اللّباب في علوم الكتاب - ج ١

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٩٩

ولا يجوز أن تأتي ب «اللام» إلّا مع «الكاف» ، ويجوز دخول حرف التّنبيه على سائر أسماء الإشارة إلّا مع «اللّام» ، فيمتنع للطول.

وبعض النحويين لم يذكر له إلّا رتبتين : دنيا وغيرها (١). واختلف النحويون في «ذا» هل هو ثلاثي الوضع أم أصله حرف واحد؟

الأول قول البصريين ، ثم اختلفوا هل عينه ولامه ياء ، فيكون من باب «حيي» ، أو عينه واو ولامه ياء فيكون من باب «غويت» ثم حذفت لامه تخفيفا ، وقلبت العين ألفا لتحركها ، وانفتاح ما قبلها ، وهذا كله على سبيل التّمرين.

وأيّا فهذا مبني ، والمبني لا يدخله تصريف ، وإنما جيء هنا بإشارة البعيد تعظيما للمشار إليه ؛ ومنه : [الطويل]

١٠١ ـ أقول له والرّمح يأطر متنه

تأمّل خفافا إنّني أنا ذلكا (٢)

أو لأنه لما نزل من السّماء إلى الأرض أشير إليه بإشارة البعيد.

أو لأنه كان موجودا به بنبيّه عليه الصلاة والسلام.

أو أنه أشير به إلى ما قضاه وقدّره في اللّوح المحفوظ.

وفي عبارة المفسرين أشير بذلك إلى الغائب يعنون البعيد ، وإلا فالمشار إليه لا يكون إلا حاضرا ذهنا أو حسّا ، فعبروا عن الحاضر ذهنا بالغائب أي حسّا وتحريرا لقول ما ذكرته لك. وقال الأصمّ وابن كيسان (٣) : إن الله ـ تعالى ـ أنزل قبل سورة «البقرة»

__________________

(١) ذهب أكثر النحويين إلى أن الإشارة ثلاثة مراتب : قربى ؛ ولها المجرد ، ووسطى ؛ ولها ذو الكاف ، وبعدى ؛ ولها ذو الكاف واللام وصححه ابن الحاجب ، واختلف على هذا في مرتبة أولئك بالمد ، فقيل : هؤلاء وسطى كأولاك وقيل : للبعدى ؛ كأولالك. قال أبو حيان : ويستدل للأول بقوله :

يا ما أميلح غزلانا شدنّ لنا

من هؤليائكن الضال والسمر

لأن هاء التثنية لا تصحب ذا البعيد ، وصحّح ابن مالك أن لاسم الإشارة مرتبتين ، وقال : إنه ظاهر من كلام المتقدّمين ، ونسبه الصفار إلى سيبويه ، واحتج له ابن مالك بأن المشار شبيه بالمنادى ، والنحويون مجمعون على أن المنادى ليس له إلا مرتبتان ؛ فلحق بنظيره ؛ وبأن الفراء نقل أن بني تميم ليس من لغتهم استعمال اللام مع الكلام ، والحجازيين ليس من لغتهم استعمال الكاف بلا لام ؛ فلزم من هذا أن اسم الإشارة على اللغتين ليس له إلا مرتبتان ، وبأن القرآن لم يرد فيه المجرد من اللام دون الكاف ، فلو كان له مرتبة أخرى ، لكان القرآن غير جامع لوجوه الإشارة ، فإنه لو كانت المراتب ثلاثة ، لم يكتف في التثنية والجمع بلفظين وهي وجوه حسنة ، إلا أن دعوى الإجماع في الأول مردودة بما ذكرناه ـ انظر همع الهوامع : (١ / ٧٥ ـ ٧٦).

(٢) البيت لخفاف بن ندبة ، ينظر الأغاني : ٢ / ١٢٩ ، الخزانة : ٢ / ٤٧١ ، معاني القرآن : ١ / ٢٩ ، النكت والعيون : ١ / ٦٧ ، الدر : ١ / ٩١.

(٣) محمد بن أحمد بن إبراهيم ، أبو الحسن المعروف بابن كيسان : عالم بالعربية من أهل بغداد أخذ عن المبرد وثعلب ، من كتبه المهذب في النحو ، غريب الحديث ، معاني القرآن ، المختار في علل النحو توفي في ٢٩٩ ه‍. ـ ـ ينظر إرشاد الأريب : ٦ / ٢٨ ، معجم المطبوعات : ٢٢٩ ، نزهة الألبا : ٣٠١ ، شذرات الذهب : ٢ / ٢٣٢ ، كشف الظنون : ١٧٠٣ ، الأعلام : ٥ / ٣٠٨.

٢٦١

سورا كذب بها المشركون ، ثم أنزل سورة «البقرة» فقال : «ذلك الكتاب» يعني ما تقدّم «البقرة» من السّور لا شك فيه.

قال ابن الخطيب رحمه‌الله تعالى : سلّمنا أن المشار إليه حاضر ، لكن لا نسلّم أن لفظة «ذلك» لا يشار بها إلّا إلى البعيد.

بيانه : أن «ذلك» و «هذا» حرف إشارة ، وأصلهما «ذا» لأنه حرف الإشارة ، قال تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي) [البقرة : ٢٤٥].

ومعنى «ها» تنبيه ، فإذا قرب الشيء أشير إليه فقيل : هذا ، أي : تنبّه أيّها المخاطب لما أشرت إليه ، فإنه حاضر معك (١) بحيث تراه ، وقد تدخل «الكاف» على «ذا» للمخاطبة ، و «اللام» لتأكيد معنى الإشارة ، فقيل : «ذلك» ، فكأن المتكلّم بالغ في التنبيه لتأخّر المشار إليه عنه ، فهذا يدلّ على أن لفظة «ذلك» لا تفيد البعد في أصل الوضع ، بل اختص في العرف بالإشارة إلى البعيد للقرينة التي ذكرناها ، فصارت كالدّابة ، فإنها مختصة في العرف بالفرس ، وإن كانت في أصل الوضع متناولة لكل ما يدبّ على الأرض.

وإذا ثبت هذا فنقول : إنا نحمله ها هنا على مقتضى الوضع اللّغوي ، لا على مقتضى الوضع العرفي ، وحينئذ لا يفيد البعد ، ولأجل هذه المقارنة قام كلّ واحد من اللّفظين مقام الآخر.

قال تعالى : (وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ) إلى قوله : (وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ) [ص : ٤٥ ـ ٤٨] ثم قال : (هذا ذِكْرٌ) [ص : ٤٩] وقال : (وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ هذا ما تُوعَدُونَ) [ص : ٥٢ ـ ٥٣].

وقال : (وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) [ق : ١٩].

وقال تعالى : (فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى) [النازعات : ٢٤ ـ ٢٥].

وقال تعالى : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ) [الأنبياء : ١٠٥] وقال تعالى : (إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً) [الأنبياء : ١٠٦].

وقال : (فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى) [البقرة : ٧٣] [أي هكذا يحيي الموتى](٢).

وقال : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى) [طه : ١٨] أي ما هذه التي بيمينك.

__________________

(١) في ب : لك.

(٢) سقط في ب.

٢٦٢

و «الكتاب» في الأصل مصدر ؛ قال تعالى : (كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ) [النساء : ٢٤] وقد يراد به المكتوب ، قال الشاعر : [الطويل]

١٠٢ ـ بشرت عيالي إذ رأيت صحيفة

أتتك من الحجّاج يتلى كتابها (١)

ومثله : [الوافر]

١٠٣ ـ تؤمّل رجعة منّي وفيها

كتاب مثل ما لصق الغراء (٢)

وأصل هذه المادّة الدّلالة على الجمع ، ومنه كتيبة الجيش ، وكتبت القربة : خرزتها ، والكتبة ـ بضم «الكاف» ـ الخرزة ، والجمع كتب ، قال : [البسيط]

١٠٤ ـ وفراء غرفيّة أثأى خوارزها

مشلشل ضيّعته بينها الكتب (٣)

وكتبت الدّابة [إذا جمعت بين شفري رحمها بحلقة أو سير](٤) قال الشاعر : [البسيط]

١٠٥ ـ لا تأمننّ فزاريّا حللت به

على قلوصك واكتبها بأسيار (٥)

والكتابة عرفا ضمّ بعض حروف الهجاء إلى بعض.

قال ابن الخطيب : «واتفقوا على أنّ المراد من الكتاب القرآن ، قال تبارك وتعالى : (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ) [ص : ٢٩].

