التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف

السيّد علي الحسيني الميلاني

التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القرآن الكريم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧١

يقرؤهم القرآن الكريم كما انزل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ولقد كان لاعتقاده الراسخ وجزمه برأيه أثره البالغ في نفس عمر ، حتى قال له بعد أن اشتدّ عليه وأغلظ له : « بل أقرئ الناس ».

وقد روى الحافظ السيوطي الحديث عن :

١ ـ النسائي صاحب السنن أحد الصحاح الستّة.

٢ ـ الحاكم صاحب المستدرك على الصحيحين. وذكر أنّ الحاكم صحّح الحديث.

حول آية ( كفي الله المؤمنين القتال ).

روى الحافظ جلال الدين السيوطي في تفسير قوله تعالى : ( كفي الله المؤمنين القتال ) (١) عن ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر ، « عن ابن مسعود : أنّه كان يقرأ الآية هكذا : « كفى الله المؤمنين القتال ـ بعلي بن أبي طالب ـ » (٢).

وهذا الحديث صريح في أنّ عبدالله بن مسعود كان يعتقد أنّ اسم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام كان ثابتاً في أصل القرآن الكريم ، وكذلك في بعض روايات الشيعة ، وللآية نظائر كثيرة كما تقدم في ( الباب الأول ).

وابن مسعود كان من أكثر الصحابة تعلّماً من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحضوراً عنده ، حتى روى أهل السنّة عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، في حقه أحاديث كثيرة منها قوله صلّى الله عليه

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٢٥.

(٢) الدر المنثور ٥ : ١٩٢.

١٦١

وآله وسلّم : « تمسّكوا بعهد ابن امّ عبد ».

ولقد كان مصحفه هو المصحف الوحيد المعتمد لدى امّة كبيرة من المسلمين ، وسيأتي أنّ عثمان بن عفان طلب مصحفه فلم يدفعه إليه ، فأمر بضربه.

وقد روى الحافظ السيوطي الحديث عن ثلاثة من أئمة الحفاظ وهم :

١ ـ أبو القاسم ابن عساكر حافظ الشام.

٢ ـ إبن أبي حاتم الرازي.

٣ ـ أبوبكر إبن مردويه الأصبهاني.

حول آية « المحافظة على الصلوات ».

١ ـ ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني : « أنّه روى مسلم بن الحجاج وأحمد ابن حنبل من طريق أبي يونس عن عائشة : إنّها أمرته أن يكتب لها مصحفاً ، فلمّا بلغت : ( حافظوا على الصلوات ) قال : فأملت عليّ : « حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ـ وصلاة العصر ـ » قالت : سمعتها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (١).

ورواه مالك بن أنس أيضاً (٢).

٢ ـ وروى مالك عن عمرو بن نافع قال : « كتبت مصحفاً لحفصة ، فقالت : إذا أتيت هذه الآية فآذنّي ، فأملت عليّ : « حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ـ وصلاة العصر ـ » (٣).

__________________

(١) فتح الباري في شرح البخاري ٨ : ١٥٨.

(٢) الموطّأ ١ : ١٣٨ | ٢٥.

(٣) الموطّأ ١ : ١٣٩ | ٢٦.

١٦٢

ورواه الحافظ السيوطي عن عدّة من الأئمة والحفّاظ (١).

تفيد هذه الأحاديث : أنّ كلمة « وصلاة العصر » كانت ثابتة في مصحف عائشة وحفصة ، ولو لم تكونا معتقدتين أنّها من القرآن حقيقة لما أمرتا بإثباتها ، ولا سيمّا حفصة ، حيث أمرت الكاتب أمرت الكاتب أن يؤذنها ببلوغه الآية لتملي عليه.

فما هذا الإهتمام البالغ من عائشة وحفصة إلاّ لعلمهما القاطع بأنّ « وصلاة العصر » من الآية حقيقة ، وأنّها نزلت من الله سبحانه على النبي الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ورواة الأحاديث هم أئمة أهل السنّة ، أمثال :

١ ـ عبد الرزاق بن همام الصنعاني.

٢ ـ أحمد بن حنبل صاحب المسند وأحد الأئمة الأربعة.

