اللّباب في علوم الكتاب - ج ٧

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ٧

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٦٤٠

يجمع إلا شاذّا ، سواء كان من جموع القلّة ، أم من غيرها.

والسادسة ـ وبها قرأ أيوب السّختياني ـ : «وثنا» وهي أصل القراءة التي قبلها.

والسّابعة والثّامنة : «أثنا ووثنا» بسكون الثّاء مع الهمزة والواو ، وهي تخفيف فعل ؛ كسقف.

والتاسعة ـ وبها قرأ أبو السوار ، وكذا وجدت في مصحف عائشة ـ رضي الله عنها ـ : «إلا أوثانا» جمع «وثن» نحو : جمل وأجمال ، وجبل وأجبال.

فصل

وسمّيت أصنامهم إناثا ؛ لأنهم كانوا يلبسونها أنواع الحليّ ، ويسمونها بأسماء المؤنثات ، نحو : اللّات ، والعزّى ، ومناة ، وقد ردّ هذا بعضهم بأنّهم كانوا يسمّون بأسماء الذّكور ، نحو : هبل ، وذي الخلصة ، وفيه نظر ؛ لأن الغالب تسميتهم بأسماء الإناث ، و «مريدا» : فعيل من «مرد» أي : تجرّد للشّرّ ، ومن ه «شجرة مرداء» أي : تناثر ورقها ، ومنه : الأمرد ؛ لتجرّد وجهه من الشّعر ، والصّرح الممرّد : الذي لا يعلوه غبار من ذلك فاللّات : تأنيث الله (١) والعزّى : تأنيث العزيز.

قال الحسن : لم يكن حيّ من أحياء العرب إلا ولهم صنم يعبدونه ، ويسمى أنثى بني فلان (٢) ، ويدلّ عليه قراءة عائشة.

وقال الضّحّاك : كان (٣) بعضهم يعبد الملائكة ، وكانوا يقولون : الملائكة بنات الله (٤) ، قال ـ تعالى ـ : (الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى) [النجم : ٢٧].

وقال الحسن : قوله (إِلَّا إِناثاً) أي : إلا موتا (٥) ، وفي تسمية الأموات إناثا وجهان :

الأوّل : إن الإخبار عن الموات يكون على صيغة الإخبار عن الأنثى ، تقول : هذه الأحجار تعجبني ، كما تقول : هذه المرأة تعجبني.

الثّاني : الأنثى أخسّ (٦) من الذّكر ، والميّت أخسّ من الحيّ ، فلهذه المناسبة أطلقوا اسم الأنثى على الجمادات الموات ، والمقصود هل إنسان أجهل ممن أشرك.

__________________

(١) في ب : الإله.

(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٩ / ٢٠٩) عن الحسن وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٩٤) وزاد نسبته لسعيد بن منصور وابن المنذر.

(٣) في أ : إن.

(٤) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٩٤) وعزاه لابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك.

(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٩ / ٢٠٨) عن ابن عباس وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٠٤) وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم وأخرجه الطبري أيضا (٩ / ٢٠٨) عن الحسن بمعناه.

(٦) في ب : أخص.

٢١

قوله : (وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً) فعيل من مرد إذا عتا ، ومنه : شجرة مرداء ، أي : تناثر ورقها ، ومنه : الأمرد ؛ لتجرّد وجهه من الشّعر ، والصّرح الممرّد : الذي لا يعلوه غبار ، وقرأ (١) أبو رجاء ويروى عن عاصم «تدعون» بالخطاب.

فصل

قال المفسّرون (٢) : كان [في](٣) كلّ واحد من تلك الأوثان (٤) شيطان يتراءى للسّدنة والكهنة يكلّمهم.

وقل الزّجّاج (٥) : المراد بالشّيطان هاهنا : إبليس ؛ لقوله ـ تعالى ـ : بعد ذلك : (لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً).

وهذا قول إبليس ، ولا يبعد أنّ الذي يتراءى (٦) للسّدنة ، هو إبليس.

قوله : (لَعَنَهُ اللهُ) فيه وجهان :

أظهرهما : أنّ الجملة صفة ل «شيطانا» ، فهي في محلّ نصب.

والثاني : أنها مستأنفة : إمّا إخبار بذلك ، وإمّا دعاء عليه ، وقوله : «وقال» فيه ثلاثة أوجه :

قال الزّمخشريّ (٧) : قوله لعنه (وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ) صفتان ، يعني : شيطانا مريدا جامعا بين لعنة الله ، وهذا القول الشّنيع.

الثاني : الحال على إضمار «قد» أي : وقد قال.

الثالث : الاستئناف. و «لأتخذنّ» جواب قسم محذوف ، و (مِنْ عِبادِكَ) يجوز أن يتعلّق بالفعل قبله ، أو بمحذوف على أنّه حال من «نصيبا» ؛ لأنه في الأصل صفة نكرة قدّم عليها.

فصل

النّصيب المفروض : أي : حظا معلوما (٨) ، وهم الذين يتّبعون خطواته ، والفرض في اللغة: التّأثير ، ومنه : فرض القوس للجزء الذي يشدّ فيه الوتر ، والفريضة : ما فرضه الله على عباده حتما عليهم.

روي عنه النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال : من كلّ ألف واحد لله ، والباقي للشّيطان.

فإن قيل : العقل والنّقل يدلّان على أنّ حزب الله أقلّ من حزب الشّيطان.

__________________

(١) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ١١٣ ، والبحر المحيط ٣ / ٣٦٧.

(٢) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ٣٧.

(٣) سقط في أ.

(٤) في ب : الإناث.

(٥) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ٣٧.

(٦) في ب : يتزايا.

(٧) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ٣٨.

(٨) في ب : بمعنى خطان معلومان.

٢٢

أما النّقل : فقوله ـ تعالى ـ : (فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) [البقرة : ٢٤٩] ، وحكي عن الشيطان قوله (لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً) [الإسراء : ٦٢] ، وقوله : (وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [الحجر : ٣٩ ، ٤٠] ، ولا شك أن المخلصين قليلون.

وأمّا العقل : فهو أنّ الفسّاق والكفّار كلّهم حزب إبليس. إذا ثبت هذا ، فلفظ النّصيب إنّما يتناول القسم الأوّل.

فالجواب : أنّ هذا التّفاوت إنّما يحصل في نوع من البشر ، أمّا إذا ضممت زمرة الملائكة مع غاية كثرتهم إلى المؤمنين ، كانت الغلبة للمؤمنين.

وأيضا : فالمؤمنون وإن كانوا قليلين في العدد ، إلّا أن منصبهم عظيم عند الله ، والكفّار ، والفسّاق وإن كانوا أكثر في العدد ، فهم كالعدم ؛ فلهذا وقع اسم النّصيب على قوم إبليس.

قوله : (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ) يعني : عن الحقّ ، أو عن الهدى ، وأراد به : التّزيين ، وإلا فليس إليه من الإضلال شيء.

ولأمنّينّهم : بالباطل ، ولآمرنّهم : بالضلال ، كذا قدّره أبو البقاء (١) ، والأحسن أن يقدّر المحذوف ، من جنس الملفوظ به ، أي : ولآمرنّهم بالبتك ، ولآمرنّهم بالتّغيير.

وقرأ أبو عمرو (٢) فيما نقل عنه ابن عطيّة : «ولامرنّهم» بغير ألف ، وهو قصر شاذّ لا يقاس عليه ، ويجوز ألّا يقدّر شيء من ذلك ؛ لأنّ القصد : الإخبار بوقوع هذه الأفعال من غير نظر إلى متعلّقاتها ، نحو : (كُلُوا وَاشْرَبُوا) [الطور : ١٩].

فصل

قالت المعتزلة (٣) : قوله : «ولأضلّنّهم» يدل على أصلين عظيمين :

أحدهما : أن المضلّ هو الشّيطان ، وليس المضلّ هو الله ـ تعالى ـ ؛ لأنّ الشيطان ادّعى ذلك ، والله ـ سبحانه وتعالى ـ ما كذّبه فيه ، فهو كقوله (٤) : (وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) [الحجر : ٣٩] وقوله : (لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً) [الإسراء : ٦٢] وقوله : (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) [الأعراف : ١٦] ، وأيضا : فإنه ـ تعالى ـ وصفه بكونه مضلّا [للنّاس](٥) في معرض الذّمّ له ، وذلك يمنع من كون الإله موصوفا بذلك.