والكتاب جاء في القرآن على وجوه :

أحدها : الفرض (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ) [البقرة : ١٧٨] ، (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) [البقرة : ١٨٣] ، (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) [النساء : ١٠٣].

ثانيها : الحجّة والبرهان : (فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [الصافات : ١٥٧] أي : ببرهانكم وحجّتكم.

ثالثها : الأجل : (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) [الحجر : ٤] أي : أجل.

رابعها : بمعنى مكاتبة السيد عبده : (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) [النور : ٣٣] وهذا المصدر «فعال» بمعنى «المفاعلة» كالجدال والخصام والقتال بمعنى : المجادلة والمخاصمة والمقاتلة.

__________________

(١) ينظر مجمع البيان : ١ / ٧٤ ، معاني الفراء : (١ / ٢١٢) ، الدر : ١ / ٩١.

(٢) البيت لمسلم بن معبد الوالبي. ينظر خزانة الأدب : ٢ / ٣٠٨ ، ٣١٢ ، القرطبي : ١ / ١١٢ ، والدر المصون : ١ / ٩١.

(٣) البيت لذي الرمة. ينظر ديوانه : ٢١ ، مقاييس اللغة : ٥ / ١٥٨ ، اللسان (شلل وغرق وكتب) ، القرطبي : ١ / ١١٢ ، الدر : ١ / ٩١.

(٤) سقط في أ.

(٥) البيت لسالم بن دارة. ينظر خزانة الأدب : ٦ / ٥٣١ ، ٩ / ٥٤٢ ، مقاييس اللغة : ٥ / ١٥٨ ، الشعر والشعراء : ١ / ٤٠١ ، الكامل : ٣ / ٨٦ ، اللسان (كتب) ، القرطبي : (١ / ١١٢) ، الدر : (١ / ٩٢).

٢٦٣

والكتاب ـ هنا ـ المراد به القرآن ، وله أسماء :

أحدها : الكتاب كما تقدم.

وثانيها : القرآن : (إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً) [الزخرف : ٣] ، (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) [البقرة : ١٨٥]

وثالثها : الفرقان : (تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ) [الفرقان : ١]

ورابعها : الذّكر ، والتّذكرة ، والذّكرى : (وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ) [الأنبياء : ٥٠] ، (وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) [الحاقة : ٤٨] وقوله تعالى : (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) [الذاريات : ٥٥].

وخامسها : التّنزيل : (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ) [الشعراء : ١٩٢].

وسادسها : الحديث : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) [الزمر : ٢٣].

وسابعها : الموعظة : (قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) [يونس : ٥٧].

وثامنها : الحكم ، والحكمة ، والحكيم ، والمحكم : (وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا) [الرعد : ٣٧] ، (حِكْمَةٌ بالِغَةٌ) [القمر : ٥] ، (يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ) [يس : ١ ـ ٢] ، (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ) [هود : ١].

وتاسعها : الشّفاء : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ) [الإسراء : ٨٢].

وعاشرها : الهدى ، والهادي (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) [البقرة : ٢] ، (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) [الإسراء : ٩] ، (قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ) [الجن : ١ ـ ٢].

وذكروا له أسماء أخر منها :

«الصّراط المستقيم ، والعصمة ، والرّحمة ، والرّوح ، والقصص ، والبيان ، والتّبيان ، والمبين ، والبصائر ، والفصل ، والنّجوم ، والمثاني ، والنّعمة ، والبرهان ، والبشير ، والنّذير ، والقيّم ، والمهيمن ، والنور ، والحق ، والعزيز ، والكريم ، والعظيم ، والمبارك».

قوله تعالى : (لا رَيْبَ فِيهِ).

يجوز أن يكون خبرا كما تقدّم بيانه.

قال بعضهم : هو خبر بمعنى النّهي ، أي : لا ترتابوا فيه كقوله تعالى : (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ) [البقرة : ١٩٧] أي : لا ترفثوا ولا تفسقوا.

قرأ (١) ابن كثير : «فيه» بالإشباع في الوصل ، وكذلك كل هاء كناية قبلها ساكن يشبعها وصلا ما لم يلها ساكن ، ثم إن كان السّاكن قبل الهاء ياء يشبعها بالكسر ياء ، وإن

__________________

(١) انظر حجة القراءات : ٨٣ ، والحجة للقراء السبعة : ١ / ١٧٧.

٢٦٤

كان غيرها يشبعها بالضم واوا ، ووافقه حفص (١) في قوله : (فِيهِ مُهاناً) [الفرقان : ٦٩] فأشبعه.

ويجوز أن تكون هذه الجملة في محلّ نصب على الحال ، والعامل فيه معنى الإشارة ، و «لا» نافية للجنس محمولة في العمل على نقيضها. «إنّ» ، واسمها معرب ومبني :

فيبنى إذا كان مفردا نكرة على ما كان ينصب به ، وسبب بنائه تضمنّه معنى الحرف ، وهو «من» الاستغراقيّة يدلّ عليه ظهورها في قول الشاعر : [الطويل]

١٠٦ ـ فقام يذود النّاس عنها بسيفه

فقال ألا لا من سبيل إلى هند (٢)

وقيل : بني لتركّبه معها تركيب خمسة عشر ، وهو فاسد وبيانه في غير هذا الكتاب.

وزعم الزّجّاج أن حركة «لا رجل» ونحوه حركة إعراب ، وإنما حذف التنوين تخفيفا ، ويدل على ذلك الرجوع إلى هذا الأصل في الضرورة كقوله : [الوافر]

١٠٧ ـ ألا رجلا جزاه الله خيرا

يدلّ على محصّلة تبيت (٣)

ولا دليل له لأن التقدير : ألا ترونني رجلا؟

فإن لم يكن مفردا ـ وأعني به المضاف والشبيه به ـ أعرب نصبا نحو : «لا خيرا من زيد» ، ولا عمل لها في المعرفة ألبتة ، وأما نحو قوله : [الطويل]

١٠٨ ـ تبكّي على زيد ولا زيد مثله

بريء من الحمّى سليم الجوانح (٤)

__________________

(١) حفص بن سليمان بن المغيرة الأسدي بالولاء أبو عمر ويعرف بحفيص : ولد سنة ٩٠ ه‍. قارىء أهل الكوفة بزاز نزل بغداد وجاور بمكة وكان أعلم أصحاب عاصم بقراءته ، وهو ابن امرأته وربيبه ومن طريقه قراءة أهل المشرق ، ينظر الأعلام : ٢ / ٢٦٤ (٣٠٨٢) ، غاية النهاية : ١ / ٢٥٤ ، ميزان الاعتدال : ١ / ٢٦١ ، تهذيب التهذيب : ٢ / ٤٠٠.

(٢) ينظر أوضح المسالك : ٢ / ١٣ ، وتخليص الشواهد : ص ٣٩٦ ، والجنى الداني : ص ٢٩٢ ، والدرر : ٢ / ٢٢١ ، وشرح الأشموني : ١ / ١٤٨ ، وشرح التصريح : ١ / ٢٣٩ ، وشرح ابن عقيل : ص ٢٥٥ ، ولسان العرب (ألا) ، (لا) ومجالس ثعلب : ص ١٧٦ والمقاصد النحوية : ٢ / ٣٣٢ ، وهمع الهوامع : ١ / ١٤٦ ، وشرح عمدة الحافظ وعدة اللافظ لابن مالك (٢٥٥) تحقيق عدنان عبد الرحمن الدوري ـ مطبعة العاني ـ بغداد (١٣٩٧ ه‍ ١٩٧٧ م) وشرح الكافية الشافية : (١ / ٥٢٢) وشرح ألفية ابن الناظم : (١٨٦).

(٣) البيت لعمرو بن قعاس ، أو قنعاس المرادي المذحجي.

ينظر الكتاب : ٢ / ٣٠٨ ، النوادر : ٥٦ ، شرح المفصل : ٧ / ٥ ، ٩ / ٨٠ ، الخزانة : ١ / ٤٥٩ ، ٣ / ١١٢ ، ١٥٦ ، ٤ / ٤٧٧ ، العيني : ٢ / ٣٦٦ ، ٣ / ٣٥٢ ، الهمع : ١ / ٥٨ ، شرح شواهد المغني : ٧٧ ، ٢١٩ ، الأشموني : ٢ / ١٦ ، التهذيب : ٤ / ٣٤٢ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ١٧٨ ، إصلاح المنطق لابن السكيت : ٤٣١ ، معجم مقاييس اللغة : ٢ / ٦٨ ، الخزانة : ٣ / ٥١ ، ٥٤ ، (٤ / ٨٩ ، ١٨٣ ، ١٩٥ ، ٢٦٨) ، (١١ / ١٩٣) ، شرح الألفية لابن الناظم : ١٩٣ ، الدر : ١ / ٩٠.

