اللّباب في علوم الكتاب - ج ١

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٩٩

والمصاحبة : نحو : «خرج زيد بثيابه» أي : مصاحبا لها.

والبدل : كقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «ما يسرّني بها حمر النّعم» (١) ، أي : بدلها ؛ وكقول الآخر : [البسيط]

٨ ـ فليت لي بهم قوما إذا ركبوا

شنّوا الإغارة فرسانا وركبانا (٢)

أي بدلهم.

والقسم : «أحلف بالله لأفعلنّ».

والظّرفية : نحو : «زيد بمكّة» أي : فيها.

والتّعدية : نحو : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) [البقرة : ١٧].

والتبعيض : كقول الشاعر في هذ البيت : [الطويل]

٩ ـ شربن بماء البحر ثمّ ترفّعت

متى لجج خضر ، لهنّ نئيج (٣)

أي : من مائه.

والمقابلة : «اشتريت بألف» أي : قابلته بهذا الثمن.

والمجاوزة : نحو قوله تعالى : (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ) [الفرقان : ٢٥] ، ومنهم من قال : لا يكون كذلك إلا مع السّؤال خاصّة ؛ نحو : (فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً) [الفرقان : ٥٩] أي : عنه ، وقول علقمة (٤) : [الطويل]

__________________

(١) أخرجه الطبراني في الكبير : (١١ / ٢٩٣) ولفظه : «ما يسرني أن لي حمر النعم وأني نقضت الحلف ...» والطبراني في التفسر : (٥ / ٣٦). والخطيب في التاريخ : (٤ / ١٩٧) وذكره الهيثمي في الزوائد : (٨ / ١٧٥). والهندي في كنز العمال : حديث رقم (٤٦٤٥٧ ، ٤٦٤٥٨).

وقال الهيثمي في المجمع : رواه الطبراني في الكبير ، وفيه مرزوق بن المرزبان ولم أعرفه ، وبقية رجاله رجال الصحيح.

(٢) البيت لقريط بن أنيف : ينظر خزانة الأدب : ٦ / ٢٥٣ ، والدرر : ٣ / ٨٠ ، وشرح شواهد المغني : ١ / ٦٩ ، والمقاصد النحوية : ٣ / ٧٢ ، ٧٧ ، وللعنبري في لسان العرب : (ركب) ١ / ٤٢٩ ، وللحماسي في همع الهوامع : ٢ / ٢١ ، والجنى الداني : ص ٤٠ ، وجواهر الأدب : ص ٤٧ ، والدرر : ٤ / ١٠٣ ، وشرح الأشموني : ٢ / ٤٩٣ ، وشرح شواهد المغني : ١ / ٣١٦ ، وشرح ابن عقيل : ص ٢٩٥ ، ٣٦١ ، ومغني اللبيب ، ١ / ١٠٤ ، وهمع الهوامع : ١ / ١٩٥ ، والمنهج السالك : ٢ / ٢٢٠ ، والعيني : ٣ / ٧٢ (٢٧٧) ، والدر : ١ / ٥٠.

(٣) البيت لأبي ذؤيب الهذلي : ينظر : ديوان الهذليين : ١ / ٢٥١ ، والأمالي : ٢ / ٢٧٠ والمخصص : ١٤ / ٧ ، والأزهية : ٢٩٤ ، والدرر : ٢ / ٣٤ ، ومغني اللبيب : ١ / ١٠٥ ، والخصائص : ٢ / ٨٥ ، وسر صناعة الإعراب : ١٥٢ ، والهمع : ٢ / ٣٤ ، والدر المصون : ١ / ٥١.

(٤) علقمة الفحل : علقمة بن عبدة بن ناشرة بن قيس ، من بني تميم ، شاعر جاهلي من الطبقة الأولى ، ـ

١٢١

١٠ ـ فإن تسألوني بالنّساء فإنّني

خبير بأدواء النّساء طبيب

إذا شاب رأس المرء [أو](١) قلّ ماله

فليس له في ودّهنّ نصيب (٢)

والاستعلاء : كقوله تعالى : (مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ) [آل عمران : ٧٥] ، أي : على قنطار.

وبمعنى «إلى» : كقوله (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي) [يوسف : ١٠٠].

والجمهور يأبون جعلها إلّا للإلصاق ، أو التعدية ، ويردّون جميع المواضع المذكورة إليهما ، وليس هذا موضع استدلال.

وقد تزاد مطّردة ، وغير مطردة :

فالمطّردة : في فاعل «كفى» نحو : (كَفى بِاللهِ) [العنكبوت : ٥٢] أي : كفى الله بدليل سقوطها في قول الشاعر : [الطويل]

١١ ـ ...........

كفى الشّيب والإسلام للمرء ناهيا (٣)

وفي خبر «ليس» و «ما» أختها غير موجب ب «إلّا» ؛ كقوله تعالى : (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ) [الزمر : ٣٦](وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ) [الأنعام : ١٣٢] ، وفي : «بحسبك زيد».

وغير مطّردة : في مفعول «كفى» ؛ كقوله : [الكامل]

١٢ ـ فكفى بنا فضلا على من غيرنا

حبّ النّبيّ محمّد إيّانا (٤)

__________________

ـ كان معاصرا لامرىء القيس توفي نحو سنة ٢٠ ق ه ، وله معه مساجلات ، وأسر «الحارث بن أبي شمر الغساني» أخا له اسمه شأس ، فشفع به علقمة ، ومدح الحارث بأبيات فأطلقه ، وله ديوان شعر.

ينظر : الأعلام : ٤ / ٢٤٧ ، والشعر والشعراء : ٥٨ ، والتاج : ٢ / ٤١٣ ، وسمط اللآلي : ٤٣٣.

(١) سقط في ب.

(٢) ينظر ديوانه : ص ٣٥ ، وأدب الكاتب : ص ٥٠٨ ، والأزهية : ص ٢٨٤ ، والجنى الداني : ص ٤١ ، وحماسة البحتري : ص ١٨١ ، والدرر : ٤ / ١٠٥ ، والمقاصد النحوية : ٣ / ١٦ ، ٤ / ١٠٥ ، وهمع الهوامع : ٢ / ٢٢ ، وجواهر الأدب : ص ٤٩ ، ورصف المباني : ص ١٤٤ ، والشعر والشعراء : ١ / ٢١٩ ، والمفضليات : ٣٩٢ ، وشرح الجمل لابن عصفور : ١ / ٥١٢ ، والدر المصون : ١ / ٥١.

(٣) البيت لسحيم عبد بني الحسحاس : ينظر : ديوانه : ١٦ ، والعيني : ٣ / ٦٦٥ ، وشرح المفصل : ٢ / ١١٥ ، ٧ / ٨٤ ، ١٤٨ ، ٨ / ٢٤ ، ٩٣ ، ١٣٨ ، وشرح شواهد المغني : ١١٢ ، والكتاب : ٢ / ٢٦ ، والخصائص : ٢ / ٤٨٨ ، والإنصاف : ١ / ١٦٨ ، والتصريح : ٢ / ٨٨ ، وشرح الأشموني : ٣ / ١٩ ، والدر المصون : ١ / ٥١.

(٤) البيت لكعب بن مالك : ينظر ديوانه : ص ٢٨٩ ، وخزانة الأدب : ٦ / ١٢٠ ، ١٢٣ ، ١٢٨ ، والدرر ٣ / ٧ ، وشرح أبيات سيبويه : ١ / ٥٣٥ ، ولبشير بن عبد الرحمن في لسان العرب : (منن) ، ولحسان بن ثابت في الأزهية : ص ١٠١ ، ولكعب أو لحسان أو لعبد الله بن رواحة في الدرر : ١ / ٣٠٢ ، ولكعب أو لحسان أو لبشير بن عبد الرحمن في شرح شواهد المغني : ١ / ٣٣٧ ، والمقاصد النحوية : ١ / ٤٨٦ ، وللأنصاري في الكتاب : ٢ / ١٠٥ ، ولسان العرب : (كفى) ، والجنى الداني : ص ٥٢ ، ورصف ـ

١٢٢

أي : كفانا ، وفي البيت كلام آخر ، وفي المبتدإ غير «حسب».

ومنه في أحد القولين : (بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) [القلم : ٦].

[أي : أيكم المفتون](١) وقيل : المفتون مصدر كالمعقول والميسور ، فعلى هذا ليست زائدة. وفي خبر «لا» أخت «ليس» ؛ كقول الشاعر : [الطويل]

١٣ ـ وكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة

بمغن فتيلا عن سواد بن قارب (٢)

أي : مغنيا.

وفي خبر «كان» منفيّة ؛ نحو : [الطويل]

١٤ ـ وإن مدّت الأيدي إلى الزاد لم أكن

بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل (٣)

أي : لم أكن أعجلهم.

وفي الحال ، وثاني مفعولي «ظنّ» منفيّين أيضا ؛ كقول القائل في ذلك البيت : [الوافر]

١٥ ـ فما رجعت بخائبة ركاب

حكيم بن المسيّب منتهاها (٤)

وقال الآخر : [الطويل]

__________________

ـ المباني : ص ١٤٩ ، وسر صناعة الإعراب : ١ / ١٣٥ ، وشرح المفصل : ٤ / ١٢ ، ومجالس ثعلب : ١ / ٣٣٠ ، وشرح شواهد المغني : ١ / ١٠٩ ، ٣٢٨ ، ٣٢٩ ، والمقرب : ١ / ٢٠٣ ، وهمع الهوامع : ١ / ٩٢ ، ١٦٧ ، والعيني : ١ / ٤٨٦ ، وشرح جمل الزجاجي لابن عصفور : ١ / ٤٩٢ ، ومعاني القرآن : ١ / ٢١ ، والأمالي الشجرية : ٢ / ٣١١ ، والدر : ١ / ٥١ ، والمحرر الوجيز : ١ / ١١١ ، والبحر المحيط : ١ / ١٨٠

(١) سقط في ب.

