اللّباب في علوم الكتاب - ج ٦

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ٦

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٦٣٢

معنى فرد ، لا يدخل معه زيادة إذا حصل ، ولا يبقى منه شيء إذا زال ، فلم يبق إلا أن تكون الزيادة والنقصان في متعلقاته ، دون ذاته. ومعنى الآية : زادهم قول الناس إيمانا ونصرة ويقينا في دينهم ، وإقامة على نصرته ، وقوة وجرأة واستعدادا ، فزيادة الإيمان ـ على هذا ـ هي في الأعمال». قال ابن الخطيب: المراد بالزيادة في الإيمان أنهم لما سمعوا هذا الكلام المخوّف لم يلتفتوا إليه ، بل حدث في قلوبهم عزم متأكد على محاربة الكفار وعلى طاعة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم في كل ما يأمر به وينهى عنه ـ ثقل ذلك أو خفّ ـ لأنه قد كان فيهم من به جراحات عظيمة ، وكانوا محتاجين إلى المداواة ، وحدث في قلوبهم وثوق بأنّ الله ينصرهم على أعدائهم ويؤيدهم في هذه المحاربة ، فهذا هو المراد من قوله : (فَزادَهُمْ إِيماناً).

فصل

هذه الواقعة تدل دلالة ظاهرة على أن الكل بقضاء الله وقدره ؛ وذلك لأن المسلمين كانوا قد انهزموا من المشركين يوم أحد ، والعادة جارية بأنه إذا انهزم أحد الخصمين عن الآخر ، فإنه يحصل في قلب الغالب قوة وشدة استيلاء ، وفي قلب المغلوب انكسار وضعف ، ثم إنه ـ سبحانه وتعالى ـ قلب القضية ها هنا ، فأودع قلوب الغالبين ـ وهم المشركون ـ الخوف والرعب ، وأودع قلوب المغلوبين القوة والحمية والصلابة ، وذلك يدل على أن الدواعي والصوارف من الله تعالى ، وأنها متى حدثت في القلوب وقعت الأفعال على وفقها. ثم قال تعالى : (وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) والمعنى : أنهم كلما ازدادوا إيمانا في قلوبهم أظهروا ما يطابقه ، فقالوا : (حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) قال ابن الأنباريّ : (حَسْبُنَا اللهُ) أي : كافينا الله.

ومثله قول امرىء القيس : [الوافر]

١٦٩٣ ـ فتملأ بيتنا أقطا وسمنا

وحسبك من غنى شبع وريّ (١)

أي : يكفيك الشّبع والرّيّ.

وأما «الوكيل» ففيه أقوال :

أحدها : أنه الكفيل.

قال الشاعر : [الطويل]

١٦٩٤ ـ ذكرت أبا أروى فبتّ كأنّني

بردّ الأمور الماضيات وكيل (٢)

الثاني : قال الفرّاء : الوكيل : الكافي ، والذي يدل على صحة هذا القول أن «نعم»

__________________

(١) ينظر البيت في ديوانه ص ٤٩ ومجمع الأمثال ١ / ٣٤٨ وتاج العروس ٥ / ٣٩٢ والصحاح ٥ / ٢١٣٨.

(٢) ينظر البيت في مفاتيح الغيب ٩ / ١٠١.

٦١

سبيلها أن يكون الذي بعدها موافقا للذي قبلها ، تقول : رازقنا الله ونعم الرازق ، وخالقنا الله ونعم الخالق ، وهذا أحسن من قول من يقول : خالقنا الله ونعم الرازق ، فكذا ههنا تقدير الآية : يكفينا الله ونعم الكافي.

الثالث : «الوكيل» فعيل بمعنى مفعول ، وهو الموكول إليه. والكافي والكفيل يجوز أن يسمّى وكيلا ؛ لأن الكافي يكون الأمر موكولا إليه ، وكذا الكفيل يكون الأمر موكولا إليه.

ثم قال : (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ) قال مجاهد : النعمة ـ هنا ـ العافية ، والفضل : التجارة (١).

وقيل : النعمة : منافع الدنيا ، والفضل : ثواب الآخرة (٢).

قوله : (لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ) أي : لم يصبهم قتل ولا جراح (٣) ـ في قول الجميع ـ (وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللهِ) طاعة الله ، وطاعة رسوله ، (وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) قد تفضل عليهم بالتوفيق فيما فعلوا.

روي أنهم قالوا : هل يكون هذا غزوا؟ فأعطاهم الله ثواب الغزو.

واختلف أهل المغازي ، فذهب الواقديّ إلى تخصيص الآية الأولى ب «حمراء الأسد» والثانية ب «بدر الصغرى».

ومنهم من جعل الآيتين في واقعة بدر الصّغرى ، والأول أولى ؛ لأن قوله تعالى : (مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ) يدل على قرب عهدهم بالقرح.

قوله تعالى : (إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧٥) وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ)(١٧٦)

«إنما» حرف مكفوف ب «ما» عن العمل وقد تقدم الكلام فيها أول الكتاب. وفي إعراب هذه الجملة خمسة أوجه :

الأول : أن يكون «ذلكم» مبتدأ ، و «الشيطان» خبره ، و (يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ) حال ؛ بدليل وقوع الحال الصريحة في مثل هذا التركيب ، نحو قوله : (وَهذا بَعْلِي شَيْخاً) [هود : ٧٢] وقوله : (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً) [النمل : ٥٢].

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٤١٥) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١٨٢) وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد.

(٢) ذكره أبو حيان في «البحر المحيط» (٣ / ١٢٤).

(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٤١٥) عن السدي وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١٨٢) وعزاه للطبري فقط.

٦٢

الثاني : أن يكون «الشيطان» بدلا ، أو عطف بيان ، و «يخوف» الخبر ، ذكره أبو البقاء.

الثالث : أن يكون «الشيطان» نعتا لاسم الإشارة ، و «يخوف» الخبر ـ على أن يراد ب «الشيطان» نعيم ، أو أبو سفيان ـ ذكره الزمخشري قال أبو حيّان : «وإنما قال : والمراد ب «الشيطان» نعيم ، أو أبو سفيان ؛ لأنه لا يكون نعتا ـ والمراد به إبليس ـ لأنه إذ ذاك ـ يكون علما بالغلبة ، إذ أصله صفة ـ كالعيّوق ـ ثم غلب على إبليس كما غلب العيّوق على النّجم الّذي ينطلق عليه» وفيه نظر.

الرابع : أن يكون «ذلكم» ابتداء ، و «الشيطان» خبر ، و «يخوف» جملة مستأنفة ، بيان لشيطنته ، والمراد بالشّيطان هو المثبط للمؤمنين.

الخامس : أن يكون «ذلكم» مبتدأ ، و «الشيطان» مبتدأ ثان ، و «يخوف» خبر الثاني ، والثاني وخبره خبر الأول ؛ قاله ابن عطية ، وقال : «وهذا الإعراب خير ـ في تناسق المعنى ـ من أن يكون «الشيطان» خبر «ذلكم» لأنه يجيء في المعنى استعارة بعيدة».

وردّ عليه أبو حيّان هذا الإعراب ـ إن كان الضمير في «أولياءه» عائدا على «الشيطان» لخلوّ الجملة الواقعة خبرا عن رابط يربطها بالمبتدأ ـ وليست نفس المبتدأ في المعنى ، نحو : هجّيرى أبي بكر لا إله إلا الله وإن كان عائدا على «ذلكم» ـ ويراد ب «ذلكم» غير الشيطان جاز ، وصار نظير : إنما هند زيد [يضرب غلامها](١) ، والمعنى : إنما ذلكم الركب ، أو أبو سفيان الشيطان يخوفكم أنتم أولياؤه ، أي : أولياء الركب ، أو أولياء أبي سفيان ـ والمشار إليه ب «ذلكم» هل هو عين أو معنى؟ فيه احتمالان :

أحدهما : أنه إشارة إلى ناس مخصوصين ـ كنعيم وأبي سفيان وأشياعهما ـ على ما تقدم.

الثاني : إشارة إلى جميع ما جرى من أخبار الركب وإرسال أبي سفيان وجزع من جزع ـ وعلى هذا التقدير فلا بدّ من حذف مضاف ، أي : فعل الشيطان ، وقدّره الزمخشري : قول الشيطان ، أي : قوله السابق ، وهو : (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ). وعلى كلا التقديرين ـ أعني كون الإشارة لأعيان أو معان ـ فالإخبار ب «الشيطان» عن «ذلكم» مجاز ؛ لأن الأعيان المذكورين والمعاني من الأقوال والأفعال الصادرة من الكفار ـ ليست نفس الشيطان ، وإنما لما كانت بسببه ووسوسته جاز ذلك.

