أضواء على دعاء كميل

المؤلف:

عز الدين بحر العلوم


الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: دار الزهراء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٦٤
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

فلو لم يكن عمل لما عرفت لذة التوفيق .

ولو لم يكن ذنب لما عرف طعم للغفران ، والرحمة .

ومع كل هذا ولتحقيق الأخذ بهذا القول لا بد لنا من البحث حول الدعاء ومواكبة المسيرة الدعائية على الصعيدين : التاريخي ، والواقع الخارجي لنحيط بالموضوع إحاطة كاملة ، ولنثبت أن الدعاء من الحقائق الثابتة ، ولا إمكان لرفضه ، ولا للأخذ به مطلقاً كما تقوله الجماعة الأولى .

ونقصد بالجانب التاريخي : ملاحظة حال الدعاء ، وهل أنه من القضايا المستحدثة ، أو أن له تاريخه القديم ، وهل يحظى تأييد بعض الديانات دون البعض الآخر أم أنه مما تقول به كافة الأديان السماوية .

أما البحث عن الجانب التاريخي الخارجي فيلاحظ فيه حال الدعاء ، ومدى ضرورته للإِنسان ، ومدى تعلق الشخص به على الجانبين العبادي ، والأَجتماعي .

١ ـ المسيرة الدعائية تاريخها :

من استعراض الآيات القرآنية ، والحوادث التاريخية بالإِمكان القول : بإن الدعاء عرف منذ اليوم الأول لتاريخ الإِنسان الأول آدم « عليه السلام » فالذي يواكب القرآن الكريم يرى أن آدم هو أول من دعا ، وتضرع الى الله من أبناء هذه الأرض حيث حكى القرآن قصته مع إبليس بعد ما حذره الله ، وزوجته حواء من الاقتراب الى شجرة معينة في الجنة ، وعدم الأكل منها وموضوع العداء الذي نشب

٤١
 &

بينه ، وبين إبليس من عدم سجوده لآدم بعدما صدر الأمر الإِلهي للملائكة بالسجود له .

( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ . وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَـٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ . فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ ) (١) .

وبدأت معركة الحياة ، وترك آدم الجنة ، وخرج من النعيم الدائم ، وغضب الله عليه لعدم امتثاله النهي بعدم الإِقتراب من الشجرة المنهي عنها . ولنترك الخلاف بين العلماء في حقيقة هذه الشجرة ، ولماذا خصت هي دون غيرها بالنهي ، فلذلك مجال آخر من كتب التفسير .

ونشأ العداء بين آدم ، وإبليس . فآدم يرى إبليس السبب في خروجه من الجنة وحرمانه من الراحة الأبدية لأنه هو الذي رغبه وزوجته في الأكل من الشجرة المنهي عنها .

( فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ . وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ . فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا

__________________

(١) سورة البقرة : آية (٣٤ ـ ٣٦) .

٤٢
 &

عَدُوٌّ مُّبِينٌ ) (١) .

فإبليس إذاً مصدر شقاء آدم ، وسبب غضب الله سبحانه عليه .

ـ وفي الوقت نفسه ـ فإن إبليس يرى في آدم نفس النظرة ، فهو مصدر شقائه ، وطرده ، وإبعاده عن حضيرة القدس . فلولا آدم ولولا الأمر بالسجود له لما وصل الأمر به الى هذا الحال من الشقاء الدائم ، واللعنة الى يوم الدين .

( قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ . قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ ) (٢) .

ويحس الزوجان بالندامة ، ويشعران بالتقصير ، ولكن كيف يتداركان الموقف ، وينالا رضا الرب ؟

التضرع ، واظهار الندم ، والتوسل اليه هو كل ما يملكانه من وسائل موصلة اليه سبحانه .

من هنا تبدأ المسيرة الدعائية حيث يتجه الزوجان الى مصدر اللطف ، والحنو ، وبلسان كله ضراعة يبدآن :

( قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) (٣) .

__________________

(١) سورة الأعراف : آية (٢٠ ـ ٢٢) .

(٢) سورة الأعراف : آية ( ١٢ ـ ١٣) .