(٢) البيت لسواد بن قارب : ينظر الدرر : ٢ / ١٢٦ ، ٣ / ١٤٨ ، وشرح التصريح : ١ / ٢٠١ ، ٢ / ٤١ ، وشرح عمدة الحافظ : ص ٢١٥ ، والمقاصد النحوية : ٢ / ١١٤ ، ٣ / ٤١٧ ، والجنى الداني : ص ٢٥٤ ، والأشباه والنظائر : ٣ / ١٢٥ ، وأوضح المسالك : ١ / ٢٩٤ ، وشرح الأشموني : ١ / ١٢٣ ، وشرح شواهد المغني : ص ٨٣٠ ، وشرح ابن عقيل : ص ١٥٦ ، ومغني اللبيب : ص ٤١٩ ، وهمع الهوامع : ١ / ١٢٧ ، ٢١٨ ، والدر : ١ / ٥٢.

(٣) البيت للشنفرى ينظر : ديوانه : ص ٥٩ ، وتخليص الشواهد : ص ٢٨٥ ، وخزانة الأدب : ٣ / ٣٤٠ ، والدرر : ٢ / ج ١٢٤ ، وشرح التصريح : ١ / ٢٠٢ ، وشرح شواهد المغني : ٢ / ٨٩٩ ، والمقاصد النحوية : ٢ / ١١٧ ، وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر : ٣ / ١٢٤ ، وأوضح المسالك : ١ / ٢٩٥ ، والجنى الداني : ص ٥٤ ، وجواهر الأدب : ص ٥٤ ، وشرح الأشموني : ١ / ١٢٣ ، وشرح ابن عقيل : ص ١٥٧ ، وشرح قطر الندى : ص ١٨٨ ، ومغني اللبيب : ٢ / ٥٦٦٠ ، وشرح ألفية ابن مالك لابن الناظم : ١٤٨ ، والهمع : ١ / ١٢٧ ، والدر المصون : ١ / ٥٢.

(٤) البيت للقحيف العقيلي : ينظر خزانة الأدب : ١٠ / ٢٧٨ ، ولسان العرب : (منى) ، والدرر : ٢ / ١٢٨ ، وتخليص الشواهد : ص ١٧٧ ، والجنى الداني : ص ٥٥ ، وجواهر الأدب : ص ٥٤ ، وشرح شواهد المغني : ١ / ٣٣٩ ، ومغني اللبيب : ١ / ١١٠ ، وهمع الهوامع : ١ / ١٢٧. والدر المصون : ١ / ٥٢.

١٢٣

١٦ ـ دعاني أخي والخيل بيني وبينه

فلمّا دعاني لم يجدني بقعدد (١)

أي : ما رجعت ركاب خائبة ، ولم يجدني قعددا.

وفي خبر «إنّ» ؛ كقول امرىء القيس (٢) : [الطويل]

١٧ ـ فإن تنأ عنها حقبة لا تلاقها

فإنّك ممّا أحدثت بالمجرّب (٣)

أي : فإنك المجرب.

وفي (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ) [الإسراء : ٩٩].

والاسم لغة : ما أبان عن مسمى ، واصطلاحا : ما دلّ على معنى في نفسه فقط غير متعرّض ببنيته لزمان ، ولا دالّ جزء من أجزائه على جزء من أجزاء معناه.

وبهذا القيد الأخير خرجت الجملة الاسمية ، والتسمية : جعل اللّفظ دالّا على ذلك المعنى.

قال أبو عبيدة : ـ رحمه‌الله تعالى ـ : ذكر الاسم في قوله تعالى : «بسم الله» صلة زائدة ، والتقدير : «بالله» ، وإنّما ذكر لفظة «الاسم» : إمّا للتبرّك ، وإما أن يكون فرقا بينه وبين القسم.

قال ابن الخطيب (٤) ـ رحمه‌الله تعالى ـ : وأقول : المراد من قوله تعالى : «بسم الله» ابدءوا ب «بسم الله» ، وكلام أبي عبيدة ضعيف ، لأن الله أمرنا بالابتداء ، فهذا الأمر إنما

__________________

(١) البيت لدريد بن الصمة : ينظر ديوانه : ص ٤٨ ، وتخليص الشواهد : ص ٢٨٦ ، وجمهرة أشعار العرب : ١ / ٥٩٠ ، والدرر : ٢ / ١٢٥ ، وشرح التصريح : ١ / ٢٠٢ ، ولسان العرب : (قعد) ، والمقاصد النحوية : ٢ / ١٢١ ، وأوضح المسالك : ١ / ٢٢٩ ، وجواهر الأدب : ص ٥٥ ، وهمع الهوامع : ١ / ١٢٧ ، وشرح الألفية لابن الناظم : ١٤٩ ، والدر المصون : ١ / ٥٢.

(٢) امرؤ القيس بن عابس بن المنذر بن امرىء القيس بن السمط بن عمرو بن معاوية من «كندة» : شاعر مخضرم من أهل حضر موت ولد بها في مدينة «تريم» ، وأسلم عند ظهور الإسلام ووصول الدعوة إلى بلاده ، ووفد إلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ثم لما ارتدت حضر موت ثبت على إسلامه ، وشهد فتح حصن النجير وخبابة «في شرقي تريم» وانتقل في أواخر عمره إلى الكوفة فتوفي بها ، وهو صاحب القصيدة المشهورة التي أولها :

تطاول ليلك بالإثمد

ينظر الأعلام : ٢ / ١١.

(٣) ينظر ديوانه : ص ٤٢ ، وتخليص الشواهد : ص ٢٨٦ ، والدرر : ١ / ٢٩٣ ، ٢ / ١٢٨ ، وشرح التصريح: ١ / ٢٠٢ ، والصاحبي في فقه اللغة : ص ١٠٧ ، والمقاصد النحوية : ٢ / ١٢٦ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر : ٣ / ١٢٥ ، وأوضح المسالك : ١ / ٢٩٧ ، وجواهر الأدب : ص ٥٤ ، ورصف المباني : ص ٢٥٧ ، وشرح الأشموني : ١ / ١٢٣ ، وهمع الهوامع : ١ / ٨٨ ، ١٢٧ ، وشرح الألفية لابن الناظم : ١٥ ، والدر : ٥٢.

(٤) ينظر : الفخر الرازي : ١ / ٩١.

١٢٤

يتناول فعلا من أفعالنا ، وذلك الفعل ، هو لفظنا وقولنا ، فوجب أن يكون المراد : ابدءوا ب «بسم الله».

وقال صاحب «البحر المحيط» : اختلف الناس : هل الاسم عين المسمّى ، أو غيره؟

وهي مسألة طويلة تكلم الناس فيها قديما وحديثا ، وسيأتي إن شاء الله تعالى.

واستشكلوا على كونه هو المسمى إضافته إليه ؛ فإنّه يلزم منه إضافة الشيء إلى نفسه.

وأجاب أبو البقاء (١) ـ رحمه‌الله ـ عن ذلك بثلاثة أجوبة :

أجودها : أنّ الاسم ـ هنا ـ بمعنى التّسمية ، والتسمية غير الاسم ؛ لأنّ التسمية هي : اللّفظ بالاسم ، والاسم هو : اللّازم للمسمى ؛ فتغايرا.

الثّاني : أن في الكلام حذف مضاف تقدير : بسم مسمّى الله.

الثالث : أنّ لفظ «اسم» زائد ؛ كقوله : [الطويل]

١٨ ـ إلى الحول ثمّ اسم السّلام عليكما

ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر (٢)

أي : السّلام عليكما.

وقول ذي الرّمّة (٣) : [البسيط]

١٩ ـ لا ينعش الطّرف إلا ما تخوّنه

داع يناديه باسم الماء مبغوم (٤)

__________________

(١) عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن الحسين الإمام ، محب الدين أبو البقاء العكبري البغدادي الضرير الحنبلي ، صاحب الإعراب ، مات ليلة الأحد ثامن ربيع الآخر سنة ست عشر وستمائة. ينظر : بغية الوعاة : ٢ / ٣٨ ـ ٣٩.

(٢) البيت للبيد بن ربيعة : ينظر ديوانه : ص ٢١٤ ، والأغاني : ١٣ / ٤٠ ، وخزانة الأدب : ٤ / ٣٣٧ ، ٣٤٠ ، ٣٤٢ ، والخصائص : ٣ / ٢٩ ، ولسان العرب : (عذر) ، وشرح المفصل : ٣ / ١٤ ، والعقد الفريد : ٢ / ٧٨ ، ٣ / ٥٧ ، وبغية الوعاة : ١ / ٤٢٩ ، والدرر : ٥ / ١٥ ، والمقاصد النحوية : ٣ / ٣٧٥ ، والمنصف : ٣ / ١٣٥ ، والأشباه والنظائر : ٧ / ٩٦ ، وشرح الأشموني : ٢ / ٣٠٧ ، وشرح عمدة الحافظ : ص ٥٠٧ ، والمقرب : ١ / ٢١٣ ، وهمع الهوامع : ٢ / ٤٩ ، ١٥٨ ، وأمالي الزجاجي : ص ٦٣ ، وشرح ديوان الحماسة : ٢ / ٨٩٤ ، وتأويل المشكل : ٢٥٥ ، ومجاز القرآن : ١ / ١٦ ، والطبري : ١ / ٨ ، والنكت والعيون : ١ / ٤٧ ، والدر : ١ / ٥٢.

