اللّباب في علوم الكتاب - ج ٤

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ٤

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٥٨

بيده حلّ عقدة النّكاح ؛ كما قيل ذلك في قوله : (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ) [البقرة : ٢٣٥] ، أي عقد عقدة النكاح ، وهذا يؤيّد أنّ المراد الزّوج.

فصل فيمن بيده عقدة النكاح

المراد بقوله : «يعفون» أي : المطلقات يعفون عن أزواجهنّ ، فلا يطالبنهم بنصف المهر.

واختلفوا في (الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) فقال علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ ، وسعيد بن جبير ، والشعبي ، وشريح ، ومجاهد ، وقتادة : هو الزّوج (١) ، وبه قال أبو حنيفة.

وقال علقمة ، وعطاء ، والحسن ، والزهريّ ، وربيعة : هو الولي (٢) ، وبه قال أصحاب الشّافعيّ.

واحتج الأوّلون بوجوه :

الأول : أنّه ليس للوليّ أن يهب مهر وليّته : صغيرة كانت ، أو كبيرة.

الثاني : أنّ الّذي بيد الوليّ هو عقد النكاح ، فإذا عقد ، فقد حصل النكاح ، والعقدة الحاصلة بعد العقد في يد الزّوج ، لا في يد الولي.

الثالث : روي عن جبير بن مطعم : أنّه تزوج امرأة وطلّقها قبل أن يدخل بها ، فأكمل الصداق ، وقال : أنا أحقّ بالعفو (٣) ، وهذا يدل على أنّ الصحابة فهموا من الآية العفو الصادر من الزوج.

واحتج القائلون بأنّه الوليّ بوجوه :

أحدها : أن عفو الزوج هو أن يعطيها المهر كلّه ، وذلك يكون هبة ، والهبة لا تسمّى عفوا.

وأجيبوا بأنه كان الغالب عندهم ، أن يسوق المهر كلّه إليها ، عند التزوج ، فإذا طلّق ، فقد استحقّ المطالبة بنصف ما ساقه إليها ، فإذا ترك المطالبة ، فقد عفا (٤) عنها.

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١ / ١٥١ ـ ١٥٢) عن علي بن أبي طالب وقتادة وشريح وسعيد بن جبير.

وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٥٢١) وعزاه لابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير ومجاهد والضحاك وشريح وابن المسيب والشعبي ونافع ومحمد بن كعب.

(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ١٤٦ ـ ١٤٧ ـ ١٤٨) عن علقمة وعطاء والحسن والزهري ومجاهد والسدي وابن عباس.

وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٥٢١) وعزاه لابن أبي شيبة عن عطاء والحسن وعلقمة والزهري ولابن جرير عن ابن عباس كما تقدم.

(٣) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ١٣٦.

(٤) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ١٢٢.

٢٢١

وأيضا ، فالعفو قد يراد به التسهيل ، يقال : فلان وجد المال عفوا صفوا ، وقد تقدّم وجهه في تفسير قوله تعالى : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) [البقرة : ١٧٨] فعلى هذا عفو الرجل : أن يبعث إليها كلّ الصداق على وجه السهولة.

الثاني : أنّ ذكر الزّوج ، قد تقدّم في قوله تعالى : (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ) فلو كان المراد ب (الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) هو الزوج ، لقال : أو تعفو على سبيل المخاطبة فلمّا عبّر عنه بلفظ الغائب ، علمنا أنّ المراد منه غير الأزواج.

وأجيبوا بأنّ سبب العدول عن الخطاب إلى الغيبة ؛ التنبيه على المعنى الذي لأجله رغب الزوج في العقد ، والمعنى : أو يعفو الزوج الذي حبسها مالك عقد نكاحها عن الأزواج ، ولم يكن منها سببب في الفراق وإنّما فارقها الزوج ، فلا جرم كان حقيقا بألّا ينقصها من مهرها شيئا.

الثالث : أنّ الزوج ليس بيده عقد عقدة النكاح ألبتّة ؛ لأنه قبل النكاح كان أجنبيّا عن المرأة ، ولا قدرة له على التصرف فيها بوجه من الوجوه ، وأمّا بعد النكاح ، فقد حصل النكاح ، ولا قدرة له على إيجاد الموجود ، بل له قدرة على إزالة النكاح ، والله ـ تعالى ـ أثبت العفو لمن في يده ، وفي قدرته عقد النكاح.

قوله تعالى : (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ) : «أن تعفوا» في محلّ رفع بالابتداء ؛ لأنه في تأويل «عفوكم» ، و «أقرب» خبره ، وقرأ الجمهور «تعفوا» بالخطاب ، والمراد الرجال والنساء ، فغلّب المذكّر لأنه الأصل ، والتأنيث فرع في اللّفظ ، والمعنى ؛ أمّا في اللفظ : فإنّك تقول : «قائم» ، وإذا أردت التأنيث ، قلت : «قائمة» فاللفظ الدالّ على المذكر هو الأصل ، والدالّ على المؤنّث فرع عليه ، وأمّا المعنى : فلأنّ الكمال للذّكور ، والنّقصان للإناث ؛ فلهذا متى اجتمع المذكر ، والمؤنث ـ غلّب التذكير ، والظاهر أنه للأزواج خاصّة ؛ لأنهم المخاطبون في صدر الآية ، وعلى هذا فيكون التفاتا من غائب ، وهو قوله : (الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) ـ على قولنا إنّ المراد به الزوج ـ [وهو المختار] ـ إلى الخطاب الأول في صدر الآية ، وقرأ الشّعبيّ (١) وأبو نهيك «يعفوا» بياء من تحت ، قال أبو حيّان (٢) جعله غائبا ، وجمع على معنى : (الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) ؛ لأنه للجنس لا يراد به واحد يعني أنّ قوله : «وأن يعفوا» أصله «يعفوون» ، فلمّا دخل الناصب ، حذفت نون الرفع ، ثم حذفت الواو التي هي لام الكلمة ، وهذه الباقية هي ضمير الجماعة ، جمع على معنى الموصول ؛ لأنه وإن كان مفردا لفظا ، فهو مجموع في المعنى ؛ لأنه جنس ، ويظهر فيه

__________________

(١) انظر : المحرر الوجيز ١ / ٣٢١ ، والبحر المحيط ٢ / ٢٤٧ ، والدر المصون ١ / ٥٨٧.

(٢) ينظر : البحر المحيط ٢ / ٢٤٧.

٢٢٢

وجه آخر ، وهو أن تكون الواو لام الكلمة ، وفي هذا الفعل ضمير مفرد يعود على الذي بيده عقدة النّكاح ، إلا أنه قدّر الفتحة في الواو استثقالا ؛ كما تقدّم في قراءة الحسن ، تقديره : وأن يعفو الذي بيده عقدة النّكاح.

قوله : «للتّقوى» متعلّق ب «أقرب» وهي هنا للتعدية ، وقيل : بل هي للتعليل ، و «أقرب» تتعدّى تارة باللام ، كهذه الآية ، وتارة ب «إلى» ؛ كقوله تعالى : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [ق : ١٦] ، وليست «إلى» بمعنى «اللام» ، وقيل : بل هي بمعناها ، وهذا مذهب الكوفيين ، أعني التجوّز في الحروف ، ومعنى اللام و «إلى» في هذا الموضع يتقارب.

وقال أبو البقاء (١) : يجوز في غير القرآن : «أقرب من التقوى ، وإلى التقوى» ، إلّا أنّ اللام هنا تدلّ على [معنى] غير معنى «إلى» ، وغير معنى «من» ، فمعنى اللام : العفو أقرب من أجل التقوى ، واللام تدلّ على علّة قرب العفو ، وإذا قلت : أقرب إلى التقوى ، كان المعنى : يقارب التقوى ؛ كما تقول : «أنت أقرب إليّ» ، و «أقرب من التّقوى» يقتضي أن يكون العفو والتقوى قريبين ، ولكنّ العفو أشدّ قربا من التقوى ، وليس معنى الآية على هذا. انتهى ، فجعل اللام للعلة ، لا للتعدية ، و «إلى» للتعدية.

