اللّباب في علوم الكتاب - ج ١

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٩٩

اختصّ بأحكام لم يشركه فيها غيره كما ستقف عليه ـ إن شاء الله تعالى ـ ثم جاء الجمع على التزام البدّل.

وأما الألف واللام ، فيترتب الكلام فيها على كونه مشتقا أو غير مشتقّ.

فإن قيل بالأول كانت في (١) الأصل معرفة.

وإن قيل بالثاني كانت زائدة.

وقد شذّ حذف الألف واللّام من الجلالة في قولهم : «لاه أبوك» والأصل : «لله أبوك» كما تقدم ، قالوا : وحذفت الألف التي قبل الهاء خطّا ؛ لئلّا يشتبه بخط «اللّات» : اسم الصنم ؛ لأنّ بعضهم يقلب هذه التاء في الوقف هاء ، فيكتبها هاء تبعا للوقف ، فمن ثمّ جاء الاشتباه.

وقيل : لئلا يشبّه (٢) بخطّ «اللّاه» اسم فاعل من «لها ـ يلهو» وهذا إنما يتم على لغة من يحذف ياء المنقوص (٣) وقفا ؛ لأن الخطّ يتبعه ، وأما من يثبتها وقفا فيثبتها خطّا ، فلا لبس حينئذ.

وقيل : حذف الألف لغة قليلة جاء الخطّ عليها ، والتزم ذلك ؛ لكثرة استعماله ؛ قال الشاعر : [الرجز]

٣٠ ـ أقبل سيل جاء من أمر الله

يحرد حرد الجنّة المغلّه (٤)

قال ابن الخطيب ـ رحمه‌الله ـ : ويتفرع على هذا مسائل :

أحدها : لو قال عند الحلف : بلّه ، فهل تنعقد يمينه أم لا؟

قال بعضهم : لا ؛ لأنّ بلّه [اسم](٥) للرّطوبة فلا ينعقد اليمين به.

وقال آخرون : ينعقد اليمين ؛ لأن ذلك بحسب أصل اللّغة جائز ، وقد نوى به الحلف ، فوجب أن تنعقد.

وثانيها : لو ذكره على هذه الصّفة عند الذّبيحة هل يصحّ ذلك أم لا؟

وثالثها : لو ذكر قول : «الله» في قوله : «الله أكبر» هل تنعقد الصلاة به أم لا؟

وحكم لامه التفخيم ، تعظيما ما لم يتقدمه كسر فترقّق.

وقد (٦) كان أبو القاسم الزّمخشريّ ـ رحمه‌الله تعالى ـ قد أطلق (٧) التفخيم ، ولكنه يريد ما قلته.

__________________

(١) في أ : كانت به.

(٢) في أ : يشتبه.

(٣) في أ : المعروف.

(٤) ينظر البيت في اللسان : «حرد» ، إصلاح المنطق لابن السكيت : ٤٧ ، شواهد الكشاف : ٤ / ٥٠٦ ، المحرر الوجيز : ١ / ٩٦ ، التفسير الكبير : ١ / ٩٢ ، الدر : ١ / ٥٨.

(٥) سقط في ب.

(٦) في ب : وإن.

(٧) في أ : ذكر.

١٤١

ونقل أبو البقاء (١) ـ رحمه‌الله ـ : «أنّ منهم من يرققها على كل حال وهذا ليس بشيء ؛ لإن العرب على خلافه كابرا عن كابر كما ذكره (٢) الزمخشريّ.

ونقل الفرّاء خلافا فيما إذا تقدمه فتحة ممالة أي قريبة من الكسرة : فمنهم من يرقّقها ، ومنهم من يفخّمها ، وذلك كقراءة السّوسيّ (٣) في أحد وجهيه : (حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) [البقرة : ٥٥].

قال ابن الخطيب (٤) ـ رحمه‌الله تعالى ـ : «لم يقل أحد : «الله» بالإمالة إلا قتيبة في بعض الروايات».

ونقل السّهيلي (٥) ، وابن العربيّ (٦) فيه قولا غريبا ، وهو أنّ الألف واللام فيه أصلية غير زائدة ، واعتذروا عن وصل الهمزة ، لكثرة الاستعمال كما يقول الخليل في همزة التعريف (٧) ، وقد ردّ قولهما بأنه كان ينبغي أن ينوّن لفظ الجلالة ، وكان وزنه حينئذ «فعّال» نحو : «لئّال» و «سئّال» ، وليس فيه ما يمنعه من التنوين ، فدلّ على أنّ «أل» زائدة على ماهية الكلمة.

ومن غريب ما نقل فيه ـ أيضا ـ أنّه ليس بعربيّ ، بل هو معرّب ، وهو سريانيّ الوضع ، وأصله : «لاها» فعرّبته العرب ، فقالوا : «الله» ؛ واستدلوا على ذلك بقول الشاعر : [مخلّع البسيط]

__________________

(١) ينظر الإملاء : ١ / ٥.

(٢) في أ : نقله.

(٣) صالح بن زياد السوسي الرقي ، أبو شعيب : مقرىء ضابط للقراءات ، ثقة. ينظر الأعلام : ٣ / ١٩١ ، والنشر : ١ / ١٣٤ ، وغاية النهاية : ١ / ٣٣٢.

(٤) ينظر تفسير الرازي : ١ / ٩٢.

(٥) عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد الخثعمي السهيلي : حافظ ، عالم باللغة والسير ، ضرير ، ولد في مالقة ، وعمي وعمره ١٧ سنة ، ونبغ فاتصل خبره بصاحب مراكش ، فطلبه إليها وأكرمه ، فأقام يصنّف كتبه ، من كتبه : «الروض الأنف» في شرح السيرة النبوية لابن هشام ، وغيرها من الكتب في التفسير. ولد سنة ٥٠٨ ه‍ ، وتوفي سنة ٥٨١ ه‍.

انظر : وفيات الأعيان : ١ / ٢٨ ، نكت الهميان : ١٨٧ ، زاد المسافر : ٩٦ ، والأعلام : ٣ / ٣١٣.

(٦) محمد بن عبد الله بن محمد المعافري الإشبيلي المالكي ، أبو بكر بن العربي ، ولد في ٤٦٨ ه‍. قاصّ من حفاظ الحديث ، بلغ رتبة الاجتهاد في علوم الدين ، صنف كتبا في الحديث ، والفقه ، والأصول ، والتفسير ، والأدب ، ولي قضاء «إشبيلية». توفي في سنة ٥٤٣ ه‍.

ينظر : وفيات الأعيان : ١ / ٤٨٩ ، ونفح الطيب : ١ / ٣٤ ، وسلوة الأنفاس : ٣ / ١٩٨ ، وبرنامج القرويين : ٥٤٩ ، والأعلام : ٦ / ٢٣٠.

(٧) قال سيبويه : وزعم الخليل أن الألف واللام اللتين يعرّفون بهما حرف واحد ك «قد» وأن ليست واحدة منهما منفصلة من الأخرى ، كانفصال ألف الاستفهام في قوله أأريد ، ولكن الألف كألف «ايم» في «ايم الله» ، وهي موصولة كما أن ألف «ايم» موصولة حدّثنا بذلك يونس عن أبي عمرو ، وهو رأيه.

ينظر سيبويه : ٣ / ٣٢٤.

١٤٢

٣١ ـ كحلفة من أبي رياح

يسمعها لاهه الكبار (١)

فجاء به على الأصل قبل التعريف ، نقل ذلك أبو زيد البلخي (٢) ـ رحمه‌الله تعالى ـ.

ومن غريب ما نقل فيه ـ أيضا ـ أنّ الأصل فيه «الهاء» التي هي كناية عن الغائب ، قالوا : وذلك أنّهم أثبتوه موجودا في نظر عقولهم ؛ فأشاروا إليه بالضمير ، ثمّ زيدت فيه لام الملك ، إذ قد علموا أنه خالق الأشياء ومالكها ، فصار اللفظ «له» ، ثمّ زيد فيه الألف واللّام ؛ تعظيما وتفخيما ، وهذا لا يشبه كلام أهل اللغة ، ولا النّحويّين ، وإنما يشبه كلام بعض المتصوّفة.

ومن غريب ما نقل فيه ـ أيضا ـ أنّه صفة ، وليس باسم ، واعتلّ [هذا الذاهب إلى](٣) ذلك ؛ أنّ الاسم يعرّف المسمّى ، والله ـ تعالى ـ لا يدرك حسّا ولا بديهة ، فلا يعرّفه اسمه ، وإنما تعرّفه صفاته ؛ ولأنّ العلم قائم مقام الإشارة ، وذلك ممتنع في حقّ الله تعالى.

وقد ردّ الزمخشريّ هذا القول بما معناه : أنّك تصفه ، ولا تصف به فتقول : إله عظيم واحد كما تقول : شيء عظيم ، ورجل كريم ، ولا تقول : شيء إله ، كما لا تقول : شيء رجل ، ولو كان صفة لوقع صفة لغيره لا موصوفا.

وأيضا : فإنّ صفاته الحسنى ، لا بدّ لها من موصوف بها تجري عليه ، فلو جعلناها كلّها صفات بقيت غير جارية على اسم موصوف بها ، وليس فيما عدا الجلالة خلاف في كونه صفة ، فتعيّن أن تكون الجلالة اسما لا صفة ، والقول في هذا الاسم الكريم يحتمل الإطالة ، وهذا القدر كاف.

