اللّباب في علوم الكتاب - ج ٦

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ٦

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٦٣٢

الثاني : سفر الحجّ ، فالأوّل ندب ، وهذا فرض.

الثالث : الجهاد ، [وله أحكامه](١).

الرابع : سفر المعاش ؛ إذا تعذّر على الرّجل معاشه مع الإقامة ، فيخرج في طلبه لا يزيد عليه ؛ من صيد ، أو احتطاب ، أو احتشاس ، فهو فرض عليه.

الخامس : سفر التّجارة والكسب الزّائد على القوت ، وذلك جائز بفضل الله تعالى ؛ قال ـ تعالى ـ : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) [البقرة : ١٩٨] يعني (٢) : التّجارة ، وهو نعمة منّ الله بها في سفر الحجّ ، [فكيف إذا انفردت](٣).

السّادس : طلب العلم.

السّابع : قصد البقاع الشّريفة ؛ قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ «لا تشدّ الرّحال إلّا إلى ثلاثة مساجد» (٤).

الثّامن : الثّغور للرّباط بها.

التاسع : زيارة الإخوان في الله ـ تعالى ـ ؛ قال ـ عليه الصلاة والسلام : «زار رجل أخا له في قرية (٥) ، [فأرصد الله له ملكا على مدرجته ، فقال : أين تريد ، قال : أريد أخا لي في هذه القرية](٦) ، فقال : هل له عليك من نعمة تربّها عليه ، قال : إني أحببته في الله ، قال : فإني رسول الله إليك ، بأنّ الله قد أحبّك كما أحببته فيه» [رواه مسلم ، وغيره (٧)](٨).

قوله تعالى : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً)(١٠١)

لما ذكر الجهاد ذكر أحد الأمور التي يحتاج إليها المجاهد ، وهو معرفة كيفيّة أداء الصّلاة في الخوف ، والاشتغال بمحاربة العدوّ.

(أَنْ تَقْصُرُوا) : هذا على حذف الخافض ، أي : في أن تقصروا ، فيكون في محلّ «أن» الوجهان المشهوران ، وهذا الجارّ يتعلّق بلفظ «جناح» أي : فليس عليكم جناح في قصر الصّلاة.

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) في أ : العيني.

(٣) سقط في أ.

(٤) تقدم.

(٥) في ب : هذه القرية.

(٦) سقط في ب.

(٧) سقط في ب.

(٨) أخرجه مسلم كتاب البر والصلة : باب في فضل الحب في الله ص (٢٥٦٧) والبخاري في «الأدب المفرد» رقم (٣٥٠) من حديث أبي هريرة.

تربّها : أي تحفظها وتراعيها وتربيها كما يربي الرجل ولده ينظر «النهاية في غريب الحديث» (٢ / ١٨٠).

٦٠١

قال الواحديّ : يقال : قصر فلان صلاته ، وأقصرها وقصّرها ، وكلّ ذلك جائز.

والجمهور على «تقصروا» من «قصر» ثلاثيا (١) ، وقرأ ابن عبّاس : «تقصروا» من «أقصر» ، وهما لغتان : قصر وأقصر ، حكاهما الأزهريّ ، وقرأ الضّبيّ عن رجاله بقراءة ابن عبّاس ، وقرأ الزّهري : «تقصّروا» مشدّدا على التّكثير.

قوله : «من الصّلاة» في «من» وجهان :

أظهرهما : أنها تبعيضيّة ، وهذا معنى قول أبي البقاء (٢) ، وزعم أنه مذهب سيبويه ، وأنّها صفة لمحذوف ، تقديره : شيئا من الصلاة.

والثاني : أنّها زائدة ، وهذا رأي الأخفش فإنه لا يشترط في زيادتها شيئا ، و (أَنْ يَفْتِنَكُمُ) : مفعول «خفتم».

وقرأ عبد الله (٣) بن مسعود ، وأبيّ : «من الصّلاة أن يفتنكم» بإسقاط الجملة الشّرطيّة ، و (أَنْ يَفْتِنَكُمُ) على هذه القراءة ، مفعول من أجله ، ولغة الحجاز : «فتن» ثلاثيا ، وتميم وقيس : «أفتن» رباعيا.

فصل

لفظ القصر مشعر بالتّخفيف ؛ لأنه ليس صريحا في أنّ المراد : هو القصر في عدد الركعات ، أي: في كيفيّة أدائها ، فلا جرم حصل في الآية قولان :

الأوّل : قول الجمهور أنّ المراد منه : القصر في عدد الرّكعات والقائلون بهذا القول اختلفوا على قولين :

الأوّل : أن المراد منه : صلاة المسافر ؛ وهو أنّ كلّ صلاة تكون في الحضر أربع ركعات ، فإنها تصير (٤) في السّفر ركعتين ، وعلى هذا إنّما يدخل القصر في الرّباعيّة خاصّة.

الثاني : أنّ المراد : صلاة الخوف في السّفر ، وهو قول ابن عبّاس ، وجابر بن عبد الله ، وجماعة ، قال ابن عبّاس : فرض الله صلاة الحضر أربعا ، وصلاة [السّفر ركعتين](٥) ، وصلاة الخوف ركعة على لسان نبيّكم صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٦).

__________________

(١) ينظر في قراءات هذا الفعل : المحرر الوجيز ٢ / ١٠٤ ، والبحر المحيط ٣ / ٣٥٣ ، والدر المصون ٢ / ٤٢٢.

(٢) ينظر : الإملاء ١ / ١٩٤.

(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ١٠٤ ، والبحر المحيط ٣ / ٣٥٣ ، والدر المصون ٢ / ٤٢٢.

(٤) في ب : تقصد.

(٥) سقط في ب.

(٦) أخرجه مسلم في صلاة المسافرين (٥ / ٦٨٧) ، وأبو داود ٢ / ١٧ ، في الصلاة : باب من قال يصلي لكل طائفة ركعة (١٢٤٧).

٦٠٢

القول الثاني : أن المراد من القصر : التّخفيف في كيفيّة أداء الرّكعات ، وهو أن يكتفى في الصّلاة بالإيماء والإشارة بدل الرّكوع والسّجود ، وأن يجوز المشي في الصّلاة ، وأن تجوز الصلاة عند تلطّخ الثّوب بالدّم (١) وهو الصّلاة حال التحام القتال ، [وهو مرويّ عن ابن عبّاس وطاووس (٢) ، واحتجّوا : بأنّ خوف فتنة العدوّ لا تزول فيما يؤتى بركعتين على تمام أوصافها ، وإنما عيّن ذلك فيما يشتدّ فيه الخوف حال التحام القتال](٣) ، وهذا ضعيف ؛ لأنه يمكن أن يقال : إن المسافر إذا كانت الصّلاة قليلة الرّكعات ، فيمكنه (٤) أن يأتي بها على وجه لا يكون خصمه عالما بكونه مصلّيا أما إذا كثرت الرّكعات ، طالت الصّلاة ، ولا يمكنه أن يأتي بها على حين غفلة مع العدوّ ، وحمل لفظ القصر على إسقاط [بعض](٥) الرّكعات أولى لوجوه :

أحدها : ما روي عن يعلى (٦) بن أميّة أنّه قال : قلت لعمر بن الخطّاب ـ رضي الله عنه ـ : كيف نقصر وقد أمنّا ، وقد قال الله ـ تعالى ـ : (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ) فقال : عجبت ممّا عجبت منه ؛ فسألت الرّسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ فقال : «صدقة تصدّق الله بها عليكم ، فاقبلوا صدقته (٧)» (٨) ، وهذا يدلّ على أن القصر المذكور في الآية (٩) هو القصر في عدد الركعات.