(٣) غيلان بن عقبة بن نهيس بن مسعود العدوي ، من مضر ، أبو الحارث ، ذو الرمة : شاعر من فحول الطبقة الثانية في عصره. قال أبو عمرو بن العلاء : فتح الشعر ب «امرىء القيس» ، وختم ب «ذي الرمة». كان أكثر شعره تشبيبا وبكاء أطلال ، يذهب في ذلك مذهب الجاهليين ، وكان مقيما بالبادية ويحضر إلى اليمامة والبصرة كثيرا ، وامتاز بإجادة التشبيه. ولد سنة (٧٧ ه‍) وتوفي ب «أصبهان» وقيل : ب «البادية» سنة ١١٧ ه‍.

انظر : وفيات : ١ / ٤٠٤ ، والشعر والشعراء : ٢٠٦ ، والأعلام : ٥ / ١٢٤.

(٤) ينظر : ديوانه : ص ٣٩٠ ، وخزانة الأدب : ٤ / ٣٤٤ ، والخصائص : ٣ / ٢٩ ، ومراتب النحويين : ص ٣٨ ، وشرح المفصل : ٣ / ١٤ ، وشرح الأشموني : ٣ / ٢١٢ ، واللسان : «خون» ، والدر : ١ / ٥٣.

١٢٥

وإليه ذهب أبو عبيدة (١) ، والأخفش (٢) وقطرب (٣) ـ رحمهم‌الله ـ واختلفوا في معنى الزيادة :

فقال الأخفش : «ليخرج من حكم القسم إلى قصد التّبرّك».

وقال قطرب : «زيد للإجلال والتّعظيم». وهذان الوجهان ضعيفان ؛ لأنّ الزيادة ، والحذف لا يصار إليهما إلّا إذا اضطرّ إليهما.

ومن هذا القبيل ـ أعني ما يوهم إضافة الشيء إلى نفسه ـ إضافة الاسم إلى اللّقب ، والموصوف ، إلى صفته ؛ نحو : «سعيد كرز» و «زيد قفّة» و «مسجد الجامع» و «بقلة الحمقاء» ؛ ولكنّ النّحويّين أوّلوا النوع الأوّل بأنّ جعلوا الاسم بمعنى المسمّى ، واللّقب بمعنى اللفظ ، فتقديره : جاءني مسمّى هذا اللفظ ، وفي الثاني جعلوه على حذف مضاف ، فتقدير «بقلة الحمقاء» : «بقلة الحبّة الحمقاء» ، و «مسجد الجامع» : «مسجد المكان الجامع».

واختلف النحويون في اشتقاقه (٤) :

فذهب أهل «البصرة» : إلى أنّه مشتقّ من السّموّ ، وهو [العلوّ و](٥) الارتفاع ؛ لأنّه يدلّ على مسمّاه ، فيرفعه ويظهره.

__________________

(١) ينظر : مجاز القرآن : ١ / ١٦.

(٢) سعيد بن مسعدة المجاشعي بالولاء ، البلخي ثم البصري ، أبو الحسن ، المعروف ب «الأخفش الأوسط» : نحويّ ، عالم باللغة والأدب ، من أهل بلخ ـ سكن البصرة ، وأخذ العربية عن سيبويه ، وصنّف كتبا منها : «تفسير معاني القرآن» ، و «شرح أبيات المعاني» ، وكتب أخرى. وزاد في العروض بحر «الخبب» ، وكان الخليل قد جعل البحور خمسة عشر فأصبحت ستة عشر. توفي سنة ٢١٥ ه‍. انظر وفيات : ١ / ٢٠٨ ، وإنباه الرواة : ٢ / ٣٦ ، والأعلام : ٣ / ١٠١.

(٣) محمد بن المستنير بن أحمد ، الشهير بقطرب ، نحوي ، عالم بالأدب واللغة ، من أهل البصرة ، كان يرى رأي المعتزلة النظامية ، وهو أول من وضع المثلث في اللغة ، من مصنفاته : معاني القرآن ، النوادر ، الأضداد ، غريب الحديث وغيرها توفي في ٢٠٦ ه‍.

ينظر وفيات الأعيان : ١ / ٤٩٤ ، وتاريخ بغداد : ٢ / ٢٩٨ ، وشذرات الذهب : ٢ / ١٥ ، والأعلام : ٧ / ٩٥.

(٤) اشتقاق الاسم عند المحققين من النحويين من السمو ، وهو الارتفاع ، ومحل مرتفع : فهو ظاهر ، والاسم يظهر المسمى عند السامع ، فاشتق من السمو لذلك ، وقد قيل : إنما اشتق الاسم من السمو ؛ لكون الكلام على ثلاثة أقسام ، وضع لكل قسم عبارة ، وكان الاسم المقدم ؛ فأعطي أرفع العبارات ، وكان الحرف المتأخر ؛ إذ لا معنى له في ذاته ، فأعطي أحط العبارات ، وكان الفعل واسطة بينهما فتوسط اسمه.

وذهب قوم إلى أن اشتقاق الاسم من السّمة ؛ وهي العلامة ، والاسم جعل دلالة على المسمى ، وهذا تبطله صناعة العربية ؛ إذ لو كان مشتقا من السمة ، لقيل في تصغيره : وسيم ، ولا يقال ذلك إنما يقال في تصغيره : سمي ، وكذلك في جمعه : أسماء برد لام الفعل. والتكبير والتصغير يردان الأشياء إلى أصولها ، فصح أن اشتقاقه من السمو. انظر العلوم المستودعة في السبع الثماني : ١٨ خ أ.

(٥) سقط في ب.

١٢٦

وذهب الكوفيّون : إلى أنّه مشتقّ من الوسم ، وهو : العلامة ؛ لأنّه علامة على مسمّاه ، وهذا وإن كان صحيحا من حيث المعنى ؛ لكنّه فاسد من حيث التّصريف.

واستدلّ البصريّون على مذهبهم بتكسيرهم له على «أسماء» ، وتصغيرهم له على «سميّ» ، لأن التكسير والتصغير يردّان الأشياء إلى أصولها.

وتقول العرب : فلان سميّك ، وسمّيت فلانا بكذا وأسميته بكذا ، فهذا يدلّ على أنّ اشتقاقه من : «السموّ» ، ولو كان من : «الوسم» لقيل في التكسير (١) : «أوسام» ، وفي التصغير «وسيم» ؛ ولقالوا : وسيمك فلان ، ووسمت ، وأوسمت فلانا بكذا فدل عدم قولهم ذلك ؛ أنّه ليس كذلك.

وأيما فجعله من «السّموّ» مدخل له في الباب الأكثر ، وجعله من «الوسم» مدخل له في الباب الأقلّ ؛ وذلك أنّ حذف اللام كثير ، وحذف الفاء قليل.

وأيضا فإنّا عهدناهم غالبا يعوّضون في غير محلّ الحذف ، فجعل همزة الوصل عوضا عن اللام موافق لهذا الأصل ، بخلاف ادّعاء كونها عوضا عن الفاء.

فإن قيل : قولهم : «أسماء» في التكسير ، و «سميّ» في التصغير ، لا دلالة فيه ؛ لجواز [أن يكون](٢) الأصل : «أوساما» و «وسيما» ، ثم قلبت الكلمة بأن (٣) أخّرت فاؤها بعد لامها ، فصار لفظ «أوسام» ، «أسماوا» ، ثم أعلّ إعلال «كساء» ، وصار «وسيم» ، «سميّوا» ثم أعلّ إعلال «جريّ» تصغير «جرو».

فالجواب : أنّ ادّعاء ذلك لا يفيد ؛ لأنّ القلب على خلاف القياس ، فلا يصار إليه ، ما لم تدع إليه ضرورة.

وهل لهذا الخلاف فائدة أم لا؟

والجواب : أنّ له فائدة ، وهي أنّ من قال باشتقاقه من العلوّ يقول : إنه لم يزل موصوفا قبل وجود الخلق ، وبعدهم ، وعند فنائهم ، ولا تأثير لهم في أسمائه ، ولا صفاته ، وهو قول أهل السّنّة ـ رحمهم‌الله ـ.

ومن قال : إنه مشتقّ من الوسم يقول : كان الله تعالى في الأزل بلا اسم ، ولا صفة ، فلما خلق الخلق جعلوا له أسماء وصفات ، وهو قول المعتزلة. وهذا أشدّ خطأ من قولهم «بخلق القرآن» ، وعلى هذا الخلاف وقع الخلاف أيضا في الاسم والمسمّى.

فصل في لغات «الاسم»

وفي الاسم خمس لغات : «اسم» بمض الهمزة وكسرها ، و «سم» بكسر السّين وضمّها. وقال أحمد بن يحيى : من قال : «سم» بضم السين ، أخذه من سموت أسمو ،

__________________

(١) في أ : التكبير.

(٢) سقط في أ.

(٣) في أ : ثم.

١٢٧

ومن قال بالكسر أخذه من سميت أسمي ، وعلى اللّغتين قوله : [الرجز]

٢٠ ـ وعامنا أعجبنا مقدّمه

يدعى أبا السّمح وقرضاب سمه

مبتركا لكلّ عظم يلحمه (١)

ينشد بالوجهين.

وأنشدوا على الكسر : [الرجز]

٢١ ـ باسم الّذي في كلّ سورة سمه (٢)

فعلى هذا يكون في لام «اسم» وجهان :

أحدهما : أنّها واو.

والثّاني : أنّها ياء ؛ وهو غريب ، ولكنّ أحمد بن يحيى ـ رحمه‌الله تعالى ـ جليل القدر ثقة فيما ينقل.