(٣) سورة الأعراف : آية (٢٣) .

٤٣
 &

وهذا هو أول دعاء يصدر من الأرض الى السماء ، وهو الإِستغاثة به عز وجل ، والإِستكانة اليه ، وطلب المغفرة عما صدر منهما من مخالفة ، وعصيان .

وحاشا لله أن يرد عبداً التجأ اليه نادماً .

( فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) (١) .

ويجد آدم من عطف ربه ما يمهد له الطريق لقبول توبته فعلمه مفاتيح التوبة ، وهي الكلمات التي تلقاها منه وقد قيل في تلك الكلمات أنها :

( اللهم لا إلۤه الا أنت سبحانك ، وبحمدك رب اني ظلمت نفسي فاغفر لي إنك خير الغافرين .

اللهم لا إلۤه الا أنت سبحانك ، وبحمدك رب اني ظلمت نفسي فإرحمني انك خير الراحمين .

اللهم لا إلۤه الا أنت سبحانك ، وبحمدك رب اني ظلمت نفسي فتب علي انك انت التواب الرحيم ) (٢) .

جاء ذلك عن الإِمام محمد الباقر عليه السلام وعن مجاهد .

وقيل في الكلمات غير هذا مما نقلته كتب التفسير .

من هذا العرض لقصة آدم « عليه السلام » تبين لنا أن الله هو

__________________

(١) سورة البقرة : آية (٣٧) .

(٢) مجمع البيان في تفسير القرآن في تفسيره لهذه الآية .

٤٤
 &

الذي وضع الخطوط الأولى للمسيرة الدعائية بتعليمه لأول مخلوقين من البشر كيف يدعوان ، وكيف يتضرعان .

وعندما يتعرض القرآن الكريم لقصة ابراهيم « عليه السلام » في مناجاته مع ربه نراه يذكر الآيات التالية :

( رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ . وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ . وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ . وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ . وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ ) (١) .

ان هذه الطلبات المتوالية ليست الا الدعاء الى الله لتحقيق ما تحمله هذه الفقرات من متطلبات .

وفي مشهد آخر نرى الآيات الكريمة تنقل عرضاً منسقاً لقصة ابراهيم مع زوجته ( سارة ) عندما أمره الله تعالى بالهجرة لإِبعاد زوجته الثانية ( هاجر ) ، وطفلها إسماعيل عن المكان الذي يسكن فيه لمضايقتهم لزوجته الأولى ( سارة ) ، ولسنا في صدد بيان السبب في هذا الإِبعاد ، فلكتب التفسير والمصادر التي تكفلت لعرض قصص الأنبياء مجالها في ذلك بل المهم من نقل هذا المشهد هو ملاحظة الفقرات الدعائية ، التي جاءت على لسان إبراهيم « عليه السلام » .

وتسير القافلة الصغيرة تقطع الوديان لتصل الى مكان البيت الحرام فتؤمر بالنزول .

ويحط الركب في قلب الصحراء المترامية على غير كلأ ، ولا ماء وتنتهي مهمة الأب فلا بد له من الرجوع الى مكانه ، ويلقي نظراته

__________________

(١) سورة الشعراء : آية (٨٣ ـ ٨٧) .

٤٥
 &

الوداعية ، ويعود ادراجه راجعاً فتلحق به زوجته ، وهي من هولة من هذا المنظر الموحش فتقول له :

إلى أين تذهب ، ولمن تتركنا في هذا الوادي المقفر ؟ .

وتمزق اللوعة قلب الأب الوقور فبماذا يجيب ؟ وبأي شيء يعتذر ؟ ولكنه مأمور بذلك من ربه ، ولا بد له من إكمال الشوط فلا يجيبها ، بل يستمر في السير .

وتعود هاجر الى الراكب لتتعلق بأذياله وهي تقول :

« الله أمرك بهذا » .

ويجد ابراهيم المخرج الذي ينقذه من الحيرة فيقول :

« نعم » .

وعندها تلملم المرأة المؤمنة أطرافها وهي تقول :

« إذن لا يضيعنا الله » .