الثاني : أن القصر عبارة عن أن يؤتى ببعض الشّيء ويقتصر عليه ، فأمّا أن يؤتى بشيء آخر ، فذلك لا يسمّى قصرا ، ومعلوم : أن إقامة الإيماء (١٠) [مقام](١١) الرّكوع والسّجود ، وتجويز المشي في الصّلاة ، وتجويز الصّلاة مع الثّوب الملطّخ بالدّم ، ليس شيء من ذلك قصرا ؛ بل كلّها إثبات لأحكام جديدة ، وإقامة لشيء مقام شيء آخر.

__________________

(١) في أ : الدم بالثوب.

(٢) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ١٥.

(٣) سقط في ب.

(٤) في ب : يمكنه.

(٥) سقط في ب.

(٦) في أ : لعلي.

(٧) أخرجه مسلم ١ / ٤٧٨ كتاب صلاة المسافرين ، باب صلاة المسافرين ٤ / ٦٨٦ وأخرجه في الصلاة : باب صلاة المسافر (١١٩٩) ، والترمذي ٥ / ٢٢٧ ، في التفسير : باب (٥) (٣٠٢٤) ، وأخرجه ابن ماجه ١ / ٣٣٩ في إقامة الصلاة : باب تقصير الصلاة ١٠٦٥ ، والشافعي ١ / ٣١١.

وأبو داود (٢ / ٤) رقم (١١٩٩) والبيهقي (٣ / ١٣٤ ، ١٤٠ ، ١٤١) والطبري في «تفسيره» (٩ / ١٢٤) وأحمد رقم (١٧٤ ، ٢٤٤ ، ٢٤٥ ـ شاكر) من حديث عمر بن الخطاب.

وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٧١) وزاد نسبته إلى ابن الجارود وابن خزيمة وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن النحاس في ناسخه.

(٨) في البيضاوي الجواب بأن إن خفتم جملة شرطية باعتبار الغالب في ذلك الوقت ولذلك لم يعتبر مفهومها على أن هناك قراءة شاذة بإسقاط هذه الجملة. انتهى.

(٩) في أ : الأمر.

(١٠) في أ : الإيمان.

(١١) سقط في أ.

٦٠٣

الثالث : أن «من» في قوله : (مِنَ الصَّلاةِ) للتّبعيض ، وذلك يوجب جواز الاقتصار على بعض الصّلاة.

الرابع : أن لفظ القصر كان في عرفهم مخصوصا بتنقيص عدد الرّكعات ، ولهذا لمّا صلّى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الظّهر ركعتين ، قال ذو اليدين : «أقصرت الصلاة أم نسيت؟».

الخامس : القصر بمعنى : تغير هيئة [الصّلاة](١) المذكورة في الآية الّتي بعدها توجب أن يكون المراد من هذه الآية بيان القصر ، بمعنى : حذف بعض الرّكعات ، لئلا يلزم التّكرار.

فصل هل الأفضل الإتمام أو القصر؟

قصر الصّلاة في السّفر (٢) جائز بالإجماع ، واختلفوا في جواز الإتمام.

فذهب أكثرهم إلى أن القصر واجب ، وهو قول عمر وعليّ ، وابن عمر ، وجابر ، وابن عبّاس ، وبه قال الحسن وعمر بن عبد العزيز ، وقتادة ، وهو قول مالك وأصحاب الرأي لما روت (٣) عائشة ـ رضي الله عنها ـ ، قالت : «الصّلاة أوّل ما فرضت [ركعتين في الحضر والسّفر فأقرّت](٤) صلاة السّفر ، وأتمّت صلاة الحضر».

وذهب قوم إلى جواز الإتمام ، روي ذلك عن عثمان [وسعد](٥) بن أبي وقّاص ، وبه قال الشّافعيّ إن شاء أتمّ ، وإن شاء قصر ، والقصر أفضل.

فصل

قال أهل الظّاهر : قليل السّفر وكثيره (٦) سواء ؛ لظاهر الآية ، فإن الآية مرتّبة من شرط وجزاء ، فإذا وجد الشّرط وهو الضّرب في الأرض ، ترتّب (٧) عليه [الجزاء](٨) سواء كان طويلا أو قصيرا ، وذلك مرويّ عن أنس ، وقال عمرو بن دينار : قال لي جابر بن زيد : أقصر بعرفة.

فإن قيل : هذا يقتضي حصول الرّخصة عند انتقال الإنسان من محلّة إلى محلّة. فالجواب : لا نسلّم أنّ هذا ضرب في الأرض ، وإن سلّم ، فنقول : الإجماع منعقد على أنّه غير معتبر ، فهذا تخصيص بالإجماع ، والعامّ بعد التّخصيص حجّة.

وقال الجمهور : إن السّفر ما لم يتقدّر بمقدار مخصوص ، لم تحصل فيه الرّخصة ، وقالوا : أجمع السّلف على أنّ أقل السّفر مقدّر ؛ لأنه روي عن عمر أنّه يقصر

__________________

(١) سقط في ب.

(٢) في أ : السفر في الصلاة.

(٣) في أ : كما أوت.

(٤) سقط في أ.

(٥) سقط في أ.

(٦) في أ : كثير القر وقليله.

(٧) في أ : نزلت.

(٨) سقط في أ.

٦٠٤

في يوم تامّ (١) ؛ وبه قال الزّهري والأوزاعيّ.

وقال ابن عبّاس : يقصر إذا زاد علي يوم وليلة (٢).

قال أنس : المعتبر خمسة فراسخ (٣) ، وقال الحسن : مسيرة ليلتين (٤).

وقال الشعبي ، والنّخعي ، وسعيد بن جبير : من الكوفة إلى المدائن مسيرة ثلاثة أيّام (٥) ، وهو قول أبي حنيفة ، وروى الحسن بن زياد ، عن أبي حنيفة : أنّه إذا سافر إلى موضع يكون مسيرة يومين ، وأكثر اليوم الثّالث ، جاز القصر ، وهكذا رواه ابن سماعة ، عن أبي يوسف ومحمّد.

وقال مالك : أميال بأميال هاشم جدّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو الذي قدّر أميال البادية ؛ كل ميل اثنا عشر ألف قدم ، وهي أربعة آلاف خطوة ، فإن كل ثلاثة أقدام خطوة ، قالوا : واختلاف النّاس يدل على انعقاد الإجماع ، على أن الحكم غير مربوط بمطلق السّفر.

قال أهل الظاهر : اضطرابهم يدلّ على أنّهم لم يجدوا دليلا في تقدير المدّة ، إذ لو (٦) وجدوه لما حصل الاضطراب ، وأما سكوت [سائر](٧) الصّحابة ؛ فلعلّه كان لاعتقادهم أنّ الآية دالّة على ارتباط الحكم بمطلق السّفر ، وإذا كان الحكم مذكورا في نصّ القرآن ، لم يكن بهم حاجة إلى الاجتهاد والاستنباط ؛ فلهذا سكتوا ، فاستدل الحنفيّة على تقدير المدّة بقوله ـ عليه الصلاة والسلام : «يمسح المسافر ثلاثة أيّام» ؛ وهو يدل على أنّه إذا لم يحصل المسح ثلاثة أيّام ، لا يسمّى مسافرا.