قوله : (يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ) قد تقدم ما محله من الإعراب. والتضعيف فيه للتعدية ، فإنه قبل التّضعيف متعدّ إلى واحد ، وبالتضعيف يكتسب ثانيا ، وهو من باب «أعطى» ، فيجوز

__________________

(١) في أ : تضرب عبدها.

٦٣

حذف مفعوليه ، أو أحدهما اقتصارا واختصارا ، وهو في الآية الكريمة يحتمل أوجها :

أحدها : أن يكون المفعول الأول محذوفا ، تقديره : يخوفكم أولياءه ، ويقوّي هذا التقدير قراءة ابن عبّاس وابن مسعود هذه الآية كذلك (١) ، والمراد ب «أولياءه» ـ هنا ـ الكفار ، ولا بدّ من حذف مضاف ، أي : شر أوليائه ؛ لأن الذوات لا يخاف منها.

الثاني : أن يكون المفعول الثاني هو المحذوف ، و «أولياءه» هو الأول ، والتقدير : يخوف أولياءه شرّ الكفار ، ويكون المراد ب «أولياءه» ـ على هذا الوجه ـ المنافقين ومن في قلبه مرض ممن تخلف عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الخروج.

والمعنى : أن تخويفه بالكفار إنما يحصل للمنافقين الذين هم أولياؤه ، وأما أنتم فلا يصل إليكم تخويفه قاله الحسن والسّدّي (٢).

الثالث : أن المفعولين محذوفان ، و «أولياءه» نعت ـ على إسقاط حرف الجر ـ والتقدير : يخوفكم الشر بأوليائه. والباء للسبب ، أي : بسبب أوليائه فيكونون هم كآلة التخويف لكم.

قالوا : ومثال حذف المفعول الثاني قوله تعالى : (فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِ) [القصص : ٧] أي : فإذا خفت عليه فرعون. ومثال حذف الجارّ قوله تعالى : (لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ) [الكهف : ٢] معناه لينذركم ببأس ، وقوله : (لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ) [غافر : ١٥]. وهذا قول الفرّاء والزّجّاج وأبي عليّ ، قالوا : ويدل عليه قراءة أبيّ والنّخعيّ : يخوفكم بأوليائه (٣).

قال شهاب الدّين : فكأن هذا القائل رأى قراءة أبيّ والنخعيّ «يخوف بأوليائه» فظن أنّ قراءة الجمهور مثلها في الأصل ، ثم حذفت الباء ، وليس كذلك ، بل تخرّج قراءة الجمهور على ما تقدم ؛ إذ لا حاجة إلى ادّعاء ما لا ضرورة له.

وأما قراءة أبيّ فيحتمل أن تكون الباء زائدة ، كقوله : [البسيط]

١٦٩٥ ـ ............

سود المحاجر لا يقرأن بالسّور (٤)

فتكون كقراءة الجمهور في المعنى.

ويحتمل أن تكون للسبب ، والمفعولان محذوفان ـ كما تقدم.

قوله : (فَلا تَخافُوهُمْ) في الضمير المنصوب ثلاثة أوجه :

__________________

(١) انظر : المحرر الوجيز ١ / ٥٤٤ ، والبحر المحيط ٣ / ١٢٥ ، والدر المصون ٢ / ٢٦٣.

(٢) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١٨٢) عن الحسن وعزاه لابن أبي حاتم عنه.

(٣) ينظر : المحرر الوجيز ١ / ٥٤٤ ، والبحر المحيط ٣ / ١٢٥ ، والدر المصون ٢ / ٢٦٣.

(٤) تقدم برقم ٨١٤.

٦٤

الأول ـ وهو الأظهر ـ : أنه يعود على «أولياءه» أي : فلا تخافوا أولياء الشيطان ، هذا إن أريد بالأولياء كفار قريش.

الثاني : أنه يعود على «الناس» من قوله : (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) إن كان المراد ب «أولياءه» المنافقين.

الثالث : أنه يعود على «الشيطان» قال أبو البقاء : «إنما جمع الضمير ؛ لأن الشيطان جنس» والياء في قوله : «وخافوني» من الزوائد ، فأثبتها أبو عمرو وصلا ، وحذفها وقفا ـ على قاعدته ـ والباقون يحذفونها مطلقا.

فصل في ورود الخوف في القرآن الكريم

ورد الخوف على ثلاثة أوجه :

الأول : الخوف بعينه ، كهذه الآية.

الثاني : الخوف : القتال ، قال تعالى : (فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ) [الأحزاب : ١٩] أي : إذا ذهب القتال.

الثالث : الخوف : العلم ، قال تعالى : (فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً) [البقرة : ١٨٢] أي علم ، ومثله قوله : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ) [البقرة : ٢٢٩] وقوله : (وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ) [الأنعام : ٥١]. أي : يعلمون وقوله : (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما) [النساء : ٣٥] أي : علمتم.

وقوله : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) جوابه محذوف ، أو متقدم ـ عند من يرى ذلك ـ وهذا من باب الإلهاب والتهييج. وإلا فهم ملتبسون بالإيمان.

قوله (وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ) قرأ نافع «يحزنك» ـ بضم حرف المضارعة (١) ـ من «أحزن» ـ رباعيا ـ في سائر القرآن إلا التي في قوله : (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) [الأنبياء : ١٠٣] فإنه كالجماعة. والباقون بفتح الباء ـ من «حزنه» ثلاثيا ـ فقيل : هما من باب ما جاء فيه فعل وأفعل بمعنى.

وقيل : باختلاف معنى ، فحزنه : جعل فيه حزنا ـ نحو : دهنه وكحله ، أي : جعل فيه دهنا وكحلا ـ وأحزنته : إذا جعلته حزينا. ومثل حزنه وأحزنه فتنه وأفتنه ، قال سيبويه : «وقال بعض العرب: أحزنت الرجل وأفتنته : أرادوا : جعلته حزينا وفاتنا».

وقيل : حزنته : أحدثت له الحزن ، وأحزنته : عرّضته للحزن. قاله أبو البقاء وقد تقدم اشتقاق هذه اللفظة في «البقرة» (٢).

__________________

(١) انظر : السبعة ٢١٩ ، والحجة ٣ / ٩٩ ، وحجة القراءات ١٨١ ، والعنوان ٨١ ، وإعراب القراءات ١ / ١٢٣ ، وشرح الطيبة ٤ / ١٧٨ ، وشرح شعلة ٣٢٦ ، وإتحاف ١ / ٤٩٥.

(٢) آية : ٣٨.

٦٥

قال شهاب الدين : «والحق أن حزنه وأحزنه لغتان فاشيتان ، لثبوتهما متواترتين ـ وإن كان أبو البقاء قال : إن أحزن لغة قليلة ، ومن عجيب ما اتفق أن نافعا ـ رحمه‌الله ـ يقرأ هذه المادة من «أحزن» إلا التي في الأنبياء ـ كما تقدم ـ وأن شيخه أبا جعفر يزيد بن القعقاع يقرأها من «حزنه» ـ ثلاثيا ـ إلا التي في الأنبياء ، وهذا من الجمع بين اللغتين ، والقراءة سنة متّبعة».

وقرأ الجماعة : «يسارعون» بالفتح والامالة (١) ، وقرأ النحوي «يسرعون» ـ من أسرع ـ في جميع القرآن (٢) ، قال ابن عطية : «وقراءة الجماعة أبلغ ؛ لأن من يسارع غيره أشد اجتهادا من الذي يسرع وحده».

قوله : (إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً) في نصب «شيئا» وجهان :

أحدهما : أنه مصدر ، أي : لا يضرونه شيئا من الضرر.

الثاني : أنه منصوب على إسقاط الخافض ، أي : لن يضروه بشيء. وهكذا كل موضع أشبهه ففيه الوجهان.

فصل

اختلفوا في هؤلاء المسارعين ، فقال الضّحّاك : هم كفار قريش (٣) ، وقال غيره : هم المنافقون ؛ يسارعون في الكفر مظاهرة للكفار (٤)(إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ) بمسارعتهم في الكفر.

