اللّباب في علوم الكتاب - ج ٤

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ٤

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٥٨

والصحيح أنه فيه لغتان ، إحداهما : لغة تميم ، وهي إثبات ألفه وصلا ووقفا ، وعليها تحمل قراءة نافع فإنّه قرأ بثبوت الألف وصلا قبل همزة مضمومة نحو : (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) ، أو مفتوحة نحو : (وَأَنَا أَوَّلُ)(١) [الأعراف : ١٤٣] ، واختلف عنه في المكسورة نحو : (إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ) [الشعراء : ١١٥] ، وقرأ ابن عامر (٢) : (لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي) [الكهف : ٢٨] على ما سيأتي إن شاء الله تعالى وهذا أحسن من توجيه من يقول «أجري الوصل مجرى الوقف». واللّغة الثانية : إثباتها وقفا وحذفها وصلا ، ولا يجوز إثباتها وصلا إلّا ضرورة كالبيتين المتقدّمين. وقيل : بل «أنا» كلّه ضمير.

وفيه لغات : «أنا وأن» ـ كلفظ أن النّاصبة ـ و «آن» ؛ وكأنه قدّم الألف على النون ، فصار «أان» ، قيل : إنّ المراد به الزّمان ، وقالوا : أنه ، وهي هاء السّكت ، لا بدل من الألف ؛ قال : «هكذا فردي أنه» ؛ وقال آخر : [الرجز]

١١٩١ ـ إن كنت أدري فعليّ بدنه

من كثرة التّخليط أنّي من أنه (٣)

وإنما أثبت نافع ألفه قبل الهمز جمعا بين اللّغتين ، أو لأنّ النّطق بالهمز عسر فاستراح له بالألف لأنها حرف مدّ.

فصل

قال أكثر المفسّرين : لما احتج إبراهيم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ على إثبات الإله بالإحياء ، والإماتة ؛ دعا النّمروذ برجلين ، فقتل أحدهما ، واستبقى الآخر ، وقال : أنا أيضا أحيي وأميت ، فجعل ترك القتل إحياء (٤).

قال ابن الخطيب (٥) : وعندي أنّه بعيد ؛ لأنّ الظّاهر من حال إبراهيم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ أنه شرح حقيقة الإحياء وحقيقة الإماتة ومتى شرحه امتنع أن يشتبه على العاقل الإماتة والإحياء على ذلك الوجه بالإماتة والإحياء بمعنى القتل وتركه ويبعد في الجمع العظيم أن يكونوا في الحماقة بحيث لا يعرفون هذا القدر من الفرق ، والمراد من الآية ـ والله أعلم ـ

__________________

ـ ص ٢٢٣ ، ولسان العرب (أنن) ، ولحميد بن بجدل في خزانة الأدب ٥ / ٢٤٢ ، وينظر رصف المباني ص ١٤ ، ٤٠٣ ، وشرح شافية ابن الحاجب ٢ / ٢٩٥ ، وشرح المفصل ٣ / ٩٣ ، ٩ / ٨٤ ، والمقرب ١ / ٢٤٦ ، والمنصف ١ / ١٠ ، والدر المصون ١ / ٦٢٠.

(١) انظر : السبعة ١٨٨ ، والحجة ٢ / ٣٥٩ ، وإعراب القراءات ١ / ٩١ ، ٩٢ ، وحجة القراءات ١٤٢ ، والعنوان ٧٥ ، وشرح شعلة ٢٩٥ ، وشرح طيبة ٤ / ١١٤ ـ ١١٦ ، وإتحاف ١ / ٤٤٨.

(٢) ستأتي في الكهف ٣٨.

(٣) ينظر المفصل لابن يعيش ٣ / ٩٤ ، الدر المصون ١ / ٦٢٠.

(٤) تقدم.

(٥) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٢٢.

٣٤١

أن إبراهيم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ لما احتّج بالإحياء ، والإماتة قال المنكر : أتدعي الإحياء والإماتة من الله ابتداء من غير واسطة الأسباب الأرضيّة والسّماويّة ، أو بواسطتهما.

أمّا الأوّل : فلا سبيل إليه ، وأمّا الثّاني ، فلا يدلّ على المقصود ، لأنّ الواحد منا يقدر على الإحياء والإماتة بواسطة سائر الأسباب فإنّ الجماع قد يفضي إلى الولد الحيّ بواسطة الأسباب الأرضيّة والسّماويّة ، وتناول السّم قد يفضي إلى الموت ، فلما ذكر النّمروذ هذا السّؤال على هذا الوجه ؛ أجاب إبراهيم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ فقال : [هب أنّ الإحياء ، والإماتة] حصلا من الله تعالى بواسطة الاتّصالات الفلكية إلّا أنه لا بدّ لتلك الاتصالات والحركات الفلكية من فاعل مدبّر ، فإذا كان المدبّر لتلك الحركات الفلكيّة هو الله تعالى ؛ كان الإحياء والإماتة الصّادران من البشر بواسطة الأسباب الفلكية والعنصرية ليست كذلك ؛ لأنه لا قدرة للبشر على الاتّصالات الفلكية ؛ فظهر الفرق.

إذا عرف هذا فقوله تعالى «إنّ (اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ) ليس دليلا آخر ، بل من تمام الدّليل الأوّل ؛ ومعناه : أنّه وإن كان الإحياء والإماتة [من الله] بواسطة حركات الأفلاك إلّا أن حركات الأفلاك من الله تعالى فكان الإحياء والإماتة أيضا من الله تعالى ، وأما البشر فإنه وإن صدر منه الإحياء والإماتة بواسطة الاستعانة بالأسباب السّماويّة والأرضيّة إلّا أن تلك الأسباب ليس واقعة بقدرته ؛ فثبت أنّ الإحياء والإماتة الصّادرين عن البشر ليسا على ذلك الوجه ، فلا يصلح نقضا عليه ، فهذا هو الّذي اعتقده في كيفيّة جريان هذه المناظرة ، لا ما هو المشهور عند الكلّ والله أعلم بحقيقة الحال (١).

قوله : «فإنّ الله» هذه الفاء جواب شرط مقدّر تقديره : قال إبراهيم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ إن زعمت ، أو موّهت بذلك فإنّ الله. ولو كانت الجملة محكيّة بالقول ، لما دخلت هذه الفاء ، بل كان تركيب الكلام : قال إبراهيم : إنّ الله يأتي ، وقال أبو البقاء (٢) رحمه‌الله : «دخلت الفاء ؛ إيذانا بتعلّق هذه الكلام بما قبله ، والمعنى : إذا ادّعيت الإحياء والإماتة ، ولم تفهم ، فالحجّة أنّ الله تعالى يأتي ، هذا هو المعنى» والباء في «بالشّمس» للتعدية ، تقول : أتت الشّمس ، وأتى الله بها ، أي : أجاءها ، و «من المشرق» و «من المغرب» متعلّقان بالفعلين قبلهما ، وأجاز أبو البقاء (٣) فيهما بعد أن منع ذلك أن يكونا حالين ، وجعل التقدير : مسخّرة أو منقادة قال شهاب الدين ـ رحمه‌الله ـ : وليته استمر على منعه ذلك.

فصل

أحدهما : طريقة أكثر المفسّرين (٤) : وهو أنّ إبراهيم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ لما

__________________

(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٢٢.

(٢) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١٠٨.

(٣) ينظر : المصدر السابق.

(٤) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٢٣.

٣٤٢

رأى من النّمروذ إلقاء تلك الشّبهة ، عدل إلى دليل آخر أوضح من الأوّل ، فقال : (فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ ، فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ) فزعم هؤلاء أن الانتقال من دليل إلى دليل أوضح منه جائز للمستدلّ.

فإن قيل : هلّا قال النمروذ فليأت بها ربّك من المغرب.

قلنا : الجواب من وجهين :

أحدهما : أن هذه المحاجّة كانت بعد إلقاء إبراهيم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ في النّار وخروجه منها سالما ، فعلم أنّ من قدر على حفظ إبراهيم في تلك النار العظيمة من الاحتراق ، يقدر على أن يأتي بالشّمس من المغرب.

والثاني : أن الله تعالى خذله وأنساه إيراد هذه الشّبهة ؛ نصرة لنبيّه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ.