و «سمى» مثل : هدى ؛ واستدلوا على ذلك بقول الشاعر : [الرجز]

٢٢ ـ والله أسماك سما مباركا

آثرك الله به إيثاركا (٣)

ولا دليل في ذلك لجواز أن يكون من لغة من يجعله منقوصا مضموم السّين ، وجاء به منصوبا ، وإنما كان ينتهض دليلا لو قيل : «سمى» حالة رفع أو جرّ.

وهمزته همزة وصل ، أي : تثبت ابتداء ، وتحذف درجا ، وقد تثبت ضرورة ؛ كقوله : [الطويل]

٢٣ ـ وما أنا بالمخسوس في جذم مالك

ولا من تسمّى ثمّ يلتزم الإسما (٤)

وهو أحد الأسماء العشرة التي ابتدىء في أوائلها بهمزة الوصل وهي : اسم ، واست ، وابن ، وابنم ، وابنة ، وامرؤ ، وامرأة ، واثنان ، واثنتان ، وايمن في القسم.

والأصل في هذه الهمزة أن تثبت (٥) خطا ، كغيرها من همزات الوصل.

__________________

(١) ينظر أسرار العربية : ص ٩ ، والإنصاف : ص ١٦ ، وشرح المفصل : ١ / ٢٤ ، والصاحبي في فقه اللغة : ص ٢٣٠ ، ولسان العرب : (برك) ، (لحم) ، (سما) ، والمقتضب : ١ / ٢٢٩ ، والمنصف : ١ / ٦٠ ، وأمالي ابن الشجري : ٢ / ٦٦ ، والصحاح : «سما» ، والدر : ١ / ٥٤.

(٢) البيت لرجل من كلب. ينظر النوادر لأبي زيد : ١٦٦ ، والإنصاف : ١٠ ، والمنصف : ١ / ٦٠ ، وأسرار العربية : ٨ ، واللسان : (سمو) ، والكشاف : ١ / ٤ ، والمحرر الوجيز : ١ / ٦٢ ، والدر المصون : ١ / ٥٤.

(٣) البيت لابن خالد القناني : ينظر إصلاح المنطق : ص ١٣٤ ، والمقاصد النحوية : ١ / ١٥٤ ، ولسان العرب : (سما) ، وشرح المفصل : ١ / ٢٤ ، وأوضح المسالك : ١ / ٣٤ ، والإنصاف : ص ١٥. وأسرار العربية : ص ٩ ، والمغني : ١ / ١٥٤.

(٤) البيت للأحوص ينظر : ديوانه : ١٩٣ ، القرطبي : ١ / ٧١ ، والدر المصون : ١ / ٥٥.

(٥) في أ : أنها ثبتت.

١٢٨

وإنّما حذفوها حين يضاف الاسم إلى الجلالة خاصّة ؛ لكثرة الاستعمال.

وقيل : ليوافق الخط اللفظ.

وقيل : لا حذف أصلا ، وذلك لأن الأصل «سم» أو «سم» بكسر السين أو ضمها ، فلما دخلت الباء سكّنت السين تخفيفا ؛ لأنه وقع بعد الكسرة كسرة أو ضمّة.

قال ابن الخطيب (١) ـ رحمه‌الله تعالى ـ : إنّما حذفوا ألف «اسم» في قوله تعالى : «بسم الله» وأثبتوها في قوله تعالى : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) [العلق : ١] لوجهين :

الأول : أنّ كلمة «بسم الله» مذكورة في أكثر الأوقات عند أكثر الأفعال ؛ فلأجل التخفيف حذفوا الألف ، بخلاف سائر المواضع ، فإنّ ذكرها يقلّ.

الثاني : قال الخليل (٢) ـ رحمه‌الله تعالى ـ إنّما حذفت الألف في «بسم الله» ؛ لأنّها إنما دخلت بسبب أنّ الابتداء بالسّين الساكنة غير ممكن ، فلما دخلت الباء على الاسم نابت عن الألف ، فسقطت في الخطّ ، وإنما لم تسقط في (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) ؛ لأنّ الباء لا تنوب عن الألف في هذا الموضع ، كما في «بسم الله» ؛ لأنّه يمكن حذف الباء من (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) مع بقاء المعنى صحيحا ، فإنك لو (٣) قلت : اقرأ اسم ربّك صحّ المعنى ، [أما لو](٤) حذفت [الباء](٥) من «بسم الله» لم يصحّ المعنى ، فظهر الفرق.

قال بعضهم : فلو أضيفت إلى غير الجلالة ثبتت نحو : «باسم الرّحمن» هذا هو المشهور ، وحكي عن الكسائي (٦) ، والأخفش ـ رحمة الله تعالى عليهما ـ جواز حذفها إذا أضيف إلى غير الجلالة من أسماء الباري تعالى ؛ نحو : «بسم ربّك» و «بسم الخالق».

__________________

(١) ينظر : الفخر الرازي : ١ / ٩٣.

(٢) الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي الأزدي ، اليحمدي ، أبو عبد الرحمن : ولد سنة ١٠٠ ه‍ في البصرة ، من أئمة اللغة والأدب ، وواضع علم العروض ، وهو أستاذ سيبويه النحوي ، عاش فقيرا صابرا. قال النضر بن شميل : ما رأى الراءون مثل الخليل ، ولا رأى الخليل مثل نفسه ، فكر في ابتكار طريقة في الحساب تسهله على العامة ؛ فدخل المسجد وهو يعمل فكره ؛ فصدمته سارية وهو غافل فكانت سبب موته سنة ١٧٠ ه‍ بالبصرة. من كتبه : «العين» و «معاني الحروف» و «العروض» و «النغم». ينظر : وفيات الأعيان : ١ / ١٧٢ ، وإنباه الرواة : ١ / ٣٤١ ، ونزهة الجليس : ١ / ١٨ ، والأعلام : ٢ / ٣١٤.

(٣) في أ : فلو أنك.

(٤) في أ : ولو.

(٥) سقط في أ.

(٦) علي بن حمزة بن عبد الله الأسدي بالولاء ، الكوفي ، أبو الحسن الكسائي : إمام في اللغة والنحو والقراءة ، من تصانيفه : «معاني القرآن» ، و «المصادر» ، و «الحروف» ، و «القراآت» ، و «النوادر» ، و «المتشابه في القرآن» و «ما يلحن فيه العوام». توفي ب «الري» في العراق سنة ١٨٩ ه‍ انظر : ابن خلكان : ١ / ٣٣٠ ، وتاريخ بغداد : ١١ / ٤٠٣ ، والأعلام : ٤ / ٢٨٣.

١٢٩

وإنّما طوّلوا الباء من «بسم الله» ولم يطولوها في سائر المواضع لوجهين :

الأول : أنّه لما حذفت ألف الوصل بعد الباء طوّلوا هذه الباء ؛ ليدلّ طولها على الألف المحذوفة التي بعدها ، ألا ترى أنّهم لما كتبوا (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) بالألف ردّوا الباء إلى صفتها الأصليّة.

قال مكّي ـ رحمه‌الله تعالى ـ : حذفت الألف من «بسم الله» لكثرة الاستعمال.

وقيل : حذفت لتحرك السّين في الأصل ؛ لأنّ أصل السّين الحركة ، وسكونها لعلّة دخلتها.

الثّاني : قال القتيبيّ : إنما طوّلوا الباء ، لأنّهم أرادوا ألّا يستفتحوا كتاب الله ـ تعالى ـ إلا بحرف معظم وكان عمر بن عبد العزيز (١) رضي الله تعالى عنه يقول لكتّابه : طوّلوا الباء ، وأظهروا السّين ، ودوّروا الميم (٢) تعظيما لكتاب الله تعالى.

فصل في متعلّق الجار والمجرور

الجارّ والمجرور لا بدّ له من شيء يتعلّق به ، فعل ، أو ما في معناه ، إلّا في ثلاث صور :

«حرف الجرّ الزّائد» ، و «لعلّ» و «لو لا» عند من يجرّ بهما ، وزاد ابن عصفور (٣) ـ رحمه‌الله تعالى ـ «كاف التّشبيه» ؛ وليس بشيء ، فإنها تتعلّق.

إذا تقرر ذلك ف «بسم الله» لا بدّ من شيء يتعلّق به ، ولكنه حذف ، واختلف النحويون في ذلك :

__________________

(١) عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس الأموي ، أبو حفص الحافظ : أمير المؤمنين ، عن أنس ، وعبد الله بن جعفر ، وابن المسيب ، وعنه أيوب ، وحميد ، والزهري ، وخلق. قال ميمون بن مهران : ما كانت العلماء عند عمر إلا تلامذة ، ولي في سنة تسع وتسعين ، ومات سنة إحدى ومائة. قال هشام بن حسان : لما جاء نعي عمر قال الحسن البصري : مات خير الناس. فضائله كثيرة ـ رضي الله عنه ـ

ينظر ترجمته في تهذيب الكمال : ٢ / ١٠١٦ ، وتهذيب التهذيب : ٧ / ٤٧٥ (٧٩٠) ، وتقريب التهذيب : ٢ / ٥٩ ، ٦٠ ، وخلاصة تهذيب الكمال : ٢ / ٢٧٤ ، والكاشف : ٢ / ٣١٧ ، وتاريخ البخاري الكبير : ٦ / ٢٧٤ ، والجرح والتعديل : ١ / ٦٦٣ ، والثقات : ٥ / ١٥١ ، وطبقات الحفاظ : ٤٦ ، والحلية : ٥ / ٢٥٤ ، وتراجم الأحبار : ٢ / ٥٣٦ ، والبداية : ٩ / ١٩٢ ، وطبقات ابن سعد ٥ / ٣٣٠ ، ٩ / ١٤٢.