فصل في اختصاص لفظ الجلالة به سبحانه

قال ابن الخطيب (٤) ـ رحمة (٥) الله تعالى عليه ـ : أطبق جميع الخلق على أنّ قولنا :

__________________

(١) البيت للأعشى. ينظر ديوانه : ص ٣٣٣ ، وجمهرة اللغة ص ٣٢٧ ، وخزانة الأدب : ٢ / ٢٦٦ ، ٢٦٩ ، ٧ / ١٧٦ ، والدرر : ٣ / ٣٩ ، ولسان العرب : (أله) ، ١٣ / ٥٣٩ (لوه) ، وهمع الهوامع : ١ / ١٧٨ ، والمقاصد النحوية : ٤ / ٢٣٨ ، وشرح المفصل : ١ / ٣ ، وأمالي ابن الشجري : ٢ / ١٥ ، وروح المعاني : ١ / ٥٦ ، والبحر المحيط : ١ / ١٢٥ ، والتفسير الكبير : ١ / ١٣٧ ، والدر : ١ / ٥٩.

(٢) أحمد بن سهل ، أبو زيد البلخي : أحد الكبار الأفذاذ من علماء الإسلام ، جمع بين الشريعة والفلسفة والأدب والفنون ولد في إحدى قرى «بلخ» سنة ٢٣٥ ه‍ ، وفي فهرست «ابن النديم» قائمة مؤلفاته وهي كثيرة منها : «أقسام العلوم» ، و «شرائع الأديان» ، و «كتاب السياسة الكبير» ، و «كتاب السياسة الصغير» ، و «نظم القرآن» وينسب إليه كتاب «البدء والتاريخ» ، وأكثر أهل التحقيق على أنه لمطهر بن طاهر المقدسي. ينظر الأعلام : ١ / ١٣٤ ، ولسان الميزان : ١ / ١٨٣.

(٣) سقط في أ.

(٤) ينظر الفخر الرازي : ١ / ١٣٧.

(٥) في ب : الخليل.

١٤٣

«الله» مخصوص بالله تبارك وتعالى ، وكذلك قولنا : «الإله» مخصوص به سبحانه وتعالى.

وأمّا الّذين كانوا يطلقون اسم الإله على غير الله ـ تعالى ـ فإنّما كانوا يذكرونه بالإضافة كما يقال : «إله كذا» ، أو ينكّرونه كما قال ـ تبارك وتعالى ـ عن قوم موسى ـ عليه‌السلام ـ : (اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) [الأعراف : ١٣٨].

فصل في خواص لفظ الجلالة

قال ابن الخطيب (١) ـ رحمه‌الله تعالى ـ : «اعلم أنّ هذا الاسم مخصوص بخواصّ لا توجد في سائر أسماء الله تعالى.

فالأولى : أنّك إذا حذفت الألف من قولك : «الله» بقي الباقي على صورة «لله» ، وهو مختصّ به سبحانه وتعالى ، كما في قوله تعالى : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [آل عمران : ١٨٩] ، وإن حذفت من هذه البقية اللام الأولى بقيت البقية على صورة «له» ؛ كما في قوله تبارك وتعالى : (لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الشورى : ١٢] ، وقوله تعالى : (لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ) [التغابن : ١] ، وإن حذفت اللام الباقية كانت البقية «هو» وهو ـ أيضا ـ يدلّ عليه سبحانه وتعالى ؛ كما في قوله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) [الإخلاص : ١] ، وقوله : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) [البقرة : ٢٥٥] والواو زائدة ؛ بدليل : سقوطه في التثنية والجمع فإنّك تقول : هما ، وهم ، ولا تبقي الواو فيهما ، فهذه الخاصيّة موجودة في لفظ «الله» ـ تعالى ـ غير موجودة في سائر الأسماء ، وكما [حصلت](٢) هذه الخاصية بحسب اللفظ (٣) [فقد حصلت ـ أيضا ـ بحسب المعنى](٤) ، فإنّك إذا دعوت الله ـ تبارك وتعالى ـ بالرّحمة فقد وصفته بالرّحمة ، وما وصفته بالقهر ، وإذا دعوته بالعليم ، فقد وصفته بالعلم ، وما وصفته بالقدرة.

وأما إذا قلت : «يا الله» ، فقد وصفته بجميع الصّفات ؛ لأنّ الإله لا يكون إلها إلّا إذا كان موصوفا بجميع هذه الصفات ، فثبت أنّ قولنا : «الله» قد حصلت له هذه الخاصية التي لم تحصل لسائر الأسماء.

الخاصّية الثّانية : أنّ كلمة الشهادة ، وهي الكلمة التي بسببها ينتقل الكافر من الكفر إلى الإيمان (٥) ، ولو لم يكن فيها هذا الاسم ، لم يحصل الإيمان ، فلو قال الكافر : أشهد أن لا إله

__________________

(١) ينظر الفخر الرازي : ١ / ١٣٧

(٢) سقط في أ.

(٣) في أ : المعنى.

(٤) سقط في أ.

(٥) اعلم أن الإيمان على خمسة أقسام : إيمان عن تقليد : وهو الإيمان الناشىء عن الأخذ بقول الشيخ من غير دليل ، وإيمان عن علم : وهو الإيمان الناشىء عن معرفة العقائد بأدلتها ، وإيمان عن عيان : وهو الإيمان الناشىء عن مراقبة القلب لله ، بحيث لا يغيب عنه طرفة عين ، وإيمان عن حق : وهو الإيمان الناشىء عن مشاهدة الله بالقلب ، وإيمان عن حقيقة : وهو الإيمان الناشىء عن كونه لا يشهد إلا الله ، فالتقليد للعوام ، والعلم لأصحاب الأدلة ، والعيان لأهل المراقبة : ويسمى مقام المراقبة ، والحق للعارفين ، ويسمى مقام المشاهدة ، والحقيقة للواقفين ، ويسمى مقام الفناء ، لأنهم يفنون عن غير الله ـ

١٤٤

إلّا الرّحيم ، أو إلّا الملك ، أو إلّا القدّوس ، لم يخرج من الكفر ، ولم يدخل في الإسلام.

أمّا إذا قال : أشهد أن لا إله إلّا الله ، فإنه يخرج من الكفر ، ويدخل في الإسلام ، وذلك يدلّ على اختصاص هذا الاسم بهذه الخاصية الشّريفة.

[وفي هذا نظر](١) ؛ لأنا لا نسلّم هذا في الأسماء المختصة بالله ـ سبحانه وتعالى ـ مثل : القدّوس والرّحمن.

فصل في رسم لفظ الجلالة

كتبوا لفظة «الله» بلامين ، وكتبوا لفظة «الذي» بلام واحدة ، مع استوائهما في اللفظ ، وفي أكثر الدّوران على الألسنة ، وفي لزوم التّعريف ؛ والفرق من وجوه :

الأول : أنّ قولنا : «الله» اسم معرب متصرّف تصرّف الأسماء ، فأبقوا كتابته على الأصل.

أما قولنا «الذي» فهو مبنيّ من أجل أنه ناقص ، مع أنّه لا يفيد إلّا مع صلته ، فهو كبعض الكلمة ، ومعلوم أنّ بعض الكلمة يكون مبنيا ، فأدخلوا فيه النّقصان لهذا السبب ، ألا ترى أنهم كتبوا قوله ـ تعالى ـ «اللّذان» بلامين ؛ لأنّ التثنية أخرجته عن مشابهة الحروف ؛ لأنّ الحرف لا يثنّى.

الثّاني : أن قولنا : «الله» لو كتب بلام واحدة لالتبس بقوله : «إله» ، وهذا الالتباس غير حاصل في قولنا : «الذي».

الثالث : أنّ تفخيم ذكر الله ـ تعالى ـ في اللفظ واجب ، هكذا في الخطّ ، والحذف ينافي التفخيم.

وأمّا قولنا : «الذي» فلا تفخيم له في المعنى ، فتركوا ـ أيضا ـ تفخيمه في الخطّ.

قال ابن الخطيب (٢) ـ رحمة الله تعالى عليه ـ : «إنما حذفوا الألف قبل الهاء من قولنا : «الله» في الخطّ ؛ لكراهة اجتماع الحروف [المتشابهة في الصّورة](٣) ، [وهو مثل كراهتهم اجتماع الحروف المقابلة في اللفظ](٤) عند القراءة».

(الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) [الفاتحة : ١] صفتان مشتقّتان من الرّحمة.

__________________

ـ ولا يشهدون إلا إياه ، وأما حقيقة الحقيقة فهي للمرسلين ، وقد منعنا الله من كشفها ، فلا سبيل إلى بيانها. ينظر شرح الجوهرة : ص (٣٠ ، ٣١).

(١) سقط في أ.

(٢) ينظر الرازي : ١ / ٩٤.

(٣) في أ : المتماثلة في اللفظ.

(٤) سقط في أ.

