اللّباب في علوم الكتاب - ج ٦

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ٦

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٦٣٢

[«من»](١) فأفرد في قوله : «رفيقا» ، ومعناها فجمع في قوله : «أولئك» إلا أن البداءة في ذلك بالحمل على اللّفظ أحسن ، وعلى هذا فيكون قد جمع فيها بين الحمل على اللّفظ في «يطع» ثم على المعنى في «أولئك» والجمهور على فتح الحاء وضمّ السّين من «حسن».

وقرأ أبو السّمّال (٢) : بفتحها وسكون السّين تخفيفا ، نحو : عضد في : عضد ، وهي لغة تميم ، ويجوز «حسن» ، بضم الحاء وسكون السين ، كأنهم نقلوا حركة العين إلى الفاء بعد سلبها حركتها ، وهذه لغة بعض «قيس» ، وجعل الزّمخشريّ (٣) هذا من باب التّعجبّ ؛ فإنه قال : فيه معنى التّعجّب ، كأنه قيل : وما أحسن أولئك رفيقا ، ولاستقلاله بمعنى التّعجّب.

وقرىء (٤) : «وحسن» بسكون السّين ؛ يقول المتعجب : حسن الوجه وجهك ، وحسن الوجه وجهك بالفتح والضّمّ مع التّسكين.

قال أبو حيّان (٥) : وهو تخليط وتركيب مذهب على مذهب ، فنقول اختلفوا في فعل المراد به المدح.

فذهب [الفارسي](٦) وأكثر النّحاة : إلى جواز إلحاقه بباب «نعم» و «بئس» [فقط ، فلا يكون فاعله إلا ما يكون فاعلا لهما.

وذهب الأخفش والمبرّد إلى جواز إلحاقه بباب «نعم» و «بئس»](٧) ، فيجعل فاعله كفاعلهما (٨) ، وذلك إذا [لم](٩) يدخله معنى التّعجّب [وإلى جواز إلحاقه بفعل التّعجّب](١٠) فلا يجري مجرى «نعم» و «بئس» في الفاعل ، ولا في بقيّة أحكامهما ، فتقول : لضربت يدك ولضربت اليد ، فأخذ التّعجّب من مذهب الأخفش ، والتمثيل من مذهب الفارسيّ ، فلم يتّبع مذهبا من المذهبين ، وأما جعله [التّسكين](١١) والنّقل دليلا على كونه مستقلا بالتّعجّب ، فغير مسلّم ؛ لأن الفرّاء حكى في ذلك لغة في غير ما يراد به التّعجّب.

و «الرّفيق» في اللّغة مأخوذ من الرّفق ، وهو لين الجانب ولطافة (١٢) الفعل (١٣) ، وصاحبه رفيق ، ثم الصّاحب يسمى رفيقا ؛ لارتفاقك به وبصحبته ، ومن هذا قيل للجماعة في

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) ينظر : المحرر الوجيز ١ / ٧٦ ، والبحر المحيط ٣ / ٣٠١ ، والدر المصون ٢ / ٣٨٨.

(٣) ينظر : الكشاف ١ / ٥٣١.

(٤) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٣٠١ ، والدر المصون ٢ / ٣٨٨.

(٥) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٣٠١.

(٦) سقط في أ.

(٧) سقط في ب.

(٨) في ب : كفاعليها.

(٩) سقط في أ.

(١٠) سقط في أ.

(١١) سقط في أ.

(١٢) في ب : النقل.

(١٣) في ب : وإلحاقه.

٤٨١

السّفر : رفقة ؛ لارتفاق بعضهم ببعض ، والمعنى : أن هؤلاء رفقاء في الجنّة.

روى أنس ؛ أن رجلا قال يا رسول الله : «الرّجل يحبّ قوما ولمّا يلحق بهم» قال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «المرء مع من أحبّ» (١).

وعن أنس بن مالك قال : قال رجل : يا رسول الله (٢) متى السّاعة؟ قال : وما أعددت لها ؛ فلم يذكر كثيرا إلا أنّه يحبّ الله ورسوله. قال : فأنت مع من أحببت (٣).

قوله : (ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ) «ذلك» مبتدأ ، وفي الخبر وجهان :

أحدهما : أنه «الفضل» والجار والمجرور في محلّ نصب على الحال ، والعامل فيها معنى الإشارة.

والثاني : أنه الجارّ ، و «الفضل» صفة لاسم الإشارة ، ويجوز أن يكون «الفضل» والجار بعده خبرين [ل «ذلك»](٤) على رأي من يجيزه.

فصل : في دفع شبه المعتزلة القائلين بوجوب الثواب

«ذلك» [اسم](٥) إشارة إلى ما (٦) تقدّم ذكره من الثّواب ، وقد حكم عليه بأنّه فضل من الله ، وهذا يدلّ على أن الثواب غير واجب على الله ـ تعالى ـ ، ويدلّ عليه من جهة العقل (٧) أيضا وجوه:

أحدها : أن القدرة على الطّاعة إن كانت لا تصلح إلا للطّاعة ، فخالق تلك القدرة هو الّذي أعطى الطّاعة (٨) ، فلا يكون فعله موجبا عليه شيئا ، وإن كانت صالحة للمعصية أيضا ، لم يترجّح جانب الطّاعة [لله](٩) على جانب المعصية إلا بخلق الدّاعي إلى الطّاعة ، ويصير مجموع القدرة والدّاعي موجبا للفعل ، فخالق (١٠) هذا المجموع ، هو الّذي أعطى الطّاعة ، فلا يكون فعله موجبا عليه شيئا.

وثانيها : أنّ نعم الله على العبد لا تحصى ، وهي موجبة للطّاعة (١١) والشّكر ، فإذا وقعت في مقابلة النّعم السّالفة ، امتنع كونها موجبة للثّواب في المستقبل.

__________________

(١) أخرجه البخاري (١٠ / ٥٧٣) كتاب الأدب باب علامة الحب في الله (٨١٦٨ ، ٦١٦٩) ومسلم (٤ / ٢٠٣٤) كتاب البر والصلة حديث (٢٦٤٠ ، ٢٦٤١) من حديث أبي موسى.

(٢) في ب : قال رجل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا رسول الله.

(٣) أخرجه البخاري (١٠ / ٥٦٨) كتاب الأدب باب ما جاء في قول الرجل : ويلك (٦١٦٧) ومسلم كتاب البر والصلة (١٦٣ / ٦٣٩) وأحمد (٣ / ١٧٣) والترمذي (٢٣٨٦) وابن حبان رقم (٨ ، ١٠٥) والبغوي في «شرح السنة» (٦ / ٤٦٤) من حديث أنس بن مالك.

(٤) سقط في أ.

(٥) سقط في ب.

(٦) في ب : من.

(٧) في أ : الفضل.

(٨) في أ : لا طاعة.

(٩) سقط في أ.

(١٠) في أ : فخالف.

(١١) في ب : في.

٤٨٢

وثالثها : أن الوجوب يستلزم [استحقاق](١) الذّمّ عند التّرك (٢) ، وهذا الاستحقاق ينافي الإلهيّة ، فيمتنع (٣) حصوله في حقّ الإله ـ [سبحانه وتعالى](٤) ـ ؛ فثبت أنّ ظاهر الآية كما دلّ على أنّ الثّواب فضل من الله ـ تعالى ـ فالبراهين العقليّة القاطعة دالّة على ذلك أيضا.

فصل

يحتمل أن يكون معنى الآية : ذلك الثّواب لكمال درجته هو الفضل من الله ، وأن ما سواه ليس (٥) بشيء ، ويحتمل أن يكون ذلك الفضل المذكور والثّواب المذكور هو من الله لا من غيره.

(وَكَفى بِاللهِ) أي : بثواب الآخرة ، وقيل : لمن أطاع الله ورسوله وأحبه وفيه بيان أنّهم لم ينالوا تلك الدّرجة بطاعتهم ، إنّما (٦) نالوها بفضل الله ـ عزوجل ـ.

روى أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ. قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «قاربوا وسدّدوا واعلموا أنّه لا ينجو أحد منكم بعمله» قالوا : ولا أنت يا رسول الله؟ قال : «ولا أنا إلّا أن يتغمّدني الله برحمة منه وفضل» (٧).