(٢) في ب : الجيم.

(٣) علي بن مؤمن بن محمد ، الحضرمي الإشبيلي ، أبو الحسن ، المعروف ب «ابن عصفور» ولد سنة ٥٩٧ ه‍ ب «إشبيلية» وهو حامل لواء العربية ب «الأندلس» في عصرة من كتبه : «المقرب» ، و «الممتع» ، و «والمفتاح» ، و «الهلال» ، و «السالف والعذار» ، و «شرح المتنبي» وغيرها. وتوفي ب «تونس» سنة ٦٦٩ ه‍.

ينظر : فوات الوفيات : ٢ / ٩٣ ، وشذرات الذهب : ٥ / ٣٣٠ ، والأعلام : ٥ / ٢٧.

١٣٠

فذهب أهل البصرة : إلى أن المتعلّق اسم.

وذهب أهل «الكوفة» : إلى أنّه فعل.

واختلف كلّ من الفريقين :

فذهب بعض البصريّين : إلى أنّ ذلك المحذوف مبتدأ حذف هو ، وخبره ، وبقي معموله ، تقديره : ابتدائي بسم الله كائن أو مستقرّ ، أو قراءتي بسم الله كائنة أو مستقرة ؛ وفيه نظر : من حيث إنّه يلزم حذف المصدر ، وإبقاء معموله وهو ممنوع. وقد نصّ مكّيّ (١) ـ رحمه‌الله تعالى ـ على منع هذا الوجه.

وذهب بعضهم : إلى أنّه خبر حذف هو ومبتدؤه ـ أيضا ـ ، وبقي معموله قائما مقامه ؛ والتقدير : ابتدائي كائن بسم الله ، نحو : «زيد بمكّة» ، فهو على الأول : منصوب المحلّ ، وعلى الثاني : مرفوعه ؛ لقيامه مقام الخبر.

وذهب بعض الكوفيّين : إلى أنّ ذلك الفعل المحذوف مقدر قبله ، قال : لأنّ الأصل التقديم ؛ والتقدير : أقرأ بسم الله ، أو أبتدىء بسم الله.

ومنهم من قدره بعده ، والتقدير : بسم الله أقرأ ، أو أبتدىء ، أو أتلو.

وإلى هذا نحا الزّمخشري (٢) ـ رحمه‌الله ـ قال (٣) : «ليفيد التقديم الاختصاص ؛ لأنه وقع ردّا على الكفرة الذين كانوا يبدءون بأسماء آلهتهم ؛ كقولهم : باسم اللّات ، وباسم العزّى» وهذا حسن جدّا.

ثم اعترض على نفسه بقوله تبارك وتعالى : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) حيث صرّح بهذا العامل مقدما على معموله.

ثم أجاب : بأنّ تقديم الفعل في سورة العلق أوقع ؛ لأنّها أول سورة نزلت ؛ فكان الأمر بالقراءة أهمّ.

وأجاب غيره : بأنّ «بسم ربّك» ليس تعلقا ب «اقرأ» الذي قبله ، بل ب «اقرأ» الذي

__________________

(١) ينظر المشكل : ١ / ٦.

(٢) محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي ، الزمخشري ، جار الله أبو القاسم ، ولد سنة ٤٦٧ ه‍ في زمخشر (من قرى خوارزم) ، من أئمة العلم بالدين والتفسير واللغة والآداب ، سافر إلى مكة فجاور بها زمنا ؛ فلقب ب «جار الله». أشهر كتبه : «الكشاف» ، و «أساس البلاغة» ، و «المفصل» ، ومن كتبه : «المقامات» و «مقدمة الأدب» و «نوافع الكلم» و «ربيع الأبرار». توفي ب «الجرجانية» ، ب «خوارزم» سنة ٥٣٨ ه‍.

ينظر : وفيات الأعيان : ٢ / ٨١ ، ولسان الميزان : ٦ / ٤ ، والجواهر المضيئة : ٢ / ١٦٠ ، وآداب اللغة : ٣ / ٤٦ ، والأعلام : ٧ / ١٧٨.

(٣) ينظر الكشاف : ١ / ٣.

١٣١

بعده ، فجاء على القاعدة المتقدّمة ، وفي هذا نظر ؛ لأن الظاهر هلى هذا القول أن يكون «اقرأ» الثاني توكيدا للأوّل ؛ فيكون قد فصل بمعمول المؤكّد بينه ، وبين ما أكّده مع الفصل بكلام طويل. واختلفوا ـ أيضا ـ هل ذلك الفعل أمر أو خبر؟

فذهب الفرّاء (١) : إلى أنّه أمر تقديره : «اقرأ أنت بسم الله».

وذهب الزّجّاج (٢) : إلى أنه خبر تقديره : «أقرأ أنا ، أو أبتدىء» ونحوه (٣).

قال ابن الخطيب (٤) ـ رحمه‌الله تعالى ـ : أجمعوا على أنّ الوقف على قوله تعالى : «بسم» ناقص قبيح ، وعلى قوله تعالى : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ) كاف صحيح ، وعلى قوله : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) تام.

واعلم أنّ الوقف لا بد وأن يقع على أحد هذه الأوجه الثّلاثة : وهو أن يكون ناقصا ، أو كافيا ، أو كاملا ، فالوقف على كلّ كلام لا يفهم بنفسه ناقص ، والوقف على كلّ كلام مفهوم المعاني ، إلّا أنّ ما بعده يكون متعلّقا بما قبله يكون كافيا ، والوقف على كل كلام تامّ ، ويكون ما بعده منقطعا عنه يكون تاما (٥).

__________________

(١) الحسين بن مسعود بن محمد ، الفراء ، أو ابن الفراء ، أبو محمد ، ويلقب ب «محيي السنة» ، البغوي ، فقيه ، محدث ، مفسر ، نسبته إلى «بغا» من قرى «خراسان» بين «هراة ومرو». له : «التهذيب» في فقه الشافعية ، و «شرح السنة» في الحديث ، و «لباب التأويل في معالم التنزيل» في التفسير ، و «مصابيح السنة و «الجمع بين الصحيحين» وغير ذلك. ولد سنة ٤٣٦ ه‍. توفي ب «مرو الروذ» سنة ٥١٠ ه‍ ينظر الأعلام : ٢ / ٢٥٩ ، وفيات الأعيان : ١ / ١٤٥.

(٢) إبراهيم بن السريّ بن سهل ، أبو إسحاق الزجاج : عالم بالنحو واللغة. كان في فتوته يخرط الزجاج ، ومال إلى النحو فعلمه المبرّد ، كان مؤدبا لابن الوزير المعتضد العباسي ، كانت ل «الزجاج» مناقشات مع «ثعلب» وغيره ، من كتبه : «معاني القرآن» ، و «الاشتقاق» ، «وخلق الإنسان» ، وغيرها من الكتب. ولد في بغداد» سنة ٢٤١ ه‍ وتوفي سنة ٣١١ ه‍. انظر : معجم الأدباء : ١ / ٤٧ ، وإنباه الرواة : ١ / ١٥٩ ، وآداب اللغة : ٢ / ١٨١ والأعلام : ١ / ٤٠.

(٣) ينظر معاني القرآن : ١ / ١.

(٤) ينظر تفسير الفخر الرازي : ١ / ٩١.

(٥) الوقف في الاصطلاح : هو قطع النطق عند آخر الكلمة وقطعها عما بعدها ، ولما لم يمكن القارىء أن يقرأ السورة أو القصة في نفس واحد ، لم يجز التنفس بين كلمتين حالة الوصل ، بل ذلك كالتنفس في أثناء الكلمة ، وجب حينئذ اختيار وقف للتنفس والاستراحة ، وتعين ارتضاء ابتداء بعد التنفس والاستراحة ، وتحتم ألّا يكون ذلك مما يخل بالمعنى ، ولا يخل بالفهم ، إذ بذلك يظهر الإعجاز ، ويحصل القصد ، ولذلك حض الأئمة على تعلمه ومعرفته ، فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قوله : الترتيل معرفة الوقوف ـ وتجويد الحروف. والوقف ينقسم إلى : اختياري واضطراري ؛ لأن الكلام إما أن يتم أو لا ، فإن تم ، كان اختياريا. وكونه تاما لا يخلو إما أن لا يكون له تعلق بما بعده البتة ـ أي : لا من جهة اللفظ ، ولا من جهة المعنى ـ فهو الوقف الذي اصطلح عليه الأئمة (بالتام) ، لتمامه المطلق ، يوقف عليه ويبتدأ بما بعده ، وإن كان له تعلق ، فلا يخلو هذا التعلق ، إما أن يكون من جهة المعنى فقط ؛ وهو الوقف المصطلح عليه (بالكافي) ؛ للاكتفاء به عما بعده ، واستغناء ما بعده عنه ، وهو ـ

١٣٢

ثم لقائل أن يقول : قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) [الفاتحة : ٢] كلام تامّ ، إلّا أنّ قوله تعالى : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مالِكِ) [الفاتحة : ٣] متعلّق بما قبله ؛ لأنها صفات ، والصّفات تابعة للموصوفات ، فإن جاز قطع الصفة عن الموصوف ، وجعلها وحدها آية ، فلم لم يقولوا : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ) آية؟ ثم يقولوا : «الرحيم» آية ثانية ، وإن لم يجز ذلك ، فكيف جعلوا (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) آية مستقلة؟ فهذا الإشكال لا بدّ من جوابه.