وقيل : إن قوما من الكفار أسلموا ، ثم ارتدوا ؛ خوفا من قريش ، فوقع الغمّ في قلب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بذلك السبب فإنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ظن أنهم بسبب تلك الرّدّة يلحقون به مضرّة ، فبيّن ـ تعالى ـ أن ردّتهم لا تؤثر في لحوق ضرر بك (٥).

قال القاضي : ويقوى هذا الوجه بأن المستمر على الكفر لا يوصف بأنه يسارع في الكفر ، وإنما يوصف بذلك من يكفر بعد الإيمان. وأيضا فإن إرادته ألا يجعل لهم حظّا في الآخرة لا تليق إلا بمن قد آمن واستوجب ذلك ، ثم أحبط.

وأيضا فإن الحزن إنما يكون على فوات أمر مقصود ، فلما قدّر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الانتفاع

__________________

(١) انظر : إتحاف ١ / ٤٩٥ ، والدر المصون ٢ / ٢٦٤.

(٢) انظر : المحرر الوجيز ١ / ٥٤٤ ، والبحر المحيط ٣ / ١٢٦ ، والدر المصون ٢ / ٢٦٤.

(٣) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١٨٣) وعزاه لابن أبي حاتم عن الحسن.

وذكره الفخر الرازي في «التفسير الكبير» (٩ / ٨٤).

(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٤١٨) عن مجاهد وابن إسحاق وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١٨٢) عن مجاهد وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.

والأثر في «السيرة النبوية» لابن هشام (٣ / ١٢٨) عن ابن إسحاق.

(٥) انظر تفسير الرازي (٩ / ٨٤).

٦٦

بإيمانهم ـ ثم كفروا ـ حزن صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند ذلك ؛ لفوات التكثير بهم ، فآمنه الله من ذلك ، وعرّفه أن وجود إيمانهم كعدمه في أن أحواله لا تتغير.

وقيل : المراد رؤساء اليهود ـ كعب بن الأشرف وأصحابه ـ كتموا صفة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم لمتاع الدنيا(١). قال القفّال ولا يبعد حمل الآية على جميع أصناف الكفار ؛ لقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا) [المائدة : ٤١]. فإن قيل : الحزن على كفر الكافر ، ومعصية العاصي طاعة ، فكيف نهاه الله عن الطاعة؟

فالجواب من وجهين :

الأول : أنه كان يفرط في الحزن على كفر قومه ، حتّى كاد يؤدي ذلك إلى لحوق الضرر به ، فنهاه الله تعالى عن الإسراف فيه ، كما قال : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) [فاطر : ٨].

الثاني : أن المعنى لا يحزنوك بخوف أن يضروك ، ويعينوا عليك ؛ ألا ترى إلى قوله : (إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً) يعني : أنهم لا يضرون ـ بمسارعتهم في الكفر ـ غير أنفسهم ، ولا يعود وبال ذلك على غيرهم ألبتة.

ثم قال : (يُرِيدُ اللهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ) وهذا تنصيص وردّ على المعتزلة بأنّ الخير والشر بإرادة الله تعالى ، وتدل الآية ـ أيضا ـ على أنّ النكرة في سياق النّفي تعم ؛ إذ لو لم يحصل العموم لم يحصل تهديد الكفار بهذه الآية ، ثم قال : (وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) وهذا كلام مبتدأ والمعنى : أنه كما لا حظّ لهم ألبتة من منافع الآخرة ، فلهم الحظّ العظيم من [مضارّها](٢).

قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)(١٧٧)

اعلم أنه لا يبعد حمل الآية الأولى على المرتدين ، وحمل هذه الآية على اليهود. ومعنى : (اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ) أنهم كانوا يعرفون النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويؤمنون به قبل مبعثه ، فلما بعث كفروا به ، وتركوا ما كانوا عليه ، فكأنهم أعطوا الإيمان ، وأخذوا الكفر بدلا عنه ، كما يفعل المشتري من إعطاء شيء وأخذ غيره بدلا عنه.

ولا يبعد أيضا ـ حمل هذه الآية على المنافقين ؛ لأنهم متى كانوا مع المؤمنين أظهروا الإيمان ، فإذا خلوا إلى شياطينهم كفروا ، وتركوا الإيمان ، فكان ذلك كأنهم اشتروا الكفر بالإيمان.

__________________

(١) انظر المصدر السابق.

(٢) في أ : مضار الآخرة.

٦٧

فإن قيل : ما فائدة التكرار في الآيتين في قوله : (لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً)؟

فالجواب : أن فائدة التكرار أمور :

أحدها : أن الذين اشتروا الكفر بالإيمان لا شك أنهم كانوا كافرين أولا ، ثم آمنوا ، ثم كفروا بعد ذلك ، وهذا يدلّ على شدّة الاضطراب ، وضعف الرأي ، وقلّة الثبات ، ومثل هذا الإنسان لا خوف منه ، ولا هيبة له ، ولا قدرة له على إلحاق الضّرر بالغير.

ثانيها : أن أمر [الدّين](١) أهمّ الأمور وأعظمها ، ومثل هذا مما لا يقدم الإنسان فيه ـ على الفعل ، أو على التّرك ـ إلا بعد إمعان النّظر ، وكثرة الفكر ، وهؤلاء يقدمون على الفعل ، أو على الترك في هذا المهم بأهون الأسباب وأضعف الموجبات ، وهذا يدلّ على قلّة عقولهم ، وشدة حماقتهم ، وأمثال هؤلاء لا يلتفت العاقل إليهم.

ثالثها : أن أكثرهم إنما ينازعونك في الدّين لا بناء على الشّبهات ، بل بناء على الحسد والمنازعة في منصب الدّنيا ، ومن كان عقله بهذا القدر ـ وهو بيع السعادة العظيمة الأخروية بالقليل الفاني من سعادة الدنيا ـ كان في غاية الحماقة ، ومثله لا يقدر على إلحاق ضرر بالغير ، والله أعلم.

قوله تعالى : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ)(١٧٨)

قرأ الجمهور «يحسبن» بالغيبة ، وحمزة بالخطاب (٢) ، وحكى الزّجّاج عن خلق كثير (٣) كقراءة حمزة إلا أنهم كسروا «أنما» ونصبوا «خير» وأنكرها ابن مجاهد ـ وسيأتي إيضاح ذلك ـ وقرأ يحيى بن وثاب (٤) بالغيبة وكسر «إنما». وحكى عنه الزمخشري ـ أيضا ـ أنه قرأ بكسر «أنما» الأولى وفتح الثانية مع الغيبة (٥) ، فهذه خمس قراءات.

فأما قراءة الجمهور ، فتخريجها واضح ، وهو أنه يجوز أن يكون الفعل مسندا إلى «الذين» و «أن» وما اتصل بها سادّة مسد المفعولين ـ عند سيبويه ـ أو مسدّ أحدهما ، والآخر محذوف ـ عند الأخفش ـ ويجوز أن يكون مسندا إلى ضمير غائب ، يراد به النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أي لا يحسبن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فعلى هذا يكون «الذين كفروا» مفعولا أول ، وأما الثاني فسيأتي الكلام عليه في قراءة حمزة ، لتتحد هذه القراءة ـ على هذا الوجه ـ مع قراءة حمزة رحمه‌الله ، وسيأتي تخريجها.

__________________

(١) في أ : الدنيا.

(٢) انظر : السبعة ٢١٩ ـ ٢٢٠ ، والحجة ٣ / ١٠١ ، وحجة القراءات ١٨٢ ، وإعراب القراءات ١ / ١٢٣ ، والعنوان ٨١ ، وشرح الطيبة ٤ / ١٧٦ ، وشرح شعلة ٣٢٧ ، وإتحاف ١ / ٤٩٥.

(٣) انظر : معاني القرآن ١ / ٤٩١.

(٤) انظر : المحرر الوجيز ١ / ٥٤٥ ، والبحر المحيط ٣ / ١٢٨ ، والدر المصون ٢ / ٢٦٦.

(٥) انظر : الكشاف ١ / ٤٤٤.

٦٨

و «ما» يجوز أن تكون موصولة اسمية ، فيكون العائد محذوفا ، لاستكمال الشروط ، أي: الذي نمليه ويجوز أن تكون مصدرية ـ أي : إملاءنا ـ وهي اسم «إن» و «خير» خبرها.