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً (٧١) وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً (٧٢) وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً)(٧٣)

(٨) قال القرطبي (٩) : إنه ـ تعالى ـ لمّا ذكر طاعة الله وطاعة رسوله ، أمر أهل الطّاعة بالقيام بإحياء دينه وإعلاء دعوته ، وأمرهم ألّا يقتحموا على عدوّهم على جهالة ، حتى يتحسّسوا إلى ما عندهم ويعلمون كيف يردّون عليهم ؛ لأن ذلك أثبت لهم.

وقال ابن الخطيب (١٠) : لما رغّب في طاعة الله وطاعة رسوله ، عاد إلى ذكر الجهاد ؛ لأنه أشقّ الطّاعات ، وأعظم الأمور الّتي بها يحصل تقوية الدّين ، والحذر والحذر

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) في ب : القول.

(٣) في أ : ممتنع.

(٤) سقط في أ.

(٥) في ب : فليس.

(٦) في أ : إلا.

(٧) أخرجه ابن ماجه (٢ / ١٤٠٥) كتاب الزهد باب التوقي في العمل رقم (٤٢٠١) من حديث أبي هريرة.

وقال البوصيري في «الزوائد» (٣ / ٣٩٥) : هذا إسناد حسن شريك مختلف فيه.

وانظر تفسير القرطبي (٥ / ٣٩٧) والبغوي (١ / ٥٥٨).

(٨) سقط في ب.

(٩) ينظر : تفسير القرطبي ٥ / ١٧٦.

(١٠) ينظر : تفسير الرازي ١٠ / ١٤١.

٤٨٣

بمعنى ؛ كالأثر والإثر ، والمثل والمثل والشّبه والشّبه.

قيل : ولم يسمع في هذا التّركيب إلا خذ حذرك بالكسر لا حذرك.

يقال : أخذ حذره ؛ إذا تيقّظ واحترز من المخوف ؛ كأنه جعل الحذر آلته التي يقي بها نفسه ، والمعنى : احذروا واحتذروا من العدوّ ، ولا تمكّنوه من أنفسكم.

وقال الواحديّ (١) : فيه قولان :

أحدهما : المراد بالحذر [ها](٢) هنا السّلاح ، والمعنى : خذوا سلاحكم ، والسّلاح يسمى حذرا ؛ لأنّه يتّقى ويحذر.

والثاني : (خُذُوا حِذْرَكُمْ) بمعنى : احذروا عدوّكم ، فعلى الأوّل : الأمر بأخذ السّلاح مصرّح به ، وعلى الثّاني : أخذ السّلاح مدلول (٣) عليه بفحوى (٤) الكلام.

فإن قيل : إن الّذي أمر الله ـ تعالى ـ بالحذر عنه إن كان يفضي إلى الوجود ، لم ينعدم ، وإن كان الحذر يفضي إلى العدم ، فلا حاجة إلى الحذر ، فعلى التّقديرين الأمر بالحذر عبث (٥) ، قال ـ عليه‌السلام ـ : «المقدور كائن» وقيل (٦) : الحذر لا يغني عن القدر.

فالجواب : أن هذا الكلام يبطل القول بالشّرائع ؛ فإنه يقال : إن كان الإنسان من أهل السّعادة في قضاء الله وقدره ، فلا حاجة إلى الإيمان ، وإن كان من أهل الشّقاء ، لم ينفعه [الإيمان و](٧) الطّاعة ، فهذا يفضي إلى سقوط التّكليف بالكلّيّة.

واعلم أنه لما كان الكلّ بقضاء الله ـ تعالى ـ كان الأمر بالحذر أيضا داخلا بالقدر ، وكان قول القائل : أي فائدة بالحذر كلاما متناقضا ؛ لأنه لما كان هذا الحذر مقدّرا ، فأيّ فائدة في هذا السّؤال الطّاعن في الحذر.

قوله : فانفروا [ثبات] (٨) ويقال : نفر القوم ينفرون نفرا ونفيرا ، إذا نهضوا لقتال عدوّ (٩) ، وخرجوا للحرب ، واستنفر الإمام النّاس لجهاد العدوّ ، فنفروا ينفرون : إذا حثّهم على النّفير (١٠) ودعاهم إليه ؛ ومنه قوله ـ عليه‌السلام ـ : «[و](١١) إذا استنفرتم فانفروا» والنّفير (١٢) : اسم للقوم الّذين ينفرون ؛ ومنه يقال : فلان لا في العير ولا في النّفير.

وقال النّحاة (١٣) : أصل هذا الحرف (١٤) من النّفور والنّفار ؛ وهو الفزع ، يقال :

__________________

(١) ينظر : تفسير الرازي ١٠ / ١٤١.

(٢) سقط في ب.

(٣) في أ : مذكور.

(٤) في ب : بنحوي.

(٥) في ب : جبب.

(٦) في أ : وقوله.

(٧) سقط في ب.

(٨) سقط في أ.

(٩) في ب : عدوهم.

(١٠) في أ : السفر.

(١١) سقط في ب.

(١٢) في أ : والنقرة.

(١٣) ينظر : تفسير الرازي ١٠ / ١٤٢.

(١٤) في ب : الاسم.

٤٨٤

[نفر](١) إليه ؛ إذا فزع إليه ، ونفر منه ؛ إذا فزع منه وكرهه ، وفي مضارعه لغتان : ضمّ العين وكسرها ، وقيل : يقال : نفر الرّجل ينفر بالكسر ، ونفرت الدّابّة تنفر بالضّمّ [ففرّقوا بينهما في المضارع ، وهذا الفرق يردّه قراءة الأعمش : «فانفروا» «أو انفروا» بالضم](٢) فيهما ، والمصدر النّفير ، والنّفور ، والنّفر : الجماعة كالقوم والرّهط.

[قوله](٣) : «ثبات» : نصب على الحال ، وكذا «جميعا» ، والمعنى : انفروا جماعات [متفرّقة](٤) [أي](٥) سريّة بعد سريّة ، أو مجتمعين كوكبة واحدة ، وهذا (٦) المعنى الّذي أراد الشّاعر في قوله : [البسيط]

١٨٢١ ـ ............

طاروا إليه زرافات ووحدانا (٧)

ومثله قوله : (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً) أي (٨) : على أيّ الحالتين كنتم فصلّوا.

قال أبو حيّان (٩) : ولم يقرأ «ثبات» فيما علمت (١٠) إلا بكسر التّاء. انتهى.

وهذه هي اللّغة الفصيحة ، وبعض العرب ينصب جمع المؤنّث السّالم إذا كان معتلّ اللام معوضا منها تاء التأنيث بالفتحة (١١) ، وأنشد الفرّاء : [الطويل]

١٨٢٢ ـ فلمّا جلاها بالإيام تحيّزت

ثباتا عليها ذلّها واكتئابها (١٢)(١٣)

وقرىء (١٤) شاذا : (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ) [النحل : ٥٧] [بالفتحة](١٥) ، وحكي : سمعت لغاتهم ، وزعم الفارسي أن الوارد من ذلك مفرد ردت لامه ؛ لأن الأصل «لغوة» ؛ فلما ردّت اللام ، قلبت ألفا ، وقد ردّ على الفارسي : بأنّه يلزمه الجمع بين العوض

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) سقط في ب.

(٣) سقط في أ.

(٤) سقط في ب.

(٥) سقط في أ.

(٦) في ب : وهو.

(٧) عجز بيت لقريط بن أنيف وصدره :

قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم

ينظر : الخصائص ٢ / ٢٧٠ ، وشرح الحماسة ١ / ٢٧ ، ومجالس ثعلب ٢ / ٤٠٥ والفخر الرازي ١٠ / ١٤٢ ، وروح المعاني ٧ / ١٤٣ ، والدر المصون ٣ / ٥٢.

(٨) في ب : أو.

(٩) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٣٠٢.

(١٠) في ب : علمته.

(١١) في ب : بالنحور.

(١٢) في ب : ولها وكسابها.

(١٣) البيت لأبي ذؤيب ينظر ديوان الهذليين ١ / ٧٩ وابن يعيش ٥ / ٤ والخصائص ٣ / ٣٠٤ والدر المصون ٢ / ٣٨٩ ، والبحر المحيط ٣ / ٣٠٢.

(١٤) ينظر : الدر المصون ٢ / ٣٨٩ ، وستأتي في النحل آية (٥٧).

(١٥) سقط في ب.

٤٨٥

والمعوّض منه ، ويردّ عليه أيضا القراءة المتقدّمة في الثبات ؛ لأن المفرد منه مكسور الفاء.