[الثاني : أن أهل السّنّة يقولون : الإضلال عبارة عن خلق الكفر والضّلال ، ونحن نقول : ليس الإضلال عبارة عن خلق الكفر والضّلال](٦) ؛ لأن إبليس وصف نفسه بأنه

__________________

(١) ينظر : الإملاء ١ / ١٩٥.

(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ١١٤ ، والبحر المحيط ٣ / ٣٧٠ ، والدر المصون ٢ / ٤٢٨.

(٣) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ٣٨.

(٤) في ب : قوله.

(٥) سقط في أ.

(٦) سقط في أ.

٢٣

مضلّ ، مع أنه بالإجماع لا يقدر على خلق الضّلال.

والجواب : أن هذا كلام إبليس ، فلا (١) يكون حجّة ، وأيضا : فكلامه في هذه المسألة مضطرب جدّا. فتارة يميل إلى القدر المحض ، وهو قوله : «لأغوينّهم» وأخرى إلى الجبر (٢) المحض ، وهو قوله : (رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي) [الحجر : ٣٩] وتارة يظهر التّردد فيه ، حيث قال : (رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا) [القصص : ٦٣] يعني : أنه قال هؤلاء الكفّار : نحن أغوينا ، فمن الذي أغوانا عن الدّين؟ فلا بدّ من انتهاء الكلّ في الآخرة إلى الله (٣).

قوله : «ولأمنّينّهم» قيل : أمنّينّهم ركوب الأهواء.

وقيل : أمنّينّهم إدراك الآخرة مع ركوب المعاصي.

قوله : (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ) أي : يقطعونها ، ويشقّونها ، وهي البحيرة ، والبتك : القطع والشّقّ ، والبتكة : القطعة من الشيء ، جمعها : بتك ، قال : [البسيط]

١٨٧٨ ـ حتّى إذا ما هوت كفّ الغلام لها

طارت وفي كفّه من ريشها بتك (٤)

ومعنى ذلك : أنّ الجاهليّة كانوا يشقّون أذن النّاقة إذا ولدت خمسة أبطن ، آخرها ذكر ، وحرّموا على أنفسهم الانتفاع بها ، وقال آخرون (٥) : كانوا يقطعون آذان الأنعام نسكا في (٦) عبادة الأوثان ، ويظنّون أنّ ذلك عبادة ، مع أنّه في نفسه كفر وفسق.

قوله : (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ) هذه اللّامات كلها للقسم.

قال ابن عبّاس ، والحسن [ومجاهد](٧) وسعيد بن جبير ، وسعيد بن المسيّب والسّدّي ، والضّحاك ، والنّخعي : دين الله (٨) ، كقوله (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) أي : لدين الله ، وفي تفسير هذا القول وجهان :

__________________

(١) في ب : ولا.

(٢) في ب : الخير.

(٣) في ب : إلى الله الآخرة.

(٤) البيت لزهير ـ ينظر ديوانه (٨٠) والبحر المحيط ٣ / ٣٦٤ والدر المصون ٢ / ٤٢٨.

(٥) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ٣٩.

(٦) في أ : تكافىء.

(٧) سقط في أ.

(٨) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٩ / ٢١٨ ـ ٢١٩) عن ابن عباس وعكرمة والضحاك ومجاهد والنخعي وقتادة وابن زيد.

وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٩٦) عن ابن عباس وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم.

وذكره أيضا (٢ / ٣٩٦) عن النخعي وزاد نسبته لسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي.

وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٩٦) عن سعيد بن جبير وعزاه لسعيد بن منصور وابن المنذر.

وذكره عن مجاهد (٢ / ٣٩٦) وزاد نسبته لعبد الرزاق وآدم بن أبي إياس وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي.

٢٤

الأول : أن الله ـ تعالى ـ فطر الخلق على الإسلام يوم أخرجهم من ظهر آدم كالذّرّ ، وأشهدهم على أنفسهم ، ألست بربّكم ؛ قالوا بلى ، فمن كفر به ، فقد غيّر فطرة الله تعالى ؛ يؤيده قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ «كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهوّدانه ، وينصّرانه ، ويمجّسانه» (١).

والثاني : أن التّغيير : تبديل الحلال حراما ، والحرام حلالا.

وقال الحسن ، وعكرمة ، وجماعة من المفسّرين : التّغيير : ما روى عبد الله [بن مسعود](٢) عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم [أنّه](٣) قال : «لعن الله الواشمات والمستوشمات» (٤).

قالوا : لأنّ المرأة تتوصّل بهذه الأفعال إلى الزّنا ، ولعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «النامصة والمتنمّصة ، والواصلة والمتوصّلة ، والواشمة والمتوشّمة» (٥).

قال القرطبي (٦) : قال مالك ، وجماعة : إن الوصل بكل شيء ، من الصّوف والخرق (٧) وغير ذلك في معنى وصله بالشّعر ، وأجازه اللّيث بن سعد ، وأباح بعضهم وضع الشّعر على الرّأس من غير وصل ، قالوا (٨) : لأن النهي إنما جاء في الوصل ، والمتنمّصة : هي التي تقطع الشّعر من وجهها بالنّماص ، وهو الذي يقلع الشّعر.

قال ابن العربيّ (٩) : وأهل مصر ينتفون شعر العانة ، وهو منه (١٠) ، فإن السّنّة حلق العانة ، ونتف الإبط ، فأما (١١) نتف الفرج فإنه يرخيه ويؤذيه ويبطل كثيرا من المنفعة فيه.

وأمّا الواشمة والمستوشمة ، فهي الّتي تغرز ظهر كفّها ومعصمها ، ووجهها بإبرة ، ثمّ يحشى ذلك المكان بالكحل أو بالنؤر ، فيخضرّ ، وفي بعض الروايات «الواشية ، والمستوشية» (١٢) بالياء مكان الميم ، والوشي : التّزيّن ، مأخوذ من نسج الثّوب على لونين ، وثور موشّى : في وجهه وقوائمه سواد ، وأما الوشم فجائز في كل الأعضاء غير

__________________

(١) تقدم.

(٢) سقط في أ.

(٣) سقط في ب.

(٤) متفق عليه وأخرجه البخاري في الصحيح ٨ / ٦٣ ، كتاب التفسير سورة الحشر باب وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ الحديث (٤٨٨٦) واللفظ له ، وأخرجه مسلم في الصحيح ٣ / ١٦٧٨ ، كتاب اللباس : باب تحريم فعل الواصلة الحديث (١٢٠ / ٢١٢٥) ، قوله : «المتنمصات» بتشديد الميم المكسورة ، هي التي تطلب إزالة الشعر من الوجه بالمنقاش ، قوله : «والمتفلجات» بكسر اللام المشددة وهي التي تطلب الفلج وهو فرجة ما بين الثنايا والرباعيات.

(٥) أخرجه البخاري في الصحيح ١٠ / ٣٧٤ ، باب وصل الشعر الحديث (٥٩٣٧) ، وأخرجه مسلم في الصحيح ٣ / ١٦٧٧ ، كتاب اللباس باب تحريم فعل الواصلة الحديث (١١٩ / ٣١٢٤).

(٦) ينظر : تفسير القرطبي ٥ / ٢٥٣.

(٧) في أ : والخوف.

(٨) في ب : قال.

(٩) ينظر : أحكام القرآن ١ / ٥٠١.

(١٠) في ب : منبته.

(١١) في ب : وأما.

(١٢) في أ : والمتوشية.

