التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف

السيّد علي الحسيني الميلاني

التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القرآن الكريم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧١

فأيّكم أقرأ؟ فأشاروا إليّ فقال : إقرأ ، فقرأت : والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلّى والذكر والانثى. فقال : أنت سمعتها من فيّ صاحبك؟ قلت : نعم. قال : وأنا سمعتها من فيّ النبي وهؤلاء يأبون علينا » (١).

وفي رواية مسلم والترمذي : « أنا والله هكذا سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقرؤها ، وهؤلاء يريدونني أن أقرأها : وما خلق ، فلا أتابعهم » (٢).

التبديل في الألفاظ

ومن التغيير والتبديل في ألفاظ القرآن ما رووه عن ابن مسعود أنّه قد غيّر « إنّي أنا الرزّاق ذو القوّة المتين » إلى : ( إنّ الله هو الرزّاق ... ) (٣) ففي مسند أحمد وصحيح الترمذي ، بسندهما عنه ، قال « أقرأني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّي أنا الرزّاق ذوالقوة المتين » قال الترمذي : « هذا حديث حسن صحيح » (٤).

وما رووه عن عمر أنّه كان يقرأ : « فامضوا إلى ذكر الله » بدل ( فاسعوا ... ) ففي الدرّ المنثور عن عدّة من الحفّاظ والأئمة أنّهم رووا عن خرشة بن الحرّ ، قال : « رأى معي عمر بن الخطّاب لوحاً مكتوباً فيه : إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله (٥) فقال : من أملى عليك هذا؟ قلت : اُبيّ بن كعب ، قال : إنّ ابيّاً أقرؤنا

__________________

(١) صحيح البخاري ٦ : ٢١٠.

(٢) صحيح الترمذي ٥ : ١٩١ ، صحيح مسلم ١ : ٥٦٥.

(٣) سورة الذاريات : ٥٨.

(٤) مسند أحمد ١ : ٣٩٤ ، صحيح الترمذي ٥ : ١٩١.

(٥) سورة الجمعة : ٩.

١٤١

للمنسوخ ، إقرأها : فامضوا إلى ذكر الله ... » (١).

أحاديث نقصان القرآن

وأحاديث نقصان القرآن منها ما يتعلّق بالسور ، ومنها ما يتعلّق بالآيات وأجزائها ، فمن القسم الأول :

الأحاديث الواردة حول نقصان سورة الأحزاب ، ومنها :

١ ـ ما رواه الحافظ السيوطي ، بقوله : « أخرج عبد الرزاق في المصنّف ، والطيالسي ، وسعيد بن منصور ، وعبدالله بن أحمد في زوائد المسند ، وابن منيع والنسائي ، والدار قطني في الأفراد ، وابن المنذر ، وابن الأنباري في المصاحف ، والحاكم ـ وصحّحه ـ وابن مردويه ، والضياء في المختارة : عن زرّ ، قال : قال لي اُبيّ بن كعب : كيف تقرأ سورة الأحزاب ـ أو كم تعدّها ـ؟. قلت : ثلاثاً وسبعين آية. فقال اُبي : قد رأيتها وإنّها لتعادل سورة البقرة وأكثر من سورة البقرة ، ولقد قرأنا فيها : « الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتّة نكالاً من الله والله عزيز حكيم » فرفع منها ما رفع » (٢).

وروى المتقي عن زر بن حبيش أيضاً ، قال : « قال اُبيّ بن كعب : يا زر : كأيّن تقرأ سورة الأحزاب؟ قلت : ثلاث وسبعين آية. قال : إن كانت لتضاهي سورة البقرة أو هي أطول من سورة

__________________

(١) الدرّ المنثور ٦ : ٢١٩.

(٢) الدرّ المنثور ٥ : ١٧٩.

١٤٢

البقرة ... » (١).

٢ ـ ما رواه الحافظ السيوطي عن عائشة ، أنّها قالت : « كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مائتي آية ، فلمّا كتب عثمان المصاحف لم يقدر منها إلاّ على ما هو الآن » (٢).

٣ ـ ما رواه الحافظ السيوطي عن البخاري في تأريخه عن حذيفة قال : « قرأت سورة الأحزاب على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنسيت منها سبعين آية ما وجدتها » (٣).

ويفيد الحديث الأول المنقول عن اُبيّ بن كعب أنّه كان يرى أنّ الآيات غير الموجودة من سورة الأحزاب ـ ومنها آية الرجم ـ كانت ممّا أنزله الله سبحانه على نبيّه ، ومن القرآن حقيقة ، وأنّها كانت تقرء كذلك على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى « رفع منها ما رفع » ، فما معنى هذا الرفع؟ ومتى كان؟

وأمّا الحديث الثاني المنقول عن عائشة فيتضمّن الجواب عن هذا السؤال ، فإنّه يفيد أنّ المراد من « الرفع » هو « الإسقاط » وأنّه كان عندما كتب عثمان المصاحف.

الأحاديث الواردة حول نقصان سورة التوبة ، ومنها :

١ ـ ما رواه الحافظ السيوطي بقوله : « أخرج ابن أبي شيبة

__________________

(١) كنز العمّال ٢ : ٥٦٧.

(٢) الإتقان في علوم القرآن ٣ : ٨٢ ، الدر المنثور ٥ : ١٨٠ عن أبي عبيدة في الفضائل وابن الأنباري وابن مردويه.

(٣) الدر المنثور ٥ : ١٨٠.