فصل الاسم هل هو نفس المسمى أم لا؟

قال ابن الخطيب (١) ـ رحمه‌الله تعالى ـ : قالت الحشوية ، والكرامية ، والأشعريّة : الاسم نفس المسمّى ، وغير التّسمية (٢).

__________________

ـ كالتام في جواز الوقف عليه دون الابتداء بما بعده ؛ وإن كان التعلق من جهة اللفظ ، فهو الوقف المصطلح عليه (بالحسن) ؛ لأنه في نفسه حسن مفيد يجوز الوقف عليه دون الابتداء بما بعده ، للتعلق اللفظي ، إلا أن يكون رأس آية فإنه يجوز في اختيار أكثر أهل الأداء ، لمجيئه عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ في حديث أم سلمة ـ رضي الله تعالى عنها ـ أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا قرأ قطع قراءته آية آية يقول (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ثم يقف ، ثم يقول (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ثم يقف ، ثم يقول (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) رواه أبو داود ساكتا عليه ، والترمذي وأحمد وأبو عبيدة وغيرهم ، وهو حديث حسن وسنده صحيح ، وكذلك عد بعضهم الوقف على رؤوس الآي في ذلك سنة ، (فالوقف التام) أكثر ما يكون في رؤوس الآي وانقضاء القصص ، (والوقف الكافي) يكثر في الفواصل وغيرها ، (والوقف الحسن) نحو الوقف على (بسم الله) وعلى (الحمد لله) وعلى (رب العالمين) الوقف على ذلك وما أشبهه حسن ؛ لأن المراد من ذلك يفهم ، (والوقف القبيح) نحو الوقف على : بسم ، وعلى : الحمد ، وعلى : رب ، ومالك يوم ، وإياك ، وصراط الذين ، وغير المغضوب ؛ فكل هذا لا يتم عليه كلام ولا يفهم منه معنى ، وقد يكون بعضه أقبح من بعض ؛ كالوقف على ما يحيل المعنى نحو : (وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ) فإن المعنى يفسد بهذا الوقف ؛ لأن المعنى أن البنت مشتركة من النصف مع أبويه. وإنما المعنى أن النصف للبنت دون الأبوين ، ثم استأنف الأبوين بما يجب لهما مع الولد. انظر : النشر : (١ / ٢٢٥ ـ ٢٢٦ ـ ٢٢٨ ـ ٢٢٩).

(١) ينظر الرازي : ١ / ٩٥.

(٢) في حقيقة الاسم عند المتكلمين خلاف مشهور : فذهب الأشعرية إلى أنه عين المسمى ، وذهبت المعتزلة إلى أنه غير المسمى ، وقالت الأشعرية وطائفة من المتكلمين : إن الكلام في الاسم والمسمى يعرفك حقيقة صفات معبودك ، فتصل بذلك إلى تصحيح توحيدك فإذا لم ينظر الإنسان ويستدل ، فكيف يصل إلى المعرفة التي كلفها. لكن منع الشافعي ـ رضي الله عنه ـ وابن حنبل ، وأكثر الفقهاء ، والمحدثين رضي الله عنهم طريق الكلام في الاسم والمسمى ، حتى قال الشافعي : إذا سمعت الرجل يقول : الاسم هو المسمى أو غير المسمى ، فاشهد بأنه من أهل الكلام ولا دين له.

وعلى كل ؛ فطريق المتكلمين غير طريق الفقهاء والمحدثين ؛ فإن الفقهاء والمحدثين أخذوا الأمور بالتسليم والنقل ، والمتكلمون ركبوا إلى النقل طريق النظر بالعقل ، فأقاموا صناعة غير معهودة في السلف ، وقالوا : نفتح بها طريق النظر ؛ إذ السلف كانوا لقرب عهدهم بالنبوة ، ولاشتغال أفكارهم بالنظر في ملكوت السماء والأرض مستغنين عن هذه الصناعة ؛ إذ كانت الأدلة راسخة في قلوبهم وطرق ـ

١٣٣

وقالت المعتزلة : الاسم غير المسمّى ونفس التسمية ، والمختار عندنا أنّ الاسم غير المسمى ، وغير التسمية.

وقبل الخوض في ذكر الدّلائل لا بدّ من التنبيه على مقدمة ، وهي أنّ قول القائل : الاسم هل هو نفس المسمى أم لا؟ يجب أن يكون مسبوقا ببيان أنّ الاسم ما هو؟ وأنّ المسمّى ما هو؟ حتّى ينظر بعد ذلك في «الاسم» هل هو نفس المسمى أم لا؟

فنقول : إن كان المراد بالاسم هذا اللّفظ الذي هو أصوات مقطعة ، وحروف مؤلّفة ، المسماة تلك الذوات في أنفسها ، وتلك الحقائق بأعيانها ، فالعلم الضروريّ حاصل بأنّ الاسم غير المسمّى ؛ والخوض في هذه المسألة على هذا التقدير يكون عبثا ، وإن كان (١) المراد بالاسم ذات المسمّى ، وبالمسمّى ـ أيضا ـ تلك الذات ، فقولنا : «الاسم» هو «المسمّى» معناه : أنّ ذات الشيء عين ذات الشّيء ، [وهذا](٢) وإن كان حقّا ، إلّا أنّه من إيضاح الواضحات ؛ وهو عبث ، فثبت أنّ الخوض في هذا البحث على جميع التقديرات يجري مجرى العبث.

قال البغويّ ـ رحمه‌الله تعالى ـ : الاسم هو المسمّى ، وعينه وذاته ؛ قال تبارك وتعالى : (إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى) [مريم : ٧] ثمّ نادى الاسم فقال : (يا يَحْيى) [مريم : ١٢] ، وقال تعالى : (ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها) [يوسف : ٤٠] وأراد الأشخاص المعبودة ؛ لأنّهم كانوا (٣) يعبدون المسميّات.

واعلم أنّا استخرجنا لقول من يقول : الاسم نفس المسمى تأويلا لطيفا ، وبيانه أنّ لفظ الاسم اسم لكلّ لفظ دلّ على معنى من غير أن يدلّ على زمان معين ، ولفظ الاسم كذلك ، فوجب أن يكون لفظ الاسم في هذه الصورة نفس المسمى ، إلّا أنّ فيه إشكالا ، وهو أن كون الاسم للمسمّى من باب المضاف ، وأحد المضافين لا بد وأن يكون مغايرا للآخر.

فصل في الأدلّة على أن الاسم لا يجوز أن يكون هو المسمى

«في ذكر الدلائل الدّالة عل أنّ الاسم لا يجوز أن يكون هو المسمى» :

وذلك أنّ المسمّى قد يكون معدوما ، فإنّ المعدوم منفيّ سلب لا ثبوت له. والألفاظ

__________________

ـ الاستدلال نيّرة في عقولهم ، فلما ذهب ذلك الجيل الجليل ، وفترت الدواعي ، وفشت البدع بسوء النظر ، وجب أن يحرّر طريق النظر وتنهج مسلك العبر وتبين الأدلة الصحيحة من الفاسدة وتصان عقائد الخلق عن تشويش المبتدعة والمارقة فتكلموا بما لم يعهد من السلف الكلام فيه فمن العلماء من يؤثره ويراه عين الصواب ، ومنهم من يجتنبه ويجعله عين الضلال ، ومنهم من يتوقف فيه ، ومنهم من يرتضي منه أسلوبا دون غيره من الأساليب. انظر العلوم المستودعة في السبع المثاني : ١٩ خ.

(١) في أ : أبدا فإن.

(٢) سقط في أ.

(٣) سقط في أ.

١٣٤

ألفاظ موجودة ، مع أنّ المسمى بها عدم محض ، ونفي صرف.

وأيضا قد يكون المسمى موجودا ، والاسم معدوما مثل الحقائق التي ما وضعوا لها ألفاظا معيّنة ، وبالجملة فثبوت كلّ واحد منها حال عدم الآخر معلوم إمّا أن يكون مقدرا أو مقررا ، وذلك يوجب المغايرة.

الثاني : أنّ الأسماء قد تكون كثيرة مع كون المسمّى واحدا ، كالأسماء المترادفة ، وقد يكون الاسم واحدا [وتكون](١) المسميات كثيرة ، كالأسماء المشتركة ، وذلك ـ أيضا ـ يوجب المغايرة.

الثالث : أن كون الاسم اسما للمسمى ، وكون المسمّى مسمّى بالاسم من باب الإضافة : كالمالكيّة ، والمملوكيّة ، وأحد المضافين مغاير للآخر ، ولقائل أن يقول : يشكل هذا بكون الشيء عالما بنفسه.

الرابع : الاسم أصوات مقطّعة وضعت لتعريف المسميات ، وتلك الأصوات أعراض غير باقية ، والمسمى قد يكون باقيا ، وقد يكون واجب الوجود لذاته.

الخامس : أنّا إذا تلفظنا بالنّار ، والثّلج ، فهذان اللفظان موجودان في ألسنتنا ، فلو كان الاسم نفس المسمى لزم أن يحصل في ألسنتنا النّار والثلج ، وذلك لا يقوله عاقل.

السّادس : قوله تبارك وتعالى : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها) [الأعراف : ١٨٠].

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّ لله تسعة وتسعين اسما» (٢) فها هنا الأسماء كثيرة ، والمسمى واحد ، وهو الله ـ سبحانه وتعالى ـ.

السابع : أنّ قوله تعالى : «بسم الله» ، وقوله ـ تعالى : ـ (تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ) [الرحمن : ٧٨] ففي هذا الآيات يقتضي إضافة الاسم إلى الله ـ تعالى ـ وإضافة الشيء إلى نفسه محال.