١٤٥

وقيل : الرحمن ليس مشتقا ؛ لأنّ العرب لم تعرفه في قولهم : (وَمَا الرَّحْمنُ) [الفرقان : ٦٠] وأجاب ابن العربيّ عنه : بأنّهم إنّما جهلوا الصّفة دون الموصوف ؛ ولذلك لم يقولوا : ومن الرحمن؟

وقد تبعا موصوفهما في الأربعة من العشرة المذكورة.

وذهب (١) الأعلم الشّنتمريّ (٢) إلى أنّ «الرحمن» بدل من اسم «الله» لا نعت له ، وذلك مبنيّ على مذهبه من أنّ «الرحمن» عنده علم بالغلبة.

واستدلّ على ذلك بأنّه قد جاء غير تابع لموصوف [كقوله تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ)](٣) [الرحمن : ١ ـ ٢] و (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) [طه : ٥].

وقد ردّ عليه السّهيليّ بأنه لو كان بدلا لكان مبيّنا لما قبله ، وما قبله وهو الجلالة الكريمة لا تفتقر إلى تبيين ؛ لأنها أعرف الأعلام ، ألا تراهم قالوا : «وما الرّحمن» ولم يقولوا : وما الله؟

وأما قوله : «جاء غير تابع» فذلك لا يمنع كونه صفة ؛ لأنه إذا علم الموصوف جاز حذفه ، وبقاء صفته ؛ كقوله تبارك وتعالى : (وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ) [فاطر : ٢٨] أي : نوع مختلف [ألوانه](٤) ، وكقول الشاعر [في ذلك المعنى](٥) : [البسيط]

٣٢ ـ كناطح صخرة يوما ليفلقها

فما وهاها وأوهى قرنه الوعل (٦)

أي : كوعل ناطح ، وهو كثير.

والرحمة لغة : الرقّة والانعطاف ، ومنه اشتقاق الرّحم ، وهي البطن ؛ لانعطافها على الجنين ، فعلى هذا يكون وصفه ـ تعالى ـ بالرحمة مجازا عن إنعامه على عباده ، كالملك إذا عطف على رعيّته أصابهم خيره ، هذا معنى قول أبي القاسم الزمخشريّ ـ رحمه‌الله تعالى ـ

__________________

(١) في أ : وذكر.

(٢) يوسف بن سليمان بن عيسى الشنتمري الأندلسي ، أبو الحجاج المعروف بالأعلم ، ولد في شنتمرية ٤١٠ ه‍ ، كف بصره في آخر عمره ، من كتبه : شرح ديوان الحماسة ، شرح ديوان زهير بن أبي سلمى ، شرح ديوان علقمة الفحل. توفي ٤٧٦ ه‍. ينظر وفيات : ٢ / ٢٥٣ ، وإرشاد : ٧ / ٣٠٧ ، ومرآة الجنان : ٣ / ١٥٩ ، ونكت الهميان : ٣١٣ ، والأعلام : ٨ / ٢٣٣.

(٣) سقط في أ.

(٤) سقط في أ.

(٥) سقط في أ.

(٦) البيت للأعشى في ديوانه : ص ١١١ ، وينظر شرح التصريح : ٢ / ٦٦ ، والمقاصد النحوية : ٣ / ٥٢٩ ، والأغاني : ٩ / ١٤٩ ، وأوضح المسالك : ٣ / ٢١٨ ، والرد على النحاة : ص ٧٤ ، وشرح الأشموني : ٢ / ٣٤١ ، وشرح شذور الذهب : ص ٥٠١ ، وشرح ابن عقيل : ص ٤٢١ ، وشرح الأبيات المشكلة الإعراب لأبي علي الفارسي : ٢ / ٥٥١ ، والدر : ١ / ٦٠ ، ٣٢.

١٤٦

ويكون على هذا التقدير صفة فعل ، لا صفة ذات.

وقيل : الرحمة : إرادة الخير لمن [أراده الله بذلك](١) ووصفه بها على هذا القول حقيقة ، وهي حينئذ صفة ذات ، وهذا القول هو الظّاهر.

وقيل : الرحمة [رقّة](٢) تقتضي الإحسان إلى المرحوم ، وقد تستعمل تارة في الرّقّة المجرّدة ، وتارة في الإحسان المجرّد ، وإذا وصف به البارىء ـ تعالى ـ فليس يراد به [إلّا](٣) الإحسان المجرد دون الرّقة ، وعلى هذا روي : «الرّحمة من الله ـ تعالى ـ إنعام وإفضال ، ومن الآدميّين رقّة وتعطّف».

وقال ابن عباس ـ رضي الله تعالى عنهما ـ : «هما اسمان رقيقان أحدهما أرقّ من الآخر ، أي أكثر رحمة».

قال الخطّابيّ : وهو مشكل ؛ لأنّ الرقّة لا مدخل لها في صفاته.

[وقال الحسين بن الفضل (٤) : هذا وهم من الراوي ؛ لأن الرقّة ليست من صفات الله ـ تعالى ـ في شيء](٥) ، وإنما هما اسمان رفيقان أحدهما أرفق من الآخر والرفق من صفاته.

قال عليه الصّلاة والسّلام : «إنّ الله ـ تعالى ـ رفيق يحبّ الرفق ، ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف» (٦) ؛ ويؤيّده الحديث الآخر. وأما الرحيم فهو الرفيق بالمؤمنين خاصّة.

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) سقط في أ.

(٣) سقط في أ.

(٤) الحسين بن الفضل بن عمير البجلي : مفسر معمر ، ولد في ١٧٨ ه‍ ، كان رأسا في معاني القرآن ، أصله من الكوفة ، انتقل إلى «نيسابور» وأنزله واليها عبد الله بن طاهر في دار اشتراها له ، فأقام بها يعلّم الناس ٦٥ سنة ، وكان قبره بها معروفا. توفي في ٢٨٢ ه‍. ينظر أهل المئة من المورد ، ج : ٢ العدد ص ١٢٢ ، والعبر : ٢ / ٥٨ ، ولسان الميزان : ٢ / ٣٠٧ والأعلام : ح ٢ / ٢٥١.

(٥) سقط في أ.

(٦) أخرجه مسلم في الصحيح : (٤ / ٢٠٠٣ ـ ٢٠٠٤) كتاب «البر والصلة والآداب» (٤٥) باب «فضل الرفق» حديث رقم (٧٧ / ٢٥٩٣) عن عائشة ـ وأبو داود في السنن : حديث رقم (٤٨٠٧) ـ وأحمد في المسند : (١ / ١١٢) و (٤ / ٨٧) ـ وعبد الرزاق في مصنفه : حديث رقم (٩٢٥١) ـ وابن حبان في الموارد : حديث رقم (١٩١٤) ـ والبيهقي في السنن : (١٠ / ١٩٣) وابن أبي شيبة في المصنف : (٨ / ٣٢٤ ، ٣٢٥) ـ والبخاري في التاريخ الكبير : (١ / ٣٠٨) ، (٦ / ٦١) ـ ومالك في الموطأ : (٩٧٩) ـ وابن عدي في الكامل : (٤ / ١٦٠٥) ـ وذكره المنذري في الترغيب : (٣ / ٤١٥) ، والهيثمي في الزوائد : (٨ / ٢١ ، ٣ / ٢١٦) والهندي في كنز العمال : حديث رقم (٥٣٧٠) ، (٥٣٧١) ، (١٧٥٠٤) وأخرجه ابن ماجة : (٣٦٨٨) ، وأبو نعيم : (٨ / ٣٠٦) ، والبزار : (٢ / ٤٠٤) عن أبي هريرة وقال الهيثمي : وفيه عبد الرحمن بن أبي بكر الجدعاني ؛ وهو ضعيف.

١٤٧

واختلف أهل العلم في أنّ (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) بالنسبة إلى كونهما بمعنى واحد ، أو مختلفين؟

فذهب بعضهم : إلى أنهما بمعنى واحد ك «ندمان ونديم» ، ثم اختلف هؤلاء على قولين:

فمنهم من قال : يجمع بينهما ؛ تأكيدا.

ومنهم من قال : لما تسمّى مسيلمة ـ لعنه الله ـ ب «الرحمن» قال الله تعالى لنفسه : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) فالجمع بين هاتين الصفتين لله ـ تعالى ـ فقط. وهذا ضعيف جدّا ؛ فإنّ تسميته بذلك غير معتدّ بها ألبتة ، وأيضا : فإن (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) قبل ظهور أمر مسيلمة.

ومنهم من قال : لكلّ واحد فائدة غير فائدة الآخر ، وجعل ذلك بالنسبة إلى تغاير متعلّقهما ؛ إذ يقال : «رحمان الدّنيا ، ورحيم الآخرة» ، ويروى ذلك عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وشرف وكرم وبجل ومجد وعظم ـ وذلك لأن رحمته في الدنيا تعمّ المؤمن والكافر ، وفي الآخرة تخصّ المؤمنين فقط.

ويروى : «رحيم الدّنيا ، ورحمان الآخرة» وفي المغايرة بينهما بهذا القدر وحده نظر لا يخفى.

وذهب بعضهم إلى أنّهما مختلفان ، ثمّ اختلف هؤلاء أيضا :

فمنهم من قال : الرحمان أبلغ ؛ ولذلك لا يطلق على غير البارىء ـ تعالى ـ ، واختاره الزمخشريّ ، وجعله من باب «غضبان» و «سكران» للممتلىء غضبا وسكرا ؛ ولذلك يقال : «رحمان الدنيا والآخرة ، ورحيم الآخرة فقط».