[«وثبات» جمع ثبة ، ووزنها في الأصل : فعلة ، كحطمة ، و](١) إنما حذفت لامها وعوض عنها تاء التّأنيث ، وهل لامها واوا أو ياء؟ قولان :

حجّة القول الأول : أنها مشتقّة من [ثبا يثبو ؛ كخلا يخلو ، أي : اجتمع.

وحجّة القول الثاني : أنها مشتقة من](٢) ثبيت على الرجل إذا أثنيت (٣) عليه ؛ كأنك جمعت محاسنه ، وتجمع بالألف والتّاء ، وبالواو والنّون ، ويجوز في فائها (٤) حين تجمع على «ثبين» الضّم والكسر ، وكذا ما أشبهها ، نحو : قلة (٥) ، وبرة (٦) ، ما لم يجمع جمع تكسير.

والثّبة : الجماعة من الرّجال تكون فوق العشرة ، وقيل : الاثنان والثّلاثة ، وتصغّر على «ثبية» ، بردّ المحذوف ، وأما «ثبة الحوض» وهي وسطه ، فالمحذوف عينها ، لأنّها من باب يثوب الماء ، أي : يرجع ، تصغّر على «ثويبة» ؛ كقولك في تصغير سنة : سنيهة.

فصل

قال القرطبي (٧) : قيل إن هذه الآية منسوخة بقوله : (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً) [التوبة : ٤١] وبقوله (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً) [التوبة : ٣٩] [ولأن يكون](٨)(انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً) منسوخا بقوله : (فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً ،) وبقوله : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) [التوبة : ١٢٢] أولى ؛ لأن فرض الجهاد على الكفاية ، فمتى سدّ الثّغور (٩) بعض المسلمين ، أسقط الفرض (١٠) عن الباقين.

قال : والصّحيح أن الآيتين محكمتان ، إحداهما : في الوقت الذي يحتاج فيه إلى تعيّن الجميع ، والأخرى : عند الاكتفاء بطائفة دون غيرها.

قوله : (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَ) «منكم» خبر مقدّم ل «إن» واسمها ، و «لمن» دخلت اللام على الاسم تأكيدا لما فصل بينه وبينها بالخبر ، و «من» يجوز أن تكون موصولة ،

__________________

(١) في ب : هو.

(٢) سقط في ب.

(٣) في ب : ثنيت.

(٤) في ب : بائها.

(٥) القلة : عود يجعل في وسطه حبل ، ثم يدفن ، ويجعل للحبل كفّة فيها عيدان ، فإذا وطأ الظبي عليها عضت على أطراف أكارعه. اللسان (قلا).

(٦) البرة : الخلخال ، وهي أيضا : الحلقة في أنف البعير ، وقيل : هي الحلقة من صفر ، أو غيره تجعل في لحم أنف البعير. اللسان (بري).

(٧) ينظر : تفسير القرطبي ٥ / ١٧٨.

(٨) سقط في ب.

(٩) في أ : الثغر.

(١٠) في ب : الحرج.

٤٨٦

[أو نكرة موصوفة](١) واللّام في «ليبطئن» (٢) فيها قولان :

أصحهما : أنها جواب قسم محذوف ، تقديره : أقسم بالله ليبطّئنّ ، والجملتان ـ أعني : القسم وجوابه ـ صلة ل «من» ، أو صفة لها على حسب القولين المتقدّمين ، والعائد على كلا التّقديرين هو الضّمير المرفوع ب «ليبطئن» ، والتّقدير : وإن منكم للّذي ، أو لفريقا والله ليبطّئنّ. واستدلّ بعض النّحاة بهذه الآية على أنّه يجوز وصل الموصول بجملة القسم وجوابه [إذا عريت جملة القسم من ضمير عائد على الموصول نحو : «جاء الذي أحلف بالله لقد قام أبوه» وجعله] ردّا على قدماء النحاة ، حيث زعموا منع ذلك [ولا دلالة على ذلك](٣) ؛ إذ لقائل أن يقول : ذلك القسم المحذوف لا أقدّره إلا مشتملا على ضمير يعود على الموصول.

والقول الثاني : نقله ابن عطيّة عن بعضهم : أنّها لام التّأكيد بعد تأكيد ، وهذا خطأ من قائله ، والجمهور على «ليبطئن» بتشديد الطّاء.

ومجاهد (٤) بالتّخفيف. و [على](٥) كلتا القراءتين يحتمل أن يكون الفعل لازما ومتعدّيا ، يقال : أبطأ وبطّأ أي تكاسل وتثبّط ، والتّبطئة : التّأخّر عن الأمر ، فهذان لازمان ، وإن قدّر أنهما متعدّيان ، فمعمولهما محذوف ، أي : ليبطّئنّ (٦) غيره ، أي : يثبّطه ويجبنه عن القتال ، و (إِذْ لَمْ أَكُنْ) ظرف ، ناصبه : (أَنْعَمَ اللهُ).

فصل في تفسير «منكم»

قوله : «منكم» اختلفوا فيه :

فقيل : المراد منه : المنافقون وهم عبد الله بن أبيّ وأصحابه ، كانوا يثبّطون النّاس عن الجهاد مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٧).

فإن قيل : تقدير الكلام يأيّها الّذين آمنوا خذوا حذركم وإن منكم لمن ليبطّئنّ ، فإذا كان هذا المبطّىء (٨) منافقا ، فكيف يجعل قسما من المؤمن في قوله (إِنَّ مِنْكُمْ).

فالجواب : أنه جعل المنافقين من المؤمنين من حيث الجنس والنّسب والاختلاط ، أو من حيث الظّاهر ؛ لتشبههم بالمؤمنين ، أو من حيث زعمهم ودعواهم ؛ كقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ) [الحجر : ٦].

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) سقط في أ.

(٣) سقط في ب.

(٤) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٧٧ ، والبحر المحيط ٣ / ٣٠٢ ، والدر المصون ٢ / ٣٩٠.

(٥) سقط في ب.

(٦) في ب : ليثبطن.

(٧) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٢٧) عن مقاتل وعزاه لابن أبي حاتم وابن المنذر.

(٨) في ب : الشبط.

٤٨٧

وقيل : المراد ضعفة المؤمنين ، وهو اختيار جماعة من المفسّرين (١) ، قالوا : والتّبطئة بمعنى الإبطاء ، وفائدة هذا التّشديد تكرّر الفعل منه.

حكى أهل اللّغة أن العرب تقول : ما بطأ بك يا فلان عنّا ، وإدخالهم الباء يدلّ على أنّه في نفسه غير متعدّ (٢) ، فعلى هذا معنى الآية : أن فيهم من يبطىء عن هذا الفرض ويتثاقل عن الجهاد ، وإذا ظفر المسلمون ، تمنّوا أن يكونوا معهم ليأخذوا الغنيمة.

قال : هؤلاء هم الّذين أراد الله بقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ) [التوبة : ٣٨] ، قال : ويدلّ على أنّ المراد بقوله : «ليبطئن» (٣) الإبطاء منهم لا تثبيط غيرهم قوله : (يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ) عند الغنيمة ، ولو كان المراد : تثبيط الغير ، لم يكن لهذا الكلام معنى.

وطعن القاضي في هذا القول : بأنه ـ تعالى ـ حكى أن هؤلاء المبطّئين ، يقولون عند مصيبة المؤمنين : (قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً) فيعدّ قعوده عن القتال نعمة من الله ـ تعالى ـ ، وهذا إنما يليق بالمنافق ، وأيضا لا يليق بالمؤمنين أن يقال لهم : (كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ)، يعني الرّسول «مودة» (٤) ، ثم قال : وإن حمل «ليبطئن» على أنه من الإبطاء والتّثاقل ، صح في المنافقين ، لأنهم كانوا يتثاقلون.

قوله : (فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ)(٥) أي : قتل وهزيمة «قال قد أنعم الله علي» بالقعود ، و (إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً) ، أي : شاهدا حاضرا في تلك الغزوة ، فيصيبني ما أصابهم ، و (إِذْ لَمْ أَكُنْ) ظرف ناصبه : (أَنْعَمَ اللهُ) ، «ولئن أصابكم فضل من الله» (٦) أي : ظفر وغنيمة ، «ليقولن» هذا المنافق (كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ) [الآية] الجمهور على فتح لام «ليقولن» لأنّه فعل مسند إلى ضمير «من» مبني على الفتح لأجل نون التّوكيد ، وقرأ الحسن (٧) بضمّها ، فأسند الفعل إلى ضمير «من» أيضا [لكن](٨) حملا له على معناها ؛ لأن قوله : (لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ) في معنى الجماعة والأصل : ليقولوننّ وقد تقدّم تصريفه.