قال أبو البقاء (١) : «ولا يجوز أن تكون كافة ، وزائدة ؛ إذ لو كان كذلك لانتصب «خير» ب «نملي» واحتاجت «أن» إلى خبر ، إذا كانت «ما» زائدة ، أو قدر الفعل يليها ، وكلاهما ممتنع» انتهى. وهي من الواضحات. وكتبوا «أنما» ـ في الموضعين ـ متصلة ، وكان من حق الأولى الفصل ؛ لأنها موصولة.

وأما قراءة حمزة فاضطربت فيها أقوال الناس وتخاريجهم ، حتى أنه نقل عن أبي حاتم أنها لحن.

قال النحاس : وتابعه على ذلك [جماعة](٢) وهذا لا يلتفت إليه ، لتواترها ، وفي تخريجها ستة أوجه :

أحدها : أن يكون فاعل «تحسبن» ضمير النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم و (الَّذِينَ كَفَرُوا) مفعول أول ، و (أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ) مفعول ثان ، ولا بدّ ـ على هذا التخريج ـ من حذف مضاف ، إما من الأول ، تقديره : ولا تحسبن شأن الذين ، وإما من الثّاني ، تقديره : أصحاب أن إملاءنا خير لهم.

وإنما احتجنا إلى هذا التأويل ؛ لأن (أَنَّما نُمْلِي) بتأويل مصدر ، والمصدر معنى من المعاني لا يصدق على (الَّذِينَ كَفَرُوا) والمفعول الثاني في هذا الباب هو الأول في المعنى.

الثاني : أن يكون (أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ) بدلا من (الَّذِينَ كَفَرُوا). وإلى هذا ذهب الكسائي ، والفرّاء ، وتبعهما جماعة ، منهم الزّجّاج والزمخشري ، وابن الباذش ، قال الكسائي ، والفرّاء : وجه هذه القراءة التكرير والتأكيد ، والتقدير : ولا تحسبن الذين كفروا ، ولا تحسبن أنما نملي. قال الفرّاء : ومثله : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ) أي : ما ينظرون إلا أن تأتيهم. انتهى.

ورد بعضهم قول الكسائيّ والفرّاء ، بأن حذف المفعول الثاني ـ في هذه الأفعال ـ لا يجوز عند أحد. وهذا الردّ ليس بشي ؛ لأن الممنوع إنما هو حذف الاقتصار ـ وقد تقدم تحقيق ذلك.

وقال ابن الباذش : ويكون المفعول الثاني قد حذف ؛ لدلالة الكلام عليه ، ويكون التقدير : ولا تحسبن الذين كفروا خيريّة إملائنا لهم ثابتة ، أو واقعة.

__________________

(١) ينظر : الإملاء ١ / ١٥٩.

(٢) في أ : خلق كثير.

٦٩

قال الزمخشريّ : فإن قلت : كيف صح مجيء البدل ، ولم يذكر إلا أحد المفعولين ، ولا يجوز الاقتصار بفعل الحسبان على مفعول واحد؟

قلت : صحّ ذلك من حيث إنّ التعويل على البدل والمبدل منه في حكم المنحّى ، ألا تراك تقول : جعلت متاعك بعضه فوق بعض ، مع امتناع سكوتك على : متاعك.

وهذا البدل بدل اشتمال ـ وهو الظاهر ـ أو يدل كلّ من كلّ ، ويكون على حذف مضاف ، تقديره : ولا تحسبن إملاء الذين ، فحذف «إملاء» وأبدل منه : (أَنَّما نُمْلِي) قولان مشهوران.

الثالث ـ وهو أغربها ـ : أن يكون (الَّذِينَ كَفَرُوا) فاعلا ب «تحسبن» على تأويل أن تكون التاء في الفعل للتأنيث ، كقوله : (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ) [الشعراء : ١٠٥] أي : ولا تحسبن القوم الذين كفروا ، و «الذين» وصف للقوم ، كقوله تعالى : (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا) [الأعراف : ١٣٧]. فعلى هذا تتحد هذه القراءة مع قراءة الغيبة ، وتخريجها كتخريجها ، ذكر ذلك أبو القاسم الكرماني في تفسيره المسمّى ب «اللّباب». وفيه نظر ؛ من حيث إن «الذين» جار مجرى جمع المذكر السالم ، والجمع المذكر السالم لا يجوز تأنيث فعله ـ عند البصريين ـ لا يجوز : قامت الزيدون ، ولا : تقوم الزيدون. وأما اعتذاره عن ذلك بأن «الذين» صفة للقوم ـ الجائز تأنيث فعلهم ـ وإنما حذف ، فلا ينفعه ؛ لأن الاعتبار إنما هو بالملفوظ به لا بالمقدّر ، لا يجيز أحد من البصريين : قامت المسلمون ـ على إرادة : القوم المسلمون ـ ألبتة.

وقال أبو الحسن الحوفيّ : «أن» وما عملت فيه في موضع نصب على البدل ، و «الذين» المفعول الأول ، والثاني محذوف.

وهو معنى قول الزمخشريّ المتقدم.

الرابع : أن يكون : (أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ) بدلا من : (الَّذِينَ كَفَرُوا) بدل اشتمال ـ أي: إملاءنا ـ و «خير» بالرفع ـ خبر مبتدأ محذوف ، أي : هو خير لأنفسهم ، والجملة هي المفعول الثاني ، نقل ذلك أبو شامة عن بعضهم ، ثم قال : قلت : ومثل هذه القراءة بيت الحماسة:

١٦٩٦ ـ فينا الأناة ، وبعض القوم يحسبنا

أنّا بطاء ، وفي إبطائنا سرع (١)

كذا جاءت الرواية بفتح «أنا» بعد ذكر المفعول الأول ، فعلى هذا يجوز أن تقول : حسبت زيدا أنه قائم ، أي : حسبته ذا قيام.

__________________

(١) البيت لوضاح بن إسماعيل ينظر تخليص الشواهد ص ٣٤٤ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٦٤٧ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٢١٦ ، والجنى الداني ص ٤٠٧ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٢٢٦. والدر المصون ٢ / ٢١٦.

٧٠

فوجه الفتح أنها وقعت مفعولا ، وهي وما عملت فيه في موضع مفرد ، وهو المفعول الثاني ل «حسبت» انتهى.

وفيما قاله نظر ؛ لأن النحاة نصّوا على وجوب كسر «إن» إذا وقعت مفعولا ثانيا ، والأول اسم عين ، وأنشدوا البيت المذكور على ذلك ، وعلّلوا وجوب الكسر بأنا لو فتحنا لكانت في محل مصدر ، فيلزم منه الاخبار بالمعنى عن العين.

الخامس : أن يكون (الَّذِينَ كَفَرُوا) مفعولا أول ، و (إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) في موضع المفعول الثاني ، و (أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ) مبتدأ وخبر اعترض به بين مفعولي «تحسبن» ففي الكلام تقديم وتأخير ، نقل ذلك عن الأخفش.

قال أبو حاتم : وسمعت الأخفش يذكر فتح «أن» ـ يحتج به لأهل القدر ؛ لأنه كان منهم ـ ويجعله على التقديم والتأخير ، [أي](١) : ولا تحسبنّ الذين كفروا أنما نملي لهم ليزدادوا إثما ، إنما نملي لهم خير لأنفسهم. انتهى.

وإنما جاز أن تكون «أن» المفتوحة مبتدأ بها أول الكلام ؛ لأن مذهب الأخفش ذلك ، وغيره يمنع ذلك ، فإن تقدم خبرها عليها ـ نحو : ظني أنك منطلق ، أو «أما» التفصيلية ، نحو أما أنك منطلق فعندي ، جاز ذلك إجماعا. وقول أبي حاتم : يذكر فتح «أن» يعني بها التي في قوله : (أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ). ووجه تمسّك القدرية أن الله تعالى لا يجوز أن يملي لهم إلا ما هو خير لأنفسهم ، لأنه يجب ـ عندهم ـ رعاية الأصلح.

السادس : قال المهدويّ : وقال قوم : قدم «الذين كفروا» توكيدا ، ثم حالهم ، من قوله : (أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ) ردا عليهم ، والتقدير : ولا تحسبن أن إملاءنا للذين كفروا خير لأنفسهم.