واعلم أنّ فعل التعجّب ، وأفعل التفضيل يتعدّيان بالحرف الذي يتعدّى به فعلهما قبل أن يكون تعجّبا وتفضيلا ؛ نحو : «ما أزهدني فيه وهو أزهد فيه» ، وإن كان من متعدّ في الأصل : فإن كان الفعل يفهم علما أو جهلا ، تعدّيا بالباء ؛ نحو : «هو أعلم بالفقه» ، وإن كان لا يفهم ذلك ، تعدّيا باللام ، نحو : «ما أضربك لزيد» و «أنت أضرب لعمرو» إلّا في باب الحبّ والبغض ، فإنهما يتعدّيان إلى المفعول ب «في» ، نحو : «ما أحبّ زيدا في عمرو ، وأبغضه في خالد ، وهو أحبّ في بكر ، وأبغض في خالد» وإلى الفاعل المعنويّ ب «إلى» ، نحو «زيد أحبّ إلى عمرو من خالد ، وما أحبّ زيدا إلى عمرو» ، أي : إنّ عمرا يحبّ زيدا ، وهذه قاعدة جليلة.

والمفضّل عليه في الآية الكريمة محذوف ، تقديره : أقرب للتقوى من ترك العفو ، والياء في التقوى بدل من واو ، وواوها بدل من ياء ؛ لأنها من وقيت أقي وقاية ، وقد تقدّم ذلك أوّل السورة.

فصل

وإنّما كان العفو أقرب إلى حصول التقوى ؛ لأن من سمح بترك حقّه ، فهو محسن ، ومن كان محسنا ، استحقّ الثواب ، وإذا استحق الثواب ، فقد اتقى بذلك الثواب ما هو دونه من العقاب. وأيضا فإن هذا الصنع يدعوه إلى ترك الظّلم ، وترك الظلم تقوى في

__________________

(١) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١٠٠.

٢٢٣

الحقيقة ؛ لأن من سمح بحقّه تقرّبا إلى ربه ، كان أبعد من أن يظلم غيره.

قوله : (وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) قرأ الجمهور بضمّ الواو من «تنسوا» ؛ لأنها واو ضمير ، وقرأ (١) ابن يعمر بكسرها تشبيها بواو «لو» كما ضمّوا الواو من «لو» ؛ تشبيها بواو الضمير ، وقال أبو البقاء (٢) في واو «تنسوا» من القراءات ووجوهها ما ذكرناه في (اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ) [البقرة : ١٦] ، وكان قد قدّم فيها خمس قراءات ، فظاهر كلامه عودها كلّها إلى هنا ، إلّا أنه لم ينقل هنا إلا الوجهان اللذان ذكرتهما.

وقرأ علي (٣) ـ رضي الله عنه ـ : «ولا تناسوا» قال ابن عطيّة : «وهي قراءة متمكّنة في المعنى ؛ لأنه موضع تناس ، لا نسيان ، إلّا على التشبيه» ، وقال أبو البقاء (٤) : «على باب المفاعلة ، وهي بمعنى المتاركة ، لا بمعنى السهو» ، وهو قريب من قول ابن عطيّة.

قوله تعالى : «بينكم» فيه وجهان :

أحدهما : أنه منصوب ب «تنسوا».

والثاني : أنه متعلّق بمحذوف على أنّه حال من الفضل ، أي : كائنا بينكم ، والأول أولى ؛ لأنّ النهي عن فعل يكون بينهم أبلغ من فعل لا يكون بينهم والمراد بالفضل ، أي : إفضال بعضكم على بعض بإعطاء الرجل تمام الصداق ، أو ترك المرأة نصيبها ، حثّهما جميعا على الإحسان ، ثم ختم الآية بما يجري مجرى التهديد ، فقال : (إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).

قال القرطبي (٥) : هذا خبر في ضمنه الوعد للمحسنين ، والحرمان لغير المحسنين ، أي : لا يخفى عليه عفوكم ، واستقضاؤكم.

قوله تعالى : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ (٢٣٨) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ)(٢٣٩)

قوله تعالى : «حافظوا» : في «فاعل» هنا قولان :

أحدهما : أنه بمعنى «فعل» ، كطارقت النّعل ، وعاقبت اللصّ ، ولمّا ضمّن المحافظة معنى المواظبة ، عدّاها ب «على».

__________________

(١) انظر : البحر المحيط ١ / ٢٤٧ ، والدر المصون ١ / ٥٨٨ ، والقرطبي ٣ / ١٣٧.

(٢) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١٠٠.

(٣) وبها قرأ مجاهد وأبو حيوة وابن أبي عبلة.

انظر : المحرر الوجيز ١ / ٣٢٣ ، البحر المحيط ٢ / ٢٤٧ ، والدر المصون ١ / ٥٨٨.

(٤) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١٠٠.

(٥) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ١٣٧.

٢٢٤

الثاني : أنّ «فاعل» على بابها من كونها بين اثنين ، فقيل : بين العبد وربّه ، كأنه قيل : احفظ هذه الصلاة يحفظك الله ، وقيل : بين العبد والصلاة ، أي : احفظها تحفظك. وحفظ الصّلاة للمصلّي على ثلاثة أوجه :

الأول : أنها تحفظه من المعاصي ؛ كقوله : (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) [العنكبوت : ٤٥].

الثاني : تحفظه من البلايا ، والمحن ؛ لقوله : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) [البقرة : ٤٥] ، وقال الله : (إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ) [المائدة : ١٢] أي : معكم بالصّبر ، والحفظ.

الثالث : تحفظه : بمعنى تشفع له ؛ لأن الصلاة فيها القرآن ؛ والقرآن يشفع لقارئه ، وهو شافع مشفّع.

وقال أبو البقاء (١) : ويكون وجوب تكرير الحفظ جاريا مجرى الفاعلين ؛ إذ كان الوجوب حاثّا على الفعل ، وكأنه شريك الفاعل للحفظ ؛ كما قالوا في (واعَدْنا مُوسى) [البقرة : ٥١] فالوعد من الله ، والقبول من موسى بمنزلة الوعد ، وفي «حافظوا» معنى لا يوجد في «احفظوا» وهو تكرير الحفظ وفيه نظر ؛ إذ المفاعلة لا تدلّ على تكرير الفعل ألبتة.

قوله تعالى : (وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) ذكر الخاصّ بعد العامّ ، وقد تقدّم فائدته عند قوله تعالى : (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ) [البقرة : ٩٨] والوسطى : فعلى معناها التفضيل ، فإنها مؤنثة للأوسط ؛ كقوله ـ يمدح الرسول عليه والصلاة والسلام ـ : [البسيط]

١١٤٧ ـ يا أوسط النّاس طرّا في مفاخرهم

وأكرم النّاس أمّا برّة وأبا (٢)

وهي [من] الوسط الذي هو الخيار ، وليست من الوسط الذي معناه : متوسّط بين شيئين ؛ لأنّ فعلى معناها التفضيل ؛ ولا يبنى للتفضيل ، إلا ما يقبل الزيادة والنقص ، والوسط بمعنى العدل والخيار يقبلهما بخلاف المتوسّط بين الشيئين ؛ فإنه لا يقبلهما ، فلا ينبني منه أفعل التفضيل.

وقرأ علي (٣) : «وعلى الصّلاة» بإعادة حرف الجرّ توكيدا ، وقرأت (٤) عائشة ـ رضي الله عنها ـ «والصّلاة» بالنصب ، وفيها وجهان :

أحدهما : على الاختصاص ، ذكره الزمخشريّ.

__________________

(١) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١٠٠.

(٢) ينظر : القرطبي ٣ / ١٣٧ ، البحر المحيط ٢ / ٢٤٨ ، الدر المصون ١ / ٥٨٩.

(٣) انظر : البحر المحيط ٢ / ٢٥١ ، والدر المصون ١ / ٥٨٩.

(٤) انظر : الكشاف ١ / ٢٨٨ ، البحر المحيط ٢ / ٢٥١ ، الدر المصون ١ / ٥٨٩.

٢٢٥

والثاني : على موضع المجرور قبله ؛ نحو : مررت بزيد وعمرا ، وسيأتي بيانه في المائدة ـ إن شاء الله تعالى ـ.

قال القرطبي (١) : وقرأ أبو جعفر (٢) الواسطي «والصّلاة الوسطى» بالنصب على الإغراء أي : والزموا الصّلاة الوسطى وكذلك قرأ الحلواني ، وقرأ قالون ، عن نافع «الوصطى» بالصّاد ؛ لمجاورة الطاء ؛ لأنهما من واحد ، وهما لغتان ؛ كالصراط ونحوه.

