألّا يقول الكفار إنما أشركنا لأنّ آباءنا أشركوا فقلّدناهم فكان الذّنب لآبائنا ، فكيف تعذبنا على هذا الشرك ، وهو المراد من قوله (أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) والحاصل : أنه تعالى لمّا أخذ عليهم الميثاق ، امتنع عليهم التمسك بهذا العذر ، وأمّا الذين حملوا الآية على أن المراد منه مجرد نصب الدلائل ، قالوا : معنى الآية : إنّا نصبنا الدلائل وأظهرنا للعقول كراهة أن يقولوا يوم القيامة : (إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ) ما نبّهنا عليه منبّه ، أو كراهة أن يقولوا : إنّما أشركنا على سبيل التّقليد لأسلافنا ؛ لأنّ نصب الأدلّة على التّوحيد قائم مقام منعهم.

ثم قال : (وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ) أي : أن مثل ما فصّلنا وبينّا في هذه الآية بين سائر الآيات ليتدبّروا فيرجعوا إلى الحقّ.

وقرأت فرقة يفصّل (١) بياء الغيبة ، وهو الله تعالى.

قوله تعالى : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ (١٧٥) وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (١٧٦) ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ (١٧٧) مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ)(١٧٨)

قوله تعالى (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا) الآية.

قال ابن عبّاس وابن مسعود : نزلت هذه الآية في «بلعم بن باعوراء» (٢).

وقال مجاهد : بلعام ابن باعر (٣).

وقال عطيّة عن ابن عبّاس : كان من بني إسرائيل (٤).

__________________

(١) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٤٧٦ ، والبحر المحيط ٤ / ٤٢٠ ، والدر المصون ٣ / ٣٧٢.

(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ١١٨ ـ ١١٩) عن ابن مسعود وابن عباس. وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٢٦٥) وزاد نسبته للفريابي وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن مردويه.

وأخرجه الطبراني في «الكبير» كما في «المجمع» (٧ / ٢٨) وقال الهيثمي : ورجاله رجال الصحيح.

(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ١١٩) عن مجاهد.

(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ١١٩) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٢٦٦) وزاد نسبته لعبد بن حميد وأبي الشيخ وابن مردويه من طرق عن ابن عباس.

٣٨٥

وروي عن ابن أبي طلحة : أنّه كان من الكنعانيين من مدينة الجبّارين (١).

وقال مقاتل : هو من مدينة البلقاء ، وذلك أنّ موسى ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ وقومه ، قصد بلده ، وغزا أهله وكانوا كفارا ، فطلبوا منه أن يدعو على موسى وقومه وكان مجاب الدعوة وعنده اسم الله الأعظم فامتنع منه ، فما زالوا يطلبونه حتى دعا عليه ، فاستجيب له ووقع موسى وبنو إسرائيل في التّيه بدعائه ، فقال موسى : يا رب بأيّ ذنب وقعنا في التيه؟

فقال : بدعاء بلعم ، فقال : كما سمعت دعاءه عليّ ، فاسمع دعائي عليه ، ثم دعا موسى عليه الصلاة السلام أن ينزع منه اسم الله الأعظم والإيمان ، فسلخه الله ممّا كان عليه ، ونزع منه المعرفة ، فخرجت من صدره حمامة بيضاء (٢).

وقيل : إنّه كان نبيّا من أنبياء الله ، دعا عليه موسى ، فنزع الله تعالى منه الإيمان ، فصار كافرا وهذا بعيد ؛ لقوله تعالى : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) [الأنعام : ١٢٤] فدلّ على أنّه تعالى لا يخصّ عبدا بالرّسالة إلّا إذا علم امتيازه عن سائر العبيد بمزيد المناقب العظيمة ، ومن كانت هذه حاله ، كيف يليق به الكفر؟

وقال عبد الله بن عمرو وسعيد بن المسيب وزيد بن أسلم : نزلت في أميّة بن أبي الصلت وكان قد قرأ الكتب ، وعلم أنّ الله تعالى مرسل رسولا في ذلك الوقت ورجا أن يكون هو ، فلمّا أرسل الله تعالى ، محمدا عليه ـ الصّلاة والسّلام ـ ، حسده ، ثم مات كافرا ، وكان قد قصد بعض الملوك ، فلمّا رجع مرّ على قتلى بدر ، فسأل عنهم ، فقيل له : قتلهم محمد. فقال : لو كان نبيّا ما قتل أقرباءه ، فلما مات أمية ، أتت أخته فازعة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسألها عن وفاة أخيها فقالت : بينما هو راقد ، أتاه اثنان ، فكشفا سقف البيت ونزلا ، فقعد أحدهما عند رجليه ، والآخر عند رأسه. فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه أوعى؟ قال : وعى. قال : أزكى؟ قال : أبى ، فسألته عن ذلك فقال : خير أريد بي ؛ فصرف عني ثم غشي عليه ، فلما أفاق قال : [الخفيف]

٢٦٢١ ـ كلّ عيش وإن تطاول دهرا

صائر مرّة إلى أن يزولا

ليتني كنت قبل ما قد بدا لي

في قلال الجبال أرعى الوعولا

إنّ يوم الحساب يوم عظيم

شاب فيه الصّغير يوما ثقيلا (٣)

ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنشديني شعر أخيك ، فأنشدته بعض قصائده.

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ١١٩) من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٢٦٦) وعزاه لابن المنذر وابن أبي حاتم.

(٢) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٥ / ٤٥).

(٣) ينظر : طبقات فحول الشعراء ١ / ٢٦٧ ، معالم التنزيل ٢ / ٢١٥ ، لباب التأويل ٢ / ٢٠٣.

٣٨٦

فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : آمن شعره وكفر قلبه (١) وأنزل الله فيه هذه الآية.

وروي عن ابن عباس نزلت في البسوس رجل من بني إسرائيل ، وكان قد أعطي ثلاث دعوات مستجابات ، وكانت له امرأة له منها ولد ، فقالت : اجعل لي منها دعوة واحدة ، فقال لها : لك منها واحدة ، فما تريدين؟ قالت : ادع الله أن يجعلني أجمل امرأة في بني إسرائيل فدعا لها ؛ فجعلت أجمل امرأة في بني إسرائيل ؛ فلمّا علمت أنه ليس فيهم مثلها رغبت عنه فغضب الزّوج فدعا عليها فصارت كلبة نباحة [فذهبت فيها دعوتان ، فجاء بنوها وقالوا : ليس لنا على هذا إقرار قد صارت أمنا كلبة نباحة] ، فصار النّاس يعيروننا بها ، فادع الله أن يردّها إلى حالها الأول ، فدعا الله فعادت كما كانت فذهبت فيها الدّعوات كلها (٢).