قوله : (كَأَنْ لَمْ تَكُنْ) هذه «كأن» المخفّفة [من الثّقيلة](٩) وعملها باق عند البصريّين ، [وزعم الكوفيّون أنها حين تخفيفها لا تعمل كما لا تعمل «لكن» مخفّفة عند الجمهور ، وإعمالها عند البصريّين](١٠) غالبا في ضمير الأمر والشّأن ، وهو واجب

__________________

(١) ينظر : تفسير الرازي ١٠ / ١٤٢.

(٢) في ب : منعقد.

(٣) في ب : ليثبطن.

(٤) في ب : مودة يعني الرسول.

(٥) سقط في أ.

(٦) في ب : حرف.

(٧) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٧٨ ، والبحر المحيط ٣ / ٣٠٣ ، والدر المصون ٢ / ٣٩٠.

(٨) سقط في ب.

(٩) سقط في أ.

(١٠) سقط في ب.

٤٨٨

الحذف (١) ، ولا تعمل عندهم في ضمير غيره ، ولا في اسم ظاهر إلا ضرورة ، كقوله : [الهزج]

١٨٢٣ ـ وصدر مشرق النّحر

كأن ثدييه حقّان (٢)

وقول الآخر : [الطويل]

١٨٢٤ ـ ويوما توافينا بوجه مقسّم

كأن ظبية تعطو إلى وارق السّلم (٣)

في إحدى الرّوايات ، وظاهر كلام سيبويه (٤) : أنّها تعمل في غير ضمير الشّأن في غير الضّرورة ، والجملة المنفيّة بعدها في محلّ رفع خبرا لها ، والجملة بعدها إن كانت فعليّة فتكون مبدوءة ب «قد» ؛ كقوله : [الخفيف]

١٨٢٥ ـ لا يهولنّك اصطلاؤك (٥) للحر

ب فمحذورها كأن قد ألمّا (٦)

أو ب «لم» كهذه الآية ، وقوله : (كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) [يونس : ٢٤] وقد تلقيت ب «لمّا» في قول عمّار الكلبي : [الرمل]

__________________

(١) تخفف كأن وفي إعمالها ثلاثة أقوال :

أحدها : المنع وعليه الكوفيون.

والثاني : الجواز مطلقا في المضمر والبارز ، كقوله : كأن ثدييه حقان ، وفي رواية بالنصب.

والثالث : الجواز في المضمر لا في البارز ، ولا يلزم أن يكون ضمير الشأن ويزيد عليها بجواز كون خبرها مفردا وجملة اسمية وفعلية مصدرة بلم أو بلما الجازمة ، قال أبو حيان : ولم يسمع ، وينبغي أن يتوقف في جوازه «أو بقد».

(٢) ينظر البيت في الإنصاف ١ / ١٩٧ ، وأوضح المسالك ١ / ٣٧٨ ، ولسان العرب (أنن) والكتاب ٢ / ١٣٥ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٣٩٢ ، ٣٩٤ ، ٣٩٨ ، ٣٩٩ ، ٤٠٠ ، ٤٤٠ ، والدر ٢ / ١٩٩ ، وشرح المفصل ٨ / ٨٢ ، وشرح التصريح ١ / ١٣٤ ، وشرح شذور الذهب ص ٣٦٩ ، وتخليص الشواهد ص ٣٨٩ ، والجنى الداني ص ٥٧٥ ، وشرح ابن عقيل ص ١٩٧ ، وشرح قطر الندى ص ١٥٨ ، وشرح الأشموني ١ / ١٤٧ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٣٠٥ ، والمنصف ٣ / ١٢٨ ، وهمع الهوامع ١ / ١٤٣ ، والدر المصون ٢ / ٣٩٠.

(٣) البيت لعلباء بن أرقم ينظر الأصمعيات ص ١٥٧ ، والدرر ٢ / ٢٠٠ ، وشرح التصريح ١ / ٢٣٤ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٨٤ ، ولأرقم بن علباء في شرح أبيات سيبويه ١ / ٥٣٥ ، ولزيد بن أرقم في الإنصاف ١ / ٢٠٢ ، ولكعب بن أرقم في لسان العرب (قسم) ، ولباعث بن صريم اليشكري في تخليص الشواهد ص ٣٩٠ ، وشرح المفصل ٨ / ٨٣ ، والكتاب ٢ / ١٣٤ ، وله أو لعلباء بن أرقم في المقاصد النحوية ٢ / ٣٠١ ، ولأحدهما أو لأرقم بن علباء في شرح شواهد المغني ١ / ١١١ ، ولأحدهما أو لراشد بن شهاب اليشكري أو لابن أصرم اليشكري في خزانة الأدب ١٠ / ٤١١ ، وأوضح المسالك ١ / ٣٧٧ ، وجواهر الأدب ٢ / ١٩٧ ، والجنى الداني ص ٢٢٢ ، ٥٢٢ ، ورصف المباني ص ١١٧ ، ٢١١ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٦٨٣ ، وسمط اللآلىء ص ٨٢٩ ، وشرح الأشموني ١ / ١٤٧ ، ٣٣١ ، وشرح قطر الندى ص ١٥٧ ، والكتاب ٣ / ١٦٥ ، والمحتسب ١ / ٣٨ ، ومغني اللبيب ١ / ٣٣ ، والمقرب ١ / ١١١ ، ٢ / ٢٠٤ ، والمنصف ٣ / ١٢٨ ، وهمع الهوامع ١ / ١٤٣ والدر المصون ٢ / ٢٩٠.

(٤) ينظر : الكتاب ١ / ٢٨٣.

(٥) في ب : اصطلاء.

(٦) ينظر : أوضح المسالك ١ / ٣٧٩ ، وسر صناعة الإعراب ص ٤١٩ ، ٤٣٠ ، وشرح الأشموني ١ / ١٤٨ ، ـ

٤٨٩

١٨٢٦ ـ بدّدت منها اللّيالي شملهم

فكأن لمّا يكونوا قبل ثم (١)

قال أبو حيّان (٢) : ويحتاج مثل هذا إلى سماع من العرب ، وقال ابن عطيّة (٣) : «وكأن» مضمّنة معنى التّشبيه ، ولكنها ليست كالثّقيلة في الاحتياج إلى الاسم والخبر ، وإنما تجيء بعدها الجمل ، وظاهر هذه العبارة : أنها لا تعمل عند تخفيفها ، وقد تقدّم أن ذلك قول الكوفيين لا البصريّين ، ويحتمل أنه أراد بذلك أن الجملة بعدها لا تتأثّر بها لفظا ؛ لأن اسمها محذوف ، والجملة خبرها.

وقرأ ابن كثير (٤) ، وحفص عن عاصم ، ويعقوب : [يكن] بالياء ؛ لأن المودّة في معنى الود (٥) [و](٦) لأنه قد فصل بينها وبين فعلها ، والباقون : بالتّاء اعتبارا بلفظها.

قال الواحدي : وكلتا القراءتين قد جاء التّنزيل به ؛ قال (قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) [يونس : ٥٧] وقال : (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ) [البقرة : ٢٧٥] فالتأنيث هو الأصل ، والتّذكير يحسن إذا كان التّأنيث غير حقيقيّ ، لا سيّما إذا وقع فاصل بين الفعل والفاعل ، و «يكون» يحتمل أن تكون تامّة ، فيتعلق الظّرف بها ، أو بمحذوف ، لأنّه حال من «مودة» ، إذ هو في الأصل صفة نكرة قدّم عليها ، وأن تكون ناقصة ، فيتعلّق الظّرف بمحذوف على أنه خبرها ، واختلفوا في هذه الجملة على ثلاثة أقوال :

الأوّل : أنها اعتراضيّة لا محلّ لها من الإعراب ، وعلى هذا فما المعترض بينهما؟ فيه وجهان :

أحدهما : أنّها معترضة بين جملة الشّرط التي هي (فَإِنْ أَصابَتْكُمْ) وبين جملة القسم التي هي (وَلَئِنْ أَصابَكُمْ) ، والتّقدير : (فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ) قال (قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً) كأن لم تكن بينكم [وبينه مودة ، ولئن أصابكم فضل. فأخرت الجملة المعترض بها أعني قوله](٧)(كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ) والنية بها التوسط ، وهذا قول الزجاج وتبعه الماتريدي ، وردّ الرّاغب الأصبهاني هذا القول بأنّه مستقبح ، لأنه لا يفصل بين بعض الجملة [وبعض](٨) ما يتعلّق بجملة أخرى.

