اللّباب في علوم الكتاب - ج ٧

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ٧

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٦٤٠

وهذا ضعيف ؛ لنبوّ المعنى عنه ولزيادة الفاء في غير محلّها ؛ لأنّ هذا الموصول غير ظاهر الشّبه باسم الشرط.

فصل في معنى الآية

ومعنى (يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ) : ينتظرون بكم الدّوائر ، يعنى : المنافقين ، ينتظرون ما يحدث من خير وشرّ ، (فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ) أي : ظهور على اليهود ، وظفر ، وغنيمة ، (قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ) على دينكم وفي الجهاد كنّا معكم ، فأعطونا قسما من الغنيمة ، (وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ) يعنى : ظفر على المسلمين ، «قالوا» : يعني : المنافقين للكافرين : (أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ) والاستحواذ : الاستيلاء والغلبة على الشّيء ، ومنه : (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ) [المجادلة : ١٩] ، ويقال : حاذ وأحاذ بمعنى ؛ والمصدر : الحوذ ، وفي المعنى وجوه :

الأول : أن المعنى : ألم نغلبكم ، ونتمكّن من قتلكم وأسركم ، ثم لم نفعل شيئا من ذلك ، (وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) أي : ندفع عنكم صولة المؤمنين بتخذيلهم ، وتوانينا في مظاهرتهم ، فأعطونا نصيبا ممّا (١) أصبتم.

الثاني : قال المبرّد : يقول المنافقون (٢) للكفّار : ألم نغلبكم ؛ فإن المنافقين بالغوا في تنفير الكافرين ، وأطمعوهم أنه سيضعف أمر محمّد ، وسيقوى (٣) أمركم ، فإذا اتّفقت للكفّار دولة على المسلمين ، قال المنافقون : ألسنا غلبناكم على رأيكم في الدّخول في الإسلام ، ومنعناكم منه ، فلمّا شاهدتم صدق قولنا ، فأعطونا نصيبنا ممّا أخذتم ، ومراد المنافقين : إظهار المنّة على الكافرين بهذا الكلام.

الثالث : ألم نخبركم بعزيمة محمّد وأصحابه ، ونطلعكم على سرّهم.

فإن قيل : لم سمّى ظفر المسلمين فتحا ، وظفر الكفّار نصيبا.

فالجواب : أنه تعظيم لشأن المؤمنين ، وتحقير لحظّ الكافرين ؛ لأن ظفر المسلمين أمر عظيم ، يفتح الله له أبواب السّماء ؛ حتى تنزل الرّحمة على أولياء الله ، وأما ظفر الكافرين : فما هو إلا حظّ دنيويّ ينقضي ، ولا يبقى منه إلا اللّوم في الدّنيا ، والعقوبة في الأخرى.

قوله : «ونمنعكم» الجمهور على جزمه ، عطفا على ما قبله.

وقرأ ابن أبي عبلة (٤) بنصب العين وهي ظاهرة ؛ فإنه على إضمار «أن» بعد الواو المقتضية للجمع في جواب الاستفهام ؛ كقول الحطيئة : [الوافر]

__________________

(١) في أ : بما.

(٢) في ب : المؤمنون.

(٣) في ب : ويقوى.

(٤) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ١٢٦ ، والبحر المحيط ٣ / ٣٩١ ، والدر المصون ٢ / ٤٤٥.

٨١

١٨٩٢ ـ ألم أك جاركم ويكون بيني

وبينكم المودّة والإخاء (١)

وعبّر ابن عطيّة بعبارة الكوفيين ، فقال : «بفتح العين على الصّرف» ويعنون بالصّرف : عدم تشريك الفعل مع ما قبله في الإعراب.

وقرأ أبيّ (٢) : «ومنعناكم» فعلا ماضيا ، وهي ظاهرة أيضا ؛ لأنه حمل على المعنى ، فإنّ معنى (أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ) : إنّا قد استحوذنا ، لأنّ الاستفهام إذا دخل على نفي قرّره ، ومثله : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنا) [الشرح : ١ ، ٢] لمّا كان (أَلَمْ نَشْرَحْ) في معنى : «قد شرحنا» عطف عليه «ووضعنا».

ونستحوذ واستحوذ ممّا شذّ قياسا ، وفصح استعمالا ؛ لأنّه من حقّه نقل حركة حرف علّته إلى السّاكن قبلها ، وقلبها ألفا ؛ كاستقام واستبان وبابه ، وقد قدمت تحقيق هذا في قوله ـ تعالى ـ في الفاتحة : «نستعين» ، وقد شذّت معه ألفاظ أخر ، نحو : «أغيمت وأغيلت المرأة وأخيلت السّماء» قصرها النّحويّون على السّماع ، وقاسها أبو زيد.

قوله : (فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ) قيل : هنا معطوف محذوف ، أي : وبينهم ؛ كقوله : [الطويل]

١٨٩٣ ـ فما كان بين الخير لو جاء سالما

أبو حجر إلّا ليال قلائل (٣)

أي : وبيني ، والظّاهر أنه لا يحتاج لذلك ؛ لأن الخطاب في «بينكم» شامل للجميع ، والمراد : المخاطبون والغائبون ، وإنما غلّب الخطاب ؛ لما عرفت من لغة العرب.

فالمعنى : أنّ الله يحكم بين المؤمنين والمنافقين يوم القيامة ، ولم يضع السّيف في الدّنيا عن المنافقين (٤) ، بل أخّر عقابهم إلى يوم القيامة.

قوله : (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً).

قال عليّ ـ رضي الله عنه ـ : في الآخرة ، قال يسيع الحضرميّ : كنت عند عليّ ـ رضي الله عنه ـ ، فقال [له](٥) رجل يا أمير المؤمنين : أرأيت قوله (٦) ـ تبارك وتعالى ـ : (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً). كيف ذلك ، وهم يقاتلوننا ويظهرون علينا أحيانا.

__________________

(١) ينظر البيت في ديوانه (٥٤) وشرح شواهد المغني ص ٩٥٠ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٧٤ ، ومغني اللبيب ص ٦٦٩ ، وشرح شذور الذهب ص ٤٠٣ ، والدرر ٤ / ٨٨ والرد على النحاة ص ١٢٨ ، وشرح أبيات الكتاب ٢ / ٧٣ ، والدرر ٤ / ٨٨ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤١٧ ، وجواهر الأدب ص ١٦٨ ، والمقتضب ٢ / ٢٧ ، وشرح الأشموني ٣ / ٥٦٧ ، ورصف المباني ص ٤٧ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٣ ، وشرح قطر الندى ص ٧٦ والدر المصون ٢ / ٤٤٤.

(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ١٢٦ ، والبحر المحيط ٣ / ٣٩١ ، والدر المصون ٢ / ٤٤٥.

(٣) تقدم برقم ٨١٣.

(٤) في أ : المؤمنين.

(٥) سقط في ب.

(٦) في ب : قول الله.

٨٢

فقال عليّ ـ رضي الله عنه ـ : معنى ذلك : يوم القيامة (١) ؛ وهو مرويّ عن ابن عبّاس (٢) ، وقيل : لا يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ، إلا أن يتواصوا بالباطل ، ولا يتناهوا عن المنكر ، ويتقاعدوا عن التّوبة ، فيكون تسليط العدوّ من قبلهم (٣) ؛ كما قال : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) [الشورى : ٣٠].

قال ابن العربيّ (٤) : وهذا نفيس.

وقيل : ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا شرعا ، فإن وجد ، فبخلاف الشّرع.

وقال عكرمة ، عن ابن عبّاس : حجّة في الدّنيا ، وقيل : ظهورا على أصحاب النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم (٥) ، وقيل : عامّ في الكلّ ، إلا ما خصّه الدّليل.

قوله : على المؤمنين يجوز أن يتعلّق بالجعل ، ويجوز أن يتعلّق بمحذوف ؛ لأنه في الأصل صفة ل «سبيلا» ، فلما قدّم عليه ، انتصب حالا عنه.

فصل

استدلّوا بهذه الآية على مسائل :

منها : استيلاء الكافر على مال المسلم بدار الحرب ، لم يملكه.

ومنها : أن الكافر ليس له أن يشتري عبدا مسلما.

ومنها : أنّ المسلم لا يقتل بالذّمّيّ.

قوله تعالى : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٤٢) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً)(١٤٣)

قد تقدّم تفسير الخداع واشتقاقه أوّل البقرة ، ومعنى المفاعلة فيه.