٣ ـ مالك بن أنس صاحب الموطّأ وأحد الأئمة الأربعة.

٤ ـ البخاري صاحب الصحيح.

٥ ـ مسلم بن الحجاج صاحب الصحيح.

٦ ـ أبي يعلى الموصلي صاحب المسند.

٧ ـ عبد بن حميد صاحب المسند.

٨ ـ ابن جرير الطبري صاحب التاريخ والتفسير وتهذيب الآثار.

٩ ـ ابن أبي داود صاحب المصاحف.

١٠ ـ أبي بكر البيهقي صاحب السنن الكبرى.

١١ ـ النسائي صاحب السنن أحد الصحاح.

١٢ ـ الترمذي صاحب السنن أحد الصحاح.

__________________

(١) الدر المنثور ١ : ٣٠٢.

١٦٣

١٣ ـ ابن حجر العسقلاني شيخ الاسلام الحافظ على الإطلاق.

١٤ ـ جلال الدين السيوطي صاحب المؤلّفات الكثيرة.

حول آية « رضاعة الكبير عشراً »

أخرج ابن ماجة عن عائشة قالت : « نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشراً ، ولقد كان في صحيفة تحت سريري ، فلمّا مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها » (١).

وأخرجه غيره أيضاً.

وظاهره أنّ الآية كانت ممّا يتلا ويقرأ من القرآن حتى وفاته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومقتضى ذلك أن تذكر الآية في القرآن وتحفظ عند جمعه حتى لو فرض نسخ حكمها.

حول آية ( يا أيّها الرسول بلّغ ... )

قال الحافظ السيوطي : « أخرج ابن مردويه عن ابن مسعود ، قال : كنّا نقرأ على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « يا أيّها الرسول بلّغ ما انزل إليك من ربك ـ إنّ علياً مولى المؤمنين ـ وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من الناس » (٢).

وهذا موجود في كتب الشيعة من طرفهم ، ولقائل أن يقول : لعلّ وجود هذا ونحوه في مصحف ابن مسعود هو السبب في رفض القوم له ،

__________________

(١) السنن لابن ماجة ١ : ٦٢٥.

(٢) الدرّ المنثور ٢ : ٢٩٨.

١٦٤

وإصرارهم على أخذه منه وإعدامه.

حول آية ( إنّ الله اصطفى آدم ... )

أخرج الثعلبي بسنده عن أبي وائل قال : « قرأت في مصحف عبدالله بن مسعود : إنّ الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران ـ وآل محمد ـ على العالمين » (١).

وهذا أيضاً ممّا رواه الشيعة في كتبهم بطرقهم.

حول « آيتين سقطتا من المصحف »

روى الحافظ جلال الدين السيوطي عن أبي سفيان الكلاعي : « أنّ مسلمة ابن مخلد الأنصاري قال لهم ذات يوم : أخبروني بأيتين من القرآن لم تكتبا في المصحف ، فلم يخبروه ـ وعندهم أبو الكنود وسعد بن مالك ـ.

قال لي مسلمة : « إنّ الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ، ألا أبشروا أنتم المفلحون.

والذين آووهم ونصروهم وجادلوا عنهم القوم الذين غضب الله عليهم ، اولئك لا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرّة أعين جزاء بما كانوا يعملون » (٢).

وظاهر هذا الحديث : أنّ مسلمة كان يعتقد بأنّ الآيتين من آيات القرآن الحكيم حقيقة ، ولكن سقطتا ولم تكتبا في المصحف.

__________________

(١) تفسير الثعلبي ـ مخطوط ـ.

(٢) الإتقان في علوم القرآن ٣ : ٨٤.

١٦٥

ولو لم تكن الآيتان من القرآن العظيم لردّ عليه الحاضرون ذلك ، وكان عذراً لهم في عدم إخبارهم إيّاه عن الآيتين أو جهلهم به.

حول « عدد حروف القرآن »

روى الحافظ السيوطي عن عبدالله بن عمر بن الخطاب أنّه قال : « لا

يقولنّ احدكم قد أخذت من القرآن كلّه ، وما يدريه ما كلّه؟! قد ذهب منه قرآن كثير ، ولكن ليقل : قد أخذت منه ما ظهر » (١).

