اللّباب في علوم الكتاب - ج ١

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٩٩

الزمن ، ولم يصل إلينا شيء منها ، اللهم إلا ما وصل إلينا منها في ثنايا ذلك الكتاب الخالد الذي نحن بصدده» (١).

«وأما أوليته من ناحية الفن والصياغة ، فذلك أمر يرجع إلى ما يمتاز به الكتاب من الطريقة البديعة التي سلكها فيه مؤلفه ، حتى أخرجه للناس كتابا له قيمته ومكانته» (٢).

طريقة الطّبريّ في التّفسير :

حين يفسر الطبري آية يضع لها عنوانا هكذا «القول في تأويل قوله جل ثناؤه ...» ثم يقول : يعني تعالى بذلك ... ، ويستشهد على التفسير بما يرويه بسنده إلى الصحابة أو التابعين ، عارضا المعاني الحقيقية والمجازية في استعمالات العرب ، مستشهدا بالشعر العربي على ما يثبت استعمال اللفظ في المعنى الذي حمله عليه.

وقد يعرض أقوال الصحابة والتابعين إذا تعددت في الآية الواحدة ، ثم لا يكتفي بمجرد العرض ، وإنما يرجح رأيا على رأي بقوله (٣) :

«وأولى الأقول عندي بالصواب ...» أو «وقال أبو جعفر : والصواب من القول في هذه الآية ...» ، أو «وأولى التأويلات بالآية ....». ثم يؤيد رأيه بقوله : «وبمثل الذي قلنا قال أهل التأويل ...» أو بعرض حجج وأدلة قائلا : «وإنما رأينا أن ذلك أولى التأويلات بالآية لأن ...» وقد عني ابن جرير بالقراءات عناية كبيرة ، ولا غرو فهو من علماء القراءات المشهورين وله فيها مؤلّف ، إلا أنه ضاع ضمن ما ضاع من التراث العربي القديم.

كما اهتم الطبري بالشعر القديم ، يستشهد به على الغريب وهو في ذلك تابع لابن عباس. كما كانت له عناية بالمذاهب النحوية البصرية والكوفية ، يورد الرأي ويوجهه.

ويورد بعض الأحكام الفقهية في تفسيره مختارا لأحد الآراء ، مؤيّدا اختياره بالأدلة العلمية القيمة (٤) ..

رحم الله الطبري وجزاه عن القرآن وتفسيره خير الجزاء ..

ثانيا : الاتّجاه اللّغويّ :

وقد بدا هذا الاتجاه واضحا في أواخر القرن الثاني الهجري وأوائل القرن الثالث ، إذ نشأ علم النحو ، ونضجت علوم اللغة على أيدي الرواد أمثال أبي عمرو بن العلاء ، ويونس ابن حبيب ، والخليل بن أحمد الفراهيدي وغيرهم.

__________________

(١) هذا على اعتبار فقد تفسير «يحيى بن سلام» الذي أشرت إليه آنفا ، أما وقد ذكر الإمام الفاضل ابن عاشور أن نسخة من الكتاب موجودة في تونس فإن تفسير الطبري لا يعد ذا أولية زمنية.

(٢) التفسير والمفسرون ١ / ٢٠٥.

(٣) راجع : تفسير الطبري.

(٤) راجع : التفسير والمفسرون ١ / ٢٠٢ ـ ٢١٨.

٦١

وكان الغرض الأسمى من تأصيل هذه العلوم وتقعيدها خدمة القرآن الكريم ، صيانة له من اللحن ، ولا سيما بعد اتصال العرب بالعجم.

وقد أثرت هذه الدراسات في تفسير القرآن تأثيرا كبيرا ، إذ اشتغل اللغويون أنفسهم بالقرآن ولغته ، وكان من أشهر هؤلاء العلماء «أبو عبيدة معمر بن المثنى» المتوفى سنة ٢٠٨ ه‍ أو ٢١٥ ه‍ ، وقد ألف كتابه «مجاز القرآن» سنة ١٨٨ ه‍ (١) ويعد هذا الكتاب أقدم مؤلف في معاني القرآن وصل إلينا.

وأبو عبيدة موسوعة علمية له مؤلفات في مجالات شتى ، وقد «أوتي لسانا صارما جلب على نفسه عداوات كثيرة ، ثم تنفس به العمر قرابة قرن كامل زامل فيه أعلاما كبارا ، وجادل خصوما كثارا ، وشهد تلاميذه ومن في طبقتهم يجادلون عنه ، ويجادلون فيه ، فقرب وباعد ، وواصل وقاطع ، ولكن مخالفيه كانوا من الكثرة بحيث أرهقوه وضايقوه ، حتى جاءه الأجل فلم ينهض لتشييع جنازته أحد ، وعلل ذلك بما ترك من حزازات أدبية» (٢).