(٤) البيت لجرير. ينظر ديوانه : ٨٠ ، الخزانة : ٢ / ٩٨ ، الهمع : ١ / ١٤٥ ، الدرر : ١ / ٢٢٤ ، المقرب : ١ / ١٨٩ ، شرح الكافية الشافية : ١ / ٥٣١ ، الدر : ١ / ٩٠.

٢٦٥

وقول الآخر : [الوافر]

١٠٩ ـ أرى الحاجات عند أبي خبيب

نكدن ولا أميّة في البلاد (١)

وقول الآخر : [الرجز]

١١٠ ـ لا هيثم اللّيلة للمطيّ (٢)

وقوله عليه الصّلاة والسّلام : «لا قريش بعد اليوم ، إذا هلك كسرى ، فلا كسرى بعده» (٣) فمؤوّل.

و «ريب» اسمها ، وخبرها يجوز أن يكون الجار والمجرور وهو «فيه» ، إلّا أن بني «تميم» لا تكاد تذكر خبرها ، فالأولى أن يكون محذوفا تقديره : لا ريب كائن ، ويكون الوقف على «ريب» حينئذ تامّا ، وقد يحذف اسمها ويبقى خبرها ، قالوا : «لا عليك» أي : لا بأس عليك.

ومذهب سيبويه رحمه‌الله : أنها واسمها في محلّ رفع بالابتداء ، ولا عمل لها في الخبر.

ومذهب الأخفش : أن اسمها في محلّ رفع ، وهي عاملة في الخبر.

ولها أحكام كثيرة ، وتقسيمات منتشرة مذكورة في كتب النحو (٤).

__________________

(١) البيت لعبد الله بن الزّبير الأسديّ. ينظر ملحق ديوانه : ص ١٤٧ ، وخزانة الأدب : ٤ / ٦١ ، ٦٢ ، والدرر : ٢ / ٢١١ ، وشرح المفصل : ٢ / ١٠٢ ، ١٠٤ ، والكتاب : ٢ / ٢٩٧ ، ولفضالة بن شريك في الأغاني : ١٢ / ٦٦ وشرح شذور الذهب : ص ٢٧٣ والمقتضب : ٤ / ٣٦٢ والمقرب : ١ / ١٨٩ والدر المصون : ١ / ٩٠.

(٢) ينظر الكتاب : (٢ / ٢٩٦) ، المقتضب : (٤ / ٣٦٢) ، ابن الشجري : (١ / ٣٢٩) ، وشرح المفصل : (٢ / ١٠٢) ، (٤ / ١٢٣) ، الخزانة : (٢ / ٩٨) ، الهمع : (١ / ١٤٥) ، الأشموني : (٢ / ٤) شرح الكافية الشافية : (١ / ٥٣٠ ، ٥٣١) وارتشاف الضرب : (٢ / ١٧١) ، والدر : (١ / ٩٠).

(٣) متفق عليه من حديث أبي هريرة وجابر بن سمرة رضي الله عنهما ولفظه إذا هلك كسرى فلا يكون كسرى ... الحديث أخرجه البخاري في الصحيح (٦ / ١٥٧) كتاب الجهاد (٥٦) باب الحرب خدعة (١٥٧) حديث رقم (٣٠٢٧) ، (٣٠٢٨) واللفظ له ومسلم في الصحيح (٤ / ٢٢٣٧) كتاب الفتن (٥٢) باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل ... (١٨) حديث رقم (٧٦ / ٢٩١٨) وحديث جابر بن سمرة رضي الله عنه أخرجه البخاري في الصحيح (٦ / ٢١٩ ـ ٢٢٠) كتاب فرض الخمس (٥٧) باب قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحلت لكم الغنائم (٨) حديث رقم (٣١٢١) ومسلم في المصدر السابق حديث رقم (٧٧ / ٢٩١٩) والترمذي في السنن حديث رقم (٢٢١٦) ـ وأحمد في المسند (٢ / ٢٣٣) والبيهقي في السنن (٩ / ١٧٧) ـ والطبراني في الكبير (٢ / ٢٣٤ ، ٢٣٥) وابن عساكر (٧ / ٣١٣).

(٤) «لا» النافية لها ثلاثة أقسام :

الأول : العاملة عمل «إنّ» ؛ وهي «لا» النافية للجنس ، ولا تعمل إلّا في نكرة ، فإن كان مفردا بني معها على الفتح ، تشبيها ب «خمسة عشر» ، نحو (لا رَيْبَ فِيهِ). وذهب الزجّاج ، والسيرافي ، إلى أنّ فتحته ـ

٢٦٦

واعلم أن «لا» لفظ مشترك بين النّفي ، وهي فيه على قسمين :

قسم تنفي فيه الجنس فتعمل عمل إنّ كما تقدم ، وقسم تنفي فيه الوحدة ، وتعمل حينئذ عمل «ليس» ، ولها قسم آخر ، وهو النهي والدّعاء فتجزم فعلا واحدا ، وقد تجيء زيادة كما تقدم في قوله : (وَلَا الضَّالِّينَ) [الفاتحة : ٧].

و «الرّيب» : الشّك مع تهمة ؛ قال في ذلك : [الخفيف]

١١١ ـ ليس في الحقّ يا أميمة ريب

إنّما الرّيب ما يقول الكذوب (١)

وحقيقته على ما قال الزّمخشري : «قلق النفس واضطرابها».

ومنه الحديث : «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» (٢).

ومنه أنه مرّ بظبي خائف فقال : «لا يربه أحد بشيء».

فليس قول من قال : «الرّيب الشك مطلقا» بجيّد ، بل هو أخصّ من الشّك كما تقدم.

وقال بعضهم : في «الرّيب» ثلاثة معان :

__________________

ـ فتحة إعراب ، وأن تنوينه حذف تخفيفا ؛ وهو ضعيف. وإن كان مضافا ، أو شبيها به ، نصب ، ولم بين ؛ لئلّا يلزم تركيب أكثر من شيئين ، نحو : لا طالب علم محروم ، ولا خيرا من زيد حاضر. وذكر الشلوبين : أنه لا خلاف في أن الخبر مرفوع ب «لا» ، عند عدم تركيبها مع اسمها ، وأما إذا بني الاسم معها فمذهب سيبويه أن الخبر مرفوع ، بما كان مرفوعا به قبل التركيب ، و «لا» واسمها في موضع رفع بالابتداء. وذهب الأخفش ، وكثير من النحويين ، إلى أنها رفعت الخبر ، مع التركيب ؛ كما ترفعه مع عدم التركيب.

الثاني : العاملة عمل «ليس». ولا تعمل أيضا إلّا في النكرة ؛ كقول الشاعر :

تعزّ ، فلا شيء ، على الأرض باقيا

ولا وزر ، ممّا قضى الله ، واقيا

ومنع المبرّد ، والأخفش ، إعمال «لا» عمل «ليس». وحكى ابن ولّاد ، عن الزجّاج : أنها أجريت مجرى «ليس» ، في رفع الاسم خاصة ، ولا تعمل في الخبر شيئا ، والسماع المتقدم يرد عليهم.

وأجاز ابن جني إعمال «لا» عمل «ليس» في المعرفة. ووافقه ابن مالك ؛ وذكره ابن الشجري.

الثالث : النافية غير العاملة. ولها ثلاثة أنواع : عاطفة ، وجوابية ، وغيرهما.

ينظر الجني الداني : ص ٢٩٠ ـ ٢٩٤ ، مصابيح المغاني في حروف المعاني : ص ٤٣٣ ، حروف المعاني للزجاج : ص ٨.

(١) البيت لعبد الله بن الزبعرى ، ينظر الأعلام : ٤ / ٨٧ ، البحر المحيط : (١ / ١٥٥) ، القرطبي : (١ / ١١٢) ، الدر : (١ / ٩٢).

(٢) أخرجه الترمذي في السنن (٤ / ٥٧٦ ـ ٥٧٧) كتاب صفة القيامة والرقائق والورع (٣٨) باب (٦٠) حديث رقم (٢٥١٨) وقال هذا حديث حسن صحيح والنسائي في السنن (٨ / ٣٠٠) كتاب القضاة باب ٤٨ ـ وأحمد في المسند (١ / ٢٠٠) ، (٣ / ١١٢ ، ١٥٣) ـ وابن حبان في الموارد حديث رقم (٥١٢) ـ والبيهقي في السنن (٥ / ٣٣٥) ـ والحاكم في المستدرك (٢ / ١٣) ، (٤ / ٩٩) والطبراني في الكبير (٣ / ٧٥) ـ وذكره الهيثمي في الزوائد ١ / ٣٨ ، ١٠ / ١٥٢.

