اللّباب في علوم الكتاب - ج ٤

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ٤

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٥٨

وأمّا قراءة الزّاي فمن «النّشز» وهو الارتفاع ، ومنه : «نشز الأرض» وهو المرتفع ، ونشوز المرأة ، وهو ارتفاعها عن حالها إلى حالة أخرى ، فالمعنى : يحرّك العظام ، ويرفع بعضها إلى بعض للإحياء.

قال ابن عطية : «ويقلق عندي أن يكون النشوز رفع العظام بعضها إلى بعض ، وإنما النشوز الارتفاع قليلا قليلا» ، قال : «وانظر استعمال العرب ، تجده كذلك ؛ ومنه : «نشز ناب البعير» و «أنشزوا ، فأنشزوا» ، فالمعنى هنا على التدرّج في الفعل» فجعل ابن عطية النشوز ارتفاعا خاصّا.

ومن ضمّ النون جعله من «أنشز» ، ومن فتحها ، فمن «نشز» ، يقال : «نشزه» و «أنشزه» بمعنى. ومن قرأ بالياء ، فالضمير لله تعالى. وقرأ أبيّ (١) «ننشئها» من النّشأة. ورجّح بعضهم قراءة الزاي على الراء ، بأن قال : العظام لا تحيا على الانفراد ؛ بل بانضمام بعضها إلى بعض ، والزاي أولى بهذا المعنى ؛ إذ هو بمعنى الانضمام دون الإحياء ، فالموصوف بالإحياء الرجل دون العظام ، ولا يقال : هذا عظم حيّ. وهذا ليس بشيء ؛ لقوله : (مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) [يس : ٧٨].

ولا بدّ من ضمير محذوف من قوله : «العظام» أي ؛ العظام منه ، أي : من الحمار ، أو تكون «أل» قائمة مقام الإضافة ، أي : عظام حمارك.

قوله : «لحما» مفعول ثان ل «نكسوها» وهو من باب أعطى ، وهذا من الاستعارة ، ومثله قول لبيد : [البسيط]

١٢٠٦ ـ الحمد لله إذ لم يأتني أجلي

حتّى اكتسيت من الإسلام سربالا (٢)

قوله : «فلمّا تبيّن» في فاعل «تبيّن» قولان :

أحدهما : مضمر يفسّره سياق الكلام ، تقديره : فلمّا تبيّن له كيفية الإحياء التي استقر بها ، وقدّره الزمخشريّ : «فلمّا تبيّن له ما أشكل عليه» يعني من أمر إحياء الموتى ، والأوّل أولى ؛ لأنّ قوة الكلام تدلّ عليه بخلاف الثاني.

والثاني : ـ وبه بدأ الزمخشري ـ : أن تكون المسألة من باب الإعمال ، يعني أن «تبيّن» يطلب فاعلا ، و «أعلم» يطلب مفعولا ، و «أنّ الله على كلّ شيء قدير» يصلح أن يكون فاعلا لتبيّن ، ومفعولا لأعلم ، فصارت المسألة من التنازع ، وهذا نصّه ، قال : وفاعل «تبيّن» مضمر تقديره : فلمّا تبيّن له أنّ الله على كل شيء قدير قال : أعلم أنّ الله

__________________

(١) الذي ذكره ابن عطية وأبو حيان من قراءة أبي أنها «ننشيها» بالياء.

انظر : المحرر الوجيز ١ / ٣٥١ ، والبحر المحيط ٢ / ٣٠٥ ، والدر المصون ١ / ٦٢٧.

(٢) ينظر : ديوانه (٣٥٨) ، وينسب إلى اللعين المنقري ، والنابغة الجعدي ، ينظر : الأضداد ١٧١ ، أمالي المرتضى ٣ / ٤٢ ، واللسان (صرد) ، والقرطبي ٣ / ١٩٢ ، البحر المحيط ٢ / ٣٠٦.

٣٦١

على كل شيء قدير ، فحذف الأوّل ؛ لدلالة الثاني عليه ، كما في قولهم : «ضربني ، وضربت زيدا» فجعله من باب التنازع وجعله من إعمال الثاني ، وهو المختار عند البصريين ، فلمّا أعمل الثاني ، أضمر في الأول فاعلا ، ولا يجوز أن يكون من إعمال الأول ؛ لأنه كان يلزم الإضمار في الثاني بضمير المفعول ، فكأنه قال : فلمّا تبيّن له ، قال أعلمه أن الله. ومثله في إعمال الثاني : (آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) [الكهف : ٩٦] (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) [الحاقة : ١٩] لما ذكرت.

إلّا أنّ أبا حيّان ردّ عليه بأنّ شرط الإعمال على ما نصّ عليه النحويون اشتراك العاملين ، وأدنى ذلك بحرف العطف ـ حتى لا يكون الفصل معتبرا ـ أو يكون العامل الثاني معمولا للأول ، نحو : «جاءني يضحك زيد» فإنّ «يضحك» حال عاملها «جاءني» فيجعل في : «جاءني» ، أو في : «يضحك» ضميرا ؛ حتّى لا يكون الفعل فاصلا ، ولا يرد على هذا جعلهم «آتوني أفرغ عليه قطرا» (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) [النساء : ١٧٦] (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ) [المنافقون : ٥] و (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) [الحاقة : ١٩] من باب الإعمال ؛ لأنّ هذه العوامل مشتركة بوجه ما من وجوه الاشتراك ، ولم يحصر الاشتراك في العطف ولا العمل ، فإذا كان على ما نصّوا ، فليس العامل الثاني مشتركا مع الأول بحرف العطف ، ولا بغيره ، ولا هو معمول للأول ؛ بل هو معمول لقال ، و «قال» جواب «لمّا» إن قلنا : إنّها حرف ، وعاملة في «لمّا» إن قلنا : إنها ظرف ، و «تبيّن» على هذا القول مخفوض بالظرف ، ولم يذكر النحاة التنازع في نحو : «لو جاء قتلت زيدا» ، ولا «لمّا جاء ضربت زيدا» ، ولا «حين جاء قتلت زيدا» ، ولا «إذا جاء قتلت زيدا» ، ولذلك حكى النحاة أنّ العرب لا تقول : «أكرمت أهنت زيدا» ـ يعني لعدم الاشتراك بين العاملين ـ وقد ناقض قوله ؛ حيث جعل الفاعل محذوفا ، كما تقدّم في عبارته ، والحذف ينافي الإضمار ، فإن كان أراد بالإضمار في قوله : «وفاعل تبيّن مضمر» الحذف فهو قول الكسائيّ ؛ لأنه لا يجيز إضمار المرفوع قبل الذكر فيدّعي فيه الحذف ، وينشد : [الطويل]

١٢٠٧ ـ تعفّق بالأرطى لها وأرادها

رجال فبذّت نبلهم وكليب (١)

ولهذا تأويل مذكور ؛ وردّ عليه بالسماع قال القائل : [البسيط]

١٢٠٨ ـ هوينني وهويت الخرّد العربا

أزمان كنت منوطا بي هوى وصبا (٢)

__________________

(١) البيت لعلقمة الفحل. ينظر : ديوانه (٣٨) ، شرح التصريح ١ / ٣٢١ ، المقاصد النحوية ٣ / ١٥ ، لسان العرب (زبي) ، الرد على النحاة ص ٩٥ ، شرح الأشموني ص ٣٠٤ ، أوضح المسالك ٢ / ٢٠١ ، تذكرة النحاة ص ٣٥٧ ، جمهرة اللغة ص ٩٣٦ ، والمقرب ١ / ٢٥١ ، المفضليات ٣٩٣.

(٢) ينظر : الهمع ٢ / ١٠٩ ، الدرر ٢ / ١٤٣ ، البحر ٢ / ٣٠٧ ، تذكرة النحاة ص ٣٥٩ ، الدر المصون ١ / ٦٢٩.

٣٦٢

فقال : «هوينني» فجاء في الأوّل بضمير الإناث ، من غير حذف. انتهى ما ردّ به عليه ، قال شهاب الدّين ـ رحمه‌الله ـ وفيه نظر لا يخفى.

وقرأ (١) ابن عبّاس : «تبيّن» مبنيا للمفعول ، والقائم مقام الفاعل ، الجارّ والمجرور بعده. وابن السّميفع (٢) «يبيّن» من غير تاء مبنيا للمفعول ، والقائم مقامه ضمير كيفية الإحياء أو الجارّ والمجرور.