ويحكي أبو عبيدة سبب تأليفه كتاب «مجاز القرآن» فيقول :

«أرسل إليّ الفضل بن الربيع إلى البصرة في الخروج إليه سنة ثمان وثمانين ومائة ، فقدمت إلى بغداد واستأذنت عليه فأذن لي ، فدخلت عليه وهو في مجلس له طويل عريض فيه بساط واحد قد ملأه ، وفي صدره فرش عالية لا يرتقى إليها إلا على كرسي ، وهو جالس عليها فسلمت عليه بالوزارة فرد وضحك إليّ واستدناني حتى جلست إليه على فرشة ثم سألني وألطفني وباسطني ، وقال : أنشدني فأنشدته فطرب وضحك وزاد نشاطه ، ثم دخل رجل في زي الكتاب له هيئة فأجلسه إلى جانبي وقال له : أتعرف هذا؟ قال لا. قال هذا أبو عبيدة علّامة أهل البصرة ، أقدمناه لنستفيد من علمه. فدعا له الرجل وقرّظه لفعله هذا ، وقال لي : إني كنت إليك مشتاقا ، وقد سألت عن مسألة أفتأذن لي أن أعرفك إياها؟

فقلت : هات ، قال : قال الله عزوجل : (طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ) وإنما يقع الوعد والإيعاد بما عرف مثله وهذا لم يعرف. فقلت : إنما كلم الله تعالى العرب على قدر كلامهم ، أما سمعت قول امرىء القيس : [الطويل]

أيقتلني والمشرفيّ مضاجعي

ومسنونة زرق كأنياب أغوال

وهم لم يروا الغول قط ، ولكنه لما كان أمر الغول يهولهم أوعدوا به ، فاستحسن الفضل ذلك واستحسن السائل ، وعزمت من ذلك اليوم أن أضع كتابا في القرآن في مثل هذا وأشباهه وما يحتاج إليه من علمه فلما رجعت إلى البصرة عملت كتابي الذي سميته المجاز ، وسألت عن الرجل السائل فقيل لي : هو من كتاب الوزير وجلسائه وهو إبراهيم بن إسماعيل الكاتب» (٣).

__________________

(١) معجم الأدباء ١٩ / ١٥٨.

(٢) خطوات التفسير البياني د. رجب البيومي ص ٣٧ ، ٣٨ ، وراجع : معجم الأدباء ١٩ / ١٦٠.

(٣) معجم الأدباء ١٩ / ١٥٨.

٦٢

وبعض العلماء ينكر هذه القصة لأن أبا عبيدة لم يشر إليها في مقدمة كتابه ... (١)

ومن الذين كتبوا عن اتجاهات التفسير من يسلك أبا عبيدة ـ من خلال كتابه هذا ـ في سلك الاتجاه البياني في التفسير ، وأكثرهم يعده رائدا في الاتجاه اللغوي.

على أن أبا عبيدة «لم يعن بالمجاز ما هو قسيم الحقيقة ، وإنما عنى بمجاز الآية ما يعبر به عن الآية» (٢).

فقد يستعمل أبو عبيدة لفظ المجاز قاصدا به معنى اللفظ. فمثلا في قوله تعالى (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ) يقول : «مجازه : شددني إليك ، ومنه قولهم : وزعني الحلم عن السفاه أي منعني ، ومنه الوزعة الذين يدفعون الخصوم والناس عن القضاة والأمراء» ثم يستشهد بالبيت :

على حين عاتبت المشيب على الصّبا

فقلت ألمّا تصح والشّيب وازع (٣)

وأما أبو زكريا الفراء المتوفى سنة ٢٠٧ ه‍ فكان يستعين بتفسيرات السلف مضيفا له ما أدى إليه اجتهاده اللغوي ، وكذا الزجاج المتوفى سنة ٣١١ ه‍» (٤).

لقد استلهم الفراء الحسّ اللغوي محكما ذوقه وعقله ، كما راعى السياق العام في الآية ولذا نجده يفضل قراءة تحقق التجانس بين الكلمات المتجاورات على غيرها (٥).

ثالثا : الاتجاه البياني (٦)

وبذور هذا الاتجاه نجدها في تفسير ابن عباس المبثوث في ثنايا التفسير الأثري ومن أمثلة ذلك ما رواه ابن جرير في تفسير قوله تعالى : (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ). أن عمر رضي الله عنه سأل الناس عن هذه الآية فما وجد أحدا يشفيه حتى قال ابن عباس وهو خلفه : يا أمير المؤمنين إني أجد في نفسي منها شيئا فتلفت إليه فقال تحول هاهنا لم تحقر نفسك؟ قال :

هذا مثل ضربه الله عزوجل فقال : أيود أحدكم أن يعمل عمره بعمل أهل الخير وأهل السعادة حتى إذا كان أحوج ما يكون إلى أن يختمه بخير حين فني عمره واقترب أجله ختم

__________________

(١) راجع خطوات التفسير البياني ص ٤٤ ، ٤٥ وقد ذكر الدكتور رجب البيومي أسبابا أخرى ومبررات لرفض هذه القصة.