وقيل : نزلت في أبي عامر الرّاهب الذي سمّاه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالفاسق كان يتزهد في الجاهليّة فلما جاء الإسلام خرج إلى الشام ، وأمر المنافقين باتّخاذهم مسجد الضّرار وأتى قيصر واستنجده على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فمات هناك طريدا وحيدا (٣).

وقال الحسن ، وابن كيسان ، والأصم نزلت في منافقي أهل الكتاب ، كانوا يعرفون النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما يعرفون أبناءهم (٤).

وقال عكرمة ، وقتادة ، وأبو مسلم : هذا عام فيمن عرض عليه الحق فأعرض عنه.

وقوله : (فَانْسَلَخَ مِنْها).

قال ابن عباس : (آتَيْناهُ آياتِنا) أوتي كتابا من كتب الله (فَانْسَلَخَ مِنْها) أي : خرج منها كما تنسلخ الحية من جلدها.

قوله : (فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ) الجمهور على أتبعه رباعيا ، وفيه وجهان ، أحدهما : أنه متعدّ لواحد بمعنى أدركه ولحقه ، وهو مبالغة في حقه حيث جعل إماما للشيطان.

ويحتمل أن يكون متعدّيا لاثنين ؛ لأنّه منقول بالهمزة من «تبع» ، والمفعول الثّاني محذوف تقديره : أتبعه الشيطان خطواته ، أي : جعله تابعا لها ، ومن تعدّيه لاثنين قوله تعالى : (وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ) [الطور : ٢١].

وقرأ الحسن (٥) وطلحة بخلاف عنه : فاتّبعه بتشديد التاء ، فهل «تبعه» واتبعه بمعنى أو بينهما فرق؟

__________________

(١) أخرجه ابن عساكر (٣ / ١٢٤ ـ تهذيب) وابن عبد البر في التمهيد (٤ / ٧ ـ ٨) من حديث ابن عباس.

(٢) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٢٦٦) وعزاه لابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن ابن عباس.

(٣) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٥ / ٤٥).

(٤) انظر : المصدر السابق.

(٥) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٧ ، ٤ ، والبحر المحيط ٤ / ٤٢٢ ، والدر المصون ٣ / ٤٧٢.

٣٨٧

قيل بكل منهما ، وأبدى بعضهم الفرق بأن «تبعه» مشى في أثره ، و «اتّبعه» إذا وازاه في المشي.

وقيل : «اتّبعه» بمعنى : استتبعه.

ومعنى الآية : أتبعه الشيطان كفار الإنس وغواتهم أي الشيطان جعل كفار الإنس أتباعا له.

وقال عبد الله بن مسلم : (فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ). أي : أدركه.

ويقال : أتبعت القوم ، إذا لحقتهم.

قال أبو عبيد : يقال : أتبعت القوم مثل : أفعلت إذا كانوا قد سبقوك فلحقتهم وقوله (فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ) أي : أطاع الشيطان فكان من الضالين.

قوله : (وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها) الضمير في : رفعناه الظّاهر عوده على الذي أوتي الآيات ، والمجرور عائد على الآيات والتقدير : ولو شئنا رفعناه للعمل بها ، أي : رفعناه درجة بتلك الآيات.

قال ابن عباس : لرفعناه بعمله (١).

وقيل : المنصوب يعود على الكفر المفهوم ممّا سبق ، والمجرور على الآيات ، أي : لرفعنا الكفر بما ترى من الآيات.

قاله مجاهد وعطاء.

وقيل : الضمير المجرور يعود على المعصية والمنصوب على «الذي» والمراد بالرفع : الأخذ ، كما تقول : رفع الظّالم ، أي قلع وأهلك أي : لأهلكناه بسبب المعصية.

وهذه أقوال بعيدة ، ولا يظهر الاستدراك إلّا على الوجه الأوّل.

قوله (وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ) «أخلد» أي : ترامى بنفسه. أي : ركن إلى الدنيا ومال إليها.

قال أهل العربيّة : أصله من الإخلاد ، وهو الدوام واللّزوم ، فالمعنى : لزم الميل إلى الأرض قال مالك بن نويرة : [الطويل]

٢٦٢٢ ـ بأبناء حيّ من قبائل مالك

وعمرو بن يربوع أقاموا فأخلدوا (٢)

ومنه يقال : أخلد فلان بالمكان ، إذا لزم الإقامة به.

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ١٢٥) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٢٦٧) وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن ابن عباس.

(٢) ينظر الطبري ١٣ / ٢٧٠ ، جامع البيان ١٢ / ٢٧٠ ، التفسير الكبير ١٥ / ٥٦ ، حاشية الشهاب ٤ / ٢٣٦ ، الأصمعيات (١٩٣) الدر المصون ٣ / ٣٧٢.

٣٨٨

قال ابن عبّاس : يريد مال إلى الدّنيا (١).

وقال مقاتل : رضي بالدّنيا (٢).

وقال الزجاج : ركن إلى الدّنيا.

قال الواحديّ فهؤلاء فسّروا «الأرض» في هذه الآية بالدنيا ؛ وذلك لأنّ الدنيا هي الأرض ؛ لأن ما فيها من القفار والضياع كلها أرض ، وسائر أمتعتها من المعادن والنبات والحيوان يستخرج من الأرض وإنّما يقوى ويكمل بها ، فالدنيا كلّها هي الأرض ؛ فصلح أن يعبر عن الدّنيا بالأرض.

وقوله : (وَاتَّبَعَ هَواهُ) أي : أعرض عن التّمسك بما آتاه الله من الآيات واتّبع الهوى ، فلا جرم وقع في هاوية الرّدى ، وهذه أشد آية على العلماء ؛ لأنه تعالى بعد أن خصّ هذا الرّجل بآياته وبيناته وعلمه الاسم الأعظم ، وخصه بالدّعوات المستجابة ، لما اتبع الهوى انسلخ من الدين وصار في درجة الكلب ، وذلك يدلّ على أن من كانت نعم الله عليه أكثر ، فإذا أعرض عن متابعة الهدى ، واتّبع الهوى ، كان بعده عن الله أعظم ، وإليه الإشارة بقوله عليه الصّلاة والسّلام «من ازداد من الله علما ولم يزدد هدى لم يزدد من الله إلّا بعدا» (٣).