٢٥

الوجه ؛ لأن النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ «نهى عن الضّرب في الوجه (١) وعن الوشم في الوجه» (٢) ، وروي عن أنس ، وشهر بن حوشب ، وعكرمة ، وأبي صالح : التّغيير ههنا هو الإخصاء (٣) ، وقطع الآذان ، وفقأ العيون ؛ لأن فيه تعذيب للحيوان ، وتحريم وتحليل بغير دليل ، والآذان في الأنعام جمال ومنفعة ، وكذلك غيرها من الأعضاء ، فحرّم عليهم الشّيطان ما أحلّه الله (٤) لهم ، وأمرهم أن يشركوا بالله ما لم ينزّل به سلطانا ، ولما كان هذا من فعل الشّيطان ، أمرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن نستشرف العين والأذن ، ولا نضحّي بعوراء ، ولا مقابلة ، ولا مدابرة (٥) ؛ ولهذا كان أنس (٦) يكره إخصاء الغنم ، وحرمه بعضهم.

قال القرطبي (٧) : فأما خصاء الآدميّ ، فمصيبة ، فإنّه إذا خصي ، بطل قلبه وقوّته ، عكس الحيوان ، وانقطع نسله المأمور به في قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «تناكحوا تناسلوا» (٨) ثم إن فيه (٩) ألما عظيما ، ربما يفضي بصاحبه إلى الهلاك ، فيكون [فيه](١٠) تضييع مال ، وإذهاب نفس ، وكل ذلك منهيّ عنه ، ثم هذه مثلة ، وقد نهى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن المثلة (١١) ، وجوّز بعضهم

__________________

(١) أخرجه أحمد في «مسنده» (٢ / ١١٨).

(٢) أخرجه النسائي (٨ / ١٤٩) وأحمد (٤ / ١٣٤) من حديث أبي ريحانة.

(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٩ / ٢١٥ ـ ٢١٦) عن أنس وعكرمة وشهر بن حوشب.

وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٩٥) عنهم وزاد نسبته لعبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن أنس ، وعبد الرزاق وعبد بن حميد عن شهر بن حوشب ، وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة.

(٤) في ب : أصل.

(٥) أخرجه أحمد في المسند ١ / ١٥٠ ، ضمن مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وأخرجه أبو داود في السنن ٣ / ٢٢٧ ـ ٢٢٨ ، كتاب الضحايا : باب الأضحية عن الميت الحديث (٢٧٩٠) وأخرجه الترمذي في السنن ٤ / ٨٤ ، كتاب الأضاحي باب ما جاء في الأضحية عن الميت الحديث (١٤٩٥) «وحنش» قال عنه المنذري في مختصر سنن أبي داود ٤ / ٩٥ ، كتاب الضحايا ، باب الأضحية عن الميت ، الحديث (٢٦٧٢): (وهو أبو المعتمر الكناني الصنعاني) وقد أخطأ في قوله : «الصنعاني» إذ الصنعاني كنيته «أبو رشدين». وقال عنه القاري في مرقاة المفاتيح ٢ / ٢٦٥ : (هو ابن عبد الله السبائي قيل : إنه كان مع علي بالكوفة ، وقدم مصر بعد قتل علي) وهذا خطأ! لأن «حنش» المذكور في الحديث كما ترجمه المزي في تهذيب الكمال ١ / ٣٤٢ هو : (حنش بن المعتمر ، ويقال : ابن ربيعة الكناني ، أبو المعتمر الكوفي) لأن الراوي عن «حنش» هو «الحكم بن عتيبة» لا يروي إلا عن «حنش بن المعتمر» فتقرّر أنه المراد ، وليس الصنعاني.

(٦) في ب : النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٧) ينظر : تفسير القرطبي ٥ / ٢٥١.

(٨) تقدم.

(٩) في ب : قيد الماء.

(١٠) سقط في أ.

(١١) أخرجه أحمد (٥ / ١٢ ، ٢٠) وأبو داود (٣ / ١٢٠) كتاب الجهاد : باب النهي عن المثلة حديث (٢٦٦٧) والبيهقي (٩ / ٦٩) من حديث سمرة وأخرجه البخاري (٩ / ٦٤٣) كتاب الصيد والذبائح : باب ما يكره من المثلة (٥٥١٦) والبيهقي (٩ / ٦٩) من حديث عبد الله بن يزيد. وأخرجه ابن أبي شيبة (٩ / ٤٢١) وأحمد (٤ / ٢٤٦) والطبراني كما في «مجمع الزوائد» (٦ / ٢٤٨) من حديث المغيرة بن شعبة.

٢٦

في البهائم ؛ لأن فيه غرضا ، وكانت العرب إذا بلغت (١) إبل أحدهم ألفا عوّروا عين فحلها.

وحكى الزّجّاج عن بعضهم : التّغيير هو أن الله ـ تعالى ـ خلق الأنعام للرّكوب والأكل ، فحربوها ، وخلق الشّمس ، والقمر ، والنّجوم ، والأحجار لمنفعة العباد ، فعبدوها من دون الله.

وقيل : التّغيير هو التّخنّث (٢) ؛ وهو عبارة عن الذكر يشبه الأنثى والسّحق ؛ عبارة عن تشبّه (٣) الأنثى بالذّكر.

ثم قال : (وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ) أي : ربّا يطيعه ، (فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً) لأن طاعة الله تعالى تفيد المنافع العظيمة ، الدّائمة ، الخالصة عن شوائب الضّرر ، وطاعة الشّيطان تفيد المنافع القليلة ، المنقطعة ، المشوبة بالغموم والأحزان ، ويعمها (٤) العذاب الدّائم ، وهذا هو الخسار المطلق.

قال أبو العبّاس المقري : ورد لفظ الخسران [في القرآن](٥) على أربعة أوجه :

الأوّل : بمعنى الضّلالة ؛ كهذه الآية.

الثّاني : بمعنى العجز ؛ قال ـ تعالى ـ : (لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ) [يوسف : ١٤] أي : عاجزون ومثله : (لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ) [الأعراف : ٩٠].

الثّالث : بمعنى الغبن ؛ قال ـ تعالى ـ : (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) [المؤمنون : ١٠٣] أي : غبنوا أنفسهم.

الرابع : بمعنى : المخسرون ؛ قال ـ تعالى ـ : (خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ)(٦) [الحج : ١١].

قوله : (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ) ، قرىء (٧) : «يعدهم» بسكون الدّال تخفيفا ؛ لتوالي الحركات ، ومفعول الوعد محذوف ، أي : يعدهم الباطل أو السلامة والعافية ووعده وتمنيته : ما يوقعه (٨) في قلب الإنسان من طول العمر ، ونيل الدّنيا ، وقد يكون بالتّخويف بالفقر ، فيمنعه من الإنفاق ، وصلة الرّحم ؛ كما قال ـ تعالى ـ : (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ) [البقرة : ٢٦٨] و «يمنيهم» بأن لا بعث ، ولا جنّة ، (وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً) أي :

__________________

(١) في أ : تلقّت.

(٢) في أ : المخنث.

(٣) في ب : تشبيه.

(٤) في ب : ويعقها.

(٥) سقط في ب.

(٦) سقط في ب.

(٧) ينظر : الدر المصون ٢ / ٤٢٨.

(٨) في أ : يوقع.

٢٧

باطلا ؛ لأنّ تلك الأماني لا تفيد إلا المغرور (١) ؛ وهو أن يظنّ الإنسان بالشيء أنه نافع لدينه ، ثم يتبيّن اشتماله على أعظم المضارّ.

قوله (إِلَّا غُرُوراً) يحتمل أن يكون مفعولا ثانيا ، وأن يكون مفعولا من أجله ، وأن يكون نعت مصدر محذوف ، أي : وعدا ذا غرور ، وأن يكون مصدرا على غير الصّدر ؛ لأنّ «يعدهم» في قوة يغرّهم بوعده.

(فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) «أولئك» : مبتدأ ، و «مأواهم» : مبتدأ ثان ، و «جهنم» : خبر الثّاني ، [والجملة خبر الأوّل](٢) وإنما قال : (مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) ؛ لأن الغرور عبارة عن الحالة التي يستحسن ظاهرها ، ويحصل النّدم عند انكشاف الحال فيها ، والاستغراق في طيّبات الدّنيا ، وفي معاصي الله ـ تعالى ـ ، وإن كان في الحال لذيذ ، إلا أن عاقبته جهنّم ، وسخط الله[ـ تعالى ـ](٣) وهذا معنى الغرور.