(٢) فتاوى ابن تيمية كتاب الإيمان ص ٨٨.

(٣) مجاز القرآن ٢ / ٩٢ ، ٩٣.

(٤) راجع البغوي الفراء ص ٢٣٨.

(٥) راجع البغوي الفراء ص ٢٣٩ ، ٢٤٠ (بتصرف وإيجاز).

(٦) بعض المؤلفين في تاريخ التفسير يضعون اتجاها ثالثا بدلا من هذا يطلقون عليه «الاتجاه النقدي» ، وبعضهم يسلك هذا الاتجاه ضمن الاتجاه الأثري. انظر : التفسير ورجاله : ابن عاشور ص ٢٦.

٦٣

ذلك بعمل من عمل أهل الشقاء فأفسده كله فحرقه أحوج ما كان إليه (١).

«وهو من باب الاستعارة التمثيلية ، وقد ألمع إليه ابن عباس بقوله المقارب هذا مثل ضربه الله عزوجل ... الخ ، وهل قال البلاغيون فيما بعد غير ذلك!» (٢).

ونهج تلاميذ ابن عباس نهجه وكان أكثرهم نتاجا في هذا الاتجاه «مجاهد» (٣) وأما تأصيل هذا الاتجاه فقد كان على يد «أبي عبيدة» صاحب «مجاز القرآن» ، ويعد صاحب الخطوة الأولى في هذا الاتجاه.

«وفضل هذا الكتاب في الدراسات البلاغية أنه حين تعرض للنصوص القرآنية أشار إلى ما تدل عليه من حقيقة أو مثل أو تشبيه أو كناية وما يتضمن من ذكر أو حذف أو تقديم أو تأخير ، فوضع بذلك اللبنة الأولى في صرح الدراسات البلاغية للقرآن ... وإذا كان عبد القاهر أظهر من نادى من البلغاء بأن يوضع الكلام الوضع الذي يقتضيه علم النحو ، وهو ما سمي بقضية النظم ، فإن بذور قضيته هذه كانت تكمن في مجاز «أبي عبيدة» حيث رأى في زمنه السابق ما رآه صاحب الدلائل في زمنه اللاحق ، فكان بذلك الرائد الأول لعلم المعاني عند من يلتمسون الجذور الضاربة في الأعماق» (٤).

وقد رتب «أبو عبيدة» كتابه وفق ترتيب السور القرآنية في المصحف ومن هنا صار من اليسير أن يرجع الدارس إلى ما ذكر أبو عبيدة في توجيه الآيات الكريمة من مثل قوله تعالى (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ)(٥) حيث قال : إنها كناية وتشبيه (٦).

ومن مثل قوله تعالى : (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ)(٧) حيث أتبع الآية بتحليل بياني وعدها من مجاز التمثيل حين قال :

«ومجاز الآية مجاز التمثيل لأن ما بنوه على التقوى أثبت أساسا من البناء الذي بنوه على الكفر والنفاق فهو على شفا جرف وهو ما يجرف من الأودية فلا يثبت البناء عليه» (٨).

__________________

(١) تفسير ابن جرير ٣ / ٤٧.

(٢) راجع : خطوات التفسير البياني ص ٢١ وفيه شواهد أخرى.

(٣) راجع الأمثلة التي ذكرها الدكتور رجب البيومي في خطوات التفسير البياني ص ٣٤ وما بعدها.

(٤) خطوات التفسير البياني ص ٤٦ ، ٤٧.

(٥) الآية ٢٢٣ من سورة البقرة.

(٦) راجع : مجاز القرآن ١ / ٧٣.

(٧) الآية ١٠٩ من سورة التوبة.

(٨) مجاز القرآن ١ / ٢٦٩ ، وانظر : خطوات التفسير البياني ص ٥١ ، ٥٢.

٦٤

وتلك هي الخطوة الأولى خطاها أبو عبيدة في التفسير البياني للقرآن الكريم وإن وجهت إليه كثير من النقود والمطاعن من علماء كبار أمثال الفراء والأصمعي والطبري (١) ..

ثم تلت هذه الخطوة خطوات الجاحظ وابن قتيبة وغيرهما حتى عصرنا هذا وبالله التوفيق.

__________________

(١) راجع : خطوات التفسير البياني ص ٥٨ وما بعدها.