وقال عليه الصّلاة والسّلام «ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والسّرف لدينه» (٤).

قوله : (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ) ، الجملة الشّرطيّة في محلّ نصب على الحال ، أي : لاهثا في الحالتين.

قال بعضهم : وأمّا الجملة الشّرطيّة فلا تكاد تقع بتمامها موضع الحال.

فلا يقال : جاء زيد إن يسأل يعط. على الحال ، بل لو أريد ذلك لجعلت الجملة خبرا عن ضمير ما أريد جعل الحال عنه.

فيقال : جاء زيد وهو إن يسأل يعط فتكون الجملة الاسمية هي الحال.

نعم قد أوقعوا الشّرطيّة موقع الحال ، ولكن بعد أن أخرجوها عن حقيقة الشرط

__________________

(١) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٥ / ٤٦).

(٢) انظر : المصدر السابق.

(٣) ذكره الحافظ العراقي في «تخريج الإحياء» (١ / ٥٩) وقال : أخرجه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث علي بإسناد ضعيف.

(٤) أخرجه أحمد في المسند ٣ / ٤٦٠ ، وأخرجه الدارمي في السنن ٢ / ٣٠٤ ، كتاب الرقاق ، باب ما ذئبان جائعان ، وأخرجه الترمذي في السنن ٤ / ٥٨٨ ، كتاب الزهد : باب (٤٣) الحديث (٦ / ٢٣٧) وقال : (حسن صحيح) ، وأخرجه ابن حبان ، ذكره الهيثمي في موارد الظمآن ص ٦١٢ ، كتاب الزهد باب فتنة المال ـ الحديث (٢٤٧٢) واللفظ لهم.

٣٨٩

وتلك الجملة لا تخلو من أن يعطف عليها ما يناقضها ، أو لم يعطف ، فالأوّل : يستمرّ فيه ترك الواو ، نحو : أتيتك إن أتيتني وإن لم تأتني ، إذ لا يخفى أن النقيضين من الشرطين في مثل هذا الموضع لا يبقيان على معنى الشرط ، بل يتحوّلان إلى معنى التسوية ، كالاستفهامين المتناقضين في قوله : (أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) [البقرة ٦ ـ يس ١٠].

والثاني : لا بدّ فيه من الواو نحو : أتيتك ، وإن لم تأتني ؛ لأنّه لو تركت الواو فقيل : أتيتك إن لم تأتني لالتبس ، إذا عرف هذا فقوله : (إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ) من قبيل النوع الأول ؛ لأنّ الحمل عليه ، والتّرك نقيضان.

والكلب يجمع في القلّة «أكلب» ، وفي الكثرة على «كلاب» ، وشذّوا فجمعوا «أكلبا» على «أكالب» ، و «كلابا» على «كلابات» ، وأمّا «كليب» فاسم جمع ؛ ك «فريق» ، لا جمع ، قال طرفة : [الطويل]

٢٦٢٣ ـ تعفّق بالأرطى لها وأرادها

رجال فبذّت نبلهم وكليب (١)

وتقدّمت هذه المادة في المائدة.

ويقال : لهث يلهث بفتح العين في الماضي والمضارع «لهثا» ، و «لهثا» بفتح اللام وضمها ، وهو خروج لسانه في حالة راحته وإعيائه ، وأمّا غيره من الحيوان ، فلا يلهث إلّا إذا أعيا ، أو عطش ، والذي يظهر أن هذه الجملة الشرطية لا محلّ لها من الإعراب ؛ لأنّها مفسّرة للمثل المذكور ، وهذا معنى واضح لقولهم في قوله تعالى : (خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ) أنّ الجملة من قوله من تراب مفسّرة لقوله تعالى (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ) [آل عمران : ٥٩].

واعلم أنّ هذا التمثيل ما وقع بجميع الكلاب ، وإنّما وقع بالكلب اللّاهث ، وذلك من وجهين : الأول : أنّه شبهه بأخس الحيوانات ، وأخس الحيوانات الكلب ، وأخسّ الكلاب الكلب اللّاهث ، فمن آتاه الله العلم والدّين فمال إلى الدّنيا ، وأخلد في الأرض ، كان مشبها بأخس الحيوانات وهو الكلب اللّاهث ، فإنّه يلهث في حال الإعياء ، وفي حال الرّاحة ، وفي حال العطش ، وفي حال الرّي ، وذلك عادته الأصليّة وطبيعته الخسيسة لا لضرورة وحاجة تدعو إلى ذلك فكذلك من آتاه الله العلم والدين ، وأغناه عن التّعرّض لأوساخ النّاس ، ثم إنّه يميل في طلب الدّنيا ، ويلقي نفسه فيها ، فحاله كحال ذلك اللّاهث ، حيث واظب على الفعل الخسيس القبيح ، بمجرّد نفسه الخبيثة وطبيعته الخسيسة لا لحاجة وضرورة.

الثاني : أنّ العالم إذا توسّل بعلمه إلى طلب الدّنيا ، فذلك إنّما يكون لأجل أن يورد عليهم أنواع علومه ، ويظهر عندهم فضائل نفسه ومناقبها ، فهو عند ذكر تلك العلوم يدلع

__________________

(١) تقدم.

٣٩٠

لسانه ويخرجه لأجل ما تمكّن في قلبه من حرارة الحرص وشدّة العطش إلى الفوز بالدّنيا ، فكانت حاله شبيهة بحالة ذلك الكلب الذي أخرج لسانه دائما من غير حاجة ، ولا ضرورة ، بل لمجرّد الطبيعة الخسيسة.

والثالث : أنّ الكلب اللّاهث لا يزول لهثه ألبتة ، فكذلك الإنسان الحريص لا يزول حرصه ألبتة.

قوله : (ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ) يجوز أن يشار ب : ذلك إلى صفة «الكلب» ، ويجوز أن يشار به إلى المنسلخ من الآيات ، أو إلى الكلب ، وأداة التّشبيه محذوفة من ذلك أي : صفة المنسلخ ، أو صفة الكلب مثل الّذين كذّبوا ، ويجوز أن يكون المحذوف من : «مثل القوم» أي : ذلك الوصف ، وهو وصف المنسلخ ، أو وصف الكلب كمثل القوم.