ثم قال (وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً) ، فقوله «عنها» : يجوز أن يتعلّق بمحذوف :

إمّا على الحال من «محيصا» لأنّه في الأصل صفة نكرة قدّمت عليها ، وإمّا على التّبيين ، أي : أعني عنها ، ولا يجوز تعلّقه بمحذوف ؛ لأنه لا يتعدّى ب «عن» ولا ب «محيصا» ، وإن كان المعنى عليه لأنّ المصدر لا يتقدّم معموله عليه ، ومن يجوز ذلك ، يجوّز تعلّق «عن» به ، والمحيص : اسم مصدر من حاص يحيص : إذا خلص ونجا ، وقيل : هو الزّوغان بنفور ، ومنه قوله : [الطويل]

١٨٧٩ ـ ولم ندر إن حصنا من الموت حيصة

كم العمر باق والمدى متطاول (٤)

ويروي : «جضنا» بالجيم والضّاد المعجمة ، ومنه : «وقعوا في حيص بيص» ، وحاص باص ، أي : وقعوا في أمر يعسر التّخلّص منه ، ويقال : محيص ومحاص ، قال : [الكامل]

١٨٨٠ ـ أتحيص من حكم المنيّة جاهدا

ما للرّجال عن المنون محاص (٥)

ويقال : حاص يحوص حوصا وحياصا أي : زايل المكان الذي كان فيه ، والحوص : ضيق مؤخر العين ، ومنه : الأحوص.

قال الواحدي (٦) : الآية تحتمل وجهين :

أحدهما : أنه لا بدّ لهم من ورود النّار.

والثّاني : الخلود الذي هو نصيب الكفّار.

__________________

(١) في ب : الغرور.

(٢) سقط في أ.

(٣) سقط في أ.

(٤) البيت لجعفر الحارثي ينظر الحماسة ١ / ٦٤ والبحر المحيط ٣ / ٣٦٤ والدر المصون ٢ / ٤٢٨.

(٥) ينظر البيت في البحر المحيط ٣ / ٣٦٤ والدر المصون ٢ / ٤٢٨.

(٦) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ٤١.

٢٨

ولما فرغ من الوعيد ، أتبعه بذكر الوعد.

وهو قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً)(١٢٢)

يجوز في (وَالَّذِينَ آمَنُوا) : وجهان :

الرفع على الابتداء ، والخبر : «سندخلهم».

والنّصب على الاشتغال ، أي : سندخل الذين آمنوا سندخلهم ، وقرىء (٢) : «سيدخلهم» بياء الغيبة.

واعلم : أنه ـ تعالى ـ في أكثر آيات الوعد ذكر (خالِدِينَ فِيها أَبَداً) ولو كان الخلود يفيد التأبيد والدوام ، لزم التكرار وهو خلاف الأصل ، فعلمنا (٣) أن الخلود عبارة عن طول المكث لا عن الدّوام ، وأما في آيات الوعيد ، فإنه يذكر الخلود ، ولم يذكر التّأبيد إلّا في حقّ الكفار ، وذلك يدلّ على أن عقاب الفساق منقطع.

قوله : (وَعْدَ اللهِ حَقًّا) هما مصدران ، الأول مؤكّد لنفسه ؛ كأنه قال وعد وعدا ، وهو قوله : «سندخلهم» و «حقّا» : مصدر مؤكّد لغيره ، وهو قوله : (وَعْدَ اللهِ) أي : حقّ ذلك حقّا.

قوله : (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً) وهو توكيد ثالث ، و «قيلا» : نصب على التّمييز ، والقيل ، والقول ، والقال : مصادر بمعنى واحد ؛ ومنه قوله ـ تعالى ـ : (وَقِيلِهِ يا رَبِ) [الزخرف : ٨٨].

وقال ابن السّكّيت : القيل والقال : اسمان لا مصدران ، وفائدة هذه التّوكيدات : معارضة ما ذكره الشّيطان من المواعيد الكاذبة والأماني الباطلة ، والتنبيه على أن وعد الله أولى بالقبول ، وأحقّ بالتّصديق من قول الشّيطان.

وقرأ حمزة (٤) ، والكسائيّ : بإشمام الصّاد ، وكل صاد ساكنة بعدها دال في القرآن.

قوله تعالى : (لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (١٢٣) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً) (١٢٤)

(٥) قرأ (٦) أبو جعفر المدني [ليس](٧) بأمانيكم ولا أمانى بتخفيف الياء فيهما جميعا ،

__________________

(١) سقط في ب.

(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ١١٥ ، والبحر المحيط ٣ / ٣٧٠ ، والدر المصون ٢ / ٤٢٨.

(٣) في أ : فلعلمنا.

(٤) تقدمت في الآية ٨٧.

(٥) سقط في ب.

(٦) ينظر : إتحاف ١ / ٥٢٠ ، وشرح الطيبة ٤ / ٢١٩ ، والمحرر الوجيز ٢ / ١١٥ ، ونسبها ابن عطية إلى الحسن وشيبة بن نصاح والحكم والأعرج. وينظر : البحر المحيط ٣ / ٣٧١ ، والدر المصون ٢ / ٤٢٩.

(٧) سقط في ب.

٢٩

واعلم : أن «ليس» فعل ، فلا بد من اسم يكون هو مسندا إليه ، وفيه خلاف :

فقيل : يعود ضميرها على ملفوظ به ، وقيل : يعود على ما دلّ عليه اللّفظ من الفعل وقيل: يدلّ عليه سبب الآية.

فأمّا عوده على ملفوظ به فقيل : هو الوعد المتقدّم في قوله : (وَعْدَ اللهِ) وهذا اختيار الزّمخشري ؛ قال : «في ليس ضمير وعد الله أي : ليس ينال ما وعد الله من الثّواب بأمانيّكم ولا بأماني أهل الكتاب ، والخطاب للمسلمين ؛ لأنّه لا يؤمن بوعد الله إلا من آمن به».

وأمّا عوده على ما يدلّ عليه اللّفظ ، فقيل : هو الإيمان المفهوم من قوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا) وهو قول الحسن ، وعنه : «ليس الإيمان بالتّمنّي».

وأمّا عوده على ما يدلّ عليه السبب ، فقيل : يعود على مجاورة المسلمين مع أهل الكتاب ، وذلك أنّ بعضهم قال : «ديننا قبل دينكم ، ونبيّنا قبل نبيّكم ؛ فنحن أفضل» ، وقال المسلمون : «كتابنا يقضي على كتابكم ، ونبينا خاتم الأنبياء» فنزلت.

وقيل : يعود على الثّواب والعقاب ، أي : ليس الثّواب على الحسنات ، ولا العقاب على السّيّئات بأمانيكم.

وقيل : قالت اليهود (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) [المائدة : ١٨] ، ونحن أصحاب الجنّة ، وكذلك النّصارى ، وقالت كفّار قريش : لا نبعث ؛ فنزلت ، أي : ليس ما ادّعيتموه يا كفّار قريش بأمانيّكم.

وقرأ الحسن (١) ، وأبو جعفر ، وشيبة بن نصاح ، والحكم ، والأعرج : «أمانيكم» ، «ولا أماني» بالتّخفيف كأنّهم جمعوه على فعالل دون فعاليل ؛ كما قالوا : قرقور وقراقير وقراقر ، والعرب تنقص من فعاليل الياء ، كما تزيدها في فعالل ، نحو قوله :

١٨٨١ ـ ................

 ... تنقاد الصّياريف(٢)

فصل

قال مسروق ، وقتادة ، والضّحّاك : أراد : ليس بأمانيّكم أيها المسلمون ولا أمانيّ أهل الكتاب ، يعني : اليهود والنّصارى ؛ وذلك أنّهم افتخروا ، فقال أهل الكتاب : نبيّنا قبل نبيّكم ، وكتابنا قبل كتابكم ، فنحن أولى بالله منكم.

وقال المسلمون : نبينا خاتم الأنبياء ، وكتابنا يقضي على الكتب وقد آمنّا بكتابكم ، ولم تؤمنوا بكتابنا ؛ فنحن أولى (٣).