٦٥

بعض ما حوى الكتاب

أولا : الشواهد الشعرية في الكتاب

كان للشواهد عند العلّامة ابن عادل مكانة عليا في بناء القواعد النحوية ، فنراه كثير الاحتجاج بها أثناء توضيح معاني الألفاظ القرآنية. ولم يكن ـ رحمه‌الله ـ يتناول كلمة من حيث الإعراب إلا ويأتي بشاهد من شواهد العربية عليها. وحينما يعرض لبيان معنى غريب اللغة يوضح لغته ويبسطها. كما أنه يستشهد ـ في كل ذلك ـ بكثير من الأشعار التي تدلل على صحة ما يراه ، وتكشف كثيرا مما غمض من المسائل النحوية ، وتفصل الخلاف بين النحاة ، وترجح رأيا على آخر ، وتفيد كذلك في الجانب الصرفي ؛ وبعبارة موجزة ؛ فإن الكتاب يعج بالاستشهادات الشعرية التي تخدم مناحي البلاغة بمفهومها الشامل .. والأرحب (١).

ثانيا : الحديث في اللباب

لا شك أن لكلام النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنوار خاصة يستضيء بها الباحث في معرفة الأحكام الشرعية واللغوية فكان ابن عادل ـ رحمه‌الله ـ كثيرا ما يستشهد بالأحاديث النبوية في إثبات ذلك وها نحن نذكر لك طرفا من خلاف العلماء قديما في قضية هذا الاستشهاد بالحديث النبوي الشريف.

فمن القضايا المهمة التي طرحت نفسها على الساحة اللغوية قضية الاستشهاد بالحديث النبوي الشريف ، وجرى الاختلاف بين علماء العربية بما يروى من الأحاديث النبوية ، وانقسمت الآراء إلى مانعة من الاستشهاد به ، وإلى مجوزة للاستشهاد به على تفصيل سنورده. بينما اتفق علماء العربية في إثبات الألفاظ اللغوية ، وتقرير الأصول النحوية ، إلى القرآن الكريم ، وكلام العرب الخلّص.

وسنتعرض الآن لتحرير الخلاف بين العلماء في هذه القضية ، ونورد احتجاج كل فريق.

أولا : الذين جوّزوا الاستشهاد بالحديث

حيث رأى هذا الفريق ضرورة الاحتجاج بالحديث في اللغة ، بل عدوه في الأصول

__________________

(١) أردنا التعريف بفوائد الكتاب بعامة ، ولو قصدنا إلى ضرب الأمثلة لاحتجنا إلى كراريس كثيرة.

٦٦

التي يرجع إليها العلماء في تحقيق الألفاظ وتقرير القواعد.

وممن اندرج تحت لواء هذا المذهب ابن مالك ، وابن هشام ، والبدر الدماميني في شرحه ل «التسهيل» ، وابن الطيب في شرحه ل «الاقتراح» ومن أنصار هذا المذهب أيضا ابن جني ، وابن بري ، وابن فارس ، وابن خروف ، وابن سيده وغيرهم من علماء العربية الأجلاء.

وفلسفة هذا الفريق المجوز تستند إلى أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أفصح العرب لهجة ، وأعظمهم نطقا باللغة ، وأعلمهم بالألفاظ واللهجات. وفي هذا يقول ابن حزم : «لقد كان محمد بن عبد الله قبل أن يكرمه الله بالنبوة وأيام كان ب «مكة» ـ أعلم بلغة قومه وأفصح ، فكيف بعد أن اختصه الله للنذارة واجتباه للوساطة بينه وبين خلقه» (١).

ويرى هذا الفريق أن الأحاديث النبوية الشريفة أصح سندا ونقلا مما ينقل من أشعار العرب وكلامهم ، فمن الضروري إذا تقرير الأحكام اللّغوية على أساس هذه الأسانيد القوية التي تعتبر أقوى إسنادا من الشعر.

ثانيا : الذين منعوا الاستشهاد بالحديث

يرى هذا الفريق أنه لا ينبغي الاعتماد على الأحاديث النبوية الشريفة كوسائل ودلائل لتقرير أحكام اللغة والنحو ، وقالوا : لا يستشهد بالحديث لعدم الوثوق بأن ذلك لفظ رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ.

واستند هذا الفريق إلى دليلين :

١ ـ وقوع اللحن في كثير من الأحاديث النبوية ، وذلك لأن كثيرا من رواة الأحاديث لم ينشأوا في بيئة عربية خالصة ، ولم تستقم ألسنتهم على الألفاظ العربية القحّة ، بل توصلوا إلى العربية بالتعلم والدراسة ثمّ اندرجوا في رواية الأحاديث فلم يرووها على وجهها الصحيح الذي ينبغي ، كما خرجت من فم النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ.

٢ ـ الدليل الثاني : هو رواية كثير من الأحاديث بالمعنى حيث إن الرواة جوزوا النقل بالمعنى ، فنجد ـ مثلا ـ القصّة الواحدة قد حدثت في زمان النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ولكنها تنقل بألفاظ مختلفة وروايات متعددة لا نجزم معها بأن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قد تلفظ بجميع هذه الألفاظ ، بل لا نجزم أنه قال بعضها ؛ إذ المحتمل أنه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال لفظا آخر مرادفا لهذه الألفاظ ، فجاء الراوي وأتى بمعنى هذا اللفظ أو ما يرادفه ، ولم يأت باللفظ نفسه ، اعتمادا على الرواية بالمعنى.