وروى الحافظ المذكور أيضاً عن الطبراني عن عمر الخطاب أنّه قال : « القرآن ألف ألف ( وسبعة وعشرون آلف ) حرف » (٢).

إنّ المستفاد من هذين الحديثين هو : ضياع أضعاف هذا القرآن الموجود بين الناس.

فابن عمر ينهى عن أن يقول قائل : « قد أخذت من القرآن كلّه » موضحاً ذلك بقوله : « قد ذهب منه قرآن كثير » ثم يأمر بأن يقول : « قد أخذت منه ما ظهر » أي : ما بقي.

وأمّا عمر بن خطاب فقد ذكر عدد حروف القرآن الكريم الذي نزل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهاذ العدد أكثر بكثير من عدد حروف القرآن الموجود.

__________________

(١) الإتقان في علوم القرآن ٣ : ٨١.

(٢) الإتقان في علوم القرآن ١ : ٢٤٢.

١٦٦

أحاديث كيفية جمع القرآن

ثمّ إنّ ممّا يدلّ على النقصان أو يثير شبهات في الأذهان ،الأحاديث التي يروونها في كيفيّة جمع القرآن ، وهي أيضاً كثيرة في العدد ومعتبرة في السند ، وإليك شطراً منها :

١ ـ السيوطي عن زيد بن ثابت : « قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يكن القرآن جمع في شيء » (١).

٢ ـ البخاري بسنده عن زيد بن ثابت ، قال : « أرسل إليّ أبو بكر بعد مقتل أهل اليمامة ، فإذا عمر بن الخطاب عنده ، قال أبوبكر : إنّ عمر أتاني فقال : إنّ القتل قد استحرّ يوم اليمامة بقرّاء القرأن ، وإني أخشى أن يستحرّ القتل بالقرّاء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن ، وإنّي أرى أن تأمر بجمع القرآن ، قلت لعمر : كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله؟ قال عمر : هذا والله خير ، فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ، ورأيت في ذلك رأي عمر ، قال زيد ، قال أبو بكر : إنّك رجل شابّ عاقل لانتهمك ، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فتتبع القرآن فاجمعه ، فو الله لو كلّفوني نقل جبل من الجبال ماكان اثقل عليّ ممّا أمرني به من جمع القآن قلت : كيف تفعلون شيئاً لم يفعله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ قال : هو والله خير، فلم يزل أبو بكر يراجني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر ، فتتبّعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال ، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري

__________________

(١) الإتقان في علوم القرآن ١ : ٢٠٢.

١٦٧

لم أجدها مع أحد غيره : ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتّم ... ) حتى خاتمة براءة ، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفّاه الله ، ثم عند عمر في حياته ، ثم عند حفصة بنت عمر » (١).

٣ ـ وروى البخاري بسنده عن أنس ، قال : « إنّ حذيفة بن اليمان قدم على عثمان ، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وآذربيجان مع أهل العراق ، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة ، فقال حذيفة لعثمان : يا أمير المؤمنين أدرك هذه الامة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى ، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ، ثم نردّها عليك ، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان ، فأمر زيد بن ثابت وعبدالله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، فنسخوها في المصاحف ، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة : إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش ، فإنّما نزل بلسانهم ، ففعلوا ، حتى إذا نسخوا المصحف في المصاحف ردّ عثمان الصحف على حفصة ، فأرسل إلى كلّ أفق بمصحف ممّا نسخوا ، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق » (٢).

٤ ـ أخرج ابن أبي داود : « إنّ أبا بكر قال لعمر وزيد : أقعدا على باب المسجد ، فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه » (٣).

__________________

(١) صحيح البخاري ـ باب جمع القرآن ـ ٦ : ٢٢٥.

(٢) صحيح البخاري ٦ : ٢٢٦.

(٣) الإتقان في علوم القرآن ١ : ٢٠٥.