فصل

لمّا ذكر الأحكام المتعلّقة بمصالح الدّنيا من بيان : النكاح ، والطلاق ، والعقود ، أتبعه بذكر الأحكام المتعلّقة بمصالح الآخرة.

وأجمع المسلمون على وجوب الصلوات الخمس ، وهذه الآية تدلّ على كونها خمسا ؛ لأن قوله : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ) تدل على الثّلاثة من حيث إنّ أقلّ الجمع ثلاثة ، ثم قال : (وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) يدلّ على شيء زائد عن الثلاثة ؛ وإلّا لزم التكرار ، والأصل عدمه ، ثم إنّ الزّائد يمتنع أن يكون أربعة ، لأنها لا يبقى لها وسطى فلا بدّ وأن ينضمّ إلى تلك الثلاثة عدد آخر ؛ حتى يحصل به للجموع واسطة ، وأقلّ ذلك خمسة ، فدلّت هذه الآية على أن الصلوات المفروضات خمس بهذا الطّريق ، وهذا الاستدلال إنما يتم ، إذا قلنا : إنّ المراد من الوسطى ما يكون وسطا في العدد ، لا ما يكون وسطا بسبب الفضيلة.

فصل

هذه الآية وإن دلّت على وجوب الصلوات الخمس لكنّها لا تدلّ على أوقاتها.

قالوا : والآيات الدالة على تفصيل الأوقات أربع :

أحدها : قوله تعالى : (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ) [الروم : ١٧].

فقوله : «سبحان الله» أي : فسبّحوا الله ، معناه : صلّوا لله حين تمسون ، أراد به صلاة المغرب ، والعشاء ، (وَحِينَ تُصْبِحُونَ) أراد صلاة الصّبح ، و «عشيّا» أراد به [صلاة] العصر ، و (حِينَ تُظْهِرُونَ) ، صلاة الظهر.

الثانية : قوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) [الإسراء : ٧٨] أراد ب «الدلوك» زوالها ، فدخل في الآية : صلاة الظهر ، والعصر ، والمغرب ، والعشاء ، ثم قال : (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) [الإسراء : ٧٨] أراد صلاة الصّبح.

الثالثة : قوله : (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ) [طه : ١٣٠] قالوا : لأنّ الزمان إمّا أن يكون قبل طلوع الشّمس ، أو قبل غروبها ، فالليل والنهار داخلان في هاتين اللفظتين.

__________________

(١) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ١٣٨.

(٢) ينظر : المصدر السابق.

٢٢٦

الرابعة : قوله تعالى : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ) [هود : ١١٤] فالمراد ب (طَرَفَيِ النَّهارِ) الصّبح والعصر ، وبقوله (وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ) المغرب ، والعشاء.

فصل في الصلاة الوسطى

اختلفوا في الوسطى على سبعة مذاهب :

الأول : أنّ الله ـ تعالى ـ لمّا لم يبينها بل خصّها بمزيد التوكيد ، جاز في كلّ صلاة أن تكون هي الوسطى ، فيصير ذلك داعيا إلى أداء الكل بصفة الكمال ، والتمام ؛ كما أنّه أخفى ليلة القدر في رمضان ، وأخفى ساعة الإجابة في يوم الجمعة ، وأخفى اسمه الأعظم في جميع الأسماء ، وأخفى وقت الموت في الأوقات ؛ ليكون المكلّف خائفا من الموت في كل الأوقات ، وهذا قول جماعة من العلماء.

قال محمّد بن سيرين : سأل رجل زيد بن ثابت ، عن الصلاة الوسطى ، فقال : حافظ على الصلوات كلّها تصبها (١).

وعن الربيع بن خيثم أنّه سأله واحد عنها ، فقال : قال ابن عمر : الوسطى واحدة منهن ، فحافظ على الكلّ تكن محافظا على الوسطى ، ثم قال الربيع : فإن حافظت عليهن ، فقد حافظت على الوسطى (٢).

الثاني : أنّ الوسطى هي مجموع الصلوات الخمس ؛ لأن هذه الصلوات الخمس : هي الوسطى من الطاعات ، وتقريره : أنّ الإيمان بضع وسبعون درجة : أعلاها شهادة أن لا إله إلّا الله ، وأدناها إماطة الأذى ، فهي واسطة بين الطرفين.

وقيل : الوسطى صلاة الجمعة ؛ لأن وقتها وسط النهار ، ولها شروط ليست لبقيّة الفرائض : من أشتراط الخطبة ، والأربعين ، ولا تصلى في المصر أكثر من جمعة واحدة ، إلّا أن تدعو الحاجة إلى أكثر منها ؛ وتفوت بفوات وقتها ولا تقضى ؛ لأن العطف يقتضي المغايرة.

الثالث : أنها صلاة الصبح ، وهو قول علي وعمر وابن عباس ، وابن عمرو وجابر بن عبد الله ، ومعاذ وأبي أمامة الباهليّ ، وهو قول عطاء ، وطاوس ، وعكرمة ومجاهد (٣) ، وإليه ذهب مالك ، والشافعي. واستدلّوا بوجوه :

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٢٢٠) عن عمر وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٥٣٤) وزاد نسبته لابن أبي حاتم وذكره الحافظ ابن حجر في «الفتح» (٨ / ١٤٧) وقال : أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن عن نافع.

(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٢٢٠) عن الربيع بن خيثم وذكره الحافظ في «الفتح» (٨ / ١٤٧).

(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٢١٥ ـ ٢١٦ ـ ٢١٧ ـ ٢١٨) عن ابن عباس وأبي العالية ومجاهد وعكرمة والربيع وجابر بن عبد الله وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٥٣٥) وعزاه لسعيد بن ـ

٢٢٧

أحدها : أنّ هذه الصلاة تؤدّى بعد طلوع الفجر ، وقبل طلوع الشمس ، وهذا الزمان ليس فيه ظلمة باقية ، ولا ضوء تام فكأنّه ليس بليل ولا نهار ، فكان متوسّطا بينهما.

وثانيها : أنّ النهار حصل فيه صلاتان : الظهر ، والعصر ؛ وفي الليل صلاتان : المغرب ، والعشاء ؛ وصلاة الصبح كالمتوسطة بين صلاتي الليل ، وصلاتي النهار.

فإن قيل : هذه المعاني حاصلة في صلاة المغرب.

فالجواب : أنّا نرجّح صلاة الصّبح على صلاة المغرب ؛ بكثرة الفضائل ، على ما سيأتي إن شاء الله تعالى.

وثالثها : أنّ الظهر ، والعصر صلاتا جمع ، وكذلك : المغرب والعشاء ، وصلاة الصبح منفردة بوقت واحد ؛ فكانت وسطا بينهما.

ورابعها : قوله تعالى : (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) [الإسراء : ٧٨] وقد ثبت أنّ المراد منه صلاة الفجر ، يعني تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار ، فلا تجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في وقت واحد ، إلّا في صلاة الفجر ؛ فثبت أنّ صلاة الفجر قد أخذت بطرفي الليل والنهار من هذا الوجه ؛ فكانت كالشيء المتوسّط.

وخامسها : قوله تعالى : (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) وصلاة الصبح مخصوصة بطول القيام ، والقنوت ، وهذا ضعيف ، لأنه يقال لا نسلّم أنّ المراد بالقنوت طول القيام ، كما سيأتي في تفسير هذه الكلمة ، ولا نسلّم أنّ القنوت مخصوص بالفجر ؛ بل يقنت في سائر الصّلوات إذا نزل بالمسلمين ، إلّا فلا قنوت في شيء من الفرائض.

وسادسها : أنّه تعالى إنّما أفردها بالذكر ؛ لأجل التأكيد ؛ لأنها أحوج الصلوات إلى التّأكيد ، إذ ليس في الصلوات أشقّ منها ؛ لأنها تجب على الناس في ألذ أوقات النّوم ؛ فيترك النوم اللذيذ إلى استعمال الماء البارد ، والخروج إلى المسجد والتّأهب للصلاة ، ولا شكّ أن هذا شاق صعب على النفس.