__________________

(١) ينظر : القراءة السابقة.

(٢) تقدم برقم ٧٤٨.

(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٩ / ٢٢٨ ـ ٢٢٩) عن مسروق وقتادة والضحاك. ـ ـ وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٩٨) عن مسروق وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور وابن المنذر.

وذكره عن قتادة (٢ / ٣٩٩) وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وذكره أيضا عن الضحاك (٢ / ٣٩٩) وزاد نسبته لابن المنذر من طريق جويبر عنه.

٣٠

وقال مجاهد : الآية خطاب لعبدة الأوثان ، يعني : مشركي أهل مكّة ، وذلك أنّهم قالوا : لا بعث ولا حساب ، وقال أهل الكتاب : (لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً)(١) [البقرة : ٨٠] ، و (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) [البقرة : ١١١] ، فأنزل الله الآية (٢) ، وإنما الأمر بالعمل الصّالح.

قوله : (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) : جملة مستأنفة مؤكّدة لحكم الجملة قبلها.

قالت المعتزلة : هذه الآية دالّة على أنّه [ـ تعالى ـ](٣) لا يعفو عن شيء من السّيّئات.

وليس لقائل أن يقول : هذا يشكل بالصّغائر ، فإنها مغفورة.

فالجواب عنه من وجهين :

الأول : أن العامّ بعد التّخصيص حجّة.

والثاني : أن صاحب الصّغيرة قد حبط من ثواب طاعته بمقدار عقاب تلك المعصية ، فههنا قد وصل خبر تلك المعصية إليه.

وأجابوا بأنه لم لا يجوز أن يكون المراد من هذا الجزاء ما يصل إلى الإنسان [في الدّنيا](٤) من الهموم والآلام والأسقام (٥) ؛ ويدلّ على ذلك قوله : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا) [المائدة : ٣٨] سمّى القطع جزاء.

وروي : أنّه لما نزلت هذه الآية قال أبو بكر الصّدّيق ـ رضي الله عنه ـ كيف الصّلاح بعد هذه الآية؟ ، فقال ـ [عليه الصلاة والسلام](٦) ـ غفر الله لك يا أبا بكر ، ألست تمرض؟ أليس تصيبك الآلام؟ فهو ما تجزون به (٧).

__________________

(١) في ب : معدودات.

(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٩ / ٢٢٣) عن مجاهد وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٩٨) وزاد نسبته لسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(٣) سقط في ب.

(٤) سقط في ب.

(٥) في أ : والانتقام.

(٦) سقط في أ.

(٧) أخرجه أحمد (١١) وابن حبان (١٧٣٧ ـ موارد) والحاكم (٣ / ٧٤ ـ ٧٥) والبيهقي (٣ / ٣٧٣) والطبري في «تفسيره» (٩ / ٢٤٩) وأبو يعلى (١ / ٩٧) من حديث أبي بكر الصديق.

وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٤٠٠) وزاد نسبته لهناد وعبد بن حميد والحكيم الترمذي وابن المنذر وابن السني ف ي «عمل اليوم والليلة» والضياء المقدسي في «الأحاديث المختارة».

٣١

وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ [أن](١) رجلا لما قرأ هذه الآية. فقال : [إن كان](٢) الجزاء بكلّ ما نعمل ، لقد هلكنا ، فبلغ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم كلامه ؛ فقال : يجزى المؤمن في الدنيا بمصيبة في جسده وما يؤذيه (٣).

وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ : لمّا نزلت هذه الآية بكينا ، وحزنا ، وقلنا : يا رسول الله ، ما أبقت (٤) هذه [الآية](٥) لنا شيئا ، فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «أبشروا فإنّه لا يصيب أحدا منكم مصيبة في الدّنيا ، إلا جعلها (٦) الله له كفّارة ؛ حتّى الشّوكة التي تقع في قدمه»(٧).

وأيضا : هب أن ذلك الجزاء إنّما يصل إليهم يوم القيامة ، لكن لم لا يجوز أن يصل الجزاء بتنقيص ثواب إيمانه ، وسائر طاعاته ؛ كقوله (٨) ـ تعالى ـ : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) [هود : ١١٥].

ولما روى الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عبّاس ، أنّه قال : لمّا نزلت هذه الآية شقت على المؤمنين مشقّة شديدة ، قالوا : يا رسول الله ، وأيّنا لم يعمل سوءا ، فكيف الجزاء؟ فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : إنّه ـ تعالى ـ وعد على الطّاعة عشر حسنات ، وعلى المعصية الواحدة عقوبة واحدة ، فمن جوزي بالسّيّئة ، نقصت واحدة من عشرة ، وبقيت له تسع حسنات ، فويل لمن غلب آحاده أعشاره (٩).

وأيضا : فهذه الآية إنّما نزلت في الكفّار ؛ لقوله [ـ تعالى ـ](١٠) بعدها : (وَمَنْ

__________________

(١) سقط في ب.

(٢) سقط في أ.

(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٩ / ٢٤٤) وأحمد (٦ / ٦٥ ـ ٦٦) وابن حبان (٧٣٦ ـ موارد) وأبو يعلى (٨ / ١٣٥) رقم (٤٦٧٥) من حديث عائشة.

والحديث ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٧ / ١٢) وعزاه لأحمد وأبي يعلى وقال : ورجالهما رجال الصحيح.

وذكره السيوطي أيضا في «الدر المنثور» (٢ / ٤٠١) وزاد نسبته لسعيد بن منصور والبخاري في «التاريخ الكبير» والبيهقي في «شعب الإيمان».

(٤) في ب : أثبتت.

(٥) سقط في ب.

(٦) في ب : جعل.

(٧) أخرجه أحمد (٧٣٨٠ ـ شاكر) ومسلم كتاب البر والصلة : باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن ... والترمذي (٥ / ٢٣١) رقم (٣٠٣٨) والطبري في «التفسير» (٩ / ٢٤٠) والبيهقي (٣ / ٣٧٣) من حديث أبي هريرة.

وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب.

وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٤٠١) وزاد نسبته لسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن مردويه.

(٨) في ب : لقوله.

(٩) الأثر ذكره الرازي في «التفسير الكبير» (١١ / ٤٣) من روآية الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس.

(١٠) سقط في ب.

٣٢

يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ).

فالمؤمن الذي أطاع الله سبعين سنة ، ثم شرب قطرة من الخمر ، فهو مؤمن قد عمل الصّالحات ؛ فوجب القطع بأنّه يدخل الجنّة.

وقولهم : خرج عن كونه مؤمنا ، فهو باطل ؛ للدلالة الدّالّة على أنّ صاحب الكبيرة مؤمن ؛ لقوله ـ تعالى ـ : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) إلى قوله : (فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى) [الحجرات : ٩] سمّى الباغي حال كونه باغيا : مؤمنا ، وقوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى) [البقرة : ١٧٨] سمّى [قاتل العمد العدوان مؤمنا](١) ، وقوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً) [التحريم : ٨] سمّاه مؤمنا حال ما أمره بالتّوبة ، وإذا ثبت أنّ صاحب الكبيرة مؤمن ، كان قوله [ـ تعالى ـ](٢)(وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ) حجّة في أنّ المؤمن صاحب الكبيرة من أهل الجنّة ؛ فوجب أن يكون قوله : (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) مخصوصا بأهل الكفر.

وأيضا : فهب أنّ النّصّ (٣) يعمّ المؤمن والكافر ، لكن قوله : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النساء : ٤٨] أخص منه ، والخاصّ مقدّم على العامّ ، والكلام على (٤) العمومات قد تقدّم في قوله : (بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً) [البقرة : ٨١].

فصل في دلالة الآية على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة

دلت الآية على أنّ الكفّار مخاطبون بفروع الإسلام ؛ لأن قوله ـ تعالى ـ : (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً) يتناول جميع المحرّمات ، فيدخل فيه ما صدر عن (٥) الكفّار مما هو محرّم في دين الإسلام ، وقوله : «يجز به» يدلّ على وصول جزاء كل ذلك إليهم.

فإن قيل : لم [لا](٦) يجوز أن يكون ذلك الجزاء ، عبارة عمّا يصل إليهم من الهموم والغموم في الدّنيا.