فصل

واعلم أنّه تعالى عمّ بهذا التّمثيل جميع المكذبين بآيات الله.

قال ابن عبّاس : يريد أهل مكّة لأنهم كانوا يتمنون هاديا يهديهم ، ويدعوهم إلى طاعة الله ، فلمّا جاءهم نبيّ لا يشكّون في صدقه كذّبوه ، فلم يهتدوا ، وبقوا على الضّلال في كل الأحوال ، إن وعظته فهو ضالّ ، وإن تركته فهو ضالّ ، مثل الكلب ، إن تحمل عليه يلهث ، وإن تركته على حاله يلهث فهو لاهث في كل الأحوال (١).

ثم قال : «فاقصص القصص» أي : قصص الذين كفروا ، وكذّبوا بآياتنا. «لعلّهم يتفكّرون» أي : يتّعظون.

قوله : «ساء مثلا» «ساء» بمعنى : «بئس» ، وفاعلها مضمر فيها ، ومثلا تمييز مفسّر له ، وقد تقدم [النساء ٣٨] أنّ فاعل هذا الباب إذا كان ضميرا يفسّر بما بعده ويستغنى عن تثنيته وجمعه وتأنيثه بتثنية التمييز وجمعه وتأنيثه عند البصريين ، وتقدّم أنّ «ساء» أصلها التّعدّي لمفعول ، والمخصوص بالذم لا يكون إلا من جنس التمييز ، والتمييز مفسّر للفاعل فهو هو ، فلزم أن يصدق الفاعل والتمييز والمخصوص على شيء واحد ، إذا عرف هذا فقوله : «القوم» غير صادق على التمييز والفاعل فلا جرم أنّه لا بدّ من تقدير محذوف إمّا من التّمييز ، وإمّا من المخصوص.

فالأوّل يقدّر : ساء أصحاب مثل أو أهل مثل القوم ، والثاني يقدر : ساء مثلا مثل القوم ، ثم حذف المضاف في التقديرين ، وأقيم المضاف إليه مقامه ، وهذه الجملة تأكيد للّتي قبلها.

وقرأ الحسن (٢) والأعمش وعيسى بن عمر : «ساء مثل القوم» برفع «مثل» مضافا للقوم.

__________________

(١) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٥ / ٤٧) عن ابن عباس.

(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ١٧٩ ، والمحرر الوجيز ٢ / ٤٧٩ ، والبحر المحيط ٤ / ٤٢٤ ، والدر المصون ٣ / ٣٧٣.

٣٩١

وروي عن الجحدري كذلك ، وروي عنه كسر الميم (١) وسكون الثاء ورفع اللّام وجرّ «القوم» وهذه القراءة المنسوبة لهؤلاء الجماعة تحتمل وجهين :

أحدهما : أن تكون «ساء» للتّعجب ، مبنيّة تقديرا على «فعل» بضمّ العين كقولهم : لقضو الرجل ، و «مثل القوم» فاعل بها ، والتقدير : ما أسوأ مثل القوم ، والموصول على هذا في محل جر ، نعتا ل «قوم».

والثاني : أنّها بمعنى «بئس» و «مثل القوم» فاعل ، والموصول على هذا في محلّ رفع ؛ لأنه المخصوص بالذّمّ ، وعلى هذا فلا بد من حذف مضاف ، ليتصادق الفاعل والمخصوص على شيء واحد ، والتقدير : ساء مثل القوم مثل الذين ، وقدّر أبو حيان تمييزا في هذه القراءة وفيه نظر ؛ إذ لا يحتاج إلى تمييز ، إذا كان الفاعل ظاهرا ، حتّى جعلوا الجمع بينهما ضرورة ، كقول الشّاعر: [الوافر]

٢٦٢٤ ـ تزوّد مثل زاد أبيك فينا

فنعم الزّاد زاد أبيك زادا (٢)

وفي المسألة ثلاثة مذاهب : الجواز مطلقا ، والمنع مطلقا ، والتّفصيل ، فإن كان مغايرا في اللّفظ ومفيدا فائدة جديدة جاز نحو : نعم الرّجل شجاعا زيد ؛ وعليه قوله : [الوافر]

٢٦٢٥ ـ تخيّره ولم يعدل سواه

فنعم المرء من رجل تهامي (٣)

فصل

قال اللّيث : ساء يسوء : فعل لازم ومتعد ، يقال : ساء الشّيء يسوء فهو سيّىء وساءه يسوءه مساءة ، إذا قبح.

فإن قيل : ظاهر قوله : «ساء مثلا» يقتضي كون ذلك المثل موصوفا بالسّوء ، وذلك غير جائز ؛ لأن هذا المثل ذكره الله تعالى ، فكيف يكون موصوفا بالسّوء؟ وأيضا فهو يفيد الزجر عن الكفر والدّعوة إلى الإيمان ، فكيف يكون موصوفا بالسّوء؟

فالجواب : أنّ الموصوف بالسّوء ما أفاده المثل من تكذيبهم بآيات الله وإعراضهم عنها ، حتّى صاروا في التمثيل بذلك بمنزلة الكلب اللّاهث.

__________________

(١) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٤٧٩ ، والبحر المحيط ٤ / ٤٢٤ ، والدر المصون ٣ / ٣٧٣.

(٢) البيت لجرير : ينظر ديوانه (١١٧) ، المقتضب ٢ / ١٤٨ ، المفصل لابن يعيش ٧ / ١٣٢ ، الخصائص ١ / ٨٣ ، الخزانة ٩ / ٣٩٤ ، الأشموني ٢ / ٢٠٣ ، المقرب (٧٣) ابن عقيل ٢ / ١٣٠ ، العيني ٤ / ٣٠ ، الدر المصون ٣ / ٣٧٤.

(٣) البيت لأبي بكر بن الأسود. ينظر : المقرب ١ / ٦٩ ، وشرح المفصل ٧ / ١٣٣ ، والهمع ٢ / ٨٦ ، والتصريح ١ / ٣٩٩ ، والدرر ٥ / ٢٢٧ ، وأوضح المسالك ٢ / ٣٦٠ ، وخزانة الأدب ٩ / ٣٩٥ ، وشرح الأشموني ١ / ٢٦٥ ، والدر المصون ٣ / ٣٧٤.

