اللّباب في علوم الكتاب - ج ٥

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ٥

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-2298-3
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٦٣٢

وروى الواحديّ عن المبرد بسند متصل : محص الحبل يمحص محصا ـ إذا ذهب زئبره حتى يتملص ، وحبل محيص ومليص بمعنى واحد ، قال : ويستحب في الفرس أن تمحّص قوائمه أي : تخلّص من الرّهل.

[وأنشد ابن الأنباريّ على ذلك](١) ـ يص ف فرسا ـ : [البسيط]

١٦٣٤ ـ صمّ النّسور ، صحاح ، غير عاثرة

ركّبن في محصات ملتقى العصب (٢)

أي : في قوائم متجرّدات من اللحم ، ليس فيها إلا العظم والجلد.

قال المبرد : ومعنى قول الناس محّص عنا ذنوبنا : أذهب عنا ما تعلّق من الذنوب.

قال الواحديّ : «وهذا ـ الذي قاله المبرد ـ تأويل المحص ـ بفتح الحاء ـ وهو واقع ، والمحص ـ بسكون الحاء ـ «مصنوع» ـ وقال الخليل : يقال : محصت الشيء أمحصه محصا ـ إذا أخلصته من كل عيب». وفي جعله محصا ـ بتسكين الحاء ـ مصنوعا نظر ؛ لأن أهل اللغة نقلوه ساكنها ، وهو قياس مصدر الثلاثي. ومحصت السيف والسنان : جلوتهما حتى ذهب صدأهما.

قال أسامة الهذليّ : [الطويل]

١٦٣٥ ـ وشقّوا بممحوص السّفان فؤاده

لهم قترات قد بنين محاتد (٣)

أي : بمجلوّ ، ومنه استعير ذلك في وصف الحبل بالملاسة والبريق.

قال العجاج : [الرجز]

١٦٣٦ ـ شديد جلز الصّلب ممحوص الشّوى

كالكرّ ، لا شخت ولا فيه لوى (٤)

والشوى : الظهر ، قصره ضرورة ، سمع : فعلته حتى انقطع شواي ، أي : ظهري.

والمحق ـ في اللغة ـ النقصان.

وقال المفضّل : هو أن يذهب الشيء كلّه ، حتّى لا يرى منه شيء ، ومنه قوله تعالى : (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا) [البقرة : ٢٧٦] أي : يستأصله ، وقد تقدم الكلام عليه في البقرة.

__________________

(١) بدل ما بين المعكوفين في ب : قال الشاعر.

(٢) البيت لأبي دؤاد الإيادي ـ ينظر ديوانه (٢٨٥) والزاهر للأنباري ١ / ١٠٧ وأمالي القالي ٢ / ٣٠٥ والدر المصون ٢ / ٢١٧.

(٣) ينظر البيت في ديوان الهذليين ٢ / ٢٠٦ وشرح أشعار الهذليين ٣ / ٣٠٠ وتاج العروس ٤ / ٤٣٤ واللسان (حتد) والدر المصون ٢ / ٢١٧.

(٤) ينظر البيت في اللسان (محص) وتهذيب اللغة ٤ / ٢٧١ وتاج العروس ٤٥٥ / ٤٣٤ والدر المصون ٢ / ٢١٨ ورواية البيت في الديوان هكذا :

شديد جلز الصلب معصوب الشوى

٥٦١

قال الزجاج : معنى الآية : أن الله تعالى جعل الأيام مداولة بين المسلمين والكافرين ، فإن حصلت الغلبة للكافرين كان المراد : تمحيص ذنوب المؤمنين ـ أي : تطهيرها ـ وإن كانت الغلبة للمؤمنين كان المراد : محق آثار الكافرين ، ومحوهم ، فقابل تمحيص المؤمنين بمحق الكافرين ؛ لأن تمحيص هؤلاء باهلاك ذنوبهم نظير محق أولئك بإهلاك نفوسهم ، وهذه مقابلة لطيفة ، والأقرب أن المراد بالكافرين ـ هنا ـ طائفة مخصوصة منهم ـ وهم الذين حاربوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم أحد ، لأن الله تعالى لم يمحق كل الكافرين ، بل بقي كثير منهم على كفره.

قوله تعالى : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (١٤٢) وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ)(١٤٣)

لما بيّن في الآية الأولى الأسباب الموجبة في مداولة الأيام ، ذكر في هذه الآية ما هو السبب الأصليّ لذلك ، فقال : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ) بدون تحمّل المشاق؟

وفي «أم» ـ هذه ـ أوجه :

أظهرها : أنها منقطعة ، مقدّرة ب «بل» ، وهمزة الاستفهام ويكون معناه الإنكار عليهم.

وقيل : «أم» بمعنى الهمزة وحدها ، ومعناه كما تقدم التوبيخ والإنكار.

وقيل : هذا الاستفهام معناه النهي.

قال أبو مسلم : «إنه نهي وقع بحرف الاستفهام الذي يأتي للتبكيت ، وتلخيصه : لا تحسبوا أن تدخلوا الجنة ، ولم يقع منكم الجهاد ، وهو كقوله : (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) [العنكبوت : ٢] وافتتح الكلام بذكر «أم» التي هي أكثر ما تأتي في كلامهم واقعة بين ضربين يشك في أحدهما ، لا يعينه ، يقولون : أزيد ضربت أم عمرا؟ مع تيقّن وقوع الضرب بأحدهما ، قال : وعادة العرب أن يأتوا بهذا الجنس من الاستفهام توكيدا ، فلما قال : (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا) كأنه قال : أفتعلمون أن ذلك كما تؤمرون به أم تحسبون أن تدخلوا الجنة من غير مجاهدة وصبر؟».

وقيل : هي متصلة.

قال ابن بحر : «هي عديلة همزة تقدر من معنى ما تقدم ، وذلك أن قوله : (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ) و (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) إلى آخر القصة يقتضي أن نتبع ذلك أتعلمون أن التكليف يوجب ذلك أم حسبتم أن تدخلوا الجنة من غير اختبار وتحمّل مشقة ، وأن تجاهدوا ، فيعلم الله ذلك منكم واقعا».

و «أحسب» ـ هنا ـ على بابها من ترجيح أحد الطرفين ، و (أَنْ تَدْخُلُوا) ساد مسد المفعولين ـ على رأي سيبويه ـ ومسد الأول ، والثاني : محذوف ـ على رأي الأخفش.

٥٦٢

قوله : (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ) جملة حالية.

قال الزّمخشري : «و «لما» بمعنى «لم» ، إلا أنّ فيه ضربا من التوقّع ، فدلّ على نفي الجهاد فيما مضى ، وعلى توقّعه فيما يستقبل ، وتقول : وعدتني أن تفعل كذا ولمّا ، تريد : ولم تفعل ، وأنا أتوقّع فعله».

قال أبو حيان (١) : «وهذا الذي قاله في «لما» ـ من أنها تدل على توقّع الفعل المنفي بها فيما يستقبل ـ لا أعلم أحدا من النحويين ذكره ، بل ذكروا أنك إذا قلت : لما يخرج زيد ، دل ذلك على انتفاء الخروج فيما مضى ، متصلا نفيه إلى وقت الاخبار ، أما أنها تدل على توقّعه في المستقبل فلا ، لكنني وجدت في كلام الفراء شيئا يقارب ما قاله الزمخشري ، قال : «لما» لتعريض الوجود بخلاف «لم»».

قال شهاب الدين (٢) : والنحاة إنما فرّقوا بينهما من جهة أن المنفي ب «لم» هو فعل غير مقرون ب «قد» ، والمنفي ب «لما» فعل مقرون بها ، و «قد» تدل على التوقّع ، فيكون كلام الزمخشري صحيحا من هذه الجهة ، ويدل على ما قلته ـ من كون «لم» لنفي فعل فلان ، و «لما» لنفي قد فعل ـ نصّ سيبويه فمن دونه.

قال الزجاج إذا قيل فعل فلان ، فجوابه : لم يفعل ، وإذا قيل : قد فعل فلان ، فجوابه لما يفعل ؛ لأنه لما أكّد في جانب الثبوت ب «قد» لا جرم أنه أكد في جانب النفي بكلمة «لما» ، وقد تقدم نظير هذه الآية في «البقرة» وظاهر الآية يدل على وقوع النفي على العلم ، والمراد : وقوعه على نفي المعلوم ، والتقدير : أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ، ولمّا يصدر الجهاد عنكم؟

وتقريره : أن العلم متعلق بالمعلوم ، كما هو عليه ، فلما حصلت هذه المطابقة ـ لا جرم ـ حسن إقامة كلّ واحد منهما مقام الآخر.