قوله «قال أعلم» الجمهور على : «قال» مبنيّا للفاعل. وفي فاعله على قراءة (٣) حمزة والكسائي : «اعلم» أمرا من «علم» قولان :

أظهرهما : أنه ضمير يعود على الله تعالى أو على الملك ، أي : قال الله تعالى أو الملك لذلك المارّ اعلم.

الثاني : أنه ضمير يعود على المارّ نفسه ، نزّل نفسه منزلة الأجنبي ، فخاطبها ؛ ومنه : [البسيط]

١٢٠٩ ـ ودّع أمامة إنّ الرّكب مرتحل

 .......... (٤)

وقوله : [المتقارب]

١٢١٠ ـ تطاول ليلك ...

 .......... (٥)

يعني نفسه ، قال أبو البقاء (٦) رحمه‌الله : «كما تقول لنفسك : اعلم يا عبد الله ، ويسمّى هذا التجريد» يعني : كأنه جرّد من نفسه مخاطبا يخاطبه. وأمّا على قراءة «أعلم» مضارعا [للمتكلم] وهي قراة الجمهور ففاعل «قال» ضمير المارّ ، أي : قال المارّ : أعلم أنا. وقرأ الأعمش : «قيل» مبنيّا للمفعول. والقائم مقام الفاعل : إمّا ضمير المصدر من الفعل ، وإمّا الجملة التي بعده ، على حسب ما تقدّم أول السورة.

[وقرأ حمزة ، والكسائيّ : «اعلم» على الأمر ، والباقون : «أعلم» مضارعا] وقرأ الجعفيّ (٧) عن أبي بكر : «أعلم» أمرا من «أعلم» ، والكلام فيها كالكلام في قراءة حمزة والكسائي بالنسبة إلى فاعل «قال» ما هو؟

__________________

(١) انظر : الشواذ ١٦ ، والبحر المحيط ٢ / ٣٠٧ ، والدر المصون ١ / ٦٢٩.

(٢) السابق.

(٣) انظر : السبعة ١٨٩ ، والحجة ٢ / ٣٨٣ ، وحجة القراءات ١٤٤ ، والعنوان ٧٥ ، وشرح الطيبة ٤ / ١١٨ ، وشرح شعلة ٢٩٦ ، وإتحاف ١ / ٤٤٩.

(٤) صدر بيت للأعشى وعجزه :

وهل تطيق وداعا أيها الرجل

ينظر : ديوانه (٥٥) ، وشرح التبريزي على المعلقات (٤٧٥) ، الدر المصون (١ / ٦٣٠).

(٥) تقدم برقم (٦٧).

(٦) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١١٠.

(٧) انظر : الدر المصون ١ / ٦٣٠.

٣٦٣

فصل في معنى قوله : (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ)

قال الطبريّ : معنى قوله (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ) أي : لما اتضح له عيانا ما كان مستنكرا في قدرة الله عنده قبل عيانه ، قال : أعلم. قال ابن عطيّة : وهذا خطأ ؛ لأنه ألزم ما لا يقتضيه اللفظ ، وفسر على القول الشاذّ ، وهذا عندي ليس بإقرار بما كان قبل ينكره ، كما زعم الطبريّ ، بل هو قول بعثه الاعتبار ؛ كما يقول المؤمن إذا رأى شيئا غريبا من قدرة الله تعالى : لا إله إلّا الله ، ونحو هذا. وقال أبو عليّ : معناه أعلم هذا الضرب من العلم الذي لم أكن أعلمه.

و «أنّ الله» في محلّ نصب ، سادّة مسد المفعولين ، أو الأوّل والثاني محذوف على ما تقدّم من الخلاف.

قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(٢٦٠)

هذه القصة الثالثة الدالّة على صحّة البعث.

في العامل في «إذ» ثلاثة أوجه :

أظهرها : أنه قال : «أو لم تؤمن» ، أي : قال له ربّه وقت قوله ذلك.

والثاني : أنه «ألم تر» أي : ألم تر إذ قال إبراهيم.

والثالث : أنه مضمر تقديره : واذكر قاله الزجاح ف «إذ» على هذين القولين مفعول به ، لا ظرف. و «ربّ» منادى مضاف لياء المتكلم ، حذفت ؛ استغناء عنها بالكسرة قبلها ، وهي اللغة الفصيحة ، وحذف حرف النداء.

وقوله : «أرني» تقدّم ما فيه من القراءات ، والتوجيه في قوله : (وَأَرِنا) [البقرة : ١٨٥] والرؤية ـ هنا ـ بصرية تتعدّى لواحد ، ولمّا دخلت همزة النقل ، أكسبته مفعولا ثانيا ، والأول ياء المتكلم ، والثاني الجملة الاستفهامية ، وهي معلقة للرؤية و «رأى» البصرية تعلّق ، كما تعلق «نظر» البصرية ، ومن كلامهم : «أما ترى أيّ برق ههنا».

و «كيف» في محلّ نصب : إمّا على التشبيه بالظرف ، وإمّا على التشبيه بالحال ، كما تقدّم في قوله (كَيْفَ تَكْفُرُونَ) [البقرة : ٢٨]. والعامل فيها «تحيي» وقدّره مكي (١) : بأي حال تحيي الموتى ، وهو تفسير معنى ، لا إعراب.

قال القرطبيّ (٢) : الاستفهام بكيف ، إنما هو سؤال عن حالة شيء موجود متقرر

__________________

(١) ينظر : المشكل ١ / ١٠٩.

(٢) ينظر : القرطبي ٣ / ١٩٤.

٣٦٤

الوجوه عند السائل ، والمسؤول ؛ نحو قولك : كيف علم زيد؟ وكيف نسج الثوب؟ ونحو هذا : ومتى قلت : كيف ثوبك؟ وكيف زيد؟ فإنّما للسؤال عن حال من أحواله ، وقد تكون «كيف» خبرا عن شيء شأنه أن يستفهم عنه بكيف ، نحو قولك : كيف شئت فكن ، ونحو قول البخاريّ : «كيف كان بدء الوحي» ، و «كيف» في هذه الآية إنّما هي استفهام عن هيئة الإحياء ، والإحياء متقرّر ، ولكن لمّا وجدنا بعض المنكرين لوجود شيء ، قد يعبرون عن إنكاره بالاستفهام عن حالة ذلك الشيء ، يعلم أنها لا تصح ؛ فيلزم من ذلك أنّ الشيء في نفسه لا يصحّ ؛ مثاله أن يقول مدّع أنا أرفع هذا الجبل ، فيقول المكذّب له : أرني كيف ترفعه فهذه طريقة مجاز في العبارة ، ومعناها تسليم جدلي ، كأنه يقول : افرض أنّك ترفعه ، فأرني كيف ترفعه فلما كان في عبارة الخليل ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ هذا الاشتراك المجازي ، خلص الله له ذلك ، وحمله على أن بيّن له الحقيقة ، فقال له : «أو لم تؤمن؟ قال : بلى» فكمل الأمر ، وتخلص من كلّ شكّ.

فإن قيل : ما الحكمة في أنه تعالى لم يسمّ عزيرا ، بل قال : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ) ، وهاهنا سمّى إبراهيم ، مع أنّ المقصود في كلتا القصّتين شيء واحد؟!

فالجواب (١) : قال ابن الخطيب ـ رحمه‌الله ـ : والسبب فيه : أنّ عزيرا لم يحفظ الأدب ، بل قال (أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها) ولذلك جعل الإحياء ، والإماتة في نفسه ، وإبراهيم ـ عليه وعلى نبينا أفضل الصّلاة والسّلام ـ حفظ الأدب ، وراعاه ؛ فقال أوّلا «ربّ» ، ثمّ دعا فقال : (أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) ولذلك جعل الإحياء ، والإماتة في الطيور.

قوله : (قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ) في هذه الواو وجهان :

أظهرهما : أنها للعطف قدّمت عليها همزة الاستفهام ، لأنها لها صدر الكلام والهمزة هنا للتقرير ؛ لأنّ الاستفهام إذا دخل على النفي ، قرّره ؛ كقول القائل : [الوافر]

١٢١١ ـ ألستم خير من ركب المطايا

وأندى العالمين بطون راح (٢)

و (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) [الشرح : ١] ، المعنى : أنتم خير ، وقد شرحنا.