واستدل الشّافعيّة بما روى مجاهد وعطاء ، عن ابن عبّاس ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «يا أهل مكّة ، لا تقصروا في أدنى من أربعة برد من مكّة إلى عسفان» (٨) قال أهل الظّاهر : وهذا تخصيص لعموم القرآن (٩) بخبر الواحد ، وهو لا يجوز ؛ لأن القرآن مقطوع به والخبر مظنون ، وقال عليه الصلاة والسلام: «إذا روي عنّي حديث فاعرضوه على كتاب

__________________

(١) ينظر : «التفسير الكبير» للرازي (١١ / ١٧).

(٢) ينظر : المصدر السابق.

(٣) ينظر : المصدر السابق.

(٤) ينظر : المصدر السابق.

(٥) ينظر : المصدر السابق.

(٦) في ب : ولو.

(٧) سقط في ب.

(٨) أخرجه الدارقطني (١ / ٣٨٧) والبيهقي (٣ / ١٣٧ ـ ١٣٨) والطبراني في «الكبير» (١١ / ٩٧) من طريق إسماعيل بن عياش عن عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه وعطاء عن ابن عباس مرفوعا.

والحديث ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٢ / ١٥٧) وقال : رواه الطبراني في الكبير من رواية ابن مجاهد عن أبيه وعطاء ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات وذكره الحافظ في «الفتح» (٢ / ٤٦٧) وقال : وهذا إسناد ضعيف من أجل عبد الوهاب.

كما أورده في «تلخيص الحبير» (٢ / ٤٦) وقال : وإسناده ضعيف فيه عبد الوهاب بن مجاهد وهو متروك رواه عنه إسماعيل بن عياش وروايته عن الحجازيين ضعيفة والصحيح عن ابن عباس من قوله.

(٩) في أ : للقرآن بعموم.

٦٠٥

الله ـ [تعالى](١) ـ ، فإن وافق ، فاقبلوه ، وإلا فردّوه» وهذا مخالف لعموم الكتاب ، وأيضا فإنها أخبار وردت في واقعة تعمّ الحاجة إلى معرفتها ؛ لأن الصّحابة ـ رضي الله عنهم ـ كانوا في أكثر الأوقات في السّفر والغزو ، فلو كانت الرّخصة مخصوصة بسفر مقدّر ، لعرفوها ونقلوها نقلا متواترا ، لا سيّما وهو على خلاف ظاهر القرآن ، وأيضا : فدلائل الشّافعيّة ودلائل الحنفيّة متقابلة متدافعة فسقطت (٢) ووجب الرّجوع لظاهر القرآن.

فصل

خصّ أهل الظّاهر جواز القصر بحال الخوف ؛ لقوله ـ تعالى ـ : (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ) والمشروط بالشّيء عدم ، عند عدم ذلك الشّيء ، ولا يجوز دفع هذا الشّرط بأخبار الآحاد ؛ لأن نسخ القرآن بخبر الواحد لا يجوز.

قوله : (إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) فقيل : إن يفتنوكم عن إتمام الرّكوع [والسّجود](٣) ، وقيل : (أَنْ يَفْتِنَكُمُ) أي يغلبكم الّذين كفروا في الصّلاة ، ونظيره قوله : [تعالى](٤) : (عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ) عن الصلاة ؛ لأن كلّ محنة ، وبليّة ، وشدّة فهي فتنة ، وجواب الشّرط محذوف يدلّ عليه ما قبله.

وقيل : الكلام تمّ [عند قوله : «من الصّلاة» (٥)] والجملة الشّرطية مستأنفة حتى قيل : إنها نزلت بعد سنة عن نزول ما قبلها ، وجوابه حينئذ (٦) أيضا محذوف ، ولكن يقدّر من جنس ما بعده ، وهذا قول ضعيف ، وتأخير نزولها لا يقتضي استئنافها.

فصل

اختلفوا متى يقصر :

فالجمهور على أنّ المسافر لا يقصر حتّى يخرج من بيوت القرية [وحينئذ](٧) هو ضارب في الأرض ، وهو قول مالك في المدوّنة (٨) ، وروي عنه : أنّه إذا كانت قرية تجمع أهلها لا يقصر حتى يجاوزها بثلاثة أميال ، وكذلك في الرّجوع ، وعن الحارث بن أبي ربيعة : إذا أراد السّفر ، يقصر في منزله ؛ فيكون معنى قوله ـ [تعالى](٩) ـ : (إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ) معناه](١٠) : إذا أردتم السّفر. وعن مجاهد : لا يقصر يومه الأوّل حتى اللّيل ، وهذا شاذّ ؛ لأن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى الظّهر بالمدينة [أربعا](١١) ، وصلّى العصر بذي الحليفة

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) في أ : فتساقطت.

(٣) سقط في أ.

(٤) سقط في أ.

(٥) سقط في ب.

(٦) في ب : وحينئذ فجوابه.

(٧) سقط في أ.

(٨) في أ : المدينة.

(٩) سقط في ب.

(١٠) سقط في ب.

(١١) سقط في أ.

٦٠٦

ركعتين ، وبين المدينة وذي الحليفة ستّة أميال ، أو سبعة.

فصل

وعلى المسافر أن ينوي القصر حين الإحرام ، فإن افتتح الصّلاة بنيّة (١) القصر ، ثمّ عزم على المقام في أثناء (٢) الصّلاة ، جعلها نافلة ، فإن كان ذلك بعد أن صلّى منها ركعة [واحدة](٣) ، أضاف إليها أخرى [وسلّم](٤) ثم صلى صلاة مقيم ، وقال الأبهريّ ، وابن الجلّاب : هذا ـ والله أعلم ـ استحباب ، ولو بنى على صلاته وأتمها ، أجزأته.

قوله : (إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً) [و](٥) المعنى : إن العداوة بينكم وبين الكافرين قديمة ، والآن قد أظهرتم خلافهم في الدّين فازدادت (٦) عداوتهم لكم ، فمن شدّة (٧) العداوة ، حاربوكم وقصدوا إتلافكم إن قدروا ، فإن طالت صلاتكم ، فربّما وجدوا الفرصة في قتلكم ؛ فلهذا رخّصت لكم في قصر الصّلاة.

قوله «لكم» متعلّق بمحذوف ؛ لأنه حال من «عدوّا» ، فإنه في الأصل صفة نكرة ، ثم قدّم عليها ، وأجاز أبو البقاء (٨) أن يتعلّق ب «كان» ، [وفي المسألة] كلام مرّ تفصيله. وأفرد «عدوّا» وإن كان المراد به الجمع لأنّ العدوّ يستوي فيه الواحد والجمع ؛ قال ـ تعالى ـ : (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي) وقد تقدّم تحقيقه في البقرة.