قال الزّمخشريّ (١) : «فكان القياس الترقّي من الأدنى إلى الأعلى كما يقال : «شجاع باسل» ولا يقال : «باسل شجاع».

ثم أجاب : بأنه أردف «الرحمان» الذي يتناول جلائل النّعم وأصولها ب «الرحيم» ؛ ليكون كالتّتمّة والرّديف ؛ ليتناول [ما دقّ منها](٢) ، ولطف.

ومنهم من عكس : فجعل «الرحيم» أبلغ ، ويؤيده رواية من قال : «رحيم الدنيا ، ورحمان الآخرة» ؛ لأنه في الدنيا يرحم المؤمن والكافر ، وفي الآخرة لا يرحم إلا المؤمن.

لكنّ الصحيح أنّ «الرحمن» (٣) أبلغ ، وأما هذه الرواية فليس فيها دليل ، بل هي دالّة على أنّ «الرحمان» أبلغ ؛ وذلك لأنّ القيامة فيها الرّحمة أكثر بأضعاف ، وأثرها فيها أظهر على ما يروى : «أنه خبّأ لعباده تسعا وتسعين رحمة ليوم القيامة».

__________________

(١) ينظر الكشاف : ١ / ٨.

(٢) في أ : ما دونهما.

(٣) في ب : الرحيم.

١٤٨

والظاهر أنّ جهة المبالغة فيهما مختلفة ؛ فمبالغة «فعلان» من حيث : الامتلاء والغلبة ، ومبالغة «فعيل» من حيث : التكرار والوقوع بمحالّ الرحمة.

وقال أبو عبيدة (١) : وبناء «فعلان» ليس كبناء «فعيل» ؛ فإنّ بناء «فعلان» لا يقع إلّا على مبالغة الفعل ، نحو : «رجل غضبان» للممتلىء غضبا ، و «فعيل» يكون بمعنى «الفاعل ، والمفعول» ؛ قال الشّاعر : [الطويل]

٣٣ ـ فأمّا إذا عضّت بك الحرب عضّة

فإنّك معطوف عليك رحيم (٢)

ف «الرّحمن» خاصّ الاسم ، عامّ الفعل ، و «الرّحيم» عامّ الاسم ، خاصّ الفعل ؛ ولذلك لا يتعدّى «فعلان» ويتعدّى «فعيل».

حكى ابن سيده (٣) : «زيد حفيظ علمك وعلم غيرك».

والألف واللام في «الرّحمان» للغلبة كهي في «الصّعق» ، ولا يطلق على غير الباري ـ تعالى ـ عند أكثر العلماء ـ رحمهم‌الله تعالى ـ لقوله تعالى : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) [الإسراء : ١١٠] فعادل به ما لا شركة فيه بخلاف «رحيم» ، فإنه يطلق على غيره ـ تعالى ـ قال في [حقه ـ عليه الصلاة والسلام ـ](٤) : (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) [التوبة : ١٢٨].

وأما قول الشاعر في [حقّ](٥) مسيلمة الكذّاب (٦) ـ لعنه الله تعالى : [البسيط]

__________________

(١) ينظر مجاز القرآن : ١ / ٢١.

(٢) البيت لعملس بن عقيل. ينظر الحماسة : ٢ / ١٥٨ ، واللسان : (رحم) ، والقرطبي : ١ / ٧٤ ، والبحر : ١ / ١٢٥ ، والدر : ١ / ٦١.

(٣) علي بن إسماعيل ، المعروف بابن سيده ، أبو الحسن ، إمام في اللغة وآدابها ، ولد ب «مرسية» (في شرق الأندلس) سنة ٣٩٨ ه‍ ، وانتقل إلى «دانية» فتوفي بها سنة ٤٥٨ ه‍ ، كان ضريرا (وكذلك أبوه) ، واشتغل بنظم الشعر مدة ، وانقطع للأمير أبي الجيش مجاهد العامري ، ونبغ في آداب اللغة ومفرداتها ، فصنف : «المخصص» ؛ وهو من أثمن كنوز العربية ، و «المحكم والمحيط الأعظم» ، و «شرح ما أشكل من شعر المتنبي» ، و «الأنيق» في شرح حماسة أبي تمام وغير ذلك. ينظر الأعلام : ٤ / ٢٦٤ ، ابن خلكان : ١ / ٣٤٢ ، وبغية الملتمس : ٤٠٥ ، وإنباه الرواة : ٢ / ٢٢٥.

(٤) في أ : حق نبيه عليه‌السلام.

(٥) سقط في أ.

(٦) أبو ثمامة مسليمة بن ثمامة بن كبير بن حبيب الحنفي الوائلي متنبىء ، من المعمرين ، ولد ونشأ ب «اليمامة» بوادي حنيفة ، في نجد ، تلقب في الجاهلية ب «الرحمن» ، وعرف ب «رحمان اليمامة» ، وقد أكثر مسليمة من وضع أسجاع يضاهي بها القرآن ، وكان مسيلمة ضئيل الجسم ، قالوا في وصفه : كان رويجلا ، أصيغر ، أخينس ، ويقال : كان اسمه «مسلمة» ، وصغره المسلمون تحقيرا له. قتل سنة ١٢ ه‍ في معركة قادها خالد بن الوليد ـ في عهد أبي بكر الصديق ـ للقضاء على فتنته. ينظر ابن هشام : ٣ / ٨٤ ، والروض الأنف : ٢ / ٣٤٠ ، والكامل لابن الأثير : ٢ / ١٣٧.

١٤٩

٣٤ ـ ...........

وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا (١)

فلا يلتفت إلى قوله ، لفرط تعنّتهم.

ولا يستعمل إلّا معرفا بالألف واللام أو مضافا ، ولا يلتفت لقوله : «لا زلت رحمانا» ؛ لشذوذه.

ومن غريب ما نقل فيه أنه معرّب ، ليس بعربيّ الأصل ، وأنه بالخاء المعجمة ، قاله ثعلب ، والمبرّد (٢) ، وأنشد قول القائل : [البسيط]

٣٥ ـ لن تتركوا المجد أو تشروا عباءتكم

بالخزّ أو تجعلوا الينبوت ضمرانا

أو تتركون إلى القسّين هجرتكم

ومسحكم صلبهم رخمان قربانا (٣)

قال ابن الخطيب ـ رحمه‌الله تعالى ـ : إنّما جاز حذف الألف قبل النّون من لفظة «الرحمن» في الخطّ على سبيل التخفيف ، ولو كتب بالألف حسن ، ولا يجوز حذف الياء من «الرحيم» ؛ لأنّ حذف الألف من «الرحمن» لا يخلّ بالكلمة ، ولا يحصل في الكلمة التباس ، [بخلاف حذف الياء](٤) من «الرّحيم».

قال ابن الخطيب : أجمعوا على أنّ إعراب «الرحمن الرحيم» هو الجرّ ؛ لكونهما صفتين للمجرور ، إلا أن الرفع والنصب جائزان فيهما بحسب الحال ، أما الرفع فعلى تقدير : «بسم الله هو الرحمن».

وأما النصب فعلى تقدير : «بسم الله أعني الرّحمن الرحيم».

وفي وصل «الرّحيم» ب «الحمد» ثلاثة أوجه :

الذي عليه الجمهور : «الرّحيم» ـ بكسر الميم ـ موصولة ب «الحمد» وفي هذه الكسرة احتمالان :

أحدهما : وهو الأصحّ : أنها حركة إعراب.

وقيل : يحتمل أنّ الميم سكّنت على نية الوقف ، فلما وقع بعدها ساكن حرّكت بالكسر.

__________________

(١) عجز بيت لرجل من بني حنيفة ، يمدح مسيلمة الكذاب وصدره : سموت بالمجد يا ابن الأكرمين أبا ينظر الكشاف : ١ / ٧ ، روح المعاني : ١ / ٥٩ ، والدر المصون ١ / ٦٢.

(٢) محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالي الأزدي ، أبو العباس ، المعروف بالمبرد : إمام العربية ببغداد في زمنه. من كتبه «الكامل» و «المذكر المؤنث» و «شرح لامية العرب» و «إعراب القرآن» توفي ببغداد سنة ٢٨٦ انظر : بغية الوعاة ١١٦ ، وفيات الأعيان ١ / ٤٩٥ ، الأعلام ٧ / ١٤٤.

(٣) البيتان لجرير. ينظر ديوانه ٤٥٤ ، اللسان «رحم» ، القرطبي : ١ / ٧٤ ، الدر ١ / ٦٢ ، وللبيت روايات متعددة.

(٤) في أ : بحذف حرفه.

١٥٠

والثّاني من وجهي الوصل : سكون الميم والوقف عليها ، والابتداء بقطع الألف «ألحمد» روت ذلك أمّ سلمة (١) ـ رضي الله عنها وعليه الصّلاة والسّلام ـ.

الثّالث : حكى الكسائيّ عن بعض العرب أنّها تقرأ «الرحيم الحمد» بفتح الميم ، ووصل ألف الحمد كأنها سكنت الميم ، وقطعت الألف ، ثم أجرت الوقف مجرى الوصل ، فألقت حركة همزة الوصل على الميم الساكنة.