والثاني : أنها واو الحال ، دخلت عليها ألف التقرير ، قاله ابن عطية ؛ وفيه نظر من حيث إنها إذا كانت للحال ، كانت الجملة بعدها في محلّ نصب ، وإذا كانت كذلك ، استدعت ناصبا ، وليس ثمّ ناصب في اللفظ ، فلا بدّ من تقديره ؛ والتقدير «أسألت ولم تؤمن» ، فالهمزة في الحقيقة ، إنما دخلت على العامل في الحال. وهذا ليس بظاهر ، بل الظاهر الأوّل ، ولذلك أجيبت ببلى ، وعلى ما قال ابن عطية يعسر هذا المعنى.

وقوله : «بلى» جواب للجملة المنفيّة ، وإن صار معناه الإثبات اعتبارا باللفظ لا

__________________

(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٣٣.

(٢) تقدم برقم (٣٥٧).

٣٦٥

بالمعنى ، وهذا من قسم ما اعتبر فيه جانب اللفظ دون المعنى ، نحو : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ) [البقرة : ٦] وقد تقدّم تحقيقه والله أعلم.

قوله : «ليطمئنّ» اللام لام كي ، فالفعل منصوب بعدها ، بإضمار «أن» ، وهو مبنيّ لاتّصاله بنون التوكيد واللام متعلّقة بمحذوف بعد «لكن» تقديره : ولكن سألتك كيفية الإحياء للاطمئنان ، ولا بدّ من تقدير حذف آخر ، قبل «لكن» ؛ حتّى يصحّ معه الاستدراك ، والتقدير : بلى آمنت ، وما سألت غير مؤمن ، ولكن سألت ليطمئنّ قلبي ليحصل الفرق بين المعلوم بالبرهان وبين المعلوم عيانا.

قال السّدّيّ ، وابن جبير : (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ) بأنّك خليلي «قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي» بالخلّة (١).

والطّمأنينة : السكون ، وهي مصدر «اطمأنّ» بوزن : اقشعرّ ، وهي على غير قياس المصادر ، إذ قياس «اطمأنّ» أن يكون مصدره على الاطمئنان. واختلف في «اطمأنّ» هل هو مقلوب ، أم لا؟ فمذهب سيبويه (٢) ـ رحمه‌الله ـ أنه مقلوب من «طأمن» ، فالفاء طاء ، والعين همزة ، واللام ميم ، فقدّمت اللام على العين فوزنه : افلعلّ بدليل قولهم : طامنته ، فتطامن. ومذهب الجرمي : أنه غير مقلوب ، وكأنّه يقول : إنّ اطمأنّ وطأمن مادّتان مستقلّتان ، وهو ظاهر كلام أبي البقاء (٣) فإنه قال : والهمزة في «ليطمئنّ» أصل ، ووزنه يفعللّ ، ولذلك جاء (فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ) [النساء : ١٠٣] مثل : «اقشعررتم». انتهى. فوزنه على الأصل دون القلب ، وهذا غير بعيد ؛ ألا ترى أنّهم في : جبذ ، وجذب ، قالوا : ليس أحدهما مقلوبا من الآخر لاستواء المادّتين في الاستعمال.

ولترجيح كلّ من المذهبين موضع غير هذا.

فصل في الداعي على السؤال

ذكروا في سبب سؤال إبراهيم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ وجوها :

أحدها : قال الحسن ، والضحاك ، وقتادة ، وعطاء ، وابن جريج : أنّه رأى جيفة مطروحة على شطّ البحر ، قال ابن جريج (٤) : جيفة حمار ، بساحل البحر وقال عطاء : بحيرة طبريّة ؛ فإذا مدّ البحر أكل منها دوابّ البحر ، وإذا جزر البحر ، جاءت السّباع وأكلت ، وإذا ذهب السباع ، جاءت الطيور ، فأكلت وطارت ، فقال إبراهيم : ربّ أرني كيف تجمع أجزاء الحيوان من بطون السباع ، والطيور ، ودوابّ البحر؟ فقيل : أو لم تؤمن؟ قال : بلى ، ولكن المطلوب من السؤال (٥) أن يصير العلم الاستدلاليّ ضروريّا.

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٤٨٩).

(٢) ينظر : الكتاب لسيبويه ٢ / ٣٨٠.

(٣) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١٠٣.

(٤) ينظر : تفسير البغوي ١ / ٢٤٧.

(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٤٨٦ ـ ٤٨٧).

٣٦٦

الثاني : قال محمد بن إسحاق ، والقاضي (١) إنّ سببه أنّ إبراهيم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ في مناظرته مع النّمروذ ، لما قال : (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) قال الملعون (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) فأطلق محبوسا ، وقتل رجلا ، فقال إبراهيم ليس هذا بإحياء وإماتة ، وإنما الإحياء ، أن [الله] يقصد إلى جسد ميّت فيحييه. فقال له نمروذ : أنت عانيته؟ فلم يقدر أن يقول : نعم ، فقال له نمروذ : قل لربّك حتّى يحيي ، وإلّا قتلتك ، فسأل الله ـ تعالى ـ ذلك.

وقوله : (لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) يعني : بنجاتي من القتل ، أو ليطمئنّ قلبي بقوة حجّتي ، وإذا قيل لي : أنت عانيته؟ فأقول : نعم ، وأنّ عدو لي منها إلى غيرها ، ما كان بسبب ضعف تلك الحجّة ، بل بسبب جهل [المستمع].

الثالث : قال ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، والسديّ : إنّ الله تعالى أوحى إليه إنّي متّخذ بشرا خليلا ، فاستعظم إبراهيم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ ذلك ، وقال : إلهي ، ما علامة ذلك؟ فقال تعالى : علامته : أن يحيي الميّت بدعائه فلمّا عظم مقام إبراهيم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ في مقام العبودية وأداء الرسالة خطر بباله إنّي لعلّي أكون ذلك الخليل فسأل إحياء الميت ، فقال الله : أو لم تؤمن؟ قال : بلى ولكن ليطمئنّ قلبي بأنّي خليل لك (٢).

الرابع : أنه ـ عليه‌السلام ـ إنّما سأل ذلك لقومه ؛ لأنّ أتباع الأنبياء كانوا يطالبونهم بأشياء : تارة باطلة وتارة حقة ، كقولهم لموسى (اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) [الأعراف : ١٣٨] فسأل إبراهيم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ ذلك. والمقصود أن يشاهده قومه فيزول الإنكار عنهم.

الخامس : قال ابن الخطيب (٣) ـ رحمه‌الله ـ : إنّ الأمّة لا يحتاجون إلى العلم بأنّ الرسول ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ صادق في ادّعاء الرسالة إلى معجزة تظهر عليه ، فكذلك الرسول ، عن وصول الملك إليه ، وإخباره بأنّ الله بعثه رسولا يحتاج إلى معجزة تظهر على يد ذلك الملك ؛ ليعلم الرسول أنّ ذلك الواصل ملك لا شيطان ، فلا يبعد أن يقال : إنه لمّا جاء الملك إلى إبراهيم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ وأخبره بأن الله بعثك رسولا إلى الخلق طلب المعجزة ، فقال «ربّي أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي» على أنّ الآتي ملك كريم لا شيطان رجيم.

[قال ابن الخطيب (٤) : وعلى قول المتكلمين طلب العلم الضروريّ ، لأنّ الاستدلاليّ مما يتطرق إليه الشكوك ، والشّبهات ، ولعلّه طالع في الصّحف المتقدمة أنّ

__________________

(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٣٤.

(٢) تقدم.

(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٣٤.

(٤) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٣٤ ـ ٣٥.

٣٦٧

عيسى يحيي الموتى بدعائه ، ومعنى «ليطمئنّ قلبي» على أني لست أقلّ منزلة من عيسى ، أو أنّه سارع في الطّاعة بذبح ولده ، كأنه قال أمرتني أن أجعل ذا روح بلا روح ، ففعلت ، فأنا أسألك أن تجعل غير ذي روح روحانيّا ؛ ليطمئن قلبي بإجابتك ، أو أنّ المعنى أرني كيف يكون الحشر يوم القيامة؟ أي : ليطمئنّ قلبي بهذا التشريف أو يكون قصّة سماع الكلام ، لا نفس الإحياء](١).

قال ابن الخطيب (٢) : وهاهنا سؤال صعب ، وهو أنّ الإنسان حال حصول العلم له إمّا أن يكون مجوّزا لنقيضه أو لا.

فإن جوّز نقيضه بوجه من الوجوه ، فذلك ظنّ قويّ لا اعتقاد جازم ، وإن لم يجوّز نقيضه بوجه من الوجوه ، امتنع وقوع التفاوت في المعلوم.