__________________

ـ وشرح التصريح ١ / ٢٣٥ ، وشرح شذور الذهب ص ٣٦٩ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٣٠٦ والدر المصون ٢ / ٣٩١.

(١) ينظر البيت في البحر المحيط ٣ / ٣٠٣ والدر المصون ٢ / ٣٩١.

(٢) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٣٠٤.

(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٧٨.

(٤) ينظر : السبعة ٢٣٥ ، والحجة ٣ / ١٧٠ ، ١٧١ ، وحجة القراءات ٢٠٨ ، وإعراب القراءات ١ / ١٣٥ ، ١٣٦ ، والعنوان ٨٤ ، وشرح شعلة ٣٤١ ، وشرح الطيبة ٤ / ٢٠٩ ، وإتحاف ١ / ٥١٦.

(٥) في ب : المودة.

(٦) سقط في ب.

(٧) سقط في أ.

(٨) سقط في أ.

٤٩٠

قال شهاب الدين : وهذا من الزّجّاج كأنه تفسير معنى لا إعراب ، على ما يأتي ذكره عنه في تفسير الإعراب.

الوجه الثاني : أنها معترضة بين القول ومفعوله ، والأصل : ليقولنّ يا ليتني كنت معهم كأن لم يكن ، وعلى هذا أكثر النّاس ، وقد اختلفت عباراتهم في ذلك ، ولا يظهر (١) المعنى إلا بنقل نصوصهم فلننقلها.

فقال الزّمخشري : اعتراض بين الفعل الّذي هو «ليقولن» وبين مفعوله وهو (يا لَيْتَنِي) والمعنى : كأنّه لم يتقدم له معكم مودّة ؛ لأن المنافقين كانوا يوادّون المؤمنين في الظّاهر ، وإن كانوا يبغون لهم الغوائل في الباطن ، والظّاهر أنّه تهكّم ؛ لأنهم كانوا أعدى عدوّ للمؤمنين ، وأشدّهم حسدا لهم ، فكيف يوصفون بالمودّة إلا على وجه العكس والتّهكّم.

وقال الزّجّاج : هذه الجملة اعتراض ، أخبر ـ تعالى ـ بذلك ؛ لأنّهم كانوا يوادّون المؤمنين.

وقال ابن عطيّة (٢) : المنافق يعاطي المؤمنين (٣) المودّة ، ويعاهد على التزام حلف الإسلام ، ثم يتحلّف نفاقا وشكّا وكفرا بالله ورسوله ، ثم يتمنّى عندما ينكشف الغيب الظّفر للمؤمنين ، فعلى هذا يجيء قوله : «كأن لم يكن» التفاتة بليغة ، واعتراضا بين القول والمقول بلفظ يظهر زيادة في قبح فعلهم.

وقال الرازي : هو اعتراض في غاية الحسن ؛ لأن من أحبّ إنسانا فرح لفرحه ، وحزن لحزنه ، فإذا قلب (٤) القضيّة فذلك إظهار للعداوة ، فحكى ـ تعالى ـ سرور المنافق (٥) عند نكبة المسلمين ، ثم أراد أن يحكي حزنه عند دولة المسلمين بسبب فواته الغنيمة ، فقبل أن يذكر الكلام بتمامه ، ألقى قوله : (أَنْ)(٦)(لَمْ تَكُنْ) والمراد التّعجّب ؛ كأنه يقول : انظروا إلى ما يقوله هذا المنافق كأن لم تكن بينكم وبينه مودّة ولا مخالطة أصلا ، والذي حسّن الاعتراض بهذه الجملة وإن كان محلها التّأخير ، كون ما بعدها فاصلة وهي ليست بفاصلة.

وقال الفارسي : وهذه الجملة من قول المنافقين للّذين أقعدوهم عن الجهاد ، وخرجوا هم كأن لم تكن بينكم وبينه أي : وبين الرّسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ مودّة ، فيخرجكم معه لتأخذوا من الغنيمة ليبغّضوا بذلك الرّسول إليهم ، فأعاد الضّمير في «بينه» على النّبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ.

__________________

(١) في ب : تظهر.

(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٧٧.

(٣) في أ : المؤمن.

(٤) في أ : قلت.

(٥) في ب : المنافقين.

(٦) في أ : فإن.

٤٩١

وتبع الفارسي في ذلك مقاتلا ؛ قال مقاتل : معناه : كأنه ليس من أهل (١) [ملّتكم](٢) ، ولا مودّة بينكم يريد : أن المبطّىء قال لمن تخلّف عن الغزو من المنافقين وضعفة (٣) المؤمنين : ومن تخلّف بإذن كأن لم تكن بينكم وبين محمّد مودّة ، فيخرجكم إلى الجهاد ، فتفوزوا بما فاز.

[القول الثاني : أنها في محلّ نصب بالقول ، فيكون ـ تعالى ـ قد حكى بالقول جملتين : جملة التّشبيه ، وجملة التّمنّي ، وهذا ظاهر على قول مقاتل والفارسيّ : حيث زعما أن الضّمير في «بينه» للرّسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ](٤).

القول الثالث : أنها في محلّ نصب على الحال من الضّمير المستتر في «ليقولن» كما تقول : مررت بزيد وكأن لم يكن بينك وبينه معرفة فضلا عن مودّة ، ونقل هذا عن الزّجّاج ، وتبعه أبو البقاء في ذلك (٥).

و «يا» : فيها قولان :

أحدهما : وهو قول الفارسيّ إنها لمجرد التّنبيه ، فلا يقدّر منادى محذوف ، ولذلك باشرت الحرف.

والثاني : أن المنادى محذوف ، تقديره : يا هؤلاء ، ليتني ، وهذا الخلاف جار فيها إذا باشرت حرفا أو فعلا ؛ كقراءة الكسائيّ ألا يا اسجدوا [النمل : ٢٥] وقوله : [الطويل]

١٨٢٧ ـ ألا يا اسقياني قبل غارة سنجال(٦)

 .............. (٧)

وقوله : [البسيط]

١٨٢٨ ـ يا حبّذا جبل الرّيّان من جبل

 ............ (٨)

على القول بفعليّة «حبّذا» ولا يفعل ذلك إلّا ب «يا» خاصّة ، دون سائر حروف النّداء ، لأنّها أمّ الباب ، وقد كثرت مباشرتها ل «ليت» دون سائر الحروف.

قوله : «فأفوز» الجمهور على نصبه في جواب التّمنّي ، والكوفيّون يزعمون نصبه بالخلاف ، والجرميّ يزعم نصبه بنفس الفاء.

والصحيح الأوّل ، لأن الفاء تعطف هذا المصدر المؤوّل من «أن» والفعل على

__________________

(١) في ب : أهليتكم.

(٢) سقط في ب.

(٣) في ب : وحضه.

(٤) سقط في أ.

(٥) ينظر : الإملاء ١ / ١٨٦.

(٦) في ب : عاده شنجال.

(٧) تقدم برقم ٢٧٢.

(٨) صدر بيت وعجزه :

وحبذا ساكن الريان من كانا

ينظر الهمع ٢ / ٨٨ وابن يعيش ٧ / ١٤٠ والدرر ٢ / ١١٥ والدر المصون ٢ / ٣٩٢.

٤٩٢

مصدر متوهّم ، لأن التّقدير : يا ليت لي كونا معهم ـ أو مصاحبتهم ـ ففوزا (١).

وقرأ (٢) الحسن : فأفوز رفعا على [أحد وجهين :

إما](٣) الاستئناف ، أي : فأنا أفوز.

أو عطفا على «كنت» (٤) فيكون داخلا في (٥) حيّز التّمني أيضا ، فيكون الكون معهم ، والفوز العظيم متمنين جميعا ، والمراد بالفوز العظيم : النّصيب الوافر من الغنيمة.

قوله تعالى : (فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً)(٧٤)

فقوله : (الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ) فاعل ، بقوله : «فليقاتل» و «يشرون» يحتمل وجهين :

أحدهما : أن يكون بمعنى : يشترون.