قال ابن عطيّة (٢) ـ رحمه‌الله تعالى ـ : «ولم ترو هذه قراءة عن أحد فيما علمت».

ولهذا نظير يأتي تحقيقه ـ إن شاء الله تعالى ـ في : (الم اللهُ) [آل عمران : ١ ، ٢].

ويحتمل هذا وجها آخر ، وهو : أن تكون الحركة للنّصب بفعل محذوف على القطع ، وهو أولى من هذا التكلف ، كالقراءة المرويّة عن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم وشرف وكرم وبجل وعظم وفخم.

فصل في بيان هل البسملة آية من كل سورة أم لا

اختلف العلماء في البسملة هل هي آية من كل سورة أم لا؟ على ثلاثة أقوال :

أحدها : أنها ليست بآية من «الفاتحة» ، ولا من غيرها ، وهو قول مالك ـ رحمه‌الله ـ لأنّ القرآن لا يثبت بأخبار الآحاد ، وإنما طريقه التّواتر.

قال ابن العربيّ : «ويكفيك أنّها ليست من القرآن الكريم اختلاف الناس فيها ، والقرآن لا يختلف فيه». والأخبار الصّحيحة [دالّة] على أنّ البسملة ليست بآية من «الفاتحة» ، ولا من غيرها ، إلا في «النّمل» ، واستدلّ بما روى [مسلم رحمه‌الله] عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وشرف وكرم ومجد وبجل وعظم أنه قال : «يقول الله تبارك وتعالى : قسمت الصّلاة بيني وبين عبدي نصفين ...» (٣). الحديث.

__________________

(١) هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشية المخزومية : أم سلمة وأم المؤمنين لها ثلثمائة وثمانية وسبعون حديثا. اتفقا على ثلاثة عشر. وانفرد البخاري بثلاثة ومسلم بمثلها وعنها نافع وابن المسيب وأبو عثمان النهدي وخلق. قال الواقدي : توفيت سنة تسع وخمسين قال الذهبي : هي آخر أمهات المؤمنين وفاة. ينظر ترجمتها في تهذيب التهذيب : (١٢ / ٤٥٥ رقم ٢٩٠٥) ، التقريب : ٢ / ٦١٧. الثقات : ٣ / ٤٣٩. أسد الغابة : ٧ / ٢٨٩. أعلام النساء : ٥ / ٢٢١. الاستيعاب : ٤ / ١٩٢٠.

تنوير قلوب المسلمين : ٦٤. الدر المنثور : ٥٣١. الإصابة : ٨ / ١٥٠. الكاشف : ٣ / ٤٨٣. تجريد أسماء الصحابة : ٢ / ٣١٠. تهذيب الكمال : ٣ / ١٦٩٩. الخلاصة : ٣ / ٣٩٤ ، ٤٠٥.

(٢) عبد الحق بن غالب بن عبد الرحيم ـ وقيل : عبد الرحمن ـ ابن غالب بن تمام بن عبد الرؤوف بن عبد الله بن تمام بن عطية الغرناطي ، صاحب المحرر الوجيز توفي في خامس عشري رمضان سنة اثنتين وقيل : إحدى ، وقيل ست وأربعين وخمسمائة ، البغية ٢ / ٧٣.

(٣) أخرجه مسلم في الصحيح (١ / ٢٩٦) كتاب الصلاة (٤) باب وجوب قراءة الفاتحة (١١) حديث (٣٨ / ٣٩٥) وأخرجه الترمذي في السنن (٥ / ١٨٤ ـ ١٨٥) كتاب تفسير القرآن (٤٨) باب «ومن سورة فاتحة ـ

١٥١

الثاني : أنها آية من كلّ سورة ، وهو قول عبد الله بن المبارك (١).

الثالث : قال الشّافعيّ ـ رضي الله تعالى عنه ـ : هي آية في الفاتحة ، وتردّد قوله في غيرها ، فمرة قال : هي آية من كل سورة ، ومرّة قال : ليست بآية إلّا من «الفاتحة» وحدها.

ولا خلاف بينهم في أنها آية من القرآن في سورة «النّمل».

واحتجّ الشافعيّ : بما رواه الدّارقطنيّ (٢) عن النبي ـ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ، وشرف وكرم وبجل ومجد وعظم ـ أنه ربّ العالمين ، فاقرءوا «بسم الله الرّحمن الرّحيم ، إنّها أمّ القرآن ، وأمّ الكتاب ، والسّبع المثاني ، وبسم الله الرّحمن الرّحيم إحدى آياتها» (٣).

وحجّة ابن المبارك ما رواه مسلم (٤) أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم وشرف وكرم وبجل ومجد وعظم ـ قال : «أنزلت عليّ آنفا سورة» فقرأ : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ)(٥) [الكوثر : ١].

__________________

ـ الكتاب» (٢) حديث رقم (٢٩٥٣) وقال أبو عيسى : هذا حديث حسن ـ والنسائي في السنن (٢ / ١٣٦) كتاب الافتتاح باب ترك قراءة بسم الله الرحمن الرحيم رقم (٩٠٩) وابن ماجة في السنن حديث رقم (٣٧٨٤) والبيهقي في السنن (٢ / ٣٧ ، ٣٩ ، ٣٧٥) والحميدي في المسند (٩٧٣) ـ وذكره ابن عبد البر في التمهيد ٢ / ٢٣٠ والمنذري في الترغيب ٢ / ٣٦٧.

(١) عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي بالولاء ، التميمي ، المروزي أبو عبد الرحمن : الحافظ ، شيخ الإسلام ، المجاهد التاجر ، صاحب التصانيف والرحلات. ولد سنة ١١٨ ه‍. أفنى عمره في الأسفار ، حاجا ومجاهدا وتاجرا. وجمع الحديث والفقه والعربية وأيام الناس والشجاعة والسخاء. كان من سكان خراسان ومات ب «هيت» (على الفرات) سنة ١٨١ ه‍ منصرفا من غزو الروم. له كتاب في «الجهاد» وهو أول من صنف فيه و «الرقائق». ينظر الأعلام : ٤ / ١١٥ ، وتذكرة الحفاظ ١ / ١٥٣ ، والرسالة المستطرفة ٣٧ ، وشذرات ١ / ٢٩٥.

(٢) علي بن عمر بن أحمد بن مهدي ، أبو الحسن الدارقطني الشافعي ، إمام عصره في الحديث وأول من صنف في القراءات وعقد لها أبوابا ، ولد ب «دار القطن» (من أحياء بغداد) سنة ٣٠٦ ه‍ ورحل إلى مصر ، فساعد ابن حنزابة (وزير كافور الإخشيدي) على تأليف مسنده ، وعاد إلى بغداد فتوفي بها سنة ٣٨٥ ه‍. من تصانيفه : كتاب «السنن» و «العلل الواردة في الأحاديث النبوية» و «المجتبى من السنن المأثورة» و «المؤتلف والمختلف» الجزء الثاني منه وهو الأخير في دار الكتب. ينظر الأعلام : ٤ / ٣١٤ ، وفيات الأعيان ١ / ٣١١ ، وغاية النهاية ١ / ٥٥٨ ، وتاريخ بغداد ١٢ / ٣٤.

(٣) أخرجه الدارقطني في السنن (١ / ٣٠٧) كتاب الصلاة باب وجوب قراءة بسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة والجهر بها عن أم سلمة وأخرجه أيضا البيهقي (١ / ٣١٢) كتاب الصلاة باب وجوب قراءة بسم الله الرحمن الرحيم عن أبي هريرة.

(٤) مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري أبو الحسين النيسابوري الحافظ أحد الأئمة الأعلام وصاحب الصحيح والطبقات. قال أحمد بن سلمة : رأيت أبا حاتم وأبا زرعة يقدمان مسلما في معرفة الصحيح على مشايخ عصرهما وقال أبو عبد الله بن الأحزم : توفي لخمس بقين من رجب سنة إحدى وستين ومائتين ، ومولده سنة أربع. ينظر الخلاصة : ٣ / ٢٤.

(٥) أخرجه مسلم في الصحيح (٤ / ٣٠٠) كتاب الصلاة (٤) باب حجة من قال البسملة آية من أول كل ـ

١٥٢

وسيأتي بقية الكلام على البسملة في آخر الكلام على الفاتحة إن شاء الله تعالى.

فصل في بيان أن أسماء الله توقيفية أم اصطلاحية

اختلف العلماء ـ رحمهم‌الله تعالى ـ في أن أسماء الله ـ تعالى ـ : توقيفية أم اصطلاحيّة؟

قال بعضهم : لا يجوز إطلاق شيء من الأسماء والصفات على الله ـ تعالى ـ إلّا إذا كان واردا في القرآن والأحاديث الصّحيحة.

وقال آخرون : كلّ لفظ على معنى يليق بجلال الله وصفاته ، فهو جائز ؛ إلّا فلا.

وقال الغزاليّ رحمه‌الله تعالى : «الاسم غير ، والصفة غير ، فاسمي محمّد ، واسمك أبو بكر ، فهذا من باب الأسماء ، وأما الصفات ، فمثل وصف هذا الإنسان بكونه طويلا فقيها ، وكذا ، وكذا ، إذا عرفت هذا الفرق فيقال : أما إطلاق الاسم على الله ، فلا يجوز إلّا عند وروده في القرآن والخبر ، أما الصفات فإنه لا تتوقّف على التوقيف».