وأما قراءة يحيى ـ بكسر «إنّما» مع الغيبة ـ فلا تخلو إما أن يجعل الفعل مسندا إلى «الذين» أو إلى ضمير غائب ، فإن كانت الأولى كانت «أنما» وما في حيّزها معلقة ل «تحسبن» وإن لم تكن اللام في خبرها لفظا ، فهي مقدرة ، فيكون «إنّما» ـ بالكسر ـ في موضع نصب ؛ لأنها معلقة لفعل الحسبان مع نية اللام ، ونظير ذلك تعليق أفعال القلوب عن المفعولين الصريحين ـ بتقدير لام الابتداء ـ في قوله [البسيط] :

١٦٩٧ ـ كذاك أدّبت حتّى صار من خلقي

أنّي وجدت ملاك الشّيمة الأدب (٢)

فلولا تقدير اللام لوجب نصب «ملاك» و «الأدب». وكذلك في الآية لولا تقدير اللام لوجب فتح «إنما».

__________________

(١) في أ : كأنه قال.

(٢) ينسب البيت لبعض بني فزارة : ينظر الحماسة ٢ / ٧٥٤ والدرر ١ / ١٣٥ والخزانة ٤ / ٥ وأوضح المسالك ٢ / ٦٥ وشرح شواهد ابن عقيل ص ٩٥ وشرح الأشموني ٢ / ٢٩ وشرح الجمل ١ / ٣١٤ والدر المصون ٢ / ٢٦٦.

٧١

ويجوز أن يكون المفعول الأول قد حذف ـ وهو ضمير الأمر والشأن ـ وقد قيل بذلك في البيت ، وهو الأحسن فيه.

والأصل : لا تحسبنه ـ أي الأمر ـ و (أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ) في موضع المفعول الثاني ، وهي المفسرة للضمير وإن كان الثاني كان «الذين» مفعولا أول ، و (أَنَّما نُمْلِي) في موضع المفعول الثاني.

وأما قراءته التي حكاها عنه الزمخشريّ ، فقد خرّجها هو ، فقال : على معنى : ولا تحسبن الذين كفروا أن إملاءنا لازدياد الإثم ـ كما يفعلون ـ وإنما هو ليتوبوا ، ويدخلوا في الإيمان ، وقوله : (أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ) اعتراض بين الفعل ومعموله ، ومعناه : أن إملاءنا خير لأنفسهم إن عملوا فيه ، وعرفوا إنعام الله عليهم ، بتفسيح المدّة ، وترك المعاجلة بالعقوبة. انتهى.

فعلى هذا يكون «الذين» فاعلا ، و «أنما» ـ المفتوحة ـ سادة مسد المفعولين ، أحدهما ـ على الخلاف ـ واعترض بهذه الجملة بين الفعل ومعموله. قال النّحّاس : قراءة يحيى بن وثّاب ـ بكسر «إن» فيهما جميعا ـ حسنة ، كما تقول : حسبت عمرا أبوه خارج.

وأما ما حكاه الزّجّاج ـ قراءة ـ عن خلق كثير ، وهو نصب «خير» على الظاهر من كلامه ، فقد ذكر تخريجها ، على أن (أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ) بدل من (الَّذِينَ كَفَرُوا) و «خيرا» مفعول ثان ، ولا بد من إيراد نصّه ، قال ـ رحمه‌الله ـ : من قرأ : (وَلا يَحْسَبَنَّ) بالياء ، لم يجز عند البصريين إلا كسر «إن» والمعنى : لا يحسبن الذين كفروا إملاءنا خير لهم ، ودخلت «إن» مؤكّدة ، فإذا فتحت صار المعنى : ولا يحسبن الذين كفروا إملاءنا خير لهم ، قال : وهو عندي يجوز في هذا الموضع على البدل من «الذين» والمعنى : ولا يحسبن إملاءنا للذين كفروا خيرا لهم ، وقد قرأ بها خلق كثير (١) ، ومثل هذه القراءة من الشعر قول الشاعر: [الطويل]

١٦٩٨ ـ فما كان قيس هلكه هلك واحد

ولكنّه بنيان قوم تهدّما (٢)

جعل «هلكه» بدلا من «قيس» والمعنى : فما كان هلك قيس هلك واحد ، اه.

يعني : «هلك» ـ الأول ـ بدل من المرفوع ، فبقي «هلك واحد» منصوبا ، خبرا ل «ما كان» كذلك : (أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ) «أن» واسمها ـ وهي «ما» الموصولة ـ وصلتها ، والخبر ـ وهو «لهم» في محل نصب ، بدلا من (الَّذِينَ كَفَرُوا) فبقي «خيرا» منصوبا على أنه مفعول ثان ل «تحسبنّ». إلا أن الفارسي قد رد هذا على أبي إسحاق بأن هذه القراءة لم

__________________

(١) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٢٨ ، والدر المصون ٢ / ٢٦٧.

(٢) تقدم برقم ٧٠٥.

٧٢

يقرأ بها أحد ـ أعني نصب «خيرا» ـ قال أبو علي الفارسي : لا يصح البدل ، إلا بنصب «خير» من حيث كان المفعول الثاني ل «حسبت» فكما انتصب «هلك واحد» في البيت ـ لما أبدل الأول من «قيس» ـ بأنه خبر ل «كان» كذلك ينتصب «خير لهم» إذا أبدل الاملاء من (الَّذِينَ كَفَرُوا) بأنه مفعول ثان ل «تحسبنّ». قال : وسألت أحمد بن موسى عنها ، فزعم أن أحدا لم يقرأ بها يعني ب «أحمد» هذا أبا بكر بن مجاهد الإمام المشهور ، وقال ـ في الحجة ـ : (الَّذِينَ كَفَرُوا) في موضع نصب ، بأنها المفعول الأول ، والمفعول الثاني هو الأول ـ في هذا الباب ـ في المعنى ، فلا يجوز ـ إذن ـ فتح «إن» في قوله : (أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ) لأن إملاءهم لا يكون إياهم. فإن قلت : لم لا يجوز الفتح في «أن» وجعلها بدلا من (الَّذِينَ كَفَرُوا) كقوله تعالى : (وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ) [الكهف : ٦٣] وكما كان «أن» من قوله تعالى : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ) [الأنفال : ٧]؟

قيل : لا يجوز ذلك ؛ لأنك إذا أبدلت «أن» من (الَّذِينَ كَفَرُوا) كما أبدلت «أنّ» من (إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ) لزمك أن تنصب «خيرا» على تقدير : لا تحسبنّ إملاء الذين كفروا خيرا لأنفسهم ، من حيث كان المفعول الثاني ل «تحسبنّ».

وقيل : إنه لم ينصبه أحد ، فإذا لم ينصب علم أن البدل فيه لا يصح ، فإذا لم يصح البدل ، لم يجز فيه إلا كسر «إن» على أن تكون «إن» وخبرها في موضع المفعول الثاني من «تحسبنّ».

انتهى ما رد به عليه ، فلم يبق إلا الترجيح بين نقل الزجّاج وابن مجاهد.

قال شهاب الدين (١) : «ولا شك أن ابن مجاهد أعنى بالقراءات ، إلا أن الزّجّاج ثقة ، ويقول : قرأ بها خلق كثير وهذا يبعد غلطه فيه ، والإثبات مقدم على النفي ، وما ذكره أبو علي ـ من قوله : وإذا لم يجز إلا كسر «إن» ... الخ ـ هذا ـ أيضا مما لم يقرأ به أحد».

قال مكّي : «وجه القراءة لمن قرأ بالتاء ـ يعني بتاء الخطاب ـ أن يكسر «إنّما» فتكون الجملة في موضع المفعول الثاني ، ولم يقرأ به أحد علمته». وقد نقل أبو البقاء أن نصب «خيرا» قراءة شاذة قال : وقد قرىء شاذّا بالنصب (٢) ، على أن يكون «لأنفسهم» خبر «أن» و «لهم» تبيين ، أو حال من «خير».

يعني : أنه لما جعل «لأنفسهم» الخبر ، جعل «لهم» إما تبيينا ، تقديره : أعني لهم وإما حالا من النكرة المتأخرة ؛ لأنه كان في الأصل صفة لها. والظاهر ـ على هذه القراءة

__________________

(١) ينظر : الدر المصون ٢ / ٢٦٨.

(٢) انظر : معاني القرآن للزجاج ١ / ٤٩١ ، والمحرر الوجيز ١ / ٥٤٥ ، والبحر المحيط ٣ / ١٢٨ ، والدر المصون ٢ / ٢٦٧.