١٦٨

٥ ـ أخرج ابن أبي داود : « أنّ عمر سأل من آية من كتاب الله : فقيل :

كانت مع فلان ، قتل يوم القيامة ، فقال : إنّا لله ... وأمر بجمع القرآن ، فكان أول من جمعه في المصحف » (١).

٦ ـ أخرج ابن أبي داود بإسناده عن علي عليه‌السلام قال : « أعظم الناس في المصاحف أجراً أبو بكر ، إنّ أبا بكر أوّل من جمع كتاب الله » (٢).

الشبهات النّاشئة عن هذه الأحاديث

هذه الطائفة من الأحاديث في كيفية جمع القرآن ، ومن أراد المزيد فليراجع ابواب جمع القرآن وغيرها من المظان ، في الصحاح وغيرها ككنز العمّال والإتقان.

وفي هذه الأحاديث شبهات حول القرآن :

الشبهة الأولى : جمع القرآن بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

لقد دلّت هذه الأحاديث على أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد قبض ولمّا يجمع القرآن ، ففي واحد منها يقول زيد بن ثابت لأبي بكر بعد أن أمره بجمع القرآن : « كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله » وفي آخر يقول : « قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يكن القرآن جمع في شيء » وقد تقدّم عن عائشة أنّها قالت بالنسبة إلى بعض الآيات : « كان في صحيفة تحت سريري ، فلمّا مات رسول الله ـ صلى الله

__________________

(١) الإتقان في علوم القرآن ١ : ٢٠٤.

(٢) الإتقان في علوم القرآن ١ : ٢٠٤.

١٦٩

عليه وآله وسلّم ـ وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها ».

وإذا كان القرآن كما تقيد هذه الأحاديث غير مجموع على عهده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ما هو عليه الآن ، وأنّ الصحابة هم الذين تصدّوا الجمعه من بعده ، فإنّ من المحتمل قريباً ضياع بعضه هنا وهناك بل صريح بعضها ذلك ، وحينئذ يقع الشك في أن يكون هذا القرآن الموجود جمعاً لجميع ما أنزل الله عزّ وجلّ على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

الشبهة الثانية : جمع القرآن بعد مقتل القرّاء

وتفيد طائفة اخرى من أحاديثهم في باب جمع القرآن : أنّ الجمع كان بعد أن قتل عدد كبير من القرّاء في حرب اليمامة (١). فعمدوا إلى جمعه وتدوينه مخافة أن يفقد القرآن بفقد حفّاظه وقرّائه ، كما ذهبت آية منه مع أحدهم كما في الخبر.

وهذا بطبيعة الحال يورث الشك والشبهة في هذا القرآن.

الشبهة الثالثة : جمع القرآن من العسب ونحوها ومن صدور الرجال

وصريح بعض تلك الأحاديث : أنّهم تصدّوا الجمع القرآن من العسب والرقاع واللخاف (٢) ومن صدور الرجال الباقين بعد حرب اليمامة ، لكن بشرط أن يشهد شاهدان على أنّ ما يذكره قرآن ، ففي الحديث عن زيد : « فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال » وفيه : « وكان لا يقبل من أحد شيئاً حتى يشهد شاهدان ».

__________________

(١) راجع حول حرب اليمامة : حوادث السنة ١١ من تاريخ الطبري ٣ : ٢٨١ ـ ٣٠١.

(٢) اللخاف : حجارة بيض رقاق ، واحدتها لخفة. الصحاح ( لخف ) ٤ : ١٤٢٦.

١٧٠

ومن المتسالم عليه بين المسلمين عدم عصمة الأصحاب (١) ، والعادة تقضي بعدم التمكّن من الإحاطة بجميع ما هم بصدده في هذه الحالة ، بل لا أقل من احتمال عدم إمكان إقامة الشاهدين على بعض ما يدّعى سماعه من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل قد وقع ذلك بالنسبة إلى بعضهم كعمر في آية الرجم ، حيث ذكروا : « أنّ عمر أتى بآية الرجم فلم يكتبها لأنّه كان وحده ».

لكن العجيب من زيد ردّ عمر لكونه وحده وقبول ما جاء به أبو خزيمة الأنصاري وحده ، فلماذا ردّ عمر وقبل أبا حزيمة؟ وهل كان لأبي خزيمة شأن فوق شأن عمر؟ وهو من الخلفاء الراشدين وأحد العشرة المبشّرة بالجنّة عندهم؟!