قال الزّجّاج : معناه : يخادعون الرّسول ، أي : يظهرون له الإيمان ويبطنون الكفر ؛

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٩ / ٣٢٨) عن علي بن أبي طالب وأبي مالك.

وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٤١٦) عن علي وعزاه للطبري وحده.

(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٩ / ٣٢٨) عن ابن عباس وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٤١٦) وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وذكره أيضا (٢ / ٤١٦) عن أبي مالك وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر.

(٣) في ب : قتلهم.

(٤) ينظر : تفسير القرطبي ٥ / ٢٦٩.

(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٩ / ٣٢٨) عن السدي بمعناه وانظر «البحر المحيط» لأبي حيان (٣ / ٣٩١).

٨٣

كقوله : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) [الفتح : ١٠] ، وسمّي المنافق منافقا ؛ أخذا من : نافقاء اليربوع ؛ وهي جحره ؛ فإنه يجعل له بابين ، يدخل من أحدهما ويخرج من الآخر ؛ كذلك المنافق ، يدخل مع المؤمنين بقوله : أنا مؤمن ، [ويدخل مع الكافر بقوله : أنا كافر](١) ، وجحر اليربوع يسمّى النّافقاء ، والسّامياء والدّامياء ، [فالسّامياء](٢) : هو الجحر الذي (٣) تلد فيه الأنثى ، [والدامياء : هو الذي يكون](٤) فيه.

قوله : (وَهُوَ خادِعُهُمْ) فيه ثلاثة أقوال :

أحدها : ذكره أبو البقاء (٥) : أنه نصب على الحال.

والثاني : أنّها في محلّ رفع عطفا على خبر «إنّ».

الثالث : أنّها استئناف إخبار بذلك.

قال الزّمخشريّ : «وخادع : اسم فاعل من خادعته ، فخدعته إذا غلبته ، وكنت أخدع منه». قوله : (وَهُوَ خادِعُهُمْ) أي : مجازيهم بالعقاب على خداعهم.

قال ابن عبّاس : إنهم يعطون نورا يوم القيامة كالمؤمنين ، فيمضي المؤمنون بنورهم على الصّراط ، ويطفأ نور المنافقين (٦) ، يدلّ عليه قوله : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ) [البقرة : ١٧].

قوله : (وَإِذا قامُوا) عطف على خبر «إنّ» أخبر عنهم بهذه الصّفات الذّميمة ، و «كسالى» : نصب على الحال من ضمير «قاموا» الواقع جوابا ، والجمهور على ضمّ الكاف ، وهي لغة أهل الحجاز [جمع كسلان : كسكارى](٧) ، وقرأ الأعرج بفتحها ، وهي لغة تميم وأسد ، وقرأ ابن السّميفع (٨) : «كسلى» وصفهم بما توصف به المؤنّثة المفردة ، اعتبارا بمعنى الجماعة ؛ كقوله : (وَتَرَى النَّاسَ سُكارى) ، والكسل : الفتور والتواني ، وأكسل : إذا جامع وفتر ولم ينزل. والمعنى : أن المنافقين إذا قاموا إلى الصّلاة ، قاموا متثاقلين ، لا يريدون بها الله ـ تعالى ـ ، فإن رآهم أحد ، صلّوا ، وإلا انصرفوا فلم يصلّوا.

قوله : (يُراؤُنَ النَّاسَ) في هذه الجملة ثلاثة أوجه :

أحدها : أنها حال من الضّمير المستتر في «كسالى».

__________________

(١) سقط في ب.

(٢) سقط في ب.

(٣) في ب : التي.

(٤) في ب : والدامياء : الذي يكون فيه الذكر ، والنافقاء : هو الذي يكونان فيه.

(٥) ينظر : الإملاء ١ / ١٩٩.

(٦) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٩ / ٣٢٩) عن السدي وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٤١٧).

(٧) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ١٢٧ ، والبحر المحيط ٣ / ٣٩٣ ، والدر المصون ٢ / ٤٤٦.

(٨) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٣٩٣ ، والدر المصون ٢ / ٤٤٦.

٨٤

الثاني : أنها بدل من «كسالى» ؛ ذكره أبو البقاء (١) ، فيكون حالا من فاعل «قاموا» وفيه نظر ، لأنّ الثّاني ليس الأول ولا بعضه ولا مشتملا عليه.

الثالث : أنها مستأنفة أخبر عنهم بذلك ، وأصل يراؤون : يرائيون ، فأعلّ كنظائره ، والجمهور على : «يراؤون» من المفاعلة.

قال الزّمخشريّ : فإن قلت : ما معنى المراءاة ، وهي مفاعلة من الرّؤية؟ قلت : لها وجهان:

أحدهما : أنّ المرائي يريهم عمله ، وهم يرونه الاستحسان.

والثاني : أن تكون من المفاعلة بمعنى : التّفعيل ، يقال : نعّمه وناعمه ، وفنّقه وفانقه ، وعيش مفانق ، وروى أبو زيد : «رأّت المرأة المرآة [الرّجل]» إذا أمسكتها له ليرى وجهه ؛ ويدل عليه قراءة ابن أبي (٢) إسحاق : «يرؤّونهم» بهمزة مشدّدة مثل : يدعّونهم ، أي : يبصّرونهم ويراؤونهم كذلك ، يعني : أن قراءة : «يرؤّونهم» من غير ألف ، بل بهمزة مضمومة مشدّدة توضّح أنّ المفاعلة هنا بمعنى التفعيل.

قال ابن عطيّة : «وهي ـ يعني هذه القراءة ـ أقوى من «يراؤون» في المعنى ؛ لأنّ معناها يحملون النّاس على أن يروهم ، ويتظاهرون لهم بالصّلاة ويبطنون النّفاق» وهذا منه ليس بجيّد ؛ لأنّ المفاعلة إن كانت على بابها ، فهي أبلغ لما عرف غير مرّة ، وإن كانت بمعنى التفعيل ، فهي وافية بالمعنى الذي أراده ، وكأنه لم يعرف أنّ المفاعلة قد تجيء بمعنى التّفعيل. ومتعلّق المراءاة محذوف ؛ ليعمّ كلّ ما يراءى به ، والأحسن أن تقدّر : يراؤون النّاس بأعمالهم.

قوله : (وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً) «ولا يذكرون» ، يجوز أن يكون عطفا على «يراؤون» ، وأن يكون حالا من فاعل «يراؤون» وهو ضعيف ؛ لأن المضارع المنفيّ ب «لا» كالمثبت ، والمثبت إذا وقع حالا ، لا يقترن بالواو ، فإن جعلها عاطفة ، جاز.

وقوله : «قليلا» : نعت لمصدر محذوف ، أو لزمان محذوف ، أي : ذكرا قليلا أو زمنا قليلا ، والقلة هنا على بابها ، وجوّز الزّمخشريّ وابن عطيّة : أن تكون بمعنى العدم ، ويأباه كونه مستثنى ، وقد تقدّم الردّ عليهما في ذلك.

فصل

قال ابن عبّاس ، والحسن : إنّما قال ذلك ؛ لأنّهم يفعلونها رياء وسمعة (٣) ، ولو

__________________

(١) ينظر : الإملاء ١ / ١٩٩.

(٢) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٣٩٣ ، والدر المصون ٢ / ٤٤٦.

(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٩ / ٣٣١) عن قتادة وابن زيد وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٤١٧) عن قتادة وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر.

وذكره أبو حيان في «البحر المحيط» (٣ / ٣٩٣) عن الحسن.

٨٥

أرادوا بذلك القليل وجه الله ، لكان كثيرا ، وقال قتادة : إنّما قلّ ذكر المنافقين ؛ لأنّ الله لم يقبله (١) ، وكلّ ما قبل الله ، فهو كثير.

وقيل (٢) : المعنى : لا يصلّون إلا قليلا ، [والمراد ب «الذكر» الصّلاة](٣) ، وقيل : لا يذكرون الله في جميع الأوقات ، سواء كان وقت الصّلاة أو لم يكن إلّا قليلا نادرا.

قال الزّمخشريّ : [وترى](٤) كثيرا من المتظاهرين بالإسلام ، لو صحبته الأيّام واللّيالي ، لم تسمع منه تهليلة ، ولكن حديث الدّنيا يستغرق به أوقاته ، لا يفتر عنه.

قوله : «مذبذبين» : فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه [حال] من فاعل «يراءون».

الثاني : أنه حال من فاعل (وَلا يَذْكُرُونَ).