فإن قيل : قد تقرّر أن الباء إنما تدخل على المتروك (٦) ، والظّاهر هنا أنها دخلت على المأخوذ.

فالجواب : أن المراد ب (الَّذِينَ يَشْتَرُونَ) المنافقون المبطّئون عن الجهاد أمروا بأن يغيّروا ما بهم من النفاق ، ويخلصوا الإيمان بالله ورسوله ويجاهدوا في سبيل الله ، فلم تدخل (٧) إلا على المتروك (٨) ؛ لأن المنافقين تاركون للآخرة (٩) آخذون للدّنيا ، وتقدير الكلام : فليقاتل الذين يختارون الحياة الدّنيا ، وعلى هذا التقدير فلا ، بل حذف تقديره : آمنوا ثم قاتلوا ؛ لاستحالة حصول الأمر بشرائع الإسلام قبل حصول الإسلام.

الثاني : أن «يشرون» بمعنى : يبيعون.

قال ابن مفرّع : [مجزوء الكامل]

١٨٢٩ ـ وشريت بردا ليتني

من بعد برد كنت هامه (١٠)

قالوا : وبرد هو غلامه ، وشريته بمعنى : بعته ، وتمنّى الموت بعد [بيعه](١١) فيكون المراد بالذين يشرون : المؤمنون المتخلّفون عن الجهاد ، المؤثرون الآجلة على العاجلة ،

__________________

(١) في ب : فيفوز.

(٢) وقرأ بها يزيد النحوي كما في المحرر الوجيز ٢ / ٧٨ ، والبحر المحيط ٣ / ٣٠٣ ، والدر المصون ٢ / ٢٩٣.

(٣) سقط في أ.

(٤) في ب : ليت.

(٥) في ب : على.

(٦) في ب : المبدول.

(٧) في ب : يدخل.

(٨) في ب : المبدول.

(٩) في ب : باذلون الآخرة.

(١٠) ينظر : اللسان «شري» ، والرازي ١٠ / ١٤٤.

(١١) سقط في أ.

٤٩٣

وتصير هذه الآية في كون شرى تحتمل الاشتراء والبيع باعتبارين ؛ قوله ـ تعالى ـ : (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ) [يوسف : ٢٠] على ما سيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ وقد تقدم شيء من هذا أوّل البقرة [الآية ١٦] والجمهور على سكون لام «فليقاتل» لأنها وقعت بعد الفاء [والواو] فأشبهت اللفظة اكتفاء ، وقرىء بكسرها ، وهو الأصل وأجاز إسكانها وكسرها كهذه الآية ، وقوله ـ تعالى ـ : (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) [الحج : ٢٩] وقد قرىء بهما. والجمهور (١) على بناء «فيقتل» للمفعول ، ومحارب بن دثار ببنائه للفاعل.

والأوّل أظهر ؛ لقوله : (أَوْ يَغْلِبْ) [«ويقتل»](٢) «ويغلب» عطف على شرط ، والفاء في «فسوف» جوابه لا يجوز حذفها والمشهور [إظهار](٣) هذه الباء عند الفاء ، وأدغمها أبو عمرو والكسائي ، وهشام وخلاد بخلاف عنه.

والجمهور على «نؤتيه» بنون العظمة ، وطلحة بن مصرف والأعمش : بياء الغيبة ، وهما ظاهرتان.

وقدم قوله : «فيقتل» لأنها درجة شهادة وهي أعظم من غيرها ، وثنّى بالغلبة ، وهي تشمل نوعين : قتل أعداء الله ، والظّفر بالغنيمة ، والأولى أعظم من الثّانية. انتهى.

فصل

المعنى : أن من قاتل في سبيل الله سواء (٤) صار مقتولا للكفّار ، أو غالبا ، فسوف نؤتيه أجرا عظيما ، ولا واسطة بين هاتين الحالتين. [و](٥) إذا كان الأجر حاصلا على كلّ تقدير ، لم يكن عمل أشرف من الجهاد ، وهذا يدلّ على أن المجاهد لا بدّ وأن يوطّن نفسه على أنّه لا بدّ من أحد أمرين : إمّا أن يقتله العدّوّ (٦)(٧) ، وإمّا أن يغلب ، فإذا عزم على ذلك ، لم يفرّ عن خصمه ، ولم يحجم عن المحاربة ، وإن دخل على غير هذا [العزم](٨) فما أسرع فراره.

روى أبو هريرة ؛ أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «تكفّل الله لمن جاهد في سبيل الله [لا يخرجه إلا جهاد في سبيله](٩) وتصديق كلمته ، بأن يدخله الجنّة ، أو يرجعه إلى مسكنه الّذي خرج منه مع ما نال من أجر أو غنيمة» (١٠).

__________________

(١) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٧٨ ، والبحر المحيط ٣ / ٣٠٧ ، والدر المصون ٢ / ٣٩٣.

(٢) سقط في ب.

(٣) سقط في أ.

(٤) في ب : فنوى القتال سواء.

(٥) سقط في ب.

(٦) في ب : القدر.

(٧) سقط في ب.

(٨) سقط في ب.

(٩) في ب : سكنه.

(١٠) أخرجه البخاري كتاب الخمس : باب قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أحلت لكم الغنائم (٣١٢٣) : كتاب التوحيد : باب «وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا» (٧٤٥٧) ومسلم كتاب الإمارة باب ٢٨ والنسائي كتاب الجهاد ب ١٢ والبيهقي (٩ / ١٥٧) ومالك في «الموطأ» (٤٤٣) وسعيد بن منصور (٢٣١١ ، ٢٣١٢) من حديث أبي هريرة.

٤٩٤

وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ ؛ أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «مثل المجاهد في سبيل الله ؛ كمثل القانت الصّائم الّذي لا يفتر من صلاة ولا صيام ، حتى يرجعه الله إلى أهله بما يرجعه من غنيمة وأجر ، أو يتوفّاه فيدخل الجنّة» (١).

قوله تعالى : (وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً)(٧٥)

هذا استفهام يراد به التّحريض ، والأمر بالجهاد على سبيل الوجوب ، ومعناه : أنّه لا عذر لكم في ترك المقاتلة ، وقد بلغ حال المستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان من المسلمين إلى ما بلغ في الضّعف ، فهذا الحثّ شديد ، وبيان العلّة (٢) التي صار القتال لها واجبا ، وهو ما في القتال من تخليص هؤلاء المؤمنين من أيدي الكفرة ؛ لأنّ هذا يجمع مع الجهاد ما يجري مجرى فكاك الأسير.

و «ما» : مبتدأ ، و «لكم» : خبره ، أي : أيّ شيء استقرّ لكم ، وجملة قوله : (لا تُقاتِلُونَ) فيها وجهان :

أظهرهما : أنها في محلّ نصب على الحال ، أي : ما لكم غير مقاتلين ، أنكر عليهم أن يكونوا على غير هذه الحالة ، وقد صرّح بالحال بعد هذا التركيب في قوله : (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) [المدثر : ٤٩] وقال في مثل هذه الحال : إنّها لازمة ؛ لأنّ الكلام لا يتمّ دونها ، وفيه نظر ، والعامل في هذه الحال : الاستقرار المقدّر ؛ كقولك : ما لك ضاحكا.

والوجه الثاني : أن الأصل : «وما لكم في ألا تقاتلوا» فحذفت «في» فبقي (أَلَّا تُقاتِلُوا) فجرى (٣) فيها الخلاف المشهور ، ثم حذفت «أن» النّاصبة ، فارتفع الفعل بعدها ؛ كقولهم : تسمع بالمعيديّ خير من أن تراه ، وقوله : [الطويل]

١٨٣٠ ـ أيّهذ(٤)الزّاجري أحضر الوغى

 .............. (٥)

في إحدى الروايتين ، وهذا يؤيّد كون الحال ليست بلازمة.

فصل

قالت المعتزلة : قوله : (وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) إنكار عليهم في ترك القتال ،

__________________

(١) أخرجه مالك في «الموطأ» (٢ / ٤٤٣ ـ ٤٤٤) كتاب الجهاد : باب الترغيب في الجهاد (١) والبخاري (٦ / ٢٠) كتاب الجهاد والسير : باب تمني الشهادة (٢٧٩٧) ومسلم (٣ / ١٤٩٨) كتاب الإمارة باب فضل الشهادة في سبيل الله (١١٠ / ١٨٧٨) من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة.