والطريق الثاني : قاله المحقّقون : إن هذا ليس بانتقال من دليل إلى دليل ، بل الدليل واحد في الموضعين ، وهو أنا نرى حدوث الأشياء لا يقدر الخلق على إحداثها ، فلا بدّ من قادر آخر يتولّى إحداثها ، وهو سبحانه وتعالى ، ثم إنّ قولنا : نرى حدوث أشياء لا يقدر الخلق على إحداثها ، أمثلة ؛ منها : الإحياء والإماتة ، ومنها : السحاب ، والرعد ، والبرق ، ومنها : حركات الأفلاك ، والكواكب ، والمستدلّ لا يجوز له أن ينتقل من دليل إلى دليل ، ولكن إذا ذكر لإيضاح كلام مثالا ، فله أن ينتقل من ذلك المثال إلى مثال آخر ، فيكون ما فعله إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ من باب ما يكون الدليل فيه واحدا ، إلّا أنه يقع الانتقال عند إيضاحه من مثال إلى مثال آخر ، وليس ما يقع [من باب الانتقال من دليل إلى دليل آخر].

قال ابن الخطيب (١) : وهذا الوجه أحسن من الأوّل وأليق بكلام أهل التحقيق ، وعليه إشكالات من وجوه :

الإشكال الأول : أن صاحب الشّبهة ، إذا ذكرها وقعت في الأسماع ، وجب على المحقّ القادر على الجواب أن يجيب في الحال ؛ إزالة لذلك التلبيس والجهل عن العقول ، فلما طعن الملك الكافر في الدّليل الأوّل أو في المثال الأول بتلك الشبهة ، كان الاشتغال بإبطال تلك الشبهة واجبا مضيّقا ، فكيف يليق بالمعصوم أن يترك ذلك الواجب.

الإشكال الثاني : أن المبطل لمّا أورد تلك الشّبهة ، فإذا ترك المحق الجواب عنها ، وانتقل إلى كلام آخر ، أوهم أن كلامه الأوّل ، كان ضعيفا ساقطا ، وأنه ما كان عالما بضعفه ، وأن ذلك المبطل ، علم وجه ضعفه ، ونبّه عليه ، وهذا ربما يوجب سقوط شأن المحقّ ، وهو لا يجوز.

__________________

(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٢٣.

٣٤٣

الإشكال الثالث : أنّه وإن كان يحسن الانتقال من دليل إلى دليل آخر ، أو من مثال إلى مثال آخر ، لكنه يجب أن يكون المنتقل إليه أوضح وأقرب ، وهاهنا ليس كذلك ؛ لأنّ جنس الإحياء والإماتة لا قدرة للخلق عليهما ، وأما جنس تحريك الأجسام ، فللخلق قدرة عليه ولا يبعد في العقل وجود ملك عظيم في الجثة أعظم من السموات ، وأنه هو الذي يحرّك السموات ، وعلى هذا التقدير فالاستدلال بالإحياء والإماتة على وجود الصّانع أقوى وأظهر من الاستدلال بطلوع الشّمس على وجود الصانع ، فكيف يليق بالمعصوم أن ينتقل من الدّليل الأوضح الأظهر إلى الدليل الخفيّ.

الإشكال الرابع : أن دلالة الإحياء والإماتة على وجود الصّانع أقوى وأظهر من دلالة طلوع الشّمس عليه ؛ لأنّا نرى في ذات الإنسان وصفاته تبدّلات واختلافات ، والتبدّل قويّ الدلالة على الحاجة إلى المؤثّر القادر ، وأمّا الشمس فلا نرى في ذاتها تبدّلا ، ولا في صفاتها ، ولا في منهج حركاتها (١) ألبتّة ، فكانت دلالة الإحياء والإماتة على الصانع أقوى ، فكان العدول (٢) منه إلى طلوع الشمس انتقالا من الأجلى لأقوى للأضعف الأخفى ، وإنه لا يجوز.

الإشكال الخامس : أنّ النمروذ ، لما لم يستح من معارضة الإحياء والإماتة الصادرين عن الله تبارك وتعالى بالقتل (٣) والتخلية ، فكيف يؤمن منه عند استدلال إبراهيم بطلوع الشّمس أن يقول : طلوع الشمس من المشرق مني ، فإن كان لك إله ، فقل له يطلعها من المغرب ؛ وعند ذلك التزم المحقّقون من المفسّرين ذلك ، فقالوا : إنه لو أورد هذا السّؤال ، لكان من الواجب أن تطلع الشّمس من المغرب ، ومن المعلوم : أن إفساد سؤاله في الإحياء والإماتة أسهل بكثير من إلزامه بطلوع الشّمس من المغرب ، ولا يكون طلوع الشّمس من المشرق دليلا على وجود الصّانع ، وحينئذ يصير دليله الثّاني ضائعا ؛ كما صار دليله الأوّل ضائعا ، فالذي حمل سيدنا إبراهيم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ على أن يترك الجواب عن ذلك السؤال الرّكيك ، والتزام الانقطاع ، واعترف بالحاجة إلى الانتقال والتمسّك بدليل لا يمكنه تمشيته ، إلا بالتزام طلوع الشّمس من المغرب ، وبتقدير أن يأتي بإطلاع الشمس من المغرب ، فإنه يضيع دليله الثّاني أيضا كما ضاع الأوّل ، والتزام هذه المحذورات لا يليق بأقلّ الناس علما ؛ فضلا عن أفضل العقلاء ، وأعلم العلماء ؛ فظهر بهذا أنّ الذي أجمع جمهور المفسّرين عليه ضعيف.

قال ابن الخطيب (٤) : وأما الوجه الذي ذكرناه ، فلا يتوجّه عليه شيء من هذه الإشكالات ، لأنّا نقول : لما احتجّ إبراهيم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ بالإحياء والإماتة ، أورد الخصم عليه سؤالا لا يليق بالعقلاء ، وهو أنّك إذا ادعيت الإحياء والإماتة لا

__________________

(١) في ب : فكان.

(٢) في ب : المعدول.

(٣) في ب : بالعقل.

(٤) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٢٤.

٣٤٤

بواسطة ، فلا تجد إلى إثبات ذلك سبيلا ، وإن ادعيت حصولها بواسطة حركات الأفلاك ، [فنظيره أو ما يقرب منه حاصل للبشر ؛ فأجاب إبراهيم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ بأن الإحياء والإماتة ، وإن حصلا بواسطة حركات الأفلاك](١) ، لكن تلك الحركات حصلت من الله تعالى ، وذلك لا يقدح في كون الإحياء والإماتة من الله تعالى ؛ بخلاف الخلق ، فإنهم لا قدرة لهم على تحريك الأفلاك ، فلا يكون الإحياء والإماتة صادرين منهم ، وعلى هذا تزول الإشكالات المذكورة ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

[قال القرطبيّ (٢) : وروي في الخبر أن الله تعالى قال : «وعزّتي وجلالي لا تقوم السّاعة حتّى آتي بالشّمس من المغرب ليعلم أنّي أنا القادر على ذلك» (٣)](٤).

قوله : (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) الجمهور : «بهت» مبنيّا للمفعول ، والموصول مرفوع به ، والفاعل في الأصل هو إبراهيم ، لأنه المناظر له ، ويحتمل أن يكون الفاعل في الأصل ضمير المصدر المفهوم من «قال» ، أي : فبهته قول إبراهيم ، وقرأ (٥) ابن السّميفع : «فبهت» بفتح الباء والهاء مبنيّا للفاعل ، وهذا يحتمل وجهين :

أحدهما : أن يكون الفعل متعديّا ، وفاعله ضمير يعود على إبراهيم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ ، و «الّذي» هو المفعول ، أي : فبهت إبراهيم الكافر ، أي : غلبه في الحجّة ، أو يكون الفاعل الموصول ، والمفعول محذوف ، وهو إبراهيم ، أي : بهت الكافر إبراهيم ، أي : لمّا انقطع عن الحجّة بهته ، أي : سبّه وقذفه حين انقطع ، ولم تكن له حيلة.

والثاني : أن يكون لازما ، والموصول فاعل ، والمعنى معنى بهت ، فتتّحد القراءتان ، أو بمعنى أتى بالبهتان ، وقرأ أبو حيوة : «فبهت» بفتح الباء ، وضمّ الهاء ؛ كظرف ، والفاعل الموصول ، وحكى الأخفش : فبهت بكسر الهاء ، وهو قاصر أيضا ، فيحصل فيه ثلاث لغات : بهت بفتحهما ، بهت بضم العين ، بهت بكسرها.

قال عروة العدويّ : [الطويل]

١١٩٢ ـ فما هو إلّا أن أراها فجاءة

فأبهت حتّى ما أكاد أجيب (٦)

فالمفتوح يكون لازما ومتعديا ، قال تعالى : (فَتَبْهَتُهُمْ) [الأنبياء : ٤٠].

__________________

(١) سقط في ب.

(٢) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ١٨٥.

(٣) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٣ / ١٨٥).

(٤) سقط في ب.

