آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره - ج ١

د. عمر بن إبراهيم رضوان

آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره - ج ١

المؤلف:

د. عمر بن إبراهيم رضوان


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٠
الجزء ١ الجزء ٢

١
٢

٣
٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

المقدمة

الحمد لله رب العالمين ، الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون.

قال الله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).

كان الإسلام على مر الحقب والأزمان الماضية مشعل الهداية للمسلمين وأساسا لتقدمهم العلمي والحضاري وفي كل المجالات فأقاموا به دولة ، وأشادوا على أسسه حضارة أثرت على غيرهم من المجتمعات الإنسانية.

ونظرا لقوة الإسلام الذاتية ، وملاءمته لفطرة الإنسان ، دخلت كثير من الشعوب فيه ، وبسطت الدولة الإسلامية نفوذها على كثير من الأقطار ، مما جعل الغرب يفكر جديا في مواجهة هذا الدين بكافة الوسائل فشن حروبا شعواء على ديار الإسلام عرفت في التاريخ بالحروب الصليبية فلما فشلوا في الوصول إلى غاياتهم انصرفوا إلى وسيلة أخرى ، وهي التشكيك في الإسلام العظيم حيلة الضعيف العاجز أمام القوي المنتصر ، وذلك ليحولوا بين الإسلام وبين شعوبهم وبينه وبين اعتزاز أهله به وتمسكهم به وعملهم بهداياته.

وكان من أضخم المؤسسات التي تنبت حرب الإسلام بهذا السبيل التبشير والاستشراق المؤسستان المكملتان لبعضهما في الأهداف والغايات والقريبتان في الوسائل.

وبما أن دراستي عن الاستشراق فسيكون حديثي مقتصرا عليه فالاستشراق

٥

مؤسسة علمية في جوهرها وحقيقة أمرها وجدت لحرب الإسلام والكيد له.

كيف لا ، والاستشراق حركة ولدت في أحضان التبشير ، وشبت ورضعت وترعرعت من الاستعمار ، وأخيرا لبست مسوح رهبان العلم.

ولا أحد ينكر أن الاستشراق نجح في مهمته نجاحا كبيرا ، وحقق كثيرا من أهدافه التي كان لها أعظم الأثر على العالمين العربي والإسلامي من جهة والغربي من جهة أخرى.

ففي المجتمعات العربية والإسلامية سبب الاستشراق ردة فكرية عن الإسلام ونجح المستشرقون في إيجاد طبقة من المسلمين مخدوعة بأفكارهم وآرائهم ، وذلك باستقطاب الآلاف من شباب المسلمين للجامعات الغربية طمعا في الألقاب العلمية ، فرجع هؤلاء الطلاب متأثرين بثقافة الغرب ومناهجه وأساليب تفكيره.

كما كتب الغرب آلاف الكتب ، وعشرات الآلاف من الأبحاث والمقالات والتي ما زال كثير من أساتذتنا ومفكرينا يعتمدون عليها ، ذاكرين ذلك صراحة في بعض الأحيان ، وكاتمين لها في معظم أوقاتهم.

هذا بمجموعه أدى لإيجاد ردة فكرية في عالمنا الإسلامي كما ذكرت وحال دون تطبيق شريعة الإسلام وأحكامها في المجتمعات الإسلامية.

أما تأثيره على العالم الغربي فهو الحيلولة بين الغربيين وبين الإسلام العظيم ، وذلك بتشويه صورة الإسلام في نظر الغربيين الذين لا يعرفونه إلا عن طريق مؤلفات المستشرقين وكلامهم عنه.

فلما كانت الحركة الاستشراقية لها مثل هذا الأثر على المجتمعين العربي الإسلامي من جهة ، والغربي من جهة أخرى ، ولما كنت في مرحلة اختيار الموضوع لرسالة الدكتوراة ؛ صممت أن تكون أطروحتي حول هذا الموضوع ، ووفقت في ذلك ولله الحمد وسجلت رسالتي وهي بعنوان (آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره دراسة ونقدا). ولكني واجهت مشاكل عدة للنجاح بمهمتي.