ثم رجعت الى حيث تركت طفلها لتستسلم الى قضاء الله وقدره ، وتتعاقب نظرات ابراهيم يلقيها على هذه الأسرة الصغيرة وتتلاحق انفاسه ، والاسى يحز في قلبه ، وتنساب الرقة من فمه ، وهو يلقي النظرات الأخيرة على الطفل وأمه ، فيرددها كلمات هادئة :

( رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ) (١) .

__________________

(١) سورة إبراهيم : آية (٣٧) .

٤٦
 &

وتلقىٰ هذه الكلمات الإِجابة من ربه ، وإذا بمكة ذلك الوادي الموحش المقفر يحج اليها الناس في كل وقت ، ومن كل فج عميق .

ولو لاحقنا المشاهد الاخرى لقصص ابراهيم لرأينا الدعاء لا ينفك عن لسانه عند بناء البيت ، وفي غير ذلك من مشاهد حياته ، وضراعة لأجل تثبيت دعائم التوحيد .

نظرة الأديان السماوية الى الدعاء :

كان الغرض من نقلنا لقصتي آدم ، وإبراهيم « عليهما السلام » هو عرض نماذج من صور الدعاء التي صدرت منذ بدء التاريخ الإِنساني في عهده القديم مما يعطينا فكرة واضحة عن قدم الدعاء بقدم الإِنسان ، وانه لا مجال لإِنكار هذه الحقيقة من الجهة التاريخية .

أما نظرة الأديان السماوية الى الدعاء ، فإن الأديان التي جاءت بها السماء نرى كلها تحث على الدعاء ، والالتجاء الى الله عز وجل ومناشدته ، ومناجاته ، وها هي قصص الأنبياء تزخر بالأدعية التي وردت على لسان كل نبي سواءً في الدعاء على قومه ، أو لصالحهم فالكل دعاء ، وتضرع ، وطلب من الله ، ورغبة اليه في تحقيق شيء يريده الداعي .

وتتناقل الكتب كثيراً من المناجاة التي كان الأنبياء يناجون بها ربهم ، والاحاديث الواردة من الله لهم في فضل الدعاء ، ومنزلة الداعي وأن الله لا يخيب من دعاه ومن التجأ إليه . .

ولولا خوف الإطالة ، والخروج عن صلب الموضوع لعرضنا الكثير من ذلك .

٤٧
 &

الإِسلام والدعاء :

وقد لا يكون الإِنسان مبالغاً إذا قال : بإنه لم تهتم شريعة من الشرائع السماوية كشريعتنا الإِسلامية بالدعاء ، والتوجه اليه تعالى وقد جاء ذلك واضحاً في الآيات القرآنية ، والأخبار المروية عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وخلفائه « عليه السلام » حيث تناولت الدعاء من وجوه عديدة .

الأول : الآيات المصرحة بضمان الله في الإِستجابة .

قال تعالى : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ) (١) .

( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) (٢) .

( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ) (٣) .

الثاني : الآيات التي تأمر وتحث على الدعاء ، والتوجه اليه عز وجل .

يقول تعالى : ( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) (٤) .

وقوله عز وجل : ( قُلِ ادْعُوا اللَّـهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَـٰنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ

__________________

(١) سورة البقرة : آية (١٨٦) .

(٢) سورة غافر : آية (٦٠) .

(٣) سورة النمل : آية (٦٢) .

(٤) سورة الأعراف : آية (٥٥) .

٤٨
 &

الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ) (١) .

وقال جل إسمه : ( فَادْعُوا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (٢) .

وقال تعالى : ( وَلِلَّـهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ) (٣) .

الثالث : تعليم الداعي بكيف يدعو ربه .

يقول تعالى : ( وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلًا مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ ) (٤) .

( وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا ) (٥) .

( وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) (٦) .

( فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ ) (٧) .

__________________

(١) سورة الإِسراء : آية (١١٠) .

(٢) سورة غافر : آية (١٤) .

(٣) سورة الأعراف : آية (١٨٠) .

(٤) سورة المؤمنون : آية (٢٩) .

(٥) سورة الإِسراء : آية (٨٠) .