(٥) انظر : المحرر الوجيز ١ / ٣٤٧ ، والبحر المحيط ٢ / ٣٠٠ ، الدر المصون ١ / ٦٢٠. والشواذ ١٦.

(٦) البيت لعروة بن حزام. ينظر ديوانه ٥ ، ولكثير عزة. ينظر ديوانه ص ٥٢٢ ، وللمجنون. ينظر ديوانه ص ٤٩ ، وللأحوص. ينظر ملحق ديوانه ص ٢١٣. وينظر : خزانة الأدب ٨ / ٥٦٠ ، وابن يعيش ٧ / ٣٨ ، والكتاب ٣ / ٥٤ ، والحماسة الشجرية ١ / ٥٢٨ ، وسمط اللآلي ص ٤٠٠ ، والأغاني ٤ / ٢٥٠ ، والشعر والشعراء ص ٦٢٦.

٣٤٥

والبهت : التحيّر ، والدّهش ، وباهته وبهته واجهه بالكذب ، ومنه الحديث : «إنّ اليهود قوم بهت» (١) ، وذلك أن الكذب يحيّر المكذوب عليه.

ومعنى الآية : أنّه : بقي مغلوبا لا يجد مقالا ، ولا للمسألة جوابا.

قوله : (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ). وتأويله على قول أهل السّنة ظاهر ، وأما المعتزلة ، فقال (٢) القاضي : يحتمل وجوها :

منها : أنه لا يهديهم ؛ لظلمهم وكفرهم للحجاج وللحق ، كما يهدي المؤمن ، فإنه لا بد في الكافر من أن يعجز وينقطع.

ومنها : لا يهديهم بزيادة الهدى والألطاف.

ومنها : لا يهديهم إلى الثواب أو لا يهديهم إلى الجنّة.

والجواب عن الأول : أنّ قوله : «لا يهديهم» إلى الحجاج إنما يصحّ إذا كان الحجاج موجودا ؛ إذ لا حجاج على الكفر.

وعن الثاني : أن تلك الزيادة ، إذا كانت ممتنعة في حقّهم عقلا ، لم يصحّ أن يقال : إنه تبارك وتعالى لا يهديهم كما لا يقال إنه تبارك وتعالى لا يجمع بين الضّدّين ، فلا يجمع بين الوجود والعدم.

وعن الثالث : أنه لم يهدهم للثواب ولم يجر للجنة ذكر فيبعد صرف اللّفظ إليهما ، بل اللائق بسياق الآية الكريمة أن يقال : إنه تعالى لما أخبر أن الدليل ، لمّا بلغ في الظهور والحجّة إلى حيث صار المبطل كالمبهوت عن سماعه ، إلّا أن الله تعالى لم يقدّر له الاهتداء ، لم ينفعه ذلك الدليل الظّاهر ، ونظير هذا التفسير قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [الأنعام : ١١١].

قوله تعالى : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(٢٥٩)

هذه القصة الثانية والجمهور على سكون واو «أو» وهي هنا للتفصيل ، وقيل : للتخيير بين التعجّب من شأنهما ، وقرأ (٣) سفيان بن حسين «أو» بفتحها ، على أنها واو العطف ، والهمزة قبلها للاستفهام.

__________________

(١) أخرجه البخاري ٦ / ٤١٨ في أحاديث الأنبياء حديث (٣٣٢٩). وأحمد في المسند ٣ / ١٠٨ ـ ٢٧١ ، ٢٧٢.

(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ١٤ ـ ١٥.

(٣) انظر : المحرر الوجيز ١ / ٣٤٧ ، والبحر المحيط ٢ / ٣٠١ ، والدر المصون ١ / ٦٢١.

٣٤٦

وفي قوله : «كالّذي» أربعة أوجه :

أحدها : أنه عطف على المعنى وهو قول عند الكسائي والفرّاء (١) وأبي علي الفارسيّ وأكثر النحويّين ، قالوا : ونظيره من القرآن قوله تعالى : (لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ) [المؤمنون : ٨٤ ـ ٨٥] ثم قال : (مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ) [المؤمنون : ٨٦ ـ ٨٧]. فهذا عطف على المعنى ؛ لأنّ معناه : لمن السّموات؟! فقيل لله ؛ وقال الشّاعر : [الوافر]

١١٩٣ ـ معاوي ، إنّنا بشر فأسجح

فلسنا بالجبال ولا الحديدا (٢)

فحمل على المعنى ، وترك اللفظ ، وتقدير الآية :

هل رأيت كالذي حاجّ إبراهيم ، أو كالذي مرّ على قرية ، هكذا قال مكيّ (٣) ، أمّا العطف على المعنى ، فهو وإن كان موجودا في لسانهم ؛ كقوله : [الطويل]

١١٩٤ ـ تقيّ نقيّ لم يكثّر غنيمة

بنهكة ذي قربى ولا بحقلّد (٤)

وقول الأخر في هذين البيتين : [الوافر]

١١٩٥ ـ أجدّك لن ترى بثعيلبات

ولا بيدان ناجية ذمولا (٥)

ولا متدارك واللّيل طفل

ببعض نواشغ الوادي حمولا

فإنّ معنى الأول : ليس بمكثّر ، ولذلك عطف عليه «ولا بحقلّد» ، ومعنى الثاني : أجدّك لست براء ، ولذلك عطف عليه «ولا متدارك» ، إلا أنهم نصّوا على عدم اقتياسه.

الثاني : أنه منصوب على إضمار فعل ، وإليه نحا الزمخشريّ ، وأبو البقاء (٦) ، قال الزمخشريّ : «أو كالّذي : معناه أو رأيت مثل الّذي» ، فحذف لدلالة «ألم تر» عليه ؛ لأنّ كلتيهما كلمتا تعجّب ، وهو حسن ؛ لأنّ الحذف ثابت كثير ، بخلاف العطف على المعنى.

__________________

(١) ينظر : معاني القرآن للفراء ١ / ١٧٠.

(٢) البيت لعقبة أو لعقيبة الأسدي ينظر الإنصاف ١ / ٣٣٢ ، وخزانة الأدب ٢ / ٢٦٠ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ١٣١ ، ٢٩٤ ، وسمط اللآلي ص ١٤٨ ، ١٤٩ ، شرح أبيات سيبويه ص ٣٠٠ ، شرح شواهد المغني ٢ / ٨٧٠ ، والكتاب ١ / ٦٧ ، الأشباه والنظائر ٤ / ٣١٣ ، ابن الحاجب ص ١٦٠ ، رصف المباني ص ١٢٢ ، ١٤٨ ، الشعر والشعراء ١ / ١٠٥ ، مغني اللبيب ٢ / ٤٧٧ ، المقتضب ٢ / ٣٣٨ ، ٤ / ١١٢ ، ٣٧١ ، اللسان غمز.

(٣) ينظر : المشكل لمكي ١ / ١٠٨.

(٤) ينظر ديوان زهير (٢٣٤) ، المغني (٥٨٢) ، اللسان : حقلد ، الدر المصون ١ / ٦٢١.

(٥) البيتان للمرار بن سعيد. ينظران في : مجالس ثعلب ١ / ١٥٩ ، الخزانة ١ / ٢٦٢ ، الطبري ١ / ٤٤٣ ، معاني الفراء ١ / ١٧١ ، الدر المصون ١ / ٦٢١.

(٦) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١٠٩.

٣٤٧

الثالث : أنّ الكاف زائدة ؛ كهي في قوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١] ، وقول الآخر : [السريع أو الرجز]

١١٩٦ ـ فصيّروا مثل كعصف مأكول (١)

والتقدير : ألم تر إلى الذي حاجّ ، أو إلى الذي مرّ على قرية. وفيه ضعف ؛ لأنّ الأصل عدم الزيادة.

والرابع : أنّ الكاف اسم بمعنى مثل ، لا حرف ؛ وهو مذهب الأخفش (٢). قال شهاب الدّين : وهو الصحيح من جهة الدليل ، وإن كان جمهور البصريين على خلافه ، فالتقدير : ألم تر إلى الذي حاجّ ، أو إلى مثل الذي مرّ ، وهو معنى حسن. وللقول باسمية الكاف دلائل مذكورة في كتب القوم ، ذكرنا أحسنها في هذا الكتاب.

منها : معادلتها في الفاعلية ـ ب «مثل» في قوله : [الطويل]

١١٩٧ ـ وإنّك لم يفخر عليك كفاخر

ضعيف ولم يغلبك مثل مغلّب (٣)

ومنها دخول حروف الجر ، والإسناد إليها. وتقدّم [الكلام] في اشتقاق القرية.