٣٩٢

قوله : (وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ) «أنفسهم» مفعول ل «يظلمون» وفيه دليل على تقديم خبر «كان» عليها ؛ لأنّ تقديم المعمول يؤذن بتقديم العامل غالبا ، لأنّ ثمّ مواضع يمتنع فيها ذلك نحو : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) [الضحى : ٩] ف «اليتيم» مفعول ب «تقهر» ولا يجوز تقديم «تقهر» على جازمه ، وهو محتمل للبحث.

وهذه الجملة الكونية تحتمل وجهين :

أحدهما : أن تكون نسقا على الصلة وهي (كَذَّبُوا بِآياتِنا) والمعنى : الذين جمعوا بين التكذيب بآيات الله ، وظلم أنفسهم.

والثاني : أن تكون مستأنفة ، أي : وما ظلموا إلا أنفسهم بالتّكذيب ، وعلى كلا القولين فلا محلّ لها ، وقدّم المفعول ، ليفيد الاختصاص وهذا على طريق الزمخشريّ وأنظاره كأنّه قيل : وخصوا أنفسهم بالظّلم ، وما تعدى أثر ذلك الظّلم عنهم إلى غيرهم.

قوله : (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي) راعى لفظ «من» فأفرد ، وراعى معناها في قوله (فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) فجمع ، وياء «المهتدي» ثابتة عند جميع القرّاء ، لثبوتها في الرسم ، وسيأتي الخلاف في التي في الإسراء.

وقال الواحديّ : فهو المهتدي يجوز إثبات الياء فيه على الأصل ، ويجوز حذفها استخفافا ؛ كما قيل في بيت الكتاب : [الوافر]

٢٦٢٦ ـ فطرت بمنصلي في يعملات

دوامي الأيد يخبطن السّريحا (١)

وعنه : [الكامل]

٢٦٢٧ ـ كنواح ريش حمامة نجديّة

ومسحت باللّثتين عصف الإثمد (٢)

قال ابن جني : شبّه المضاف إليه بالتنوين فحذف له الياء.

فصل

لمّا وصف الظّالمين وعرّف حالهم بالمثل المذكور بيّن في هذه الآية أنّ الهداية من الله ، وأنّ الضّلال من الله ، وذكر المعتزلة ههنا وجوها من التأويل : أحدها :

__________________

(١) البيت لمضرس بن ربعي. ينظر : الكتاب ١ / ٢٧ ، والخصائص ٢ / ٢٦٩ ، والإنصاف ٢ / ٥٤٥ ، والمنصف ٢ / ٧٣ ، والمغني ١ / ٢٢٥ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٦٢ ، وشرح شواهد الشافية ص ٤٨١ ، ولسان العرب (ثمن) ، (يدي) وله أو ليزيد بن الطثرية في شرح شواهد المغني ص ٥٩٨ والمقاصد النحوية ٤ / ٥٩١ ، والأشباه والنظائر ٢ / ٦٠ ، والإنصاف ٢ / ٥٤٥ ، وجمهرة اللغة ص ٥١٢ وخزانة الأدب ١ / ٢٤٢ ، الخصائص ٢ / ٢٦٩ ، سر صناعة الإعراب ص ٥١٩ ، ٧٧٧٢ ، الدر المصون ٣ / ٣٧٤.

(٢) البيت لخفاف بن ندبة ينظر الكتاب ١ / ٢٧ ، العمدة ٢ / ٢٧١ ، الإنصاف ٢ / ٥٤٦ ، ابن يعيش ٣ / ١٤٠ ، المغني ١ / ١٠٥ ، سر صناعة الإعراب ٢ / ٧٧٢ ، شرح أبيات سيبويه ١ / ٤١٦ ، شرح المفصل ٣ / ١٤٠ ، مغني اللبيب ١ / ١٠٥ ، المنصف ٢ / ٢٢٩ ، اللسان (تيز) ، الدر المصون ٣ / ٣٧٤.

٣٩٣

قال الجبائيّ والقاضي : المراد من يهده الله إلى الجنّة والثّواب في الآخرة ، فهو المهتدي في الدّنيا السالك طريقة الرشد فيما كلف ، فبيّن تعالى أنّه لا يهدي إلى الثّواب في الآخرة إلا من هذه صفته ، ومن يضلله عن طريق الجنّة : (فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ).

وثانيها : قال بعضهم : إنّ في الآية حذفا ، والتّقدير : من يهده الله فيقبل ، ويهتدي بهداه ؛ فهو المهتدي ، ومن يضلل فلم يقبل فهو الخاسر.

وثالثها : أنّ المراد من يهده الله أي : وصفه بكونه مهتديا فهو المهتدي ؛ لأنّ ذلك كالمدح ومدح الله لا يجعل إلّا لمن اتّصف بذلك الوصف الممدوح ، ومن يضلل أي : وصفه الله بكونه ضالا : (فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ).

ورابعها : من يهده الله بالإلطاف وزيادة الهدى فهو المهتدي ، ومن يضلل عن تلك الألطاف بسوء اختياره ، ولم يؤثّر فيه فهو الخاسر.

والجواب من وجوه : الأول : أن الفعل يتوقّف على حصول الدّاعي وحصول الدّاعي ليس إلّا من الله فالفعل ليس إلّا من الله تعالى.

الثاني : أنّ خلاف معلوم الله تعالى ممتنع الوقوع ، فمن علم الله منه الإيمان لم يقدر على الكفر وبالضّد.

الثالث : أنّ كل أحد يقصد حصول الإيمان والمعرفة فإذا حصل الكفر عقيبه علمنا أنّه ليس منه بل من غيره.

وأما التأويل الأول : فضعيف لأنه حمل قوله (مَنْ يَهْدِ اللهُ) على الهداية في الآخرة إلى الجنة وقوله (فَهُوَ الْمُهْتَدِي) على الاهتداء إلى الحق في الدنيا ، وذلك يوجب ركاكة النظم ، بل يجب أن تكون الهداية والاهتداء راجعين إلى شيء واحد حتى يحسن النظم.