وسابعها : أنها أفضل الصلوات ، فوجب أن تكون هي الوسطى. ويدل على فضيلتها وجوه:

الأول : قوله تعالى : (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ) [آل عمران : ١٧] فختم طاعاتهم بكونهم

__________________

ـ منصور وعبد بن حميد عن ابن عباس ولابن عبد البر في «التمهيد» عن ابن عباس أيضا ولعبد بن حميد وعبد الرزاق وابن الأنباري عن أبي العالية ولابن أبي حاتم عن أبي أمامة ولابن أبي شيبة عن مجاهد وجابر ولعبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء ولعبد الرزاق أيضا عن طاووس وعكرمة.

وأخرجه البيهقي في «سننه» (١ / ٤٦٢) عن جابر بن عبد الله وأخرجه البيهقي أيضا (١ / ٤٦٢) وسعيد ابن منصور وابن أبي شيبة وإسحق ابن راهويه وعبد بن حميد وابن المنذر كما في «الدر المنثور» (١ / ٥٣٥) عن ابن عمر.

٢٢٨

مستغفرين بالأسحار ، وأعظم أنواع الاستغفار الفرائض ؛ لقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ حاكيا عن ربّه : «لن يتقرّب المتقرّبون إليّ بمثل أداء ما افترضت عليهم» (١).

الثاني : روي أنّ التكبيرة الأولى فيها في الجماعة خير من الدّنيا وما فيها (٢).

الثالث : أنه ثبت أنّ صلاة الصبح مخصوصة بالأذان مرّتين : مرّة قبل طلوع الفجر ، ومرة بعده.

فالأول : لإيقاظ الناس من نومهم ، وتأهبهم.

والثاني : الإعلام بدخول الوقت.

الرابع : أنّ الله سمّاها بأسماء ، فقال في بني إسرائيل «وقرآن الفجر» وقال في النور (مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ) [النور : ٥٨] وقال في الروم (وَحِينَ تُصْبِحُونَ) [الروم : ١٧] وقال عمر ـ رضي الله عنه ـ أن المراد من قوله (وَإِدْبارَ النُّجُومِ) [الطور : ٤٩] صلاة الفجر.

الخامس : أن الله تعالى أقسم بها ، فقال : (وَالْفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْرٍ) [الفجر : ١ ـ ٢].

فإن قيل : قد أقسم الله تعالى ـ أيضا ـ بالعصر فقال : (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) [العصر : ١ ـ ٢] قلنا : سلمنا أن المراد منه القسم بصلاة العصر ، لكن في صلاة الفجر مزيد تأكيد وهو قوله : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ) فكما أنّ أحد الطرفين ، وهو الصبح ، وهو واقع قبل الطلوع والطرف الآخر هو المغرب ؛ لأنه واقع قبل الغروب ، فقد اجتمع في الفجر القسم به ، مع التأكيد بقوله : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ) [هود : ١٤] هذا التأكيد لم يوجد في العصر.

السادس : أن التثويب في أذان الصّبح معتبر ، وهو قول المؤذن : الصلاة خير من النّوم ، وهذا غير حاصل في سائر الصلوات.

السابع : أنّ الإنسان إذا قام من نومه فكأنه كان معدوما ، ثم صار موجودا أو كان ميتا ، ثم صار حيا ، فإذا شاهد العبد هذا الأمر العظيم ، فلا شكّ أنّ هذا الوقت أليق الأوقات ، بأن يظهر العبد الخضوع ، والذلة والمسكنة في هذه العبادة.

وثامنها : روي عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ أنه سئل عن الصلاة الوسطى ، فقال : كنا نرى أنّها الفجر (٣).

__________________

(١) ذكره المتقي الهندي في «كنز العمال» (١ / ٢٣٠) رقم (١١٩٨) بلفظ ما تقرب إليّ عبدي بمثل أداء فرائضي وإنه ليتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت رجله التي يمشي بها ويده التي يبطش بها ولسانه الذي ينطق به وقلبه الذي يعقل به إن سألني أعطيته وإن دعاني أجبته وعزاه إلى ابن السني في «الطب».

(٢) ذكره المتقي الهندي في «كنز العمال» (٧ / ٤٣٤) بلفظ : التكبيرة الأولى يدركها الرجل مع الإمام خير له من ألف بدنة يهديها وعزاه إلى الديلمي في «مسند الفردوس» عن ابن عمر رضي الله عنهما.

(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ١٢.

٢٢٩

وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أنّه صلى الصبح ، ثم قال : هذه هي الصلاة الوسطى(١).

القول الرابع : أنّه صلاة الظهر ، وهو قول عمر ، وزيد بن ثابت ، وأبي سعيد الخدري ، وأسامة بن زيد (٢) ، وهو قول أبي حنيفة ، وأصحابه ، واحتجّوا بوجوه :

الأول : أن الظهر كان شاقّا عليهم ؛ لوقوعه في وقت القيلولة ، وشدّة الحرّ ، فصرف المبالغة فيه أولى.

الثاني : روى زيد بن ثابت أنّ النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كان يصلي بالهاجرة ، وكان أثقل الصلوات على أصحابه ، وربما لم يكن وراءه إلّا الصّفّ ، والصّفّان ، فقال عليه الصلاة والسلام : «لقد هممت أن أحرّق على قوم لا يشهدون الصّلاة في بيوتهم» (٣) فنزلت هذه الآية.

الثالث : أن صلاة الظّهر تقع في وسط النهار ، وليس في المكتوبات صلاة تقع في وسط النهار ، وهي أوسط صلاة النّهار في الطول.

الرابع : قال أبو العالية : صليت مع أصحاب النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ الظهر ، فلمّا فرغوا سألتهم عن الصلاة الوسطى فقالوا : التي صلّيتها (٤).

الخامس : روي عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها كانت تقرأ (٥) «حافظوا على الصّلوات والصّلاة الوسطى وصلاة العصر» (٦) ، وكانت تقول سمعت ذلك من رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ.

__________________

(١) تقدم.

(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ١٩٩) والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (١ / ١٩٩) والبيهقي (١ / ٤٥٩) وعبد الرزاق في «المصنف» (١ / ١٨٢) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٥٣٦) وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن الأنباري في المصاحف وابن أبي شيبة عن زيد بن ثابت وأخرجه الطبراني في «الأوسط» كما في «الدر المنثور» ١ / ٥٣٦) عن عبد الله بن عمر.

وأخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٢٠٧) وأحمد (٥ / ٢٠٦) والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (١ / ٩٩) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٥٣٦) وزاد نسبته لأحمد بن منيع والشاشي والضياء المقدسي في «المختارة».

وأخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٢٠٥) عن أبي سعيد الخدري وأخرجه ابن المنذر عن علي بن أبي طالب كما في «الدر المنثور» (١ / ٥٣٧).

(٣) تقدم.

(٤) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ١٢٨.

(٥) انظر : المحرر الوجيز ١ / ٣٢٢ ، والبحر المحيط ٢ / ٢٤٩ ، والقرطبي ٣ / ١٣٨.

(٦) أخرجه مسلم (١ / ١٧٤ ـ ١٧٥) وأبو داود (٤١٠) والترمذي (٤ / ٧٦) والنسائي (١ / ٨٢ ـ ٨٣) وأحمد (٦ / ٧٣) والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (١ / ١٠٢) والبيهقي (١ / ٤٦٢) كلهم من طريق مالك وهو في «الموطأ» ص ١٣٨ ـ ١٣٩ وابن أبي داود في «المصاحف» ص ٨٤ وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٥٣٧) وزاد نسبته لابن الأنباري في المصاحف وعبد بن حميد.

٢٣٠

وجه الاستدلال أنها عطفت صلاة العصر على الصلاة الوسطى ، والمعطوف عليه قبل المعطوف ، والذي قبل العصر هي صلاة الظهر.

السادس : روي أنّ قوما كانوا عند زيد بن ثابت ، فأرسلوا إلى أسامة بن زيد ، وسألوه عن الصّلاة الوسطى ، فقال : هي صلاة الظهر (١) كانت تقام في الهاجرة.

السابع : روي في الحديث أن أول إمامة جبريل ـ عليه‌السلام ـ كانت في صلاة الظهر (٢) ، فدلّ على أنّها أشرف ، فكان صرف التّأكيد إليها أولى.