(٦) سورة البقرة : آية (٢٠١) .

(٧) سورة الأعراف : آية (١٥٥) .

٤٩
 &

( الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) (١) .

( رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ ) (٢) .

الرابع : النهي عن الدعاء لغير الله ، وتعجيز غيره في تمكنه من اجابة الدعاء ، وإيصاله الى ما يهدف اليه .

يقول عز وجل : ( إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ) (٣) .

( إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) (٤) .

( وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ ) (٥) .

( وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ اللَّـهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ ) (٦) .

( وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ ) (٧) .

وأما الرسول الأعظم فقد نقل عنه الكثير من حثه ، وعنايته ، وترغيبه في الدعاء ، وقد جاء عنه صلّى الله عليه وآله وسلم .

__________________

(١) سورة آل عمران : آية (١٦) .

(٢) سورة الحشر : آية (١٠) .

(٣) سورة الحج : آية (٧٣) .

(٤) سورة الأعراف : آية (١٩٤) .

(٥) سورة الأعراف : آية (١٩٧) .

(٦) سورة يونس : آية (١٠٦) .

(٧) سورة فاطر : آية (١٣) .

٥٠
 &

( أن الدعاء سلاح المؤمن ، وعمود الدين ، ونور السماوات والأرض ) (١) .

وعنه صلّى الله عليه وآله وسلم « إن الله عز وجل حي كريم يستحي اذا بسط الرجل اليه يديه أن يردهما صغراً ليس فيهما شيء » (٢) .

وعنه صلّى الله عليه وآله وسلم أيضاً : « ليس شيء اكرم على الله من الدعاء » (٣) .

وقد رويت عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت « عليهم السلام » ، وكثير من الصحابة الأدعية التي تقرأ قبل الصلاة ، وما بعدها ، وعند ارتفاع النهار ، وعند الزوال ، وعند الغروب ، وفي آناء الليل وفي كل ساعة ، ولأيام الأسبوع ، ولأيام الشهر ، ولكثير من المناسبات في عرض السنة من أولها الى آخرهما .

وقد نقل عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم قوله « الدعاء مخ العبادة » (٤) . « فكما أن مخ الإِنسان يقوم عليه الإِنسان فكذلك الدعاء تقوم عليه العبادة » (٥) .

__________________

(١ ـ ٢) لاحظ اصول الكافي كتاب الدعاء : باب ( الدعاء سلاح المؤمن ) حديث (١) وباب « حسن الظن بالله » : حديث (٢) والتصوف الاسلامي في الأدب ، والاخلاق : ٢ (٣٣) منشورات المكتبة العصرية .

(٣) احياء العلوم للغزالي : ١ (٣٩٦) منشورات مؤسسة الحلبي / أخرجه عن الترمذي ، ومثله ما جاء عن مكارم الاخلاق للطبرسي : باب فضل الدعاء ، وكيفيته .

(٤) احياء العلوم للغزالي : ١ (٣٩٦) .

(٥) مع الانبياء في القرآن الكريم : ١٣١ / الطبعة السادسة .

٥١
 &

ولا أدري بماذا يجيب القائلون برفض الدعاء عن هذه الأدعية من بدء الخليقة الى ما جاءت به الشريعة الإِسلامية والتي خاتمة الرسالات السماوية ؟ ، وهل من السهل رفض هذه الحقيقة ؟ .

كما ولا إختصاص بالدعاء من حيث هو دعاء ، وان لم يكن توسلاً الى الله عز وجل بأمة دون أخرى ، بل الدعاء كرغبة الى الغير أو إستعانة بالآخرين ، أو استغاثة يصدرها المحتاج عند الشدّة . كل ذلك طبيعي لمن تنزل به كارثة ، أو يجد في نفسه الحاجة الى الآخرين .

وحتى أولئك الذين لا يقولون بوجود الله ، فإن بعضهم يدعو شخصاً آخر له مقامه ، ومنزلته ، ويرغب اليه ، ويتملق له لحاجة من حوائج الدنيا ، أو لجاهٍ ، ومنصب ، وما شاكل . وما هذا الا صورة من صور الدعاء .