وأما الثاني : فإنه التزام لإضمار زائد ، وهو خلاف اللّفظ ، ولو جاز فتح باب أمثال هذه الإضمارات لانقلب النفي إثباتا والإثبات نفيا ، ويخرج كلام الله عن أن يكون حجة ، فإنّ لكل أحد أن يضمر في الآية ما شاء ، وحينئذ يخرج الكلام عن الإفادة.

وأما الثالث : فضعيف ؛ لأن قول القائل : فلان هدى فلانا لا يفيد في اللغة ألبتّة أنّه وصفه بكونه مهتديا ، وقياس هذا على قوله : فلان ضلل فلان وكفره ، قياس في اللغة ، وهو في نهاية الفساد.

والرابع : باطل ؛ لأن كل ما في مقدور الله تعالى من الألطاف ، فقد فعله عند المعتزلة في حق جميع الكفّار ؛ فحمل الآية على هذا التّأويل بعيد.

قوله تعالى : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (١٧٩) وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما

٣٩٤

كانُوا يَعْمَلُونَ (١٨٠) وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (١٨١) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (١٨٢) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ)(١٨٣)

قوله تعالى : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ) الآية.

اللام في [قوله] لجهنّم يجوز فيها وجهان :

أحدهما : أنّها لام الصيرورة والعاقبة ، وإنّما احتاج هذا القائل إلى كونها لام العاقبة كقوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات : ٥٦] فهذه علة معتبرة محصورة ، فكيف تكون هذه العلة أيضا؟ وأورد من ذلك أيضا قول الشاعر : [الوافر]

٢٦٢٨ ـ لدوا للموت وابنوا للخراب

 .......... (١)

وقول الآخر : [الطويل]

٢٦٢٩ ـ ألا كلّ مولود فللموت يولد

ولست أرى حيّا لحيّ يخلّد (٢)

وقول الآخر : [الطويل]

٢٦٣٠ ـ فللموت تغذو الوالدات سخالها

كما لخراب الدّور تبنى المساكن (٣)

الثاني : أنها للعلة ، وذلك أنّهم لمّا كان مآلهم إليها ، جعل ذلك سببا على طريق المجاز. وقد ردّ ابن عطيّة على من جعلها لام العاقبة ، فقال : وليس هذا بصحيح ولام العاقبة إنّما تتصوّر إذا كان فعل الفاعل لم يقصد مصير الأمر إليه ، وأمّا هنا فالفعل قصد به ما يصير الأمر إليه من سكناهم لجهنم واللّام على هذا متعلقة ب ذرأنا ، ويجوز أن تتعلّق بمحذوف على أنّه حال من كثيرا ؛ لأنه في الأصل صفة لها ، لو تأخّر ، ولا حاجة إلى ادّعاء قلب ، وأنّ الأصل : «ذرأنا جهنّم لكثير» ؛ لأنّه ضرورة أو قليل ، و «من الجنّ» صفة ل «كثيرا».

فصل

ومعنى (ذَرَأْنا) خلقنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس ، أخبر الله تعالى أنه خلق كثيرا من الجن والإنس للنار ، وهم الذين حقت عليهم الكلمة الأزليّة بالشّقاوة ، ومن خلقه الله لجهنّم ، فلا حيلة له في الخلاص منها.

قالت عائشة : أدرك النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم جنازة صبيّ من صبيان الأنصار ، فقالت عائشة

__________________

(١) تقدم.

(٢) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٤٢٥ ، الدر اللقيط ٤ / ٤٢٦ ، الدر المصون ٣ / ٣٧٥.

(٣) البيت لسابق البربري. ينظر : خزانة الأدب ٩ / ٥٢٩ ، ٥٣٢ ، والعقد الفريد ٢ / ٦٩ ، والدرر ٤ / ١٦٨ ، ومغني اللبيب ١ / ٢١٤ ، ولسان العرب (لوم) ، والبحر المحيط ٤ / ٤٢٥ ، والرازي ١٥ / ٦٢ ، والسراج المنير ١ / ٥٣٨ ، والدر المصون ٣ / ٣٧٥.

٣٩٥

له : طوبى له عصفور من عصافير الجنّة. فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : وما يدريك؟ إنّ الله خلق الجنّة وخلق لها أهلا وهم في أصلاب آبائهم وخلق النّار وخلق لها أهلا وهم في أصلاب آبائهم (١).

فصل

هذه الآية أيضا تدلّ على مسألة خلق الأعمال ؛ لأنّه تعالى صرّح بأنّه خلق كثيرا من الجن والإنس لجهنم ولا مزيد على بيان كلام الله ، وأيضا أنه لمّا أخبر عنهم أنّهم من أهل النّار ، فلو لم يكونوا من أهل النّار انقلب علم الله جهلا ، وخبره الصّدق كذبا ، وكل ذلك محال ومن علم كون الشّيء محالا امتنع أن يريده ، فامتنع أن الله تعالى يريد أن لا يدخلهم النار بل يجب أن يريد أن يدخلهم النار ، وذلك هو الذي دلّ عليه لفظ الآية ، وأيضا إنّ القادر على الكفر إن لم يقدر على الإيمان ، فالذي خلق فيه القدرة على الكفر فقد أراد أن يدخله النار ، وإن كان قادرا على الكفر والإيمان معا ؛ امتنع رجحان أحد الطّرفين على الآخر لا لمرجح وذلك المرجح إن حصل من قبله لزم التسلسل ، وإن حصل من قبل الله تعالى ، فهو المراد. فلمّا كان هو الخالق للدّاعية الموجبة للكفر فقد خلقه للنّار قطعا ، وأيضا : لو خلقه الله تعالى للجنّة وأعانه على اكتساب ما يوجب دخول الجنّة ، ثم قدرنا أنّ العبد سعى في تحصيل الكفر الموجب لدخول النّار ، فحينئذ حصل مراد العبد ، ولم يحصل مراد الله تعالى فلزم كون العبد أقدر وأقوى من الله ، وذلك لا يقوله عاقل ، وأيضا : إنّ العاقل لا يريد الكفر والجهل الموجب لاستحقاق النار ، وإنّما يريد الإيمان والمعرفة الموجبة لاستحقاق الجنّة فلما حصل الكفر ، والجهل على خلاف قصد العبد وضد جدّه واجتهاده ؛ وجب أن لا يكون حصوله من قبل العبد ، بل يجب أن يكون حصوله من الله تعالى.