قوله : (وَهِيَ خاوِيَةٌ) هذه الجملة فيها خمسة أوجه :

أحدها : أن تكون حالا من فاعل «مرّ» والواو هنا رابطة بين الجملة الحالية وصاحبها ، والإتيان بها واجب ؛ لخلوّ الجملة من ضمير يعود إليه.

الثاني : أنها حال من «قرية» : إمّا على جعل «على عروشها» صفة لقرية على أحد الأوجه الآتية في هذا الجارّ ، أو على رأي من يجيز الإتيان بالحال من النكرة مطلقا ؛ وهو ضعيف عند سيبويه (٤).

الثالث : أنها حال من «عروشها» مقدّمة عليه ، تقديره : مرّ على قرية على عروشها خاوية.

الرابع : أن تكون حالا من «ها» المضاف إليها «عروش» قال أبو البقاء (٥) : «والعامل معنى الإضافة ، وهو ضعيف مع جوازه» انتهى. والذي سهّل مجيء الحال من المضاف إليه ، كونه بعض المضاف ؛ لأنّ «العروش» بعض القرية ، فهو قريب من قوله تعالى : (ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً) [الحجر : ٤٧].

__________________

(١) تقدم برقم (٢٢٤).

(٢) ينظر : معاني القرآن للأخفش ١٨٢.

(٣) البيت لامرئ القيس ينظر ديوانه (٤٤) ، الخزانة ٤ / ٢٦٤ الدرر ٢ / ٢٩ ، الأضداد (٥٣) ، المزهر في علوم اللغة وأنواعها ٢ / ٤٨٧ ، رصف المباني ص ١٩٦ ، اللسان (غلب) ، الدر المصون ١ / ٦٢٢.

(٤) ينظر : الكتاب لسيبويه ١ / ٢٨٢.

(٥) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١٠٩.

٣٤٨

الخامس : أن تكون الجملة صفة لقرية ، وهذا ليس بمرتضى عندهم ؛ لأنّ الواو لا تدخل بين الصفة والموصوف ، وإن كان الزمخشريّ قد أجاز ذلك في قوله تعالى : (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) [الحجر : ٤] [فجعل : «ولها كتاب»] صفة ، قال : «وتوسّطت الواو ؛ إيذانا بإلصاق الصفة بالموصوف» وهذا مذهب سبقه إليه أبو الفتح ابن جنّي في بعض تصانيفه ، وفي ما تقدّم ، وكأنّ الذي سهّل ذلك تشبيه الجملة الواقعة صفة ، بالواقعة حالا ، لأنّ الحال صفة في المعنى ، ورتّب أبو البقاء (١) جعل هذه الجملة صفة لقرية ، على جواز جعل (عَلى عُرُوشِها) بدلا من «قرية» على إعادة حرف الجرّ ، ورتّب جعل (وَهِيَ خاوِيَةٌ) حالا من العروش ، أو من القرية ، أو من «ها» المضاف إليها ، على جعل (عَلى عُرُوشِها) صفة للقرية ، وهذا نصّه ، قد ذكرته ؛ ليتضح لك ، فإنه قال : وقد قيل : هو بدل من القرية تقديره : مرّ على قرية على عروشها ، أي : مرّ على عروش القرية ، وأعاد حرف الجرّ مع البدل ، ويجوز أن يكون (عَلى عُرُوشِها) على هذا القول صفة للقرية ، لا بدلا ، تقديره : على قرية ساقطة على عروشها ، فعلى هذا لا يجوز أن تكون (وَهِيَ خاوِيَةٌ) حالا من العروش وأن تكون حالا من القرية ؛ لأنها قد وصفت ، وأن تكون حالا من «ها» المضاف إليه ، وفي هذا البناء نظر لا يخفى.

قوله : (عَلى عُرُوشِها) فيه أربعة أوجه :

أحدها : أن يكون بدلا من «قرية» بإعادة العامل.

الثاني : أن يكون صفة ل «قرية» كما تقدّم فعلى الأول : يتعلّق ب «مرّ» ؛ لأنّ العامل في البدل العامل في المبدل منه ، وعلى الثاني : يتعلّق بمحذوف ، أي : ساقطة على عروشها.

الثالث : أن يتعلّق بنفس خاوية ، إذا فسّرنا «خاوية» بمعنى متهدّمة ساقطة.

الرابع : أن يتعلّق بمحذوف يدلّ عليه المعنى ، وذلك المحذوف قالوا : هو لفظ «ثابتة» ؛ لأنهم فسّروا «خاوية» بمعنى : خالية من أهلها ثابتة على عروشها ، وبيوتها قائمة لم تتهدّم ، وهذا حذف من غير دليل ، ولا يتبادر إليه الذهن ، وقيل : «على» بمعنى «مع» ، أي : مع عروشها ، قالوا : وعلى هذا فالمراد بالعروش الأبنية.

وقيل : «على» بمعنى «عن» أي : خاوية عن عروشها ، جعل «على» بمعنى «عن» كقوله : (إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ) [المطففين : ٢] أي : عنهم (٢).

والخاوي : الخالي. يقال : خوت الدار تخوي خواء بالمد ، وخويّا ، وخويت ـ أيضا ـ بكسر العين تخوى خوّى بالقصر ، وخويا ، والخوى : الجوع ؛ لخلوّ البطن من الزّاد. والخويّ على فعيل : البطن السّهل من الأرض ، وخوّى البعير : جافى جنبه عن الأرض ؛ قال القائل في ذلك : [الرجز]

__________________

(١) ينظر : المصدر السابق.

(٢) سقط في ب.

٣٤٩

١١٩٨ ـ خوّى على مستويات خمس

كركرة وثفنات ملس (١)

ومنه الحديث : «كان النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إذا سجد خوّى» (٢) أي : خلا عن عضده ، وجنبيه ، وبطنه ، وفخذيه ، وخوّى الفرس ما بين قوائمه ، ويقال للبيت إذا انهدم خوى ؛ لأنه بتهدمه يخلو من أهله ، وكذلك خوت النجوم وأخوت إذا سقطت.

والعروش : جمع عرش ، وهو سقف البيت ، وكذلك كلّ ما هيّئ ليستظلّ به ، وقيل : هو البنيان نفسه ؛ قال القائل في ذلك : [الكامل]

١١٩٩ ـ إن يقتلوك فقد ثللت عروشهم

بعتيبة بن الحارث بن شهاب (٣)

اختلفوا في الذي (٤) مرّ بالقرية فقال مجاهد ، وأكثر المفسرين من المعتزلة : كان رجلا كافرا شاكّا في البعث (٥).

وقال قتادة ، وعكرمة ، والضحاك ، والسديّ : هو عزير بن شرخيا (٦).

وقال وهب بن منبه ، ورواه عطاء ، عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ هو إرمياء بن خلقيا (٧) ، ثم اختلف هؤلاء فقال بعضهم : إنّ إرمياء هو الخضر ـ عليه‌السلام ـ ، وهو من سبط هارون بن عمران ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ وهو قول محمد بن إسحاق (٨).

وقال وهب بن منبّه : إنّ إرمياء ، هو النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ الذي بعثه الله عند ما خرّب بخت نصّر بيت المقدس ، وأحرق التوراة (٩).

واحتجّ من قال إنه كان كافرا بوجوه :

الأول : استبعاده الإحياء بعد الإماتة من الله وذلك كفر.

فإن قيل : يجوز وقوع ذلك منه قبل البلوغ.

__________________

(١) ينظر : ديوان العجاج ٢ / ٢٠١ ، اللسان : ثفن ، الدر المصون ١ / ٦٢٣.

(٢) أخرجه مسلم كتاب الصلاة باب ٤٦ رقم ٢٣٨ والنسائي (٢ / ٢٣٢) والبيهقي (٢ / ١١٤) والخطيب (٥ / ٢٢٣) وذكره القرطبي في «تفسيره» (١ / ٣٤٦) والزبيدي في «إتحاف السادة المتقين» (٣ / ٦٨).

(٣) نسب هذا البيت لرجل من بني نصر ونسب لأبي ذؤيب ونسب لداود بن ربيعة ينظر : شرح الحماسة ٢ / ٨٤٣ ، أشعار الهذليين ٣ / ١٣٠٦ ، معاهد التنصيص ٣ / ٢٠١ ، شواهد الشافية (٤١٤) ، الدر المصون ١ / ٦٢٣.

(٤) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٢٦.

(٥) ذكره الرازي في «التفسير الكبير» (٧ / ٢٦) عن مجاهد وأكثر علماء المعتزلة.

(٦) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٤٣٩ ـ ٤٤٠) عن عكرمة وقتادة وسليمان بن بريدة والضحاك والسدي.

وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٥٨٧).

(٧) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٤٤٠ ـ ٤٤١) عن وهب بن منبه.

(٨) انظر : تفسير الطبري (٥ / ٤٤٠).

(٩) انظر : تفسير الفخر الرازي (٧ / ٢٧).

٣٥٠

قلنا : لو كان كذلك ، لم يجز أن يعجب الله رسوله منه إذ الصّبيّ لا يتعجّب من شكّه في مثل ذلك ، وضعّفوا هذه الحجة ؛ بأن ذلك الاستبعاد ما كان بسبب الشّكّ في قدرة الله تعالى ، بل يحتمل أن يكون بسبب اطّراد العادات في أنّ مثل ذلك الموضع الخراب قلّما يصيّره الله معمورا ، كما أنّ الواحد إذا رأى جبلا ، فيقول : متى يقلب الله هذا ذهبا ، أو ياقوتا؟ لا أن مراده الشّكّ في قدرة الله ، بل إنّ ذلك لا يقع في مطرد العادات ، فكذا هاهنا.

الحجة الثانية : قوله تعالى في حقه : (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ) وهذا يدلّ على أنه قبل ذلك لم يحصل له التبين ، وضعّف ذلك بأن تبيّن الإحياء على سبيل المشاهدة ، ما كان حاصلا له قبل ذلك ، وأمّا التبين على سبيل الاستدلال فلا يسلم أنه لم يكن حاصلا له.

الحجة الثالثة : قوله : (أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) وهذا يدلّ على أنّ هذا العلم إنما حصل له في ذلك الوقت ، وهذا أيضا ضعيف ؛ لأن تلك المشاهدة أفادت نوع توكيد ، وطمأنينة ، وذلك إنما حصل في ذلك الوقت ، وهذا لا يدلّ على أنّ أصل العلم ما كان موجودا قبل ذلك.

الحجة الرابعة : انتظامه مع النمروذ في سلك واحد ، وهذا ـ أيضا ـ ضعيف ؛ لأنه وإن كان قبله قصّة النمروذ ، ولكن بعده قصة سؤال إبراهيم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ فوجب أن يكون نبيا من جنس إبراهيم.

واحتج من قال إنه كان مؤمنا بوجوه :

منها قوله تعالى (أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها) وهذا يدلّ على أنّه كان عالما بعد موتها بالله تعالى وبأنّه يصحّ منه الإحياء في الجملة ، لأن تخصيص هذا الشيء باستبعاد الإحياء ، إنما يصحّ إذا حصل الاعتراف بالقدرة على الإحياء في الجملة ، فأما من يعتقد أنّ القدرة على الإحياء ممتنعة لم يبق لهذا التخصيص فائدة.

ومنها مخاطبة الله تعالى له بقوله (كَمْ لَبِثْتَ) وبقوله (بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ) ، وبقوله : «فانظر إلى طعامك وشرابك وانظر إلى حمارك» ، وبقوله : (وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ) ، وبقوله (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً) وهذه المخاطبات لا تليق بالكافر ، قال تعالى : (وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ) ، فجعله آية للناس ، دليل على مزيد التشريف.

ومنها ما روي عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : إن بختنصر غزا بني إسرائيل فسبى منهم الكثير ، ومنهم العزير وكان من علمائهم ، فجاء بهم إلى «بابل» فدخل عزير يوما تلك القرية ونزل تحت ظلّ شجرة ، وهو على حمار ، فربط حماره ، وطاف في القرية فلم ير فيها أحدا ، فعجب من ذلك ، وقال (أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها) لا على سبيل الشّكّ في القدرة ، بل على سبيل الاستبعاد بحسب العادة ، وكانت الأشجار مثمرة ، فتناول من الفاكهة التين والعنب ، وشرب من عصير العنب ، ونام فأماته الله في منامه مائة عام

٣٥١

وهو شابّ ثم أعمى عنه عيون الإنس والسّباع والطّير ، ثمّ أحياه الله بعد المائة ، ونودي من السّماء يا عزير (كَمْ لَبِثْتَ) بعد الموت ، فقال : «يوما» وذلك أن الله أماته ضحى في أول النهار ، وأحياه بعد مائة عام آخر النّهار قبل غيبوبة الشّمس ، فلما أبصر من الشّمس بقية قال (أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) فقال الله تبارك وتعالى (بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ) من التّين ، والعنب «وشرابك» من العصير لم يتغير طعمه ، فنظر فإذا التين والعنب كما شاهدهما قال : (وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ) فنظر فإذا هو عظام بيض تلوح وقد تفرّقت أوصاله ، وسمع صوتا : أيّتها العظام البالية ، إنّي جاعل فيك روحا ، فانضم أجزاء العظام بعضها إلى بعض ، ثم التصق كلّ عضو بما يليق به الضلع إلى الضلع ، والذّراع إلى مكانه ، ثم جاء الرأس إلى مكانه ، ثم العصب والعروق ، ثم أنبت طراء اللحم عليه ثم انبسط الجلد عليه ثم خرجت الشعور من الجلد ، ثمّ نفخ فيه الروح ، فإذا هو قائم ينهق ، فخرّ عزير ساجدا ، وقال : (أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ثم إنّه دخل بيت المقدس. فقال القوم : حدّثنا آباؤنا : أنّ عزير بن شرخيا مات ببابل ، وقد كان بختنصر قد قتل ببيت المقدس أربعين ألفا من قراء التوراة ، وكان فيهم عزير ، والقوم ما عرفوا أنّه يقرأ التوراة ، فلمّا أتاهم بعد مائة عام جدّد لهم التوراة ، وأملاها عليهم عن ظهر قلبه ، فلم يخرم منها حرفا ، وكانت التوراة قد دفنت في موضع فأخرجت وعورض بما أملاها فما اختلفا في حرف واحد ، فعند ذلك قالوا : عزير ابن الله ، وهذه الرواية مشهورة (١).

ويروى أنه أرميا ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ فدلّ على أنّ المارّ كان نبيّا ؛ واختلفوا في تلك القرية :

فقال وهب ، وقتادة ، وعكرمة ، والربيع هي : إيلياء ، وهي بيت المقدس (٢) ، وقال ابن زيد هي القرية التي خرج منها الألوف حذر الموت ، وعن ابن زيد أيضا أن القوم الذين خرجوا من ديارهم ، وهم ألوف حذر الموت فقال الله لهم : موتوا ، مرّ عليهم رجل ، وهم عظام تلوح فوقف ينظر ؛ فقال : (أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ)(٣).

قال ابن عطية : وهذا القول من ابن زيد مناقض لألفاظ الآية ، إذا الآية إنما تضمّنت قرية خاوية ، لا أنيس فيها ، والإشارة ب «هذه» إنّما هي إلى القرية ، وإحياؤها إنما هو بالعمارة ، ووجود البناء والسكان.

قال القرطبي (٤) : روي في قصص هذه الآية : أنّ الله تعالى بعث لها ملكا من

__________________

(١) ذكره الفخر الرازي في «التفسير الكبير» (٧ / ٢٨) عن ابن عباس.

(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٤٤٣) عن وهب وقتادة وعكرمة والربيع وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٥٨٩).

(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٤٤٤).

(٤) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ١٨٩.

٣٥٢

الملوك ، فعمرها وجدّ في ذلك ، حتى كان كمال عمارتها عند بعث القائل. وقيل : إنه لمّا مضى لمدته سبعون سنة ، أرسل الله ملكا من ملوك فارس عظيما يقال له «كوشك» فعمّرها في ثلاثين سنة.

وقال الضحاك : هي الأرض المقدّسة (١).

وقال الكلبيّ : هي دير (٢) سابر أباد وقال السديّ مسلم أباد ، وقيل : دير هرقل.

وقوله : (أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ) في «أنّى» وجهان :

أحدهما : أن تكون بمعنى «متى».

قال أبو البقاء (٣) رحمه‌الله : «فعلى هذا تكون ظرفا».

والثاني : أنّها بمعنى كيف.

قال أبو البقاء (٤) رحمه‌الله : فيكون موضعها حالا من «هذه» ، وتقدّم لما فيه من الاستفهام ، والظاهر أنها بمعنى كيف ، وعلى كلا القولين : فالعامل فيها «يحيي» ، و «بعد» أيضا معمول له. والإحياء ، والإماتة : مجاز ؛ إن أريد بهما العمران والخراب ، أو حقيقة إن قدّرنا مضافا ، أي : أنّى يحيي أهل هذه القرية بعد موت أهلها ، ويجوز أن تكون هذه إشارة إلى عظام أهل القرية البالية ، وجثثهم المتمزقة ، دلّ على ذلك السياق.