الثالث : أنه منصوب على الذّمّ ، والجمهور على «مذبذبين» بميم مضمومة وذالين معجمتين ، ثانيتهما مفتوحة على أنه اسم مفعول ، من ذبذبته ، فهو مذبذب ، أي : متحيّر ، وقرأ ابن عبّاس وعمرو بن فائد (٥) بكسر الذال الثانية اسم فاعل ، وفيه احتمالان :

أحدهما : أنه من «ذبذب» متعدّيا ، فيكون مفعوله محذوفا ، أي : مذبذبين أنفسهم أو دينهم ، أو نحو ذلك.

الثاني : أنه بمعنى تفعلل ، نحو : «صلصل» فيكون قاصرا ؛ ويدلّ على هذا الثاني قراءة أبيّ ، وما في مصحف عبد الله (٦) «متذبذبين» فلذلك يحتمل أن تكون قراءة ابن عبّاس بمعنى متذبذبين ، وقرأ الحسن البصريّ (٧) «مذبذبين» بفتح الميم. قال ابن عطيّة : «وهي مردودة» وقال غيره : لا ينبغي أن تصحّ عنه ، واعتذر أبو حيان عنها لأجل فصاحة الحسن ، واحتجاج الناس بكلامه بأنّ فتح الميم لأجل إتباعها بحركة الذال ؛ قال : «وإذا كانوا قد أتبعوا في «منتن» حركة الميم بحركة التاء ، مع الحاجز بينهما ، وفي نحو «منحدر» أتبعوا حركة الدال بحركة الراء حالة الرفع ، مع أنّ حركة الإعراب غير لازمة ؛ فلأن يتبعوا في نحو «مذبذبين» أولى». [قال شهاب الدين :] وهذا فاسد ؛ لأن الإتباع في الأمثلة التي أوردها ونظائرها إنما هو إذا كانت الحركة قوية ، وهي الضمة والكسرة ، وأمّا الفتحة فخفيفة ، فلم يتبعوا لأجلها ، وقرأ ابن القعقاع بدالين مهملتين من الدّبّة ، وهي الطريقة [الّتي يدبّ فيها] يقال : «خلّني ودبّتي» أي : طريقتي ؛ قال: [الطويل]

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٩ / ٣٣٢) عن قتادة وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٤١٧) وزاد نسبته لابن المنذر وعبد بن حميد.

(٢) في أ : ونقل.

(٣) سقط في ب.

(٤) سقط في ب.

(٥) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ١٢٧ ، والبحر المحيط ٣ / ٣٩٤ ، والدر المصون ٢ / ٤٤٧.

(٦) ينظر : المصادر السابقة.

(٧) ينظر : المصادر السابقة.

٨٦

١٨٩٤ ـ طها هذربان قلّ تغميض عينه

على دبّة مثل الخنيف المرعبل (١)

وفي حديث ابن عبّاس : «اتّبعوا دبّة قريش» ، أي : طريقها ، فالمعنى على هذه القراءة : أن يأخذ بهم تارة دبّة ، وتارة دبّة أخرى ، فيتبعون متحيّرين غير ماضين على طريق واحد.

ومذبذب وشبهه نحو : مكبكب ومكفكف ؛ ممّا ضعّف أوله وثانيه ، وصحّ المعنى بإسقاط ثالثه ـ فيه مذاهب :

أحدها : ـ وهو قول جمهور البصريين ـ : أنّ الكلّ أصول ؛ لأنّ أقلّ البنية ثلاثة أصول ، وليس أحد المكرّرين أولى بالزيادة من الآخر.

الثاني ـ ويعزى للزجّاج ـ : أنّ ما صحّ إسقاطه زائد.

الثالث ـ وهو قول الكوفيين ـ : أن الثالث بدل من تضعيف الثاني ، ويزعمون أن أصل كفكف : كفّف بثلاث فاءات ، وذبذب : ذبّب بثلاث ياءات ، فاستثقل توالي ثلاثة أمثال ، فأبدلوا الثالث من جنس الأوّل ، أمّا إذا لم يصحّ المعنى بحذف الثالث ، نحو : سمسم ويؤيو ووعوع ؛ فإنّ الكلّ يزعمون أصالة الجميع ، والذّبذبة في الأصل : الاضطراب والحركة ومنه سمّي الذّباب ؛ لكثرة حركته.

قال ـ عليه‌السلام ـ : «من وقي شر قبقبه وذبذبه ولقلقه وجبت له الجنّة» (٢) يعني : الذكر يسمّى بذلك لتذبذبه ، أي : حركته ، وقيل التّذبذب (٣) : التّردّد بين حالين (٤).

قال النابغة : [الطويل]

١٨٩٥ ـ ألم تر أنّ الله أعطاك سورة

ترى كلّ ملك دونها يتذبذب (٥)

وقال آخر : [الطويل]

١٨٩٦ ـ خيال لأمّ السّلسبيل ودونها

مسيرة شهر للبعير المذبذب (٦)

بكسر الذال الثانية ، قال ابن جنّي : «أي : القلق الذي لا يستقرّ» ؛ قال الزمخشريّ :

__________________

(١) ينظر البيت في اللسان (رعبل) والبحر المحيط ٣ / ٣٩٤ والدر المصون ٢ / ٤٧.

(٢) ذكره العجلوني في كشف الخفاء ٢ / ٢٥٩.

وقبقبه ؛ بقافين مفتوحتين وموحدتين ، أولاهما ساكنة البطن من القبقبة ، وهي صوت يسمع من البطن ، وذبذبه بذالين معجمتين مفتوحتين وموحدتين ، أولاهما ساكنة الذكر ولقلقه بلامين مفتوحتين ، وقافين أولاهما ساكنة اللّسان ، ويجوز أن يكون القبقبة كناية عن أكل الحرام.

(٣) في ب : الذبذبة.

(٤) في ب : حالتين.

(٥) تقدم برقم ٢٩١.

(٦) البيت للبعيث بن حريث ينظر الحماسة ١ / ٢٢٨ والبحر المحيط ٣ / ٣٩٢ والكشاف ٤ / ٣٢٣ والمحتسب ١ / ٢٠٣ والدر المصون ٢ / ٤٤٨.

٨٧

«وحقيقة المذبذب الذي يذبّ عن كلا الجانبين ، أي : يذاد ويدفع ، فلا يقرّ في جانب واحد ، كما يقال : «فلان يرمى به الرّحوان» ، إلا أنّ الذبذبة فيها تكرير ليس في الذّبّ ، كأنّ المعنى : كلّما مال إلى جانب ذبّ عنه».

قال ابن الأثير في «النهاية» (١) : وأصله من الذّبّ وهو الطّرد ؛ ومنه قوله ـ عليه الصلاة والسلام : «تزوّج وإلّا فأنت من المذبذبين» (٢) أي : المطرودين عن المؤمنين لأنّك لم تقتد بهم ، وعن الرّهبان (٣) ؛ لأنك تركت طريقتهم ، ويجوز أن يكون من الأوّل.

و «بين» معمول لقوله : «مذبذبين» و «ذلك» إشارة إلى الكفر والإيمان المدلول عليهما بذكر الكافرين والمؤمنين ، ونحو : [الوافر]

١٨٩٧ ـ إذا نهي السّفيه جرى إليه

 .................. (٤)

أي : إلى السّفه ؛ لدلالة لفظ السفيه عليه ، وقال ابن عطية : «أشير إليه ، وإن لم يجر له ذكر ؛ لتضمّن الكلام له ؛ نحو : (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ) [ص : ٣٢] (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) [الرحمن : ٢٦] يعني توارت الشمس ، وكلّ من على الأرض ؛ قال أبو حيان «وليس كذلك ، بل تقدّم ما يدلّ عليه» وذكر ما قدّمته ، وأشير ب «ذلك» وهو مفرد لاثنين ؛ لما تقدّم في قوله (عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ) [البقرة : ٦٨].

قوله : (لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ) «إلى» في الموضعين متعلقة بمحذوف ، وذلك المحذوف هو حال حذف ؛ لدلالة المعنى عليه ، والتقدير : مذبذبين لا منسوبين إلى هؤلاء ولا منسوبين إلى هؤلاء ، فالعامل في الحال نفس «مذبذبين» ، قال أبو البقاء (٥) : «وموضع «لا إلى هؤلاء» نصب على الحال من الضمير في مذبذبين ، أي : يتذبذبون متلوّنين» وهذا تفسير معنى ، لا إعراب.