٢٦٧

أحدها : الشّك ؛ قال ابن الزّبعرى (١) : [الخفيف]

١١٢ ـ ليس في الحقّ يا أميمة ريب

 ...........(٢)

وثانيها : التّهمة ؛ قال جميل بثينة (٣) : [الطويل]

١١٣ ـ بثينة قالت يا جميل أريتني

فقلت : كلانا يا بثين مريب (٤)

وثالثها : الحاجات ؛ قال : [الوافر]

١١٤ ـ قضينا من تهامة كلّ ريب

وخيبر ثمّ أجمعنا السّيوفا (٥)

قال ابن الخطيب (٦) : الريب قريب من الشك ، وفيه زيادة ، كأنه ظن سوء ، تقول : رابني أمر فلان إذا ظننت به سوءا.

فإن قيل : قد يستعمل الريب في قولهم : «ريب الدهر» و «ريب الزمان» أي : حوادثه ، قال تعالى : (نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) [الطور : ٣٠] ويستعمل أيضا فيما يختلج في القلب من أسباب الغيظ ؛ كقول الشاعر : [الوافر]

١١٥ ـ قضينا من تهامة كلّ ريب

 ........... (٧)

قلنا : هذان يرجعان إلى معنى الشك ، لأن من يخاف من ريب المنون محتمل ، فهو كالمشكوك فيه ، وكذلك ما اختلج بالقلب فهو غير متيقن ، فقوله تعالى : (لا رَيْبَ فِيهِ) المراد منه : نفي كونه مظنّة للريب بوجه من الوجوه ، والمقصود أنه لا شبهة في صحته ،

__________________

(١) عبد الله بن الزبعرى بن قيس السهمي القرشي أبو سعد شاعر قريش في الجاهلية كان شديدا على المسلمين إلى أن فتحت مكة فهرب إلى نجران. فقال فيه حسان أبياتا ، فلما بلغته عاد إلى مكة فأسلم واعتذر ، ومدح النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأمر له بحلة توفي نحوه ١ ه‍.

ينظر الأعلام : ٤ / ٨٧ (٥٢٧) ، ابن سلام : ٥٧ و ٥٨ ، إمتاع الأسماع : ١ / ٣٩١ ، الأغاني : ج ١ و ٤ و ١٤.

(٢) تقدم برقم ١١١.

(٣) جميل بن عبد الله بن معمر العذري القضاعي أبو عمرو شاعر من عشاق العرب ، افتتن ببثينة من فتيات قومه ، فتناقل الناس أخبارهما ، شعره يذوب رقة ، أقل ما فيه المدح ، وأكثره في النسيب والغزل والفخر ، وكانت منازل بني عذرة في وادي القرى (من أعمال المدينة) ورحلوا إلى أطراف الشام الجنوبية فقصد جميل مصر ، وافدا على عبد العزيز بن مروان ، فأكرمه عبد العزيز وأمر له بمنزل فأقام قليلا ومات فيه سنة ٨٤ ه‍.

ينظر الأعلام : ٢ / ١٣٨ (١٩٥٠) ، ابن خلكان : ١ / ١١٥ ، الشعر والشعراء : ١٦٦ ، خزانة البغدادي : ١ / ١٩١.

(٤) ينظر ديوانه : «٢٩». القرطبي : (١ / ١١٢) ، الدر : ١ / ٩٢.

(٥) البيت لكعب بن مالك. ينظر اللسان (ريب) ، الصحاح (ريب) ، القرطبي : (١ / ١١٢) ، الرازي : (٢) ١٨ ، الدر : (١ / ٩٢).

(٦) ينظر الفخر الرازي : ٢ / ١٨.

(٧) تقدم برقم (١١٤).

٢٦٨

ولا في كونه من عند الله تعالى ولا في كونه معجزا. ولو قلت : المراد لا ريب في كونه معجزا على الخصوص كان أقرب لتأكيد هذا التأويل بقوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا) [البقرة : ٢٣].

فإن قيل : لم تأت ، قال ها هنا : (لا رَيْبَ فِيهِ) وفي موضع آخر : (لا فِيها غَوْلٌ) [الصافات : ٤٧] قلنا : لأنهم يقدمون الأهمّ ، وهاهنا الأهم نفي الريب بالكليّة عن الكتاب.

ولو قلت : «لا فيه ريب» لأوهم أن هناك كتابا آخر حصل فيه الريب لا هاهنا ، كما قصد في قوله تعالى (لا فِيها غَوْلٌ) تفضيل خمر الجنّة على خمر الدنيا ، بأنها لا تغتال العقول كما تغتالها خمر الدنيا. فإن قيل : من أين يدلّ قوله : (لا رَيْبَ فِيهِ) على نفي الريب بالكلية؟ قلنا : القراءة المشهورة توجب ارتفاع الريب بالكلية ، والدّليل عليه أن قوله : (لا رَيْبَ) نفي لماهيّة الريب ؛ ونفي الماهية يقتضي نفي كل فرد من أفراد الماهية ؛ لأنه لو ثبت فرد من أفراد الماهيّة لثبتت الماهية ، وذلك مناقض نفي الماهية ، ولهذا السّر كان قولنا : (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) نفيا لجميع الآلهة سوى الله تعالى.

وقرأ (١) أبو الشعثاء (٢) : «لا ريب فيه» بالرفع ، وهو نقيض لقولنا : (رَيْبَ فِيهِ) ، وهذا يفيد ثبوت فرد واحد ، وذلك النفي يوجب انتفاء جميع الأفراد ، فيتحقق التناقض.

والوقف على «فيه» هو المشهور.

وعن نافع وعاصم (٣) أنهما وقفا على «ريب» ، ولا بد للواقف من أن ينوي خبرا ، ونظيره قوله : (لا ضَيْرَ) [الشعراء : ٥٠] وقول العرب : «لا بأس».

واعلم أن الملحدة طعنوا فيه وقالوا : إن عني أنه لا شكّ فيه عندنا ، فنحن قد نشك فيه ، وإن عني أنه لا شكّ فيه عنده فلا فائدة فيه.

الجواب : [المراد](٤) أنه بلغ في الوضوح إلى حيث لا ينبغي لمرتاب أن يرتاب

__________________

(١) قرأ بها أبو الشعثاء وزيد بن علي. انظر البحر المحيط : ١ / ١٦٠.

(٢) جابر بن زيد الأزدي أبو الشعثاء الجوني بفتح الجيم البصري الفقيه أحد الأئمة عن ابن عباس فأكثر ، ومعاوية وابن عمر ، وعنه قتادة وعمرو بن دينار وأيوب وخلف ، قال ابن عباس هو من العلماء قال أحمد مات سنة ثلاث وتسعين ، وقال ابن سعد : سنة ثلاث ومائتين.

ينظر الخلاصة : ١ / ١٥٦ (٩٦٨) ، تهذيب الكمال : ١ / ١٧٨ ، تهذيب التهذيب : ٢ / ٣٨ ، تقريب التهذيب : ١ / ١١٢ ، الثقات : ٤ / ١٠١.

(٣) عاصم بن بهدلة بن أبي النّجود بفتح النون وضم الجيم ، وقد غلط من ضم النون أبو بكر الأسدي مولاهم الكوفي الحناط بالمهملة والنون شيخ الإقراء بالكوفة وأحد القراء السبعة. انتهت إليه رئاسة الإقراء بالكوفة. كان أحسن الناس صوتا بالقرآن ، وكان فصيحا. توفي سنة ١٢٧ ه‍ ، وقيل : غير ذلك ودفن بالشام. ينظر الغاية : ١ / ٣٤٦.

(٤) سقط في أ.

٢٦٩

فيه ، والأمر كذلك ؛ لأن العرب مع بلوغهم في الفصاحة إلى النهاية عجزوا عن معارضة أقصر سورة من القرآن ، وذلك يشهد بأنه لقيت هذه الحجّة في الظهور إلى حيث لا يجوز للعاقل أن يرتاب فيه.

وقيل : في الجواب وجوه أخر :

أحدها : أن النفي كونه متعلقا للريب ، المعنى : أنه منعه من الدلالة ، ما إن تأمله المنصف المحق لم يرتب فيه ، ولا اعتبار بمن وجد فيه الريب ؛ لأنه لم ينظر فيه حقّ النظر ، فريبه غير معتدّ به.