الشبهة الرابعة : إحراق عثمان المصاحف

وإعدام عثمان المصاحف ممّا تواترت به الأخبار بل من ضروريات التأريخ الإسلامي (٢) وهذه القضية ـ بغضّ النظر عن جزئياتها ـ تفضي إلى الشكّ في هذا القرآن ، إذ الإختلاف بينه وبينها قطعي ، فما الدليل على صحته دونها؟ ومن أين الوثوق بحصول التواتر لجميع سوره وآياته؟ لا سيمّا وأنّ أصحاب المصاحف تلك كانوا أفضل وأعلم من زيد بن ثابت في علم القرآن ، لا سيمّا عبدالله بن مسعود الذي أخرج البخاري عنه أنّه قال : « والله لقد أخذت من فيّ رسول الله

__________________

(١) بل فيهم من ثبت فسفه ونفاقه ... وسنتكلّم بعض الشيء حول عدالة الصحابة في الفصل الخامس.

(٢) جاء في بعض الأخبار أنّه أمر بطبخها ، وفي بعضها : أمر بإحراقها ، وفي بعضها : أمر بمحوها.

١٧١

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بضعاً وسبعين سورة ، والله لقد علم أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بضعاً وسبعين سورة ، والله لقد علم أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّي أعلمهم بكتاب الله » وروى أبو نعيم بترجمته أنّه قال : « أخذت من فيّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبعين سورة وإنّ زيد بن ثابت لصبي من الصبيان ، وأنا أدع ما أخذت من فيّ رسول الله؟!» (١).

كلمات الصحابة والتابعين

في وقوع الحذف والتغيير والخطأ في القرآن المبين

ويظهر من خلال الأخبار والآثار كثرة تكلّم الصحابة والتابعين في جمع عثمان المصاحف ، فمنهم من طعن في زيد بن ثابت الذي باشر الأمر بأمر عثمان ، ومنهم من طعن في كيفيّة الجمع ، ومنهم من كان يفضّل مصحف غيره من الصحابة تفضيلاً لأصحابها على عثمان في علم القرآن.

لقد كثر التكلّم والقول فيه حتى انبرى أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ فيما يروون ـ ليدافع عن عثمان ومصحفه. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني : « وقد جاء عن عثمان أنّه إنّما فعل ذلك بعد أن استشار الصحابة ، فأخرج ابن أبي داود بإسناد صحيح من طريق سويد بن غفلة قال : قال علي : لا تقولوا في عثمان إلاّ خيراً ، فو الله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلاّ عن ملأٍ منّا ، قال : ما تقولون في هذه القراءة فقد بلغني أنّ بعضهم يقول : إنّ قراءتي خير من قراءتك وهذا يكاد يكون كفراً ، فما ترى؟ قال : أرى أن يجمع الناس على مصحف واحد ، فلا

__________________

(١) حلية الأولياء ١ : ١٢٥.

١٧٢

يكون فرقة ولا اختلاف ، قلنا : فنعم ما رأيت » (١).

وكذلك العلماء والمحدّثون في كتبهم ، حتى ألّف بعضهم كتاب «الردّ على من خالف مصحف عثمان» (٢).

فعن ابن عمر أنّه قال : « ... ما يدريه ما كلّه؟ قد ذهب منه قرآن كثير » (٣).

وعن عبدالله بن مسعود : « أنّه كره لزيد بن ثابت نسخ المصاحف » (٤).

وعنه : « لو ملكت كما ملكوا لصنعت بمصحفهم مثل الذي صنعوا بمصحفي » (٥).

وعن ابن عباس في قوله تعالى : ( حتى تستأنسوا وتسلّموا ) (٦) : « إنّما هي خطأ من الكاتب ، حتى تستأذنوا وتسلّموا » (٧).

وعنه في قوله تعالى : ( أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله ... ) (٨) : « أظنّ الكاتب كتبها وهو ناعس » (٩).