وهذا الإشكال إنما يتوجّه إذا قلنا : المطلوب هو حصول الطمأنينة في اعتقاد قدرة الله تعالى على الإحياء ، أمّا إذا قلنا : المقصود شيء آخر ، فالسؤال زائل.

روى أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ أنّ رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال : «نحن أولى بالشّكّ من إبراهيم ، إذ قال : ربّ أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي ورحم الله لوطا ، لقد كان يأوي إلى ركن شديد ، ولو لبثت في السّجن طول ما لبث يوسف لأجبت الدّاعي» (٣) وأخرج مسلم بن الحجّاج هذا الحديث عن حرملة بن يحيى عن ابن وهب مثله. وقال : نحن أحقّ بالشّكّ من إبراهيم إذ قال ربّ أرني كيف تحيي الموتى».

حكى محمد بن إسحاق بن خزيمة عن أبي إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى المزني أنه قال على هذا الحديث : لم يشكّ النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ولا إبراهيم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ أنّ الله قادر على أن يحيي الموتى ، وإنّما شكّا أنه : هل يجيبهما إلى ما سألاه؟ وقال أبو سليمان الخطّابي ليس في قول ه «نحن أحقّ بالشّكّ من إبراهيم» اعتراف بالشكّ على نفسه ، ولا على إبراهيم ، ولكن فيه نفي الشّكّ عنهما يقول : إذا لم أشكّ أنا في قدرة الله ، على إحياء الموتى ، فإبراهيم أولى ألا يشكّ ، وقال ذلك على سبيل التّواضع ، وهضم النّفس ، فكذلك قوله : «لو لبثت في السّجن طول ما لبث يوسف لأجبت الدّاعي» وفيه إعلام بأنّ المسألة من إبراهيم لم تعرض من جهة الشك ، لكن من قبل زيادة العلم بالعيان ؛ فإن العيان يفيد من المعرفة والطمأنينة ما لا يفيده الاستدلال.

__________________

(١) سقط في ب.

(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٣٥ ـ ٣٦.

(٣) أخرجه البخاري (٤ / ٢٩٠) كتاب الأنبياء باب قول الله عزوجل ونبئهم رقم (٣٣٧٢) ، (٦ / ٦٧) كتاب التفسير باب سورة البقرة رقم (٤٥٣٧) ومسلم رقم (١٣٣ ، ١٨٣٩) وابن ماجه (٤٠٢٦) وأحمد (٢ / ٣٢٦) والطحاوي في «مشكل الآثار» (١ / ١٣٤) والبغوي في «شرح السنة» (١ / ١١٤).

٣٦٨

وقيل : لما نزلت هذه الآية الكريمة قال قوم : شكّ إبراهيم ، ولم يشك نبيّنا ، فقال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ هذا القول تواضعا منه ؛ وتقديما لإبراهيم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ.

[قال القرطبيّ (١) : اختلف النّاس في هذا السؤال : هل صدر من إبراهيم ـ عليه الصلاة والسّلام ـ عن شكّ ، أم لا؟ فقال الجمهور : لم يكن إبراهيم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ شاكّا في إحياء الله الموتى قطّ ، وإنّما طلب المعاينة ؛ وذلك أنّ النفوس مستشرفة إلى رؤية ما أخبرت به ؛ ولهذا قال ـ عليه‌السلام ـ : «ليس الخبر كالمعاينة» (٢) رواه ابن عباس قال أبو عمر : لم يروه غيره](٣).

قوله : «من الطّير» في متعلّقه قولان :

أحدهما : أنه محذوف لوقوع الجارّ صفة لأربعة ، تقديره : أربعة كائنة من الطير.

والثاني : أنه متعلق بخذ ، أي : خذ من الطير.

و «الطير» اسم جمع ، كركب وسفر ، وقيل : بل هو جمع طائر ، نحو : تاجر وتجر ، وهذا مذهب أبي الحسن (٤). وقيل : بل هو مخفّف من «طيّر» بتشديد [الياء] ، كقولهم : «هين وميت» في : هيّن وميّت.

قال أبو البقاء (٥) رحمه‌الله : «هو في الأصل مصدر طار يطير ، ثم سمّي به هذا الجنس». فتحصّل فيه أربعة أقوال.

وجاء جرّه ب «من» بعد العدد على أفصح الاستعمال ، إذ الأفصح في اسم الجمع في باب العدد أن يفصل بمن كهذه الآية الكريمة ، ويجوز الإضافة كقوله تعالى : (تِسْعَةُ رَهْطٍ) [النمل : ٤٨] ؛ وقال ذلك القائل : [الوافر]

١٢١٢ ـ ثلاثة أنفس وثلاث ذود

لقد جار الزّمان على عيالي (٦)

__________________

(١) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ١٩٣.

(٢) أخرجه أحمد (١ / ٢١٥ ، ٢٧١) والحاكم (٢ / ٣٢١) وابن حبان (٢٠٨٧) والبزار (١ / ١١١) رقم (٢٠٠) من حديث ابن عباس وصححه الحاكم وابن حبان. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (١ / ١٥٦) وقال : رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير والأوسط ورجاله رجال الصحيح وصححه ابن حبان.

(٣) سقط في ب.

(٤) ينظر : معاني القرآن ٥٠٤.

(٥) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١٠٢.

(٦) البيت للحطيئة ينظر ديوانه ص ٢٧٠ ، والأغاني ٢ / ١٤٤ ، والإنصاف ٢ / ٧٧١ ، وخزانة الأدب ٧ / ٣٦٧ ، ٣٦٨ ، ٣٦٩ ، ٣٩٤ ، والخصائص ٢ / ٤١٢ ، والكتاب ٣ / ٥٦٥ ، ولسان العرب (ذود) ، (نفس) ، ولأعرابيّ أو للحطيئة أو لغيره في الدرر ٤ / ٤٠ ، ولأعرابي من أهل البادية في المقاصد النحوية ٤ / ٤٨٥ ، وأوضح المسالك ٤ / ٢٤٦ ، والدرر ٦ / ١٩٥ ، وشرح الأشموني ٢ / ٦٢٠ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٧٠ ، ومجالس ثعلب ١ / ٣٠٤ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٥٣ ، ٢ / ١٧٠.

٣٦٩

وزعم بعضهم : أن إضافته نادرة ، لا يقاس عليها ، وبعضهم : أنّ اسم الجمع لما يعقل مؤنث ، وكلا الزعمين ليس بصواب ؛ لما تقدّم من الآية الكريمة ، واسم الجمع لما لا يعقل يذكّر ، ويؤنّث ؛ وهنا جاء مذكرا لثبوت التاء في عدده.

قوله : «فصرهنّ» قرأ حمزة ، والكسائي (١) : بكسر الصّاد ، والباقون : بضمّها ، وتخفيف الراء. واختلف في ذلك ، فقيل : القراءتان يحتمل أن تكونا بمعنى واحد ، وذلك أنه يقال : صاره يصوره ويصيره ، بمعنى قطعه ، أو أماله ، فاللغتان لفظ مشترك بين هذين المعنيين ، والقراءتان تحتملهما معا ، وهذا مذهب أبي عليّ.

وقال الفراء (٢) : «الضمّ مشترك بين المعنيين ، وأمّا الكسر : فمعناه القطع فقط».

وقال غيره : «الكسر بمعنى القطع ، والضمّ بمعنى الإمالة». يقال رجل أصور ، أي : مائل العنق ، ويقال : صار فلان إلى كذا ، إذا قال به ، ومال إليه ، وعلى هذا يصير في الكلام محذوف ، كأنه قيل أملهنّ إليك ، وقطّعهنّ.

وقال ابن عبّاس ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، ومجاهد : صرهنّ بالضم : بمعنى قطّعهنّ (٣) ، يقال صار الشّيء يصوره صورا ، إذا قطعه ، قال رؤبة يصف خصما ألد : [الرجز]

١٢١٣ ـ صرناه بالحكم ويبغي الحكما (٤)

أي : قطعناه ، وعلى هذا القول لا يحتاج إلى الإضمار ، وقال عطاء (٥) : معناه اجمعهنّ ، واضممهنّ إليك ، يقال : صار يصور صورا ، إذا اجتمع ، ومنه قيل لجماعة النّحل : صور.