(٢) في ب : للعلة.

(٣) في ب : فبقي.

(٤) في ب : يأيها.

(٥) تقدم برقم ٥٥٩.

٤٩٥

وبيان أن لا عذر لهم ألبتّة في تركه ، ولو كان فعل العبد ، بخلق الله ـ تعالى ـ ، لبطل هذا الكلام ؛ لأن من أعظم العذر أنّ الله ما خلقه وما أراده ، وما قضى به ، وجوابه مذكور.

قوله : (وَالْمُسْتَضْعَفِينَ) فيه ثلاثة أوجه :

أظهرها (١) : أنه مجرور عطفا [على اسم الله ، أي : وفي سبيل المستضعفين.

والثاني : وإليه ذهب الزجاج والمبرّد أن يكون مجرورا عطفا](٢) على نفس «سبيل».

قال أبو البقاء (٣) بعد أن حكاه عن المبرّد وحده : وليس بشيء كأنه لم يظهر لأبي البقاء وجه ذلك ، ووجهه أنّ تقديره : وفي خلاص المستضعفين.

والثّالث : وإليه ذهب الزّمخشري (٤) ، أن يكون منصوبا على الاختصاص ، تقديره : وأخصّ من سبيل الله خلاص المستضعفين ؛ لأن سبيل الله عامّ في كل خير ؛ وخلاص المستضعفين من المسلمين من أيدي الكفّار من أعظم الخيور. والجمهور على : (وَالْمُسْتَضْعَفِينَ) بواو العطف.

وقرأ ابن شهاب : «في سبيل الله المستضعفين» وفيها تخريجان :

أحدهما : أن يكون حرف العطف مقدرا ؛ كقولهم : «أكلت لحما تمرا سمكا».

والثاني : أن يكون بدلا من (سَبِيلِ اللهِ) أي : في سبيل الله سبيل المستضعفين ؛ لأنّ سبيلهم سبيل الله ـ تعالى ـ.

قوله : (مِنَ الرِّجالِ) فيه وجهان :

أحدهما : أنه حال من المستضعفين.

والثاني : أن «من» لبيان الجنس ، و «الولدان» : قيل : جمع «وليد» ؛ وهم المسلمون الّذين بقوا بمكّة لصدّ المشركين ، أو ضعفهم عن الهجرة مستنزلين ممتنعين. انتهى بيضاوي.

فيكون المراد بهم : العبيد والإماء ؛ لأن العبد والأمة يقال لهما : الوليد والوليدة ، وجمعهما : الولدان والولائد ، إلا أنّه ههنا غلّب الذكور ، ويكون المراد بالرّجال والنّساء : الأحرار ، والحرائر (٥).

وقيل : جمع ولد ؛ كورل وورلان وحرب وحربان والمراد بهم : الصّبيان ، [وقيل : العبيد والإماء ، يقال للعبد : «وليد» ، وللأمة : «وليدة» ، فغلّب المذكّر على المؤنّث ؛ لاندراجه فيه](٦).

__________________

(١) في أ : أحدها.

(٢) سقط في ب.

(٣) ينظر : الإملاء ١ / ١٨٧.

(٤) ينظر : الكشاف ١ / ٥٣٤.

(٥) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٣٠٧ ، والدر المصون ٢ / ٣٩٤.

(٦) سقط في ب.

٤٩٦

و (الَّذِينَ يَقُولُونَ) فيه وجهان :

أحدهما : أن يكون مجرورا على أنّه صفة : إمّا للمستضعفين ، وإمّا للرّجال ومن بعدهم ، وغلّب المذكّر على المؤنّث.

وقال أبو البقاء (١) : (الَّذِينَ يَقُولُونَ) في موضع جرّ صفة لمن عقل من المذكورين». كأنه توهّم أنّ الولدان الصبيان ، والصبيان لا يعقلون ؛ فجعله نعتا لمن عقل من المذكورين وهم الرّجال والنّساء دون الولدان ، لأنّ جمع السّلامة في المذكّر يشترط فيه العقل ، و «الذين» جار مجراه.

قال شهاب الدين : وهذه غفلة ؛ لأنّ مراد النّحويين بالعاقل : ما كان من جنس العقلاء وإن كان مسلوب العقل ؛ ويدلّ عليه قوله ـ تعالى ـ : (أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ) [النور : ٣١] فالمراد بالطفل هنا : الصّبيان الصّغار ، ومع ذلك وصفهم بالذين.

والثاني : أن يكون منصوبا على الاختصاص.

فصل

المراد بالمستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان : قوم من المسلمين بقوا بمكّة ، عجزوا عن الهجرة إلى المدينة ، وكانوا يلقون من كفّار مكّة أذى شديدا.

قال ابن عبّاس : كنت أنا وأمّي من المستضعفين من النّساء والولدان (٢) ، وكانوا يدعون ويقولون في دعائهم : (رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها) وكانوا يشركون معهم صغارهم في الدّعاء ؛ لأن الصّغار لم يذنبوا ؛ كما وردت السّنّة في إخراجهم في الاستسقاء ، إنما ذكر الولدان ؛ مبالغة في شرح ظلمهم. حيث بلغ أذاهم غير المكلّفين ، وأجمعوا على أنّ المراد من هذه القرية الظّالم أهلها [مكة](٣) وكون أهلها موصوفين بالظّلم : يحتمل أن يكون لأنّهم مشركون ؛ قال ـ تعالى ـ : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان : ١٣] ، ويحتمل أن يكون لأجل أنّهم كانوا يؤذون المسلمين.

قوله : (الظَّالِمِ أَهْلُها) «الظالم» : صفة للقرية ، و «أهلها» : مرفوع به على الفاعلية. و «أل» في «الظالم» موصولة بمعنى التي ، أي : التي ظلم أهلها. فالظلم جار على القرية لفظا ، وهو لما بعدها معنى ، ومثله : «مررت برجل حسن غلامه».

قال الزمخشري (٤) : فإن قلت : لم ذكّر «الظالم» وموصوفه مؤنث؟ قلت : هو

__________________

(١) ينظر : الإملاء ١ / ١٨٧.

(٢) أخرجه البخاري (٤ / ١٩٨) كتاب الجنائز : باب إذا أسلم الصبي حديث (١٣٥٧) ، (٨ / ٩٢) كتاب التفسير باب سورة النساء حديث (٤٥٨٧) عن ابن عباس موقوفا.

(٣) سقط في أ.

(٤) ينظر : الكشاف ١ / ٥٣٥.

٤٩٧

وصف للقرية إلا أنّه مستند إلى أهلها ، فأعطي إعراب «القرية» لأنها صفتها ، وذكر لإسناده إلى الأهل ؛ كما تقول : من هذه القرية التي ظلم أهلها ، ولو أنّث فقيل : «الظالمة أهلها» لجاز ، لا لتأنيث الموصوف ؛ بل لأنّ الأهل يذكّر ويؤنّث.

فإن قلت : هل يجوز : من هذه القرية الظّالمين أهلها؟.

قلت : نعم ؛ كما تقول : «التي ظلموا أهلها» على لغة : «أكلوني البراغيث» ومنه : (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) [الأنبياء : ٣] انتهى.

وهذه قاعدة كلية : أنّ الصّفة إذا جرت على غير من هي له سواء كانت خبرا ، أم نعتا ، أم حالا ينعت ما قبلها في اثنين من خمسة : واحد من ألقاب الإعراب ، وواحد من التّنكير والتّعريف ، وأمّا بالنّسبة إلى التّذكير ، والتّأنيث ، والإفراد ، وضدّيه فيحسب المرفوع بها كالفعل ، وقد تقدّم تحقيقه ، ويجب أيضا إبراز الضّمير منها مطلقا ـ أعني : سواء ألبس أم لم يلبس ـ وأمّا إذا كان المرفوع بها اسما ظاهرا ، فلا حاجة إلى رفعها الضّمير ، إلا أنه لا بدّ من راجع يرجع إلى الاسم الموصوف بها لفظا كهذه الآية ، وهذا بخلاف الفعل إذا وصف به ، أو أخبر به ، أو وقع حالا لشيء لفظا وهو لغيره معنى ، فإن الضّمير لا يبرز منه بل يستتر ، نحو : «زيد هند يضربها» و «هند زيد تضربه» من غير ضمير بارز ، لقوة الفعل وضعف الاسم في العمل ، وسواء لم يلبس ـ كما تقدّم تمثيله ـ أو ألبس ، نحو : «زيد عمرو يضربه» إذا قصدت أن زيدا هو الضّارب لعمرو ، هذا مقتضى مذهب البصريّين ، نصّ عليه مكي (١) وغيره ، إلا أنّه قال قبل ذلك : «إلا أنّ اسم الفاعل إذا كان خبرا أو صفة لغير من هو له ، لم يستتر فيه ضمير ، ولا بد من إظهاره ، وكذلك إن عطف على غير من هو له».