فالجواب أنّه لا بدّ وأن يصل جزاء أعمالهم الحسنة إليهم في الآخرة ، وإذا كان كذلك ، اقتضى أن يكون تنعّمهم في الدّنيا أكثر ؛ ولذلك قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ «الدّنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر» (٧) ؛ فامتنع القول بأنّ جزاء أفعالهم المحظورة (٨) تصل

__________________

(١) سقط في ب.

(٢) سقط في ب.

(٣) في ب : النصب.

(٤) في ب : في.

(٥) في ب : من.

(٦) سقط في ب.

(٧) أخرجه مسلم (٤ / ٢٢٧٢) كتاب الزهد حديث (١ / ٢٩٥٦) والترمذي (٤ / ٤٨٦) كتاب الزهد : باب ما جاء أن الدنيا سجن المؤمن حديث (٤ / ٢٣٢) وابن ماجه (٢ / ١٣٧٨) كتاب الزهد : باب مثل الدنيا حديث (٤١١٣) من حديث أبي هريرة.

(٨) في ب : المحصورة.

٣٣

إليهم في الدّنيا ؛ فوجب القول بوصول ذلك الجزاء [إليهم](١) في الآخرة.

فصل في شبهة المعتزلة وردّها

قالت المعتزلة : دلت [هذه](٢) الآية على أنّ العبد فاعل ، وعلى أنّه بعمل السّوء يستحقّ الجزاء ، وإذا كان كذلك ، دلّت على أنّ الله غير خالق لأفعال العباد من وجهين :

أحدهما : أنه لما كان عملا للعبد ، امتنع كونه عملا لله ؛ لامتناع حصول مقدور واحد بقادرين.

والثاني : أنه لو حصل بخلق الله ، لما استحقّ العبد جزاء ألبتّة ، وذلك باطل ؛ لأن الآية دلّت على أن العبد يستحقّ الجزاء على عمله ، وقد تقدّم الجواب عن هذا الاستدلال.

قوله : (وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) قرأ الجمهور بجزم «يجد» ، عطفا على جواب الشرط ، وروي عن ابن عامر (٣) رفعه ، وهو على القطع عن النسق. ثم يحتمل أن يكون مستأنفا وأن يكون حالا ، كذا قيل ، وفيه نظر من حيث إنّ المضارع المنفي ب «لا» لا يقترن بالواو إذا وقع حالا.

فصل في شبهة المعتزلة بنفي الشفاعة وردها

قالت المعتزلة : [دلت](٤) الآية على نفي الشّفاعة ، وأجابوا (٥) بوجهين :

أحدهما : أنا بيّنا (٦) أن هذه الآية في حقّ الكفّار.

والثّاني : أن شفاعة الأنبياء والملائكة في حقّ العصاة ، إنّما تكون بإذن الله ـ تعالى ـ ، وإذا كان كذلك ، فلا وليّ لأحد ولا نصير ، إلا الله ـ سبحانه وتعالى ـ.

قوله : (وَمَنْ يَعْمَلْمِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ) «من» الأولى : للتّبعيض ؛ لأنّ المكلّف لا يطيق عمل كل الصّالحات.

وقال الطّبري : «هي زائدة عند قوم» وفيه ضعف ، لعدم الشّرطين ، و «من» الثانية للتبيين ، وأجاز أبو البقاء (٧) أن تكون حالا ، وفي صاحبها وجهان :

أحدهما : أنه الضّمير المرفوع ب «يعمل».

والثاني : أنه الصّالحات ، أي : الصالحات كائنة من ذكر أو أنثى ، وقد تقدّم إيضاح هذا في قوله : (لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى) [آل عمران : ١٩٥] والكلام على

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) سقط في ب.

(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ١١٦ ، والبحر المحيط ٣ / ٣٧٢ ، والدر المصون ٢ / ٤٢٩.

(٤) سقط في ب.

(٥) في ب : وأجيبوا.

(٦) في ب : أثبتنا.

(٧) ينظر : الإملاء ١ / ١٩٥.

٣٤

«أو» أيضا ، وقوله : (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) جملة حاليّة من فاعل «يعمل».

[قوله «يدخلون»] قرأ أبو عمرو ، وابن كثير ، وأبو بكر عن عاصم (١) : «يدخلون» هنا ، وفي مريم ، وأوّل غافر بضم حرف المضارعة ، وفتح الخاء مبنيا للمفعول ، وانفرد ابن كثير وأبو بكر بثانية غافر ، وأبو عمرو بالتي في فاطر ، والباقون : بفتح حرف المضارعة ، وضمّ الخاء مبنيا للفاعل ، وذلك للتفنّن في البلاغة. والأوّل أحسن ؛ لأنّه أفخم ، ولكونه موافقا لقوله : (وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً).

وأما القراءة الثّانية : فهي مطابقة لقوله : (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ) [الزخرف : ٧٠] ، ولقوله (ادْخُلُوها بِسَلامٍ) [الحجر : ٤٦].

والنقير : النّقرة في ظهر النّواة ، منها تنبت النّخلة ، والمعنى : أنّهم لا ينقصون قدر منبت النّواة.

فإن قيل : لم خصّ الله الصالحين بأنّهم لا يظلمون ، مع أنّ غيرهم كذلك ؛ كما قال : (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [فصلت : ٤٦] ، وقوله (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ) [آل عمران : ١٠٨].

فالجواب : من وجهين :

الأول : أن يكون الرّاجع في قوله : (وَلا يُظْلَمُونَ) عائدا إلى عمّال السّوء ، وعمّال (٢) الصّالحات جميعا.

والثّاني : أن من لا ينقص من الثّواب ، أولى بأن لا يزيد في العقاب.

روى الأعمش ، عن أبي الضّحى (٣) ، عن مسروق ، قال : لمّا نزل (لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) قال أهل الكتاب : نحن وأنتم سواء ، فنزلت : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ) الآية ، ونزل أيضا : (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ).

فصل : صاحب الكبيرة لا يخلد في النار

وهذه الآية من أدلّ الدّلائل على أن صاحب الكبيرة لا يخلّد [في النّار](٤) بل ينقل (٥) إلى الجنّة ؛ لأنّا بينّا أن صاحب الكبيرة مؤمن ، وإذا ثبت ذلك ، وكان قد عمل الصّالحات ، وجب أن يدخل الجنّة ، لهذه الآية ، ولزم بحكم الآيات الدّالّة على وعيد الفسّاق أن يدخل النّار ، فإمّا (٦) أن يدخل النّار (٧) ، ثم ينتقل إلى النّار ، وذلك باطل

__________________

(١) ينظر : حجة القراءات ٢٣٧ ـ ٢٣٨ ، والحجة ٣ / ١٨١ ، ١٨٢ ، والعنوان ٨٥ ، وإعراب القراءات ١ / ١٣٨ ، وشرح شعلة ٣٤٣ ، وشرح الطيبة ٤ / ٢١٥ ، وإتحاف ١ / ٥٢١.

(٢) في أ : وعمل.

(٣) في أ : الضحاك.

(٤) سقط في ب.

(٥) في ب : ينتقل.

(٦) في ب : وأما.

(٧) في ب : الجنة.

٣٥

بالإجماع ، أو يدخل النّار ، ثم ينتقل إلى الجنّة ، وذلك هو المطلوب.

قوله تعالى : (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً)(١٢٥)

لما شرط في حصول النّجاة والفوز بالجنّة كون الإنسان مؤمنا ، شرح ههنا الإيمان ، وبيّن فضله من وجهين :

أحدهما : أنّه الدّين المشتمل (١) على العبوديّة والانقياد لله ـ تعالى ـ.

والثاني : أنه دين إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ ، وكل واحد من هذين الوجهين سبب مستقلّ (٢) في التّرغيب في دين الإسلام.

أما الأوّل : فإن دين الإسلام مبنيّ على الاعتقاد والعمل.