فصل

قال القرطبيّ : والمعنى : أحسبتم يا من انهزم يوم أحد أن تدخلوا الجنة ، كما دخل الذين قتلوا ، وصبروا على ألم الجراح والقتل ، من غير أن تسلكوا طريقهم ، وتصبروا صبرهم؟ لا ؛ حتّى يعلم الله الذين جاهدوا منكم ، أي : علم شهادة ، حتى يقع عليه الجزاء ، والمعنى : ولم تجاهدوا ، فيعلم ذلك منكم ، ف «لما» بمعنى : «لم».

قوله : «منكم» حال من «الّذين».

وقرأ العامة (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ) بكسر الميم ـ على أصل التقاء الساكنين.

وقرأ النخعي وابن وثاب بفتحها (٣) ، وفيها وجهان :

__________________

(١) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٧٢.

(٢) ينظر : الدر المصون ٢ / ٢١٨.

(٣) ينظر : المحرر الوجيز ١ / ٥١٥ ، والبحر المحيط ٣ / ٧٢ ، والدر المصون ٢ / ٢١٩.

٥٦٣

الأول : أن الفتحة فتحة إتباع الميم ل «اللام» قبلها.

الثاني : أنه على إرادة النون الخفيفة ، والأصل : ولما يعلمن ، والمنفي ب «لما» قد جاء مؤكدا بها ، كقول الشاعر : [الرجز]

١٦٣٧ ـ يحسبه الجاهل ما لم يعلما

شيخا على كرسيّه معمّما (١)

فلما حذفت النون بقي آخر الفعل مفتوحا ، كقول الشاعر : [الخفيف]

١٦٣٨ ـ لا تهين الفقير علّك أن تر

كع يوما والدّهر قد رفعه (٢)

وعليه تخرّج قراءة : (أَلَمْ نَشْرَحْ) [الشرح : ١] ـ بفتح الحاء ـ.

وقول الآخر : [الرجز]

١٦٣٩ ـ من أيّ يوميّ من الموت أفر

من يوم لم يقدر أو يوم قدر (٣)

قوله : «ويعلم» العامة على فتح الميم ، وفيها تخريجان :

أحدهما : وهو الأشهر ـ أن الفعل منصوب ، ثم هل نصبه ب «أن» مقدّرة بعد الواو المقتضية للجمع كهي في قولك : لا تأكل السمك وتشرب اللبن ، أي : لا تجمع بينهما ـ وهو مذهب البصريين ـ أو بواو الصرف ـ وهو مذهب الكوفيين ـ يعنون أنه كان من حق الفعل أن يعرب بإعراب ما قبله ، فلما جاءت الواو صرفته إلى وجه آخر من الإعراب.

الثاني : أن الفتحة فتحة التقاء الساكنين ، والفعل مجزوم ، فلما وقع بعده ساكن آخر ، احتيج إلى تحريك آخره ، فكانت الفتحة أولى ؛ لأنها أخف ، وللإتباع لحركة اللام ، كما قيل ذلك في أحد التخريجين في قراءة «ولمّا يعلم الله» بفتح الميم ـ والأول هو الوجه.

وقرأ الحسن وأبو حيوة وابن يعمر (٤) : بكسر الميم ؛ عطفا على «يعلم» المجزوم ب «لمّا».

وقرأ عبد الوارث ـ عن أبي عمرو بن العلاء ـ «ويعلم» بالرفع (٥) ، وفيها وجهان :

أظهرهما : أنه مستأنف ، أخبر ـ تعالى ـ بذلك.

وقال الزّمخشريّ : «على أن الواو للحال ، كأنه قيل : ولما تجاهدوا وأنتم صابرون».

__________________

(١) البيت لأبي حيان الفقعسي ونسب لمساور العبسي ونسب للعجاج ينظر البيت في ديوانه وابن يعيش ٩ / ٤٢ والنوادر (١١٣) وأمالي الزجاجي (١٨٩) والإنصاف ٢ / ٦٥٣ ومجالس ثعلب (٥٥٢) والكتاب ٣ / ٥١٦ ، وشرح الأشموني ٣ / ٢١٨ وشرح الكافية للرضي ٢ / ٤٠٤ والمقتضب ٢ / ١١٣٠ وأوضح المسالك ٤ / ١٠٦ وضرائر الشعر ص ٢٩ والدر المصون ٢ / ٢١٨.

(٢) تقدم برقم ٤٤٨.

(٣) البيت للحارث بن المنذر. ينظر حماسة البحتري (٤٥) وسر الصناعة (٨٥) والدر المصون ٢ / ٢١٩.

(٤) ينظر : مصادر القراءة السابقة.

(٥) ينظر : إتحاف ١ / ٤٨٨ ، والمحرر الوجيز ١ / ٥١٥ ، والبحر المحيط ٣ / ٧٢ ، والدر المصون ٢ / ٢١٩.

٥٦٤

قال أبو حيّان : «ولا يصح ما قال ؛ لأن واو الحال لا تدخل على المضارع ، لا يجوز : جاء زيد ويضحك ـ تريد : جاء زيد يضحك ، لأن المضارع واقع موقع اسم الفاعل ، فكما لا يجوز : جاء زيد وضاحكا ، كذلك لا يجوز : جاء زيد ويضحك فإن أول على أن المضارع خبر لمبتدأ محذوف ، أمكن ذلك ، التقدير : وهو يعلم الصابرين.

كما أولوا قول الشاعر : [المتقارب]

١٦٤٠ ـ ...........

نجوت وأرهنهم مالكا (١)

أي : وأنا أرهنهم».

قال شهاب الدين : «قوله : لا تدخل على المضارع ، هذا ليس على إطلاقه ، بل ينبغي أن يقول : على المضارع المثبت ، أو المنفي ب «لا» ؛ لأنها تدخل على المضارع المنفي ب «لم ولمّا». وقد عرف ذلك مرارا».

ومعنى الآية : أن دخول الجنة ، وترك المصابرة على الجهاد مما لا يجتمعان.

قوله تعالى : (وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ) قرأ البزي : بتشديد تاء «تمنّون» (٢) ، ولا يمكن ذلك إلا في الوصل ، وقاعدته : أنه يصل ميم الجمع بواو ، وقد تقدم تحرير هذا عند قوله تعالى : (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) [البقرة : ٢٧٦].

قوله : «من قبل» الجمهور على كسر اللام ؛ لأنها معربة ؛ لإضافتها إلى «أن» وصلتها.

وقرأ مجاهد وابن جبير : من قبل بضم اللام (٣) ، وقطعها عن الإضافة ، كقوله تعالى : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) [الروم : ٤] وعلى هذا ف «أن» وصلتها بدل اشتمال من «الموت» في محل نصب ، أي : تمنّون لقاء الموت ، كقولك : رهبت العدوّ لقاءه ، والضمير في «تلقوه» فيه وجهان :

أظهرهما : عوده على «الموت».

والثاني : عوده على العدو ، وإن لم يجر له ذكر ـ لدلالة الحال عليه.

وقرأ الزّهريّ ، والنخعيّ (٤) «تلاقوه» ، ومعناه معنى «تلقوه» ؛ لأن «لقي» يستدعي أن يكون بين اثنين ـ بمادته ـ وإن لم يكن على المفاعلة.

__________________

(١) تقدم برقم ٤٤٥.

(٢) ينظر : الدر المصون ٢ / ٢٢٠.

(٣) ينظر : الشواذ ٢٢ ، والمحرر الوجيز ١ / ٥١٥ ، والبحر المحيط ٣ / ٧٣ ، والدر المصون ٢ / ٢٢٠ ، والصحيح نسبتها إلى مجاهد بن جبر حسب ، ولكن المصنف هنا تحرف عليه «ابن جبر» إلى ابن جبير ، فظن أنهما اثنان ، والصواب كما قدمناه في «المحرر» و «البحر» و «الدر».

(٤) ينظر : الشواذ ٢٢ ، والبحر المحيط ٣ / ٧٣ ، والمحرر الوجيز ١ / ٥١٥ ، والدر المصون ٢ / ٢٢٠ ، ونسبها القرطبي في تفسيره (٤ / ١٤٢) إلى الأعمش.