والثاني : أنه مخصوص ، والمعنى : لا ريب فيه عند المؤمنين.

والثالث : أنه خبر معناه النهي. والأول أحسن.

قوله تعالى : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ). يجوز فيه عدة أوجه :

أحدها : أن يكون مبتدأ ، وخبره فيه متقدما عليه إذا قلنا : إن خبر «لا» محذوف.

وإن قلنا : «فيه» خبرها ، كان خبره محذوفا مدلولا عليه بخبر «لا» ، تقديره : لا ريب فيه ، فيه هدى ، وأن يكون خبر مبتدأ مضمر تقديره : هو هدى ، وأن يكون خبرا ثانيا ل «ذلك» ، على أن يكون «الكتاب» صفة أو بدلا ، أو بيانا ، و «لا ريب» خبر أول ، وأن يكون خبرا ثالثا ل «ذلك» ، على أن يكون «الكتاب» خبرا أول ، و «لا ريب» ، خبرا ثانيا ، وأن يكون منصوبا على الحال من «ذلك» ، أو من «الكتاب» ، والعامل فيه على كلا التقديرين اسم الإشارة ، وأن يكون حالا من الضّمير في «فيه» ، والعامل ما في الجارّ والمجرور من معنى الفعل ، وجعله حالا مما تقدم : إما على المبالغة ، كأنه نفس الهدى ، أو على حذف مضاف ، أي : ذا هدى ، أو على وقوع المصدر موقع اسم الفاعل ، وهكذا كلّ مصدر وقع خبرا ، أو صفة ، أو حالا فيه الأقوال الثلاثة ، أرجحها الأول.

وأجازوا أن يكون «فيه» صفة ل «ريب» ، فيتعلّق بمحذوف ، وأن يكون متعلقا ب «ريب» ، وفيه إشكال ؛ لأنه يصير مطولا ، واسم «لا» إذا كان مطولا أعرب إلّا أن يكون مرادهم أنّه معمول لما دلّ عليه «ريب» لا لنفس «ريب».

وقد تقدّم معنى «الهدى» عند قوله تبارك وتعالى : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) [الفاتحة : ٦].

و «هدى» مصدر على وزن «فعل» قالوا : ولم يجىء من هذا الوزن في المصادر إلا «سرّى» و «بكى» و «هدى» ، وقد جاء غيرها ، وهو «لقيته لقى» ؛ قال الشّاعر : [الطويل]

١١٦ ـ وقد زعموا حلما لقاك ولم أزد

بحمد الّذي أعطاك حلما ولا عقلا (١)

__________________

(١) ينظر اللسان : لقا ، البحر : ١ / ١٥٦ ، الدر : ١ / ٩٣.

٢٧٠

و «الهدى» فيه لغتان : التذكير ، ولم يذكر اللّحياني (١) غيره.

وقال الفراء : بعض بني أسد يؤنثه ، فيقولون : هذه هدى.

و «في» معناها الظرفية حقيقة أو مجازا ، نحو : «زيد في الدار» (٢) ، (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) [البقرة : ١٧٩] ولها معان آخر :

المصاحبة : نحو : (ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ) [الأعراف : ٣٨].

والتعليل : «إن امرأة دخلت النّار في هرّة» (٣) وموافقة «على» : (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) [طه : ٧١] [أي : على جذوع](٤) ، والباء : (يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) [الشورى : ١١] أي : بسببه.

والمقايسة نحو قوله تعالى : (فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ) [التوبة : ٣٨].

و «الهاء» في «فيه» أصلها الضم كما تقدم من أن «هاء» الكناية أصلها الضم ، فإن تقدمها ياء ساكنة ، أو كسرة كسرها غير الحجازيين ، وقد قرأ حمزة : «لأهله امكثوا» وحفص في : «عاهد عليه الله» [الفتح : ١٠] ، (وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا) [الكهف : ٦٣] بلغة أهل الحجاز ، والمشهور فيها ـ إذا لم يلها ساكن وسكن ما قبلها نحو : «فيه» و «منه» ـ الاختلاس ، ويجوز الإشباع ، وبه قرأ ابن كثير (٥) ، فإن تحرّك ما قبلها أشبعت ، وقد تختلس وتسكن ، وقرىء ببعض ذلك كما سيأتي مفصلا إن شاء الله تعالى.

و «للمتقين» جارّ ومجرور متعلّق ب «هدى».

وقيل : صفة ل «هدى» ، فيتعلّق بمحذوف ، ومحله حينئذ : إما الرفع أو النصب بحسب ما تقدم في موصوفه ، أي هدى كائن أو كائنا للمتقين.

والأحسن من هذه الوجوه المتقدمة كلها أن تكون كل جملة مستقلّة بنفسها ، ف

__________________

(١) علي بن المبارك ـ وقيل ابن حازم ـ أبو حسن اللحياني من بني لحيان بن هذيل بن مدركة وقيل سمي به لعظم لحيته وممن أخذ عنه القاسم بن سلام وله النوادر المشهورة. ينظر بغية الوعاة : ٢ / ١٨٥.

(٢) في أ : الدنيا.

(٣) أخرجه البخاري في الصحيح (٤ / ٣٣١٨) كتاب بدء الخلق باب خمس من الدواب ... حديث رقم (٣٣١٨).

ومسلم في الصحيح (٤ / ٢٠٢٢ ـ ٢٠٢٣) كتاب البر والصلة والآداب (٤٥) باب تحريم تعذيب الهرة ونحوها من الحيوان الذي لا يؤذي (٣٧) حديث رقم (١٣٣ / ٢٦٤٢ ، ١٣٤ / ٢٦٤٢ ، ١٣٥ / ٢٦١٩).

وابن ماجه في السنن حديث رقم (٤٢٥٦) ـ وعبد الرزاق في مصنفه حديث رقم (٢٠٥٥١) ـ والدارمي في السنن (٢ / ٣٣٠) ، والبيهقي في السنن (٨ / ١٤) ـ وذكره المنذري في الترغيب (٣ / ٢٠٩) ـ والهندي في كنز العمال حديث رقم (٣٩٩٧٦) ، (٤٣٧١٦).

(٤) سقط في أ.

(٥) تقدم.

٢٧١

«الم» جملة إن قيل : إنها خبر مبتدأ مضمر ، و (ذلِكَ الْكِتابُ) جملة ، و «لا ريب» جملة ، و (فِيهِ هُدىً) جملة ، وإنما ترك العاطف لشدّة الوصل ؛ لأن كلّ جملة متعلّقة بما قبلها آخذة بعنقها تعلقا لا يجوز معه الفصل بالعطف.

قال الزمخشري : «وقد أصيب بترتيبها مفصل البلاغة حيث جيء بها متناسقة هكذا من غير حرف نسق. [وذلك لمجيئها متتابعة بعضها بعنق](١) بعض ، والثانية متحدة بالأولى ، وهلم جرّا إلى الثالثة والرابعة.

بيانه : أنه نبّه أولا على أنه الكلام المتحدى به ، ثم أشير إليه بأنه الكتاب المنعوت بنهاية الكمال ، فكان تقريرا لجهة التحدي. ثم نفى عنه أن يتشبث (٢) به طرف من الريب ، فكان شهادة بكماله.

ثم أخبر عنه بأنه (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) ، فقرر بذلك كونه يقينا ، لا يحوم الشّك حوله ، ثم لم تخل كل واحدة من هذه الأربع بعد أن رتبت هذه الترتيب الأنيق [من](٣) نكتة ذات جزالة : ففي الأولى الحذف ، والرمز إلى الغرض بألطف وجه.

وفي الثانية ما في التعريف من الفخامة.

وفي الثانية ما في تقديم الريب على الظّرف.

وفي الثالثة ما في تقديم «الريب» على الظرف.

وفي الرابعة الحذف ، ووضع المصدر الذي هو «هدى» موضع الوصف الذي هو «هاد» وإيراده منكرا.

«المتقين» جمع «متّق» ، وأصله : متّقيين بياءين ، الأولى : لام الكلمة ، والثانية علامة الجمع ، فاستثقلت الكسرة على لام الكلمة ، وهي الياء الأولى فحذفت ، فالتقى ساكنان ، فحذف إحداهما وهي الأولى.

و «متق» من اتقى يتّقي وهو مفتعل من الوقاية ، إلا أنه يطرد في الواو والياء إذا كانتا فاءين ، ووقعت بعدهما «تاء» الافتعال أن يبدلا «تاء» نحو : «اتّعد» من الوعد ، و «اتّسر» من اليسر. وفعل ذلك بالهمزة شاذ ، قالوا : «اتّزر» و «اتّكل» من الإزار ، والأكل.