فصل في لفظ «الصّرّ» في القرآن

قال أبو العبّاس المقرئ : ورد لفظ الصّرّ في القرآن على ثلاثة أوجه :

الأول : بمعنى القطع ؛ كهذه الآية ، أي : قطّعهنّ إليك صورا.

الثاني : بمعنى الريح الباردة ، قال تعالى : (رِيحٍ فِيها صِرٌّ) [آل عمران : ١١٧] أي : برد.

الثالث : يعني الإقامة على الشيء ؛ قال تعالى (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا) [آل عمران : ١٣٥] ، أي : لم يقيموا ، ومثله : (وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ) [الواقعة : ٤٦].

__________________

(١) انظر : إعراب القراءات ١ / ٩٧ ، وحجة القراءات ١٤٥ ، وشرح الطيبة ٤ / ١٢٠ ، والعنوان ٧٥ ، وشرح شعلة ٢٩٦ ، والحجة ٢ / ٣٨٩.

(٢) ينظر : معاني القرآن للفراء ١ / ١٧٤.

(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٥٠٢) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٥٩٣) وزاد نسبته لسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في «شعب الإيمان».

(٤) ونسب إلى العجاج : صرنا به الحكم وأعيا الحكما. ينظر اللسان (صور).

(٥) ينظر : تفسير البغوي ١ / ٢٤٨.

٣٧٠

ونقل عن الفرّاء أيضا : أنه قال : «صاره» مقلوب من قولهم : «صراه عن كذا» ، أي: قطعه عنه ، ويقال : صرت الشيء ، فانصار ، أي : انقطع ؛ قالت الخنساء : [البسيط]

١٢١٤ ـ فلو يلاقي الّذي لاقيته حضن

لظلّت الشّمّ منه وهي تنصار (١)

أي : تنقطع.

قال المبرد : وهذا لا يصحّ ؛ لأنّ كلّ واحد من اللفظين أصل بنفسه فرع على الآخر.

واختلف في هذه اللفظة : هل هي عربية ، أو معرّبة؟ فعن ابن عباس : أنها معرّبة من النّبطية ، وعن أبي الأسود ، أنّها من السّريانية ، والجمهور على أنها عربية ، لا معرّبة.

و «إليك» إن قلنا : إنّ «صرهنّ» بمعنى أملهنّ : تعلّق به ، وإن قلنا : إنه بمعنى : قطّعهنّ ، تعلّق ب «خذ».

ولمّا فسّر أبو البقاء (٢) «فصرهنّ» بمعنى : «أملهنّ» قدّر محذوفا بعده تقديره : فأملهنّ إليك ، ثم قطّعهنّ ، ولمّا فسّره بقطّعهن ـ كما تقدم ـ قدّر محذوفا يتعلّق به «إلى» تقديره : قطّعهنّ بعد أن تميلهنّ إليك. ثم قال : «والأجود عندي أن يكون «إليك» حالا من المفعول المضمر تقديره : فقطّعهنّ مقرّبة إليك ، أو ممالة ، أو نحو ذلك».

وقرأ ابن عباس (٣) ـ رضي الله عنه ـ : «فصرّهنّ» بتشديد الراء ، مع ضم الصاد وكسرها ، من : صرّه يصرّه ، إذا جمعه ؛ إلّا أنّ مجيء المضعّف المتعدّي على يفعل ـ بكسر العين في المضارع ـ قليل.

ونقل أبو البقاء (٤) رحمه‌الله تعالى عمّن شدّد الراء : أنّ منهم من يضمّها ، ومنهم من بفتحها ، ومنهم من يكسرها ، مثل : «مدّهنّ» فالضمّ على الإتباع ، والفتح للتخفيف ، والكسر على أصل التقاء الساكنين.

قال القرطبي (٥) : قرئ (٦) «صرّهنّ» بفتح الصاد ، وتشديد الراء مكسورة ؛ حكاها المهدوي وغيره عن عكرمة ؛ بمعنى فاحبسهنّ ، من قولهم : «صرّى يصرّي» : إذا حبس ، ومنه الشاة المصرّاة ، قال القرطبي : وهاهنا اعتراض ذكره الماوردي ، وهو أن يقال : كيف أجيب إبراهيم إلى آيات الآخرة دون موسى ـ عليه‌السلام ـ في قوله : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) [الأعراف : ١٤٣]؟

__________________

(١) ينظر : الأضداد (٣٧) ، البحر ٢ / ٣١٠ ، الدر المصون ١ / ٦٣٢.

(٢) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١١١.

(٣) انظر : الوجيز ١ / ٣٥٤ ـ بدون نسبة ـ والبحر المحيط ٢ / ٣١١ ، والدر المصون ١ / ٦٣٢.

(٤) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١١١.

(٥) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ١٩٦.

(٦) انظر : المصدر السابق.

٣٧١

فعنه جوابان :

أحدهما : أن ما سأله موسى لا يصحّ مع بقاء التكليف ، وما سأله إبراهيم خاصّ يصحّ معه بقاء التكليف.

الثاني : أن الأحوال تختلف ، فيكون الأصلح في بعض الأوقات الإجابة ، وفي وقت آخر المنع ، فيما لا يتقدّم فيه إذن.

قال ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ أمر الله تعالى إبراهيم بهذا ، قبل أن يولد ، وقبل أن ينزل عليه الصّحف (١).

فصل في الطير المأخوذة

قال مجاهد ، وعطاء ، وابن جريج (٢) : أخذ طاووسا ، وديكا ، وحمامة ، وغرابا (٣). ونقل عن ابن عباس : ونسرا بدل الحمامة (٤). وقال عطاء الخراساني : بطّة خضراء ، وغرابا أسود ، وحمامة بيضاء ، وديكا أحمر (٥) «فصرهنّ» أي : قطّعهنّ ، ومزقهن ، وقيل أملهنّ على ما تقدّم.

فصل في الحكمة في نوع الطير وعدده

وهاهنا سؤالات :

الأول : ما الحكمة في كونه أمره بأخذ أربعة من الطير ، ولم يأمره بأكثر ، ولا بأقل؟!

الثاني : ما الحكمة في كونها من الطير ، دون غيرها من الحيوان؟!

الثالث : هل كان من حيوان البحر ، ثم الوحش ، والطير وبهم الأنعام؟

الرابع : هل كان الأربعة كلّ واحد مخلوق من غالب عنصر من العناصر الأربعة ، كالطير ، مخلوق من غالب عنصر الهواء ، والسمك مخلوق من غالب عنصر الماء ، وحيوان البرّ مخلوق من غالب عنصر التراب ، وسراج البحر ، والدرّاج التي هي تطير بالليل كلّها نار ، والسّمندل (٦) الذي يعيش في النار فإنهم مخلوقون من غالب عنصر النار.

__________________

(١) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٣ / ١٩٦).

(٢) ينظر : تفسير البغوي ١ / ٢٤٨.

(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٤٩٥) عن مجاهد وابن جريج وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٥٩٣) وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(٤) أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس كما في «الدر المنثور» (١ / ٥٩٣).

(٥) ذكره أبو حيان في «البحر المحيط» (٢ / ٣١٠) ، قال ابن كثير في تفسيره (١ / ٣١٥) : اختلف المفسرون في هذه الأربعة وإن كان لا طائل تحت تعيينها إذ لو كان في ذلك مهم لنص عليه القرآن.

(٦) السمندل : بفتح السين والميم وبعد النون الساكنة دال مهملة ولام في آخره ، وسماه الجوهريّ : السندل بغير ميم ، وابن خلكان : السمند بغير لام ، وهو طائر يأكل البيش ؛ وهو نبت بأرض الصين يؤكل وهو

٣٧٢

فإن قيل : ما الفائدة في أمره بضمّها إلى نفسه بعد أخذها؟

فالجواب (١) : فائدته أن يتأمل فيها ، ويعرف أشكالها ، وهيئاتها ؛ لئلا تلتبس عليه بعد الإحياء ، ولا يتوهّم أنّها غير تلك ، وأجمع المفسّرون على أن المراد من الآية الكريمة قطعهن ، وأنّ إبراهيم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ قطع أعضاءها ، ولحومها ، وريشها ، ودماءها ، وخلط بعضها ببعض ؛ غير أبي مسلم ؛ فإنه أنكر ذلك ، وقال : إنّ إبراهيم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ لما طلب إحياء الميت من الله تعالى ، أراه مثالا قرب به الأمر عليه.