٥٦٥

قوله : (فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ) الظاهر أن الرؤية بصرية ، فيكتفى بمفعول واحد.

وجوّزوا أن تكون علمية ، فتحتاج إلى مفعول ثان ، هو محذوف ، أي : فقد علمتموه حاضرا ـ أي : الموت ـ.

إلا أن حذف أحد المفعولين في باب «ظن» ليس بالسّهل ، حتى إن بعضهم يخصّه بالضرورة ، كقول عنترة : [الكامل]

١٦٤١ ـ ولقد نزلت ، فلا تظنّي غيره

منّي بمنزلة المحبّ المكرم (١)

أي : فلا تظني غيره واقعا مني.

قوله : (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) يجوز أن تكون جملة حالية ـ وهي حال مؤكّدة ـ رفعت ما تحتمله الرؤية من المجاز ، أو الاشتراك بينها وبين رؤية القلب ، ويجوز أن تكون مستأنفة ، بمعنى : وأنتم تنظرون في فعلكم ـ الآن ـ بعد انقضاء الحرب ، هل وفّيتم ، أو خالفتم؟

وقال ابن الأنباري : «رأيتموه» ، أي : قابلتموه (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) بعيونكم ، ولهذه العلة ذكر النظر بعد الرؤية حيث اختلف معناهما ؛ لأن الأول بمعنى : المقابلة والمواجهة ، والثاني بمعنى : رؤية العين.

وهذا ـ أعني : إطلاق الرؤية على المقابلة والمواجهة ـ غير معروف عند أهل اللسان ، وعلى تقدير صحته ، فتكون الجملة من قوله : (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) جملة حالية مبيّنة ـ لا مؤكّدة ـ لأنها أفادت معنى زائدا على معنى عاملها.

ويجوز أن يقدّر ل «تنظرون» مفعولا ، ويجوز أن لا يقدّر ؛ إذ المعنى : وأنتم من أهل النظر.

فصل

قال المفسرون : إنّ قوما من المسلمين تمنّوا يوما كيوم بدر ؛ ليقاتلوا ، وليستشهدوا ، فأراهم الله يوم أحد.

وقوله : (تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ) أي : سبب الموت ـ وهو الجهاد ـ (مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ) يعني : أسبابه ، وذكر النظر بعد الرؤية ؛ تأكيدا ـ كما قدمناه ـ.

وقيل : لأن الرؤية قد تكون بمعنى : العلم ، فقال : (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) ليعلم أن المراد بالرؤية : هي البصرية.

وقيل : وأنتم تنظرون إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قوله تعالى : (وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ

__________________

(١) تقدم برقم ٨٧٧.

٥٦٦

عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ)(١٤٤)

«ما» نافية ، ولا عمل لها هنا مطلقا ـ أعني : على لغة الحجازيين والتميميّين ؛ لأن التميميين لا يعملونها ـ ألبتة ـ والحجازيين يعملونها بشروط ، منها : ألا ينتقض النفي ب «إلا» إذ يزول السبب الذي عملت لأجله ـ وهو شبهها ب «ليس» في نفي الحال ـ فيكون «محمّد» مبتدأ ، و «رسول» خبر (١).

__________________

(١) هذا أحد المواضع التي يتقدم فيها المبتدأ ويتأخر الخبر وجوبا وحاصلها خمسة مواضع.

أولها : أن يخاف التباسه بالمبتدأ ، وذلك إذا كانا معرفتين أو نكرتين متساويين في التخصيص (أي كل منهما صالحة لجعلها مبتدأ) ولا قرينة تميز أحدهما من الآخر ؛ فالمعرفتان نحو : (سرورنا غم أعداءنا) و (صديقي علي) فلو قدمت الخبر يصير التركيب هكذا (غمّ أعداءنا سرورنا) و (علي صديقي) لتوهم أنه مبتدأ وعلى ذلك يكون للجملة معنى غير المعنى الأول.

واعلم أن المراد بتعريفهما : ما يشمل المتحدين في النوع والمختلفين فيه ، فالأول نحو : (صديق زيد صديق عمرو) والثاني نحو : (محمد الأكرم ـ وأنت الأفضل) فكل منهما صالح لأن يخبر به وعنه ، فإنك لو قلت : أحمد أخي ، وقدمت أخي على أحمد ، لصح ذلك ، إلا أن المعنى يختلف باختلاف الفرض ، فإذا كان المخاطب يعرف أحمد بعينه واسمه ، لكنه يجهل اتصافه بأنه أخوك قلت له : ـ أحمد أخي لا غير ذلك تقول. أما إذا كان يعرف أن لك أخا غير أنه يجهل عينه واسمه ، قلت له أخي أحمد ـ وكذا الحال في المثال المتقدم ؛ فإنه لا يكون على ما ذكر من الترتيب ، إلا إذا كان يعرف مخاطبك أن لك صديقا ويجهل اسمه ، فإذا كان يعلم اسمه دون صداقته عكست له ذلك الترتيب وقلت : ـ علي صديقي ، فالمجهول للمخاطب هو الذي يجعل خبرا في مثل ذلك ، هذا هو المشهور ، وبعضهم يجوز التأخير فيجعل الجزء الثاني مما تقدم من الأمثلة مبتدأ مؤخرا ، مع جواز أن يكون خبرا.

وبعضهم ينظر إلى الأعم منهما فما كان أعم جعل خبرا ، نحو «زيد صديقه» إذا كان له أصدقاء غيره.

وبعضهم يرى : أن الأعرف هو المبتدأ وغيره الخبر (كأنتم الذين أحسنتم) ما عدا اسم الإشارة مع معرفة أخرى فإنه يتعين للابتدائيه لمكان حرف التنبيه ، وإن كانت المعرفة الأخرى أعرف منه ، تقدّم إلّا مع الضمير ، فإنه يتعين جعل الضمير مبتدأ وإدخال حرف التنبيه عليه فتقول : (ها أنذا) وقد سمع (هذا أنا). وبعضهم ينظر إلى جمودهما واشتقاقهما ؛ فالجامد هو المبتدأ والخبر المشتق تقدم أو تأخر ، نحو : (القائم زيد). وأما النكرتان المتساويتان فنحو : (أفضل منك أفضل مني) أي لكوني دونك أو مساويك هذا عند عدم القرينة ، أما إذا وجدت فالحكم لها ، نحو : (رجل صالح حاضر) ففي هذا المثال قرينة لفظية هي الصفة ، فإنها قاضية بأن النكرة الموصوفة مبتدأ ، متقدمة كانت أو متأخرة.

كما لا يجب تأخير الخبر في هذا ونحوه ؛ لوجود القرينة اللفظية ، كذلك لا يجب مع وجود القرينة المعنوية ، نحو : أبو يوسف أبو حنيفة. فإن القرينة المعنوية وهي التشبيه الحقيقي قاضية بأن (أبو يوسف) مبتدأ ؛ لأنه مشبه وأبو حنيفة الخبر ؛ لأنه مشبه به تقدم أو تأخر ؛ ومن ذلك قول الشاعر :

بنونا بنو أبنائنا وبناتنا

بنوهن أبناء الرجال الأباعد

فإن قرينة التشبيه الحقيقي حاكمة بأن بني الأبناء مشبهون بالأبناء في محبتهم والعطف عليهم فبنو أبنائنا مبتدأ موخر ، وبنونا خبر مقدم أي بنو أبنائنا مثل بنينا هذا على حقيقة التشبيه ويضعف أن يكون على التشبيه المقلوب للمبالغة لأن التشبيه المقلوب أمر نادر ولا يحمل على النادر إلا اضطرارا.

ثانيها : أن يخاف التباس المبتدأ بالفاعل وذلك إذا كان الخبر فعلا مسندا لضمير المبتدأ المستتر بمعنى أن يكون فاعل ذلك الفعل ليس له صورة في اللفظ بل يكون ضميرا مستترا ، نحو : (محمد قام ، أو ـ

٥٦٧

__________________

ـ يقوم) فلو قدم الخبر فيهما لالتبس المبتدأ بالفاعل وحينئذ تكون الجملة فعلية لا اسميه ، ولا شك أنهما مختلفتان ، فالاسمية تفيد الدوام والثبوت. والفعلية تفيد التجرد والحدوث.