بالإضافة إلى ذلك نجد أن رواة الأحاديث كانوا يعتمدون في رواياتهم على حفظ

__________________

(١) ينظر : الفصل في الملل والنّحل.

٦٧

أذهانهم ، فلم يكونوا يحفظون الألفاظ بالضبط والكتابة ولا سيما ألفاظ الأحاديث الطويلة.

ومن علماء العربية الذين ارتضوا هذا المذهب ونصروه الشيخ أبو حيان في «شرح التسهيل» ، وأبو الحسن الصائغ في «شرح الجمل» ، والإمام جلال الدين السيوطي.

يقول ابن الصائغ في «شرح الجمل» : «لو لا تصريح العلماء بجواز النقل بالمعنى في الحديث لكان أولى وأثبت في إثبات فصيح اللغة كلام رسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم».

ردود المجوزين على أدلّة المانعين

بالنسبة لشبهة عدم الوثوق بأن الألفاظ التي رويت هي بعينها نصّ ألفاظ الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ التي نطق بها نتيجة نقل الرّواة الأحاديث بالمعنى ، فقد أجاب المجيزون على هذا بأن كثيرا من علماء الإسلام قد منع رواية الأحاديث بالمعنى ، كما أنّ الذين أجازوا الرواية بالمعنى شرطوا لذلك أن يكون الراوي على علم بما يغير المعنى بالزيادة أو بالنقص ، وأن يكون الراوي ملمّا بمدلولات الألفاظ ومواقعها.

ولقد اعترف الذين أجازوا الرواية بالمعنى بأن الرواية باللفظ هي الأولى وهي مقدّمة ، لأن الرواية بالمعنى في رأيهم ليست إلا رخصة تقتضيها الضرورة.

وأضافوا إلى ذلك أنّ إجازة الرواية بالمعنى في غير ما لم يدوّن في الكتب ، أمّا ما دوّن في الكتب فلا يجوز التصرف فيه بوجه ، كما أنه يلاحظ أنّ تدوين الكتب قد وقع قبل أن تفسد اللّغة ، أما ما وقع من نقل بالمعنى في الأحاديث المدونة فإنما وقع ممن يصحّ الاحتجاج بأقوالهم (١).

وبالنسبة لشبهة تسرّب اللّحن إلى الرواة في نقل ألفاظ الأحاديث فمن الواضح أن الذين نشأوا في بيئة عربية لم ينتشر فيها فساد اللغة انتشارا بحيث يرفع الثقة بفصاحة لهجتها ـ أن هؤلاء يوثق بأقوالهم وإن تأخروا عن منتصف القرن الثاني ، حيث إن الباحثين ذكروا أن إبراهيم بن هرمة آخر من يحتج بشعرهم ، وقد توفي عام ١٧٦ ه‍. كما أن كثيرا مما يرى أنه لحن قد ظهر له وجه من الصحة ، وقد ألف في هذا الباب ابن مالك كتابه «التوضيح في حل مشكلات الجامع الصحيح» ، حيث ذكر للأحاديث التي يشكل إعرابها وجوها متعددة يتضح بها أنها عربية فصيحة.

أما إذا وجدنا بعض الألفاظ غير موافقة لقواعد العربية ، فلا يعني ذلك ترك الاحتجاج بالحديث جملة واحدة ، وإنما يحمل أمر هذه الألفاظ على قلّة ضبط أحد الرواة أو بعضهم.

خلاصة القول أنه ينبغي إدراج الأحاديث النّبوية الشّريفة كدلائل لتقرير الأحكام اللّغوية ، والاستشهادات النحوية ، وإلى ذلك ذهب كثير من أئمة اللغة كأبي منصور الأزهري

__________________

(١) ينظر رسائل الإصلاح للشيخ محمد الخضر حسنين ص ١٦٤.

٦٨

في كتابه «التهذيب» ، وابن الحاج في «شرح المقرب» ، وابن الخباز في شرح ألفية ابن معطي ، وأبي علي الشلوبين وغيرهم من علماء العربية الذين أكثروا من الاستشهاد بالأحاديث في مسائلهم اللغوية والنحوية.

غير أن هناك نوعا من الأحاديث التي لا ينبغي الاختلاف في الاحتجاج بها في اللغة ، وقد ذكر شيخنا العلامة الخضر حسين أنواع هذه الأحاديث :

١ ـ الأحاديث التي رويت بقصد الاستدلال على كمال فصاحة النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كقوله : «حمي الوطيس» ، وقوله : «مات حتف أنفه» إلى غير ذلك من الأحاديث المشتملة على فصاحة النبي ، ومنزلته من البيان.

٢ ـ الأحاديث التي تشتمل على جملة من الأقوال المتعبد بها كألفاظ التحيات والقنوت والأذكار والأدعية.