والمراد ب «صرهنّ إليك» الإمالة والتمرين على الإجابة ، وتعلمها ، أي : فعوّد الطير الأربعة ، بحيث تصير إذا دعوتها ، أجابتك. والغرض منه ذكر مثال محسوس في عود الأرواح إلى الأجساد على سبيل السهولة وأنكر القول بأن المراد منه : فقطعهن.

واحتجّ على ذلك بوجوه :

أحدها : أنّ المشهور في قوله : «فصرهنّ» أي : أملهنّ ، وأمّا التقطيع والذبح ، فليس في الآية ما يدل عليه ، فكان إدراجه في الآية الكريمة زيادة بغير دليل ، وهو لا يجوز.

وثانيها : لو كان المراد قطّعهنّ ، لم يقل إليك ؛ فإنّ ذلك لا يتعدى بإلى.

فإن قيل : لم لا يجوز أن يقال في الكلام تقديم ، وتأخير ، تقديره : فخذ إليك أربعة من الطير ، فصرهن؟

قلنا : التزام التقديم والتّأخير من غير ضرورة خلاف الظاهر.

وثالثها : أن الضمير في قوله : «ثمّ ادعهنّ» عائد إليها لا إلى أجزائها ، وإذا كانت الأجزاء متفرقة ، وكان الموضوع على كلّ جبل بعض تلك الأجزاء يلزم أن يكون الضمير عائدا إلى تلك الأجزاء لا إليها ، وهو خلاف الظاهر ، وأيضا في قوله : «يأتينك سعيا» عائد إليها ، لا إلى أجزائها ، وعلى قولكم إذا سعى بعض الأجزاء إلى بعض ، كان الضمير في «يأتينك» عائدا إلى أجزائها لا إليها.

__________________

أخضر بتلك البلاد ، فإذا يبس كان قوتا لهم ولم يضرّهم ، فإذا بعد عن الصين ولو مائة ذراع وأكله آكل ـ مات من ساعته ، ومن عجيب أمر السمندل استلذاذه بالنار ، ومكثه فيها وإذا اتسخ جلده ، لا يغسل إلا بالنار ، وكثيرا ما يوجد بالهند ، وهي دابة دون الثعلب ، خلنجية اللون ، حمراء العين ، ذات ذنب طويل ، ينسج من وبرها مناديل ، إذا اتسخت ، ألقيت في النار ، فتنصلح ، ولا تحترق ، وزعم آخرون أنّ السمندل طائر ببلاد الهند يبيض ويفرخ في النار ، وهو بالخاصية لا تؤثر فيه النار ، ويعمل من ريشه مناديل تحمل إلى بلاد الشام ، فإذا اتسخ بعضها طرح في النار ، فتأكل النار وسخه الذي عليه ولا يحترق المنديل. قال ابن خلكان : ولقد رأيت منه قطعة ثخينة منسوجة على هيئة حزام الدابة في طوله وعرضه ، فجعلوها في النار فما عملت فيه شيئا ، فغمسوا أحد جوانبها في الزيت ثم تركوه على فتيلة السراج ، فأشعل وبقي زمانا طويلا مشتعلا ، ثم أطفؤوه ؛ فإذا هو على حاله ما تغير منه شيء.

ينظر : حياة الحيوان ٢ / ٤٠.

(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٣٧.

٣٧٣

واحتجّ الجمهور بوجوه :

الأول : أنّ المفسرين قبل أبي مسلم أجمعوا على أنه ذبح تلك الطيور ، وقطّعها أجزاء ، فيكون إنكار ذلك إنكارا للإجماع.

الثاني : أنّ ما ذكره غير مختصّ بإبراهيم ؛ فلا يكون له فيه مزية على الغير.

الثالث : أن إبراهيم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ إنما أراد أن يريه الله كيف يحيي الموتى ، وظاهر الآية ، يدلّ على أنه أجيب إلى ذلك ، وعلى قول أبي مسلم لم تحصل الإجابة في الحقيقة.

الرابع : أنّ قوله (ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً) يدلّ على أنّ تلك الطيور جعلت أجزاء.

قال أبو مسلم في الجواب عن هذا الوجه : إنّه أضاف الجزء إلى الأربعة ، فيجب أن يكون المراد بالجزء ، هو الواحد من تلك الأربعة.

وأجيب (١) بأنّ ما ذكرتم ، وإن كان محتملا إلّا أنّ ما ذكرناه أظهر ، والتقدير : فاجعل على كل جبل من كلّ واحد منهن جزءا أو بعضا.

قوله : (ثُمَّ اجْعَلْ) «جعل» يحتمل أن يكون بمعنى الإلقاء ، فيتعدّى لواحد ، وهو «جزءا» ، فعلى هذا يتعلّق «على كلّ» و «منهنّ» ب «اجعل» ، وأن يكون بمعنى «صيّر» ، فيتعدّى لاثنين ، فيكون «جزءا» الأول ، و «على كلّ» هو الثاني ، فيتعلّق بمحذوف.

و «منهنّ» يجوز أن يتعلّق على هذا بمحذوف على أنّه حال من «جزءا» ، لأنه في الأصل صفة نكرة ، فلمّا قدّم عليها ، نصب حالا.

وأجاز أبو البقاء (٢) أن يكون مفعولا ل «اجعل» يعني : إذا كانت «اجعل» بمعنى «صيّر» ، فيكون «جزءا» مفعولا أول ، و «منهنّ» مفعولا ثانيا قدّم على الأول ، ويتعلّق حينئذ بمحذوف. [ولا بد من حذف صفة مخصّصة بعد] قوله : «كلّ جبل» تقديره : «على كلّ جبل بحضرتك ، أو يليك» حتى يصحّ المعنى.

وقرأ الجمهور : «جزءا» بسكون الزاي والهمز ، وأبو بكر ضمّ الزاي (٣) ، وأبو جعفر شدّد الزاي ، من غير همز ؛ ووجهها : أنّه لمّا حذف الهمزة ، وقف على الزاي ، ثم ضعّفها ، كما قالوا : «هذا فرجّ» ، ثم أجري الوصل مجرى الوقف. وقد تقدم تقرير ذلك عند قوله : (هُزُواً) [البقرة : ٦٧]. وفيه لغة أخرى وهي : كسر الجيم.

__________________

(١) ينظر : الفخر الرازي ٧ / ٣٨.

(٢) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١١١.

(٣) انظر : المحرر الوجيز ١ / ٣٥٥ ، والبحر المحيط ٢ / ٣٣١ ، والدر المصون ١ / ١٣٢ ، وإتحاف ١ / ٤٥١ ، وحجة القراءات ١٤٥.

٣٧٤

قال أبو البقاء (١) : «ولا أعلم أحدا قرأ بها». والجزء : القطعة من الشيء ، وأصل المادّة يدلّ على القطع ، والتفرق ، ومنه : التجزئة والأجزاء.

فصل في المعنيّ بالجبل في الآية

ظاهر قوله (عَلى كُلِّ جَبَلٍ) جميع جبال الدنيا ، فذهب مجاهد ، والضحاك إلى العموم بحسب الإمكان ، كأنه قيل : فرقها على كلّ جبل يمكنك التفرقة عليه.

وقال ابن عبّاس ، والحسن ، وقتادة ، والربيع : أمر أن يجعل كلّ طائر أربعة أجزاء ، ويجعلها على أربعة أجبل ، على كل جبل ربعا من كل طائر.

وقيل : على حسب الجهات الأربع : أعني المشرق ، والمغرب ، والشمال ، والجنوب (٢). وقال السديّ ، وابن جريج : سبعة من الجبال ؛ لأنّ المراد على كل جبل يشاهده إبراهيم حتى يصح منه دعاء الطائر ، وكانت الجبال التي يشاهدها ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ سبعة (٣).

قوله : «يأتينك» جواب الأمر ، فهو في محلّ جزم ، ولكنه بني لاتصاله بنون الإناث.

قوله : «سعيا» فيه أوجه :

أحدها : أنه مصدر واقع موقع الحال من ضمير الطير ، أي : يأتينك ساعيات ، أو ذوات سعي.

والثاني : أن يكون حالا من المخاطب ، ونقل عن الخليل ما يقوّي هذا ، فإنه روي عنه : «أن المعنى : يأتينك وأنت تسعى سعيا» فعلى هذا يكون «سعيا» منصوبا على المصدر ، وذلك الناصب لهذا المصدر في محلّ نصب على الحال من الكاف في «يأتينك». قال شهاب الدين : والذي حمل الخليل ـ رحمه‌الله ـ على هذا التقدير ؛ أنه لا يقال عنده : «سعى الطائر» فلذلك جعل السّعي من صفات الخليل ـ عليه‌السلام ـ لا من صفة الطيور.