أما إذا كان الخبر مسندا لفاعل له صورة في اللفظ ، بأن كان فاعله ضميرا بارزا أو اسما ظاهرا ، نحو : «المجدان نجحا ـ الصالحون فازوا) جاز التقديم فتقول : نجحا المجدان فازوا الصالحون للأمن من المحذور المذكور ، إلا على لغة : أكلوني البراغيث ، ووجود اللبس على هذه اللغة لا يمنع من تقديم الخبر ؛ لأن تقديمه أكثر في هذه اللغة ، وأيضا فهو لا يحمل عليها لذلك ، وإن لتقديم الخبر في ذلك أكثر من كون الظاهر بدلا من الضمير ؛ ولهذا قالوا في قوله تعالى : (ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ) وفي قوله : (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) أن كثير والذين مبتدآن مؤخران لا بدلان.

واعلم أن بعضهم قد ذهب إلى أن الوصف بعد المبتدأ المسبوق بنفي أو استفهام كالفعل الممتنع تقديمه ، نحو : «ما زيد قائم» ، و «هل محمد منطلق» ؛ لأنه لو قدم لحصل لبس أيضا وهو غير صحيح ، لتصريحهم بجواز التقديم في مثله ، وأن اللبس فيه ليس مثل ذلك لأن تقديم الخبر إذا كان فعلا يخرج الجملة من الاسمية إلى الفعلية بخلاف الوصف.

ثالثها : أن يقترن الخبر ب «إلّا» معنى ، نحو : إنما العالم محب لدينه. إذ التقدير ما العالم إلا محب لدينه ، ويستشهد لذلك بما جاء في الكتاب العزيز من نحو قوله تعالى : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ) أي ما أنت إلا منذر أو لفظا ، نحو : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ)، (إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ).

وذلك لأنه لو قدم هنا لانعكس المراد وأفاد انحصار الخبر في المبتدأ والغرض خلاف ذلك وأما قول الشاعر :

فيا رب هل إلا بك النصر يرتجى

عليهم وهل إلا عليك المعول

فضرورة أو شاذ لا يعول عليه لأن فيه تقديم الخبر المحصور ب «إلا» في قوله بك النصر ـ عليك المعول.

ولقد كان من واجبه أن يقول هل النصر يرتجى إلا بك وهل المعول إلا عليك.

رابعها : أن تدخل على المبتدأ لام الابتداء نحو (لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم علم الهدى) ونحو (لزيد قائم) فيجب في هذا ونحوه تقديم المبتدأ وتأخير الخبر لأن لام الإبتداء ملازمة لصدر الكلام فكذلك ما اقترن بها.

وأما قول الشاعر :

خالي لأنت ومن جرير خاله

ينل العلاء ويكرم الأخوالا

خامسها : أن يكون المبتدأ مستحثا للتصدير (إما بنفسه) بأن يكون له صدر الكلام ك «ما» التعجبية نحو (ما أحسن الإخلاص) وأسماء الاستفهام ، نحو (من فاز في الامتحان؟) وأسماء الشرط نحو (من يرحمني يرحمه‌الله) وكم الخبرية نحو (كم جنيه عندي) وضمير الشأن نحو (هو الله يفعل ما يشاء) وكذا كل ما أشبهه من كل ما أخبر عنه بجملة هي عينه في المعنى نحو (نطقي الله حسبي)

(وإمّا بغيره) إما متقدم عليه وهو ما اقترن بلام الابتداء وقد تقدم الكلام عليها أو متأخرا عنه بأن يكون المبتدأ مضافا إلى ما له الصدر نحو «غلام من عندك» وغلام من يقم أقم معه ومال كم رجل عنك.

أو مشبها بما يستحق التصدير وهو الموصول المقترن خبره بالفاء نحو (الذي يعطف على المساكين فله أجر عظيم) فإن المبتدأ وهو الذي مشبه باسم الشرط لعمومه وإبهامه واستقبال الفعل الذي بعده ولكونه سببا لما بعده وهو جملة الخبر كما أن الشرط سبب للجواب ولهذا الشبه دخلت الفاء في الخبر كما تدخل في الجواب ويجب أيضا تأخير الخبر المقرون بالباء الزائدة نحو (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ) والطلبي نحو (علي أكرمه) أو (لا تهنه) وكذا المخبر به عن مذ ومنذ نحو (ما رأيته مذ أو منذ يومان) إذا جعلا مبتدأين.

٥٦٨

هذا ـ [أعني : إهمالها إذا نقض نفيها](١) ـ مذهب الجمهور ، وقد أجاز يونس إعمالها منتقضة النّفي ب «إلا».

وأنشد : [الطويل]

١٦٤٢ ـ وما الدّهر إلّا منجنونا بأهله

وما صاحب الحاجات إلّا معذّبا (٢)

فنصب «منجنونا» ، و «معذّبا» على خبر «ما» ـ وهما بعد «إلا» ـ.

ومثله قول الآخر : [الوافر]

١٦٤٣ ـ وما حقّ الّذي يعثو نهارا

ويسرق ليله إلّا نكالا (٣)

ف «حق» اسم «ما» و «نكالا» خبرها.

وتأول الجمهور هذه الشواهد على أنّ الخبر محذوف ، وهذا المنصوب معمول لذلك الخبر المحذوف ، والتقدير : وما الدّهر إلا يدور دوران منجنون ، فحذف الفعل الناصب ل «دوران» ثم حذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه في الإعراب ، وكذا : «إلا معذّبا» تقديره : يعذّب تعذيبا ، فحذف الفعل ، وأقيم «معذّبا» مقام «تعذيب» ، كقوله تعالى : (وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) أي : كل تمزيق. وكذا : «إلا نكالا» ، وفيه من التكلّف ما ترى.

و «محمّد» هو المستغرق لجميع المحامد ؛ لأن الحمد لا يستوجبه إلا الكامل ، والتحميد فوق الحمد ، فلا يستحقه إلا المستولي على الأمد في الكمال. وأكرم الله نبيه باسمين مشتقّين من اسمه ـ جل جلاله ـ وهما محمد وأحمد.

قال أهل اللغة : كل جامع لصفات الخير يسمّى «محمدا».

قوله : (قَدْ خَلَتْ) في هذه الجملة وجهان :

أظهرهما : أنها في محل رفع ؛ صفة ل «رسول».

الثاني : أنها في محل نصب على الحال من الضمير المستكن في «رسول» ، وفيه نظر ؛ لجريان هذه الصفة مجرى الجوامد ، فلا تتحمل ضميرا.

قوله : «من قبله» فيه وجهان ـ أيضا ـ :

أحدهما : أنه متعلق ب «خلت».

والثاني : أنه متعلق بمحذوف ؛ حال من «الرّسل» مقدّما عليها ، وهي ـ حينئذ ـ حال مؤكّدة ؛ لأن ذكر الخلوّ مشعر بالقبليّة.

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) تقدم برقم ٦٤٢.

(٣) البيت لمغلس بن لقيط ينظر في تخليص الشواهد ص ٢٨٢ ، والجنى الداني ص ٣٢٥ ، والمقاصد النحوية ٢ / ١٤٨ ، والدرر ٢ / ١٠٠ ، وهمع الهوامع ١ / ١٢٣ ، والدر المصون ٢ / ٢٢١.

٥٦٩

وقرأ ابن عبّاس «رسل» ـ بالتنكير ـ (١).

قال أبو الفتح : ووجها أنّه موضع تيسير لأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في أمر الحياة ومكان تسوية بينه وبين البشر في ذلك ، وكذلك يفعل في أماكن الاقتصاد ، كقوله : (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ : ١٣].

وقوله : (وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) [هود : ٤٠].

وقال أبو البقاء (٢) : «وهو قريب من معنى «المعرفة». كأنه يريد أن المراد بالرسل «الجنس» ، فالنكرة قريب منه بهذه الحيثية».

وقراءة الجمهور أولى ؛ لأنها تدل على تفخيم الرسل وتعظيمهم.

قال أبو علي : والرسول جاء على ضربين :

أحدهما : أن يراد به المرسل.

والآخر : الرسالة ، وهاهنا المراد منه «المرسل» ، كقوله تعالى : (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) [يس : ٣] وقوله : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ) [المائدة : ٦٧] و «فعول» قد يراد به : المفعول ، كالرّكوب والحلوب لما يركب ويحلب ، والرسول بمعنى الرسالة.