وعنه في قوله تعالى : ( وقضى ربك ... ) (١٠) : « إلتزقت الواو

__________________

(١) فتح الباري ٩ : ١٥.

(٢) لابن الانباري كتاب بهذا الإسم.

(٣) الدّر المنثور ، الاتقان ٢ : ٤١.

(٤) فتح الباري ٩ : ١٦.

(٥) محاضرات الراغب.

(٦) سورة النور : ٢٧.

(٧) الإتقان في علوم القرآن ١ : ٣١٦.

(٨) سورة الرعد : ٣١.

(٩) الإتقان في علوم القرآن ١ : ٣١٦.

(١٠) سورة الإسراء ١٨ : ٢٣.

١٧٣

بالصاد وأنتم تقرأونها : وقضى ربك ... » (١).

وعنه في قوله تعالى : ( ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء ... ) (٢) : « خذوا هذا الواو واجعلوها هاهنا : ( والذين قال لهم الناس إنّ الناس قد جمعوا لكم ... ) (٣).

وعن عائشة بعد ذكر آية : « قبل أن يغيّر عثمان المصاحف » (٤).

وعنها في قوله تعالى : ( إنّ هذان لساحران ) وقوله : ( إنّ الذين آمنوا ... والصّابئون ... ) قالت : « هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين » (٥).

وعنها في قوله تعالى : ( والذين يؤتون ما آتوا ... ) (٦) : « كذلك انزلت ولكن الهجاء حرّف » (٧).

وعنها وعن أبان بن عثمان في قوله تعالى : ( والمقيمين الصلاة ) (٨) : « هو غلط من الكاتب » (٩).

__________________

(١) الإتقان في علوم القرآن.

(٢) سورة الأنبياء ٢١ : ٤٨.

(٣) الإتقان في علوم القرآن.

(٤) الإتقان في علوم القرآن ٣ : ١٨٢.

(٥) الإتقان في علوم القرآن.

(٦) سورة المؤمنون ٢٣ : ٦٠.

(٧) الإتقان في علوم القرآن.

(٨) سورة النساء ٤ : ١٦٢.

(٩) معالم التنزيل.

١٧٤

وعن مجاهد والربيع في قوله تعالى : ( وإذا أخذ الله ميثاق النبيين ... ) (١) : « هي خطأ من الكاتب » قال الحافظ السيوطي : « أخرج عبد بن حميد والفريابي وابن جرير وابن المنذر ، عن مجاهد في قوله تعالى : ( وإذ أخذ الله ميثاق النبيّين لما آتيتكم من كتاب رحمة ) قال : هي خطأ من الكتاب وهي قراءة ابن مسعود : ميثاق الذين اوتوا الكتاب ، وأخرج ابن جرير عن الربيع أنّه قرأ : وأذ أخذ الله ميثاق الذين اوتوا الكتاب. قال : وكذلك كان يقرؤها اُبيّ بن كعب » (٢).

وعن سعيد بن جبير في قوله تعالى : ( والمقيمين الصّلاة ) : « هو لحن من الكاتب » (٣).

وقال الفخر الرازي في قوله تعالى : ( إنّ هذان لساحران ) (٤) : « القراءة المشهورة ( إنّ هذان لساحران ) ، ومنهم من ترك هذه القراءة وذكروا وجوهاً ، أحدها : قرأ أبو عمرو وعيسى بن عمر : إنّ هذين لساحران. قالوا : وهي قراءة عثمان وعائشة وابن الزبير وسعيد بن جبير والحسن ، وروي عن عثمان أنّه نظر في المصحف ، فقال : أرى فيه لحناً وستقيمه العرب بألسنتها » (٥).

فالعجيب جداً طعن عثمان نفسه في هذا المصحف.

وفي رواية البغوي قال عثمان : « إنّ في المصحف لحناً وستقيمه العرب بألسنتها ، فقيل له : ألا تغيّره! فقال : دعوه فإنّه لا يحلّ حراماً

__________________

(١) سورة آل عمران ٣ : ٨١.

(٢) الدر المنثور ٢ : ٤٧.

(٣) الإتقان في علوم القرآن.

(٤) سورة طه : ٦٣.