فصل

قال قتادة : معنى الآية : ليسوا مؤمنين مخلصين ، فيجب لهم ما يجب للمؤمنين ، ولا مشركين مصرّحين بالشّرك (٦).

__________________

(١) ينظر : النهاية ٢ / ١٥٤.

(٢) أخرجه أحمد (٥ / ١٦٤) وعبد الرزاق (٦ / ١٧١) وابن الجوزي في «العلل المتناهية» (٢ / ٦٠٨) من طريق مكحول عن رجل عن أبي ذر قال ابن الجوزي : لا يصح وفيه رجل مجهول.

وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٤ / ٢٥٣) وقال : وفيه راو لم يسم ، وبقية رجاله ثقات.

(٣) في ب : الرضيات.

(٤) تقدم برقم ١٥٧٣.

(٥) ينظر : الإملاء ١ / ١٩٩.

(٦) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٩ / ٣٣٤) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٤١٨) وزاد نسبته لابن المنذر.

٨٨

وروى نافع عن ابن عمر ، عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «مثل المنافق كمثل [الشّاة](١) العائرة بين الغنمين تعير إلى هذه مرّة وإلى هذه مرّة» (٢).

فصل في أن الحيرة في الدين بإيجاد الله تعالى

استدلّوا بهذه الآية على أنّ الحيرة في الدّين إنّما تحصل (٣) بإيجاد الله ـ تعالى ـ ؛ لأن قوله : «مذبذبين» يقتضي فاعلا قد ذبذبهم ، وصيّرهم متردّدين ، وذلك ليس باختيار العبد ، فإن الإنسان إذا وقع في قلبه الدّواعي المتعارضة ، الموجبة للتّحيّر والتّردّد ، فلو أراد أن يدفع ذلك التّردّد عن نفسه ، لم يقدر عليه أصلا ، ومن تأمّل في أحواله علم ذلك ، وإذا ثبت أنّ تلك الذّبذبة لا بدّ لها من فاعل ، وأن فاعلها ليس هو العبد ؛ ثبت أنّ فاعلها هو الله ـ تعالى ـ.

فإن قيل : قوله ـ تعالى ـ : (لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ) يقتضي ذمّهم على ترك طريقة المؤمنين ، وطريقة الكفّار ، والذّمّ على ترك طريق الكفّار غير جائز.

فالجواب : أنّ طريقة الكفّار وإن كانت خبيثة ، إلا أن طريقة النّفاق أخبث منها ؛ ولذلك فإن الله ـ تعالى ـ (٤) ذم الكفّار في أوّل سورة البقرة في آيتين ، وذمّ المنافقين في تسع عشرة آية ، وما ذلك (٥) إلا لأن طريقة النّفاق أخبث من طريقة الكفّار ، فهو ـ تعالى ـ لم يذمّهم على ترك الكفر ، بل لأنّهم عدلوا عن الكفر إلى ما هو أخبث من الكفر.

قوله : (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) أي : طريقا إلى الهدى.

واستدلوا بهذه الآية على مسألتين :

الأولى : أن تلك الذّبذبة من الله ـ تعالى ـ ، وإلا لم يتّصل هذا الكلام بما قبله.

الثانية : أنه صريح في أن الله ـ تعالى ـ أضلّهم (٦) عن الدّين.

قالت المعتزلة (٧) : فمعنى هذا الإضلال : أنه عبارة عن حكم الله (٨) ـ تعالى ـ عليه بالضّلال ، أو أنّه ـ تعالى ـ يضلّه يوم القيامة عن طريق الجنّة ، وقد تقدّم مثل ذلك.

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً)(١٤٤)

لما ذمّ المنافقين بأنّهم لم يستقرّوا مع أحد الطّريقين ، نهى المسلمين أن يفعلوا فعل

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) أخرجه مسلم (٢ / ٢١٤٦) كتاب صفات المنافقين حديث (١٧ / ٢٧٨٤) والطبري (٩ / ٣٣٣) وأحمد (٥٧٩٠ ـ شاكر) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

(٣) في ب : حصل.

(٤) في ب : فإنه تعالى.

(٥) في ب : ذاك.

(٦) في ب : يضلهم.

(٧) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ٦٨.

(٨) في ب : الحكم لله.

٨٩

المنافقين ؛ فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) والسبب فيه : أن الأنصار بالمدينة كانت لهم [في قريظة](١) رضاع وحلف ومودّة ، فقالوا : يا رسول الله ، من نتولّى؟ فقال : «المهاجرين» ، فنزلت هذه الاية (٢).

وقال القفّال ـ رحمه‌الله تعالى (٣) ـ : هذا نهي للمسلمين عن موالاة المنافقين ، يقول (٤) : قد بيّنت لكم أحوال هؤلاء المنافقين ومذاهبهم ، فلا تتّخذوا منهم أولياء.

ثم قال : (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً) ، [فإن حملناه على الأوّل وهو نهي المؤمنين عن موالاة الكفّار ، كان المعنى : أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا](٥) على كونكم منافقين ، المراد أتريدون أن تجعلوا لأهل دين الله وهم الرّسول وأمته ، وإن حملناه على المنافقين ، كان المعنى : أتريدون أن تجعلوا لله عليكم في عقابكم حجّة ؛ بسبب موالاتكم مع المنافقين.

قوله : «سلطانا» : السلطان يذكّر ويؤنث ، فتذكيره باعتبار البرهان ، وتأنيثه باعتبار الحجّة ، إلا أن التأنيث أكثر عند الفصحاء ، كذا قاله الفرّاء ، وحكى : «قضت عليك السلطان» و «أخذت فلانا السلطان» وعلى هذا فكيف ذكّرت صفته ، فقيل : مبينا دون : مبينة؟ والجواب : أن الصفة هنا رأس فاصلة ، فلذلك عدل إلى التذكير ، دون التأنيث ، وقال ابن عطية ما يخالف ما حكاه الفراء ؛ فإنه قال : «والتذكير أشهر ، وهي لغة القرآن ؛ حيث وقع». و «عليكم» يجوز تعلّقه بالجعل ، أو بمحذوف على أنه حال من «سلطانا» لأنه صفة له في الأصل ، وقد تقدّم نظيره.

قوله تعالى : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (١٤٥) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً)(١٤٦)

(٦) الدّرك : قرأ الكوفيّون (٧) ـ بخلاف عن عاصم ـ بسكون الراء ، والباقون بفتحها ، وفي ذلك قولان :

أحدهما : أنّ الدّرك والدّرك لغتان بمعنى واحد ، كالشّمع والشّمع ، والقدر والقدر.

والثاني : أن الدّرك بالفتح جمع «دركة» على حدّ بقر وبقرة.

وقال أبو حاتم : جمع الدّرك : أدراك ؛ مثل حمل وأحمال ، وفرس وأفراس ، وجمع الدرك : أدرك ؛ مثل أفلس وأكلب.

__________________

(١) سقط في ب.

(٢) تقدم.

(٣) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ٦٩.

(٤) في ب : تقول.

(٥) سقط في ب.

(٦) سقط في ب.

(٧) ينظر : السبعة ٢٣٩ ، والحجة ٣ / ١٨٨ ، وحجة القراءات ٢١٨ ، وإعراب القراءات ١ / ١٣٨ ، ١٣٩ ، والعنوان ٨٦ ، وشرح شعلة ٣٤٦ ، وشرح الطيبة ٤ / ٢٢٠ ، وإتحاف ١ / ٥٢٢.