كقوله : [الطويل]

١٦٤٤ ـ لقد كذب الواشون ما بحت عندهم

بسرّ ، ولا أرسلتهم برسول (٣)

فصل

قال ابن عبّاس وأصحاب المغازي : لما رأى خالد بن الوليد الرّماة يوم أحد قد اشتغلوا بالغنيمة ، ورأى ظهورهم خالية ، صاح في خيله من المشركين ، ثم حمل على أصحاب النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من خلفهم ـ ، فهزموهم ، وقتلوهم ، ورمى عبد الله بن قمئة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بحجر ، فكسر أنفه ورباعيته ، وشجّ في وجهه ، فأثقله ، وتفرق عنه أصحابه ؛ ونهض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى صخرة ليعلوها ـ وكان قد ظاهر بين درعين ـ فلم يستطع ، فجلس تحته طلحة ، فنهض حتى استوى عليها فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم أوجب طلحة ، ووقعت هند والنسوة معها يمثّلن بالقتلى من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يجدعن الآذان والأنوف ، حتى اتخذت هند قلائد من ذلك ، وأعطتها وحشيّا ، ونقرت عن كبد حمزة ، فلاكتها ، فلم تستسغها ، فلفظتها ، وأقبل عبد الله بن قمئة يريد قتل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فذبّ مصعب بن عمير وهو صاحب

__________________

(١) ونسبها ابن عطية في المحرر ١ / ٥١٦ إلى مصحف ابن مسعود قال : وهي قراءة حطان بن عبد الله.

وينظر : البحر المحيط ٣ / ٧٤ ، وفيه أنها قراءة ابن عباس وقحطان ابن عبد الله ، فليحرر.

وينظر : الدر المصون ٢ / ٢٢١.

(٢) ينظر : الإملاء ١ / ١٥١.

(٣) تقدم برقم ٦٥١.

٥٧٠

راية النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عنه ، فقتله ابن قمئة ، وهو يرى أنه قتل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فرجع ، وقال : إني قتلت محمدا ، وصاح صارخ : ألا إن محمدا قد قتل ـ قيل : إن ذلك الصارخ كان إبليس ـ وانكف الناس ، وجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يدعو الناس : إليّ عباد الله ، إليّ عباد الله ، فاجتمع إليه ثلاثون رجلا ، فحموه حتى كشفوا عنه المشركين ، ورمى سعد بن أبي وقاص حتى اندقت سية قوسه ، ومثل له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كنانته فقال : ارم فداك أبي وأمي ، وكان أبو طلحة رجلا راميا ، شديد النزع ، كسر يوم أحد قوسين أو ثلاثة ، فكان الرجل يمر معه بجعبة من النّبل ، فيقول : انثرها لأبي طلحة ، وكان إذ رمى يشرف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فينظر إلى موضع نبله ، وأصيبت يد طلحة بن عبيد الله فيبست ، وقى بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأصيبت عين قتادة بن النعمان يومئذ ، حتى وقعت على وجنته ، فردها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكانها ، فعادت كأحسن ما كانت ، فلما انصرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أدركه أبيّ بن خلف الجمحيّ ، وهو يقول : لا نجوت إن نجا ، فقال القوم : يا رسول الله ، ألا يعطف عليه رجل منا؟ فقال : صلى‌الله‌عليه‌وسلم : دعوه ، حتى إذا دنا منه ـ وكان أبيّ كلّما لقي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل ذلك ، قال له : عندي دمكة أعلفها كل يوم فرق ذرة ؛ أقتلك عليها ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : بل أنا أقتلك إن شاء الله ، فلمّا دنا منه تناول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الحربة من الحارث بن الصّمّة ، ثم استقبله فطعنه في عنقه ، وخدشه خدشة ، فتدأدأ عن فرسه ـ وهو يخور كما يخور الثور ـ وهو يقول : قتلني محمد ، وحمله أصحابه ، وقالوا : ليس بك من بأس ، فقال : أليس قال لي : أقتلك؟ فلم يلبث إلا يوما حتى مات بموضع يقال له : سرف (١).

قال ابن عباس : اشتد غضب الله على من قتل نبيه ، واشتد غضب الله على من رمى وجه رسول الله قال : وفشا في الناس أن محمدا قد قتل فقال بعض المسلمين : يا ليت لنا رسولا إلى عبد الله بن أبي فيأخذ لنا أمانا من أبي سفيان ، وبعض الصحابة جلسوا وألقوا بأيديهم.

وقال أناس من أهل النفاق : إن كان محمد قد قتل فالحقوا بدينكم الأول ، فقال أنس بن النضر ـ عم أنس بن مالك : يا قوم ، إن كان محمد قد قتل فإن ربّ محمد لم يقتل ، وما تصنعون بالحياة بعد رسول الله ، قوموا ، فقاتلوا على ما قاتل عليه ، وموتوا على ما مات عليه ، ثم قال : اللهم إني أعتذر إليك مما يقول هؤلاء ـ يعني : المسلمين ـ وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء ـ يعني : المنافقين ـ ثم شد بسيفه ، فقاتل حتى قتل ثم إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم انطلق إلى الصخرة وهو يدعو الناس ، فأوّل من عرف رسول الله كعب بن مالك ، وقال : عرفت عينيه تحت المغفر تزهران ، فناديت بأعلى صوتي : يا معشر المسلمين ، أبشروا ؛ هذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأشار إليّ أن أسكت ، فانحازت إليه طائفة من أصحابه ، فلامهم النّبيّ على الفرار. فقالوا : يا رسول الله ـ فديناك بآبائنا وأمهاتنا ـ أتانا

__________________

(١) تقدم متفرقا في أحاديث.

٥٧١

الخبر بأنك قتلت فرعبت قلوبنا ، فولّينا مدبرين ، فأنزل الله قوله : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ)(١).

قوله : (أَفَإِنْ ماتَ) الهمزة لاستفهام الإنكار ، والفاء للعطف ، ورتبتها التقديم ؛ لأنها حرف عطف ، وإنما قدّمت الهمزة ؛ لأن لها صدر الكلام ، وقد تقدم تحقيقه وأن الزمخشري يقدّر بينهما فعلا محذوفا تعطف الفاء عليه ما بعدها.

قال ابن الخطيب كمال الدّين الزّملكانيّ : «الأوجه : أن يقدر محذوف بعد الهمزة ، وقبل الفاء ، تكون الفاء عاطفة عليه ، ولو صرّح به لقيل : أتؤمنون به مدة حياته فإن مات ارتددتم ، فتخالفوا سنن أتباع الأنبياء قبلكم في ثباتهم على ملل أنبيائهم بعد وفاتهم.

وهذا هو مذهب الزّمخشريّ ، إلا أنّ الزمخشريّ ـ هنا ـ عبر بعبارة لا تقتضي مذهبه الذي هو حذف جملة بعد الهمزة ؛ فإنه قال : الفاء معلقة للجملة الشرطية بالجملة قبلها على معنى «التسبيب» ، والهمزة لإنكار أن يجعلوا خلوّ الرّسل قبله سببا لانقلابهم على أعقابهم بعد هلاكه ـ بموت أو قتل ـ مع علمهم أن خلوّ الرّسل قبله ، وبقاء دينهم متمسكا به يجب أن يجعل سببا للتمسّك بدين محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا للانقلاب عنه».

فظاهر هذا الكلام أن الفاء عطفت هذه الجملة المشتملة على الإنكار على ما قبلها من قوله : (قَدْ خَلَتْ) من غير تقدير جملة أخرى.

وقال أبو البقاء قريبا من هذا ؛ فإنه قال : «الهمزة عند سيبويه في موضعها ، والفاء تدل على تعلّق الشرط بما قبله».

لا يقال : إنه جعل الهمزة في موضعها ، فيوهم هذا أن الفاء ليست مقدمة عليها ؛ لأنه جعل هذا مقابلا لمذهب يونس ؛ فإن يونس يزعم أن هذه الهمزة ـ في مثل هذا التركيب ـ داخلة على جواب الشرط ، فهي في مذهبه في غير موضعها وسيأتي تحريره.

و «إن» شرطية ، و «مات» و «انقلبتم» شرط وجزاء ، ودخول الهمزة على أداة الشرط لا يغيّر سببا من حكمها.