٣ ـ الأحاديث التي تروى شاهدا على أنه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كان يخاطب كل قوم من العرب بلغتهم ، حيث كان الرواة يقصدون ألفاظ الحديث لبيان المقصود.

٤ ـ الأحاديث التي اتّحدت ألفاظها ، وتعددت طرق ورودها ، حيث إن اتحاد اللفظ مع تعدد الطرق دليل على أن الرواة لم يتصرفوا في ألفاظ هذه الأحاديث.

٥ ـ كذلك يقبل الاستشهاد بالأحاديث التي دوّنها من نشأ في بيئة عربية لم ينتشر فيها فساد اللّغة ، كمالك بن أنس ، وعبد الملك بن جريج ، والإمام الشّافعي.

٦ ـ الأحاديث التي عرف من حال رواتها أنهم لا يجيزون رواية الحديث بالمعنى مثل ابن سيرين ، والقاسم بن محمد ، ورجاء بن حيوة ، وعلي بن المديني.

كما أنه ينبغي أن نعلم أن هناك نوعا من الأحاديث لا يحتج به ، وهي الأحاديث التي لم تدون في الصدر الأول ، وإنما تروى في كتب بعض المتأخرين.

ولا يحتج بهذا النوع من الأحاديث سواء أكان سندها مقطوعا أم متصلا (١).

بعد هذا العرض الموجز لهذه القضية نرى الاستشهاد بألفاظ الأحاديث التي رويت في كتب الحديث المدونة في الصدر الأول ، وإن اختلفت فيها الرواية ، ولا نستثني من ذلك إلا الألفاظ الشّاذة التي أوضحها العلماء والمحققون ، ولعل ما ينصر مذهبنا هذا هو استشهاد جمهور عريض من علماء العربية بالأحاديث النبوية الشريفة في تقرير مدلولات اللغة وقواعد النحو.

__________________

(١) ينظر رسائل الإصلاح ص ١٧٤.

٦٩

نسبة الكتاب للمؤلف

إن من يتصفح «اللباب» لا يشك أنه خط بيد العلامة ابن عادل الحنبلي ؛ وذلك لإجماع المصادر التي قامت بالترجمة لهذا العلم الصرح أنه له.

قال حاجي خليفة (١) : «اللباب في علوم الكتاب» في ست مجلدات لسراج الدين بن عادل بن عادل أبي حفص بن علي ...».

وقال العلامة إسماعيل باشا البغدادي (٢) : ومن تصانيفه «اللباب في علوم الكتاب» فرغ من تأليفه في رمضان من سنة ٨٧٩ ه‍.

وقال العلامة عمر رضا كحالة : «ومن تصانيفه اللباب في علوم الكتاب في تفسير القرآن فرغ من تأليفه في رمضان سنة ٨٧٩ ه‍».

وقال الأستاذ خير الدين الزركلي في الأعلام ... صاحب التفسير الكبير «اللباب في علوم الكتاب».

وأيضا مما يستدل به على أنه له أنه نص في أول كتابه عليه فقال «... فهذا كتاب جمعته من أقوال العلماء في علوم القرآن وسميته باللباب في علوم الكتاب ...».

وأيضا : أن عنوان الكتاب مثبت على غلاف المخطوط.

وأيضا : إجماع فهارس دار الكتب المصرية ، ومعهد المخطوطات وظاهرية دمشق ، وغيرها من الفهارس أن اللباب للإمام الشيخ الأجل أبي حفص عمر بن علي. وأيضا مما يستدل به على أنه له أن السادة العلماء الأكابر قد اغترفوا منه فعلى سبيل المثال : قال العلامة شيخ المحققين وعمدة الأئمة المدققين الشيخ سليمان البجيرمي في كتابه المسمى ب «تحفة الحبيب على شرح الخطيب» (٣) في فصل الطلاق «... ففي تفسير ابن عادل روى عروة بن الزبير قال : كان الناس في الابتداء يطلقون من غير حصر ولا عدد ، وكان الرجل يطلق امرأته فإذا قاربت انقضاء عدتها راجعها ، ثم طلقها كذلك ثم راجعها بقصد مضارتها فنزلت هذه الآية (الطَّلاقُ مَرَّتانِ). وروي أن الرجل كان في الجاهلية يطلق امرأته ثم يراجعها قبل أن تنقضي عدتها ولو طلقها ألف مرة كانت القدرة على المراجعة ثابتة له

__________________

(١) كشف الظنون ٢ / ١٥٤٣.

(٢) هدية العارفين ٥ / ٧٩٤.

(٣) الأعلام ٥ / ٥٨.

٧٠

فجاءت امرأة إلى عائشة رضي الله عنها فشكت أن زوجها يطلقها ويراجعها يضاررها بذلك فذكرت عائشة ذلك لرسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فنزل قوله تعالى (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) يعني الطلاق الذي تملك الرجعة عقبه مرتان» انتهى.