الثامن : أنّ صلاة الجمعة هي أشرف الصّلوات ، وهي صلاة الظهر فصرف المبالغة إليها أولى روى الإمام أحمد ، وصحّحه : أنّ النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ سئل عن الصلاة الوسطى [فقال] العصر (٣). وروى أحمد ، والترمذيّ ، وصحّحه : أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ سئل عن صلاة الوسطى فقال : «حافظوا على الصّلوات والصّلاة الوسطى وصلاة العصر» ثم نسخت هذه الكلمة ، وبقي قوله : (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ)(٤).

فإن قيل قد روي أنّ عائشة أمرت أن يكتب لها مصحف ، وقالت للكاتب : إذا بلغت قوله تعالى : (وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) فآذنّي ، فلما وصل الكاتب إلى قوله تعالى : (وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) آذنها فأمرته أن يكتب : «وصلاة العصر» وقالت : هكذا سمعته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم(٥).

__________________

(١) تقدم.

(٢) أخرجه أحمد (٣ / ٣٣٠) والترمذي (١ / ٢٨١ ـ ٣٨٣) كتاب الصلاة : باب ما جاء في مواقيت الصلاة حديث (١٥٠) والنسائي (١ / ٢٥٥) والدارقطني (١ / ٢٥٧) والحاكم (١ / ١٩٥) والبيهقي (١ / ٣٦٨) من حديث وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله «أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم جاءه جبريل عليه‌السلام فقال له قم فصلّه فصلى الظهر حين زالت الشمس ...».

وقال الترمذي : حسن صحيح غريب.

وقال : حديث جابر في المواقيت قد رواه عطاء بن أبي رباح وعمرو بن دينار وأبو الزبير عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نحو حديث وهب بن كيسان عن جابر ... وقال محمد ـ يعني البخاري ـ أصح شيء في المواقيت حديث جابر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ا ه وقال الحاكم : هذا حديث صحيح مشهور ووافقه الذهبي.

(٣) أخرجه أحمد (٥ / ٧ ، ١٢ ، ١٣) والترمذي رقم (١٨٢) والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (١ / ١٠٣) والبيهقي (١ / ٤٦٠) والطبري في «تفسيره» (٥ / ١٨١).

وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٥٤٠) وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن أبي شيبة والطبراني.

(٤) أخرجه مسلم (٣ / ١٣٩ ـ نووي) كتاب المساجد ومواضع الصلاة : باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى صلاة العصر حديث (٢٠٨ ـ ٦٣٠) من حديث البراء بن عازب.

(٥) أخرجه مسلم (٣ / ١٣٨ ـ نووي) كتاب المساجد ومواضع الصلاة ؛ باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى صلاة العصر (٢٠٧ / ٦٢٩) والترمذي (٥ / ٢٠٢) رقم (٢٩٨٢) من حديث أبي يونس مولى عائشة عنها به.

وقال الترمذي : حسن صحيح.

٢٣١

فالجواب أن هذا لم يروه غير واحد تفرّد به. وقد روى جماعة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنها صلاة العصر ، كما سيأتي ، وكثرة الأدلة ، والرّواة يرجّح بها.

القول الخامس : أنها صلاة العصر ، وهو مرويّ عن عليّ ، وابن مسعود ، وابن عبّاس ، وأبي هريرة ، وأبي أيّوب ، وعائشة ، وبه قال إبراهيم النخعي ، وقتادة ، والحسن ، والضحاك ، ويروى عن أبي حنيفة.

واحتجوا بوجوه :

الأول : روي عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال يوم الخندق : «شغلونا عن الصّلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله أجوافهم وقبورهم نارا» (١) وروى زرّ بن حبيش ، قال : قلنا لعبيدة : سل عليا عن الصلاة الوسطى ، فسأله فقال : كنّا نرى أنها صلاة الفجر ، حتى سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول يوم الخندق : «شغلونا عن الصّلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله أجوافهم وقبورهم نارا» (٢). وعن عبد الله بن مسعود ، قال : حبس المشركون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن صلاة العصر ، حتّى احمرّت الشمس ، أو اصفرّت ؛ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «شغلونا عن الصّلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله أجوافهم وقبورهم نارا ، أو حشا الله أجوافهم وقبورهم نارا»(٣).

الثاني : أنّ العصر أولى بالتأكيد من غيرها ؛ لقوله ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ : «من لم يحافظ على صلاة العصر فقد وتر أهله وماله» (٤) ، وقوله ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ : «من لم يحافظ على صلاة العصر أو من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله» (٥) وقوله ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ : «من حافظ على صلاة العصر آتاه الله أجره مرّتين». ولأن المحافظة على سائر الصلوات ، أخفّ وأسهل من المحافظة على وقت العصر أخفى الأوقات ،

__________________

(١) أخرجه مسلم (١ / ١٧٤) وأحمد (١١٥٠ ، ١١٥١ ـ شاكر) والنسائي (١ / ٨٣) والطبري في تفسيره (٥ / ١٨٤).

(٢) أخرجه ابن ماجه رقم (٦٨٤) والبيهقي (١ / ٤٦٠) وعبد الرزاق في مصنفه (١ / ١٨١ ـ ١٨٢) وابن أبي حاتم كما في «تفسير ابن كثير» (١ / ٥٧٨) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٥٣٩) وزاد نسبته لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن عبيدة السلماني عن علي بن أبي طالب.

(٣) أخرجه مسلم (١ / ١٧٤) والترمذي (١٨١) وابن ماجه رقم (٦٨٦) وأحمد (٣٧١٦ ـ شاكر) والطيالسي (٣٦٦) والبيهقي (١ / ٤٦٠) ونسبه السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٥٣٨) لعبد بن حميد وابن المنذر.

(٤) أخرجه مسلم (كتاب المساجد ٢٠١) والنسائي (١ / ٢٣٨) وأحمد (٢ / ٥٤ ، ١٣٤ ، ١٤٥) والدارمي (١ / ٢٨٠) والبيهقي (١ / ٤٤٥) والطبري في «تفسيره» (٥ / ١٧٢) والطحاوي في «مشكل الآثار» (٤ / ٢٣٢) والطبراني في «معجم الكبير» (١٢ / ٢٧٨) وابن أبي شيبة (١ / ٣٤٢).

(٥) أخرجه البخاري (١ / ٢٤٤) كتاب مواقيت الصلاة باب إثم من ترك العصر رقم (٥٥٣) والنسائي (١ / ٢٣٦) وأحمد (٥ / ٣٥٠) والبغوي (١ / ٢٤٦) عن بريدة مرفوعا.

وأخرجه أحمد (٥ / ٣٦٠) ، (٦ / ٤٤٢) وعبد الرزاق (٥٠٠٥) وابن عبد البر في «التمهيد» (٤ / ٢٢٧) بلفظ : من ترك صلاة العصر متعمدا حتى تفوته فقد حبط عمله.

٢٣٢

وذلك لأن الصّبح يدخل وقتها بطلوع الفجر المستطير ضوؤه ، ودخول الظهر بزوال الشّمس ، والمغرب بغروب القرص ، ودخول العشاء بمغيب الشّفق الأحمر ، لا جرم كانت الفضيلة فيها أكثر.

الثالث : أنّ الناس عند العصر يكونون مشغولين بمهماتهم ، فكان الإقبال عليها أشقّ.

الرابع : أنّها متوسطة بين صلاة نهاريّة ، وهي الظهر ، وصلاة ليليّة ، وهي المغرب ، وأيضا ، فهي متوسّطة بين صلاتين بالليل وصلاتين بالنهار.

فإن قيل : قد ثبت عن عائشة أنها قرأت : «وصلاة العصر».

فالجواب أن يقال : إن هذه قراءة شاذّة ، ولأنه ثبت عن خلق كثير في أحاديث صحيحة أنها العصر ورووها بغير واو ؛ فدل على أنّ الواو زائدة ، ولأنّ الراوي لا يجوز له أن يسقط من الحديث حرفا واحدا يتعلق به حكم شرعي.

أو يقال : هذا من باب عطف الخاصّ على العامّ ، أو من عطف الصفات ؛ لقولك : زيد الكريم والعالم.

والقول السادس : أنها صلاة المغرب ، وهو قول عبيدة السلماني وقبيصة بن ذؤيب (١) ، واحتجّوا بوجهين :

أحدهما : أنه بين بياض النّهار ، وسواد اللّيل ، وهذا المعنى وإن كان حاصلا في الصّبح ، إلّا أن المغرب ترجّح بوجوه أخر : وهي أنها أزيد من الرّكعتين ؛ كما في الصبح ، وأقلّ من الأربع ؛ كما في الظهر ، والعصر ، والعشاء ، فهي وسط في الطّول ، والقصر.