وزعم يونس أن الفعل الثاني ـ الذي هو جزاء الشرط ـ ليس هو جزاء للشرط ، وإنما هو المستفهم عنه ، وأن الهمزة داخلة عليه تقديرا ، فينوى به التقرير ، وحينئذ لا يكون جوابا ، بل الجواب محذوف ، ولا بد ـ إذ ذاك ـ من أن يكون فعل الشرط ماضيا ، إذ لا يحذف الجواب إلا والشرط ماض ، ولا اعتبار بالشعر ؛ فإنه ضرورة ، فلا يجوز عنده أن تقول : إن تكرمني أكرمك ولا يجزمهما ، ولا بجزم الأول ورفع الثاني ، لأن الشرط مضارع. ولا أإن أكرمتني أكرمك ـ بجزم أكرمك ؛ لأنه ليس الجواب ، بل دال عليه ،

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٢٥٥ ـ ٢٥٦) عن السدي وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١٤٤) وعزاه للطبري وحده.

٥٧٢

والنية به التقديم ، فإن رفعت «أكرمك» وقلت : أإن أكرمتني أكرمك ، صح عنده.

فالتقدير عند يونس : أانقلبتم على أعقابكم إن مات محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ لأن الغرض إنكار انقلابهم على أعقابهم بعد موته ، وبقول يونس قال كثير من المفسّرين ؛ فإنهم يقولون : ألف الاستفهام دخلت في غير موضعها ؛ لأن الغرض إنما هو أتنقلبون إن مات محمد؟

وقال أبو البقاء : «وقال يونس : الهمزة في مثل هذا حقها أن تدخل على جواب الشرط ، تقديره : أتنقلبون إن مات؟ لأن الغرض التنبيه ، أو التوبيخ على هذا الفعل المشروط».

ومذهب سيبويه الحقّ ؛ لوجهين :

أحدهما : أنك لو قدمت الجواب ، لم يكن للفاء وجه ؛ إذ لا يصح أن تقول : أتزورني فإن زرتك. ومنه قوله : (أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ) [الأنبياء : ٣٤].

والثاني : أنّ الهمزة لها صدر الكلام ، و «إن» لها صدر الكلام ، وقد وقعا في موضعهما ، والمعنى يتم بدخول الهمزة على جملة الشرط والجواب ؛ لأنهما كالشيء الواحد.

وقد رد النحويون على يونس بقوله : (أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ)، فإنّ الفاء في قوله : «فهم» تعين أن يكون جوابا للشرط ، وأتى ـ هنا ـ ب «إن» التي تقتضي الشك ، والموت أمر محقق ، إلّا أنه أورده مورد المشكوك فيه ؛ للتردد بين الموت والقتل.

فإن قيل : إنه ـ تعالى ـ بيّن في آيات كثيرة أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يقتل ، قال : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) [الزمر : ٣٠] وقال : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) [المائدة : ٦٧] وقال : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) [التوبة : ٣٣] ، وإذا علم أنه لا يقتل ، فلم قال : (أو قتل)؟

فالجواب من وجوه :

أحدها : أن صدق القضية الشرطية لا تقتضي صدق جزأيها ؛ فإنك تقول : إن كانت الخمسة زوجا كانت مقسمة بمتساويين ، فالشرطية صادقة ، وجزآها كاذبان ، وقال تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) [الأنبياء : ٢٢] فهذا حقّ ، مع أنه ليس فيهما آلهة ، وليس فيهما فساد.

الثاني : أن هذا ورد على سبيل الإلزام ؛ فإن موسى ـ عليه‌السلام ـ مات ولم ترجع أمته عن دينه ، والنصارى زعموا أن عيسى قتل ، ولم يرجعوا عن دينه ، فكذا هنا.

وثالثها : أن الموت لا يوجب رجوع الأمة عن دينه ، فكذا القتل وجب ألا يوجب الرجوع عن دينه ، لأنه لا فارق بين الأمرين ، فلما رجع إلى هذا المعنى ، كان المقصود منه الرد على أولئك الذين شكوا في صحة الدين ، وهمّوا بالارتداد.

فإن قيل : قوله : (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ) شكّ ، وهو ـ على الله تعالى ـ محال.

٥٧٣

فالجواب : أن المراد : أنه سواء وقع هذا أو ذاك ، فلا تأثير له في ضعف الدين ووجوب الارتداد.

فصل

قوله : (انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) أي : صرتم كفارا بعد إيمانكم ، يقال لكل من عاد إلى ما كان عليه : رجع وراءه ، فانقلب على عقبه ، ونكص على عقبيه ، وذلك أن المنافقين قالوا لضعفة المسلمين : إن كان محمد قد قتل فالحقوا بدينكم ، فقال بعض الأنصار إن كان محمد قد قتل ، فإن ربّ محمد لم يقتل ، فقاتلوا على ما قاتل عليه محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

فقد بيّن ـ تعالى ـ أن قتله لا يوجب ضعفا في دينه بدليلين :

أحدهما : القياس على موت سائر الأنبياء.

والثاني : أن الحاجة إلى الرسول إنما هي لتبليغ الدين ، وبعد ذلك لا حاجة إليه ، فلم يلزم من قتله فساد الدين.

قوله : (عَلى أَعْقابِكُمْ) فيه وجهان :

أظهرهما : أنه متعلق ب «انقلبتم».

والثاني : أنه حال من فاعل «انقلبتم» ، كأنه قيل : انقلبتم راجعين.

قوله : (وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ).

قرأ ابن أبي إسحاق «على عقبه» ـ بالإفراد (١) ، و «شيئا» نصب على المصدر أي : شيئا من الضرر ، لا قليلا ولا كثيرا. والمراد منه : تأكيد الوعيد ، وأن المنقلب بارتداده لا يضر الله شيئا ، وإنما يضر نفسه.

ثم قال : (وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) والمعنى : أن تلك الهزيمة لما أوقعت شبهة في قلوب بعضهم ، ولم تقع في قلوب العلماء الأقوياء من المؤمنين ، فهم شكروا الله على ثباتهم على الإيمان وشدة تمسكهم به فمدحهم الله تعالى.

روى ابن جرير الطّبريّ عن علي ـ رضي الله عنه ـ أنه قال المراد بقوله تعالى : (وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) : أبو بكر وأصحابه. وروى عنه أيضا أنه قال : أبو بكر أمين الشاكرين ، وأمين الله تعالى.

قوله تعالى : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) (١٤٥)

(أَنْ تَمُوتَ) في محل رفع ؛ اسما ل «كان» ، و «لنفس» خبر مقدّم فيتعلق

__________________

(١) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٧٥ ، والدر المصون ٢ / ٢٢٢.

٥٧٤

بمحذوف ، و (إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) حال من الضمير في «تموت» ، فيتعلق بمحذوف ، وهو استثناء

مفرّغ ، والتقدير : وما كان لها أن تموت إلا مأذونا لها ، والباء للمصاحبة.

وقال أبو البقاء : (إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) الخبر ، واللام للتبيين ، متعلّقة ب «كان».

وقيل : هي متعلقة بمحذوف ، تقديره : الموت لنفس ، و «أن تموت» تبيين للمحذوف ، ولا يجوز أن تتعلق اللام ب «تموت» لما فيه من تقديم الصلة على الموصول.

وقال بعضهم : إن «كان» زائدة ، فيكون «أن تموت» مبتدأ ، و «لنفس» خبره.

وقال الزجاج : اللام منقولة ، تقديره وما كانت نفس لتموت ثم قدمت اللام ، فجعل ما كان اسما ل «كان» ـ وهو (أن تموت) ـ خبرا لها ، وما كان خبرا ـ وهو «لنفس» ـ اسما لها ، فهذه خمسة أقوال ، أظهرها : الأول.

أما قول أبي البقاء : واللام للتبيين ، فتعلق بمحذوف ، ففيه نظر من وجهين :

أحدهما : أنّ «كان» الناقصة لا تعمل في غير اسمها وخبرها ، ولئن سلّم ذلك ، فاللام التي للتبيين إنما تتعلق بمحذوف ، وقد نصّوا على ذلك في نحو : سقيا لك.

وقيل : إن فيه حذف المصدر وإبقاء معموله ، وهو لا يجوز.

أما من جعل «لنفس» متعلقة بمحذوف ـ تقديره : الموت لنفس ، ففاسد ، لأنه ادّعى حذف شيء لا يجوز ؛ لأنه إن جعل «كان» تامة ، أو ناقصة ، امتنع حذف مرفوعها ، لأن الفاعل لا يحذف. وكذلك قول من جعل «كان» زائدة.

أما على قول الزجاج فإنه تفسير معنى ، لا تفسير إعراب.