الثامن : أنا ندرك تفرقة ضرورية بين قولنا : «اسم الله» وبين قولنا : «اسم الاسم» ، وبين قولنا : «الله الله» ، وهذا يدلّ على أن الاسم غير المسمى.

__________________

(١) سقط من ب.

(٢) أخرجه البخاري في الصحيح (٩ / ٢١٢) كتاب «التوحيد» ، باب «إن لله مائة ...» حديث رقم (٧٣٩٢) ، ومسلم في الصحيح (٤ / ٢٠٦٣) كتاب «الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار» (٤٨) باب «من أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها» (٢) حديث رقم (٦ / ٢٦٧٧) ـ والترمذي في السنن : حديث رقم (٣٥٠٦) ، (٣٥٠٧) ، (٣٥٠٨) ـ وابن ماجة في السنن : حديث رقم (٣٨٦٠ ، ٣٨٦١) وأحمد في المسند (٢ / ٢٥٨ ، ٤٩٩) ـ والبيهقي في السنن (١٠ / ٢٧) وابن حبان في الموارد : حديث رقم (٢٣٨٤) ـ والحاكم في المستدرك : (١ / ١٦) ـ وأبو نعيم في الحلية : (٣ / ١٢٢ ، ٦ / ٢٧٤) ـ والخطيب في التاريخ : (٨ / ٣٣٧) ـ وابن عساكر : (٣ / ١٦١ ، ٤ / ٩٥ ، ٦ / ٤٣٦ ـ تهذيب) وذكره الهندي في كنز العمال : حديث رقم ١٩٢٣ ، ١٩٣٤ ، ١٩٣٨ ، ١٩٤٠ ، ٦٩٢٩ ، ٦٨٣٧.

١٣٥

التاسع : أنا نصف (١) الأسماء بكونها عربية وفارسية ، فنقول : الله : اسم عربيّ ، وخوذاي : اسم أعجميّ وأما ذات الله تعالى ، فمنزّهة عن كونه كذلك.

العاشر : قال تبارك وتعالى : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها) [الأعراف : ١٨٠] أمرنا بأنا ندعو الله بأسمائه ، والاسم آلة الدعاء ، والمدعوّ هو الله تعالى ، والمغايرة بين ذات المدعوّ ، وبين اللفظ الذي يحصل به الدعاء معلوم بالضرورة.

واحتج من قال : الاسم هو المسمّى بالنّص ، والحكم :

أما النّصّ ، فقوله تعالى : (تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ) والمتبارك المتعالى هو الله ـ تبارك وتعالى ـ لا الصوت ولا الحرف.

وأما الحكم : فهو أنّ الرجل إذا قال : «زينب طالق» (٢) ، وكان زينب (٣) اسما لامرأته ، وقع عليها الطّلاق ، ولو كان الاسم غير المسمى ، لكان قد أوقع الطلاق على غير تلك المرأة ، فكان يجب ألّا يقع الطلاق عليها.

الجواب عن الأول : أن يقال : لم لا يجوز أن يقال : كما أنّه يجب علينا أن نعتقد كونه منزها عن النقائص (٤) والآفات ، فكذلك يجب علينا تنزيه الألفاظ الموضوعة لتعريف ذات الله ـ تعالى ـ وصفاته عن العبث ، والرّفث ، وسوء الأدب؟

وعن الثّاني : أنّ قولنا «زينب طالق» معناه : أنّ الذات التي يعبر عنها بهذا اللفظ «طالق» ، فلهذا السبب وقع الطلاق عليها. و «الله» في «بسم الله» مضاف إليه.

وهل العامل في المضاف إليه المضاف أو حرف الجر المقدّر ، أو معنى الإضافة؟

__________________

(١) في أ : نصرف.

(٢) الطلاق لغة : مصدر ، طلّقت المرأة : بانت من زوجها ، وأصل الطلاق في اللغة : التخلية ، يقال : طلقت الناقة : إذا سرحت حيث شاءت ، وحبس فلان في السجن مطلقا بغير قيد ، وفرس طلق إحدى القوائم : إذا كانت إحدى قوائمها غير محجلة ، والإطلاق : الإرسال. انظر : الصحاح : ٤ / ١٥١٨ ، والمغرب : ٢٩٢ ، ولسان العرب : ١٠ / ٢٢٥ ، والمصباح المنير : ٢ / ٥٧٣.

واصطلاحا :

عرفه الحنفية بأنه : إزالة النكاح الذي هو قيد معنى.

عرفه الشافعية بأنه : حل عقد النكاح بلفظ الطلاق ونحوه ، أو هو : تصرف مملوك للزوج يحدثه بلا سبب ، فيقطع النكاح.

عرفه المالكية بأنه : إزالة القيد وإرسال العصمة ؛ لأن الزوجة تزول عن الزوج.

عرفه الحنابلة بأنه : حل قيد النكاح أو بعضه.

انظر : الاختيار لتعليل المختار : ص ٦٢ ، والتبيين : ٢ / ١٨٨ ، والدرر : ١ / ٣٥٨ ، والبدائع : ٤ / ١٧٦٥ ، ومغني المحتاج : ٣ / ٢٧٩ ، والخرشي على مختصر سيدي خليل : ٣ / ١١ ، والكافي : ٢ / ٧١ ، وكشاف القناع : ٥ / ٢٣٢ ، والمغني : ٧ / ٣٦٣.

(٣) في أ : اسم زينب.

(٤) في أ : نقص.

١٣٦

ثلاثة أقوال خيرها أوسطها وهو علم على المعبود بحقّ لا يطلق على غيره [ولم يجز لأحد من المخلوقين أن يسمّى باسمه ، وكذلك الإله قبل النقل ، والإدغام ، لا يطلق إلا على المعبود بحق](١).

قال الزمخشريّ رحمه‌الله «كأنه صار علما بالغلبة» وأما «إله» المجرد عن الألف ، فيطلق على المعبود بحقّ وعلى غيره ، قال تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) [الأنبياء : ٢٢](وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ) [المؤمنون : ١١٧] ، (مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) [الفرقان : ٤٣].

قال ابن الخطيب رحمه‌الله تعالى : [من النّاس] (٤) من طعن في قول من يقول «الإله هو المعبود» من وجوه :

أحدها : أنه ـ تعالى ـ إله الجمادات والبهائم ، مع أن صدور العبادة منها محال.

الثّاني : أنه ـ تعالى ـ إله المجانين والأطفال ، مع أنه لا تصدر العبادة منهم.

الثالث : يلزم أن يقال : إنه ـ تعالى ـ ما كان إلها في الأزل.

وقال قوم الإله ليس عبارة عن المعبود ، بل الإله هو الذي يستحقّ أن يكون معبودا ، وهذا القول ـ أيضا ـ يردّ عليه ألّا يكون إلها للجمادات ، والبهائم ، والأطفال ، والمجانين ، وألا يكون إلها في الأزل.

وأجيب : بأن هذين الإلزامين ضعيفان.

فإنّ الله ـ تعالى ـ مستحقّ للعبادة [في الأزل](٢) ، بمعنى أنه أهل لأن يعبد ، وهذا لا يتوقف على حصول العبادة.

والثاني ـ أيضا ـ ضعيف ؛ لأنه في الأزل مستحقّ للعبادة.

واختلف الناس : هل هو مرتجل أو مشتقّ (٣)؟

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) سقط في أ.

(٣) لفظ الجلالة «الله» اسم دال على عين الذات القائمة بنفسها ، وليس باسم مشتق من صفة في ذاته تعالى ؛ كالحي الذي اشتق من الحياة ، والمريد من الإرادة ، والقادر من القدرة ، فإن هذه الأسماء مشتقة من صفات الذات ، ولا هو أيضا كأسماء الأفعال ؛ مثل الخالق من الخلق ، والرازق من الرزق ، فكل اسم من أسماء الصفات ، أو الأفعال فهو مشتق بلا شك ، وكل اسم ثبت لعين الذات دون النظر إلى صفة من الصفات ، فهو غير مشتق ؛ سواء كان اسم سلب ، أو اسم إثبات ، ومن خواص لفظ الجلالة : أنه تعالى عجّز الضّلّال المدّعي الربوبية عن التجاسر على التسمي بهذه التسمية ، وعليه حمل في بعض الوجوه قوله تعالى : هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ، ومنها : أن كل اسم من الأسماء التسعة والتسعين لا بد أن يكون مشتقا من صفة أو فعل ، وهذا قد قيل إنه غير مشتق ، بل هو اسم لعين الذات دون نظر إلى صفة يشتق منها ، وعلى هذا ترجع إليه جميع الأسماء ، ومنها : أنهم زادوا ميما عليه فقالوا : اللهم ، فكانت هذه الكلمة بزيادة الميم فيها جامعة لجميع أسماء الله تعالى ، ولهذا اللفظ الجليل خواص أخر ستأتي انظر : العلوم المستودعة في السبع الثاني : ٢٣ خ بتصرف ـ نتائح الفكر بتحقيقنا خ (تحت الطبع).

١٣٧

والصواب الأوّل وهو أعرف المعارف [حكي أنّ سيبويه رؤي في المنام فقيل : ما فعل الله بك؟ فقال : خيرا كثيرا ؛ لجعل اسمه أعرف المعارف](١).

ثمّ القائلون باشتقاقه اختلفوا اختلافا كثيرا :

فمنهم من قال : إنه مشتقّ من «لاه ـ يليه» ، أي : ارتفع ، ومنه قيل للشمس : إلاهة ـ بكسر الهمزة وفتحها ـ لارتفاعها.

وقيل : لاتخاذهم إيّاها معبودا ، وعلى هذا قيل : «لهي أبوك» يريدون لله أبوك فقلب العين إلى موضع اللام ، وخفّفه بحذف الألف واللام ، وحذف حرف الجر.