فصل في معنى الآية

قوله : (إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) متّصل بما بعده من صلاة الخوف ، منفصل عمّا قبله ، روي عن أبي أيّوب الأنصاري ، أنّه قال : نزل قوله : (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) هذا القدر ، ثمّ بعد حول سألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن صلاة الخوف ؛ فنزل : (إِنْ خِفْتُمْ) أي : وإن خفتم (أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً ، وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ).

ومثله في القرآن كثير [أن](٩) يجيء الخبر بتمامه ، ثم ينسق عليه خبر آخر ، وهو في الظّاهر كالمتّصل به ، وهو منفصل عنه ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) [يوسف : ٥١] هذه حكاية عن امرأة العزيز ، وقوله : (ذلِكَ)(١٠)(لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) [يوسف : ٥٢] ، إخبار عن يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ.

__________________

(١) في أ : بين.

(٢) في أ : نية.

(٣) سقط في ب.

(٤) سقط في أ.

(٥) سقط في ب.

(٦) في أ : فإذا زادت.

(٧) في أ : فبشدة.

(٨) ينظر : الإملاء ١ / ١٩٣.

(٩) سقط في ب.

(١٠) في أ : ذلكم.

٦٠٧

قوله تعالى : (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً)(١٠٢) (١).

كما بيّن قصر الصّلاة يحسب الكمّيّة في العدد ، بين في هذه الآية كيفيّتها ، والضّمير في «فيهم» يعود على الضّاربين في الأرض ، وقيل على الخائفين.

روى الكلبيّ ، عن أبي صالح ، عن ابن عبّاس ، وجابر ـ رضي الله عنهم ـ : أن المشركين لمّا رأوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه قاموا في الظّهر يصلّون جميعا ، ندموا ألّا كانوا أكبّوا عليهم ، فقال بعضهم لبعض : دعهم فإنّ لهم بعدها صلاة هي أحبّ إليهم من آبائهم وأبنائهم ، يعني : صلاة العصر ، فإذا قاموا فيها (٢) فشدّوا عليهم ، فاقتلوهم ؛ فنزل جبريل فقال : يا محمّد إنّها صلاة الخوف ، وإن الله ـ عزوجل ـ يقول : (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ) فعلّمه صلاة الخوف.

فصل : هل صلاة الخوف خاصة بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم

قال أبو يوسف ، والحسن بن زياد : صلاة الخوف كانت خاصّة للرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، ولا تجوز لغيره ؛ لقوله ـ تعالى ـ : (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ).

وقال المزني : كانت ثابتة ثم نسخت ، ومذهب الجمهور : ثبوتها في حقّ كل الأمّة ؛ لقوله ـ تعالى ـ : (وَاتَّبِعُوهُ) [الأعراف : ١٥٨] وأن حكمها باق ، وقد ورد كيفيّة صلاة الخوف على ستّة أوجه مذكورة في كتب الفقه.

قال أحمد بن حنبل : كلّ حديث روي في أبواب صلاة الخوف ، فالعمل به جائز ، روي فيه ستّة أوجه ، أو سبعة أوجه.

قوله : (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ) أي : شهيدا معهم في غزواتهم ، (فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ) أي : فلتقف ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا) [البقرة : ٢٠] أي : وقفوا ، والمعنى : فاجعلهم طائفتين ، فلتقم طائفة منهم معك ، فصلّ بهم.

وقرأ الحسن (٣) «فلتقم» بكسر لام الأمر وهو الأصل ، (وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) والضّمير : إما للمصلّين ، أو لغيرهم ، فإن كان للمصلّين ، [فقالوا](٤) : يأخذون (٥) من

__________________

(١) سقط في ب.

(٢) في ب : إليها.

(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ١٠٧ ، البحر المحيط ٣ / ٣٥٤ ، والدر المصون ٢ / ٤٢٣.

(٤) سقط في ب.

(٥) في ب : فليأخذوا.

٦٠٨

السّلاح ما لا يشغلهم عن الصّلاة ؛ كالسّيف والخنجر ؛ لأن ذلك أقرب إلى الاحتياط ، وأمنع للعدوّ (١) من الإقدام عليهم ، وإن كان لغير المصلّين ، وهم الطّائفة الأخرى التي تحرس المصلّين ، فلا كلام.

واختار الزّجّاج (٢) عوده على الجميع ، قال : «لأنه أهيب للعدوّ». والسّلاح : ما يقاتل به ، وجمعه أسلحة وهو مذكّر ، وقد يؤنّث باعتبار الشّوكة ، قال الطّرمّاح : [الطويل]

١٨٧٦ ـ يهزّ سلاحا لم يرثها كلالة

يشكّ بها منها غموض المغابن (٣)

فأعاد الضّمير عليه كضمير المؤنّثة ، ويقال : سلاح كحمار ، وسلح كضلع ، وسلح كصرد ، وسلحان كسلطان ؛ نقله أبو بكر بن دريد. والسّليح : نبت إذا رعته الإبل ، سمنت وغزر لبنها ، وما يلقيه البعير من جوفه ، يقال له : «سلاح» بزنة غلام ، ثم عبّر به عن كلّ عذرة ، حتى قيل في الحبارى : «سلاحه [سلاحه]»

ثم قال ـ تعالى ـ : (فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ) يعني : غير المصلّين من ورائكم يحرسونكم يريد : مكان الّذين هم تجاه العدو ، ثم قال ـ [تعالى](٤) ـ : (وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ) وهم الّذين كانوا في تجاه العدوّ ، وقرأ أبو حيوة (٥) : «وليأت» بناء على تذكير الطّائفة ، وروي عن أبي عمرو : الإظهار والإدغام في (وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ).

قوله : (لَمْ يُصَلُّوا) الجملة في محلّ رفع ؛ لأنها [صفة ل «طائفة» بعد صفة ، ويجوز أن يكون في محلّ نصب على الحال ؛ لأن النّكرة](٦) قبلها تخصّصت بالوصف بأخرى. ثم قال (وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) والمعنى : أنه ـ تعالى ـ جعل الحذر : الّذي هو التحذّر والتّيقّظ آلة يستعملها الغازي ؛ فلذلك جمع بينه وبين الأسلحة في الأخذ ؛ وجعلا مأخوذين ، وهذا مجاز ؛ كقوله : (تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ) [الحشر : ٩] في أحد الأوجه.

قال الواحدي (٧) رحمه‌الله تعالى : وفيه رخصة للخائف في الصّلاة ، بأن يجعل بعض فكره في غير الصّلاة.

فإن قيل : لم ذكر في الآية الأولى : «أسلحتهم» فقط ، وفي هذه الآية ذكر (حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ)؟

__________________

(١) في ب : العدو.

(٢) ينظر : معاني القرآن ٢ / ١٠٥.

(٣) ينظر البيت في البحر المحيط ٣ / ٣٥٢ واللسان (سلح) والدر المصون ٢ / ٤٢٢.

(٤) سقط في أ.

(٥) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ١٠٧ ، والبحر المحيط ٣ / ٣٥٤ ، والدر المصون ٢ / ٤٢٣.

(٦) سقط في أ.

(٧) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ٢١.