٧٣

ـ ما تقدم من كون «لهم» هو الخبر ، ويكون «لأنفسهم» في محل نصب ؛ صفة ل «خير» ـ كما كان صفة له في قراءة الجمهور.

ونقل ـ أيضا ـ قراءة كسر «أن» وهي قراءة يحيى ، وخرجها على أنها جواب قسم محذوف ، والقسم وجوابه يسد مسدّ المفعولين ، ولا حاجة إلى ذلك ، بل تخريجها على ما تقدم أولى ؛ لأن الأصل عدم الحذف.

والإملاء : الإمهال والمدّ في العمر ومنه ملاوة الدهر ـ للمدة الطويلة ـ قال الواحدي واشتقاقه من الملوة ـ وهي المدة من الزمان ـ يقال : ملوت من الدهر ملوة وملوة وملوة وملاوة وملاوة وملاوة بمعنى واحد.

قال الأصمعيّ : يقال أملى عليه الزمان ـ أي : طال ـ وأملى له ـ أي : طوّل له وأمهله ـ قال أبو عبيدة : ومنه : الملا ـ للأرض الواسعة ـ والملوان : الليل والنهار ، وقولهم : ملّاك الله بنعمه ـ أي : منحكها عمرا طويلا ـ.

وقيل : الملوان : تكرّر الليل والنهار وامتدادهما ، بدليل إضافتهما إليهما في قول الشّاعر : [الطويل]

١٦٩٩ ـ نهار وليل دائم ملواهما

على كلّ حال المرء يختلفان (١)

فلو كانا الليل والنّهار لما أضيفا إليهما ؛ إذ الشيء لا يضاف إلى نفسه. فقوله : (أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ) أصل الياء واو ، ثم قلبت لوقوعها رابعة.

قوله : (إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) قد تقدم أن يحيى بن وثّاب قرأ بكسر الأولى وفتح هذه فيما نقله عنه الزمخشريّ وتقدم تخريجها ، إلا أن أبا حيّان قال : إنه لم يحكها عنه غير الزمخشريّ بل الّذين نقلوا قراءة يحيى إنما نقلوا كسر الأولى فقط ، قال : وإنما الزمخشريّ ـ لولوعه بنصرة مذهبه ـ يروم رد كل شيء إليه.

قال شهاب الدّين (٢) : وهذا تحامل عليه ؛ لأنه ثقة ، لا ينقل ما لم يرو. وأما على قراءة كسرها ففيها وجهان :

الأول : أنها جملة مستأنفة ، تعليل للجملة قبلها ، كأنه قيل : ما بالهم يحسبون الإملاء خيرا؟ فقيل : (إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) و «إنّ» ـ هنا مكفوفة ب «ما» ولذلك كتبت متصلة ـ على الأصل ولا يجوز أن تكون موصولة ـ اسمية ولا حرفية ـ لأن لام «كي» لا يصح وقوعها خبرا للمبتدأ ولا لنواسخه.

الثاني : أنّ هذه الجملة تكرير للأولى.

__________________

(١) البيت لتميم بن مقبل ـ ينظر المفردات للراغب ٤٩٤ وجامع البيان ٧ / ٢١ والدر المصون ٢ / ٢٦٨.

(٢) ينظر : الدر المصون ٢ / ٢٦٨.

٧٤

قال أبو البقاء : وقيل : (أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ) تكرير للأول ، و «ليزدادوا» هو المفعول الثاني ل «تحسبنّ» على قراءة التاء ، والتقدير : ولا تحسبنّ يا محمد إملاء الذين كفروا ليزدادوا إيمانا ، بل ليزدادوا إثما. ويروى عن بعض الصحابة أنه قرأها كذلك.

قال شهاب الدين (١) : وفي هذا نظر ، من حيث إنه جعل «ليزدادوا» هو المفعول الثاني ، وقد تقدم أن لام «كي» لا تقع خبرا للمبتدأ ولا لنواسخه ، ولأن هذا إنما يتم له على تقدير فتح الثانية ، وقد تقدم أنّ أحدا لم ينقلها عن يحيى إلا الزمخشريّ والذي يقرأ «تحسبنّ» ـ بتاء الخطاب ـ لا يفتحها ألبتة.

واللام في «ليزدادوا» فيها وجهان :

أحدهما : أنها لام «كي».

والثاني : أنها لام الصّيرورة.

قوله : (وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) في هذه الواو قولان :

أحدهما : أنها للعطف.

والثاني : أنها للحال ، وظاهر قول الزمخشريّ أنها للحال في قراءة يحيى بين وثّاب فقط ؛ فإنه قال : فإن قلت : ما معنى القراءة ـ يعني : قراء يحيى التي نقلها هو عنه؟

قلت : معناه : ولا تحسبوا أن إملاءه لزيادة الإثم والتعذيب ، والواو للحال ، كأنه قيل : ليزدادوا إثما معدّا لهم عذاب مهين.

قال أبو حيّان ـ بعد ما ذكر من إنكاره عليه نقل فتح الثانية عن يحيى كما تقدم ـ :«ولما قرّر في هذه القراءة أن المعنى على نهي الكافر أن يحسب أنما يملي الله لزيادة الإثم ، وأنه إنما يملي [لزيادة] الخير ، كان قوله : (وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) يدفع هذا التفسير ، فخرج ذلك على أن الواو للحال ، حتى يزول هذا التدافع الذي بين هذه القراءة ، وبين ظاهر آخر الآية.

فصل

أصل «ليزدادوا» : ليزتادوا ـ بالتاء ـ لأنه افتعال من الزيادة ، ولكن تاء الافتعال تقلب دالا بعد ثلاثة أحرف ـ الزاي ، والذال ، والدال ـ نحو ادكروا والفعل هنا ـ متعدّ لواحد ، وكان ـ في الأصل ـ متعديا لاثنين ، ـ كقوله تعالى : (فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً) [البقرة : ١٠] ولكنه بالافتعال ينقص أبدا مفعولا ، فإن كان الفعل ـ قبل بنائه على «افتعل» للمطاوعة ـ متعديا لواحد ، صار قاصرا بعد المطاوعة ، نحو مددت الحبل فامتدّ ، وإن كان متعديا لاثنين صار ـ بعد الافتعال ـ متعديا لواحد ، كهذه الآية.

__________________

(١) ينظر : الدر المصون ٢ / ٢٦٩.

٧٥

وختمت كل واحدة من هذه الآيات الثلاث بصفة للعذاب غير ما ختمت به الأخرى ؛ لمعنى مناسب ، وهو أنّ الأولى تضمنت الإخبار عنهم بالمسارعة في الكفر ، والمسارعة في الشيء والمبادرة في تحصيله تقتضي جلالته وعظمته ، فجعل جزاؤه (عَذابٌ عَظِيمٌ) مقابلا لهم ، ويدل ذلك على خساسة ما سارعوا فيه. وأما الثانية فتضمنت اشتراءهم الكفر بالإيمان ، والعادة سرور المشتري واغتباطه بما اشتراه ، فإذا خسر تألّم ، فختمت هذه الآية بألم العذاب ، كما يجد المشتري المغبون ألم خسارته.

وأما الثالثة فتضمنت الإملاء ـ وهو الإمتاع بالمال وزينة الدنيا ـ وذلك يقتضي التعزّز والتكبّر والجبروت فختمت هذه الآية بما يقتضي إهانتهم وذلّتهم بعد عزّهم وتكبّرهم.

فصل

قال ابن الخطيب : احتج أصحابنا ـ بهذه الآية ـ في إثبات القضاء والقدر ؛ لأن الإملاء عبارة عن تأخيره مدة ـ والتأخير من فعل الله تعالى ـ والآية دلّت على أنّ هذا الإملاء ليس بخير لهم ، فهو سبحانه خالق الخير والشر.

ودلّت على أن المقصود من هذا الإملاء هو أن يزدادوا إثما ، فدل على أنّ المعاصي والكفر بإرادته وأكّده بقوله : (وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ).

وأيضا أخبر عنهم بأنهم لا خير لهم في هذا الإملاء ؛ لأنهم لا يحصلون إلا زيادة البغي والطغيان ، والإتيان بخلاف خبر الله ـ مع بقاء ذلك الخبر ـ جمع بين النقيضين ، وهو محال. وإذا لم يكونوا قادرين ـ مع ذلك الإملاء ـ على الخير والطاعة ـ مع أنهم مكلّفون بذلك ـ لزم في نفسه بطلان مذهب المعتزلة.