قوله : (مِائَةَ عامٍ) قال أبو البقاء (٥) رحمه‌الله : (مِائَةَ عامٍ) : ظرف لأماته على المعنى ؛ لأنّ المعنى ألبثه مئة عام ، ولا يجوز أن يكون ظرفا على ظاهر اللفظ ، لأنّ الإماتة تقع في أدنى زمان ، ويجوز أن يكون ظرفا لفعل محذوف ، تقديره : «فأماته الله فلبث مائة عام» ، ويدلّ على ذلك قوله : (كَمْ لَبِثْتَ) ، ولا حاجة إلى هذين التأويلين ، بل المعنى جعله ميّتا مائة عام.

و «مئة» عقد من العدد معروف ، ولامها محذوفة ، وهي ياء ، يدلّ على ذلك قولهم : «أمأيت الدّراهم» ، أي : صيّرتها مئة ، فوزنها فعة ويجمع على «مئات» ، وشذّ فيها مئون ؛ قال القائل : [الطويل]

١٢٠٠ ـ ثلاث مئين للملوك وفى بها

ردائي وجلّت عن وجوه الأهاتم (٦)

كأنّهم جروها بهذا الجمع لما حذف منها ؛ كما قالوا : سنون : في سنة.

__________________

(١) ينظر : تفسير البغوي ١ / ٢٤٣.

(٢) ينظر : المصدر السابق.

(٣) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١٠٩.

(٤) ينظر : المصدر السابق.

(٥) ينظر : المصدر السابق.

(٦) البيت للفرزدق ينظر ديوانه (٨٥٣) ، المقتضب ٢ / ١٧٠ الأشموني ٤ / ٦٥ ، ابن الشجري ٢ / ٢٤ ، العيني ٤ / ٤٨٠ ، المفصل لابن يعيش ٦ / ٢١ ، الدر المصون ١ / ٦٢٤.

٣٥٣

والعام : مدّة من الزمان معلومة ، وعينه واو ؛ لقولهم في التصغير : عويم ، وفي التكسير : «أعوام».

وقال النقّاش : «هو في الأصل مصدر وسمّي به الزمان ؛ لأنه عومة من الشمس في الفلك ، والعوم : هو السبح ؛ وقال تعالى : (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [يس : ٤٠] فعلى هذا يكون العوم والعام كالقول والقال».

فإن قيل (١) : ما الحكمة في أن أماته الله مائة عام ، مع أنّ الاستدلال بالإحياء بعد يوم ، أو بعض يوم حاصل.

فالجواب : أنّ الإحياء بعد تراخي المدّة أبعد في العقول من الإحياء بعد قرب المدّة ، وبعد تراخي المدّة يشاهد منه ، ويشاهد هو من غيره ، ما هو عجب.

قوله : (ثُمَّ بَعَثَهُ) ، أي : أحياه ، ويوم القيامة يسمّى يوم البعث ؛ لأنهم يبعثون من قبورهم ، وأصله : من بعثت الناقة ، إذا أقمتها من مكانها.

فإن قيل : ما الحكمة في قوله ـ تبارك وتعالى ـ (ثُمَّ بَعَثَهُ) ولم يقل : ثمّ أحياه؟

فالجواب (٢) : أن قوله «بعثه» يدلّ على أنه عاد كما كان أوّلا : حيّا ، عاقلا ، فاهما ، مستعدا للنظر ، والاستدلال ، ولو قال : ثمّ أحياه ، لم تحصل هذه الفوائد.

قوله : «كم» منصوب على الظرف ، ومميّزها محذوف تقديره : كم يوما ، أو وقتا.

والناصب له «لبثت» ، والجملة في محلّ نصب بالقول ، والظاهر أنّ «أو» في قوله : (يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) بمعنى «بل» للإضراب ، وهو قول ثابت ، وقيل : هي للشك.

فصل

قال ابن الخطيب : من الخوارق ما يمكن في حالة ، ومن الناس من يقول في قصة أهل الكهف ، والعزير : إنه كذب على معنى وجود حقيقة الكذب فيه ، ولكنه لا مؤاخذة به ، وإلّا فالكذب : الإخبار عن الشيء على خلاف ما هو عليه ، وذلك لا يختلف بالعلم ، والجهل ؛ فعلى هذا يجوز أن يقال : إنّ الأنبياء لا يعصمون عن السّهو والنّسيان ، والقول الأوّل أصحّ (٣).

قوله : (قالَ بَلْ لَبِثْتَ) عطفت «بل» هذه الجملة على جملة محذوفة ، تقديره : ما لبثت يوما أو بعض يوم ، بل لبثت مئة عام. وقرأ نافع (٤) ، وعاصم ، وابن كثير : بإظهار الثّاء في جميع القرآن الكريم ، والباقون : بالإدغام.

__________________

(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٢٩.

(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٢٩.

(٣) سقط في ب.

(٤) انظر : الحجة ٢ / ٣٦٧ ، وإعراب القراءات ١ / ٩٣ ، والعنوان ٧٥ ، وشرح الطيبة ٤ / ١١٨ ، وإتحاف ١ / ٤٤٩.

٣٥٤

فصل فيمن قال : كم لبثت

أجمعوا على (١) أن ذلك القائل هو الله تعالى ؛ لأنّ ذلك الخطاب كان مقرونا بالمعجز ، ولأنه بعد الإحياء شاهد من أحوال حماره ، وظهور البلى في عظامه ، ما عرف به أنّ تلك الخوارق لم تصدر إلّا من الله تعالى.

وقيل : سمع هاتفا من السماء ، يقول له ذلك.

وقيل : خاطبه جبريل ، وقيل : نبيّ.

وقيل : مؤمن شاهده من قومه عند موته ، وعمّر إلى حين إحيائه.

قال القرطبي (٢) : والأظهر أنّ القائل هو الله ـ عزوجل ـ ، لقوله تعالى : (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً).

فإن قيل : إنه تعالى كان عالما بأنه كان ميتا ، والميّت لا يمكنه بعد أن صار حيّا أن يعلم مدّة موته طويلة كانت أم قصيرة ؛ فلأيّ حكمة سأله عن مقدار المدة؟

فالجواب (٣) : أنّ المقصود منه التنبيه على حدوث ما حدث من الخوارق ، بقوله : (لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) على حسب ظنّه ، كما روي في القصة : أنه أماته ضحى ، وأحياه بعد المائة قبل غروب الشمس ؛ فظن أنّ اليوم لم يكمل ، كما حكي عن أصحاب الكهف : (قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) [الكهف : ١٩] على ما توهّموه ، ووقع في ظنّهم.

وقول إخوة يوسف (يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا) [يوسف : ٨١] وإنما قالوا ذلك ؛ بناء على إخراج الصّواع من رحله.

قوله : (لَمْ يَتَسَنَّهْ) هذه الجملة في محلّ نصب على الحال ، وزعم بعضهم : أنّ المضارع المنفيّ ب «لم» إذا وقع حالا ، فالمختار دخول واو الحال ؛ وأنشد : [الطويل]

١٢٠١ ـ بأيدي رجال لم يشيموا سيوفهم

ولم تكثر القتلى بها حين سلّت (٤)

وزعم آخرون : أنّ الأولى نفي المضارع الواقع حالا بما ، ولمّا. وهذان الزّعمان غير صحيحين ؛ لأنّ الاستعمالين واردان في القرآن ، قال تعالى : (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ) [آل عمران : ١٧٤] ، وقال تعالى : (أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ) [الأنعام : ٩٣] فجاء النفي ب «لم» مع الواو ودونها.

__________________

(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٢٩.

(٢) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ١٨٩.

(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٢٩.

(٤) البيت للفرزدق في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١٢٢ ، شرح شواهد المغني ص ٧٧٨ ، ولسان العرب (خرر) ، (شيم) ، الإنصاف ص ٦٦٧ ، تذكرة النحاة ص ٦٢٠ ، شرح المفصل ٢ / ٦٧ ، ومغني اللبيب ص ٣٦٠.

٣٥٥

فإن قيل : قد تقدّم شيئان ، وهما (طَعامِكَ وَشَرابِكَ) ولم يعد الضّمير إلّا مفرفا ، قلنا فيه ثلاثة أوجه :

أحدهما : أنهما لمّا كانا متلازمين ، بمعنى أنّ أحدهما لا يكتفى به بدون الآخر ، صارا بمنزلة شيء واحد ؛ حتى كأنه [قال :] فانظر إلى غذائك.