٦٠٩

فالجواب : أن في أوّل الصلاة قلّما ينتبه العدوّ : لكون المسلمين في الصّلاة ، بل يظنّون كونهم قائمين لأجل المحاربة ، وأما في الرّكعة الثّانية ، فقد يظهر للعدوّ كونهم في الصّلاة ، فههنا ينتهزون الفرصة في الهجوم عليهم ، فلذلك خصّ الله [ـ تعالى ـ](١) هذا الموضع بزيادة تحذير.

ثم قال : (وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ) قد تقدم الكلام في [«لو»](٢) الواقعة بعد «ودّ» في البقرة [آية : ١٠٩].

وقرىء (٣) : «وأمتعاتكم» وهو في الشّذوذ من حيث إنّه جمع الجمع ، كقولهم : أسقيات وأعطيات. (فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً) أي : بالقتال ، أي : يتمنّون لو وجدوكم غافلين عن أسلحتكم ، فيقصدونكم ويحملون عليكم حملة واحدة.

روي عن ابن عبّاس ، وجابر : أن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى بأصحابه الظّهر ، ورأى المشركون ذلك ، فقالوا بعد ذلك : بئس ما صنعنا ، حيث ما أقدمنا عليهم ، وعزموا على ذلك عند الصّلاة الأخرى ، فأطلع الله نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أسرارهم بهذه الآية (٤).

فصل

قال الإمام أحمد ـ رحمه‌الله تعالى ـ : صحّ عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلاة الخوف من خمسة أوجه أو ستّة [أوجه](٥) ، كل ذلك جائز.

الأول : إذا كان العدوّ من جهة القبلة ، صف الإمام (٦) المسلمين خلفه (٧) صفّين ، فصلّى بهم جميعا إلى أن يسجد ؛ فيسجد معه الصّفّ الذي يليه ، ويحرس الآخر ، فإذا قام الإمام إلى الثّانية سجد الآخر ولحقه ، فإذا سجد للثّانية ، سجد معه الصّفّ الذي حرس ، وحرس الأوّل ، فإذا جلس للتّشهّد ، سجد الأوّل ، ولحقه في التّشهّد ويسلم بهم.

الثاني : إذا كان العدوّ في غير جهة القبلة جعل طائفة [تجاه العدوّ ، وطائفة](٨) تصلّي معه ركعة ، فإذا قام إلى الثّانية ثبت قائما وأتمّت لأنفسها أخرى ، [وسلمت ومضت إلى العدوّ ، وجاءت الأخرى ، فصلّت معه الثّانية ، فإذا جلس ، أنهت لأنفسها أخرى](٩)

__________________

(١) سقط في ب.

(٢) سقط في أ.

(٣) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٣٥٥ ، والدر المصون ٢ / ٤٢٣.

(٤) أخرجه الحاكم (٣ / ٣٠) والطبري في «تفسيره» (٩ / ١٥٦) من حديث ابن عباس.

وقال الحاكم : صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه ووافقه الذهبي والأثر ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٧٨) وزاد نسبته للبزار.

(٥) سقط في ب.

(٦) في ب : عند إمام.

(٧) في ب : جعلهم.

(٨) سقط في ب.

(٩) سقط في ب.

٦١٠

وتشهدت ثم سلّم بهم ، وإن كانت الصّلاة مغربا ، صلّى بالأولى ركعتين وبالثّانية ركعة ، وإن كانت رباعيّة ، صلّى بكل طائفة ركعتين وأتمّت الأولى ، بالحمد لله في كل ركعة ، والأخرى تتم بالحمد لله وسورة ، وهل تفارقه الأولى في التّشهّد ، أو في الثّانية على وجهين ، وإن فرّقهم أربعا ، فصلى بكلّ طائفة ركعة ، صحّت صلاة الأولى وبطلت صلاة الإمام والآخرين إن علموا بطلان صلاته ، أما بطلان صلاة الإمام ؛ فلأجل انتظاره ؛ لأنه لم يرد الشّرع به ، وأمّا بطلان صلاة الآخرين ؛ فلأنهم ائتمّوا بمن صلاته باطلة ، فأمّا إذا لم يعلموا ، فهم معذورون.

الثالث : أن يصلّي بطائفة ركعة ، ثم تمضي إلى العدوّ ، وتأتي الأخرى ، فيصلي بها ركعة ويسلم وحده وتمضي ، ثم تأتي الأخرى فتتم صلاتها وتمضي هي ، ثم تأتي الأولى فتتم صلاتها.

الرابع : أن يصلّي بكلّ طائفة صلاة ، ويسلّم بها.

الخامس : أن يصلّي [بكلّ](١) الرّباعيّة تامّة ، وتصلي معه كل طائفة ركعتين ولا يقضي شيئا ، فتكون له تامّة ولهم مقصورة.

فصل

إذا اشتدّ الخوف عند التحام الحرب ، يصلي كيفما أمكن رجالا وركبانا إلى القبلة وإلى غيرها يومئون (٢) إيماء بالرّكوع والسّجود ، وكذلك كلّ خائف على نفسه فإن لم يقدر على الإيماء أخّروا الصّلاة إلى انكشاف الحالة.

قال مالك وجماعة : يصلي الطّالب والمطلوب كلّ واحد منهما على دابّته ؛ كالخائف سواء.

وقال الأوزاعيّ ، والشّافعي ، وفقهاء المحدّثين ، وابن عبد الحكم : ولا يصلّي الطّالب إلّا بالأرض.

قال القرطبي (٣) : وهو الصّحيح ؛ لأن الطّلب تطوّع ، والمكتوبة فرض ، والفرض إنّما يصلّى بالأرض (٤) حيث ما أمكن.

[ثم](٥) قال ـ تعالى ـ : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ) فقوله : (أَنْ تَضَعُوا) ؛ كقوله (أَنْ تَقْصُرُوا) وقد تقدم ، (وَخُذُوا حِذْرَكُمْ) رخّص في وضع السّلاح في حال المطر والمرض ؛ لأن السّلاح [يثقل حمله في

__________________

(١) سقط في ب.

(٢) في أ : يؤمنون.

(٣) ينظر : تفسير القرطبي ٥ / ٢٣٧.

(٤) في ب : بالعرض.

(٥) سقط في ب.

٦١١

هاتين الحالتين ، أو لأن حدته تفسد بالبلل ، ولمّا رخّص في وضع السّلاح](١) حال المطر والمرض ، أمر بالتّيقّظ والحذر ؛ لئلّا يهجم العدو عليهم.