الوجه الثاني : أنّ صلاة الظهر تسمّى بالصلاة الأولى ، ولذلك ابتدأ جبريل بالإمامة فيها ، وإذا كان الظهر أوّل الصلوات ، كانت المغرب ، هي الوسطى ، لا محالة ، ولأنّ قبلها صلاة سرّ ، وبعدها صلاة جهر.

القول السابع : أنها العشاء ، قالوا : لأنها متوسّطة بين صلاتين لا تقصران : المغرب ، والصبح.

وعن عثمان بن عفّان ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال : «من صلّى صلاة العشاء الآخرة في جماعة ، كان كقيام نصف ليلة» (٢).

قال القرطبي (٣) : وقال أبو بكر الأبهري : إن الوسطى صلاة الصّبح ، وصلاة العصر

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٢١٤) عن قبيصة بن ذؤيب.

(٢) أخرجه مسلم كتاب المساجد رقم ٢٦٠ وأبو داود كتاب الصلاة باب ٤٩ وأحمد (١ / ٥٨ ، ٦٨) وأبو عوانة (٢ / ٤) وابن خزيمة (١٤٧٣) والبيهقي (١ / ٤٦٤ ، ٣ / ٦١) وعبد الرزاق (٢٠٠٨).

(٣) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ١٣٩.

٢٣٣

تبعا ؛ لقوله ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ : «إن استطعتم ألّا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشّمس وقبل غروبها» (١) يعني : العصر ، والفجر ، ثم قرأ جرير (٢) : (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها) [طه : ١٣٠]. وروى عمّار بن رؤيبة قال : سمعت رسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «لن يلج النّار أحد صلّى قبل طلوع الشّمس وقبل غروبها» (٣) يعني الفجر والعصر ، وقيل : العشاء والصبح ؛ لأن أبا الدّرداء ـ رضي الله عنه ـ قال في مرضه الذي مات فيه : اسمعوا ، وبلّغوا من خلفكم : حافظوا على هاتين الصّلاتين ، يعني في جماعة ـ العشاء والصّبح ، ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبوا على مرافقكم.

قوله : (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) قال ابن عباس : القنوت : الدعاء ، والذكر (٤) بدليل قوله تعالى : (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً) [الزمر : ٩]. ومنه الحديث أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قنت يدعو على رعل ، وذكوان ، وعصيّة ، وأحياء من سليم (٥). وقيل : مصلّين (٦) ؛ لقوله: «أم هو قانت آناء اللّيل».

وقال الشعبيّ ، وعطاء ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، وطاوس ، وقتادة ، والضحاك ، ومقاتل : القنوت : الطاعة (٧) ، ويدلّ عليه وجهان :

الأول : ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال : «كلّ قنوت في القرآن فهو طاعة» (٨).

__________________

(١) أخرجه البخاري (١ / ٢٣١) كتاب مواقيت الصلاة باب فضل صلاة العصر (٥٥٤) و (١ / ٢٣٨) كتاب مواقيت الصلاة باب فضل صلاة الفجر رقم (٥٧٣) ومسلم كتاب المساجد (٢١٢) وأحمد (٤ / ٣٦٢) والبيهقي (١ / ٤٦٤) وابن خزيمة (٣١٧) وأبو عوانة (١ / ٣٧٦) والبغوي (٤ / ٢٨٦) والطبري في تفسيره (٦ / ١٦٨) والخطيب (٨ / ٣٣٦).

(٢) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ١٣٩.

(٣) أخرجه مسلم (١ / ٤٤٠) كتاب المساجد : باب فضل صلاة الصبح والعصر (٢١٣ / ٦٣٤) وأحمد (٤ / ٢٦١) والنسائي (١ / ٢٣٥) وابن خزيمة (٣١٩) والبغوي في «شرح السنة» (٢ / ٤٠) وابن أبي شيبة (٢ / ٣٨٦).

(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٢٣٥) عن ابن عباس.

(٥) أخرجه أبو داود (٢ / ٦٨) كتاب الصلاة باب القنوت في الصلوات رقم (١٤٤٣) والنسائي (٢ / ٢٠٣) وأحمد (١ / ٣٠١ ـ ٣٠٢).

(٦) أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس كما في «الدر المنثور» (١ / ٥٤٤).

(٧) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٢٢٨ ـ ٢٢٩ ـ ٢٣٠) عن الشعبي وعطاء وسعيد بن جبير والحسن وطاووس وقتادة والضحاك ومقاتل.

(٨) أخرجه أحمد (٣ / ٧٥) وأبو يعلى (٢ / ٥٢٢) رقم (١٣٧٩) وابن حبان (١٧٢٤ ـ موارد) والطبري في «تفسيره» (٥ / ٢٣٠ ـ ٢٣١) وأبو نعيم في «الحلية» (٨ / ٣٢٥) وأبو جعفر النحاس في «الناسخ والمنسوخ» ص ١٧ وابن أبي حاتم كما في «تفسير ابن كثير» ١ / ٢٨٠ ـ ٢٨١).

وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٦ / ٣٢٠) وقال : رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في الأوسط وفي إسناد أحمد وأبي يعلى ابن لهيعة وهو ضعيف. وذكره أيضا السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٥٤٥) وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وأبي نصر السجزي في الإبانة والضياء في «المختارة».

٢٣٤

والثاني : قوله تعالى : (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) [الأحزاب : ٣١] وقال : (فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ) [النساء : ٣٤] فالقنوت عبارة عن كمال الطّاعة ، وإتمامها والاحتراز عن إيقاع الخلل في أركانها. قال الكلبيّ ، ومقاتل (١) : لكلّ أهل دين صلاة يقومون فيها عاصين فقوموا أنتم لله في صلاتكم مطيعين.

وقيل : القنوت : السكوت ، وهو قول ابن مسعود ، وزيد بن أرقم (٢) ، قال زيد بن أرقم : كنّا نتكلّم في الصلاة ، فيسلّم الرجل ؛ فيردون عليه ويسألهم كيف صليتم؟ كفعل أهل الكتاب. فنزل قوله تعالى : (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) فأمرنا بالسكوت ، ونهينا عن الكلام (٣).

وقال مجاهد : القنوت : عبارة عن الخشوع ، وخفض الجناح ، وسكون الأطراف ، وترك الالتفات من هيبة الله ، وكان العلماء إذا قام أحدهم يصلي ، يهاب الرحمن ، فلا يلتفت أو يقلب الحصى ، أو يعبث ، أو يحدّث نفسه بشيء من أمر الدنيا ناسيا حتى ينصرف.

وقيل : القنوت : عبارة عن طول القيام.

قال جابر : سئل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أيّ الصّلاة أفضل؟ قال : طول القنوت ، يريد طول القيام(٤).

قال ابن الخطيب (٥) : وهذا القول ضعيف ؛ وإلّا صار تقدير الآية : وقوموا لله قائمين ؛ اللهم إلّا أن يقال : وقوموا لله مديمين لذلك القيام ؛ فيصير القنوت مفسّرا بالإدامة ، لا بالقيام.

وقيل : القنوت في اللغة : عبارة عن الدوام على الشيء ، والصّبر عليه والملازمة له.

وفي الشريعة مختصّ بالمداومة على طاعة الله تعالى ؛ وهو اختيار عليّ بن عيسى ، وعلى هذا يدخل فيه جميع ما قاله المفسّرون (٦).

__________________

(١) ينظر : تفسير البغوي ١ / ٢٢١.

(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٢٣١ ـ ٢٣٢).

(٣) أخرجه البخاري (٨ / ٤٦) كتاب التفسير باب : قوموا لله قانتين رقم (٤٥٣٤) ومسلم (١ / ٣٨٣) كتاب المساجد : باب تحريم الكلام في الصلاة (٣٥ / ٥٣٩) والترمذي (٢ / ٢٥٦) رقم (٤٠٥) وأبو داود (١ / ٣١٣) رقم (٩٤٩) وأحمد (٤ / ٣٦٨) والطبري في «تفسيره» (٥ / ٢٣٢) والبيهقي (١ / ٢٤٨).

وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٥٤٣) وزاد نسبته لوكيع وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني عن زيد بن أرقم.

(٤) أخرجه مسلم (صلاة المسافرين) ١٦٤ والبيهقي (٣ / ٨) عن جابر.

وأخرجه الحميدي في «مسنده» (١٢٧٦) والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (١ / ٢٩٩) بلفظ : أفضل الصلاة طول القيام.

(٥) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ١٣٠.

(٦) ينظر : المصدر السابق ٦ / ١٣١.

٢٣٥

قوله : «قانتين» حال من فاعل «قوموا» ، و «لله» يجوز أن تتعلّق اللام ب «قوموا» ، ويجوز أن تتعلّق ب «قانتين» ، ويدلّ للثاني قوله تعالى : (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) [البقرة : ٨٦]. ومعنى اللام التعليل.

فصل

قال أبو عمرو : أجمع المسلمون على أنّ الكلام ، عامدا في الصلاة ، إذا كان المسلم يعلم أنّه في صلاة ، ولم يكن ذلك في إصلاح صلاته أنّه يفسد الصلاة ، إلّا ما روي عن الأوزاعي أنّه قال إن تكلم في الصّلاة لإحياء نفس ، ونحوه من الأمور الجسام ، لم يفسد ذلك صلاته.

واختلفوا في كلام السّاهي ، فقيل : لا يفسد الصلاة.

وقيل : يفسدها.

وقال مالك : إذا تكلم عامدا لمصلحة الصّلاة ، لم تفسد ، وهو مذهب أحمد.

قوله تعالى : (فَإِنْ خِفْتُمْ).

قال الواحديّ (١) : معنى الآية : فإن خفتم عدوّا ، فحذف المفعول لإحاطة العلم به.

وقال الزمخشريّ : «فإن كان لكم خوف من عدوّ ، أو غيره» فهو أصحّ ؛ لأن هذا الحكم ثابت عند حصول الخوف ، سواء كان الخوف من عدوّ ، أو غيره.

وقيل : المعنى : فإن خفتم فوات الوقت ، إذا أخّرتم الصلاة إلى أن تفرغوا من حربكم ، فصلّوا رجالا ، أو ركبانا ، وعلى هذا التقدير الآية تدلّ على تأكيد فرض الوقت ؛ حتى يترخّص لأجل المحافظة عليه في ترك القيام ، والركوع ، والسجود.

قوله تعالى : «فرجالا» : منصوب على الحال ، والعامل فيه محذوف ، تقديره : «فصلّوا رجالا ، أو فحافظوا عليها رجالا» وهذا أولى ؛ لأنه من لفظ الأول.

و «رجال» جمع راجل ؛ مثل قيام وقائم ، وتجار وتاجر ، وصحاب وصاحب ، يقال منه: رجل يرجل رجلا ، فهو راجل ، ورجل بوزن عضد ، وهي لغة الحجاز. يقولون : رجل فلان ، فهو رجل ، ويقال : رجلان ورجيل ؛ قال الشاعر : [الطويل]

١١٤٨ ـ عليّ إذا لاقيت ليلى بخفية

أن ازدار بيت الله رجلان حافيا (٢)

__________________

(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ١٣١.

(٢) ينظر البيت في اللسان (رجل) ، الدر المصون ١ / ٥٨٩ ونسب لبعض بني عقيل في الطبري ٢ / ٥٨٧ وروايته :

علي إذا أبصرت ليلى بخلوة

أن ازدار بيت الله رجلان حافيا

وينسب إلى المجنون برواية :

علي إذا ما زرت ليلى بخفية

زيارة بيت الله رجلان حافيا

ـ ينظر : ديوانه (٢٣٣) وينظر : مغني اللبيب ٢ / ٢٦١ ، شرح شواهد المغني ٢ / ٨٥٩ ، شرح الأشموني ١ / ٢٥٤ ، وأوضح المسالك ٢ / ٣٣٥ ، البحر المحيط ٢ / ٢٥٢.

٢٣٦

كلّ هذا بمعنى مشى على قدميه ؛ لعدم المركوب.

وقيل : الراجل الكائن على رجله ، ماشيا كان أو واقفا ، ولهذا اللفظ جموع كثيرة : رجال ؛ كما تقدّم ؛ وقال تعالى : (يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ) [الحج : ٢٧] وقال : [الكامل]

١١٤٩ ـ وبنو غدانة شاخص أبصارهم

يمشون تحت بطونهنّ رجالا (١)

ورجيل ، ورجالى ، وتروى قراءة (٢) عن عكرمة ، ورجالى ، ورجّالة ، ورجّال ، وبها قرأ عكرمة وابن مخلد ، ورجّالى ، ورجلان ، ورجلة ، ورجلة بسكون الجيم وفتحها ، وأرجلة ، وأراجل ، وأراجيل ، ورجّلا بضم الراء وتشديد الجيم من غير ألف ، وبها قرئ شاذّا.

وقال القفّال (٣) : يجوز أن يكون «رجال» جمع الجمع ؛ لأن رجلا يجمع على «راجل» ، ثمّ يجمع راجل على رجال.

والرّكبان جمع راكب مثل فرسان وفارس ، قال القفّال : قيل : ولا يقال إلّا لمن ركب جملا ، فأمّا راكب الفرس ، ففارس ، وراكب [الحمار] والبغل حمّار وبغّال ، والأجود صاحب حمار وبغل ، و «أو» هنا للتقسيم ، وقيل : للإباحة ، وقيل : للتخيير.

فصل

قال القرطبيّ (٤) : لمّا أمر الله تعالى بالقيام له في الصلاة ، بحال القنوت ، وهو الوقار ، والسكينة ، وهدوء الجوارح ، وهذه هي الحالة الغالبة من الأمن ، والطّمأنينة ، ذكر حالة الخوف الطارئة أحيانا ، وبيّن أن هذه العبادة لا تسقط عن العبد في حال ، ورخّص لعبيده في الصلاة رجالا على الأقدام ، أو ركبانا على الخيل والإبل ، ونحوه إيماء ، وإشارة بالرأس حيث ما توجهوا.

فصل في صلاة الخوف

صلاة الخوف قسمان :

أحدهما : حال القتال مع العدو ، وهي أقسام :

أحدها : حال التحام الحرب ، وهو المذكور في هذه الآية ، وباقيها مذكور في سورة النّساء [١٠٢] والقتال إمّا واجب ، أو مباح ، أو محظور.

__________________

(١) ينظر البحر ٢ / ٢٥٢ ، الدر المصون ١ / ٥٨٩.

(٢) انظر : المحرر الوجيز ١ / ٣٢٤ ، والبحر المحيط ٢ / ٢٥٢ ، والدر المصون ١ / ٥٨٩.

(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ١٣١ ،

(٤) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ١٤٦.

٢٣٧

فالواجب : كالقتال مع الكفار ، وهو الأصل في صلاة الخوف ، وفيه نزلت الآية ، ويلحق به قتال أهل البغي ، بقوله تعالى : (فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ) [الحجرات : ٩].

والمباح : كدفع الصائل بخلاف ما إذا قصد الكافر نفسه ؛ فإنه يجب الدفع ، وفي الدفع عن كل حيوان محترم ، فإنّه يجوز فيه صلاة الخوف.

وأمّا المحظور فلا يجوز فيه صلاة الخوف ؛ لأن هذا رخصة ، والرخصة إعانة ؛ والعاصي لا يستحقّ الإعانة.

القسم الثاني : في الخوف الحاصل في غير القتال ، كالهارب من الحرق ، أو الغرق ، أو السّبع ، أو المطالبة بدين ، وهو معسر خائف من الحبس عاجز عن بيّنة الإعسار فلهم أن يصلّوا صلاة الخوف ؛ لأن قوله تعالى : (فَإِنْ خِفْتُمْ) مطلق يتناول الكلّ ، فإن قيل : المراد منه الخوف من العدوّ حال المقاتلة.

قلنا : سلمنا ذلك ، ولكن علمنا أنّه إنّما ثبت هناك ، لدفع الضّرر ، وهذا المعنى قائم هنا ، فوجب أن يكون ذلك الحكم مشروعا هنا.

فصل في عدد ركعات صلاة الحضر والسفر والخوف

ولا ينتقص عدد الركعات بالخوف عند أكثر أهل العلم.