قال شهاب الدين : هذه الزّيادة لم يذكرها النّحويّون وتمثيلها عسر ، وأمّا ابن مالك : فإنه سوّى بين الفعل والوصف ، يعني : إن ألبس ، وجب الإبراز حتى في الفعل ، نحو : زيد عمرو يضربه هو» وإن لم يلبس جاز ، نحو : «زيد هند يضربها» وهذا مقتضى مذهب الكوفيين ؛ فإنهم علّلوا باللبس ، وفي الجملة ففي المسألة خلاف.

قوله : (وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً) قال ابن عبّاس : يريدون: اجعل علينا رجلا من المؤمنين يوالينا ، ويقوم بمصالحنا ، ويحفظ علينا ديننا وشرعنا ؛ فأجاب الله دعاءهم ؛ لأن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لما فتح مكّة ، جعل عتّاب بن أسيد واليا عليهم ، فكان ينصف الضّعيف من القويّ ، والمظلوم من الظّالم (٢).

وقيل : المراد : واجعل لنا من لدنك ولاية ونصرة ، أي : كن أنت لنا وليّا.

__________________

(١) المشكل : ١ / ١٩٧.

(٢) ذكره الفخر الرازي في «التفسير الكبير» (١٠ / ١٤٦) عن ابن عباس.

٤٩٨

قوله تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً)(٧٦)

لما بيّن وجوب الجهاد ، بيّن أنه لا عبرة بصورة الجهاد ، بل العبرة بالقصد والدّاعي ، فالمؤمنون يقاتلون في سبيل الله ، أي : في طاعة الله ونصرة دينه ، والّذين كفروا يقاتلون في سبيل الطّاغوت ، أي : في طاعة الشّيطان.

قال أبو عبيدة والكسائي (١) : الطّاغوت يذكّر ويؤنّث ، قال أبو عبيد : وإنّما ذكر وأنث ؛ لأنّهم [كانوا يسمّون الكاهن والكاهنة طاغوتا.

قال جابر بن عبد الله وقد سئل عن الطّاغوت التي](٢) كانوا يتحاكمون إليها ـ قال : كان في جهينة واحدة ، وفي أسلم واحدة ، وفي كل حيّ واحدة (٣).

قال أبو إسحاق : والدّليل على أنّه الشّيطان ، قوله ـ تعالى ـ : (فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً) أي : مكره و [مكر](٤) من اتّبعه ، وهذه الآية كالدّالة على أنّ كلّ من كان غرضه في فعل رضى [غير](٥) الله ـ تعالى ـ [فهو في سبيل الطاغوت ، لأنه ـ تعالى ـ ذكر هذه القسمة ؛ وهي أن القتال إمّا أن يكون في سبيل الله](٦) ، أو في سبيل الطّاغوت ، وجب أن يكون ما سوى الله طاغوتا ، ثم إنّه ـ تعالى ـ أمر المقاتلين في سبيل الله أن يقاتلوا أولياء الشّيطان ؛ فقال : «فقاتلوا أيها المؤمنون أولياء الشيطان» : حزبه وجنوده ؛ وهم الكفّار ، ثم بيّن أن كيد الشّيطان [كان ضعيفا لأن الله ينصر أولياءه ، والشّيطان ينصر أولياءه ، ولا شكّ أن نصرة الشيطان لأوليائه](٧) أضعف من نصرة الله ، وكيد الشّيطان : مكره ، (كانَ ضَعِيفاً) : كما فعل يوم بدر لما رأى الملائكة ، خاف أن يأخذوه فهرب وخذلهم ، وفائدة إدخال «كان» في قوله : (كانَ ضَعِيفاً) التّأكيد لضعف كيده ، يعني : أنه منذ كان ، موصوفا بالضّعف والذّلّة.

قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً)(٧٧)

(٨) قال الكلبي : نزلت في عبد الرّحمن بن عوف الزّهريّ ، والمقداد بن الأسود الكندي ، وقدامة بن مظعون الجمحي ، وسعد بن أبي وقّاص ، وجماعة كانوا مع النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(١) ينظر : تفسير القرطبي ٥ / ١٨١.

(٢) سقط في ب.

(٣) تقدم.

(٤) سقط في ب.

(٥) سقط في ب.

(٦) سقط في أ.

(٧) سقط في أ.

(٨) سقط في ب.

٤٩٩

قبل أن يهاجروا إلى المدينة ، ويلقون من (١) المشركين أذّى شديدا ، فيشكون ذلك إلى الرّسول ، ويقولون : ائذن لنا في قتالهم ، ويقول لهم الرّسول : كفّوا أيديكم ، فإني لم أومر بقتالهم ، واشتغلوا بإقامة دينكم من الصّلاة والزّكاة ، فلمّا هاجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المدينة ، وأمر بقتالهم في وقعة بدر ، كرهه بعضهم وشقّ عليه ، فأنزل الله ـ تعالى ـ هذه الآية (٢). فذهب بعضهم إلى أنّها نزلت في المؤمنين ، واحتجّوا : بأنّ الّذين يحتاج الرّسول إلى أن يقول لهم كفّوا عن (٣) القتال ، هم الرّاغبون في القتال ؛ وهم المؤمنون.

ويمكن الجواب عنه : بأنّ المنافقين كانوا يظهرون أنّهم مؤمنون ، وأنّهم يريدون قتال الكفّار ، فلما أمر الله بقتالهم الكفّار ، أحجم المنافقون عنه ، وظهر منهم خلاف ما كانوا يقولونه.

وقيل : نزلت في المنافقين ، واحتجّوا بأنّ الله ـ تعالى ـ وصفهم بأنّهم (يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً ،) وهذا الوصف لا يليق إلا بالمنافق ؛ لأن المؤمن لا يخاف من النّاس أشدّ من خوفه من الله ، وأيضا قولهم : «ربنا لم كتبت علينا القتال» اعتراض على الله ـ تعالى ـ ، وذلك من صفة الكفّار والمنافقين ، وأيضا قوله ـ تعالى ـ للرّسول : (قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى) وهذا الكلام إنّما يذكر لمن كانت رغبته في الدّنيا أكثر من رغبته في الآخرة ، وذلك من صفات المنافقين.

وأجاب القائلون بالقول الأوّل : بأن حبّ الحياة والنّفرة عن القتل من لوازم الطّبع ؛ فهذه الخشية محمولة على هذا المعنى ، وقولهم : «لم كتبت علينا القتال» محمولة على التمنّي بتخفيف التّكليف ، لا على وجه إنكار [لإيجاب](٤) الله ـ تعالى ـ.

وقوله [ـ تعالى ـ](٥) : (قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ) ذكره ليهوّن على القلب أمر هذه الحياة ؛ لكي تزول عن قلبه نفرة القتال وحبّ الحياة ، ويقدمون على الجهاد بقلب قويّ ، لا لأجل الإنكار.

وقيل : قاله جماعة من المؤمنين لم يكونوا راسخين في العلم ، قالوه خوفا وجبنا لا

__________________

(١) في ب : مع.

(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ٥٤٩ ـ ٥٥٠) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٢٨) وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة مختصرا.

ورواية الكلبي ذكرها القرطبي في «تفسيره» (٥ / ١٨١) والرازي في «التفسير الكبير» (١٠ / ٢٤٧).

وأخرجه الحاكم (٢ / ٣٠٧) والطبري في «تفسيره» (٨ / ٥٤٩) والبيهقي (٩ / ١١) وابن أبي حاتم كما في «الدر المنثور» (٢ / ٣٢٨) عن ابن عباس مختصرا وفي آخره قال : إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا القوم.

فلما حوله الله إلى المدينة أمره بالقتال فكفوا فأنزل الله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ) وقال الحاكم : صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

(٣) في ب : كفوا أيدكم عن.

(٤) سقط في ب.

(٥) سقط في أ.

٥٠٠