واحتج الأوّلون بأن قالوا : إن العالم له أسماء كثيرة ، ثم إنا نصف الله بكونه عالما ، ولا نصفه بكونه طبيبا ولا فقيها ، ولا نصفه بكونه متيقنا ، ولا بكونه متبينا ، وذلك يدلّ على أنه لا بدّ من التوقيف.

وأجيب عنه فقيل : أما الطّبيب فقد ورد ؛ نقل أنّ أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ لمّا مرض قيل له : نحضر الطّبيب؟ فقال : الطّبيب أمرضني.

وأما الفقيه فهو أنّ الفقه : عبارة عن فهم غرض المتكلّم من كلامه بعد دخول الشّبهة فيه. وهذا ممتنع الثبوت في حقّ الله تعالى.

وأما المتيقّن : هو العليم الذي حصل بسب تعاقب الأمارات الكثيرة ، وترادفها ، حتّى بلغ المجموع إلى إفادة الجزم ، وذلك في حق الله ـ تعالى ـ محال.

[وأمّا التّبيين : فهو عبارة عن الظّهور بعد الخفاء](١).

وإنّما قلنا : إنّ التبيين عبارة عن الظهور بعد الخفاء ، وذلك لأنّ التبيين مشتقّ من البينونة وهي : عبارة عن التفريق بين أمرين متّصلين ، فإذا حصل في القلب اشتباه صورة بصورة ، ثم انفصلت إحداهما عن الأخرى ، فقد حصلت البينونة ، فلهذا السبب سمّي ذلك بيانا وتبيينا ، ومعلوم أن ذلك في حقّ الله ـ تعالى ـ محال.

واحتجّ القائلون بأنه : لا حاجة إلى التّوقيف بوجوه :

__________________

ـ سورة سوى براءة (١٤) حديث رقم (٥٣ / ٤٠٠) ـ وأبو داود في السنن حديث رقم (٧٨٤) وذكره ابن كثير في التفسير ٨ / ٥١٩ ـ والهندي في كنز العمال حديث رقم ٣٩١٢٧.

(١) سقط في أ.

١٥٣

الأوّل : أنّ أسماء الله ـ تعالى ـ وصفاته مذكورة بالفارسية ، وبالتّركيّة ، وبالهنديّة ، وإنّ شيئا منها لم يرد في القرآن الكريم ، ولا في الأخبار ، مع أنّ المسلمين أجمعوا على جواز إطلاقها.

الثاني : أنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ قال : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها) [الأعراف: ١٨٠] ، والاسم لا يحسن إلا لدلالته على صفات المدح ، ونعوت الجلال ، وكلّ اسم دلّ على هذه المعاني كان اسما حسنا ، فوجب جواز إطلاقه في حقّ الله ـ تعالى ـ تمسّكا بهذه الآية الكريمة.

الثالث : أنه لا فائدة في الألفاظ إلّا رعاية المعاني ، فإذا كانت المعاني صحيحة كان المنع من اللّفظ المفيد [إطلاق اللفظة المعينة](١) عبثا.

وأما الذي قاله الغزاليّ ـ رحمه‌الله تعالى ـ فحجّته : أنّ وضع الاسم في حقّ الواحد منّا يعدّ سوء أدب ؛ ففي حقّ الله ـ تعالى ـ أولى.

أما ذكر الصّفات بالألفاظ المختلفة ، فهو جائز في حقّنا من غير منع ، فكذلك في حقّ الباري تعالى.

فصل في بيان صفات لا تثبت في حق الله

اعلم أنه قد ورد في القرآن ألفاظ دالة على صفات لا يمكن إثباتها في حق الله تعالى ، ونحن نعدّ منها صورا :

فإحداها : الاستهزاء ؛ قال تبارك وتعالى : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) [البقرة : ١٥] ثم إن الاستهزاء جهل ؛ لقول موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ حين قالوا : (أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) [البقرة : ٦٧].

وثانيها : المكر قال الله تعالى : (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ) [آل عمران : ٥٤].

وثالثها : الغضب ؛ قال الله تعالى : (غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ) [المجادلة : ١٤].

ورابعها : التعجّب ؛ قال الله تعالى : (بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ) [الصافات : ١٢].

فمن قرأ (٢) : «عجبت» بضم التاء كان التعجب منسوبا إلى الله ـ تعالى ـ والتعجّب : عبارة عن حالة تعرض في القلب عند الجهل بسبب الشيء المتعجّب منه.

وخامسها : التكبر ؛ قال الله تعالى : (الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ) [الحشر : ٢٣]. وهو صفة ذمّ.

وسادسها : الحياء ؛ قال الله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً) [البقرة :

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) ستأتي في سورة الصافات

١٥٤

٢٦] والحياء : عبارة عن تغيير يحصل في القلب والوجه عند فعل شيء قبيح.

واعلم أنّ القانون الصحيح في هذه الألفاظ أن نقول : لكلّ واحد من هذه الأحوال أمور توجد معها في البداية ، وآثار تصدر عنها في النّهاية ـ [أيضا](١) ـ.

مثاله : أنّ الغضب : حالة تحصل في القلب عند غليان دم القلب وسخونة المزاج ، والأثر الحاصل منها في النهاية إيصال الضّرر إلى المغضوب عليه ، فإذا سمعت الغضب في حقّ الله ـ تعالى ـ ، فاحمله على نهايات الأعراض ، [لا على بدايات الأعراض](٢) ، وقس الباقي عليه.

فصل في عدد أسماء الله

قال ابن الخطيب (٣) ـ رحمه‌الله ـ : «رأيت في بعض كتب الذكر أنّ لله ـ تعالى ـ أربعة آلاف اسم : ألف منها في القرآن ، والأخبار الصحيحة ، وألف في التوراة ، وألف في الإنجيل ، وألف في الزّبور ، ويقال : ألف آخر في اللّوح المحفوظ ، ولم يصل ذلك الألف إلى عالم البشر».

فصل في فضل البسملة

روي أن نوحا ـ عليه الصلاة والسلام ـ لما ركب السّفينة قال : (بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها) [هود : ٤١] وجد النجاة بنصف هذه الكلمة ، فمن واظب على هذه الكلمة طول عمره كيف يبقى محروما من النجاة؟

وأيضا أنّ سليمان ـ عليه الصلاة والسلام ـ ملّكه الله ـ تعالى ـ الدنيا والآخرة بقوله تعالى : (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) [النمل : ٣٠] فالمرجوّ أنّ العبد إذا قاله ، فإنه يملك الدنيا والآخرة.

فإن قيل : لم قدّم سليمان ـ عليه‌السلام ـ اسم نفسه على اسم الله ـ تعالى ـ في قوله : (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ) فالجواب من وجوه :

الأول : أنّ «بلقيس» لما وجدت ذلك الكتاب موضوعا على وسادتها ، ولم يكن لأحد عليها طريق ، ورأت الهدهد واقفا على طرف الجدار ، علمت أنّ ذلك الكتاب من سليمان ، فأخذت الكتاب ، وقالت : (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ) ، فلمّا فتحت الكتاب رأت (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، [قالت : (وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)](٤).

فقوله : (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ) من كلام «بلقيس» ، لا من كلام «سليمان».

__________________

(١) سقط في ب.

(٢) سقط في أ.

(٣) ينظر الرازي : ١ / ١٣٠.

(٤) سقط في أ.

١٥٥

الثاني : لعلّ سليمان كتب على عنوان الكتاب : (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ) ، وفي داخل الكتاب ابتدأ بقوله : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) كما هو العادة في جميع الكتب ، فلما أخدت بلقيس ذلك الكتاب ، وقرأت ما في عنوانه ، قالت : (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ) [فلما](١) فتحت الكتاب ، قرأت : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، فقالت : (وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ).

الثالث : أن بلقيس كانت كافرة ، فخاف سليمان ـ عليه‌السلام ـ أنّ «بسم الله» إذا نظرته في الكتاب شتمته ، فقدّم اسم نفسه على اسم الله تعالى ؛ ليكون الشّتم له ، لا لله تعالى.

فصل

الباء من «بسم الله» مشتقّ من البرّ ، فهو البارّ على المؤمنين بأنواع الكرامات في الدنيا والآخرة ، وأجلّ بره وكرامته أن يكرمهم يوم القيامة برؤيته.

مرض لبعضهم جار يهوديّ قال : فدخلت [عليه](١) للعيادة وقلت [له](١) أسلم ، فقال : على ماذا؟ قلت : من خوف النّار ، قال : لا أبالي بها ، فقلت : للفوز بالجنة ، فقال : لا أريدها ، قلت : فماذا تريد؟ قال : على أن يريني وجهه الكريم ، فقلت : أسلم على أن تجد هذا المطلوب ، فقال لي : اكتب بهذا خطّا ، فكتبت له بذلك خطّا ، فأسلم ومات من ساعته فصلينا عليه ودفنّاه ، فرأيته في النوم فقلت له : يا شمعون ، [ما فعل بك ربّك](٢) قال : غفر لي ، وقال لي : أسلمت شوقا إليّ.

وأما السّين فهو مشتقّ من اسمه السّميع ، يسمع دعاء الخلق من العرش إلى ما تحت الثّرى.