فإن قيل : العبد إنّما سعى في تحصيل ذلك الاعتقاد الفاسد ؛ لأنّه اشتبه عليه الأمر وظن أنه الحقّ الصّحيح.

فنقول : فعلى هذا التقدير إنّما وقع في هذا الجهل لأجل ذلك الجهل المتقدّم ، فإن كان إقدامه على ذلك الجهل السّابق لجهل آخر سابق ، لزم التسلسل ، وهو محال ، وإن انتهى إلى جهل حصل ابتداء لا لسابقة جهل آخر ، فقد توجه الإلزام.

قالت المعتزلة : لا يمكن أن يكون المراد من هذه الآية ما ذكرتم ، لأن كثيرا من الآيات دلت على أنه تعالى أراد من الكل الطاعة والعبادة.

قال تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ) [النساء : ٦٤] وقال :

__________________

(١) أخرجه أبو داود (كتاب السنة ب ١٧) والحميدي (٢٦٥) من حديث عائشة.

٣٩٦

(وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا) [الفرقان : ٥٠] وقال : (هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) [الحديد : ٩].

وقال : (وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) [الحديد : ٢٥].

وقال : (يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) [إبراهيم : ١٠].

وقال : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات : ٥٦] وأمثال هذه الآيات كثيرة. ونحن نعلم بالضّرورة أنه لا يجوز وقوع التناقض في القرآن ، فعلمنا أنّه لا يمكن حمل قوله : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) على ظاهره.

الثاني : أنه تعالى قال بعدها : (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها) ذكر ذلك في معرض الذم لهم ، ولو كانوا مخلوقين للنّار ما كانوا قادرين على الإيمان ألبتة وعلى هذا : فيقبح ذمّهم على ترك الإيمان.

الثالث : أنّه تعالى لو خلقهم للنّار لما كان له على أحد من الكفّار نعمة أصلا ؛ لأنّ منافع الدّنيا بالنسبة إلى العذاب الدائم ، كالقطرة في البحر ، وكان كمن دفع إلى إنسان حلوى مسمومة فإنّه لا يكون منعما عليه ، فكذا ههنا ، ولمّا كان القرآن مملوءا من كثرة نعم الله على كل الخلق علمنا أنّ الأمر ليس كما ذكرتم.

الرابع : أنّ المدح والذّمّ ، والثّواب والعقاب ، والترغيب والترهيب ، يبطل هذا المذهب الذي ينصرونه.

الخامس : لو خلقهم للنّار ، لوجب أن يخلقهم ابتداء في النّار ؛ لأنّه لا فائدة في أن يستدرجهم إلى النار بخلق الكفر فيهم.

السادس : أن قوله : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ) متروك الظّاهر ، لأنّ جهنّم اسم للموضع المعين ، ولا يجوز أن يكون الموضع المعيّن مرادا منه ، فثبت أنه لا بد وأن يقال : إن ما أراد الله لخلقه منهم محذوف. وكأنّه قال : ولقد ذرأنا لكي يكفروا ، فيدخلوا جهنم ، فصارت الآية متروكة الظّاهر ، فيجب بناؤها على قوله : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ) [الذاريات : ٥٦] لأن ظاهرها يصح بدون حذف.

السابع : أنه إذا كان المراد أنّه ذرأهم لكي يكفروا ، فيصيروا إلى جهنم ، عاد الأمر في تأويلهم إلى أن هذه اللّام لام العاقبة ، لكنهم يجعلونها للعاقبة مع أنّه لا استحقاق للنّار ونحن قد تأولناها على عاقبة حاصلة مع استحقاق النار. فكان قولنا أولى.

فثبت بهذه الوجوه أنه لا يمكن حمل هذه الآية على ظاهرها ، فوجب المصير إلى التأويل ، وتقريره : أنه لما كانت عاقبة كثير من الجن والإنس هي دخول النّار ، جاز ذكر هذه اللّام بمعنى العاقبة.

ولهذا نظائر كثيرة في القرآن والشّعر.

٣٩٧

أمّا القرآن فقوله تعالى : (وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ) [الأنعام : ١٠٥] ومعلوم أنه تعالى ما صرفها ليقولوا ذلك ؛ لكنّهم لمّا قالوا ذلك حسن ورود هذا اللفظ.

وقال تعالى : (رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ) [يونس : ٨٨].

وقال : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص : ٨]. ولم يلتقط لهذا الغرض ، إلّا أنه لمّا كانت عاقبة أمرهم ذلك حسن هذا اللفظ.

وأما الشعر فقوله : [الطويل]

٢٦٣١ ـ وللموت تغذو الوالدات سخالها

كما لخراب الدّور تبنى المساكن (١)

وقال : [البسيط]

٢٦٣٢ ـ أموالنا لذوي الميراث نجمعها

ودورنا لخراب الدّهر نبنيها (٢)

وقال : [الوافر]

٢٦٣٣ ـ له ملك ينادي كلّ يوم

لدوا للموت وابنوا للخراب (٣)

وقال : [المتقارب]

٢٦٣٤ ـ فأمّ سماك فلا تجزعي

فللموت ما تلد الوالده (٤)

هذا منتهى كلام المعتزلة.

واعلم أنّ المصير إلى التّأويل إنّما يحسن إذا ثبت بالدّليل العقليّ امتناع حمل هذا اللّفظ على ظاهره ، وقد بيّنّا بالدليل العقليّ أن الحقّ ما دل عليه ظاهر اللفظ ، فصار التّأويل ههنا عبثا ، وأمّا الآيات التي تمسكوا بها فمعارضة بالبحار الزاخرة من الآيات الدالة على مذهب أهل السّنّة ، ومن جملتها ما قبل هذه الآية : (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) وما بعدها ، وهو قوله : (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) ولمّا كان ما قبل هذه الآية وما بعدها ليس إلّا ما يقوي قولنا كان تأويل المعتزلة في هذه الآية ضعيفا جدا.

قوله : «لهم قلوب» جملة في محلّ نصب إمّا صفة ل «كثيرا» أيضا ، وإمّا حالا من :

__________________

(١) تقدم.

(٢) البيت لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه ينظر : الديوان ٢١٠ ، التفسير الكبير ١٥ / ٦٢ ، مجمع البيان ٤ / ٢٧٨ ، اللسان (لوم) ، السراج المنير ١ / ٥٣٨.