وروى مجاهد ، عن ابن عباس قال : فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعا ، وفي السّفر ركعتين ، وفي الخوف ركعة (١).

وقال سعيد بن جبير : إذا كنت في القتال ، وضرب الناس بعضهم بعضا ، فقل سبحان الله والحمد لله ، ولا إله إلّا الله ، والله أكبر ، واذكر الله فتلك صلاتك (٢).

فصل

قال القرطبي (٣) : والمقصود من هذه الآية ، أن تفعل الصلاة كيفما أمكن ، ولا تسقط بحال ، حتى لو لم يتفق فعلها إلا بالإشارة بالعين لزم فعلها ، وبهذا تميزت عن باقي العبادات ؛ لأنها تسقط بالأعذار.

قال ابن العربيّ : ولهذا قال علماؤنا : إن تارك الصلاة يقتل لأنها أشبهت الإيمان

__________________

(١) أخرجه مسلم (١ / ٤٧٨) كتاب صلاة المسافرين باب صلاة المسافرين (٥ / ٦٨٧) وأبو داود (٢ / ١٧) رقم (١٢٤٧) والنسائي (١ / ٢٢٦) والبيهقي (٣ / ٢٦٣ ـ ٢٦٤) وأحمد (٢١٧٧ ـ شاكر) والطبري في تفسيره (٥ / ٢٤٧).

(٢) ينظر : تفسير البغوي ١ / ٢٢٢.

(٣) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ١٤٨.

٢٣٨

الذي لا يسقط بحال ، ولا تحوز النيابة فيها ببدن ، ولا مال ، فيقتل تاركها كالشهادتين.

قوله : (فَإِذا أَمِنْتُمْ) يعني بزوال الخوف الذي هو سبب الرخصة (فَاذْكُرُوا اللهَ) أي: فصلّوا الصلوات الخمس. والصلاة قد تسمّى ذكرا ، قال تعالى : (فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) [الجمعة : ٩]. وقيل : (فَاذْكُرُوا اللهَ) أي : فاشكروه ؛ لأجل إنعامه عليكم بالأمن.

وطعن القاضي (١) في هذا القول ؛ بأن الشّكر يلزم مع الخوف ، كما يلزم مع الأمن ؛ لأن نعم الله تعالى متصلة في الحالين.

وقيل : إنّ قوله تعالى : (فَاذْكُرُوا اللهَ) يدخل تحته الصلاة ، والشكر جميعا.

قوله : «كما علّمكم» الكاف في محلّ نصب : إمّا نعتا لمصدر محذوف ، أو حالا من ضمير المصدر المحذوف ، وهو الظاهر ، ويجوز فيها أن تكون للتعليل ، أي : فاذكروه لأجل تعليمه إيّاكم ، و «ما» يجوز أن تكون مصدرية ، وهو الظاهر ، ويجوز أن تكون بمعنى «الّذي» ، والمعنى : فصلّوا الصّلاة كالصّلاة التي علّمكم ، وعبّر بالذكر عن الصلاة ، ويكون التشبيه بين هيئتي الصلاتين الواقعة قبل الخوف وبعده في حالة الأمن. قال ابن عطيّة : «وعلى هذا التأويل يكون قوله : (ما لَمْ تَكُونُوا) بدلا من «ما» في «كما» وإلّا لم يتّسق لفظ الآية» قال أبو حيان : «وهو تخريج ممكن ، وأحسن منه أن يكون (ما لَمْ تَكُونُوا) بدلا من الضمير المحذوف في «علّمكم» العائد إلى الموصول ؛ إذ التقدير : علّمكموه ، ونصّ النحويون على أنه يجوز : ضربت الذي رأيت أخاك» [أي : رأيته أخاك] ، ف «أخاك» بدل من العائد المحذوف».

قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(٢٤٠)

قرأ ابن كثير ، ونافع (٢) ، والكسائي ، وأبو بكر ، عن عاصم : «وصيّة» بالرفع والباقون : بالنصب. وفي رفع (الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ) ثمانية أوجه ، خمسة منها على قراءة من رفع «وصيّة» ، وثلاثة على قراءة من نصب «وصية» ؛ فأوّل الخمسة : أنه مبتدأ ، و «وصيّة» مبتدأ ثان ، وسوّغ الابتداء بها كونها موصوفة تقديرا ؛ إذ التقدير : «وصيّة من الله» أو «منهم» ؛ على حسب الخلاف فيها : أهي واجبة من الله تعالى ، أو مندوبة للأزواج؟ و «لأزواجهم» خبر المبتدأ الثاني ، فيتعلّق بمحذوف ، والمبتدأ الثاني وخبره خبر الأول ، وفي هذه الجملة ضمير الأول ، وهذه نظير قولهم : «السّمن منوان بدرهم» تقديره : «منوان منه» ، وجعل ابن عطية

__________________

(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ١٣٣.

(٢) انظر : حجة القراءات ١٣٨ ، والحجة ٢ / ٣٤١ ، وشرح الطيبة ٤ / ١٠٦ وشرح شعلة ٢٩٢ ، والعنوان ٧٤ ، وإتحاف فضلاء البشر ١ / ٤٤٢.

٢٣٩

المسوّغ للابتداء بها كونها في موضع تخصيص ؛ قال : «كما حسن أن يرتفع : «سلام عليك» و «خير بين يديك» ؛ لأنها موضع دعاء» قال شهاب الدين : وفيه نظر.

الثاني : أن تكون «وصيّة» مبتدأ ، و «لأزواجهم» صفتها ، والخبر محذوف ، تقديره : فعليهم وصية لأزواجهم ، والجملة خبر الأوّل.

الثالث : أنها مرفوعة بفعل محذوف ، تقديره : كتب عليهم وصيّة و «لأزواجهم» صفة ، والجملة خبر الأول أيضا ؛ ويؤيّد هذا قراءة عبد الله : «كتب عليهم وصيّة» وهذا من تفسير المعنى ، لا الإعراب ؛ إذ ليس هذا من المواضع التي يضمر فيها الفعل.

الرابع : أن «الّذين» مبتدأ ، على حذف مضاف من الأول ، تقديره : ووصيّة الذين.

الخامس : أنه كذلك إلا أنه على حذف مضاف من الثاني ، تقديره : «والّذين يتوفّون أهل وصيّة» ذكر هذين الوجهين الزمخشريّ ، قال أبو حيان : «ولا ضرورة تدعونا إلى ذلك».

فهذه الخمسة الأولى التي على رفع «وصيّة». وأمّا الثلاثة التي على قراءة النصب في «وصيّة» :

فأحدها : أنه فاعل فعل محذوف ، تقديره : وليوص الذين ، ويكون نصب «وصيّة» على المصدر.

الثاني : أنه مرفوع بفعل مبني للمفعول يتعدّى لاثنين ، تقديره : «وألزم الّذين يتوفّون» ويكون نصب «وصيّة» على أنها مفعول ثان ل «ألزم» ، ذكره الزمخشريّ ، وهو والذي قبله ضعيفان ؛ لأنه ليس من مواضع إضمار الفعل.

الثالث : أنه مبتدأ ، وخبره محذوف ، وهو الناصب لوصية ، تقديره : والذين يتوفون يوصون وصيّة ، وقدره ابن عطية : «ليوصوا» و «وصيّة» منصوبة على المصدر أيضا ، وفي حرف عبد الله : «الوصيّة» رفعا بالابتداء ، والخبر الجارّ بعدها ، أو مضمر أي : فعليهم الوصية ، والجارّ بعدها حال ، وخبر ثان ، أو بيان.

قوله تعالى : «متاعا» في نصبه سبعة أوجه :

أحدها : أنّه منصوب بلفظ «وصيّة» لأنها مصدر منون ، ولا يضرّ تأنيثها بالتاء ؛ لبنائها عليها ؛ فهي كقوله : [الطويل]

١١٥٠ ـ فلو لا رجاء النّصر منك ورهبة

عقابك قد كانوا لنا كالموارد (١)

والأصل : وصية بمتاع ، ثم حذف حرف الجرّ ، اتساعا ، فنصب ما بعده ، وهذا إذا لم تجعل «الوصيّة» منصوبة على المصدر ؛ لأن المصدر المؤكّد لا يعمل ، وإنما يجيء

__________________

(١) تقدم برقم ١١١٦.

٢٤٠