روي أنّ زيد بن حارثة (٣) ـ رضي الله تعالى عنه ـ خرج مع منافق من «مكة» (٤) إلى «الطّائف» (٥) ، فبلغا خربة ، فقال المنافق : ندخل ها هنا ونستريح ، فدخلا ونام زيد ، فأوثق

__________________

(١) سقط في ط.

(١) سقط في ط.

(١) سقط في ط.

(٢) في أ : ما فعل الله بك.

(٣) زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي اليماني ، حبّ رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ومولاه ، كان ممن بادر فأسلم من أول يوم وشهد بدرا ، وقتل بمؤتة أميرا سنة ثمان. قالت عائشة : لو كان حيّا لاستخلفه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ينظر خلاصة تهذيب الكمال : ١ / ٣٥٠.

(٤) علم على جميع البلدة ، وهي البلدة المعروفة المعظمة المحجوجة ، غير مصروفة ، للعلمية والتأنيث ، وقد سمّاها الله ـ تعالى ـ في القرآن أربعة أسماء : مكة ، والبلدة ، والقرية وأمّ القرى. قال ابن سيده : سميت مكة ؛ لقلة مائها ، وذلك أنهم كانوا يمتكون الماء فيها ، أي : يستخرجونه ، وقيل : لأنها كانت تمكّ من ظلم فيها ، أي : تهلكه.

وأما بكّة ، بالباء ، ففيها أربعة أقوال : أحدها : أنها اسم لبقعة البيت. والثاني : أنها ما حول البيت ، ومكّة ما وراء ذلك. والثالث : أنها اسم للمسجد والبيت ، ومكّة للحرم كله. والرابع : أن مكة هي بكّة ؛ قاله الضحّاك. واحتج بأن الباء والميم يتعاقبان ؛ يقال : سمد رأسه ، وسبده ، وضربة لازم ولازب. ينظر المطلع : ص ١٨٦ ، ١٨٧.

(٥) بعد الألف همزة مكسورة ، ثم فاء : كانت تسمى قديما «وجّ» ، وسمّيت الطائف ؛ لما أطيف عليها ـ

١٥٦

المنافق زيدا ، وأراد قتله ، فقال زيد : لم تقتلني؟ قال : لأنّ محمدا يحبك ، وأنا أبغضه ، فقال زيد : يا رحمن أغثني ، فسمع المنافق صوتا يقول : ويحك لا تقتله ، فخرج من الخربة ، ونظر فلم ير أحدا ، وأراد قتله فسمع هاتفا أقرب من الأول يقول : لا تقتله ، فخرج فلم ير شيئا ، فرجع ليقتله ، فسمع صائحا أقرب من الأول [يقول] : لا تقتله ، فخرج فرأى فارسا معه رمح ، فضربه الفارس ضربة فقتله ، ودخل الخربة ، فحل وثاق زيد ـ رضي الله عنه ـ وقال له : أما تعرفني؟ فقال : لا ؛ فقال : أنا جبريل حين دعوت كنت في السّماء السابعة فقال الله تعالى : أدرك عبدي ، وفي الثانية كنت في السماء الدنيا ، وفي الثالثة بلغت إلى المنافق.

وأما الميم فمعناه : أنّ من العرش إلى ما تحت الثرى ملكه وملكه.

قال السّديّ (١) رحمه‌الله تعالى : أصاب الناس قحط على عهد سليمان عليه الصّلاة والسّلام ، فأتوه فقالوا له : يا نبيّ الله ، لو خرجت بالناس إلى الاستسقاء ، فخرجوا فإذا سليمان ـ عليه الصّلاة والسلام ـ بنملة قائمة على رجليها باسطة يديها ، وهي تقول : اللهم ، إنّا خلق من خلقك ، ولا غنى [لنا](٢) عن فضلك ، قال : فصبّ الله ـ تعالى ـ عليهم المطر ، فقال : قد استجيب لكم بدعاء غيركم.

قال عليه الصّلاة والسلام : «من رفع قرطاسا من الأرض فيه (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) إجلالا لله ـ تعالى ـ كتب عند الله من الصّدّيقين (٣) وخفّف عن والديه ، ولو كانا مشركين».

__________________

ـ الحائط ؛ وهي ناحية ذات نخيل وأعناب ومزارع وأودية ، وهي على ظهر «جبل غزوان» ، وبها عقبة مسيرة يوم للطالع من مكة ، ونصف يوم للهابط إلى مكة ، يمشي فيها ثلاثة أجمال بأحمالها ينظر مراصد الاطلاع : ٢ / ٨٧٧.

(١) إسماعيل بن عبد الرحمن السدي : تابعي حجازي الأصل ، سكن الكوفة قال فيه ابن تغري بردي : «صاحب التفسير والمغازي والسير ، وكان إماما عارفا بالوقائع وأيام الناس» توفي في ١٢٨ ه‍. ينظر النجوم الزاهرة : ١ / ٣٠٨ ، اللباب : ١ / ٥٣٧ ، الأعلام : ١ / ٣١٧ التاريخ الكبير : ١ / ٣٦١ ، وأخبار أصبهان : ١ / ٢٠٤ ـ ٢٠٦.

(٢) في أ : لي.

(٣) رواه الدارقطني في «الأفراد» عن أبي هريرة رفعه ، ولأبي الشيخ عن أنس رفعه : «من رفع قرطاسا من الأرض فيه بسم الله إجلالا كتب من الصدّيقين». ومثله في الحكم كل اسم معظم. وأخرجه أبو نعيم في تاريخ أصبهان : ٢ / ٨٤ والخطيب في التاريخ : ١٢ / ٢٤١ والسهمي في تاريخ جرجان (٤٤٠) وأورده ابن الجوزي في العلل ١ / ٨١ وابن الشجري في الأمالي ١ / ٨٧ ، والسيوطي في الدر المنثور ١ / ١١ والشوكاني في فوائده (٢٧٧) وابن عراق في تنزيه الشريعة ١ / ٢٦٠ وقال ورواه ابن عدي من حديث أنس وفيه أبان وأبو حفص العبدي ، وتعقب بأنه جاء أيضا من حديث أبي هريرة أخرجه الدارقطني في «الأفراد» ، ومن حديث علي أخرجه ابن الجوزي في «الواهيات» وقال : في سند كل منهما من كذب فلا يصلحان شاهدا ، والله أعلم ، وبأن للجملة الأخيرة منه طريقا أخرى عن أنس عند الديلمي في مسند الفردوس. ولها شاهد قوي عند البيهقي في الشّعب عن علي موقوفا بلفظ : «تنوق رجل في بسم الله الرحمن الرحيم فغفر له» ، وله حكم الرفع.

١٥٧

وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أنّه ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ قال : «يا أبا هريرة إذا توضّأت فقل : بسم الله والحمد لله ، فإن حفظتك لا تستريح تكتب لك الحسنات حتى تفرغ ، وإذا غشيت أهلك ، فقل : بسم الله ، فإنّ حفظتك يكتبون لك الحسنات حتّى تغتسل من الجنابة ، فإن حصل من تلك الواقعة ولد ، كتب لك من الحسنات نفس ذلك الولد ، وبعدد أنفاس أعقابه إن كان له عقب حتّى لا يبقى منهم أحد ، يا أبا هريرة إذا ركبت دابة ، فقل : بسم الله ، والحمد لله يكتب لك من الحسنات بعدد كلّ خطوة ، فإذا ركبت السّفينة فقل بسم الله والحمد لله يكتب لك من الحسنات حتّى تخرج منها» (١).

وعن أنس (٢) ـ رضي الله تعالى عنه ـ أن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم وشرف وكرم وبجل ومجد وعظم وفخم قال : «ستر ما بين أعين الجنّ وعورات بني آدم ، إذا نزعوا ثيابهم أن يقولوا : بسم الله الرّحمن الرّحيم» (٣).

كتب قيصر إلى عمر ـ رضي الله تعالى عنه ـ أنّ بي صداعا لا يسكن ، فابعث لي دواء ، فبعث إليه عمر قلنسوة ، فكان إذا وضعها على رأسه سكن صداعه ، وإذا رفعها عن رأسه عاد الصّداع ، فتعجب منه ففتّش على القلنسوة ، فإذا فيها مكتوب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) [قال عليه السلاة والسلام : «من توضأ ولم يذكر اسم الله تعالى كان طهورا لتلك الأعضاء ، ومن توضأ وذكر اسم الله تعالى كان طهورا لجميع بدنه» (٤)](٥).

__________________

(١) الحديث أورده ابن عراق في «تنزيه الشريعة» (٢ / ٣٤٠) وعزاه لأبي الحسين بن المهتدي بالله في «فوائده» وقال : وفيه حماد بن عمرو ومجاهيل والحديث ذكره المتقي الهندي في «كنز العمال» (٩ / ٤٥٣) رقم (٢٦٩٣١) وعزاه للطبراني في «الأوسط».

(٢) أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام الأنصاري البخاري خدم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عشر سنين وذكر ابن سعد أنه شهد بدرا ، له ألف ومائتا حديث وستة وثمانون حديثا ، روى عن طائفة من الصحابة وعنه بنوه موسى والنضر وأبو بكر والحسن البصري وثابت البناني وسليمان التيمي وخلق لا يحصون ، مات سنة تسعين أو بعدها وقد جاوز المائة ، وهو آخر من مات بالبصرة من الصحابة رضي الله عنهم.