أما الاعتقاد : فإليه الإشارة بقوله : (أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) لأن الإسلام هو الانقياد ، والاستسلام ، والخضوع ، وذكر الوجه ؛ لأنه أحسن الأعضاء الظّاهرة ، فإذا عرف ربه بقلبه ، وأقرّ بربوبيّته ، وبعبوديّة (٣) نفسه ، فقد أسلم وجهه لله.

وأمّا العمل فإليه الإشارة بقوله : (وَهُوَ مُحْسِنٌ) فيدخل فيه فعل الحسنات وترك السّيّئات ، فاحتوت هذه اللّفظة على جميع الأغراض ، وفيها تنبيه على فساد طريقة من استعان بغير الله ؛ فإن المشركين يستعينون بالأصنام ، ويقولون : هؤلاء شفعاؤنا عند الله ، والدهرية والطّبيعيّون يستعينون بالأفلاك ، [والكواكب](٤) ، والطبائع ، وغيرها ، واليهود يستعينون في دفع عقاب الآخرة عنهم بكونهم من أولاد الأنبياء ، والنّصارى يقولون : ثالث ثلاثة ، وأما المعتزلة : فهم في الحقيقة ما أسلمت وجوههم لله ؛ لأنهم يرون (٥) [أنّ] الطاعة الموجبة لثوابهم من أنفسهم ، والمعصية الموجبة لعقابهم من أنفسهم ، فهم في الحقيقة لا يرجون إلا أنفسهم (٦) ، ولا يخافون إلا أنفسهم ، وأهل السّنّة : فوّضوا التّدبير ، والتّكوين والخلق ، والإبداع إلى الله ـ تعالى ـ ، واعتقدوا أن لا موجد ولا مؤثّر إلا الله [تعالى](٧) فهم الذين أسلموا وجوههم لله.

وأما الوجه الثّاني : وهو أنّ محمّدا ـ عليه الصلاة والسلام ـ إنما دعى الخلق إلى دين إبراهيم ـ [عليه الصلاة والسلام ـ ، وإبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ](٨) إنّما كان يدعو إلى الله ـ تعالى ـ ، لا إلى [عبادة] فلك ولا طاعة كوكب ، ولا سجود لصنم ، ولا

__________________

(١) في ب : لم يشتمل.

(٢) في ب : مستقل.

(٣) في ب : وبعبوديته.

(٤) سقط في ب.

(٥) في ب : يريدون.

(٦) في ب : «لأنفسهم».

(٧) سقط في أ.

(٨) سقط في أ.

٣٦

استعانة بطبيعة (١) ؛ بل كانت دعوته إلى الله ـ تعالى ـ كما قال : (إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) [الأنعام : ٧٨] ودعوة محمّد ـ عليه الصلاة والسلام ـ كانت قريبة من شرع إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ في الختان ، وفي الأعمال المتعلّقة بالكعبة ؛ كالصّلاة إليها ، والطّواف [والسّعي](٢) والرّمي ، والوقوف ، والحلق ، والكلمات العشر المذكورة في قوله : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ) [البقرة : ١٢٤].

وإذا ثبت أنّ شرع محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان قريبا من شرع إبراهيم [ثم إنّ شرع إبراهيم](٣) مقبول عند الكلّ لأن العرب لا يفتخرون بشيء كافتخارهم بالانتساب إلى إبراهيم ـ [عليه الصلاة والسلام](٤) ـ ، وأما اليهود والنّصارى فلا شكّ في كونهم مفتخرين به ، وإذا ثبت هذا ، لزم أن يكون شرع محمّد ـ [صلى‌الله‌عليه‌وسلم](٥) ـ مقبولا عند الكلّ.

قوله : (مِمَّنْ أَسْلَمَ) : متعلّق ب «أحسن» فهي «من» الجارّة للمفضول ، و «لله» متعلّق ب «أسلم» ، وأجاز أبو البقاء (٦) أن يتعلّق بمحذوف على أنّه حال من «وجهه» وفيه نظر لا يخفى ، (وَهُوَ مُحْسِنٌ) ، حال من فاعل «أسلم».

ومعنى «أسلم وجهه لله» : أخلص عمله لله ، وقيل : فوض أمره إلى الله ، (وَهُوَ مُحْسِنٌ) أي : موحّد. و «اتّبع» يجوز أن يكون عطفا على «أسلم» وهو الظّاهر ، وأن يكون حالا ثانية من فاعل «أسلم» بإضمار «قد» عند من يشترط ذلك ، وقد تقدّم الكلام على «حنيفا» في البقرة ، إلا أنّه يجوز هنا أن يكون حالا من فاعل «اتبع».

فصل

(مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) دين إبراهيم ، «حنيفا» أي : مسلما مخلصا (٧).

فإن قيل ظاهر هذه الآية يقتضي أنّ شرع محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ نفس شرع إبراهيم ، وعلى هذا لم يكن لمحمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ شريعة مستقلّة ، وأنتم لا تقولون بذلك.

فالجواب : أن شريعة محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ تشبه أكثر شريعة إبراهيم.

قال ابن عبّاس (٨) : ومن دين إبراهيم : الصّلاة إلى الكعبة ، والطّواف بها ، ومناسك الحجّ ، وإنما خصّ بها إبراهيم ـ [عليه والصلاة والسلام](٩) ـ ؛ لأنه كان مقبولا عند جميع الأمم ، وقيل : إنّه بعث على ملّة إبراهيم ، وزيدت له أشياء.

__________________

(١) في ب : بطبعه.

(٢) سقط في ب.

(٣) سقط في أ.

(٤) سقط في أ.

(٥) سقط في أ.

(٦) ينظر : الإملاء ١ / ١٩٥.

(٧) في ب : خالصا.

(٨) تقدم.

(٩) سقط في أ.

٣٧

قوله : (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) فيه وجهان وذلك أنّ «اتّخذ» إن عدّيناها لاثنين ، كان مفعولا ثانيا ، وإلا كان حالا ، وهذه الجملة عطف على الجملة الاستفهامية التي معناها الخبر ، نبّهت على شرف المتبوع وأنه جدير بأن يتّبع لاصطفاء الله له بالخلّة ، ولا يجوز عطفها على ما قبلها لعدم صلاحيّتها صلة للموصول.

وجعلها الزّمخشري جملة معترضة ، قال : «فإن قلت ما محلّ هذه الجملة؟ قلت : لا محلّ لها من الإعراب ؛ لأنّها من جمل الاعتراضات ، نحو ما يجيء في الشّعر من قولهم : «والحوادث جمّة» فائدتها تأكيد وجوب اتّباع ملّته ؛ لأنّ من بلغ من الزّلفى عند الله أن اتّخذه خليلا ، كان جديرا بأن يتّبع» فإن عنى بالاعتراض المصطلح عليه ، فليس ثمّ اعتراض ؛ إذ الاعتراض بين متلازمين ؛ كفعل وفاعل ، ومبتدأ وخبر وشرط وجزاء ، وقسم وجواب ، وإن عنى غير ذلك احتمل ، إلا أنّ تنظيره بقولهم : «والحوادث جمّة» يشعر بالاعتراض المصطلح عليه ؛ فإن قولهم : «والحوادث جمّة» ورد في بيتين :

أحدهما : بين فعل وفاعل ؛ كقوله : [الطويل]

١٨٨٢ ـ وقد أدركتني والحوادث جمّة

أسنّة قوم لا ضعاف ولا عزل (١)

والآخر يحتمل ذلك ، على أن تكون الباء زائدة في الفاعل ؛ كقوله : [الطويل]

١٨٨٣ ـ ألا هل أتاها والحوادث جمّة

بأنّ امرأ القيس بن تملك بيقرا (٢)

ويحتمل أن يكون الفاعل ضميرا دلّ عليه السّياق ، أي : هل أتاها الخبر بأن امرأ القيس ، فيكون اعتراضا بين الفعل ومعموله.

والخليل : مشتق من الخلّة بالفتح ، وهي الحاجة ، أو من الخلّة بالضّم ، وهي المودة الخالصة. وسمّي إبراهيم عليه الصلاة والسلام خليلا أي : فقيرا إلى الله ؛ لأنّه لم يجعل فقره وفاقته إلّا إلى الله.