فصل

في تعلّق هذه الآية بما قبلها وجوه :

أحدها : أن المنافقين حين قالوا : إن محمدا قتل ، فقال تعالى : لا تموت نفس إلا بإذن الله ، فقتله ـ أيضا ـ مثل موته لا يحصل إلا في الوقت المقدّر له ، فكما أن موته في داره لا يدل على فساد دينه ، كذلك إذا قتل لا يؤثر ذلك في فساد دينه.

والمقصود منه إبطال قول المنافقين لضعفة المسلمين : إن كان محمد قتل فارجعوا إلى دينكم الأول.

والثاني : أن المراد : تحريض المسلمين على الجهاد بإعلامهم أن الحذر لا يدفع القدر ، وأن أحدا لا يموت قبل الأجل ، وإذا جاء الأجل لا يندفع ، فلا فائدة في الجبن والخوف.

والثالث : أن المراد حفظ الله للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم من تلك الواقعة المخوفة ؛ فإنه لم يبق

٥٧٥

سبب من أسباب الهلاك إلا وقد حصل ، ولكن لما كان الله حافظه وناصره ما ضرّه شيء من ذلك ، وفيه تنبيه على أن الصحابة قصّروا في الذّبّ عنه.

ورابعها : أن المقصود منه الجواب عن كلام المنافقين للصحابة ، حين رجعوا وقد قتل منهم من قتل (لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا) [آل عمران : ١٥٦] فأخبر ـ تعالى ـ أنّ الموت والقتل لا يكونان إلا بإذن الله.

قوله : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) [آل عمران : ١٤٥] ، فليس في إرجاف من أرجف بموت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما يحقق ذلك فيه ، أو يعين في تقوية الكفر ، بل يبقيه الله إلى أن يظهر على الدّين كلّه.

فصل

قال القرطبي : «هذا حضّ على الجهاد ، وإعلام بأن الموت ، لا بد منه لكل إنسان وأن كل إنسان ـ مقتولا كان أو غير مقتول ـ ميّت إذا بلغ أجله المكتوب له ؛ لأن معنى (مُؤَجَّلاً) إلى أجل ، ومعنى (بِإِذْنِ اللهِ) : بقضاء الله وقدره». واختلفوا في الإذن.

قال أبو مسلم : هو الأمر ، أي أن الله ـ تعالى ـ يأمر ملك الموت بقبض الأرواح.

وقيل : المراد منه : التكوين والإيجاد ، لأنه لا يقدر على الإماتة والإحياء إلا الله تعالى.

وقيل : الإذن : هو التخلية والإطلاق ، وترك المنع بالقهر والإجبار ، كقوله تعالى : (وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) [البقرة : ١٠٢] أي : بتخليته بينه وبين قاتله.

وقيل : الإذن بمعنى : العلم ، والمعنى : أن نفسا لن تموت إلّا في الوقت الذي علم الله ـ تعالى ـ موتها فيه.

وقال ابن عبّاس : الإذن : هو قضاء الله وقدره (١) ؛ فإنه لا يحدث شيء إلّا بمشيئته وإرادته ـ سبحانه وتعالى ـ.

قوله : (كِتاباً مُؤَجَّلاً) في نصبه ثلاثة أوجه :

أظهرها : أنه مصدر مؤكّد لمضمون الجملة التي قبله ، فعامله مضمر ، تقديره : كتب الله ذلك كتابا ، نحو قوله تعالى : (صُنْعَ اللهِ) [النمل : ٨٨] وقوله : (وَعْدَ اللهِ) [الروم : ٦] ، وقوله : (كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ) [النساء : ٢٤].

الثاني : أنه منصوب على التمييز ، ذكره ابن عطية ، وهذا غير مستقيم ؛ لأن التمييز منقول وغير منقول ، وأقسامه محصورة ، وليس هذا شيئا منها ، وأيضا فأين الذات المبهمة التي تحتاج إلى تفسير؟

__________________

(١) ذكره البغوي في تفسيره ١ / ٣٥٩.

٥٧٦

والثالث : أنه منصوب على الإغراء ، والتقدير : الزموا كتابا مؤجّلا ، وآمنوا بالقدر ، وليس المعنى على ذلك.

وقرأ ورش : «موجّلا» بالواو بدل الهمزة (١) ، وهو قياس تخفيفها.

فصل

الكتاب المؤجّل هو الكتاب المشتمل على الآجال ، ويقال : إنه اللوح المحفوظ (٢) ، أي : كتب لكل نفس أجلا لا يقدر أحد على تقديمه وتأخيره ، جاء في الحديث أنه تعالى قال للقلم : اكتب ، فكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة (٣).

فصل

قال القاضي : أما الأجل والرزق ، فهما مضافان إلى الله تعالى ، وأمّا الكفر والفسق والإيمان والطاعة ، فكل ذلك مضاف إلى العبد ، فإذا كتب الله ذلك ، فإنما يكتب ما يعلمه من اختيار العبد وذلك لا يخرج العبد عن الاختيار.

وجوابه : أنه إذا علم الله من العبد الكفر ، وكتب في اللوح المحفوظ منه الكفر ، فلو أتى بالإيمان كان ذلك جمعا بين المتنافيين ؛ لأن العلم بالكفر ، والخبر والصدق عن الكفر ـ مع عدم الكفر ـ جمع بين النقيضين ، وهو محال ، وهذا موضع الإلزام.

فصل

قال المفسرون : أجل الموت هو الوقت الذي في معلوم الله ـ تعالى ـ أن روح الحيّ تفارق جسده فيه ، ومتى قتل العبد علمنا أن ذلك أجله ، ولا يصح أن يقال : لو لم يقتل لعاش ، بدليل قوله تعالى : (كِتاباً مُؤَجَّلاً) [آل عمران : ١٤٥] ، وقوله : (إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) [يونس : ٤٩] وقوله : (إِنَّ أَجَلَ اللهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ) [نوح : ٤] ، وقوله : (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ) [الرعد : ٣٨].

والمعتزليّ يقول : يتقدّم الأجل ويتأخّر ، وأن من قتل فإنما يهلك قبل أجله ، وكذلك كل ما ذبح من الحيوان كان هلاكه قبل أجله ، لأنه يجب على القاتل الضمان والدّية ، وهذه الآية ردّ عليهم.

قوله : (وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا) مبتدأ ، وهي شرطية. وفي خبر هذا المبتدأ الخلاف

__________________

(١) ينظر : الكشف ١ / ١٠٤ ، وإتحاف ١ / ٤٨٨ ، والدر المصون ٢ / ٢٢٣.

(٢) ذكره أبو حيان في «البحر المحيط» (٣ / ٧٦).

(٣) أخرجه ابن أبي عاصم في «السنة» (١ / ٤٨ ، ٤٩) والبخاري في «التاريخ الكبير» (٦ / ٩٢) والخطيب في «تاريخ بغداد» (١٣ / ٤٠) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ... فذكره وأخرجه الحاكم في «المستدرك» (٢ / ٤٥٤) عن ابن عباس موقوفا قال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

٥٧٧

المشهور. وأدغم أبو عمرو وحمزة والكسائي وابن عامر (١) بخلاف عنه ـ دال «يرد» في الثاء.

والباقون بالإظهار.

وقرأ أبو عمرو بالإسكان في هاء «نؤته» في الموضعين وصلا ووقفا.

وهشام ـ بخلاف عنه ـ بالاختلاس وصلا.

والباقون بالإشباع وصلا (٢).

فأما السكون فقالوا : إن الهاء لما حلت محلّ ذلك المحذوف أعطيت ما كان يستحقه من السكون ، وأما الاختلاس ، فلاستصحاب ما كانت عليه الهاء قبل حذف لام الكلمة ؛ فإن الأصل : نؤتيه ، فحذفت الياء للجزم ، ولم يعتد بهذا العارض ، فبقيت الهاء على ما كانت عليه.

وأما الإشباع فنظرا إلى اللفظ ؛ لأن الهاء بعد متحرّك في اللفظ ، وإن كانت في الأصل بعد ساكن ـ وهو الياء التي حذفت للجزم ـ والأولى أن يقال : إنّ الاختلاس والإسكان بعد المتحرك لغة ثابتة عن بني عقيل وبني كلاب.