الدعاء من الناحية الإِجتماعية :

قد يرسم البعض في مخيلته صورة موحشة للداعي ، فيعتبره شخصاً خاملاً يشغل نفسه بالذكر والدعا ، مبتعداً عن المجتمع يركن الى الصوامع ، وأماكن العبادة ، وبعيداً عن العمل ، وما يتطلبه من مجهود ومثابرة ، لذلك ، ومن إطار هذه الصورة الكئيبة ينقم على الدعاء والداعين ، ولربما عبر البعض من هؤلاء عن الدعاء : بإنه المخدر الذي يميت الطاقات الكامنة في الإِنسان ، ومن ثم يجر مثل هذا الإِنسان الخامل الويلات على المجتمع الواعي الناهض .

ويسوق هؤلاء دليلاً على صحة دعواهم هذه ما يشاهده الإِنسان من كثرة الدعاء عندما يستعرض المصادر الدعائية حيث يرى لكل

٥٢
 &

ساعة دعاء خاصاً في ضمن الأربع وعشرين ساعة مجموع اليوم والليلة ، وهكذا لكل يومٍ من أيام الشهر ، وكذلك الفصول ، والمناسبات ولكل حركة وعمل يقوم به الإِنسان ، حتى عند دخوله الى المرافق ورفع الحاجة ، وعند ركوبه ، ونزوله ، فلكل ذلك دعاء خاص .

وحسب الداعي أن ينشد الى الدعاء ، ويعيش في دوامة من التوسلات ليترك حياته العملية ، ويدور في هذه العجلة .

وبالأخير ، فالحياة الإِجتماعية في نظر هذا البعض لا تلتئم مع الدعاء والداعين ، بل لا بد من الإِبتعاد عن كل ذلك ، أو لا أقل من التقليل بشكل لا يؤثر على طابع الحياة النابضة ، وما تقتضيه وتتطلبه من عملٍ ، ونشاط ، وجهود مكثفة .

وأقف والحيرة تأخذ على مسالك التفكير أمام هذا البعض وما يرسمه للدعاء والداعي ، من صورٍ تعمدت فيها ريشة الراسم فأخرجتها على هذا النحو من التشويه ، والإِضطراب .

وقد لا الوم هذا البعض ، وغيره إذا نظروا الى الدعاء ، والداعي من خلال هذه الصورة التي وجدوا فيها : هذا النحو من التهذيب النفسي كلاً على المجتمع ، والإِجتماع .

ولكن ، وبقليل من الهدوء ، والتروي أود ممن أزعجتهم صور الدعاء ان يخففوا من غلوائهم لندرس معاً الفوائد التي يجنيها المجتمع من الدعاء والداعي ، ومن ثم للحكم مجال واسع خصوصاً ، وأننا نحكم في مثل هذه القضايا الضمير الحي ليقول كلمته : بلا ، أو نعم . نقول : مما تقدم ـ عرفت ـ أن القائلين بقبول فكرة الدعاء ،

٥٣
 &

والعمل على طبقه بالإِمكان تقسيمهم الى جماعتين :

جماعة : تتطرف كثيراً ، فتأخذ بالدعاء ، وتعتمد عليه دون أي شيء آخر لتبني حياتها عليه بالمرة .

وجماعة : معتدلة تتخذ من الدعاء معيناً لها في أعمالها العبادية ، والإِجتماعية .

أما الجماعة الأولى : فلا أحسب ـ كما سبق ان قلنا ـ أن يقرهم أي دين سماوي ، وعلى الأخص الإِسلام ، لإِنه دين عمل ، وعبادة يشتركان معاً في بناء حياة فضلى جامعة ، وبكل مجالاتها .

وإذا كان المعترضون على فكرة الدعاء يقصدون من وراء إعتراضهم على الدعاء هؤلاء الاشخاص ، وما يذهبون إليه ، فنحن ، بل كل مسلم لا يقر عمل هؤلاء على عزوفهم عن الحياة ، والعكوف في جوامع العبادة . وصحيح أن كل واحدٍ من هؤلاء بإنضمامه الى الآخرين يصبح كلاً على المجتمع ، وبلاءً عليه . والإِسلام يرفض هذه الفكرة ، لإِنه كرم العامل ، وحث على الحياة العملية بما لا نظير له في الأديان الأخرى .