وأجاب المعتزلة عن الأول بأنّ المراد : ليس خيرا لهم بأن يموتوا كما مات الشهداء يوم أحد ؛ لأن هذه الآيات في شأن أحد ، ولا يلزم من كونه ليس خيرا من القتل يوم أحد إلا أن يكون في نفسه خيرا.

وعن الثاني بأنه ليس المراد ليقدموا على الكفر والعصيان ؛ لقوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات : ٥٦] فيحتمل أن تكون اللام للعاقبة ـ كقوله : (لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص : ٨] ـ أو يكون فيه تقديم وتأخير ، تقديره : لا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم ليزدادوا إثما ، إنما نملي لهم خير لأنفسهم. أو لأنهم لما ازدادوا طغيانا ـ بإمهاله ـ أشبه حال من فعل الإملاء لهذا الغرض. أو تقول : اللام ـ هنا ـ ليست للتعليل بالإجماع ، أما على مذهب أهل السّنّة فلأنهم يحيلون تعليل أفعاله تعالى بالأغراض ، وأما على قولنا فلأنّا إنما نعلّل بغرض الإحسان ، لا بالتعب فسقط ما ذكروه.

٧٦

وقول القائل : ما المراد بهذه الآية؟ لا يلتفت إليه ؛ لأن المستدلّ نفى الاستدلال على أن اللام للتعليل ، فإذا بطل ذلك سقط استدلاله.

وعن الثالث ، وهو مسألة العلم والخبر ، أنه معارض بأنه يلزم أنه تعالى موجب لا مختار ، وهو باطل.

والجواب عن الأول أنّ المنفيّ هو الخير في نفس الأمر لا بمعنى المفاضلة ؛ لأن الذي للمفاضلة لا بد وأن يذكر مقابله ، فلما لم يذكر دلّ على أن المنفيّ هو الخير مطلقا. وتمسّكهم بقوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات : ٥٦] وقوله : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ) [النساء : ٦٤] جوابه : أن ما تمسّكوا به عام ، ودليلنا خاصّ. وقولهم : اللام للعاقبة ، قلنا : خلاف الظاهر ـ مع أن البرهان العقليّ يبطله ؛ لأنه تعالى لما علم ذلك وجب حصوله ؛ لأن حصول معلومه واجب ، وعدم حصوله محال ، وإرادة المحال محال فوجب أن يرد ما هو الواقع ، فثبت أن المقصود هو التعليل. وأما التقديم والتأخير ، فجوابه : أن ذلك على خلاف الأصل ؛ لأن ذلك إنما يتم لو كانت «أنّما» الأولى مكسورة والثانية مفتوحة وقولهم : لا يمكن حمل اللام على التعليل ، قلنا : الممتنع ـ عندنا ـ تعليل أفعاله ـ تعالى ـ بغرض يصدر عن العباد ، فأما أنه يفعل فعلا ليحصل منه شيء آخر ، فغير ممتنع.

وأيضا فالآية نصّ على أنه ليس المقصود من الإملاء إيصال الخير لهم ، والقوم لا يقولون به ، فهي حجة عليهم ، وأما المعارضة فجوابها : أن تأثير قدرة الله تعالى ـ في إيجاد المحدثات ـ متقدم على تعلّق علمه بعدمه ، فلم يمكن أن يكون العلم مانعا من القدرة ، وأما العبد فتأثير قدرته في إيجاد الفعل متأخر عن تعلّق علم الله تعالى بعدمه ، فصحّ كون هذا العلم مانعا للعبد عن الفعل.

قال ابن الخطيب : اتفق أصحابنا ، على أنه ليس لله تعالى على الكافر نعمة دينية ، واختلفوا في الدنيوية فتمسك النافون بهذه الآية ، وقالوا : دلت على أن إطالة عمره ليست بخير له ، والعقل يقرّره لك ؛ لأن من أطعم إنسانا طعاما مسموما لا يعد ذلك إنعاما ، فإذا كان القصد من نعم الدنيا عذاب الآخرة فليست بنعمة ، ومما ورد من النعم في حقّ الكافر محمول على ما هو نعمة في الظّاهر لكنه نقم في محض الحقيقة.

قوله تعالى : (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ)(١٧٩)

اللام في «ليذر» تسمّى لام الجحود (١) ، وينصب بعدها المضارع بإضمار «أن» ولا

__________________

(١) لام الجحود ناصبة بنفسها عند الكوفيين ، ولقيامها مقام إذا عند ثعلب ، وبإضمار أن عند البصريين ـ

٧٧

يجوز إظهارها. والفرق بينها وبين لام «كي» أن هذه ـ على المشهور ـ شرطها أن تكون بعد كون منفي ، ومنهم من يشترط مضي الكون ، ومنهم من لم يشترط الكون.

وفي خبر «كان» ـ هنا ـ وما أشبهه قولان :

أحدهما : قول البصريين ـ أنه محذوف ، وأن اللام مقوية لتعدية ذلك الخبر المقدّر لضعفه ، والتقدير : ما كان الله مريدا لأن يذر ، و «أن يذر» هو مفعول «مريدا» والتقدير : ما كان الله مريدا ترك المؤمنين.

الثاني : ـ قول الكوفيين ـ أن اللام زائدة لتأكيد النفي ، وأن الفعل بعدها هو خبر

__________________

ـ وجوبا ، وشرطها : أن يكون قبلها كون ماض لفظا ، أو معنى ناقص منفي بلا أو بلم ، نحو : «ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ» ولم يكن زيد ليذهب ، ولا يكون النفي هنا (بلن) ولا «بلا» ولا (بلما) ولا (بإن) وذهب بعض النحويين إلى جواز ذلك في ظننت فتقول : ما ظننت زيدا ليضرب عمرا ، ولم أظن زيدا ليضرب عمرا ، وذكروا أن قول العرب لا كان زيد ليفعل ، وقد أجاز ذلك بعض أصحابنا ، ويحتاج إلى سماع ، ولا يجوز في نفي كان زيد سيفعل أن تقول : ما كان زيد يفعل فتسقط اللام ، وقد أجاز ذلك بعض النحويين على قلة ، فأما ما ورد من قولهم : ما كان زيد يفعل ، فإن يفعل أريد به الاستقبال ، ولما كانت أن مضمرة على مذهب البصريين ، وهي تنسبك منها مع الفعل مصدر مقدر جره بلام الجر عندهم أن يكون خبر كان هو المحذوف الذي يتعلق به اللام ، فيكون النفي متسلطا على ذلك الخبر المحذوف ، فينتفي بنفيه متعلقه ، فيقدرون «وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ» أي مريدا لإطلاعكم ، ويكون خبر كان ملتزما فيه الحذف في هذا التركيب ، ويدل على هذا المحذوف أنه قد سمع به مصرحا في قول الشاعر :

سموت ولم تكن أهلا لتسمو

لكن التصريح به في غاية الندور ، وفي البديع لمحمد بن مسعود القرني (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) لا يجوز لأن يضيع إلا بشرط أن يظهر خبر كان ، فتقول : ما كان الله مريدا لأن يضيع إيمانكم ، وذلك لأن المحذوفات من كلام المشهور إذا أريدها ، فالحق أن ترد كلها حتى يرجع إلى أصله ، أو تضمر كلها حتى يبقى الكلام على شهرته نحو : إياك والأسد ، فلا يجوز أن يرد بعضها ويضمر بعض لا تضمر إياك احفظ والأسد بل احفظ إياك واحذر الأسد انتهى. ولما كان (أن) مضمرة بعد اللام أجاز بعض النحويين من البصريين حذف اللام وإظهار (أن) نحو : ما كان زيد أن يقوم ، وقال ابن الأنباري : العرب تدخل (أن) في موضع لام الجحود فيقولون : ما كان عبد الله أن يظلمك ، ولم يكن محمد أن يختصمك قال : ولا موضع (لأن) من الإعراب لأنها أفادت ما أفادت اللام ، ولا يجوز ما كان عبد الله لأن يزورك بإظهار (أن) بعد اللام عند كوفي ولا بصري انتهى ، والصحيح أنه لا يكتفى (بأن) عن اللام ، وقد اضطرب في ذلك ابن عصفور فمرة أجاز ومرة منع ، ولما كانت اللام هي الناصبة عند الكوفيين ، كان الخبر هو نفس الفعل ، فالنفي متسلط عليه ، واللام عندهم زائدة لمجرد التوكيد ، فلذلك أجازوا أن يتقدم معمول الفعل المنصوب بها عليها ، نحو : ما كان زيد لأن يقوم ، على سبيل التأكيد ، وهذا مخالف لما حكى ابن الأنباري عن الكوفيين أنهم لا يجيزون ذلك ، ويتركب من قول ابن مالك مذهب لم يقل به أحد ، وذلك أنه زعم أن (أن) لازمة للإضمار ، وأن النصب بها ، وزعم أن الفعل بعد اللام هو الخبر لكان ، وليس هذا بقول بصري ولا كوفي ، وهذا الذي ذكرناه من خصوصية حرف النفي أو الفعل المنفي به هو المشهور والمتصور في لام الجحود ، وزعم بعضهم أنها تكون في كل فعل منفي تقدمه فعل نحو : ما جئت لتكرمني ، ومن جعل لام الجحود لام (كي) فساه ولا يجيء قبل (لام) الجحود اسم مفرد بل جملة بشروطها. الارتشاف ٢ / ٣٩٩ ـ ٤٠٠ ـ ٤٠١ وانظر المقرب ١ / ٢٦٢.