روى الكلبيّ ، عن أبي صالح ، عن ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ نزلت في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وذلك أنّه غزا محاربا وبني أنمار ، فنزلوا ولا يرون من العدوّ أحدا ، فوضع النّاس أسلحتهم ، وخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لحاجة له قد وضع سلاحه ، حتى قطع الوادي والسّماء ترشّ ، فحال الوادي بين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبين أصحابه ؛ فجلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ظلّ شجرة ، فبصر به غورث بن الحارث المحاربي ، فقال : قتلني الله إن لم أقتله ، ثم انحدر من الجبل ومعه السّيف ، فلم يشعر به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا وهو قائم على رأسه ، ومعه السيف قد سلّه من غمده ، فقال : يا محمّد من يعصمك مني الآن؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : الله ، ثم قال : اللهم اكفني غورث بن الحارث بما شئت ، ثم أهوى بالسّيف إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليضربه ، فانكب لوجهه من زلخة زلخها بين كتفيه ، وندر سيفه ، فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخذه ، ثم قال : يا غورث ، من يمنعك منّي الآن؟ قال : لا أحد ، قال : تشهد ألا إله إلّا الله ، وأن محمّدا عبده ورسوله ، وأعطيك سيفك؟ قال : لا ولكن أشهد ألا أقاتلك أبدا ولا أعين عليك عدوّا ، فأعطاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سيفه ، فقال غورث : والله أنت خير منّي ، فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أجل أنا أحقّ بذلك منك ، فرجع غورث إلى أصحابه ، فقالوا : ويلك ما منعك منه ، قال : لقد أهويت إليه بالسّيف لأضربه فو الله ما أدري من زلخني بين كتفي فخررت لوجهي ، وذكر حاله قال : وسكن الوادي ، فقطع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الوادي أصحابه فأخبرهم الخبر ، وقرأ هذه الآية : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ) أي : من عدوّكم (٢) ، وقال سعيد بن جبير عن ابن عبّاس في هذه الآية : كان عبد الرّحمن بن عوف جريحا (٣).

فصل

أمر أولا بأخذ الحذر والأسلحة ، فدلّ على وجوبه ، ويؤكّده قوله ههنا : لا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى [أن تضعوا أسلحتكم](٤) فخصّ (٥) رفع الجناح في وضع السّلاح بهاتين الحالتين ، وذلك يدلّ على أنّ ما عدا هاتين الحالتين ، يكون الإثم والجناح حاصلا بسبب وضع السّلاح. وقال بعضهم : إنه سنّة مؤكّدة ، ثم الشّرط : ألّا يحمل

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) ذكره البغوي في تفسيره ١ / ٤٧٥.

(٣) أخرجه البخاري كتاب التفسير : باب سورة النساء حديث (٤٥٩٩) والحاكم (٢ / ٣٠٨) والطبري في «تفسيره» (٩ / ١٦٣) من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفا.

وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

(٤) سقط في ب.

(٥) في ب : فعنى.

٦١٢

سلاحا نجسا إن أمكنة ولا يحمل الرّمح إلّا في طرف الصّفّ ، بحيث لا يتأذّى به أحد.

فصل

دلّت (١) الآية على وجوب الحذر من العدوّ ، فتدلّ على وجوب الحذر عن جميع المضارّ المظنونة ؛ كالعلاج بالدّواء والاحتراز عن (٢) الوباء وعن الجلوس تحت الجدار المائل.

فصل

قالت المعتزلة : الأمر بالحذر يدلّ على كون العبد قادرا على الفعل والتّرك ، وعلى جميع وجوه الحذر ، وذلك يدلّ على أنّ فعل العبد ليس مخلوقا لله ـ تعالى ـ.

وجوابه : المعارضة بمسألة (٣) العلم والدّاعي.

ثم قال ـ تعالى ـ : (إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً) أخبر [ـ تعالى ـ](٤) بأنه يهينهم ويخذلهم ؛ تقوية لقلوب المسلمين.

قوله تعالى : (فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً)(١٠٣)

أي : وإذا فرغتم ، قضيتم صلاة الخوف أي : فرغتم من الصّلاة ، وهذا يدلّ على أن القضاء ، يستعمل فيما فعل في وقته ، ومنه قوله : [ـ تعالى ـ](٥) : (فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ) [البقرة : ٢٠٠] ، ثم قال : (فَاذْكُرُوا اللهَ) أي : صلّوا لله «قياما» في حال الصّحّة و «قعودا» في حال المرض (وَعَلى جُنُوبِكُمْ) عند الجروح والزّمانة ، وقيل : قياما : حال المسايفة ، وقعودا : حال اشتغالكم بالرّمي وعلى جنوبكم : حال سقوطكم على الأرض مجروحين فقوله قياما و [وقعودا] (٦) حالان من فاعل «اذكروا» وكذلك (وَعَلى جُنُوبِكُمْ) فإنه في قوّة : مضطجعين ؛ فيتعلّق بمحذوف.

(فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ) أي : أمنتم ، فالطّمأنينة : سكون النّفس من الخوف حين (٧) تضع الحرب أوزارها ، (فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) أي : أتمّوها بأركانها وقد تقدّم الكلام في البقرة [آية : ٢٦٠] على قوله اطمأننتم ، وهل هي مقلوبة أم لا؟.

وصرح أبو البقاء (٨) هنا بأنّ الهمزة أصل وأنّ وزن الطّمأنينة : فعلّيلة ، وأن «طأمن» أصل آخر برأسه ، وهذا مذهب الجرمي.

واعلم أنّه قد تقدّم حكمان :

__________________

(١) في أ : تليت.

(٢) في أ : والاحتراس من.

(٣) في أ : بمشيئة.

(٤) سقط في أ.

(٥) سقط في أ.

(٦) سقط في ب.

(٧) في ب : حتى.

(٨) ينظر : الإملاء ١ / ١٩٣.

٦١٣

أحدهما : قصر صلاة المسافر.

والثّاني : صلاة الخوف ؛ فقوله : (فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) [يحتمل أنكم إذا صرتم مقيمين غير مسافرين من الاطمئنان فأقيموا الصّلاة](١) أي : أتمّوها أربعا ، ويحتمل أن يكون المراد من الاطمئنان ألّا يبقى الإنسان مضطرب القلب ، بل يصير ساكن القلب ؛ بسبب زوال الخوف ، فعلى هذا فالمراد بإقامة الصّلاة : فعلها في حالة الأمن.

ثم قال (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) أي : فرضا موقوتا ، قال مجاهد : وقّته الله عليهم ، وقيل : واجبا مفروضا مقدرا (٢) في الحضر أربع ركعات ، وفي السّفر ركعتين ، والمراد بالكتاب ههنا : المكتوب ؛ كأنه قيل : مكتوبة مؤقتة (٣) و «موقوتا» : صفة ل «كتابا» بمعنى : محدودا بأوقات ، فهو من : وقت مخفّفا ؛ كمضروب من ضرب ، ولم يقل : «موقوتة» بالتّاء مراعاة ل «كتاب» فإنّه في الأصل مصدر ، والمصدر مذكّر ، ومعنى الموقوت : أنّها كتبت عليهم في أوقات مؤقتة ، يقال : وقّته ووقته مخففا ، وقرىء (٤) : (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ) [المرسلات : ١١] بالتّخفيف.

فصل

دلّت هذه الآية على أنّ وجوب الصّلوات مقدّر بأوقات مخصوصة ، إلّا أنّه ـ تعالى ـ أجمل الأوقات ههنا وبيّنها (٥) في مواضع أخر ، وهي خمسة.

أحدها : قوله [ـ تعالى ـ](٦)(حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) [البقرة : ٢٣٨] فقوله : «الصّلوات» يدل على ثلاث صلوات ، وقوله : (وَ (٧) الصَّلاةِ الْوُسْطى) يمنع أن يكون أحد تلك الثّلاث ، وإلا يلزم التّكرار ، فلا بدّ وأن تكون زائدة على الثّلاث ولا يمكن أن يكون الواجب أربعة ؛ لعدم حصول الوسطى فيها ، فلا بدّ من جعلها خمسة ؛ لتحصل الوسطى ، وكما دلّت هذه الآية على وجوب خمس صلوات ، دلت على عدم وجوب الوتر ، وإلا لصارت الصّلوات الواجبة ستّة ، وحينئذ لا تحصل الوسطى ، فهذه الآية دلّت على وجوب الصّلوات ، لا على بيان الأوقات ، وأما الآيات الأربع الباقية ، فمذكورة [في البقرة](٨) عند قوله : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ).