٩٠

واختار أبو عبيد الفتح ، قال : لأنه لم يجىء في الآثار ذكر «الدّرك» إلا بالفتح ، وهذا غير لازم لمجيء الأحاديث بإحدى اللغتين ، واختار بعضهم الفتح ؛ لجمعه على أفعال ، قال الزمخشريّ : «والوجه التحريك ؛ لقولهم : أدراك جهنّم» ، يعني أنّ أفعالا منقاس في «فعل» بالفتح ، دون فعل بالسكون ، على أنه قد جاء أفعال في فعل بالسكون ؛ نحو : فرخ وأفراخ ، وزند وأزناد ، وفرد وأفراد ، وقال أبو عبد الله الفاسيّ في شرح القصيد : «وقال غيره ـ يعني غير عاصم ـ ؛ محتجا لقراءة الفتح ؛ قولهم في جمعه : «أدراك» يدلّ على أنه «درك» بالفتح ، ولا يلزم ما قال أيضا ؛ لأن فعلا بالتحريك قد جمع على أفعال ، كقلم وأقلام ، وجبل وأجبال» انتهى ، وهذه غفلة منه ؛ لأن المتنازع فيه إنما هو فعل بالتسكين : هل يجمع على أفعال ، أم لا؟ وأما فعل بالتحريك فأفعال قياسه ، وكأنه قصد الردّ على الزمخشريّ ، فوقع في الغلط ، وكان ينبغي له أن يقول : وقد جمع فعل بالسكون على أفعال نحو : فرخ وأفراخ ، كما ذكرته لك ، وحكي عن عاصم أنه قال : «لو كان «الدّرك» بالفتح ، لكان ينبغي أن يقال السّفلى لا الأسفل» قال بعض النحويّين : يعني أنّ الدّرك بالفتح جمع «دركة» ؛ كبقر جمع بقرة ، والجمع يعامل معاملة المؤنثة ، وهذا غير لازم ؛ لأنّ اسم الجنس الفارق بين واحده وجمعه تاء التأنيث يجوز تذكيره وتأنيثه ، إلا ما استثني وجوب تذكيره أو تأنيثه ، والدّرك ليس منه ، فيجوز فيه الوجهان ، هذا بعد تسليم كون «الدّرك» جمع «دركة» بالسكون كما تقدم ، والدّرك مأخوذ من المداركة ، وهي المتابعة ، وسمّيت طبقات النار «دركات» ؛ لأنّ بعضها مدارك لبعض ، أي : متتابعة.

قوله : «من النّار» في محلّ نصب على الحال ، وفي صاحبها وجهان :

أحدهما : أنه «الدّرك» ، والعامل فيها الاستقرار

والثاني : أنه الضمير المستتر في «الأسفل» ؛ لأنه صفة ، فيتحمل ضميرا.

قال الليث (١) : الدّرك أقصى قعر الشيء ؛ كالبحر ونحوه ، فعلى هذا المراد بالدّرك الأسفل: أقصى قعر جهنّم ، وأصل هذا من الإدراك بمعنى اللّحوق ، ومنه إدراك الطّعام وإدراك الغلام ، قال الضحاك (٢) : [الدّرج](٣) إذا كان بعضها فوق بعض ، والدّرك إذا كان بعضها أسفل من بعض.

فصل في معنى الدرك

قال ابن مسعود : الدّرك الأسفل من النّار : توابيت من حديد مقفلة في النّار (٤) ،

__________________

(١) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ٦٩.

(٢) ينظر : السابق.

(٣) سقط في أ.

(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٩ / ٣٣٨) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١٩) وزاد نسبته للفريابي وابن أبي شيبة وهناد في «الزهد» وابن أبي الدنيا وابن أبي حاتم وابن المنذر.

٩١

وقال أبو هريرة : بيت يقفل عليهم ، تتوقّد فيه النّار من فوقهم ومن تحتهم (١).

فصل

قال ابن الأنباريّ (٢) : قال ـ تعالى ـ في صفة المنافقين : إنّهم في الدّرك الأسفل من النّار ، وقال في آل فرعون : (أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) [غافر : ٤٦] فأيّهما أشدّ عذابا : المنافقون ، أم (٣) آل فرعون؟.

وأجاب : بأنّه يحتمل أنّ أشدّ العذاب إنّما يكون في الدّرك الأسفل ، وقد اجتمع (٤) فيه الفريقان.

فصل لماذا كان المنافقون أشد عذابا من الكفار؟

إنّما كان المنافقون أشدّ عذابا من الكفّار ؛ لأنّهم مثلهم في الكفر ، وضمّوا إليه نوعا آخر من الكفر ، وهو الاستهزاء بالإسلام [وأهله أيضا فإنّهم يظهرون الإسلام](٥) ؛ ليتمكّنوا من الاطّلاع على أسرار المسلمين ، ثمّ يخبرون الكفّار بذلك فتتضاعف المحنة.

قوله : (وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً) مانعا من العذاب.

واحتجّوا بهذه الآية على إثبات (٦) الشّفاعة للفسّاق من المسلمين ؛ لأنه ـ تعالى ـ خصّ المنافقين بهذا التّهديد ، ولو كان ذلك حاصلا لغير المنافقين ، لم يكن ذلك زجرا عن النّفاق من حيث إنّه نفاق ، وليس هذا استدلالا بدليل الخطاب ، بل وجه الاستدلال فيه ؛ أنه ـ تعالى ـ ذكره في معرض الزّجر عن النّفاق ، فلو حصل ذلك مع عدمه ، لم يبق زجرا عنه من حيث إنّه نفاق.

قوله : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) : فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه منصوب على الاستثناء من قوله : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ).

الثاني : أنه مستثنى من الضمير المجرور في «لهم».

الثالث : أنه مبتدأ ، وخبره الجملة من قوله : (فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) ، قيل : ودخلت الفاء في الخبر ؛ لشبه المبتدأ باسم الشرط ، قال أبو البقاء (٧) ومكي (٨) وغيرهما : «مع

__________________

(١) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٤١٩) عن أبي هريرة وعزاه لعبد بن حميد وابن أبي حاتم.

وأخرجه الطبري (٩ / ٢٣٩) عنه بلفظ : توابيت ترتج عليهم وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٤١٩) وزاد نسبته لابن المنذر.

(٢) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ٦٩.

(٣) في ب : أو.

(٤) في ب : جمع.

(٥) سقط في ب.

(٦) في ب : ثبوت.

(٧) ينظر : الإملاء ١ / ١٩٩.

(٨) ينظر : المشكل ١ / ٢١٠.

٩٢

المؤمنين» خبر «أولئك» ، والجملة خبر «إلّا الّذين» ، والتقدير : فأولئك مؤمنون مع المؤمنين ، وهذا التقدير لا تقتضيه الصناعة ، بل الذي تقتضيه الصناعة : أن يقدّر الخبر الذي يتعلّق به هذا الظرف شيئا يليق به ، وه و «فأولئك مصاحبون أو كائنون أو مستقرون» ونحوه ، فتقدّره كونا مطلقا ، أو ما يقاربه.

فصل

معنى الآية (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) : من النّفاق وآمنوا ، «وأصلحوا» أعمالهم ، (وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ) ووثقوا بالله ، (وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ) وأراد الإخلاص بالقلب ؛ لأن النّفاق كفر القلب ، فزواله يكون بإخلاص القلب ، فإذا حصلت هذه الشّروط ، فعندها قال : (فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) ، ولم يقل : فأولئك مؤمنون.

قال الفرّاء (١) : معناه : فأولئك من المؤمنين.

قوله : (وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً)] رسمت «يؤت» دون «ياء» وهو مضارع مرفوع ، فحقّ يائه أن تثبت لفظا وخطّا ، إلا أنها حذفت لفظا في الوصل ؛ لالتقاء الساكنين [وهما الياء في اللفظ واللام في الجلالة] فجاء الرسم تابعا للفظ ، وله نظائر تقدّم بعضها ، والقراء يقفون عليه دون ياء اتّباعا للرسم ، إلا يعقوب (٢) ، فإنه يقف بالياء ؛ نظرا إلى الأصل ، وروي ذلك أيضا عن الكسائيّ وحمزة ، وقال أبو عمرو : «ينبغي ألّا يوقف عليها ؛ لأنّه إن وقف عليها كما في الرسم دون ياء خالف النحويين ، وإن وقف بالياء خالف رسم المصحف» ، ولا بأس بما قال ؛ لأن الوقف ليس ضروريّا ، فإن اضطرّ إليه واقف ؛ لقطع نفس ونحوه ، فينبغي أن يتابع الرسم ؛ لأنّ الأطراف قد كثر حذفها ، وممّا يشبه هذا الموضع قوله : (وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ) [غافر : ٩] فإنه رسم «تق» بقاف ، دون هاء سكت ، وعند النحويين : أنه إذا حذف من الفعل شيء ؛ حتى لم يبق منه إلا حرف واحد ، ووقف عليه ، وجب الإتيان بهاء السكت في آخره ؛ جبرا له ؛ نحو : «قه» و «لم يقه» و «عه» و «لم يعه» ، ولا يعتدّ بحرف المضارعة ؛ لزيادته على بنية الكلمة ، فإذا تقرّر هذا ، فنقول : ينبغي ألّا يوقف عليه ؛ لأنه إن وقف بغير هاء سكت ، خالف الصناعة النحوية ، وإن وقف بهاء خالف رسم المصحف.