الثالث : أن يكون «سعيا» منصوبا على نوع المصدر ؛ لأنه نوع من الإتيان ، إذ هو إتيان بسرعة ، فكأنه قيل : يأتينك إتيانا سريعا.

وقال أبو البقاء (٤) : «ويجوز أن يكون مصدرا مؤكّدا ؛ لأنّ السعي ، والإتيان يتقاربان» ، وهذا فيه نظر ؛ لأن المصدر المؤكّد لا يزيد معناه على معنى عامله ، إلّا أنه تساهل في العبارة.

__________________

(١) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١١١.

(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٥٠٥ ـ ٥٠٦) عن ابن عباس وقتادة والحسن والربيع.

(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٥٠٨) عن السدي.

(٤) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١١١.

٣٧٥

فصل في معنى «سعيا»

قيل : معنى «سعيا» عدوا ومشيا على أرجلهنّ ؛ لأن ذلك أبلغ في الحجة.

وقيل : «طيرانا». ولا يصحّ ؛ لأنه لا يقال للطائر إذا طار : سعى ، ومنهم من أجاب عنه : بأن «السّعي» هو الاشتداد في الحركة ، فإن كانت الحركة طيرانا ، فالسّعي فيها هو الاشتداد في تلك الحركة.

روي أنّه ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ ذبحها ، ونتف ريشها ، وقطّعها أجزاء ، وخلط لحمها ، وريشها ، ودمها ، ووضع على كلّ جبل جزءا من ذلك المجموع ، وأمسك رؤوسهن ، ثم دعاهنّ فقال : تعالين بإذن الله تعالى ، فجعلت كلّ قطرة من دم طائر تطير إلى القطرة الأخرى ، وكل عظم يصير إلى الآخر من جثّته ، وكل بضعة تصير إلى الأخرى ، وإبراهيم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ ينظر ؛ حتى لقيت كل جثّة بعضها بعضا في الهواء بغير رأس ، ثم أقبلن إلى رؤوسهنّ سعيا : كلّ جثّة إلى رأسها ، فانضمّ كلّ رأس إلى جثّته ، وصار الكلّ أحياء بإذن الله. (وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ) غالب على جميع الممكنات «حكيم» عالم بعواقب الأمور ، وغاياتها.

قوله تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ)(٢٦١)

لمّا بين تعالى أصل العلم بالمبدأ ، والمعاد ، وبيّن دلائل صحّتها ، أتبع ذلك ببيان الشرائع ، والأحكام ، فبدأ ببيان التكليف ، بالإنفاق.

قال القاضي (١) في كيفية النّظم : إنه تعالى لمّا أجمل قوله تعالى (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً) [البقرة : ٢٤٥] فصل بهذه الآية الكريمة تلك الأضعاف ، وإنما ذكر بين الآيتين الأدلّة على قدرته بالإحياء والإماتة ، من حيث : لو لا ذلك لم يحسن التكليف بالإنفاق ، لأنه لو لا وجود الإله المثيب المعاقب ، لكان الإنفاق ، وسائر الطاعات عبثا فكأنه تعالى قال لمن رغبه في الإنفاق : قد عرفت أنّي خلقتك ، وأكملت نعمتي عليك ، بالإحياء ، والإقدار ، وقد علمت قدرتي على المجازاة ، فليكن علمك بهذه الأحوال داعيا إلى إنفاق المال ؛ فإنه يجازي القليل بالكثير ، ثمّ ضرب لذلك الكثير مثلا.

وقال الأصم (٢) : إنه تعالى ضرب هذا المثل بعد أن احتجّ على الكلّ بما يوجب تصديق النبي ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ ؛ ليرغبوا بالمجاهدة بالنفس ، والمال ، في نصرته ، وإعلاء شريعته.

__________________

(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٣٩.

(٢) ينظر : المصدر السابق.

٣٧٦

وقيل : لما بيّن تعالى أنّه وليّ المؤمنين ، وأنّ الكفّار أولياؤهم الطاغوت ، بيّن مثل ما ينفق المؤمن في سبيل الله ، وما ينفق الكافر في سبيل الطاغوت.

فصل في سبب نزول الآية

[روي أن هذه الآية نزلت في شأن عثمان بن عفّان ، وعبد الرحمن بن عوف](١) ـ رضي الله عنهما ـ ؛ وذلك أنّ رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لما حثّ الناس على الصدقة حين أراد الخروج إلى غزوة «تبوك» ، جاءه عبد الرحمن بأربعة آلاف درهم ، فقال : يا رسول الله ، كان عندي ثمانية آلاف ، فأمسكت لنفسي ولعيالي أربعة آلاف ، وأربعة آلاف أقرضتها لربّي ، فقال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «بارك الله لك فيما أمسكت وفيما أعطيت» (٢) وقال عثمان : يا رسول الله ، عليّ جهاز من لا جهاز له ؛ فنزلت هذه فيهما.

وروى البستي عن ابن عمر ، قال : لما نزلت هذه الآية قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «ربّ ، زد أمّتي» ؛ فنزلت (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً) [البقرة : ٢٤٥] قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ربّ ، زد أمّتي» فنزلت (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ) [الزمر : ١٠](٣).

قوله «مثل» مبتدأ ، و «كمثل حبّة» خبره. ولا بدّ من حذف ، حتى يصحّ التشبيه ؛ لأنّ الذين ينفقون لا يشبّهون بنفس الحبة.

واختلف في المحذوف ، فقيل : من الأول ، تقديره : ومثل منفق الذين ، أو نفقة الذين.

وقيل : من الثاني ، تقديره : ومثل الذين ينفقون كزارع حبة ؛ أو من الأول ، والثاني باختلاف التقدير ، أي : مثل الذين ينفقون ، ونفقتهم كمثل حبّة وزارعها.

وهذه الأوجه قد تقدّم تقريرها محررة عند قوله تعالى : (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ) [البقرة : ١٧١]. والقول بزيادة الكاف ، أو «مثل» بعيد جدّا ، فلا يلتفت إليه.

__________________

(١) سقط في ب.

(٢) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٢٦٢) وعزاه للبزار وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة.

وأورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٧ / ٣٥ ـ ٣٦) وقال : رواه البزار من طريقين إحداهما متصلة عن أبي هريرة والأخرى عن أبي سلمة مرسلة قال : ولم نسمع أحدا أسنده من حديث عمر بن أبي سلمة إلا طالوت بن عباد ، وفيه عمر بن أبي سلمة وثقه العجلي وأبو خيثمة وابن حبان وضعفه شعبة وغيره وبقية رجالهما ثقات.

(٣) أخرجه ابن حبان (١٦٤٨ ـ موارد) والبيهقي في «شعب الإيمان» (٤ / ٣٦) رقم (٤٢٨٠) من حديث ابن عمر.

وذكره ابن كثير في «تفسيره» (١ / ٥٤٤) وعزاه إلى ابن أبي حاتم وذكره أيضا السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٣١٣) وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن مردويه.

٣٧٧

والحبّة : واحدة الحبّ ؛ وهو ما يزرع للاقتيات ، وأكثر إطلاقه على البر ، قال المتلمّس : [البسيط]

١٢١٥ ـ آليت حبّ العراق الدّهر أطعمه

والحبّ يأكله في القرية السّوس (١)

و «الحبّة» بالكسر : بذور البقل ممّا لا يقتات به ، و «الحبّة» بالضّمّ : الحبّ.

والحبّ : المحبة ، وكذلك «الحبّ» بالكسر ، والحبّ أيضا : الحبيب ، وحبة القلب سويداؤه ، ويقال ثمرته ، وهو ذاك.

قوله : (أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ) أي : أخرجت وهذه الجملة في محلّ جرّ ؛ لأنها صفة لحبة ، كأن قيل : كمثل حبّة منبتة.

وأدغم تاء التأنيث (٢) في سين «سبع» أبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي ، وهشام. وأظهر الباقون ، والتاء تقارب السين ، ولذلك أبدلت منها ؛ قالوا : ناس ، ونات ، وأكياس ، وأكيات ؛ قال : [الرجز]

١٢١٦ ـ عمرو بن يربوع شرار النّات

ليسوا بأجياد ولا أكيات (٣)

أي : شرار الناس ، ولا أكياس.