٦

كان من أعظمها : قلة المراجع في الدول العربية لهذا البحث ، وصعوبة الوقوف على أفكار المستشرقين باتجاه الإسلام ؛ وذلك لأنها مكتوبة بعدة لغات عالمية ولقلة المترجم منها ، وعظم النفقات للحصول والوقوف عليها. ولكنني تغلبت عليها ولله الحمد فسافرت إلى بريطانيا وأحضرت عدة مراجع هامة لبحثي ، وقمت بترجمة بعضها كاملة وأجزاء من بعضها حسب الحاجة كان على رأسها مقدمتا القرآن الكريم لريتشارد بل ، ومونتجمري واط وهما من الإنجليزية ، ومقدمة القرآن الكريم لريجي بلاشير ، وهو من الفرنسية ، وأجزاء من كتاب (تاريخ القرآن الكريم) لتيودور نولديكه ، وهي من الألمانية وغيرها من الكتب.

وبعد الإحاطة بما ورد في هذه الكتب وغيرها ؛ كانت خطتي في البحث على الوجه التالي : التمهيد وتحته ستة مباحث وبابان وتحت كل باب عدة فصول فيما يلي التفصيل :

تناولت في المبحث الأول منه تعريف الاستشراق ، ونشأته ، وتناولت في المبحث الثاني دوافع المستشرقين وأهدافهم. أما المبحث الثالث فتناولت فيه وسائل المستشرقين ، وأما المبحث الرابع فخصصته لعلاقة اليهود بالحركة الاستشراقية ، ثم تناولت في المبحث الخامس طوائف المستشرقين ، أما المبحث السادس فجعلته لمناهج المستشرقين وميزان البحث عندهم.

ومن خلال دراستي لنقاط هذا الباب التمهيدي توصلت إلى ما يلي من الملاحظات :

١ ـ لاحظت أن أبحاث المستشرقين والمبشرين تكاتفت على تشويه الإسلام والتحيز ضده.

٢ ـ لاحظت أن كثيرا من الشخصيات الاستشراقية كانت ذات مسوح كنسية تخصصت بالشرقيات عامة ، وبالإسلاميات خاصة ، بالإضافة إلى اللاهوت المسيحي ، فاستحوذ عليهم التنصير الكنسي والاستشراق المعرفي.

٣ ـ لاحظت الأثر الكبير للفكر النصراني عامة والكاثوليكي خاصة في

٧

فكر المستشرقين وكتاباتهم.

٤ ـ لاحظت أن التحصيل الكنسي يسبق التحصيل الاستشراقي ، ولم نسمع أن مستشرقا علمانيا مثلا أتم تحصيله الاستشراقي ثم عاد إلى الكنيسة للتعلم.

٥ ـ من الناحية التحصيلية فإنه لا يسهل أن نجد شخصيات استشراقية استطاعت بتفوق قدراتها أن تجمع المعارف الغزيرة في علوم شتى وبلغات عدة.

٦ ـ لاحظت أن تأثير الكنيسة على المستشرقين كان أشد وأقوى من العمل الاستشراقي المعرفي عندهم حتى إن طابع البحث عندهم غلبت عليه الروح التنصيرية سواء كان في الموضوعات أو في الطريقة.

٧ ـ أن المستشرق المنصّر لا يمكن أن يتحرر من بصمات المعارف والبواعث الكهنوتية في دراساته مهما حاول أن يعلن خلافهما أو مهما تظاهر بالمنهجية (١).

٨ ـ كما لاحظت وضوح البصمات اليهودية في أبحاث المستشرقين اليهود كمحاولة جعل اليهودية مصدر الإسلام ، وصاحبة الفضل عليه.

٩ ـ وكذلك لاحظت عدم النزاهة ، والتجرد ، والدقة لكثير من المستشرقين في أبحاثهم ، لذا جاءت أبحاثهم فجة ، مليئة بالأخطاء.

أما الباب الأول فقد خصصته لعرض بعض كتابات المستشرقين وهو بعنوان (المستشرقون وكتاباتهم حول القرآن الكريم) وهو يحتوي على فصلين وملحق.

الفصل الأول : مستشرقون أفردوا مؤلفات حول القرآن الكريم :

تناولت مؤلفاتهم (ثلاثة عشر) مؤلفا. وقد أفردت كل مؤلف منها بمبحث عرفت فيه بالمؤلف وبكتابه وبأبرز القضايا التي تناولها كتابه.