ول «افتعل» اثنا عشر معنى :

الاتّخاذ نحو : «اتقى».

والتسبب نحو : اعمل».

وفعل الفاعل بنفسه نحو : «اضطرب».

والتخير نحو : «انتخب».

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) في أ : ينتسب.

(٣) سقط في ب.

٢٧٢

والخطف نحو : «استلب».

ومطاوعة «أفعل» نحو : «انتصف».

ومطاوعة «فعّل» نحو : عمّمته فاعتمّ.

وموافقة «تفاعل» و «تفعّل» و «استفعل» نحو : احتور واقتسم واعتصم ، بمعنى تحاور وتقسّم واستعصم.

وموافقة المجرد ، نحو «اقتدر» بمعنى : قدر.

والإغناء عنه نحو : «استلم (١) الحجر» ، لم يلفظ له بمجرد.

و «الوقاية» : فرط الصيانة ، وشدة الاحتراس من المكروه ، ومنه «فرس واق» : إذا كان يقي حافره أدنى شيء يصيبه.

وقيل : هي في أصل اللّغة قلّة الكلام.

وفي الحديث : «التّقيّ ملجم».

ومن الصيانة قوله : [الكامل]

١١٧ ـ سقط النّصيف ولم ترد إسقاطه

فتناولته واتّقتنا باليد (٢)

وقال آخر : [الطويل]

١١٨ ـ فألقت قناعا دونه الشّمس واتّقت

بأحسن موصولين كفّ ومعصم (٣)

قال أبو العباس المقرىء : ورد لفظ «الهدى» في القرآن بإزاء ثلاثة عشر معنى :

الأول : بمعنى «البيان» قال تعالى : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) [البقرة : ٥] أي: على بيان ، ومثله : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الشورى : ٥٢] أي : لتبين ، وقوله تبارك وتعالى : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) [فصلت : ١٧] أي : بيّنّا لهم.

الثاني : الهدى : دين الإسلام ، قال تعالى : (قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ) [آل عمران : ٧٣] أي : دين الحق هو دين الله.

وقوله : (إِنَّكَ لَعَلى هُدىً) [الحج : ٦٧] أي : دين الحق.

الثالث : بمعنى «المعرفة» قال تعالى : (وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) [النحل : ١٦] أي : يعرفون ، وقوله تعالى : (نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ) [النمل : ٤١] أي : أتعرف.

__________________

(١) في أ : أسلم.

(٢) البيت للنابغة. ينظر ديوانه : (٩٣) ، واللسان (نصف) ، والمفردات للراغب : (٧٥٥) ، الدر : (١ / ٩٥) ، والشعر والشعراء : ١ / ١٧٦ ، والمقاصد النحوية : ٣ / ٢٠١ ، وشرح الأشموني : ١ / ٢٥٩.

(٣) البيت لأبي حية النميري. ينظر الحماسة : ٢ / ١١٦ ، القرطبي : ١ / ١١٣ ، الدر : ١ / ٩٥.

٢٧٣

الرابع : بمعنى «الرسول» قال تعالى : (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً) [البقرة : ٣٨] أي: رسول.

الخامس : بمعنى «الرشاد» قال تعالى : (وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ) [ص : ٢٢] أي أرشدنا.

وقوله : (عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ) [فصلت : ٢٢].

وقوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّراطَ) [الفاتحة : ٦].

السادس : بمعنى : «القرآن» قال تعالى : (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى) [النجم : ٢٣] أي : القرآن.

السابع : بمعنى : بعثة النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال تبارك وتعالى : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي) [الشورى : ٥٢].

الثامن : بمعنى «شرح الصدور» قال تعالى : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) [الأنعام : ١٢٥].

التاسع : التوراة ، قال تبارك وتعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى) [غافر : ٥٣] يعني: التوراة.

العاشر : «الجنة» قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ) [يونس : ٩] أي : يدخلهم الجنة.

الحادي عشر : «حج البيت» قال تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ) [آل عمران : ٩٦] أي الحج.

الثاني عشر : «الصلاح» قال تعالى : (وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ) [يوسف : ٥٢] أي : لا يصلح.

الثالث عشر : «التوبة» قال تعالى : (إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ) [الأعراف : ١٥٦] أي : تبنا ورجعنا.

فصل في المقصود بالهدى

قال ابن الخطيب (١) «رضي الله تعالى عنه» : الهدى عبارة عن الدلالة.

وقال صاحب «الكشاف» : الهدى هو الدلالة الموصّلة للبغية.

وقال آخرون : الهدى هو الاهتداء والعلم والدليل على صحة الأول أنه لو كان كون الدلالة موصلة إلى البغية معتبرا في مسمى الهدى لامتنع حصول الهدى عند عدم الاهتداء ؛ لأن كون الدلالة موصلة إلى الاهتداء حال عدم الاهتداء محال ، وقد ثبت

__________________

(١) ينظر الفخر الرازي : ٢ / ١٩.

٢٧٤

الهدى حال عدم الاهتداء قال الله تعالى : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) [فصلت : ١٧] أثبت الهدى مع عدم الاهتداء. واحتج صاحب «الكشّاف» بأمور ثلاثة :

[أوّلها] : وقوع الضلالة في مقابلة الهدى ، قال تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) [البقرة : ١٦] ، وقال تعالى : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [سبأ : ٢٤].

وثانيها : يقال : مهديّ في موضع المدح كالمهتدي ، فلو لم يكن من شرط الهدى كون الدلالة موصلة إلى البغية لم يكن الوصف بكونه مهديا مدحا ؛ لاحتمال أنه هدي ، فلم يهتد.

وثالثها : أن «اهتدى» مطاوع «هدى» يقال : هديته فاهتدى ، كما يقال : كسرته فانكسر ، وقطعته فانقطع ، فكما أن الانكسار والانقطاع لازمان للكسر والقطع ، وجب أن يكون الاهتداء من لوازم «الهدى».

والجواب عن الأوّل : أن الفرق بين الهدى والاهتداء معلوم بالضرورة ، فمقابل «الهدى» هو «الإضلال» (١) ومقابل «الاهتداء» هو «الضلال» فجعل «الهدى» في مقابلة «الضلال» ممتنع.

وعن الثاني : المنتفع (٢) بالهدى سمي مهديا ؛ لأن الوسيلة إذا لم تفض إلى المقصود كانت نازلة منزلة المعدوم.

وعن الثالث : أن (٣) الائتمار مطاوع الأمر يقال : أمرته فائتمر ، ولم يلزم منه أن يكون من شرط كونه آمرا حصول الائتمار ، وكذا لا يلزم من كونه هذه أن يكون مفضيا إلى الاهتداء ، على أنه معارض بقوله : هديته فلم يهتد.

ومما يدل على فساد قول من قال : الهدى هو العلم خاصة أن الله ـ تعالى ـ وصف القرآن بأنه هدى ، ولا شك أنه في نفسه ليس بعلم ، فدلّ على أن الهدى هو الدلالة لا الاهتداء والعلم.

فصل في اشتقاق المتقي

والمتقي في اللغة : اسم فاعل من قولهم : وقاه فاتّقى ، والوقاية : فرط الصيانة.

قال ابن عباس رضي الله عنهما : التقيّ : من يتقي الشّرك والكبائر والفواحش (٤) ، وهو مأخوذ من الاتقاء ، وأصله : الحجز بين شيئين.

__________________

(١) في أ : الضلال.

(٢) في أ : أي المنتفع.

(٣) سقط في أ.

(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠ / ٢٣٣ ـ شاكر).

٢٧٥

وفي الحديث : «كان إذا احمرّ البأس اتّقينا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم» (١).

أي : إذا اشتد الحرب جعلناه حاجزا بيننا وبين العدو ، فكأن المتقي جعل الامتثال لأمر الله ، والاجتناب عما نهاه حاجزا بينه وبين العذاب. وقال عمر بن الخطّاب لكعب الأحبار : «حدثني عن التقوى ، فقال : هل أخذت طريقا ذا شوك؟ قال : نعم ، قال : فما عملت فيه؟ قال : حذرت وشمّرت ، قال كعب : ذلك التّقوى». وقال عمر بن عبد العزيز : التقوى ترك ما حرّم الله ، وأداء ما افترض الله ، فما رزق الله بعد ذلك فهو خير (٢) إلى خير.

وقال ابن عمر : التّقوى ألا ترى نفسك خيرا من أحد.