الثاني : أنّ الضمير يعود إلى الشّراب فقط ؛ لأنه أقرب مذكور ، وثمّ جملة أخرى حذفت لدلالة هذه عليها. والتقدير : وانظر إلى طعامك لم يتسنّه ، وإلى شرابك لم يتسنّه ، وقرأ (١) ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ «فانظر إلى طعامك وهذا شرابك لم يتسنه» ، أو يكون سكت عن تغيّر الطعام ؛ تنبيها بالأدنى على الأعلى ، وذلك أنه إذا لم يتغيّر الشراب مع نزعة النّفس إليه ، فعدم تغيّر الطعام أولى ، قال معناه أبو البقاء (٢).

الثالث : أنه أفرد في موضع التثنية ، قاله ـ أيضا ـ أبو البقاء (٣) ؛ وأنشد : [الكامل]

١٢٠٢ ـ فكأنّ في العينين حبّ قرنفل

أو سنبل كحلت به فانهلّت (٤)

وليس بشيء.

وقرأ حمزة (٥) ، والكسائي : «لم يتسنّه» بالهاء وقفا ، وبحذفها وصلا ، والباقون : بإثباتها في الحالين. فأمّا قراءتهما ، فالهاء فيها للسكت. وأمّا قراءة الجماعة : فالهاء تحتمل وجهين :

أحدهما : أن تكون ـ أيضا ـ للسكت ، وإنما أثبتت وصلا إجراء للوصل مجرى الوقف ، وهو في القرآن كثير ، [سيمرّ بك منه مواضع] فعلى هذا يكون أصل الكلمة : إمّا مشتقا من لفظ «السّنة» على قولنا إنّ لامها المحذوفة واو ، ولذلك تردّ في التصغير والجمع ؛ قالوا : «سنيّة وسنوات» ؛ وعلى هذه اللغة قالوا : «سانيت» أبدلت الواو ياء ؛ لوقوعها رابعة ، وقالوا : أسنت القوم إذا أصابتهم السّنة ؛ قال الشاعر : [الكامل]

١٢٠٣ ـ ..........

ورجال مكّة مسنتون عجاف (٦)

__________________

(١) انظر : المحرر الوجيز ١ / ٣٤٩ ، وفيه : وقرأ ابن مسعود : «وهذا طعامك وشرابك لم يتسنه» ، وانظر : البحر المحيط ٢ / ٣٠٤.

(٢) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١٠١.

(٣) ينظر : المصدر السابق.

(٤) تقدم برقم (٧٠٨).

(٥) انظر : السبعة ١٨٨ ـ ١٨٩ ، والحجة ٢ / ٣٦٨ ، ٣٦٩ ، وحجة القراءات ١٤٣ ، وشرح شعلة ٢٩٥ ، وشرح الطيبة ٤ / ١١٨ ، والعنوان ٧٥ ، وإتحاف ١ / ٤٤٩ ، وإعراب القراءات ١ / ٩٣ ـ ٩٥.

(٦) عجز بيت للكميت بن زيد وصدره :

عمرو الذي هشم الثريد لقومه

ينظر : ديوانه ٢ / ١٢٦ ، خزانة الأدب ٧ / ١٥١ ، وأمالي ابن الشجري ٢ / ٨٨ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٥٣٧ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٦١ ، والصاحبي في فقه اللغة ص ٢٥٠ ، والدر المصون ٢ / ٣٢٧.

٣٥٦

ويقولون في جمعها : سنوات فقلبوا الواو تاء ، والأصل : أسنووا ، فأبدلوها كما أبدلوها في تجاه وتخمة ؛ كما تقدّم ، فأصله : يتسنّى فحذفت الألف جزما.

وإما من لفظ «مسنون» وهو المتغير ، ومنه (حَمَإٍ مَسْنُونٍ) [الحجر : ٢٨] ، والأصل : يتسنّن ، بثلاث نونات ، فاستثقل توالي الأمثال ، فأبدلنا الأخيرة ياء ؛ كما قالوا في تظنّن : تظنّى ، وفي قصّصت أظفاري : قصّيت ، ثم أبدلنا الياء ألفا ؛ لتحرّكها وانفتاح ما قبلها ، ثم حذفت جزما ، قاله أبو عمرو ، وخطّأه الزجاج (١) ، قال : «لأنّ المسنون : المصبوب على سنن الطريق».

وحكي عن النقّاش أنه قال : «هو مأخوذ من أسن الماء» أي : تغيّر ، وهذا وإن كان صحيحا معنى ، فقد ردّ عليه النحاة قوله ؛ لأنه فاسد اشتقاقا ، إذ لو كان مشتقا من «أسن الماء» لكان ينبغي حين يبنى منه تفعّل ، أن يقال تأسّن. ويمكن أن يجاب عنه : أنه يمكن أن يكون قد قلبت الكلمة بأن أخّرت فاؤها ـ وهي الهمزة ـ إلى موضع لامها ، فبقي : يتسنّأ ، بالهمزة آخرا ، ثمّ أبدلت الهمزة ألفا ، كقولهم في قرأ : «قرا» ، وفي استهزأ : «استهزا» ثم حذفت جزما.

والوجه الثاني : أن تكون الهاء أصلا بنفسها ، ويكون مشتقا من لفظ «سنة» أيضا ، ولكن في لغة من يجعل لامها المحذوفة هاء ، وهم الحجازيون ، والأصل : سنيهة ، يدلّ على ذلك التصغير والتكسير ، قالوا : سنيهة ، وسنيهات ، وسانهت ؛ قال شاعرهم :

١٢٠٤ ـ وليست بسهناء ولا رجبيّة

ولكن عرايا في السّنين الجوائح (٢)

ومعنى «لم يتسنّه» على قولنا : إنّه من لفظ السّنة ، أي : لم يتغيّر بمرّ السنين عليه ، بل بقي على حاله ، وهذا أولى من قول أبي البقاء (٣) في أثناء كلامه : «من قولك : أسنى يسني ، إذا مضت عليه سنون» ؛ لأنه يصير المعنى : لم تمض عليه سنون ، وهذا يخالفه الحسّ ، والواقع.

وقرأ أبيّ (٤) ؛ «لم يسّنّه» بإدغام التّاء في السّين ، والأصل : «لم يتسنّه».

__________________

(١) ينظر : معاني القرآن للزجاج ١ / ٣٤١.

(٢) البيت لسويد بن الصامت. ينظر : لسان العرب (سنه) ، (عرا) ، ومجالس ثعلب ١ / ٧٦ ، معاني القرآن للفراء ١ / ١٧٣ ، أمالي القالي ١ / ٢١ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٤١٤ ، ٤١٨ ، والطبري ٣ / ٣٩ ، الدر المصون ١ / ٦٢٦ ، القرطبي ٣ / ١٩٠ ، والبحر المحيط ٢ / ٢٩٦.

(٣) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١٠٩.

(٤) وبها قرأ طلحة بن مصرف.

انظر : المحرر الوجيز ١ / ٣٥٠ ، والبحر المحيط ٢ / ٣٠٤ ، والدر المصون ١ / ٦٢٦.

٣٥٧

كما قرئ : (لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ) [الصافات : ٨] ، والأصل : يتسمّعون ؛ فأدغم ، وقرأ (١) طلحة بن مصرف : «لمئة سنة».

فإن قيل (٢) : لما قال تعالى : (بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ) كان من حقّه أن يذكر عقيبه ما يدل على ذلك وقوله : «وانظر (إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ) لا يدلّ على أنه لبث مائة عام ، بل يدلّ ظاهرا على قول المسؤول إنه لبث يوما أو بعض يوما.

فالجواب أنه ذكر ذلك ليعظم اشتياقه إلى طلب الدّليل الذي يكشف هذه الشبهة ، فلما قال تعالى (وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ) فرأى الحمار صار رميما وعظاما نخرة ، فعظم تعجبه من قدرة الله تعالى ؛ فإنّ الطعام ، والشراب يسرع التغير إليهما ، والحمار ربما بقي دهرا طويلا عظيما ، فرأى ما لا يبقى باقيا ، وهو الطعام ، والشّراب ، وما يبقى غير باق ، وهو العظام فعظم تعجبه من قدرة الله تعالى ، وتمكّنت الحجة في قلبه ، وعقله.

قوله : (وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ) معناه أنّه عرّفه طول مدة موته ، بأن شاهد انقلاب العظام النخرة حيّا في الحال ، فإنه إذ شاهد ذلك ، علم أن القادر على ذلك قادر على أن يميته مائة عام ، ثم يحييه.

فإن قيل : إنّ القادر على إحياء العظام النخرة ، قادر على أن يجعل الحمار عظاما نخرة في الحال ، وحينئذ لا يمكن الاستدلال بعظام الحمار على طول مدة الموت.