__________________

(١) في الغزو الفكري ص ١٦٠ ـ ١٦١.

٨

الفصل الثاني : مستشرقون كتبوا حول القرآن الكريم من خلال مؤلفاتهم تناولت من مؤلفاتهم (سبعة) مؤلفات.

وقد خصصت كل واحد منها بمبحث عرفت فيه بالمؤلف وبما كتبه حول القرآن في كتابه بإيجاز.

ثم ختمت هذا الباب بملحق لأسماء مجموعة من كتب المستشرقين حول القرآن الكريم سردا وذلك إتماما للفائدة.

أما الباب الثاني : فقد خصصته لآراء المستشرقين حول القرآن الكريم ومناقشتها ، حيث استخلصت أقوال المستشرقين وشبهاتهم حوله وحول علومه ، فحصرتها ووزعتها على الفصول السبعة التالية :

الفصل الأول :

شبهات المستشرقين حول مصادر القرآن الكريم.

وفي هذا الفصل بينت أن المستشرقين يعتبرون مصدر القرآن بشريا لفقه محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من عدة مصادر وهي :

١ ـ الوسط الوثني الذي بدأت فيه دعوة الإسلام. وذلك للتشابه بين هدايات القرآن والوسط الجاهلي في بعض القضايا كالعقائد ، والأخلاق وبعض العبادات وبعض العادات كالزواج والطلاق وغير ذلك. زاعمين أن محمدا تلقاها بمعلم أو قرأها بنفسه من مراجعها.

٢ ـ الحنفاء حيث اعتبر المستشرقون الحنفية المصدر الثاني من مصادر القرآن للتوافق والتشابه بين بعض أحكام القرآن وبين ما كان يدعو إليه الحنفاء من ترك عبادة الأصنام ، والوعد بالجنة للموحدين والوعيد بالنار للمكذبين إلى غير ذلك.

٣ ـ الصابئة والزرداشتية والهندية القديمة :

اعتبر المستشرقون هذه المذاهب كذلك مصدرا من مصادر القرآن للتوافق

٩

بينها وبين بعض الآداب التي دعا إليها القرآن كبعض العبادات والأخلاق إلى غير ذلك.

٤ ـ اليهودية والنصرانية المحرفة.

اعتبر المستشرقون هاتين الديانتين عمدة مصادر القرآن الكريم ؛ وذلك لنقاط التشابه بين الإسلام وبين هاتين الديانتين كالدعوة للتوحيد وبعض العبادات والأخلاق إلى غير ذلك.

وقد وقفت مع هذه المصادر طويلا مبينا شبهاتهم فيها رادا عليها ، مبينا الحقيقة الثابتة في أن القرآن تنزيل من رب العالمين وحده دون سواه. وما محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ في ذلك إلا مبلغ فحسب. وأن أي تشابه بين هدايات القرآن وبين هذه المذاهب والأديان إما لوحدة المصدر من حيث كونها منزلة من الله سبحانه أو لتأثرها بهذا المصدر لا غير.

الفصل الثاني :

شبهاتهم حول نص القرآن الكريم.

حيث حضرت الشبهات التي أثارها المستشرقون حول ظاهرة الوحي الإلهي والتي عدوها واحدة من الظواهر التالية :

فمنهم : من عدّها وحيا نفسيّا أو إلهاما سمعيا.

ومنهم : من عدها نتيجة انفعالات عاطفية طاغية على نفس محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ نتج عنها هذا القرآن.

ومنهم : من زعم أنها تعود لأسباب طبيعية عادية كباعثة التنويم الذاتي.

ومنهم : من زعم أنها كانت نتيجة تجربة ذهنية فكرية تحصل نتيجة طول تأمل وتفكر.

ومنهم : من زعم أنها حالة كالحالة التي تعتري الكهنة والمنجمين.

١٠

ومنهم : من زعم أنها حالة من حالات الصرع والهستريا.