والمراد : (يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ) في الآخرة ، (أَجْراً عَظِيماً) [يعني : الجنّة](٣).

قوله تعالى : (ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكانَ اللهُ شاكِراً عَلِيماً)(١٤٧)

في «ما» وجهان :

__________________

(١) ينظر : تفسير البغوي ١ / ٤٩٣.

(٢) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٣٩٧ والدر المصون ٢ / ٤٥٠.

(٣) سقط في ب.

٩٣

أحدهما : أنها استفهامية ، فتكون في محل نصب ب «يفعل» وإنما قدّم ؛ لكونه له صدر الكلام ، والباء على هذا سببية متعلقة ب «يفعل» ، والاستفهام هنا معناه النفي ، والمعنى : أن الله لا يفعل بعذابكم شيئا ؛ لأنه لا يجلب لنفسه بعذابكم نفعا ، ولا يدفع عنها به ضرّا ، فأيّ حاجة له في عذابكم؟ [والمقصود منه حمل المكلّفين على فعل الحسن والاحتراز عن القبيح].

والثاني : أن «ما» نافية ؛ كأنه قيل : لا يعذّبكم الله ، وعلى هذا : فالباء زائدة ، ولا تتعلّق بشيء. [قال شهاب الدين :](١) وعندي أن هذين الوجهين في المعنى شيء واحد ، فينبغي أن تكون سببية في الموضعين أو زائدة فيهما ؛ لأن الاستفهام بمعنى النفي ، فلا فرق.

وقال البغوي (٢) : هذا استفهام بمعنى التّقرير معناه : إنه لا يعذّب المؤمن الشّاكر ، فإن تعذيبه عباده لا يزيد في ملكه ، وتركه عقوبتهم على فعلهم لا ينقص من سلطانه [والشّكر ضد الكفر ، والكفر ستر النّعمة ، والشّكر إظهارها](٣) ، والمصدر هنا مضاف لمفعوله.

وقوله (إِنْ شَكَرْتُمْ) جوابه محذوف ؛ لدلالة ما قبله عليه ، أي : إن شكرتم وآمنتم فما يفعل بعذابكم.

فصل لم قدّم الشّكر على الإيمان في الآية؟

وفي تقديم الشّكر على الإيمان وجوه :

الأول : على التّقديم والتّأخير ، أي : آمنتم وشكرتم ؛ لأن الإيمان مقدّم (٤) على سائر الطّاعات ، ولا ينفع الشكر مع عدم الإيمان.

الثاني : أن الواو لا توجب التّرتيب.

الثالث : أن الإنسان إذا نظر إلى نفسه ، رأى النّعمة العظيمة في تخليقها وترتيبها ، فيشكر شكرا مجملا بها ، ثمّ إذا تمّم النّظر في معرفة المنعم ، آمن به ثمّ شكر شكرا مفصّلا (٥) ، فكان ذلك الشكر المجمل مقدّما على الإيمان ؛ فلهذا قدّم عليه في الذّكر.

فصل

استدلّوا بهذه الآية على أنّه لا يعذّب أصحاب الكبائر ؛ لأنا نفرض الكلام فيمن شكر وآمن ، ثم أقدم على الشّرب أو الزّنا ، فهذا يجب ألّا يعاقب ؛ لقوله ـ تعالى ـ : (ما يَفْعَلُ اللهُ

__________________

(١) ينظر : الدر المصون ٢ / ٤٥٠.

(٢) ينظر : تفسير البغوي ١ / ٤٩٣.

(٣) سقط في أ.

(٤) في ب : متقدم.

(٥) في ب : منفصلا.

٩٤

بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ) وقد تقدّم الاستدلال على أنّ صاحب الكبيرة مؤمن.

فصل

قالت المعتزلة : دلّت هذه الآية على أنّه ـ سبحانه [وتعالى](١) ـ ما خلق خلقا ابتداء لأجل التّعذيب (٢) والعقاب ؛ لأن قوله : (ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ) صريح في أنّه ـ تعالى ـ لم يخلق أحدا لغرض التّعذيب.

ودلّت أيضا على أنّ فاعل الشّكر والإيمان هو العبد ، وليس (٣) ذلك فعلا لله تعالى وإلا لصار التّقدير : ما يفعل الله بعذابكم بعد أن خلق الشّكر والإيمان فيكم ، وذلك غير منتظم.

وتقدّم الجواب عن مثل ذلك. ثم قال (وَكانَ اللهُ شاكِراً عَلِيماً) أمرهم بالشّكر ، وسمّى الجزاء شكرا ، على سبيل الاستعارة ، فالشّكر من الله هو الرّضا بالقليل من عباده ، وإضعاف الثّواب عليه ، والشّكر من العبد الطّاعة ، والمراد من كونه عليما : أنّه عالم بجميع الجزئيّات ، فلا يقع له الغلط ألبتّة ، فلا جرم يوصل الثّواب إلى الشّاكر ، والعقاب إلى المعرض.

قوله تعالى : (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكانَ اللهُ سَمِيعاً عَلِيماً)(١٤٨)

(٤) في كيفيّة النّظم وجهان :

أحدهما : أنه ـ تعالى ـ لمّا فضح المنافقين وهتك سترهم ، وكان هتك السّتر غير لائق بالرّحيم الكريم ، ذكر ـ تعالى ـ ما يجري مجرى العذر من ذلك ؛ فقال : (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) يعني : لا يحبّ إظهار الفضائح ، إلّا في حقّ من عظم ضرره وكثر كيده ومكره ، فعند ذلك يجوز إظهار فضائحه ؛ ولهذا قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «اذكروا الفاسق بما فيه كي يحذره النّاس» (٥) والمنافقون قد كثر كيدهم

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) في ب : العذاب.

(٣) في ب : فليس.

(٤) سقط في ب.

(٥) أخرجه العقيلي (١ / ٢٠٢) وابن حبان في «المجروحين» (١ / ٢١٥) وابن عدي في «الكامل» (٢ / ٢٦٠) والبيهقي (١٠ / ٢١٥) من طريق الجارود بن يزيد عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أترعون عن ذكر الفاجر ؛ اذكروه بما فيه يحذره الناس.

قال العقيلي : ليس له من حدث بهز أصل ولا من حديث غيره ولا يتابع عليه من طريق يثبت.

قال البيهقي : هذا يعرف بالجارود بن يزيد النيسابوري وأنكره عليه أهل العلم بالحديث سمعت أبا عبد الله الحافظ يقول : سمعت أبا عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ غير مرة يقول : كان أبو بكر الجارودي إذا مر بقبر جده يقول : يا أبة لو لم تحدث بحديث بهز بن حكيم لزرتك.

وقال ابن عدي والبيهقي : وقد سرقه عنه جماعة من الضعفاء فروه عن بهز بن حكيم ولم يصح فيه شيء. ـ

٩٥

ومكرهم (١) وظلمهم ، وضررهم على المسلمين ؛ فلهذا ذكر الله فضائحهم وكشف أسرارهم.

وثانيهما : أنّه ـ تعالى ـ قال في الآية الأولى : أن المنافقين إذا تابوا وأخلصوا ، صاروا من المؤمنين ، فيحتمل أن يتوب بعضهم ويخلص توبته ، ثم لا يسلم من التّغير (٢) والذّمّ من بعض المسلمين ؛ بسبب ما صدر عنه في الماضي من النّفاق ، فبين ـ تعالى ـ في هذه الآيةأنه لا يحب الجهر بالسوء من القول ، إلا من ظلم نفسه وأقام على نفاقه ، فإنه لا يكره.

قوله : «بالسّوء» متعلق ب «الجهر» ، وهو مصدر معرف ب «أل» استدلّ به الفارسيّ على جواز إعمال المصدر المعرّف ب «أل». قيل : ولا دليل فيه ؛ لأنّ الظرف والجارّ يعمل فيهما روائح الأفعال ، وفاعل هذا المصدر محذوف ، أي : الجهر أحد ، وقد تقدم أن الفاعل يطّرد حذفه في صور منها المصدر ، ويجوز أن يكون الجهر مأخوذا من فعل مبنيّ للمفعول على خلاف في ذلك ، فيكون الجارّ بعده في محلّ رفع لقيامه مقام الفاعل ؛ لأنك لو قلت : لا يحبّ الله أن يجهر بالسوء ، كان «بالسّوء» قائما مقام الفاعل ، ولا تعلّق له حينئذ به ، و (مِنَ الْقَوْلِ) حال من «السّوء».