فالجواب : أنّ انقلاب العظام إلى الحياة معجزة دالّة على صدق قوله : «بل لبثت مائة عام». قال الضحاك : إنّه تعالى بعثه شابّا أسود الرأس ، وبنو بنيه شيوخ بيض اللّحى ، والرّؤوس.

قوله : «ولنجعلك» فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه متعلق بفعل محذوف مقدّر بعده ، تقديره : ولنجعلك فعلنا ذلك.

الثاني : أنه معطوف على محذوف تقديره : فعلنا ذلك ، لتعلم قدرتنا ولنجعلك.

الثالث : أن الواو زائدة واللام متعلقة بالفعل قبلها ، أي : وانظر إلى إلى حمارك ، لنجعلك.

قال الفرّاء : وهذا المعنى غير مطلوب من الكلام ؛ لأنه لو قال فانظر إلى حمارك لنجعلك آية للناس ، كان النظر إلى الحمار شرطا ، وجعله آية جزاء أمّا لمّا قال : (وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً) [كان المعنى : ولنجعلك آية فعلنا ما فعلنا ، من الإماتة ، والإحياء. وليس في الكلام تقديم وتأخير ، كما زعم بعضهم ؛ فقال : إن قوله : «ولنجعلك» مؤخر بعد قوله

__________________

(١) انظر : البحر المحيط ٢ / ٣٠٤ ، والدر المصون ١ / ٦٢٦.

(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٣١.

٣٥٨

تعالى : (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ) ، وأنّ الأنظار الثلاثة منسوقة بعضها على بعض ، فصل بينها بهذا الجارّ ؛ لأنّ النظر الثالث من تمام الثاني ، فلذلك لم تجعل هذه العلة فاصلة معترضة. وهذه اللام لام كي ، والفعل بعدها منصوب بإضمار «أن» وهي وما بعدها من الفعل في محلّ جرّ على ما سبق بيانه غير مرة. و «آية» مفعول ثان ؛ لأنّ الجعل هنا بمعنى : التصيير. و «للنّاس» صفة لآية ، و «أل» في الناس ، قيل : للعهد ، إن عنى بهم بقية قومه ، وقيل : للجنس ، إن عنى بهم جميع بني آدم].

قوله (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ).

أكثر المفسرين على أن المراد بالعظام حماره ، وقال آخرون : أراد بها عظام الرجل نفسه ، قالوا : إنّ الله أحيا رأسه وعينيه ، وكانت بقية بدنه ، عظاما نخرة ، فكان ينظر إلى أجزاء عظام نفسه فرآها تجتمع ، وينضمّ بعضها إلى بعض وكان يرى حماره واقفا كما ربطه حين كان حيّا لم يأكل ، ولم يشرب مائة عام ، وتقدير الكلام على هذا الوجه وانظر إلى عظامك ؛ وهو قول قتادة ، والرّبيع ، وابن زيد ، وضعّف ذلك بوجوه :

منها : أنّ قوله (لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) إنما يليق بمن لا يرى أثر التغير في نفسه ، فيظن أنه كان نائما في بعض يوم ، وأمّا من شاهد بعض أجزاء بدنه متفرقة ، وعظامه رميمة نخرة ، فلا يليق به ذلك.

ومنها أنه خاطبه ، وأجاب ، والمجيب ، هو الذي أماته الله ، فإذا كانت الإماتة راجعة إلى كله ، فالمجيب ـ أيضا ـ الذي بعثه الله ، يجب أن يكون جملة الشّخص.

ومنها أنّ قوله ـ تعالى ـ (فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ) يدلّ على أنّ تلك الجملة أحياها ، وبعثها.

قوله : «كيف» منصوب نصب الأحوال ، والعامل فيها «ننشزها» وصاحب الحال الضمير المنصوب في «ننشزها» ، ولا يعمل في هذا الحال «انظر» إذ الاستفهام له صدر الكلام ، فلا يعمل فيه ما قبله ، هذا هو القول في هذه المسألة ، ونظائرها.

وقال أبو البقاء (١) : «كيف ننشزها» في موضع الحال من «العظام» ، والعامل في «كيف» ننشزها ، ولا يجوز أن يعمل فيها «انظر» لأنّ هذه جملة استفهام ، والاستفهام لا يقع حالا ، وإنما الذي يقع حالا «كيف» ، ولذلك تبدل منه الحال بإعادة حرف الاستفهام ، نحو : «كيف ضربت زيدا ؛ أقائما أم قاعدا»؟

والذي يقتضيه النظر الصحيح في هذه المسألة ، وأمثالها : أن تكون جملة «كيف ننشزها» بدلا من «العظام» فيكون في محلّ جرّ أو محلّ نصب ، وذلك أنّ «نظر» البصرية

__________________

(١) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١١٠.

٣٥٩

تتعدّى ب «إلى» ، ويجوز فيها التعليق ، كقوله تعالى : (انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) [الإسراء : ٢١] فتكون الجملة في محلّ نصب ؛ لأنّ ما يتعدى بحرف الجرّ يكون ما بعده في محلّ نصب به. ولا بدّ من حذف مضاف ؛ لتصحّ البدليّة ، والتقدير : إلى حال العظام ، ونظيره قولهم : عرفت زيدا : أبو من هو؟ ف «أبو من» هو بدل من «زيدا» ، على حذف تقديره : «عرفت قصّة زيد». والاستفهام في باب التعليق ، لا يراد به معناه ؛ بل جرى في لسانهم معلّقا عليه ، حكم اللفظ دون المعنى ، و [هو] نظير «أي» في الاختصاص ، نحو : «اللهمّ اغفر لنا أيّتها العصابة» فاللفظ كالنداء في جميع أحكامه ، وليس معناه عليه.

وقرأ (١) أبو عمرو ، والحرميّان : «ننشرها» بضم النون ، وكسر الشّين ، والراء المهملة ، والباقون : كذلك ؛ إلّا أنّها بالزاي المعجمة. وابن (٢) عباس : بفتح النون ، وضمّ الشّين ، والراء المهملة أيضا والنخعيّ : كذلك ؛ إلا أنها بالزاي المعجمة ، ونقل عنه أيضا ضمّ الياء ، وفتحها مع الراء ، والزاي.

فأمّا قراءة الحرميّين : فمن «أنشر الله الموتى» بمعنى : أحياهم ، وأمّا قراءة ابن عباس : فمن «نشر» ثلاثيّا ، وفيه حينئذ وجهان :

أحدهما : أن يكون بمعنى أفعل ؛ فتتحد القراءتان.

والثاني : أن يكون من «نشر» ضدّ : طوى ، أي : يبسطها بالإحياء ، ويكون «نشر» أيضا مطاوع أنشر ، نحو : أنشر الله الميت ، فنشر ، فيكون المتعدي ، واللازم بلفظ واحد ؛ إلّا أنّ كونه مطاوعا لا يتصوّر في هذه الآية الكريمة ؛ لتعدّي الفعل فيها ، وإن كان في عبارة أبي البقاء (٣) رحمه‌الله في هذا الموضع بعض إبهام ؛ ومن مجيء «نشر» لازما قوله : [السريع]

١٢٠٥ ـ حتّى يقول النّاس ممّا رأوا

يا عجبا للميّت النّاشر (٤)

فناشر : من نشر ؛ بمعنى : حيي. والمراد بقوله ننشرها ، أي : نحييها ، يقال أنشر الله الميت ونشره ، قال تعالى : (ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ) [عبس : ٢٢] وقد وصف الله العظام بالإحياء في قوله : (مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها) [يس : ٧٨ ، ٧٩].

__________________

(١) انظر : السبعة ١٨٩ ، والحجة ٢ / ٣٧٩ ، والعنوان ٧٥ ، وحجة القراءات ١٤٤ ، وشرح شعلة ٢٩٥ ، وشرح الطيبة ٤ / ١١٨ ، ١١٩ ، وإتحاف ١ / ٤٤٩ ، وإعراب القراءات ١ / ٩٦ ، ٩٧.

(٢) وقرأ بها الحسن وأبو حيوة ، وأبان عن عاصم.

انظر : المحرر الوجيز ١ / ٣٥٠ ، والبحر المحيط ٢ / ٣٠٥ ، والدر المصون ١ / ٦٢٧.

(٣) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١١٠.

(٤) البيت للأعشى. ينظر : ديوانه (٩٢) ، القرطبي ٣ / ١٩٢ ، والدر المصون ١ / ٦٢٧ ، الخصائص ٣ / ٢٢٥ ، البحر المحيط ٢ / ٢٩٧.

٣٦٠