إذاً فموضوع بحثنا مع الجماعة الثانية ، والذين يقولون بالدعاء ولكن على نحو يكون منضماً الى العمل ، والجد في بناء المجتمع ، وكيانه وعلى جميع جوانبه ، وجهاته .

وعند تقييمنا لهذه الجماعة لا بد لنا من تقسيم الدعاء ، وطلبات الداعي الى قسمين :

١ ـ الدعاء الى الله في التجاوز عما صدر من الداعي من مخالفات ، ومعاصي في هذه الحياة .

٥٤
 &

٢ ـ الدعاء الى الله في الإِستعانة به في الأمور المعاشية ، والحياتية الاخرى مما تحيط بالإِنسان ، ومجتمعه في هذه الدنيا .

١ ـ الدعاء الى الله في القسم الأول :

ولنقف مع الداعي لنستمع اليه ، وهو يدعو الله أن يتجاوز عما صدر منه من ذنوب قد إرتكبها لنرى ما هي الذنوب ، وهل أن من يطلب التجاوز من ربه عن مخالفاته يعد عضواً خاملاً يضر في كيان المجتمع ، وينخر فيه ؟ ولا بد لنا والحالة هذه أن نتناول في بحثنا الذنوب التي صدرت من الداعي ، وهو يدعو الله في التجاوز عنها ، وهي على قسمين :

القسم الأول : الذنوب الصادرة منه ، والمتمثلة بتجاوزه على الآخرين في اموالهم ، واعراضهم ، بل مطلق حقوقهم حتى الإِعتبارية منها .

القسم الثاني : الذنوب المتمثلة في التجاوز على حقوق الله في ترك الواجبات ، والاتيان بالمحرمات .

أما الذنوب من القسم الأول : فإن طلب الداعي من الله في التجاوز ليس معناه أن لا يتحقق عليه ما هو مرتب عليها من ضمانات مالية ، أو ديات ، وما شاكل ذلك فإن هذه الأمور لا علاقة لله بها ، ولا مجال لطلب العفو من الله عنها ، بل لا بد من توسل الداعي الى الله ان يهيء السبل الكفيلة بإرضاء من تجاوز عليهم من تهيئة مال ، أو تهيئة أجواء تحصل له رضا الآخرين ، وصفحهم عن حقوقهم التي تجاوز عليها الداعي في حياته فحقوق الناس محترمة كما ان أعراضهم ودماءهم محترمة أيضاً ، فإن كان

٥٥
 &

الإِنسان مديناً لآخرين فلا بد من بذل جهده لتهيئة المال لتفريغ ذمته مما انشغلت بها من ديون .

وأما الذنوب من القسم الثاني : فإن حقيقة الدعاء الى الله في العفو عنه واظهار الندم والتوبة ، ما هو الا توقيع عهدٍ من الداعي الى الله بأنني : يا رب عدت إنساناً كاملاً لا اتجاوز ، ولا أعصي لك أمراً ، وسوف أكون ذلك الشخص الذي يؤمن جانبه ، ولا يتجاوز لا على حقوق الله ولا على حقوق الآخرين .

ومثل هذا الشخص ـ وبهذه الحالة من الندم ـ سيكون عضواً نافعاً في هذه الحياة ، وبشراً قوياً في ارادته يأمن كل أحد منه لانه عاد يراقب الله في كل حركاته ، وسكناته ، فلا يحتاج الى رقيب خارجي ، بل تكفيه رقابة الله عز وجل له ، والخوف منه ليسير على الطريق المستقيم الذي رسمه الله لعباده ، ووعدهم على ذلك بالنعيم الدائم في الدار الآخرة ، إضافة إلى ما لهم في الدنيا من مكرمات نتيجة تعلقهم به .