إذا عرفت هذا فنقول : إن الله ـ تعالى ـ ذكر المتقي هاهنا في معرض المدح ، [ولن يكون ذلك](٣) بأن يكون متقيا في أمور الدنيا بل بأن يكون متقيا فيما يتصل بالدّين ، وذلك بأن يكون آتيا بالعبادات ، محترزا عن المحظورات. واختلفوا في أنه هل يدخل اجتناب الصّغائر في التقوى؟ فقال بعضهم : يدخل كما تدخل الصّغائر في الوعيد.

وقال آخرون : لا يدخل ، ولا نزاع في وجوب التوبة عن الكلّ ، إنما النزاع في أنه إذا لم يتوقّ الصغائر هل يستحق هذا الاسم؟

فروي عنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه قال : «لا يبلغ العبد درجة المتّقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس» (٤). وعن ابن عباس ـ رضي الله تعالى عنهما ـ أنهم الذين يحذرون من الله العقوبة في ترك ما يميل الهوى إليه ، ويرجون رحمته بالتّصديق بما جاء منه.

واعلم أن حقيقة التقوى ، وإن كانت هي التي ذكرناها إلّا أنها قد جاءت في القرآن ، والغرض الأصلي منها الإيمان تارة ؛ كقوله تعالى : (وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى) [الفتح : ٢٦] أي : التوحيد (أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى) [الحجرات : ١٣] ، (قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ) [الشعراء : ١١] أي : لا يؤمنون.

وتارة التوبة كقوله تبارك وتعالى : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا) [الأعراف : ٩٦] ، (وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) [المؤمنون : ٥٢].

__________________

(١) أخرجه الإمام أحمد في «المسند» (١ / ١٥٦) عن علي بن أبي طالب مرفوعا بلفظ : كان إذا احمر البأس ولقي القوم القوم اتقينا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٢) في أ : كان.

(٣) سقط في أ.

(٤) أخرجه الترمذي رقم (٢٤٥١) وابن ماجه (٢ /) رقم (٤٢١٥) والبيهقي (٢ / ٣٢٥) والطبراني (١٧ / ١٦٩).

وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه والحديث ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٥٧) وعزاه لأحمد وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه والترمذي وابن ماجه وابن أبي حاتم والبيهقي في «الشعب» عن عطية السعدي مرفوعا.

٢٧٦

وتارة ترك المعصية كقوله تعالى : (وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللهَ) [البقرة : ١٨٩] أي : فلا تعصوه.

وتارة الإخلاص كقوله : (فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج : ٣٠] أي : من إخلاص القلوب.

وهاهنا سؤالات :

السؤال الأول : كون الشّيء هدى ودليلا لا يختلف بحسب شخص دون شخص فلماذا جعل القرآن هدى للمتّقين فقط؟ وأيضا فالمتقي مهتدي ، والمهتدي لا يهتدي ثانيا ، والقرآن لا يكون هدى للمتقين؟

والجواب : أن القرآن كما أنه هدى للمتقين ، ودلالة لهم على وجود الصانع ، وعلى صدق رسوله ، فهو أيضا دلالة للكافرين ؛ إلا أن الله تبارك وتعالى ذكر المتقين مدحا ليبين أنهم هم الذين اهتدوا ، وانتفعوا به كما قال : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها) [النازعات : ٤٥] وقال : (إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ) [يس : ١١].

وقد كان عليه الصلاة والسلام منذرا لكلّ الناس ، فذكر هؤلاء الناس لأجل أن هؤلاء هم الذين انتفعوا بإنذاره.

وأما من فسر الهدى بالدلالة الموصلة إلى المقصود ، فهذا السؤال زائل عنه ؛ لأن كون القرآن موصلا إلى المقصود ليس إلّا في حق المتقين.

السّؤال الثاني : كيف وصف القرآن كله بأنه هدى ، وفيه مجمل ومتشابه كثير ، ولو لا دلالة العقل لما تميز المحكم عن المتشابه ، فيكون الهدى في الحقيقة هو الدلالة العقلية لا القرآن؟

ونقل عن علي بن أبي طالب أنه قال لابن عباس حين بعثه رسولا إلى الخوارج : لا تحتجّ عليهم بالقرآن ، فإنه خصم ذو وجهين ، ولو كان هدى لما قال علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ ذلك فيه ، ولأنا نرى (١) جميع فرق الإسلام يحتجون به ، ونرى القرآن مملوءا من آيات بعضها صريح في الجبر ، وبعضها صريح في القدر ؛ فلا يمكن التوفيق بينهما إلّا بالتعسّف الشديد ، فكيف يكون هدى؟

الجواب : أن ذلك المتشابه والمجمل لما لم ينفك عما هو المراد على التعيين (٢) ـ وهو إما دلالة العقل ، أو دلالة السمع ـ صار كله هدى.

السؤال الثالث : كل ما يتوقّف كون القرآن حجّة على صحته لم يكن القرآن هدى فيه ، فإذا استحال كون القرآن هدى في معرفة ذات الله ـ تعالى ـ وصفاته ، وفي معرفة

__________________

(١) في أ : ولا نرى.

(٢) في أ : المتقين.

٢٧٧

النبوة ، فلا شكّ أن هذه المطالب أشرف المطالب ، فإذا لم يكن القرآن هدى فيها ، فكيف جعله الله هدى على الإطلاق؟

الجواب : ليس من شرط كونه هدى أن يكون هدى في كل شيء ، بل يكفي فيه أن يكون هدى في بعض الأشياء ، وذلك بأن يكون هدى في تعريف الشّرائع ، أو يكون هدى في تأكيد ما في العقول ، وهذه الآية من أقوى الدلائل على أن المطلق لا يقتضي (١)

__________________

(١) تعريف المطلق والمقيد في اللغة :

أولا : معنى المطلق في اللغة :

الأصل في مادة «طلق» هو التخلية والإرسال ، ورد في لسان العرب : يعير طلق وطلق بغير قيد ، وأطلقه ، فهو طليق ومطلق : سرحه ، والجمع طلقاء ، والطلقاء : الأسراء العتقاء ، والتطليق : التخلية والإرسال وحل العقد ، ويكون الإطلاق بمعنى الترك والإرسال. وفي معجم مقاييس اللغة ٣ / ٤٢٠ أن مادة «طلق» تدل على التخلية والإرسال ، ومن المجاز قولهم : امرأة طالق وطالقة ؛ إذا طلقها زوجها وسجنوه طلقا : غير مقيد.

وتنوعت آراء الأصوليين في تعريف المطلق والمقيد ؛ وذلك لاختلافهم في اعتبار كل منهما على طريقين هما :

الأول : من ذهب إلى التسوية بين المطلق والنكرة ؛ لأن هناك شبها بينهما ، ولما كانت النكرة تدل على الفرد الشائع ـ أي المنتشر ، فالمطلق عند هؤلاء يدل على الفرد الشائع ؛ لأنه فرد من أفراد النكرة ، فهو تابع لها بما تدل عليه ، ومن أنصار هذا الرأي : جمهور الشافعية ومن وافقهم من العلماء ، ومنهم سيف الدين الآمدي ، وابن الحاجب.

الثاني : وهو مذهب جمهور الأحناف ، والسبكي ، والقرافي ، والأصفهاني ، وابن ملك صاحب المنار ، وغيرهم ؛ حيث يرون أن المطلق يغاير النكرة ، فليس ثمة شبه بين اللفظين ؛ لأن النكرة تدل على الفرد الشائع ، بيما المطلق يدل على الماهية المطلقة بلا قيد.

معنى المطلق اصطلاحا :

تنوعت آراء الأصوليين في تعريف المطلق ؛ على مذهبين رئيسيين هما :

المذهب الأول : ويمثله جمهور الشافعية ومن لف لفهم من الفقهاء ؛ الذين سووا بين المطلق والنكرة ، وقد ذهب سيف الدين الآمدي إلى تعريف المطلق بأنه : النكرة في سياق الإثبات ، أي : الوحدة الشائعة ؛ لأن النكرة في الإثبات إنما تنصرف إلى الفرد المنتشر. وعرفه ابن الحاجب : بما دلّ على شائع في جنسه ، وقد اختار هذا التعريف صاحب «التلويح» ، وصاحب «المرآة» من الحنفية ، وعبر عنه في «المرآة» فقال : المطلق : وهو الشائع في جنسه. وعرفه ابن قدامة : بأنه المتناول لواحد بعينه باعتبار حقيقة شاملة لجنسه ، وهي النكرة في سياق الأمر.