وأبعد بعضهم ، فجعل من ذلك قول الشّاعر في ذلك : [الطويل]

٢٤ ـ ألا يا سنا برق على قلل الحمى

لهنّك من برق عليّ كريم (٢)

فإنّ الأصل : «لله إنك كريم عليّ» فحذف حرف الجرّ ، وحرف التعريف ، والألف التي قبل الهاء من الجلالة ، وسكّن الهاء ؛ إجراء للوصل مجرى الوقف ، فصار اللفظ : «له» ثم ألقى حركة همزة «إن» على الهاء فبقي «لهنّك» كما ترى ، وهذه سماجة من قائله [وفي البيت قولان أيسر من هذا](٣).

ومنهم من قال : هو مشتقّ من «لاه ـ يلوه ـ لياها» [أي احتجب فالألف على هذين القولين أصيلة فحينئذ أصل الكلم لاه](٢) «اللاه» ثم أدغمت لام التعريف في اللام بعدها ؛ لاجتماع شروط الإدغام ، وفخّمت لامه ، ووزنه على القولين المتقدمين إمّا : «فعل» أو «فعل» بفتح العين وكسرها ، وعلى كل تقدير : فتحرك حرف العلّة ، وانفتح ما قبله فقلب ألفا ، وكان الأصل : ليها أو ليها أو لوها أو لوها.

ومنهم من جعله مشتقا من «أله» و «أله» لفظ مشترك بين معان ، وهي : العبادة والسكون ، والتحيّر ، والفزع ؛ قال الشاعر : [الطويل]

__________________

(١) سقط من أ.

(٢) البيت لمحمد بن سلمة. ينظر في لسان العرب (لهن) ، (قذى) ، ولرجل من بني نمير في خزانة الأدب : ١٠ / ٣٣٨ ، ٣٣٩ ، ٣٥١ ، والأشباه والنظائر : ٢ / ١٤٤ ، والزجاجي : ص ٢٥٠ ، والجنى الداني : ص ١٢٩ ، وجواهر الأدب : ص ٨٣ ، ٣٣٣ ، والخصائص : ١ / ٣١٥ ، ٢ / ١٩٥ ، والدرر : ٢ / ١٩١ ، وديوان المعاني : ٢ / ١٩٢ ، ورصف المباني : ص ٤٤ ، ٢١ / ٢٣٣٤ ، وسر صناعة الإعراب : ١ / ٣٧١ ، ٢ / ٢٥٥٢ ، وشرح شواهد المغني : ٢ / ٦٠٢ ، وشرح المفصل : ٨ / ٦٣ ، ٩ / ٤٢٥ ، ١٠ / ٤٢ ، ومجالس ثعلب : ١ / ١١٣ ، ٢ / ٤١٣ ، ومغني اللبيب : ١ / ٢٣١ ، والمقرب : ١ / ١٠٧ ، والممتع في التصريف : ١ / ٣٩٨ ، وهمع الهوامع : ١ / ١٤١ ، وأمالي القالي : ١ / ٢٦٦.

(٣) سقط في ب.

١٣٨

٢٥ ـ ألهت إلينا والحوادث جمّة

 ............ (١)

أي : سكنت ؛ وقال غيره : [الطويل]

٢٦ ـ ألهت إليها والرّكائب وقّفّ

 ........... (٢)

أي : فزعت إليها.

فمعنى «إله» أنّ خلقه يعبدونه ، ويسكنون إليه ، ويتحيّرون فيه ، ويفزعون إليه ، ومنه قول رؤبة (٣) : [الرجز]

٢٧ ـ لله درّ الغانيات المدّه

سبّحن واسترجعن من تألّه (٤)

أي : من عبادة.

ومنه قوله تعالى : (وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ) [الأعراف : ١٢٧] أي : عبادتك.

وإلى معنى التحيّر أشار أمير المؤمنين ـ رضي الله عنه ـ بقوله : «كلّ دون صفاته تحيّر الصفات ، وضلّ هناك تصاريف اللّغات» (٥) ؛ وذلك أنّ العبد إذا تفكر في صفاته تحيّر ؛ ولهذا روي : «تفكّروا في آلاء الله ، ولا تتفكّروا في الله» (٦).

وعلى هذا فالهمزة أصليّة ، والألف قبل الهاء زائدة ، فأصل الجلالة : «الإله» ؛ كقول الشاعر [في ذلك البيت](٧) : [الطويل]

__________________

(١) ينظر اللسان : مادة «أله».

(٢) ينظر اللسان : مادة «أله».

(٣) رؤبة بن عبد الله العجاج بن رؤبة التميمي السعدي ، أبو الجحاف ، راجز من الفصحاء المشهورين ، أخذ عنه أعيان أهل اللغة ، كانوا يحتجون بشعره ويقولون بإمامته في اللغة ، له ديوان رجز ، لما مات ، قال الخليل : دفنا الشعر واللغة والفصاحة. توفي بالبادية ١٤٥ ه‍.

ينظر : وفيات : ١ / ١٨٧ ، والبداية والنهاية : ١ / ٩٦ ، والآمدي : ١٢١ ، وخزانة الأدب : ١ / ٤٣ ، والأعلام : ٣ / ٣٤.

(٤) ينظر : ديوانه ص ١٦٦ ، وخزانة الأدب ٦ / ٣٩١ ، ٣٩٢ ، ولسان العرب (جله) ، (أله) ، وشرح المفصل ١ / ٣ ، والأشباه والنظائر ٦ / ١٠٥ ، والمحتسب ١ / ٢٥٦ ، والصحاح ٦ / ٢٢٢٤ ، والأمالي الشجرية ٢ / ٥١ ، والنكت والعيون ١ / ٥١ ، والمحرر الوجيز ١ / ٦٣ ، والدر المصون ١ / ٥٧.

(٥) ينظر : المفردات للراغب (١٧).

(٦) أخرجه ابن عدي في «الكامل» : (٧ / ٢٥٥٦) والطبراني في «الأوسط» كما في «مجمع الزوائد» : (١ / ٨٧) عن ابن عمر.

وقال الهيثمي في المجمع : رواه الطبراني في «الأوسط» وفيه الوازع بن نافع وهو متروك.

والحديث ذكره الهندي في «كنز العمال» : (٣ / ١٠٦) وعزاه لأبي الشيخ في «العظمة» عن ابن عباس وأبي ذر. وعزاه أيضا لأبي الشيخ وأبي نعيم في «الحلية» عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.

(٧) سقط في أ.

١٣٩

٢٨ ـ معاذ [الإله] (١) أن تكون كظبية

ولا دمية ولا عقيلة ربرب (٢)

ثم حذفت الهمزة لكثرة الاستعمال ؛ كما حذفت في «ناس» والأصل : أناس ؛ كقوله : [الكامل]

٢٩ ـ إنّ المنايا يطّلع

ن على الأناس الآمنينا (٣)

فالتقى حرف التعريف مع اللام ، فأدغم فيها وفخّم.

أو تقول : إنّ الهمزة من «الإله» حذفت للنقل بمعنى : أنا نقلنا حركتها إلى لام التّعريف ، وحذفناها بعد نقل حركتها ، كما هو المعروف في النقل ، ثم أدغم لام التعريف ؛ لما تقدم ، إلّا أنّ النقل ـ هنا ـ لازم ؛ لكثرة الاستعمال.

ومنهم من قال : هو مشتقّ من «وله» ؛ لكون كل مخلوق واله نحوه ، ولهذا قال بعض الحكماء : الله محبوب للأشياء كلّها وعلى هذا دل قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) [الإسراء : ٤٤].

فأصله : «ولاه» ثم أبدلت الواو همزة ، كما أبدلت في «إشاح ، وإعاء» والأصل : «وشاح ، ووعاء».

فصار اللفظ به : «إلها» ثم فعل به ما تقدم من حذف همزته ، والإدغام ، ويعزى هذا القول للخليل ـ رحمه‌الله تعالى ـ.

فعلى هذين القولين وزن «إلاه» : «فعال» وهو بمعنى مفعول ، أي : معبود أو متحيّر فيه ؛ كالكتاب بمعنى مكتوب ، وردّ قول الخليل بوجهين :

أحدهما : أنه لو كانت الهمزة بدلا من واو ، لجاز النطق بالأصل ، ولم يقله أحد ، ويقولون : «إشاح» و «وشاح» ، و «إعاء» و «وعاء».

والثّاني : أنه لو كان كذلك لجمع على «أولهة» ك «أوعية» ، و «أوشحة» ، فتردّ الهمزة إلى أصلها ، ولم يجمع «إله» إلّا على «آلهة».

وللخليل أن ينفصل عن هذين الاعتراضين ؛ بأنّ البدل لزم [في](٤) هذا الاسم ؛ لأنه

__________________

(١) في أ : الله.

(٢) البيت للبعيث بن حريث. ينظر : خزانة الأدب : ٢ / ٢٧٧ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي : ص ٣٧٨ ، والكشاف : ١ / ٥ ، والدر : ١ / ٥٧.

(٣) البيت لذي جدن الحميري في خزانة الأدب ٢ / ٢٨٠ ، ٢٨٢ ، ٢٨٥ ، ٢٨٨ ؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ١ / ٣١٢ ، والجنى الداني ص ٢٠٠ ، وجواهر الأدب ص ٣١٣ ، والخصائص ٣ / ١٥١ ، وشرح شواهد الشافية ص ٢٩٦ ، وشرح المفصل ٢ / ٩ ، ٥ / ١٢١.

(٤) في أ : من.

١٤٠