(٣) تقدم.

(٤) البيت لسماك أخي مالك بن عمرو العاملي.

ينظر : اللسان (لوم) ، الدرر ٢ / ٣١ ، المغني ١ / ٢١٤ ، إعراب النحاس ٢ / ٨٩ ، شرح شواهد المغني ٢ / ٥٧٢ ، مجمع البيان ٤ / ٢٧٨ ، المسائل البغداديات ١٧٧.

٣٩٨

«كثيرا» وإن كان نكرة لتخصّصه بالوصف ، أو من الضمير المستكن في من الجنّ ؛ لأنّه تحمل ضميرا ، لوقوعه صفة ، ويجوز أن يكون لهم على حدته هو الوصف ، أو الحال ، وقلوب فاعل به فيكون من باب الوصف بالمفرد ، وهو أولى.

وقوله : «لا يفقهون بها» وكذلك الجملة المنفيّة في محلّ النّعت لما قبلها ، وهذا الوصف يكاد يكون لازما ، لوروده في غير القرآن ؛ لأنّه لا فائدة بدونه ؛ لو قلت : لزيد قلب وله عين ، وسكتّ لم يظهر لذلك كبير فائدة.

فصل

المعنى : لهم قلوب لا يعلمون بها الخير والهدى ، ولهم أعين لا يبصرون بها طريق الحق ، ولهم آذان لا يسمعون بها مواعظ القرآن فيتفكرون فيها ويعتبرون. ثم ضرب لهم مثلا في الجهل والاقتصار على الأكل والشرب ، فقال : (أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُ) أي : أنّ همتهم الأكل والشّرب والتمتع بالشّهوات (بَلْ هُمْ أَضَلُّ) ؛ لأنّ الأنعام تميز بين المضار والمنافع فلا تقدم على المضار ، وهؤلاء يقدمون بالشهوات على النّار معاندة مع العلم بالهلاك.

وقيل : لأنّ الأنعام مطيعة لله تعالى والكافر غير مطيع.

وقال مقاتل : هم أخطأ طريقا من الأنعام ؛ لأنّ الأنعام تعرف ربّها ، وهم لا يعرفون ربّهم (١) ولا يذكرونه.

وقيل : لأنّها تفر إلى أربابها ومن يقوم بمصالحها ، والكافر يهرب عن ربّه الذي أنعم عليه.

وقيل : لأنّها تضل إذا لم يكن معها مرشد ، فإن كان معها مرشد فقلما تضلّ ، وهؤلاء الكفار قد جاءهم الأنبياء وهم يزدادون في الضلال : (أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ).

فصل

دلّت الآية على أنّه تعالى كلّفهم مع أن قلوبهم ، وأبصارهم ، وأسماعهم ما كانت صالحة لذلك ، وهو يجري مجرى المنع عن الشيء والصّد عنه مع الأمر به.

قالت المعتزلة : لو كانوا كذلك لقبح من الله تكليفهم ؛ لأن تكليف من لا قدرة له على الفعل قبيح لا يليق بالحكيم ؛ فوجب حمل الآية على أنّ المراد منه كثرة الإعراض عن الدّلائل وعدم الالتفات إليها ، فأشبهوا من لا قلب له فاهم ولا عين باصرة ولا أذن سامعة.

وأجيبوا بأنّ الإنسان إذا تأكدت نفرته عن شيء صارت تلك النّفرة المتأكدة الراسخة

__________________

(١) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٥ / ٥٤) عن مقاتل.

٣٩٩

مانعة له عن فهم الكلام الدّال على صحّة الشيء ، ومانعة عن إبصار محاسنه وفضائله وهذه حالة وجدانية ضرورية يجدها كلّ أحد من نفسه. ولهذا قالوا في المثل : حبّك للشّيء يعمي ويصمّ.

وإذا ثبت هذا فنقول : إن أقواما من الكفّار بلغوا في عداوة الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ وفي بغضه وشدّة النّفرة عن قبول دينه والاعتراف برسالته هذا المبلغ وأقوى منه والعلم الضروريّ حاصل بأنّ حصول الحبّ والبغض في القلب ليس باختيار أحد.

وإذا ثبت أنّه متى حصلت هذه النّفرة والعداوة في القلب ، فإنّ الإنسان لا يمكنه مع تلك النّفرة الراسخة والعداوة الشديدة تحصيل الفهم والعلم ، فإذا كان كذلك كان القول بالجبر لا محيص عنه.

فصل

وقد أورد الغزالي في الإحياء سؤالا ، فقال : فإن قيل : إني أجد من نفسي أنّي إن شئت الفعل فعلت ، وإن شئت الترك تركت ، فيكون فعلي حاصلا بي لا بغيري.

ثم أجاب وقال : هب أنّك وجدت من نفسك ذلك إلّا أنّا نقول : وهل تجد من نفسك أنك إن شئت أن تشاء شيئا شئته ، وإن شئت أن لا تشاء [لم تشأه] ، ما أظنك أن تقول ذلك وإلّا لذهب الأمر فيه إلى ما لا نهاية له ؛ بل شئت أو لم تشأ فإنّك تشاء ذلك الشيء وإذا شئته فشئت أو لم تشأ فعلته ؛ فلا مشيئتك به ولا حصول فعلك بعد حصول مشيئتك فالإنسان مضطر في صورة مختار.

واستدلّوا بهذه الآية على أنّ محل العلم هو القلب ؛ لأنّه تعالى نفى الفقه والفهم عن قلوبهم في معرض الذّم.

قوله تعالى : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها) الآية.

وهذا كالتّنبيه على أنّ الموجب لدخولهم جهنم هو الغفلة عن ذكر الله.

واعلم أنّ قوله : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) مذكور في أربع سور :

أولها : هذه السّورة.

وثانيها : آخر الإسراء (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) [الإسراء : ١١٠].

وثالثها : أول طه : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) [طه : ٨].

ورابعها : آخر الحشر (لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) [الحشر : ٢٤].

والحسنى فيها قولان ، أظهرهما : أنها تأنيث : «أحسن» والجمع المكسّر لغير العاقل يجوز أن يوصف به المؤنث نحو : (مَآرِبُ أُخْرى) [طه : ١٨] ولو طوبق به لكان التّركيب «الحسن» كقوله : (مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [البقرة : ١٨٤].

٤٠٠