وإذاً فلماذا نتجاوز ، ونتطاول ، ونعتبر مثل هذا الشخص فرداً خاملاً ينخر في هيكل المجتمع وبنائه ، وهل المجتمع الصحيح إلا المجموعة الكبرى من امثال هذا الشخص المؤمن ؟

وهل المجتمع الصحيح يستغني عن أمثال هؤلاء المخلصين ؟

٢ ـ الدعاء الى الله من القسم الثاني :

وكما قلنا أن الدعاء من القسم الثاني : هو الدعاء فيما يعود الى الأمور الحياتية ، وهي لا تخرج عن طلب الرزق ، والعافية ،

٥٦
 &

والحفظ من العدو والتوفيق للرقي ، والولد الصالح ، وما شاكل هذه الأمور مما يحتاجها الإِنسان لإِرادة حياته المعاشية ، والإِجتماعية .

وأي مانع من الإِستعانة بالله في مثل هذه الأمور وقد قلنا : ـ كما سبق ـ أننا لا نتكلم مع داعٍ مفرط متكل ، بل مع داعٍ عاملٍ عاقل يعمل بعد أن يفكر ، ويقدم على الأمور بجدٍ ، ونشاط ، ولكنه يطلب من الله أن يبارك له في عمله ، أو أن يعينه على التغلب على عدوه ، أو أن يهيء له الطبيب الذي يكون شفاء مريضه على يديه أو أن يعمي أبصار الحاسدين عنه ، وهذا كناية عن صرف أنظار من يتربص له عما يقوم به في أعماله ، وما يحصل عليه من رزق أو أن يرزقه الحظ في كسبه . في كل ذلك نراه يعمل ، ويجهد نفسه ففي مقام الكسب لا يفتر عن الدخول في كل ما يربحه ، ويأمل من ورائه النفع .

وفي مقام الدفاع عن ماله ، أو عرضه ، أو وطنه ، أو بيضة الإِسلام وجماعتهم يبذل قصارى جهده ، ويطلب العون من ربه لينصره على العدو .

وفي مقام التداوي يسأل ، ويبحث عن الطبيب الماهر ليذهب اليه فيباشر عنده ، ويعرض نفسه عليه ، ولكنه يطلب من الله أن يجعل العافية له على يديه ، وهكذا في بقية المجالات والأعمال ، فهل يقال لمثل هذا الإِنسان : أنت كلُ على المجتمع ؟

ولماذا يكون كلاً ، وعلى من يكون كلاً ، وعبئاً ثقيلاً ؟

انه مضافاً الى ما يقدمه من جهد وعمل ، يناجي رباً يرجع اليه في أموره لانه الخالق ، والرازق ، والمدبر ، والأمر كله بيده .

٥٧
 &

وما المانع من أن يذكر الله ، ويدعوه العبد في أوقات معينة من اليوم والليلة ، وهكذا عقيب الصلوات بما لا يؤثر على مسيرته الحياتية ليتزود بها لآخرته لإِيمانه بأن هناك جنة ، ونار ، وحساب وكتاب ، وتقييم للأعمال .

( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) (١) .

( إِنَّ اللَّـهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا ) (٢) .

فهل يقال لمثل هذا الإِنسان لا تتزود لأَنك كل على المجتمع ؟

الإِنسان الصحيح لا يسرق ، ولا يزني ، ولا يتعدى على حقوق الآخرين ولا يتخلف عن واجباته ، وينتهي عن كل مخالفة ، ويدعو ربه أن يأخذ بيده في مسيرته ليجد من ربه عطفاً ، وحناناً ، ونداءاً يردده وهو يقول : ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) (٣) .

وأما ما ساقه المعترض من وجود الأدعية في كل ساعة ، وفي كل وقت ، ولكل يوم ، ولكل فصل ، ولكل حركة مما يدعو الإِنسان الى ترك كل شيء ، والانشغال بالدعاء ، وهذا معلوم الضرر بالنسبة الى الإِجتماع ، والمجتمع فنقول في جوابه :

إن ذلك أمر لا مجال لإِنكاره ، فكتب الذكر ، والأدعية تذكر كل ذلك واكثر مما ذكره المعترض ، ولكن النقطة التي لا بد من الإِلتفات اليها هي :

__________________

(١) سورة الزلزلة : آية (٧ ـ ٨) .