وجاء التّمييز هنا على مثال مفاعل ، وفي سورة يوسف مجموعا بالألف والتّاء ، فقال الزمخشريّ : «فإن قلت : هلّا قيل : (سَبْعَ سُنْبُلاتٍ) على حقّه من التمييز بجمع القلّة ، كما قال : (وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ). قلت : هذا لما قدّمت عند قوله : (ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) [البقرة: ٢٢٨] من وقوع أمثلة الجمع [متعاورة] مواقعها».

يعني : أنه من باب الاتساع ، ووقوع أحد الجمعين موقع الآخر ، وهذا الذي قاله ليس بمخلّص ، [ولا محصّل] ، فلا بدّ من ذكر قاعدة مفيدة في ذلك :

قال شهاب الدين ـ رحمه‌الله ـ : اعلم أن جمعي السّلامة لا يميّز بهما عدد إلا في موضعين :

أحدهما : ألا يكون لذلك المفرد جمع سواه ، نحو : سبع سموات ، وسبع بقرات ، وسبع سنبلات ، وتسع آيات ، وخمس صلوات ، لأنّ هذه الأشياء لم تجمع إلا جمع السلامة ، فأمّا قوله: [الطويل]

__________________

(١) ينظر ديوانه ص ٩٥ ، وتخليص الشواهد ص ٥٠٧ ، والجنى الداني ص ٤٧٣ ، وخزانة الأدب ٦ / ٣٥١ ، وشرح التصريح ١ / ٣١٢ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٢٩٤ ، والكتاب ١ / ٣٨ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٥٤٨ ، وأوضح المسالك ٢ / ١٨٠ ، وشرح الأشموني ١ / ١٩٧ ، ومغني اللبيب ١ / ٩٩ ، والدر المصون ١ / ٦٣٣.

(٢) انظر : شرح الطيبة ٤ / ١٢١ ، والسبعة ١٢٠ ، وإتحاف ١ / ٤٥١.

(٣) البيت لعلباء بن أرقم ينظر الخصائص (٢ / ٥٣) ، أمالي القالي ٢ / ٧١ ، الإنصاف (١١٩) ، المفصل لابن يعيش ١٠ / ٣٦ ، الدر المصون ١ / ٦٣٣.

٣٧٨

١٢١٧ ـ ..........

 ... فوق سبع سمائيا (١)

فشاذّ ، منصوص على قلّته ، فلا يلتفت إليه.

والثاني : أن يعدل إليه لمجاورة غيره ، كقوله : (وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ) عدل من «سنابل» إلى «سنبلات» ؛ لأجل مجاورته (سَبْعَ بَقَراتٍ) ، ولذلك إذا لم توجد المجاورة ، ميّز بجمع التكسير دون جمع السلامة ، وإن كان موجودا نحو : «سبع طرائق ، وسبع ليال» مع جواز : طريقات ، وليلات.

والحاصل أنّ الاسم إذا كان له جمعان : جمع تصحيح ، وجمع تكسير ، فالتكسير إمّا للقلة ، أو للكثرة ، فإن كان للكثرة : فإمّا من باب مفاعل ، أو من غيره ، فإن كان من باب مفاعل ، أوثر على التصحيح ، تقول : ثلاثة أحامد ، وثلاث زيانب ، ويجوز قليلا : أحمدين وزينبات.

وإن كان من غير باب مفاعل : فإمّا أن يكثر فيه غير التصحيح ، وغير جمع الكثرة ، أو يقلّ.

فإن كان الأول : فلا يجوز التصحيح ، ولا جمع الكثرة إلا قليلا ؛ نحو : ثلاثة زيود ، وثلاث هنود ، وثلاثة أفلس ، ولا يجوز : ثلاثة زيدين ، ولا ثلاث هندات ، ولا ثلاثة فلوس ، إلّا قليلا.

وإن كان الثاني : أوثر التصحيح وجمع الكثرة ، نحو : ثلاث سعادات ، وثلاثة شسوع ، وعلى قلّة يجوز : ثلاث سعائد ، وثلاثة أشسع. فإذا تقرّر هذا ، فقوله : (سَبْعَ سَنابِلَ) جاء على المختار ، وأمّا قوله (سَبْعَ سُنْبُلاتٍ) ؛ فلأجل المجاورة كما تقدّم.

وقيل : لمّا كان الكلام ـ هاهنا ـ في تضعيف الأجر ، ناسبها جمع الكثرة ، وفي سورة يوسف ذكرت في سياق الكلام في سني الجدب ؛ فناسبها التقليل ؛ فجمعت جمع القلة.

والسّنبلة فيها قولان :

أحدهما : أنّ نونها أصلية ؛ لقولهم : «سنبل الزرع» أي : أخرج سنبله.

والثاني : أنها زائدة ، وهذا هو المشهور ؛ لقولهم : «أسبل الزرع» ، فوزنها على الأول : فعللة ، وعلى الثاني : فنعلة ، فعلى ما ثبت من حكاية اللّغتين : سنبل الزرع ، وأسبل تكون من باب سبط وسبطر.

قال القرطبي (٢) : من أسبل الزرع : إذا صار فيه السّنبل ، كما يسترسل الستر بالإسبال وقيل : معناه : صار فيه حبّ مستور ، كما يستر الشيء بإسبال السّتر عليه.

__________________

(١) تقدم برقم (٢٤٨).

(٢) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ١٩٧.

٣٧٩

قوله : (فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ) هذا الجارّ في محلّ جر ؛ صفة لسنابل ، أو نصب ؛ صفة لسبع ، نحو : رأيت سبع إماء أحرار ، وأحرارا ، وعلى كلا التقديرين فيتعلّق بمحذوف.

وفي رفع «مئة» وجهان :

أحدهما : بالفاعلية بالجارّ ؛ لأنه قد اعتمد إذ قد وقع صفة.

والثاني : أنها مبتدأ والجارّ قبله خبره ، والجملة صفة ، إمّا في محلّ جرّ ، أو نصب على حسب ما تقدّم ، إلّا أنّ الوجه [الأول] أولى ؛ لأنّ الأصل الوصف بالمفردات ، دون الجمل. ولا بدّ من تقدير حذف ضمير ، أي : في كلّ سنبلة منها ، أي : من السنابل.

والجمهور على رفع : «مئة» على ما تقدّم ، وقرئ (١) : بنصبها.

وجوّز أبو البقاء (٢) في نصبها وجهين :

أحدهما : بإضمار فعل ، أي : أنبتت ، أو أخرجت.

والثاني : أنها بدل من «سبع» ، وردّ بأنّه لا يخلو : إمّا أن يكون بدل [كلّ] من كلّ ، أو بدل بعض من كلّ ، أو بدل اشتمال.

فالأول : لا يصحّ ؛ لأنّ المائة ليست كلّ السبع سنابل.

والثاني : لا يصحّ ـ أيضا ؛ لعدم الضمير الراجع على المبدل منه ، ولو سلّم عدم اشتراط الضمير ، فالمئة ليست بعض السبع ؛ لأنّ المظروف ليس بعضا للظرف ، والسنبلة ظرف للحبة ، ألا ترى قوله : (فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ) فجعل السّنبلة وعاء للحبّ.

والثالث ـ أيضا ـ لا يصحّ ؛ لعدم الضّمير ، وإن سلّم ، فالمشتمل على (مِائَةُ حَبَّةٍ) هو سنبلة من سبع سنابل ، إلا أن يقال إنّ المشتمل على المشتمل على الشيء ، هو مشتمل على ذلك الشيء ، فالسنبلة مشتملة على مائة والسنبلة مشتمل عليها سبع سنابل ، فلزم أنّ السبع مشتملة على «مائة حبة».

وأسهل من هذا كلّه أن يكون ثمّ مضاف محذوف ، أي : حبّ سبع سنابل ، فعلى هذا يكون «مئة حبّة» بدل بعض من كل.

فصل في المقصود بسبيل الله

معنى (يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) يعني : دينه ، قيل : أراد النفقة في الجهاد خاصّة ، وقيل : جميع أبواب الخير من الواجب والنّفل.

قال القرطبيّ (٣) : شبّه المتصدّق بالزّارع ، وشبّه البذر بالصدقة ، فيعطيه بكل صدقة

__________________

(١) انظر : الشواذ ١٦ ، والمحرر الوجيز ١ / ٣٥٦ ، والبحر المحيط ٢ / ٣١٧ ، والدر المصون ١ / ٦٣٥.

(٢) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١١١.

(٣) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ١٩٧.

٣٨٠