حكى الكسائي : له مال ، وبه داء ـ بسكون الهاء ، واختلاس حركتها ـ وبهذا يتبيّن أن من قال : إسكان الهاء واختلاسها ـ في هذا النحو ـ لا يجوز إلا ضرورة ، ليس بشيء ، أمّا غير بني عقيل ، وبني كلاب ، فنعم لا يوجد ذلك عندهم ، إلا في ضرورة.

كقوله : [الوافر]

١٦٤٥ ـ له زجل كأنّه صوت حاد

إذا طلب الوسيقة أو زمير (٣)

باختلاس هاء (كأنه).

ومثله قول الآخر : [البسيط]

١٦٤٦ ـ وأشرب الماء ما بي نحوه عطش

إلّا لأنّ عيونه سيل واديها (٤)

بسكونها. وجعل ابن عصفور الضرورة في «البيت الثاني» أحسن منها في «البيت الأول» ، قال : لأنه إذهاب للحركة وصلتها ، فهي جري على الضرورة [إجراء](٥) كاملا ، وإنما ذكرنا هذه التعليلات لكثرة ورود هذه المسألة ، نحو : (يَرْضَهُ لَكُمْ) [الزمر : ٧] ، ونحو : (فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) [الأنعام : ٩٠].

__________________

(١) ينظر : السبعة ١١٣ ، والعنوان ٨١ ، وإتحاف ١ / ٤٨٨ ، والدر المصون ٢ / ٢٢٣.

(٢) في رواية عبد الوارث واليزيدي عنه.

انظر : السبعة ٢١١ ، وإتحاف ١ / ٤٨٨ ، ٤٨٩ ، والدر المصون ٢ / ٢٢٤.

(٣) تقدم برقم ٤١١.

(٤) تقدم.

(٥) في ب : جريانا.

٥٧٨

وقرىء : يؤته ـ بياء الغيبة ـ والضمير لله تعالى ، وكذلك : «وسنجزي الشاكرين» بالنون والياء.

فصل

نزلت في الذين تركوا المركز يوم أحد ؛ طلبا للغنيمة ، (وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها) يعني : الغنيمة ، قوله : (وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها) قيل : أراد ثبتوا مع أميرهم عبد الله بن جبير حتى قتلوا ، وهذه الآية ـ وإن وردت في الجهاد خاصة ـ عامة في جميع الأعمال ؛ لأن المؤثر في جلب الثواب والعقاب هو القصد والدواعي ، لا ظواهر الأعمال.

ثم قال : (وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) أي : المؤمنين المطيعين.

عن أنس بن مالك ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من كانت نيّته طلب الآخرة جعل الله غناه في قلبه ، وجمع له شمله ، وأتته الدّنيا وهي راغمة. ومن كانت نيّته طلب الدّنيا جعل الله الفقر بين عينيه ، وشتّت عليه أمره ، ولا يأتيه منها إلّا ما كتب له» (١) وروى عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّما الأعمال بالنيات ، وإنّما لكل امرىء ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها ، أو امرأة ينكحها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه» (٢).

قوله تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)(١٤٦)

هذه اللفظة ، قيل : هي مركبة من كاف التشبيه ، ومن «أيّ» ، وقد حدث فيهما بعد التركيب معنى التكثير ، المفهوم من «كم» الخبرية ، ومثلها في التركيب وإفهام التكثير : «كذا» في قولهم : له عندي كذا درهما ، والأصل : كاف التشبيه و «ذا» الذي هو اسم إشارة ، فلما ركّبا حدث فيهما معنى التكثير ، ف «كم» الخبرية وكأيّن وكذا كلها بمعنى واحد ، وقد عهدنا في التركيب إحداث معنى آخر ؛ ألا ترى أن «لولا» حدث لها معنى جديد ، وكان من حقها ـ على هذا ـ أن يوقف عليها بغير نون ؛ لأن التنوين يحذف وقفا ، إلا أن الصحابة كتبتها «كأيّن» ـ بثبوت النون ـ ، فمن ثم وقف عليها جمهور القراء بالنون ؛ اتّباعا لرسم المصحف.

__________________

(١) أخرجه الترمذي (٤ / ٥٥٤) رقم (٢٤٦٥) وأبو نعيم في «الحلية» (٦ / ٣٠٧) وابن أبي حاتم في الزهد كما في «كنز العمال» (٦٢٧٨) والحارث في «مسنده» كما في المطالب (٣ / ٢٠٧) رقم (٣٢٧٠) من طريق الربيع بن صبيح عن يزيد الرقاشي عن أنس مرفوعا وأخرجه البزار كما في «مجمع الزوائد» (١ / ٢٤٧) وقال الهيثمي : وفيه إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف وللحديث شاهد عن زيد بن ثابت.

أخرجه أحمد (٥ / ١٨٣).

(٢) تقدم.

٥٧٩

ووقف أبو عمرو (١) وسورة بن المبارك عن الكسائي «كأي» ـ من غير نون ـ على القياس.

واعتل الفارسيّ لوقف النون بأشياء ، منها : أن الكلمة لما ركّبت خرجت عن نظائرها ، فجعل التنوين كأنه حرف أصلي من بنية الكلمة.

وفيها لغات خمس :

أحدها : «كأيّن» ـ وهي الأصل ـ وبها قرأ الجماعة ، إلّا ابن كثير (٢).

وقال الشاعر : [الوافر]

١٦٤٧ ـ كأين في المعاشر من أناس

أخوهم فوقهم ، وهم كرام (٣)

الثانية : «كائن» ـ بزنة كاعن ـ وبها قرأ ابن كثير (٤) وجماعة ، وهي أكثر استعمالا من «كأيّن» وإن كانت تلك الأصل ـ.

قال الشاعر : [الوافر]

١٦٤٨ ـ وكائن بالأباطح من صديق

يراني لو أصبت هو المصابا (٥)

وقال الآخر : [الطويل]

١٦٤٩ ـ وكائن رددنا عنكم من مدجّج

 .......... (٦)

وقال آخر : [الطويل]

١٦٥٠ ـ وكائن ترى في الحيّ من ذي قرابة

 .......... (٧)

__________________

(١) ينظر : السبعة ٢١٦ ، والكشف ١ / ٣٥٧ ، وإتحاف ١ / ٤٨٩ ، والمحرر الوجيز ١ / ٥١٩ ، والبحر المحيط ٣ / ٧٧ ، والدر المصون ٢ / ٢٢٤.

(٢) ينظر : الحجة ٣ / ٨٠ ، وحجة القراءات ١٧٤ ، ١٧٥ ، والعنوان ٨١ ، وإعراب القراءات ١ / ١٢٠ ، وشرح الطيبة ٤ / ١٦٩ ، وشرح شعلة ٣٢٢ ، وإتحاف ١ / ٤٨٩.

(٣) ينظر معاني القرآن للزجاج ١ / ٤٩٠ ، والبحر المحيط ٣ / ٧٧ ، والدر المصون ٢ / ٢٢٥.

(٤) ينظر القراءة السابقة.

(٥) البيت لجرير. ينظر : خزانة الأدب ٥ / ٣٩٧ ، ٤٠١ ، وشرح شواهد المغني ص ٨٧٥ ، ومغني اللبيب ص ٤٩٥ ، والدرر ١ / ٢٤٤ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٠٠ ، وأمالي ابن الحاجب ص ٦٦٢ ، وخزانة الأدب ٤ / ٥٣ ، ٥ / ١٣٩ ورصف المباني ص ١٣٠ ، وشرح الأشموني ٣ / ٦٣٩ ، وشرح المفصل ٣ / ١١٠ ، ٤ / ١٣٥ ، وهمع الهوامع ١ / ٦٨ ، ٢٥٦ ، ٢ / ٧٦ ، والدر المصون ٢ / ٢٢٥.

(٦) صدر بيت لعمرو بن شأس وتمامه :

وكائن رددنا عنكم من مدجج

يجيء أمام الركب يردي مقنعا

ينظر ديوانه ص ٣٢ والدرر ١ / ٢١٣ والكتاب ١ / ٢٩٧ والهمع ١ / ٢٥٦ ومعاني القرآن للزجاج ١ / ٤٨٩ ورغبة الآمل ٨ / ٢٢ وارتشاف الضرب ١ / ٣٧٨ والبحر ٣ / ٧٧ والكامل ٣ / ٣٢١ والدر المصون ٢ / ٢٢٥.

(٧) ينظر البيت في مفاتيح الغيب ٩ / ٢٥.

٥٨٠