قوله : (إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) في هذا الاستثناء قولان :

أحدهما : أنه متصل.

والثاني : أنه منقطع ، وإذا قيل بأنه متصل ، فقيل : هو مستثنى من «أحد» المقدّر الذي هو فاعل للمصدر ، فيجوز أن تكون «من» في محلّ نصب على أصل الاستثناء ، أو رفع على البدل من «أحد» ، وهو المختار ، ولو صرّح به ، لقيل : لا يحبّ الله أن يجهر أحد بالسّوء إلا المظلوم ، أو المظلوم رفعا ونصبا ، ذكر ذلك مكي (٣) وأبو البقاء (٤) وغيرهما ، قال أبو حيان (٥) : «وهذا مذهب الفراء ، أجاز في «ما قام إلّا زيد» أن يكون «زيد» بدلا من «أحد» ، وأمّا على مذهب الجمهور ، فإنه يكون من المستثنى الذي فرّغ له العامل ، فيكون مرفوعا على الفاعليّة بالمصدر ، وحسّن ذلك كون الجهر في حيّز النفي ، كأنه قيل : لا يجهر بالسّوء من القول إلا المظلوم» انتهى ، والفرق ظاهر بين مذهب الفراء وبين هذه الآية ؛ فإن النحويّين إنما لم يروا بمذهب الفراء ، قالوا : لأن المحذوف صار نسيا منسيّا ، وأما فاعل المصدر هنا ، فإنه كالمنطوق به ليس منسيا ، فلا يلزم من تجويزهم الاستثناء من هذا الفاعل المقدّر أن يكونوا تابعين لمذهب الفرّاء ؛ لما ظهر من الفرق ،

__________________

ـ وقال ابن حبان : والخبر في أصله باطل وهذه الطرق كلها بواطيل لا أصل لها. والحديث قال الألباني : موضوع وينظر السلسلة الضعيفة برقم (٥٨٣).

(١) في ب : كانوا قد كثر مكرهم وكيدهم.

(٢) في ب : التغيير.

(٣) ينظر : المشكل ١ / ٢١٠.

(٤) ينظر : الإملاء ١ / ٢٠٠.

(٥) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٣٩٨.

٩٦

وقيل : هو مستثنى مفرّغ ، فتكون «من» في محلّ رفع بالفاعلية ؛ كما تقدّم في كلام أبي حيان ، والتفريغ لا يكون إلا في نفي أو شبهه ، ولكن لمّا وقع الجهر متعلّقا للحبّ الواقع في حيّز النفي ساغ ذلك ، وقيل : هو مستثنى من الجهر ؛ على حذف مضاف ، تقديره : إلا جهر من ظلم ، فهذه ثلاثة أوجه على تقدير كونه متّصلا ، تحصّل منها في محل «من» أربعة أوجه : الرفع من وجهين ، وهما البدل من «أحد» المقدّر ، أو الفاعليّة ؛ على كونه مفرّغا ، والنصب ؛ على أصل الاستثناء من «أحد» المقدّر ، أو من الجهر ؛ على حذف مضاف.

والثاني : أنه استثناء منقطع ، تقديره : لكن من ظلم له أن ينتصف من ظالمه بما يوازي ظلامته ، فتكون «من» في محلّ نصب فقط على الاستثناء المنقطع.

والجمهور على (إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) مبنيا للمفعول قال القرطبي : ويجوز إسكان اللّام ، وقرأ(١) جماعة كثيرة منهم ابن عبّاس وابن عمر وابن جبير والضحاك وزيد بن أسلم والحسن : «ظلم» مبنيّا للفاعل ، وهو استثناء منقطع ، فهو في محلّ نصب على أصل الاستثناء المنقطع ، واختلفت عبارات العلماء في تقدير هذا الاستثناء ، وحاصل ذلك يرجع إلى أحد تقديرات ثلاثة : إمّا أن يكون راجعا إلى [الجملة الأولى ؛ كأنه قيل : لا يحبّ الله الجهر بالسوء ، لكنّ الظالم يحبّه ، فهو يفعله ، وإما أن يكون راجعا] إلى فاعل الجهر ، أي : لا يحبّ الله أن يجهر أحد بالسّوء [لأحد] ، لكن الظالم يجهر به ، [وإمّا أن يكون راجعا إلى متعلّق الجهر ، وه و «من يجاهر ويواجه بالسوء» ، أي : لا يحبّ الله أن يجهر بالسّوء لأحد ، لكن الظّالم يجهر له به] ، أي : يذكر ما فيه من المساوىء في وجهه ، لعلّه أن يرتدع ، وكون هذا المستثنى في هذه القراءة منصوب المحلّ على الانقطاع هو الصحيح ، وأجاز ابن عطية والزمخشريّ أن يكون في محلّ رفع على البدلية ، ولكن اختلف مدركهما.

فقال ابن عطية (٢) : «وإعراب «من» يحتمل في بعض هذه التأويلات النّصب ، ويحتمل الرفع على البدل من «أحد» المقدّر» يعني أحدا المقدّر في المصدر ؛ كما تقدّم تحقيقه.

وقال الزمخشريّ (٣) : ويجوز أن يكون «من» مرفوعا ؛ كأنه قيل : لا يحبّ الله الجهر بالسّوء إلا الظالم ، على لغة من يقول : «ما جاءني زيد إلّا عمرو» بمعنى : ما جاءني إلّا عمرو ، ومنه (لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ) [النمل : ٦٥] ، ورد أبو حيان (٤) عليهما فقال : «وما ذكره ـ يعني ابن عطية ـ من جواز الرفع على البدل لا يصحّ ؛ وذلك

__________________

(١) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ١٢٩ ، والبحر المحيط ٣ / ٣٩٨ ، والدر المصون ٢ / ٤٥١.

(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ١٣٠.

(٣) ينظر : الكشاف ١ / ٥٨٢.

(٤) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٣٩٨.

٩٧

أن المنقطع قسمان : قسم يتوجّه إليه العامل ؛ نحو : «ما فيها أحد إلّا حمار» فهذا فيه لغتان : لغة الحجاز وجوب النصب ، ولغة تميم جواز البدل ، وإن لم يتوجه عليه العامل ، وجب نصبه عند الجميع ؛ نحو : «المال ما زاد إلّا النّقص» ، أي : لكن حصل له النقص ، ولا يجوز فيه البدل ؛ لأنك لو وجهت إليه العامل ، لم يصحّ» ، قال : والآية من هذا القسم ؛ لأنك لو قلت : «لا يحب الله أن يجهر بالسوء إلا الظالم» ـ فتسلط «يجهر» على «الظّالم» [فتسليط يجهر على الظالم يصح]. قال : «وهذا الذي جوّزه ـ يعني الزمخشريّ ـ لا يجوز ؛ لأنه لا يمكن أن يكون الفاعل لغوا ، ولا يمكن أن يكون الظالم بدلا من «الله» ، ولا «عمرو» بدلا من «زيد» ؛ لأنّ البدل في هذا الباب يرجع إلى بدل بعض من كلّ حقيقة ؛ نحو : «ما قام القوم إلّا زيد» ، أو مجازا ؛ نحو : «ما فيها أحد إلّا حمار» ، والآية لا يجوز فيها البدل حقيقة ، ولا مجازا ، وكذا المثال المذكور ؛ لأن الله تعالى علم ، وكذا زيد ، فلا عموم فيهما ؛ ليتوهّم دخول شيء فيهما فيستثنى ، وأمّا ما يجوز فيه البدل من الاستثناء المنقطع ؛ فلأنّ ما قبله عامّ يتوهّم دخوله فيه ، فيبدل ما قبله مجازا ، وأمّا قوله على لغة من يقول : «ما جاءني زيد إلا عمرو» ، فلا نعلم هذه لغة إلا في كتاب سيبويه (١) ، بعد أن أنشد أبياتا في الاستثناء المنقطع آخرها : [الطويل]

١٨٩٨ ـ عشيّة ما تغني الرّماح مكانها

ولا النّبل إلّا المشرفيّ المصمّم (٢)