وقد رددت على هذه الافتراءات والتخبطات عند هؤلاء المستشرقين مطولا مبيّنا سذاجتها وتفاهتها ومقررا الحق في هذا الأمر أن ظاهرة الوحي في تلقي محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ القرآن : ربانية المنشأ ، ملائكية النقل ، بشرية التلقي (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى).

كما بينت موقف المستشرقين من النص القرآني من حيث التوثيق ، وتشكيكهم في حفظه عن الزيادة والنقصان مدّعين أن الوسائل الأولية التي كتب عليها تدعو للريبة في بقائه سليما دون ضياع أو نقص.

وكذلك أثاروا مسألة اختلاف مصاحف الصحابة واعتبروا كل مصحف خاص منها نسخة أخرى من نسخ القرآن تؤكد اضطرابه وتناقضه ، إلى غير ذلك من الشبه التي مرجعها اعتبارهم القرآن الكريم بشري المصدر ، غير محفوظ من الله رب العالمين ، ومعتمدين في كثير منها على روايات واهية مردودة.

وقد أسهبت في إبطال كل هذه الشبه في مواطنها من الرسالة.

الفصل الثالث :

تناولت فيه شبهات المستشرقين حول جمع القرآن الكريم.

مبينا شبهاتهم حول كل مرحلة من مراحل الجمع القرآني حيث حاول المستشرقون جهدهم في إثبات عدم جمع القرآن الكريم في حياته ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وأنّ ما حصل من جمع له في حياة أبي بكر وعثمان كان لأغراض خاصة وبطرق لا تؤكد سلامته من النقص والزيادة والاضطراب وقد وقفت مع هذه الادعاءات طويلا رادا على كل شبهة بما يدحضها ويثبت سلامة النص القرآني من أي تغيير أو تبديل أو اضطراب أو زيادة أو نقص ، وأنه محفوظ بحفظ الله ـ سبحانه ـ له (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ).

١١

الفصل الرابع :

شبهاتهم حول شكل القرآن الكريم ومضمونه.

كشبهة التجزئة ، ومعنى كلمة السورة ، والحروف المقطعة ، وترتيب السور ، وغير ذلك. وقد رددت على هذه الشبه وبينت محاولاتهم لترتيب القرآن الكريم على غير ترتيبه الحالي التي بلغت تسع محاولات فاشلة.

وقد بينت أن هذه المحاولات نوع من العبث ، واعتداء على قدسية النص القرآني ، حيث تمزق القرآن تمزيقا ، وتفتت أجزاءه المترابطة تفتيتا وتذهب إعجازه وسحر بيانه.

الفصل الخامس :

شبهاتهم حول القراءات القرآنية.

وقد أرجع المستشرقون سبب الاختلاف في القراءات القرآنية : لخصوصية الخط العربي ، وبسبب أخطاء ارتكبها النساخ أثناء كتابتهم للقرآن الكريم ، وللحرية الفردية التي كان يتمتع بها القارئ وقد بينت أن اعتمادهم في إثبات ذلك كله كان على الروايات الواهية الضعيفة والاستنتاجات الخاطئة ، وعدم التمييز بين القراءات الصحيحة من غيرها.

وقد رددت على كل هذه الشبه وبينت أن القراءة سنة متبعة لا يجوز الاجتهاد ولا التشهي فيها ، وأن مدارها على النقل الصحيح المتواتر. وقد وجّهت القراءات التي استشهدوا بها بما اتسع له المقام في مكانه. كما بينت أنه لا يجوز قراءة القرآن الكريم بالمعنى التي حاول المستشرقون إثباتها.

الفصل السادس :

شبهاتهم حول الأسلوب القرآني.

أثار المستشرقون عدة شبه حول هذه القضية كشبهاتهم حول أسلوب القرآن المكّي والمدنيّ ، وأسلوب القصة القرآنية ، وشبهتهم حول الكلمات القرآنية

١٢

(أي التعريب) ، ثم شبهاتهم حول الفاصلة القرآنية. وكان سبب هذه الشبهات كلها اعتبارهم القرآن تأليفا لمحمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ والذي تأثر أسلوبه بالوسط الذي كان يعيش فيه.