قال القرطبيّ (٣) : الخليل فعيل ، بمعنى : فاعل ؛ كالعليم ، بمعنى : عالم ، وقيل : هو بمعنى المفعول (٤) ؛ كالحبيب (٥) بمعنى : المحبوب ، وإبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان محبّا لله ، وكان محبوبا لله. أو من الخلل. قال ثعلب : «سمّي خليلا ؛ لأن مودّته تتخلّل القلب» وأنشد : [الخفيف]

__________________

(١) تقدم برقم ٨٠٨.

(٢) البيت لامرىء القيس ينظر ديوانه (٦٢) والخصائص ١ / ٣٣٥ وسمط اللآلىء ص ٤٠ وشرح المفصل ٨ / ٢٣ وخزانة الأدب ٩ / ٥٢٤ ، ٥٢٥ ، ٥٢٧ ، واللسان (نقر) والمنصف ١ / ٨٤ والإنصاف ١ / ١٧١ والدر المصون ٢ / ٤٣١.

(٣) ينظر : تفسير القرطبي ٥ / ٢٥٦.

(٤) في ب : مفعول.

(٥) في ب : والحبيب.

٣٨

١٨٨٤ ـ قد تخلّلت مسلك الرّوح منّي

وبه سمّي الخليل خليلا (١)

وقال الرّاغب (٢) : «الخلّة ـ أي بالفتح ـ الاختلال العارض للنّفس : إمّا لشهوتها لشيء ، أو لحاجتها إليه ، ولهذا فسّر الخلّة بالحاجة ، والخلّة ـ أي بالضم ـ : المودة : إما لأنّها تتخلّل النّفس ، أي : تتوسّطها ، وإما لأنّها تخلّ النّفس ؛ فتؤثّر فيها تأثير السّهم في الرّميّة ، وإمّا لفرط الحاجة إليها».

وقال الزّجّاج (٣) : معنى الخليل : الذي ليس في محبّته خلل ، وقيل : الخليل هو الذي يوافقك في خلالك. قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «تخلقوا بأخلاق الله» فلما بلغ إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ في هذا الباب مبلغا لم يبلغه أحد ممّن تقدّمه ، لا جرم خصّه الله بهذا الاسم.

قال الزّمخشريّ (٤) : الخليل : [هو](٥) الذي يسايرك في طريقك ، من الخلّ : وهو الطّريق في الرّمل ، وهذا قريب من الذي قبله ، وقيل : الخليل : هو الذي يسد خللك كما تسدّ خلله ، وهذا ضعيف ؛ لأن إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ لا يقال : إنه يسدّ الخلل.

وأما المفسّرون (٦) : فقال الكلبيّ : عن أبي صالح ، عن ابن عبّاس : كان إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ أبا الضّيفان ، وكان منزله على ظهر الطّريق يضيف من مرّ به ، فأصاب الناس سنة (٧) فحشروا إلى باب إبراهيم يطلبون الطّعام ، وكانت الميرة له كل سنة من صديق له ب «مصر» ، فبعث غلمانه بالإبل إلى خليله ب «مصر» ، فقال خليله لغلمانه : لو كان إبراهيم إنّما يريده لنفسه ، لاحتملنا ذلك له ؛ فقد دخل علينا ما دخل على النّاس من الشّدّة ، فرجع رسل إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ فمرّوا ببطحاء [سهلة] فقالوا : لو أنّا حملنا من هذه البطحاء ؛ ليرى النّاس أنا قد جئنا بميرة ، فإنّا نستحي أن نمرّ بهم ، وإبلنا فارغة ، فملأوا لتك الغرائر سهلة ثم أتوا إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ فأعلموه [بذلك](٨) و [سارة نائمة](٩) ، فاهتمّ إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ لمكان النّاس ببابه ، فغلبته عيناه فنام ، واستيقظت سارة و [قد](١٠) ارتفع النّهار ، فقالت : سبحان الله! ما جاء

__________________

(١) البيت لبشار ـ ينظر تفسير القرطبي ٥ / ٢٥٦ والدر المصون ٢ / ٤٣١ والبحر المحيط ٣ / ٣٦٤.

(٢) ينظر : المفردات ١٥٤.

(٣) ينظر : تفسير القرطبي ٥ / ٢٥٧ ، وتفسير البغوي ١ / ٤٨٤.

(٤) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ٤٧.

(٥) سقط في أ.

(٦) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ٤٧ والبغوي ١ / ٤٨٤.

(٧) في أ : منه.

(٨) سقط في أ.

(٩) سقط في ب.

(١٠) سقط في ب.

٣٩

الغلمان؟ قالوا : بلى ، [قالت : فما جاؤا بشيء؟ قالوا : بلى ،](١) فقامت إلى الغرائر. ففتحتها ، [فإذا](٢) هي ملأى بأجود دقيق حوار يكون ، فأمرت الخبّازين ، فخبزوا وأطعموا النّاس ، فاستيقظ (٣) إبراهيم ، فوجد ريح الطّعام ، فقال : يا سارة من أين هذا؟ فقالت (٤) : من عند خليلك المصريّ ، فقال : هذا من عند خليلي الله ، قال : فيومئذ اتّخذه [الله](٥) خليلا(٦).

وقال شهر بن حوشب : هبط ملك في صورة رجل ، وذكر اسم الله بصوت رخيم شجيّ ، فقال إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ : اذكره مرّة أخرى ، فقال : لا أذكره مجّانا ، فقال : لك مالي كلّه ، فذكره الملك بصوت أشجى من الأوّل ، فقال : اذكره مرّة ثالثة ولك أولادي ، فقال الملك : أبشر ، فإنّي ملك لا أحتاج (٧) إلى مالك وولدك ، وإنّما كان المقصود امتحانك ؛ فلما بذل المال والولد على سماع ذكر الله [ـ تعالى ـ](٨) لا جرم اتّخذه الله خليلا (٩).

وروى طاوس ، عن ابن عبّاس : أن جبريل ـ عليه‌السلام ـ والملائكة ، لما دخلوا على إبراهيم ـ عليه [الصلاة و](١٠) السلام ـ في صورة غلمان حسان الوجوه ، ظنّ الخليل ـ عليه‌السلام ـ أنهم أضيافه ، وذبح لهم عجلا سمينا ، وقرّبه إليهم ، وقال : كلوا على شرط أن تسمّوا الله ـ تعالى ـ في أوّله ، وتحمدونه في آخره ، فقال جبريل : أنت خليل الله (١١)

قال ابن الخطيب (١٢) : وعندي فيه وجه آخر ، ومعناه : إنما سمّي خليلا ، لأن محبّة الله تخلّلت في جميع قواه ؛ فصار بحيث (١٣) لا يرى إلا الله ، ولا يتحّرك إلّا لله ، [ولا يسكن إلا لله](١٤) ، ولا يسمع إلا بالله ، ولا يمشي إلا لله ، فكان نور [جلال](١٥) الله قد سرى في جميع قواه الجسمانيّة ، وتخلّل وغاص في جواهرها ، وتوغل في ماهيّاتها ، ومثل هذا الإنسان يوصف بأنه خليل ، وإليه أشار ـ عليه الصلاة والسلام ـ بقوله [في دعائه](١٦) : اللهم اجعل في قلبي نورا ، [وفي سمعي نورا](١٧) ، وفي بصري نورا ، وفي عصبي نورا (١٨).

__________________

(١) سقط في ب.

(٢) سقط في ب.

(٣) في ب : واستيقظ.

(٤) في ب : قالت.

(٥) سقط في ب.

(٦) ينظر الرازي (١١ / ٤٨).

(٧) في ب : هاجه.

(٨) سقط في أ.

(٩) ينظر : الرازي ١١ / ٤٨.

(١٠) سقط في أ.

(١١) ينظر : الرازي ١١ / ٤٨.

(١٢) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ٤٨.

(١٣) في أ : يبحث.

(١٤) سقط في ب.

(١٥) سقط في ب.

(١٦) سقط في ب.

(١٧) سقط في ب.

(١٨) متفق عليه ، أخرجه البخاري في الصحيح ١١ / ١١٦ كتاب الدعوات باب الدعاء إذا انتبه من الليل ـ

٤٠