[ما نصّه :] «وهذا يقوّي : «ما أتاني زيد إلا عمرو ، وما أعانه إخوانكم إلّا إخوانه» ؛ لأنها معارف ليست الأسماء الآخرة بها ولا بعضها» ولم يصرّح ، ولا لوّح أن «ما أتاني زيد إلّا عمرو» من كلام العرب ، قال من شرح كلام سيبويه : فهذا يقوّي «ما أتاني زيد إلا عمرو» ، أي : ينبغي أن يثبت هذا من كلام العرب ؛ لأن النبل معرفة ليس بالمشرفيّ ، كما أن زيدا ليس بعمرو ، كما أنّ إخوة زيد ليسوا إخوتك ، قال أبو حيان : «وليس «ما أتاني زيد إلّا عمرو» نظير البيت ؛ لأنّه قد يتخيّل عموم في البيت ؛ إذ المعنى : لا يغني السلاح ، وأمّا «زيد» فلا يتوهّم فيه عموم ؛ على أنه لو ورد من كلامهم : «ما أتاني زيد إلّا عمرو» ، لأمكن أن يصحّ على «ما أتاني زيد ولا غيره إلّا عمرو» ، فحذف المعطوف ؛ لدلالة الاستثناء عليه ، أمّا أن يكون على إلغاء الفاعل ، أو على كون «عمرو» بدلا من «زيد» ، فإنه لا يجوز ، وأمّا الآية فليست ممّا ذكر ؛ لأنه يحتمل أن تكون «من» مفعولا بها ، و «الغيب» بدل منها بدل اشتمال ، والتقدير : لا يعلم غيب من في السماوات والأرض إلّا الله ، أي : سرّهم وعلانيتهم لا يعلمهم إلا

__________________

(١) ينظر : الكتاب ١ / ٣٦٦.

(٢) البيت لضرار بن الأزور ينظر تذكرة النحاة ص ٣٣٠ ، وخزانة الأدب ٣ / ٣١٨ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١٢٨ ؛ والمقاصد النحوية ٣ / ١٠٩ ، وللحصين بن الحمام برواية (المصمما) مكان (المصم) في شرح اختيارات المفضل ١ / ٣٢٩ ، وينظر شرح الأشموني ١ / ٢٩٩ ، والكتاب ٢ / ٣٤٥ والدر المصون ٢ / ٤٥٢.

٩٨

الله ، ولو سلّم أن «من» مرفوعة المحلّ ، فيتخيلّ فيها عموم ، فيبدل منها «الله» مجازا ؛ كأنه قيل : لا يعلم الموجودون الغيب إلّا الله ، أو يكون على سبيل المجاز في الظرفيّة بالنسبة إلى الله تعالى ؛ إذ جاء ذلك عنه في القرآن والسنة نحو : (وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ) [الأنعام : ٣] (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) [الزخرف : ٨٤] ، قال : «أين الله» قالت : (فِي السَّماءِ) ، ومن كلام العرب : «لا وذو في السّماء بيته» يعنون الله ، وإذ احتملت الآية هذه الوجوه ، لم يتعيّن حملها على ما ذكره» انتهى ما ردّ به عليهما.

[وقال شهاب الدين :](١) أمّا ردّه على ابن عطية ، فواضح ، وأمّا ردّه على الزمخشريّ ، ففي بعضه نظر ، أما قوله : «لا نعلمها لغة إلا في كتاب سيبويه» ، فكفى به دليلا على صحة استعمال مثله ، ولذلك شرح الشّرّاح لكتاب سيبويه هذا الكلام ؛ بأنه قياس كلام العرب لما أنشد من الأبيات ، وأمّا تأويله «ما أتاني زيد إلّا عمرو» ب «ما أتاني ولا غيره» ، فلا يتعيّن ما قاله ، وتصحيح الاستثناء فيه أنّ قول القائل : «ما أتاني زيد» قد يوهم أن عمرا أيضا لم يجئه ، فنفى هذا التوهّم ، وهذا القدر كاف في الاستثناء المنقطع ، ولو كان تأويل «ما أتاني زيد إلّا عمرو» على ما قال ، لم يكن استثناء منقطعا بل متصلا ، وقد اتفق النحويّون على أن ذلك من المنقطع ، وأمّا تأويل الآية بما ذكره ، فالتجوّز في ذلك أمر خطر ، فلا ينبغي أن يقدم على مثله.

فصل

قال المفسرون (٢) : معنى (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ) : القول القبيح ، (إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) فيجوز للمظلوم أن يخبر عن ظلم الظّالم ، وأن يدعو عليه ؛ قال ـ [تعالى](٣) ـ : (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) [الشورى : ٤١].

قال الحسن دعاؤه عليه أن يقول : «اللهمّ أعنّي عليه ، اللهمّ استخرج حقّي [اللهم حل بيني وبين ما يريد ونحوه من الدعاء (٤)](٥).

وقيل : إن شتم جاز أن يشتم بمثله ، ولا يزيد عليه.

قال ابن عبّاس وقتادة : لا يحبّ الله رفع الصّوت بما يسوء غيره ، إلا المظلوم فإنّ له أن يرفع صوته بالدّعاء على ظالمه (٦).

__________________

(١) ينظر : الدر المصون ٢ / ٤٥٣.

(٢) ينظر : تفسير البغوي ١ / ٤٩٣.

(٣) سقط في أ.

(٤) سقط في أ.

(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٩ / ٣٣٩ عن الحسن.

(٦) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٩ / ٣٤٤) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٤٢٠) وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما.

٩٩

وقال مجاهد : إلا أن يجهر بظلم ظالمه له (١).

وقال الأصمّ (٢) : لا يجوز إظهار الأحوال (٣) المستورة ؛ لأن ذلك يصير سببا لوقوع النّاس في الغيبة ؛ ووقوع ذلك الإنسان في الرّيبة ، ولكن من ظلم فيجوز (٤) إظهار ظلمه ؛ بأن يذكر أنّه سرق أو غصب.

وقيل : نزلت في أبي بكر الصّدّيق ـ رضي الله عنه ـ فإنّ رجلا شتمه ، فسكت مرارا ثمّ ردّ عليه ، فقام النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فقال أبو بكر : شتمني وأنت جالس ، فلّما رددت عليه قمت. قال : إن ملكا كان يردّ عنك ، فلما رددت [عليه](٥) ذهب الملك وجاء الشّيطان ، فلم أجلس عند مجيء الشّيطان ، فنزلت الآية (٦).

وقيل : نزلت في الضيف ؛ روى عقبة بن عامر قال : قلنا يا رسول الله : إنك تبعثنا فننزل على قوم لا يقرونا فما ترى؟ فقال النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضّيف ، فاقبلوه ، فإن لم يفعلوا ، فخذوا منهم حقّ الضّيف الذي ينبغي لهم» (٧).

وقيل : معنى الآية إلا من أكره [على](٨) أن يجهر بسوء من القول كفرا كان أو نحوه ، فذلك مباح ، فالآية على ذلك (٩) في الإكراه.

قال قطرب : (إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) يريد : المكره ؛ لأنه مظلوم ، قال : ويجوز أن يكون المعنى إلا من ظلم على البدل ؛ كأنه قال : لا يحبّ الله إلا من ظلم ، أي : لا يحبّ الظّالم ؛ كأنه يقل : يحبّ من ظلم [أي : يأجر من ظلم](١٠) ، والتقدير على هذا القول : لا يحبّ الله ذا الجهر بالسّوء إلا من ظلم على البدل.

قال القرطبيّ (١١) : وظاهر الآية يقتضي أنّ للمظلوم أن ينتصر من ظالمه ولكن مع اقتصاد(١٢) إن كان مؤمنا ، كما قال الحسن ، فأمّا أن يقابل القذف بالقذف ونحوه فلا ، وإن كان كافرا فأرسل لسانك وادع بما شئت ؛ كما فعل النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم حيث قال : «اللهمّ اشدد وطأتك على مضر ، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف» (١٣).

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٩ / ٣٤٥) عن مجاهد.

(٢) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ٧٢.

(٣) في أ : الحال.

(٤) في ب : فيجوز له.

(٥) سقط في أ.

(٦) ينظر تفسير الفخر الرازي (١١ / ٧٢).

(٧) أخرجه البخاري (٥ / ١٠٨) كتاب المظالم : باب قصاص المظلوم إذا وجد مال ظالمه حديث (٢٤٦١) ومسلم (٣ / ١٣٥٣) باب الضيافة ونحوها حديث (١٧ / ١٧٢٧) من حديث عقبة بن عامر.

(٨) سقط في ب.

(٩) في ب : هذا.

(١٠) سقط في ب.

(١١) ينظر : تفسير القرطبي ٦ / ٤.

(١٢) في ب : اقتصار.

(١٣) تقدم.

١٠٠