وقد رددت على هذه الشبه وبينت ربانية المصدر للقرآن الكريم ، وأنه لا اختلاف في أسلوبه ولا تمايز بل كله يمتاز بمتانة الأسلوب ، وترابط المعاني ، وروعة الإعجاز ، وعدم قدرة الخلق على الإتيان بمثله.

الفصل السابع :

شبهاتهم حول إعجاز القرآن الكريم.

وكان من أبرز شبههم في هذا الفصل :

١ ـ أن القرآن الكريم ليس آية في الفصاحة والبلاغة بسبب طريقة كتابته وجمعه.

٢ ـ أن القرآن الكريم متعارض ومتضارب وزعموا أن لذلك أمثلة.

وحاول المستشرقون التدليل على عدم إعجاز القرآن الكريم بعدة قضايا كان من أبرزها : النسخ ، وجود قضايا تتعلق بشخص محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وآل بيته في القرآن الكريم ، وجود كلام زائد عن الحاجة فيه ، التكرار ، المعاياة وفساد المعنى. عدم الترابط بين أجزائه إلى غير ذلك من القضايا. وقد أوردوا عليها شواهد عدة ، رددت عليها ردا مسهبا في أكثر من خمسين صفحة ، وذلك لأن الإعجاز في القرآن أول دليل على إلهية مصدر القرآن الكريم وهو الآية العظمى على صدق نبوة محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ.

أما الباب الثالث : فقد خصصته لقضايا تتعلق بتفسير القرآن الكريم حيث قسمت هذا الباب إلى خمسة فصول وهي كالتالي :

١٣

الفصل الأول :

شبهات المستشرقين حول التفسير بالمأثور.

تناول المستشرقون تحت هذا النوع من التفسير تمنّع بعض الصحابة والتابعين والعلماء من القول في تفسير القرآن الكريم.

كما طعن المستشرقون في رجال هذا اللون من التفسير وفي كتبه ؛ لوجود الإسرائيليات فيها ؛ ولوجود بعض الروايات المختلفة في تفسير القول الواحد إلى غير ذلك من الشبه. وقد رددت على كل هذه الشبه بما يؤكد عظم هذا العلم وفضل هذا اللون من التفسير.

الفصل الثاني :

تناولت فيه التفسير بالرأي وشبهات المستشرقين حوله.

زعم المستشرقون أن هذا اللون من التفسير انشقاق على التفسير بالمأثور وحربا عليه. كما أثنى المستشرقون على أصحاب الرأي غير الملتزم بهدايات الوحي في التفسير ، واعتبروهم أتم عقلا وأنضج فكرا من أصحاب التفسير بالمأثور. فرددت على هذه المزاعم والشبه وبينت التفسير بالرأي الجائز من المذموم ، وأن الجائز لا يعارض المأثور بل منطلق منه ومبني عليه.

أما التفسير المذموم فهو خارج عن هدايات القرآن الكريم ، نابع من أغراض شخصية لأصحابه.

الفصل الثالث :

تناولت ما أطلق عليه المستشرقون اسم التفسير في ضوء التصوف الإسلامي.

الفصل الرابع :

تناولت ما أطلقوا عليه اسم التفسير في ضوء الفرق الدينية.

وهذان الفصلان مبنيان على الفصل السابق عند المستشرقين لأنهم انطلقوا

١٤

في فهمهم لهما من خلال فهمهم للتفسير بالرأي المبني على الهوى فأثنوا على أصحاب هذين اللونين من التفسير ، ووصفوا أصحابهما بالنضوج العقلي والتفوق الذهني.

وقد بينت موقف الإسلام منهما ووجه مخالفتهما للحق الذي يدعو إليه القرآن الكريم وبينت تصادمهما مع الهدايات القرآنية.

الفصل الخامس :

تناولت فيه ما أسموه التفسير في ضوء التمدن الإسلامي.

وقد تبنى المستشرقون أيضا هذا اللون من التفسير ، وفرحوا له كثيرا واعتبروه أنضج ألوان التفسير وقد أثنوا على دعاته كثيرا.

وقد وقفت مع هذا اللون من التفسير وبينت القدر الجائز منه والقدر غير الجائز ، كما بينت الجوانب الإيجابية والجوانب السلبية لأصحاب هذا اللون من التفسير وذكرت بعض الكتب التي انحرف أصحابها عن الصواب نتيجة لتبنيهم الاتجاه التوفيقي بين الإسلام والحضارة الغربية المادية بما فيها من عيوب.