قوله تعالى : (وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ ما لا يَرْجُونَ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً)(١٠٤)

لما ذكر بعض الأحكام الّتي يحتاج المجاهد إلى معرفتها ، عاد مرّة أخرى إلى

__________________

(١) سقط في ب.

(٢) في أ : مقدارها.

(٣) في ب : مكتوب مؤقت.

(٤) ستأتي في المرسلات (١١).

(٥) في أ : وسماها.

(٦) سقط في أ.

(٧) سقط في ب.

(٨) سقط في ب.

٦١٤

الحثّ على الجهاد ، فقال : «ولا تهنوا» أي : ولا تضعفوا ، ولا تتوانوا ، الجمهور : على كسر الهاء ، والحسن (١) : على فتحها من «وهن» بالكسر في الماضي ، أو من «وهن» بالفتح ، وإنما فتحت العين ؛ لكونها حلقية ، فهو نحو : يدع.

وقرأ عبيد بن عمير (٢) : «تهانوا» من الإهانة مبنيّا للمفعول ، ومعناه : لا تتعاطوا من الجبن والخور ، ما يكون سببا في إهانتكم ؛ كقولهم : «لا اريناك هاهنا».

وقوله : (فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ) أي : في طلبهم ، وسبب نزولها : أنّ أبا سفيان وأصحابه لمّا رجعوا يوم أحد ، بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم [طائفة](٣) في آثارهم ، فشكوا ألم الجراح ، فقال ـ تعالى ـ : (وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ) أي لا تضعفوا في طلب أبي سفيان وأصحابه ، (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ) : تتوجّعون من الجراح ، (فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ) أي : يتوجّعون كما تألمون ، والمعنى : أنّ حصول الألم قدر مشترك بينكم وبينهم ، فلمّا لم يكن خوف الألم مانعا لهم عن قتالكم ، فكيف يصير مانعا لكم عن قتالهم.

قرأ يحيى بن وثّاب ، ومنصور بن المعتمر : «تئلمون فإنهم يئلمون كما تئلمون» بكسر حرف المضارعة ، وابن (٤) السّميفع : بكسر تاء الخطاب فقط ، وهذه لغة ثابتة ، وقد تقدم في الفاتحة أنّ من يكسر حرف المضارعة يستثني التّاء ، وتقدم شذوذ «تيجل» ووجهه ، وزاد أبو البقاء (٥) في قراءة كسر حرف المضارعة قلب الهمزة ياء ، وغيره أطلق ذلك.

وقرأ الأعرج (٦) : «أن تكونوا تألمون» بفتح همزة «أن» والمعنى : ولا تهنوا لأن تكونوا تألمون.

وقوله : (فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ) تعليل قوله : (وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ ما لا يَرْجُونَ) [أي : وأنتم مع ذلك تأملون من الأجر والثواب في الآخرة ، والنّصر في الدّنيا ما لا يرجون](٧) ، فأنتم أولى بالمصابرة على القتال من المشركين ؛ لأن المؤمنين مقرّون بالثّواب والعقاب ، والحشر والنّشر ، والمشركون لا يقرون بذلك ، فإذا كانوا مع إنكارهم ذلك مجدّين في القتال ، فأنتم أيّها المؤمنون المقرّون بأنّ لكم في الجهاد ثوابا ، وعليكم في تركه عقابا أولى بالجدّ في الجهاد.

__________________

(١) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٣٥٧ ، والدر المصون ٢ / ٤٢٣.

(٢) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٣٥٧ ، والدر المصون ٢ / ٤٢٣.

(٣) سقط في أ.

(٤) ينظر في قراءات هذا الفعل : المحرر الوجيز ٢ / ١٠٨ ، والبحر المحيط ٣ / ٣٥٧ ، والدر المصون ٢ / ٤٢٣.

(٥) ينظر : الإملاء ١ / ١٩٣.

(٦) ينظر : القراءة السابقة.

(٧) سقط في أ.

٦١٥

وقال بعض المفسّرين (١) : المراد بالرّجاء : الخوف ؛ لأنّ كل راج خائف ألّا (٢) يدرك مأموله ، ومعنى الآية وترجون ، أي : تخافون من عذاب الله ما لا يخافون. قال الفرّاء (٣) : ولا يكون الرّجاء بمعنى الخوف إلا مع الجدّ ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ) [الجاثية : ١٤] ، [أي : لا يخافون](٤) ، وقال ـ تعالى ـ : (ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً) [نوح : ١٣] أي : لا تخافون لله عظة ، ولا يجوز : رجوتك ، يعني : خفتك ، ولا خفتك ، وأنت تريد : رجوتك.

قال ابن الخطيب (٥) : ويحتمل أنّكم تعبدون الإله ، العالم القادر ، السّميع ، البصير ، فيصحّ منكم أن ترجوا ثوابه ، وأما المشركون : فإنّهم يعبدون الأصنام وهي جمادات ؛ فلا يصحّ منهم أن يرجوا منها ثوابا ، أو يخافوا منها عقابا.

ثم قال : (وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) أي : لا يكلّفكم إلّا ما يعلم أنّه سبب لصلاح دينكم ودنياكم ، وقد تقدم [أنّه إذا](٦) ذكر «الحكيم» بعد قوله : «العليم» فالمراد بالحكيم : أنه العالم بعواقب الأمور ، وقالت المعتزلة : المراد بالحكيم : هو الّذي يضع الأسباب للمصالح.

تمّ الجزء السّادس ، ويليه الجزء السّابع

وأوّله : «قوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ ...)»

__________________

(١) ينظر : تفسير البغوي ١ / ٤٧٧.

(٢) في أ : أي.

(٣) ينظر : تفسير البغوي ١ / ٤٧٧.

(٤) سقط في ب.

(٥) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ٢٦.

(٦) سقط في أ.