(٢) سورة النساء : آية (٤٠) .

(٣) سورة المؤمن : آية (٦٠) .

٥٨
 &

أن الدعاء ليس من الواجبات ليكون المكلف ملزماً بالإِتيان به فيؤخذ عليه تمام الوقت ، فلا يبقى لديه مجال لأَعماله ، ومن ثم يكون راهباً ، بل الدعاء من الأمور المستحبة ، والتي تعود بالنفع على الداعي ، وقد خصص لكل وقت دعاء خاص به ، وترك الموضوع الى المكلف ، فمتى ما وجد الفراغ ، وفي أي ساعة ، وجد في نفسه تهيأ ، وحالاً للدعاء دعا ربه ، وتضرع اليه فيما يطلبه .

ان مثال ما نحن فيه من الدعاء المكثف ، وفي كل وقت أشبه شيء بطريق طويل يريد المسافر قطعه ، فلو زود بين مسافة ، ومسافة أخرى قصيرة بمحطة للوقود كما نشاهده في الطرقات بين البلدان من محطات ( البنزين ) فهل معنى ذلك أن الإِنسان يزود مركبته من كل هذه المحطات التي يجدها في طريقه ، وهو يقطع المسافة من بلد الى اخر ، وعلى الأخص لو كانت المسافة بين كل محطة وأخرى قريبة .

وطبيعي : أن يكون الجواب : بلا .

بل يتزود في الوقت الذي تحتاج اليه مركبته الى الوقود ، ومن أقرب محطة تكون أمامه .

وهكذا لو وضع لشخص غذاءً في مكان محفوظ ، ولمدة أيام عديدة فهل معنى هذه التهيئة أن يأكل في كل ساعة ، وفي كل وقت ، وفرصة ما يجده أمامه من طعام ، أو أنه يتناول عندما يجد من نفسه رغبته للطعام جوعاً ؟

إن تخصيص الأدعية في كل الأوقات كتخصيص محطات الوقود في الطرق العامة ، وكتهيئة الطعام للشخص ، والفارق بينها : أن

٥٩
 &

الطعام هو غذاء الجسم ، ومحطات الوقود هي غذاء ما يركبه الإِنسان والدعاء هو غذاء الروح ، فمتى ما وجد الإِنسان الرغبة ، أو الحاجة الى الدعاء ، وكانت لديه الفرصة دعا ، وتضرع ، وتزود لينشط روحه كما يلزمه ما ينشط به جسمه ، ويسير به مركبته ـ كما ذكرناه ـ على أن الناس يختلفون من ناحية أوقات فراغهم ، فالبعض منهم نراه يجد الوقت المناسب له عند الصباح لحصول الوقت الذي يتفرغ فيه للدعاء ، وتوجهه الى الذكر ، والضراعة ، بينما يكون البعض الآخر متفرغاً في العصر ، وهكذا في الليل ، ومثل ذلك في بقية الأوقات . فليس معنى وجود الأدعية في كل وقت هو شد الإِنسان اليها في كل تلك الأوقات بحيث يحتم عليه قراءتها ، بل هو تنبيه له بان الله لا يحجبه عن العبد شيء ، فهو في كل وقت يقبل بوجهه الكريم عليه .

الدعاء من الناحية النفسية :

كل إنسان في هذه الحياة لا بد أن يبتلى بمشاكل ، وقضايا يحتاج فيها الى من يستشيره فيها ، ويوجهه الى الطريق الصحيح ، والى الحل الذي ينقذه من مشاكله ، وما يضايقه .

ولذلك نجد العادة جرت على وجود المستشارين لكل الشخصيات العالمية ، والذين يديرون ، ويصرفون الأمور في الممالك في كل بقعة من بقاع العالم .

إن الركون الى الآخرين يحل للشخص كثيراً من الأمور التي تكون السبب في تعكير جو الإِنسان ، وهدوئه النفسي ليجد من ذلك الغير يداً تحنو عليه وتحل له الكثير من الأزمات ، والقضايا

٦٠