وقد ختمت هذه الرسالة بخاتمة ذكرت فيها أهم النتائج التي توصلت لها ، وكما ضمنتها بعض المقترحات التي سبقني لبعضها أساتذة فضلاء غيورون كان منها :

١ ـ أن الجهد الفردي لأعجز من أن يقف أمام مدّ الهجوم الاستشراقي على الإسلام مما يتطلب أن تكون هناك كليات متخصصة تقوم برصد هذا النتاج الاستشراقي الضخم والرد عليه.

٢ ـ إقامة مؤسسة علمية عالمية محايدة لا تنتمي بالولاء لأي دولة من الدول ، يرصد لها الأموال ويتعاون معها كبار العلماء والمفكرين ، تقوم بإصدار الكتب والمجلات والموسوعات وترجمات معاني القرآن الكريم وترجمتها للغات العالمية ليقف الغرب على الإسلام العظيم دون تحريف ولا تشويه.

١٥

٣ ـ إرسال الأساتذة الدعاة للجامعات الغربية لإلقاء المحاضرات والندوات ولقاءات التحاور لتوضيح الفكرة الإسلامية ناصعة محفوظة من التشويه للعالم الغربي.

٤ ـ تعديل مناهج التعليم في الدول الإسلامية لتقوم على أسس الإسلام الصحيح نقية من الفكر الغربي الدخيل عليها.

٥ ـ توجيه المراكز الإسلامية في العالم الغربي للقيام بواجباتهم وأداء رسالتها بنجاح برصد كل نتاج غربيّ ضد إسلامنا العظيم ، ثم تزويد الجهات المختصة بهذا النتاج للرد عليه ونشر هذه الردود بين الغربيين.

٦ ـ إقامة دورات للمبتعثين لديار الغرب من أجل الدراسة أو المقيمين فيها من أجل العمل لتحصينهم ضدّ شبه الغربيين على الإسلام ولتكون عندهم القدرة في توضيح الصواب. وقد كانت جامعتنا رائدة لهذه الفكرة النبيلة.

٧ ـ ولا يفوتني وأنا أقدم هذه المقترحات أن أشير إلى أمر يشكل على كثير من الناس وهو ظنهم أن المستشرقين قاموا بجهود يعجز عنها علماء المسلمين في الوقت الحاضر. والحقيقة أننا لو بحثنا عن أسباب نجاح المستشرقين في بعض الجوانب العلمية لزال اللّبس والوهم عن الأذهان فلو علمنا أن مؤسسات مالية ضخمة تخصص الملايين من الدولارات ، وتفرّغ أساتذة في الجامعات لإنجاز مشروع ما وتطلق أيديهم بالإنفاق على هذا المشروع بسخاء ويستغرق المشروع عشرات الأعوام فمن البديهي أن تكون النتيجة دراسة متخصصة عميقة في هذا الجانب. ولو تسنى لعلماء المسلمين اليوم مثل هذه الإمكانات المادية والأجواء العلمية لأبدعوا أكثر من هؤلاء بكثير وما نراه من آثار سلفنا الصالح في شتى مجالات المعرفة لدليل على صحة ما أقول على الرغم أن أغلب آثارهم العلمية كانت بجهود فردية.

ولما كان الاستشراق بهذه الخطورة في حرب الإسلام ، وتشويه صورته في نفوس من يتعرف على الإسلام من خلال كتاباتهم رغبت في نشر هذا الكتاب

١٦

الذي كان أطروحتي لدرجة الدكتوراة من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وبإشراف أستاذي الكبير الدكتور مصطفى مسلم محمد ليستفيد منه أبناء الإسلام ويعرفوا هذه الفئة على حقيقتها.

ومما يجدر الإشارة إليه أني قد تناولت كتاباتهم بمحض الموضوعية ولم أنزل لأسلوبهم المليء بالإسفاف والحقد على الإسلام العظيم ..

والله ولي التوفيق

المؤلف

د. عمر رضوان.

١٧
١٨

الباب التمهيدي

الاستشراق

١٩
٢٠