٧١

وصف نسخ «اللباب في علوم الكتاب»

١ ـ النسخة الأولى : المحفوظة بمكتبة الظاهرية وهي مكتبة الأسد الآن تحت رقم (٣٩٢) وهي نسخة كاملة لا نقص فيها ورمزنا لها بالرمز (أ).

٢ ـ النسخة الثانية : المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم (١٩٦) تفسير ، مكتوبة بخط نسخ جيد وقد رمزنا لها بالرمز (ب).

٣ ـ النسخة الثالثة : المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم (١٩٧) تفسير م.

٤ ـ النسخة الرابعة : المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم (٨٨) تفسير م.

٥ ـ النسخة الخامسة : المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم (٨٩) تفسير م.

٦ ـ النسخة السادسة : المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم (٩٠) تفسير م.

٧ ـ النسخة السابعة : المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم (٩١) تفسير م.

٨ ـ النسخة الثامنة : المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم (٩٢) تفسير م.

٩ ـ النسخة التاسعة : المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم (٩٣) تفسير م.

١٠ ـ النسخة العاشرة : المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم (٩٤) تفسير م.

١١ ـ النسخة الحادية عشر : المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم (٩٥) تفسير م.

١٢ ـ النسخة الثانية عشر : المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم (٩٦) تفسير م.

١٣ ـ النسخة الثالثة عشر : المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم (٢١٦٠٣ ب).

١٤ ـ النسخة الرابعة عشر : المحفوظة بمكتبة مدنية ملحقة بطوبقبو سراي.

ولا يفوتنا أن نذكر أن الأستاذ الدكتور محمد سعد رمضان حصل على رسالة العالمية الدكتوراه من سورة مريم الآية (٥٩) إلى آخر سورة القصص.

والدكتور محمد المتولي الدسوقي حصل على رسالة العالمية الدكتوراه من سورة العنكبوت إلى آخر سورة القمر وهذا هو عملهما معنا في الكتاب.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

٧٢

٧٣

٧٤

٧٥

٧٦

٧٧

٧٨

الفاتحة

بسم الله الرّحمن الرّحيم. وبه نستعين.

الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستهديه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيّئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضلّ له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد ألّا إله إلّا الله وحده ، لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله ، أرسله بين يدي السّاعة بشيرا ونذيرا ـ صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما كثيرا.

وبعد ، فهذا كتاب جمعته من أقوال العلماء في علوم القرآن وسمّيته : «اللّباب في علوم الكتاب» ، ومن الله أسأل العون ، وبلوغ الأمل ، والعصمة من الخطأ والزّلل.

الاستعاذة : أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم.

هذا ليس من القرآن إجماعا ، وإنّما تعرّضت له ؛ لأنّه واجب في أول القراءة ، أو مندوب ، وقيل : واجبة على النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحده.

وأصحّ كيفيات اللّفظ هذا اللفظ المشهور ؛ لموافقته قوله تعالى : (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) [النحل : ٩٨]. ورووا فيه حديثين :

قال الشّافعيّ (١) ـ رضي الله عنه ـ : واجب أن يقول : أعوذ بالله من الشيطان الرّجيم ،

__________________

(١) محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن الشافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف جد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وشافع بن السائب هو الذي ينسب إليه الشافعي ، لقي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في صغره ، وأسلم أبوه السائب يوم بدر فإنه كان صاحب راية بني هاشم. وكانت ولادة الشافعي بقرية من الشام يقال لها غزة. قاله ابن خلكان وابن عبد البر. وقال صاحب التنقيب (بمنى) من مكة ، وقال ابن بكار (بعسقلان) ، وقال الزوزني (باليمن) والأول أشهر ، وكان ذلك في سنة خمسين ومائة ، وهي السنة التي مات فيها الإمام أبو حنيفة رحمه‌الله. حمل إلى مكة وهو ابن سنتين ونشأ بها وحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين ، ثم سلمه أبوه للتفقه إلى مسلم بن خالد مفتي مكة فأذن له في الإفتاء وهو ابن خمسة عشر سنة ، فرحل إلى الإمام مالك بن أنس بالمدينة فلازمه حتى توفي مالك رحمه‌الله ، ثم قدم بغداد سنة خمس وتسعين ومائة وأقام بها سنتين ، فاجتمع عليه علماؤها وأخذوا عنه العلم. ثم خرج إلى مكة حاجا ثم عاد إلى بغداد سنة ثمان وتسعين ومائة فأقام بها شهرين أو أقل فلما قتل الإمام موسى الكاظم خرج إلى مصر فلم يزل بها ناشرا للعلم وصنف بها الكتب الجديدة. وانتقل إلى رحمة الله تعالى يوم الجمعة سلخ رجب سنة أربع ومائتين. ـ ـ ينظر التاريخ الكبير : ١ / ٤٢ ، الجرح والتعديل ٧ / ٢٠١ ، حلية الأولياء ٩ / ٦٣ : ١٦١ ، طبقات الفقهاء للشيرازي (٤٨ : ٥٠) ، طبقات الحنابلة : ١ / ٢٨٠ ، صفة الصفوة : ٢ / ٩٥ ، وفيات الأعيان : ٤ / ١٦٣ ـ ١٦٩ ، تذكرة الحفاظ : ١ / ٣٦١ ـ ٣٦٣ ، الكاشف : ٣ / ١٧ ؛ طبقات الشافعية لابن هداية الله : ص (١١ : ١٤).