(٥) التفسير الكبير ٢٢ : ٧٤.

١٧٥

ولا يحرّم حلالاً » (١).

وفي الإتقان عن عثمان أنّه قال : « لو كان الكاتب من ثقيف والمملي من هذيل لم توجد فيه هذه الحروف » (٢).

__________________

(١) معالم التنزيل.

(٢) الإتقان في علوم القرآن.

١٧٦

الفصل الثاني

الرواة لأحاديث التحريف من أهل السنّة

ولقد روى أحاديث التحريف من أهل السنّة أكثر علمائهم ، من محدّثين ومفسّرين وفقهاء واصوليّين ومتكلّمين ... ونحن نكتفي بذكر من أوردنا الأحاديث السابقة عنه مباشرة أو بواسطة مع موجز تراجمهم (١) :

١ ـ مالك بن أنس ؛ أحد الأئمّة الأربعة ، روى عنه الشافعي وخلائق جمعهم الخطيب في مجلّد ، وهو شيخ الائمة وإمام دار الهجرة عندهم. (١٧٩).

٢ ـ عبد الرزاق بن همام الصنعاني : أحد الأعلام ، روى عنه أحمد وجماعة. (٢١١ ).

__________________

(١) استخرجناها من كتاب « طبقات الحفاظ » للحافظ السيوطي ، وكتاب « طبقات المفسّرين » لتلميذه الداودي ، وقد أعطى محقّق الكتابين في الهامش مصادر اخرى لكل ترجمة.

١٧٧

٣ ـ الفريابي ، محمد بن يوسف بن واقد ؛ أحد الأئمة ، روى عنه أحمد والبخاري. (٢١٢).

٤ ـ أبو عبيد ، القاسم بن سلاّم ؛ أحد الأعلام ، وثّقه أبو داود وابن معين وأحمد وغير واحد. (٢٢٤).

٥ ـ الطيالسي ، أبو الوليد هشام بن عبد الملك الباهلي ؛ أحد الأعلام ، روى عنه أحمد والبخاري وأبو داود ، قال أحمد : « هو شيخ الإسلام اليوم ، ما أقدّم عليه أحداً من المحدّثين ». (٢٢٧).

٦ ـ سعيد بن منصور ؛ الحافظ ، أحد الأعلام ، روى عنه أحمد ومسلم وأبو داود ، قال أحمد : « من أهل الفضل والصدق » ، وقال أبو حاتم : « من المتقنين الأثبات ، ممّن جمع وصنّف ». (٢٢٧).

٧ ـ ابن أبي شيبة ، أبو بكر عبدالله بن محمد ؛ روى عنه البخاري ومسلم وغيرهما. (٢٣٥).

٨ ـ أحمد بن حنبل ؛ صاحب « المسند » ، أحد الأئمة الأربعة ، روى عنه البخاري ومسلم وأبو داود وغيرهم. (٢٣٨).

٩ ـ إبن راهويه ، إسحاق بن إبراهيم ؛ أحد أئمة المسلمين وعلماء الدين ، إجتمع له الحديث والفقه والحفظ والصّدق والورع والزّهد ، روى عنه الجماعة سوى ابن ماجة. (٢٣٨).

١٠ ـ إبن منيع ، أحمد بن منيع البغوي ؛ روى عنه مسلم والجماعة. (٢٤٤).

١١ ـ ابن الضريس ، الحافظ أبو عبد الله محمد بن أيوب ؛ وثّقه ابن أبي حاتم والخليلي. (٢٤٩).

١٢ ـ البخاري ، محمد بن إسماعيل ؛ صاحب الصحيح ، روى عنه مسلم والترمذي. (٢٥٦).

١٧٨

١٣ ـ مسلم بن الحجّاج النيسابوري ؛ صاحب الصحيح ، روي عنه أنّه قال : « صنّفت هذا السند الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة ». (٢٦١).

١٤ ـ الترمذي ، محمد بن عيسى ؛ صاحب « الجامع الصحيح » ، كان أحد الأئمة الّذين يقتدى بهم ـ عندهم ـ في علم الحديث. (٢٧٩).