ينظر ترجمته في تهذيب الكمال : ١ / ١٢٢ ، تهذيب التهذيب : ١ / ٣٧٦ ، تقريب التهذيب : ١ / ٨٤ ، خلاصة تهذيب الكمال : ١ / ١٠٥ ، أسماء الصحابة الرواة ٣ ، تاريخ البخاري الكبير ٢ / ٢٧ ، تاريخ البخاري الصغير : ٢٤٥ ، الجرح التعديل : ٢ / ١٠٣٦ ، الثقات ٣ / ٤ ، تجريد أسماء الصحابة ١ / ٣١ ، أسد الغابة ١ / ١٥٧ ، الإصابة ١ / ١٢٦ ، ٨٤ ، شذرات الذهب : ١ / ١٠٠ معجم طبقات الحفاظ : ٦٦ ، الوافي بالوفيات : ٩ / ٤١١ ، الاستيعاب : ١ / ١٠٩.

(٣) أخرجه الترمذي في السنن (٢ / ٥٠٣ ـ ٥٠٤) كتاب الصلاة (٢) باب ما ذكر من التسمية عند دخول الخلاء (٢٦) حديث رقم (٦٠٦) وابن ماجة في السنن (١٠٩) كتاب الطهارة (١) باب ما يقول الرجل إذا دخل الخلاء (٩) حديث رقم (٢٩٧) واللفظ للترمذي وقال الترمذي : حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وإسناده ليس بذاك القوي.

(٤) أخرجه الدارقطني ١ / ٧٥ باب «التسمية على الوضوء» رقم (١٣) عن ابن عمر مرفوعا.

(٥) سقط في ب.

١٥٨

وطلب بعضهم آية من خالد بن الوليد فقال : إنك تدعي الإسلام ، فأرنا آية لنسلم ؛ فقال : جيئوني بالسّمّ القاتل ، فأتي بطاس من السّم ، فأخذها بيده وقال : بسم الله الرّحمن الرّحيم ، وأكل الكلّ ، وقام سالما بإذن الله ـ تعالى ـ فقال المجوسي : هذا دين حقّ.

مرّ عيسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ على قبر ، فرأى ملائكة العذاب يعذّبون ميتا ، فلما انصرف من حاجته مرّ على القبر ، فرأى ملائكة الرحمة معهم أطباق من نور ، فتعجّب من ذلك ، فصلّى ودعا الله ، فأوحى الله ـ تعالى ـ إليه : يا عيسى ، كان [هذا](١) العبد عاصيا ، ومذ مات كان محبوسا في عذابي ، وكان قد ترك امرأة حبلى فولدت ولدا ، وربّته حتّى كبر ، فسلمته إلى الكتّاب ، فلقّنه المعلم (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، فاستحييت من عبدي أن أعذّبه بناري في بطن الأرض ، وولده يذكر اسمي على [وجه](٢) الأرض.

وأسرار (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) أكثر من أن تحصى وهذا القدر كاف والله أعلم.

[سورة فاتحة الكتاب](٣)

وهي مكّية في قول الأكثرين ، وهي سبع آيات ، وتسع وعشرون كلمة ، ومائة واثنان وأربعون حرفا.

عن أبي هريرة ـ رضي الله تعالى عنه ـ قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم وشرف وكرم وبجل ومجد وعظم وفخم ـ : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ، سبع آيات ، إحداهن (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، وهي السّبع المثاني ، وهي أمّ القرآن ، وهي فاتحة الكتاب» (٤).

قال عليّ بن أبي طالب (٥) ـ كرم الله وجهه ـ : «نزلت فاتحة الكتاب ب «مكة» من [كنز] تحت العرش» (٦).

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) في أ : ظهر.

(٣) سقط في ب.

(٤) أخرجه البيهقي (٢ / ٤٥) والحديث ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٢٠) وعزاه للدارقطني.

(٥) علي بن أبي طالب بن عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي أبو الحسن ابن عمّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وختنه على بنته ، أمير المؤمنين ، يكنى أباه تراب ، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم ، وهي أول هاشمية ولدت هاشميا له خمسمائة حديث وستة وثمانون حديثا. شهد بدرا والمشاهد كلها. قال أبو جعفر : كان شديد الأدمة ربعة إلى القصر ، وهو أول من أسلم من الصبيان جمعا بين الأقوال. قال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «أنت مني بمنزلة هارون من موسى» وفضائله كثيرة. استشهد ليلة الجمعة لإحدى عشرة ليلة بقيت أو خلت من رمضان سنة أربعين ، وهو حينئذ أفضل من على وجه الأرض. ينظر الخلاصة : ٢ / ٢٥٠ ، وطبقات ابن سعد : ٢ / ٣٣٧ ، ٣ / ١٩ ، ٦ / ١٢ ، وغاية النهاية : ٥٤٦ ، والتقريب : ٢ / ٣٩ ، وشذرات الذهب : ١ / ٩ ، وتهذيب الكمال : ٢ / ٤٧٢.

(٦) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ١٩) وعزاه للواحدي في أسباب النزول والثعلبي في «تفسيره».

١٥٩

وقال مجاهد (١) ـ رضي الله عنه ـ «فاتحة الكتاب أنزلت بالمدينة» (٢).

قال الحسين بن الفضل : «لكلّ عالم هفوة» وهذه نادرة من مجاهد ؛ لأنه تفرّد بها ، والعلماء على خلافه.

وقد صحّ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وشرف وكرم وبجل ومجد وعظم وفخم أنها أوّل ما نزل من القرآن وأنها السبع المثاني ، [وسورة الحجر مكية] بلا خلاف ، ولا يمكن القول بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان ب «مكة» بضع عشرة سنة بلا فاتحة الكتاب.

قال بعضهم : ويمكن الجمع بين القولين بأنها نزلت مرّتين : مرة ب «مكّة» ، ومرة ب «المدينة».

ولها أسماء كثيرة ، وكثرة الأسماء تدلّ على شرف المسمّى :

فالأول : «فاتحة الكتاب» سمّيت بذلك ؛ لأنه يفتتح بها في المصاحف والتّعليم ، والقراءة في الصلاة. وقيل : لأنها أوّل سورة نزلت من السماء.

الثاني : سورة الحمد ؛ لأنّ أولها لفظ الحمد.

الثالث : «أمّ القرآن» قيل : لأنّ أمّ الشيء أصله ، ويقال لمكة : أمّ القرى ، لأنها أصل البلاد ، دحيت الأرض من تحتها.

وقال الثّعلبيّ (٣) : سمعت أبا القاسم بن حبيب قال : سمعت أبا بكر القفال قال : سمعت أبا بكر بن دريد (٤) يقول : «الأمّ في كلام العرب الراية التي ينصبها العسكر».

__________________

(١) مجاهد بن جبر بإسكان الموحدة ، مولى السائب بن أبي السائب أبو الحجّاج المكي المقرىء ، الإمام ، المفسّر ، روى عن ابن عباس وقرأ عليه قال مجاهد : عرضت على ابن عباس ثلاثين مرة. روى عن الصحابة. وثقه ابن معين وأبو زرعة. ولد سنة ٢١ ه‍ ، وتوفي بمكة وهو ساجد سنة ١٠٢ ه‍ وقيل غير ذلك ينظر الخلاصة : ٣ / ١٠ (٦٨٥٤) ، وصفة الصفوة : ٢ / ٢٠٨ ـ ٢١١ ، وميزان الاعتدال : ٣ / ٤٣٩ ـ ٤٤.

(٢) عزاه السيوطي في الدر المنثور : (١ / ٢٠) لوكيع والفريابي في تفسيرهما ، وأبي عبيد في «فضائل القرآن» ، وعبد بن حميد وابن المنذر في «تفسيره» ، وابن الأنباري في «المصاحف» ، وأبي الشيخ في «العظمة» ، وأبي نعيم في «الحلية» من طرق عن مجاهد.

(٣) أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي ، مفسر ، من أهل نيسابور ، له اشتغال بالتاريخ من كتبه عرائس المجالس ، الكشف والبيان في تفسير القرآن توفي ٤٢٧ ه‍.

ينظر ابن خلكان : ١ / ٢٢ ، إنباه الرواة : ١ / ١١٩ ، البداية والنهاية : ١٢ / ٤٠ ، آداب اللغة : ٢ / ٣٢١ ، الأعلام : ١ / ٢١٢.

(٤) محمد بن الحسن بن دريد الأزدي ، أبو بكر من أئمة اللغة والأدب ، كانوا يقولون : ابن دريد أعلم الشعراء وأشعر العلماء ولد في البصرة في ٢٢٣ ه‍. من كتبه الاشتقاق ، الجمهرة ، المجتبى ، الأمالي ، اللغات ، الوشاح وغيرها توفي ٣٢١ ه‍.

ينظر إرشاد الأريب : ٦ / ٤٨٣ ، وفيات الأعيان : ١ / ٤٩٧ ، المرزباني : ٤٦١ ، نزهة الألبا ٣٢٢ ، الأعلام : ٦ / ٨٠.

١٦٠