٧٨

كان واللام عندهم هي العاملة النصب في الفعل بنفسها ، لا بإضمار «أن» والتقدير عندهم : ما كان الله ليذر المؤمنين.

وضعّف أبو البقاء مذهب الكوفيين بأنّ النصب قد وجد بعد هذه اللام ، فإن كان النصب بها نفسها فليست زائدة ، وإن كان النصب بإضمار «أن» فسد من جهة المعنى لأن «أن» وما في حيزها بتأويل مصدر ، والخبر في باب «كان» هو الاسم في المعنى ، فيلزم أن يكون المصدر ـ الذي هو معنى من المعاني ـ صادقا على اسمها ، وهو محال.

وجوابه : أما قوله : إن كان النصب بها فليست زائدة ممنوع ؛ لأن العمل لا يمنع الزيادة ، ألا ترى أنّ حروف الجرّ تزاد ، وهي عاملة وكذلك «أن» عند الأخفش ، و «كان» في قول الشاعر : [الوافر]

١٧٠٠ ـ ............

وجيران لنا كانوا كرام (١)

كما تقدم تحقيقه و «يذر» فعل لا يتصرف ـ كيدع ـ استغناء عنه بتصرّف [مرادفه](٢) ـ وحذفت الواو من «يذر» من غير موجب تصريفي ، وإنما حملت على «يدع» لأنها بمعناها ، و «يدع» حذفت منه الواو لموجب ، وهو وقوع الواو بين ياء وكسرة مقدرة وأما الواو في «يذر» فوقعت بين ياء وفتحة أصلية. وقد تقدم تحقيقه عند قوله تعالى : (وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا) [البقرة : ٢٨٧].

فصل

وجه النظم : أن هذه الآية من بقية قصة أحد ، فأخبر ـ تعالى ـ أن الأحوال التي وقعت في تلك الحادثة ـ من القتل والهزيمة ، ثم دعاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إياهم إلى الخروج إلى العدو مع ما كان بهم من الجراحات ، ثم دعاهم مرة أخرى إلى بدر الصّغرى ، لموعد أبي سفيان ـ دليل على امتياز المؤمنين من المنافقين ، فأخبر ـ تعالى ـ بأنه لا يجوز ـ في حكمته ـ أن يترككم على ما أنتم عليه من اختلاط المنافقين بكم ، وإظهارهم أنهم منكم ـ بل يجب في حكمته أن يميّز الخبيث ـ وهو المنافق ـ من الطيب ـ وهو المؤمن ـ.

فصل في سبب النزول

قال الكلبيّ : قالت قريش : يا محمد ، تزعم أن من خالفك ، فهو في النّار ، والله عليه غضبان ، وأن من اتبعك ، وهو على دينك ، فهو في الجنّة ، والله عنه راض. فأخبرنا بمن يؤمن بك ، ومن لا يؤمن ؛ فأنزل الله هذه الآية (٣).

وقال السّديّ : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «عرضت عليّ أمّتي في صورتها في العلّيّين ، كما

__________________

(١) تقدم برقم ٨٢٥.

(٢) في أ : مراده.

(٣) ذكره أبو حيان في البحر المحيط ٣ / ١٣٠.

٧٩

عرضت على آدم وأعلمت من يؤمن ومن يكفر» فبلغ ذلك المنافقين ، فقالوا ـ استهزاء ـ : زعم محمد أنه يعلم من يؤمن به ، ومن يكفر ، ممن لم يخلق بعد ، ونحن معه ، وما يعرفنا ، فبلغ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقام على المنبر فحمد الله ، وأثنى عليه ، ثم قال : «ما بال أقوام طعنوا في علمي ، لا تسألوني عن شيء ـ فيما بينكم وبين السّاعة ـ إلّا نبّأتكم به» فقام عبد الله بن حذافة السهميّ ، وقال : من أبي ، يا رسول الله؟ فقال : «حذافة» فقام عمر ، فقال : يا رسول الله ، رضينا بالله ربّا ، وبالإسلام دينا ، وبالقرآن إماما ، وبك نبيّا ، فاعف عنا ، عفا الله عنك. فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) ـ مرتين ـ ثم نزل عن المنبر ، فأنزل الله هذه الآية (١).

قوله : (حَتَّى يَمِيزَ) حتى ـ هنا ـ قيل : هي الغائية المجرّدة ، بمعنى «إلى» والفعل بعدها منصوب بإضمار «أن» وقد تقدم تحقيقه في «البقرة».

فإن قيل الغاية ـ هنا ـ مشكلة ـ على ظاهر اللفظ ـ لأنه يصير المعنى : أنه تعالى لا يترك المؤمنين على ما أنتم عليه إلى هذه الغاية ـ وهي التمييز بين الخبيث والطّيّب ـ ومفهومه أنه إذا وجدت الغاية ترك المؤمنين على ما أنتم عليه.

هذا ظاهر ما قالوه من كونها للغاية ، وليس المعنى على ذلك قطعا ، ويصير هذا نظير قولك : لا أكلّم زيدا حتى يقدم عمرو ، فالكلام منتف إلى قدوم عمرو.

فالجواب عنه : أن «حتّى» غاية لما يفهم من معنى هذا الكلام ، ومعناه : أنه ـ تعالى ـ يخلص ما بينكم بالابتلاء والامتحان إلى أن يميز الخبيث من الطيب.

وقرأ حمزة [والكسائي](٢) ـ هنا وفي الأنفال ـ «يميّز» ـ بالتشديد ـ والباقون بالتخفيف ، وعن ابن كثير ـ أيضا ـ «يميز» من «أماز» فهذه ثلاث لغات ، يقال : مازه وميّزه وأمازه. والتشديد والهمزة ليسا للنقل ؛ لأنّ الفعل ـ قبلهما ـ متعد ، وإنما «فعّل» ـ بالتشديد ـ و «أفعل» بمعنى : المجرد. وهل «ماز» و «ميّز» بمعنى واحد ، أو بمعنيين مختلفين؟ قولان. ثم القائلون بالفرق اختلفوا ، فقال بعضهم : لا يقال : ماز ، إلا في كثير ، فأما واحد من واحد فميّزت ، ولذلك قال أبو معاذ : يقال ميزّت بين الشيئين تمييزا ، ومزت بين الأشياء ميزا. وقال بعضهم عكس هذا ـ مزت بين الشيئين ميزا ، وميّزت بين الأشياء تمييزا ـ وهذا هو القياس ، فإنّ التضعيف يؤذن بالتكثير ، وهو لائق بالمتعددات ، وكذلك إذا جعلت الواحد شيئين قلت : فرقت ـ بالتخفيف ـ ومنه : فرق الشعر ، وإن جعلته أشياء ، قلت : فرّقتها تفريقا.

ورجّح بعضهم «ميّز» ـ بالتشديد ـ بأنه أكثر استعمالا ، ولذلك لم يستعملوا المصدر إلا منه ، قالوا : التمييز ، ولم يقولوا : الميز ـ يعني لم يقولوه سماعا ، وإلا فهو جائز قياسا.

__________________

(١) تقدم.

(٢) سقط في ب.

٨٠