١٥ ـ إبن ماجة القزويني ، أبو عبدالله محمد بن يزيد ؛ صاحب السنن ، قال الخليلي : « ثقة كبير ، متّفق عليه ، محتجّ به ». (٢٨٣).

١٦ ـ عبدالله بن أحمد بن حنبل ؛ الحافظ ابن الحافظ ، قال الخطيب : « كان ثقة ثبتاً فهماً ». (٢٩٠).

١٧ ـ البزّار ، أبوبكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البصري ؛ الحافظ العلاّمة الشهير. (٢٩٢).

١٨ ـ النسائي ، أحمد بن شعيب ، الإمام ، الحافظ ، شيخ الإسلام ، أحد الأئمة المبرزين والحفّاظ المتقنين والأعلام المشهورين. قال الحاكم : « كان النسائي أفقه مشايخ مصرفي عصره » وقال الذهبي : « هو أحفظ من مسلم بن الحجاج ». (٣٠٣).

١٩ ـ أبو يعلى ، أحمد بن علي الموصلي ؛ الحافظ الثقة محدّث الجزيرة ، قال الحاكم : « كنت رأى أبا علي الحافظ معجباً بأبي يعلى وإتقانه وحفظه لحديثه ». (٣٠٧).

٢٠ ـ الطبري ، أبو جعفر محمد بن جرير ؛ قال الخطيب : « كان أحد الأئمة يحكم بقوله ويرجع إليه ». (٣١٠).

٢١ ـ ابن المنذر ، أبو بكر محمد بن إبراهيم ؛ الحافظ العلاّمة الثقة الأوحد ، كان غاية في معرفة الإختلاف والدليل مجتهداً لا يقلّد أحداً. (٣١٨).

١٧٩

٢٢ ـ إبن أبي حاتم ، عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الرازي ؛ الإمام الحافظ الناقد شيخ الإسلام ، قال الخليلي : « أخذ علم أبيه وأبي زرعة ، وكان بحراً في العلوم ومعرفة الرجال ، ثقة حافظاً زاهداً ، يعدّ من الأبدل ». (٣٢٧).

٢٣ ـ ابن الأنباري ، أبو بكر محمد بن القاسم المقرئ النحوي اللغوي ؛ وكان صدوقاً فاضلاً ديّناً من أهل السنّة ، وكان يحفظ مائة وعشرين تفسيراً بأسانيدها. (٢٢٨).

٢٤ ـ ابن أشته ، محمد بن عبدالله اللوذري أبوبكر الأصبهاني ؛ استاذ كبير وإمام شهير ونحوي محقّق ، ثقة ، قال الدّاني : « ضابط مشهور مأمون ثقة ، عالم بالعربية ، بصير المعاني ، حسن التصنيف ». (٣٦٠).

٢٥ ـ الطبراني : سليمان بن أحمد ؛ الإمام العلاّمة الحجّة ، بقيّة الحفّاظ ، مسند الدنيا ، وأحد فرسان هذا الشأن. (٣٦٠).

٢٦ ـ أبو الشيخ ، عبدالله بن محمد بن جعفر بن حيان ؛ الإمام الحفاظ ، مسند زمانه ، وكان مع سعة علمه وغزارة حفظه صالحاً خيّراً ، قانتاً لله صدوقاً ، قال ابن مردويه : « ثقة مأمون » ، وقال الخطيب : « كان حافظاً ثبتاً متقناً » ، وقال أبو نعيم : « أحد الأعلام ». (٣٦٩).

٢٧ ـ الدار قطني ، أبو الحسن علي بن عمر ؛ الإمام شيخ الإسلام ، حافظ الزمان ، حدّث عنه الحاكم وقال : « أوحد عصره في الفهم والحفظ والورع ، إمام في القرّاء والمحدّثين ، لم يخلف على أديم الأرض مثله » ، وقال القاضي أبو الطيّب : « الدار قطني أمير المؤمنين في الحديث ». (٣٨٥).

٢٨ ـ الراغب الأصفهاني ، أبو القاسم المفضّل بن محمد ؛ صاحب المصنّفات ، ذكر الفخر الرازي أنّه من أئمّة السنّة وقرنه بالغزالي ، وكان

١٨٠