المذهب الثاني : وهو مذهب الجمهور من الأحناف ، ومنهم : البزدوي ؛ وكذلك القرافي في «التنقيح» ، وابن السبكي في «جمع الجوامع» ، «الإبهاج شرح المنهاج».

قال البزدوي : المطلق هو المتعرض للذات دون الصفات ، لا بالنفي ولا بالإثبات ، أي : أنه الدال على الماهية من حيث هي هي ، ومثله للفناري في «فصول البدائع». وقال ابن ملك في شرحه على «المنار» : المطلق هو ما لم يكن موصوفا بصفة على حدة.

وقال القرافي : المطلق : هو كل حقيقة اعتبرت من حيث هي هي ، أي : أنه الدال على الماهية بلا قيد ، إلا أن الإطلاق عنده أمر نسبي اعتباري ؛ فقد يكون المطلق مقيدا ـ كرقبة ـ مطلقا بالنظر لقيد الإيمان في ـ

٢٧٨

العموم ، فإن الله ـ تعالى ـ وصفه بكونه هدى من غير تقييد في اللّفظ ، مع أنه يستحيل أن يكون هدى في إثبات الصّانع ، وصفاته ، وإثبات النبوة ، فثبت أنّ المطلق لا يفيد العموم.

السّؤال الرابع : الهدى هو الذي بلغ في البيان والوضوح إلى حيث بين غيره ، والقرآن ليس كذلك ، فإن المفسّرين ما ذكروا آية إلّا وذكروا فيها أقوالا كثيرة متعارضة ، ويؤيد هذا قوله تعالى : (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) [النحل : ٤٤].

وما يكون كذلك لا يكون مبينا في نفسه ، فضلا عن أن يكون مبينا لغيره ، فكيف يكون هدى؟ قلنا : من تكلم في التفسير بحيث يورد الأقوال المتعارضة ، ولا يرجح واحدا منها على الباقي يتوجه عليه السؤال ، وأما من رجح واحدا على البواقي فلا يتوجّه عليه السؤال.

قوله تعالى : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ)(٣)

«الذين» يحتمل الرفع والنصب والجر ، والظاهر الجر ، وهو من ثلاثة أوجه :

__________________

ـ المؤمنة ، فاللفظ لا يكون مطلقا بالوضع ، وإنما نسبته إلى أمر آخر هي التي تصيّره مطلقا ، وهو يشير إلى ضابط الإطلاق بما اقتصر اللفظ فيه على مسمّى اللفظة المفردة ؛ كرقبة ، وإنسان.

وقال ابن السبكي في «الإبهاج» : المطلق على الإطلاق : هو المجرد عن جميع القيود ، الدّال على ماهية الشيء من غير أن يدل على شيء من أحوالها وعوارضها.

وقال ابن السبكي في «جمع الجوامع» : المطلق : هو الدال على الماهية بلا قيد ؛ من وحدة أو غيرها ؛ كالشيوع أو التعيين ، فالمنفي في التعريف هو اعتبار القيد لا وجوده في الواقع ونفس الأمر ؛ فإنه لا يتأتى وجود الماهية في الخارج إلا مقيدة ، وعدم اعتبار القيد في التعريف يصدق من وجهين : الأول : أن يوجد في الواقع لكنه لا يعتبر. الثاني : أن يوجد فقط ، فالقيد المذكور أعم من اعتبار العدم ؛ لأن الكلّيّ الطبيعي ، الذي هو عبارة عن الماهية له اعتبارات هي :

١ ـ إما مأخوذ لا بشرط شيء : وهو المطلق عن جميع العوارض ، فهو غير موجود في الأعيان الخارجية ؛ من حيث كونها فردا من الأفراد كما هو مذهب أكثر العلماء ، وإنما هو موجود فيها من حيث وجود شيء في الخارج يصدق عليه ، وإن خالفه باعتبار المفهوم الذهني.

٢ ـ أو مأخوذ بشرط شيء : وهو المسمى بالماهية المخلوطة ، نحو : الإنسان بقيد الوحدة ؛ وكالمقيد بهذا وأنت ، وهو موجود في الأعيان الخارجية.

٣ ـ أو مأخوذ بشرط لا شيء : وهو غير معتبر في الأحكام لعدم تحقق وجوده في الخارج مطلقا.

ينظر البحر المحيط للزركشي : ٣ / ٤١٥ ، الإحكام في أصول الأحكام للآمدي : ٣ / ٣ ، سلاسل الذهب للزركشي : ص ٢٨٠ ، نهاية السول للإسنوي : ٢ / ٣١٩ ، وزوائد الأصول له : ٢٩٨ ، غاية الوصول للشيخ زكريا الأنصاري : ص ٨٢ ، التحصيل من المحصول للأرموي : ١ / ٤٠٧ ، المستصفى للغزالي : ٢ / ١٨٥ ، حاشية البناني : ٢ / ٤٤ ، الآيات البينات لابن قاسم العبادي : ٣ / ٧٦ ، تخريج الفروع على الأصول للزنجاني : ص ٢٦٢ ، تيسير التحرير لأمير بادشاه : ١ / ٣٢٨ ، ميزان الأصول للسمرقندي : ١ / ٥٦١ ، كشف الأسرار للنسفي : ١ / ٤٢٢ ، شرح التلويح على التوضيح لسعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني : ٢ / ١٥٥ ، الوجيز للكراماستي : ص ١٤ ، تقريب الوصول لابن جزيّ : ص ٨٣ ، إرشاد الفحول للشوكاني : ص ١٦٤ ، شرح الكوكب المنير للفتوحي : ص ٤٢٠.

وينظر الروضة لابن قدامة : (١٣٦) الحدود للباجي : (٤٧).

٢٧٩

أظهرها : أنه نعت ل «المتقين».

والثاني : بدل.

والثالث : عطف بيان.

وأما الرفع فمن وجهين :

أحدهما : أنه خبر مبتدأ محذوف على معنى القطع ، وقد تقدم.

والثاني : أنه مبتدأ ، وفي خبره قولان : أحدهما : «أولئك» الأولى.

والثاني : «أولئك» الثانية ، والواو زائدة ، وهذان القولان منكران ؛ لأن قوله : (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ) يمنع كون «أولئك» الأولى خبرا ، ووجود الواو يمنع كون «أولئك» الثانية خبرا أيضا.

وقولهم : الواو زائدة لا يلتفت إليه.

والنصب على القطع.

و «يؤمنون» صلة وعائد.

قال الزمخشري : «فإذا كان موصولا كان الوقف على «المتقين» حسنا غير تام ، وإذا كان منقطعا كان وقفا تاما».

وهو مضارع علامة رفعه «النون» ؛ لأنه أحد الأمثلة الخمسة وهي عبارة عن كل فعل مضارع اتصل به «ألف» اثنين ، أو «واو» جمع ، أو «ياء» مخاطبة ، نحو : «يؤمنان ـ تؤمنان ـ يؤمنون ـ تؤمنون ـ تؤمنين».

والمضارع معرب أبدا ، إلّا أن يباشر نون توكيد أو إناث ، على تفصيل يأتي إن شاء الله ـ تعالى ـ في غضون هذا الكتاب.

وهو مضارع «أمن» بمعنى : صدق ، و «آمن» مأخوذ من «أمن» الثلاثي ، فالهمزة في «أمن» للصّيرورة نحو : «أعشب المكان» أي : صار ذا عشب.

أو لمطاوعة فعل ، نحو : «كبه فأكب» ، وإنما تعدى بالباء ، لأنه ضمن معنى اعترف ، وقد يتعدّى باللام كقوله تعالى : (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا) [يوسف : ١٧] ، (فَما آمَنَ لِمُوسى) [يونس : ٨٣] إلّا أن في ضمن التعدية باللام التّعدية بالباء ، فهذا فرق ما بين التعديتين. وأصل «يؤمنون» : «يؤأمنون» بهمزتين :

الأولى : همزة «أفعل».

والثانية فاء الكلمة ، حذفت الأولى ؛ لأن همزة «أفعل» تحذف بعد حرف المضارعة ، واسم فاعله ، ومفعوله نحو : «أكرم» و «يكرم» و «أنت مكرم ، ومكرم».

وإنما حذفت ؛ لأنه في بعض المواضع تجتمع همزتان ، وذلك إذا كان حرف المضارعة همزة نحو : «أنا أكرم» ، الأصل : أأكرم بهمزتين ، الأولى : للمضارعة والثانية : همزة «أفعل» ، فحذفت الثانية ؛ لأن بها حصل الثّقل ؛ ولأن حرف المضارعة أولى بالمحافظة عليه ، ثم حمل باقي الباب على ذلك طردا للباب.

٢٨٠