٦١٦

فهرس المحتويات

تتمة سورة آل عمران

الآية : ١٥٥.................................................................... ٣

فصل في تفسير الآية.............................................................. ٣

فصل في دلالة الآية على أن المعاصي لا تنسب إلى الله................................ ٤

الآيات : ١٥٦ ـ ١٥٨........................................................... ٥

فصل في المراد ب «الضرب»...................................................... ٩

فصل في اختلافهم في معنى الآية.................................................. ١٠

فصل في توضيح معنى الآية...................................................... ١٠

الآية : ١٥٩.................................................................. ١٥

فصل في معنى قوله «ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك»................. ١٧

فصل في معنى الآية............................................................. ١٨

فصل في المراد بهذه الآية......................................................... ١٨

فصل في اتفاقهم على أن كل ما نزل فيه وحي من عند الله لم يجز للرسول أن يشاور الأمة فيه ٢٠

فصل في وجوب التوكل على الله.................................................. ٢٠

فصل في معنى التوكل............................................................ ٢١

الآية : ١٦٠.................................................................. ٢١

فصل في احتجاجهم بأن الإيمان لا يحصل إلا بإعانة الله............................. ٢٢

الآية : ١٦١.................................................................. ٢٢

فصل في اختلافهم في أسباب النزول.............................................. ٢٤

فصل في المراد بهذه الآية......................................................... ٢٦

فصل في دلالة الآية على الغلول.................................................. ٢٦

فصل في موقف العلماء من الغلول................................................ ٢٧

فصل في اختلافهم هل يعاقب الغال بإحراق متاعه.................................. ٢٧

٦١٧

فصل في العقوبة بالمال........................................................... ٢٧

فصل في ماهيّة الغلول........................................................... ٢٧

فصل في تمسك المعتزلة بإثبات كون العبد فاعلا وفي إثبات وعيد الفساق............... ٢٨

الآية : ١٦٢.................................................................. ٢٨

فصل في تفسير الآية............................................................ ٢٩

الآية : ١٦٣.................................................................. ٣٠

فصل في تفسير الآية............................................................ ٣١

فصل في تأويل قوله تعالى : «وما كان لنبي أن يغلّ»................................ ٣٢

الآية : ١٦٤.................................................................. ٣٢

فصل في المراد ب «أنفسهم».................................................... ٣٤

فصل في تفسير معنى الآية....................................................... ٣٤

الآية : ١٦٥.................................................................. ٣٥

فصل في وجه النظم............................................................. ٣٧

فصل في معنى الآية............................................................. ٣٧

فصل في استدلال المعتزلة على أن أفعال العبد غير مخلوقة لله تعال..................... ٣٧

الآيتان : ١٦٦ ، ١٦٧......................................................... ٣٨

فصل في المراد بهذه الآية......................................................... ٣٩

فصل في اختلافهم بأمر القتال................................................... ٤٠

فصل في معنى «قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا»...................................... ٤١

فصل في قول أكثر العلماء : هذا تنصيص من الله تعالى على أنهم كفار................ ٤٢

الآية : ١٦٨.................................................................. ٤٣

فصل في المراد ب «الذين»...................................................... ٤٤

الآيتان : ١٦٩ ، ١٧٠......................................................... ٤٥

فصل في سبب نزول هذه الآية................................................... ٤٧

فصل في دلالة هذه الآية........................................................ ٤٧

الآيتان : ١٧١ ، ١٧٢......................................................... ٥٢

فصل في دلالة هذه الآية........................................................ ٥٣

فصل في أن إيصال الثواب العظيم إلى الشهداء ليس مخصوصا بهم..................... ٥٤

فصل في بيان سبب النزول....................................................... ٥٥

الآيتان : ١٧٣ ، ١٧٤......................................................... ٥٧

فصل في توضيح لفظ «الوكيل» في القرآن.......................................... ٥٩

فصل في اختلاف العلماء في زيادة الإيمان ونقصانه.................................. ٦٠

٦١٨

فصل في دلالة هذه الواقعة....................................................... ٦١

الآيتان : ١٧٥ ، ١٧٦......................................................... ٦٢

فصل في ورود الخوف في القرآن الكريم............................................. ٦٥

فصل في اختلاف العلماء في هؤلاء المسارعين....................................... ٦٦

الآية : ١٧٧.................................................................. ٦٧

الآية : ١٧٨.................................................................. ٦٨

فصل في تفسير الآية............................................................ ٧٥

فصل في احتجاج بعض العلماء في إثبات القضاء والقدر............................. ٧٦

الآية : ١٧٩.................................................................. ٧٧

فصل في وجه النظم............................................................. ٧٩

فصل في سبب النزول........................................................... ٧٩

فصل في معنى الآية............................................................. ٨١

الآية : ١٨٠.................................................................. ٨٢

فصل في دلالة هذه الآية........................................................ ٨٥

فصل في اختلافهم في البخل في الآيات............................................ ٨٦

فصل في تقسيم إنفاق الواجب................................................... ٨٦

الآيتان : ١٨١ ، ١٨٢......................................................... ٨٧

فصل في بيان ظاهر الآية........................................................ ٨٩

الآية : ١٨٣.................................................................. ٩٢

فصل في رد شبهة الطاعنين في النبوة............................................... ٩٤

فصل في بيان ادعاء اليهود....................................................... ٩٤

الآية : ١٨٤.................................................................. ٩٥

الآية : ١٨٥.................................................................. ٩٧

فصل في المراد بهذه الآية......................................................... ٩٨

فصل في قول الفلاسفة : الموت واجب للأجسام.................................... ٩٨

فصل في قول المفسرين : أجر المؤمن الثواب وأجر الكافر العقاب...................... ٩٩

الآية : ١٨٦................................................................. ١٠٠

فصل في المراد بالابتلاء........................................................ ١٠٠

فصل في تأويل الآية........................................................... ١٠١

الآية : ١٨٧................................................................. ١٠٢

الآية : ١٨٨................................................................. ١٠٤

فصل في معنى قوله : «يفرحون بما آتوا»......................................... ١٠٨

٦١٩

فصل في تفسير الآية.......................................................... ١٠٨

الآية : ١٨٩................................................................. ١٠٩

الآيات : ١٩٠ ـ ١٩٢........................................................ ١١٠

فصل في تفسير الآيات........................................................ ١١١

فصل في معنى قوله : «ويتفكرون في خلق السموات والأرض»...................... ١١٢

فصل في دلالة هذه الآيات..................................................... ١١٤

فصل في دلالة الآية على أن صاحب الكبيرة ليس بمؤمن........................... ١١٦

فصل في احتجاج المرجئة بهذه الآية بأن صاحب الكبيرة لا يخزى.................... ١١٧

فصل في أن عموم هذه الآية مخصوص في مواضع.................................. ١١٨

فصل في تمسك المعتزلة بهذه الآية في نفي الشفاعة للفساق......................... ١١٨

الآيتان : ١٩٣ ، ١٩٤....................................................... ١١٩

فصل في اختلاف العلماء بالمراد بالمنادي......................................... ١٢٠

فصل في احتجاجهم بهذه الآية على حصول العفو بدون التوبة...................... ١٢٢

فصل في دلالة هذه الآية....................................................... ١٢٣

الآية : ١٩٥................................................................. ١٢٣

فصل في المراد بهذه الآية....................................................... ١٢٦

فصل في تفسير الآية.......................................................... ١٢٨

الآيتان : ١٩٦ ، ١٩٧....................................................... ١٢٩

الآية : ١٩٨................................................................. ١٣٠

الآية : ١٩٩................................................................. ١٣٣

الآية : ٢٠٠................................................................. ١٣٥

سورة النساء

الآية : ١.................................................................... ١٣٩

فصل في قوله : «يا أيها الناس»................................................ ١٣٩

فصل في دلالة هذه السورة..................................................... ١٣٩

فصل في دلالة الآية على تعظيم حق الرحم وتأكيد النهي عن قطعه................. ١٤٨

فصل في معنى «الرحم»........................................................ ١٤٨

فصل في وجوب صلة الرحم.................................................... ١٤٨

فصل في اختلافهم في ذوي المحارم من الرضاعة.................................... ١٤٩

الآية : ٢.................................................................... ١٥٠

فصل في سبب نزول هذه الآية................................................. ١٥٢

٦٢٠