٧٩

وهو قول أبي حنيفة (١) ـ رضي الله عنه ـ قالوا : لأنّ هذا النظم موافق للآية المتقدّمة ، وموافق لظاهر الخبر.

وقال أحمد (٢) ـ رضي الله تعالى عنه ـ : الأولى أن يقول : أعوذ بالله من الشيطان الرّجيم ، إنه هو السّميع العليم ؛ جمعا بين الآيتين.

وقال بعض الشافعية : الأولى أن يقول : أعوذ بالله السميع العليم من الشّيطان الرّجيم ؛ لأن هذا ـ أيضا ـ جمع بين الآيتين.

وروى البيهقيّ (٣) في كتاب «السّنن» بإسناده ، عن أبي سعيد الخدريّ قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا قام من النّوم كبّر ثلاثا ، وقال : أعوذ بالله السميع العليم من الشّيطان الرّجيم (٤).

__________________

(١) النعمان بن ثابت ، التيمي بالولاء ، الكوفي ، أبو حنيفة : إمام الحنفية ، الفقيه المجتهد المحقق ، أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة. قيل : أصله من أبناء فارس. ولد ونشأ بالكوفة سنة ٨٠ ه‍. وكان يبيع الخز ويطلب العلم في صباه ، ثم انقطع للتدريس والإفتاء. وأراده عمر بن هبيرة (أمير العراقين) على القضاء ، فامتنع ورعا. وأراده المنصور العباسي بعد ذلك على القضاء ببغداد فأبى ، فحلف عليه ليفعلن ، فحلف أبو حنيفة أنه لا يفعل ، فحبسه إلى أن مات. وكان قوي الحجة ، من أحسن الناس منطقا ، قال الإمام مالك ، يصفه : رأيت رجلا لو كلمته في هذه السارية أن يجعلها ذهبا لقام بحجته. وكان كريما في أخلاقه ، جوادا ، حسن المنطق والصورة ، جهوري الصوت ، إذا حدّث انطلق في القول وكان لكلامه دويّ. وعن الإمام الشافعي : الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة. له مسند في الحديث جمعه تلاميذه ، والمخارج في الفقه ، صغير. توفي ببغداد سنة ١٥٠ ه‍.

ينظر الأعلام : ٨ / ٣٦ ، تاريخ بغداد : ١٣ / ٣٢٣ ـ ٤٢٣ وابن خلكان : ٢ / ١٦٣ والنجوم الزاهرة : ٢ / ١٢ والبداية والنهاية : ١٠ / ١٠٧ والجواهر المضية : ١ / ٢٦.

(٢) أحمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني أبو عبد الله المروزي ثم البغدادي. ولد سنة ١٦٤ ، أخذ الفقه عن الشافعي ، وسلك مسلكه ، صنف المسند. قال إبراهيم الحربي : كأن الله جمع له علم الأولين والآخرين. توفي سنة ٢٤١.

ينظر طبقات ابن قاضي شهبة : ١ / ٥٦ ، وحلية الأولياء : ٩ / ١٦١ ، وتذكرة الحفاظ : ٢ / ٤٣١.

(٣) أحمد بن الحسين بن علي بن موسى ، الإمام الحافظ الكبير ، أبو بكر البيهقي. سمع الكثير ورحل وجمع وصنف ، مولده سنة ٣٨٤ ، تفقه على ناصر العمري ، وأخذ علم الحديث عن أبي عبد الله الحاكم ، وكان كثير التحقيق والإنصاف ، قال إمام الحرمين : ما من شافعي إلا وللشافعي عليه منّة إلا البيهقي ، فإن له على الشافعي منة لتصانيفه في نصرة مذهبه ، ومن تصانيفه : السنن الكبير ، والسنن الصغير ، ودلائل النبوة وغيرها. مات سنة ٤٥٨. انظر : ط. ابن قاضي شهبة ١ / ٢٢٠ ، الأعلام ١ / ١١٣.

(٤) أخرجه أبو داود (١ / ٢٦٥) رقم (٧٧٥). وأخرجه البيهقي (٢ / ٣٤) كتاب الصلاة : باب الاستفتاح بسبحانك اللهم وبحمدك.

٨٠