١٤٣

والطبراني في الأوسط ، وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه ، عن حذيفة ، قال : التي تسمّون سورة التوبة هي سورة العذاب ، والله ما تركت أحداً إلاّ نالت منه ، ولا تقرأون ممّا كنّا نقرأ إلاّ ربعها » (١).

٢ ـ ما رواه السيوطي أيضاً بقوله : « أخرج أبو الشيخ عن حذيفة ، قال : ما تقرأون ثلثها » (٢).

٣ ـ ما رواه السيوطي أيضاً بقوله : « أخرج أبو عبيد وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه ، عن سعيد بن جبير ، قال : قلت لابن عباس : سورة التوبة! قال : التوبة؟! بل هي الفاضحة ، ما زالت تنزل فيهم حتى ظنّنا أن لن يبقى منا أحد إلاّ ذكر فيها » (٣).

٤ ـ وروى مثله عن عمر بن الخطاب (٤).

فسورة التوبة كانت في رأي هؤلاء الأصحاب ـ وهو :

١ ـ عبدالله بن عباس.

٢ ـ حذيقة بن اليمان.

٣ ـ عمر بن الخطاب.

أضعاف هذا المقدار الموجود منها.

وقد روى رأي هؤلاء كبار أئمّة الحديث والحفاظ المشاهير من أهل السنّة ، منهم :

١ ـ أبو بكر ابن أبي شيبة. صاحب المصنّف.

٢ ـ الحاكم النيسابوري صاحب المستدرك الصحيحين.

__________________

(١) الدرّ المنثور ٣ : ٢٠٨.

(٢) الدّر المنثور ٣ : ٢٠٨.

(٣) الدرّ المنثور ٣ : ٢٠٨.

(٤) الدّر المنثور ٣ : ٢٠٨.

١٤٤

٣ ـ أبو القاسم الطبراني صاحب المعاجم الثلاثة : الكبير والأوسط والصغير.

٤ ـ أبو بكر ابن مردويه الأصبهاني.

٥ ـ أبو بكر ابن المنذر.

الأحاديث الواردة حول سورة كانوا يشبّهونها في الطول والشدّة بسورة براءة ، ومنها :

ما رواه مسلم في صحيحة ، والحاكم في مستدركه ، والسيوطي في الدّر المنثور عن مسلم وابن مردويه وأبي نعيم والبيهقي ، عن أبي موسى الأشعري ، أنّه قال لقرّاء أهل البصرة : « وإنّا كنّا نقرأ سورة كنا نشبّهها في الطول والشدّة ببراءة فنسيتها غير أنّي حفظت منها : لو كان لابن آدم واديان من مال لا بتغى وادياً ثالثاً ، ولا يملأ جوفه إلاّ التراب » (١).

الأحاديث الواردة حول سورة كانوا يشبّهونها بإحدى المسبّحات ، ومنها :

ما رواه من ذكرنا في ذيل الحديث عن أبي موسى حول السورة السابقة ، فقد رووا عنه أنّه قال : « وكنّا نقرأ سورة نشبّهها بإحدى المسبّحات أوّلها : سبّح لله ما في السماوات ، فانسيتها غير أنّي حفظت منها : يا أيّها الّذين آمنوا لا تقولوا مالا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم

__________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٧٢٦ ح ١٠٥٠ ، المستدرك على الصحيحين ٢ : ٢٢٤ ، الدر المنثور.

١٤٥

فتسألون عنها يوم القيامة ».

حول سورتي الخلع والحفد :

ذكر الحافظ السيوطي في ( الإتقان ) سورتين سمّاها : ( الحفد ) و ( الخلع ) وروى أنّ السورتين كانتا ثابتتين في مصحف اُبيّ بن كعب ومصحف ابن عبّاس ، وأنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام علّمهما عبدالله الغافقي ، وأنّ عمر بن الخطّاب قنت بهما في صلاته ، ... وأنّ أبا موسى كان يقرؤهما (١).

ولا أثر لهاتين السورتين في المصحف الموجود.

ومن القسم الثاني : ماورد حول آية « الرجم ».

الحديث حول آية الرجم وسقوطها من القرآن الكريم ، أخرجه الشيعة والسنّة معاً في كتبهم الحديثيّة ، وذكروه في كتب الفقه في أبواب الحدود. فهو موجود في : « الكافي » و « من لا يحضره الفقيه » و « التهذيب » و « وسائل الشيعة » من كتب الشيعة. وفي « صحيح البخاري » و « صحيح مسلم » و « مسند أحمد » و « موطّأ مالك » وغيرها من كتب السنّة.

لكنّ الأصل في القضية هو ( عمر بن الخطاب ) ومن قال بمقالته من الصحابة ، ولذا حمل السيد الخوئي ما ورد من

__________________

(١) الإتقان في علوم القرآن ١ : ٢٢٦.

١٤٦

طرق الشيعة منه على التقية (١).

ويشهد بذلك ما روي في كتب الفريقين عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، أنّه لمّا جلد شراحة الهمدانيّة يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة قال : حددتها بكتاب الله ورجمتها بسنّة رسول الله عليه وآله » (٢). فلو كان عليه‌السلام يرى أن الرجم من القرآن كما رأى عمر لم يقل كذلك.

فالأمر من طرف الشيعة مفروغ منه ، وأمّا مرويّات أهل السنّة :

١ ـ فقد أخرج البخاري عن عمر بن الخطّاب أنّه قال : « إنّ الله بعث محمداً بالحقّ ، وأنزل عليه الكتاب ، فكان ممّا أنزل الله آية الرجم ، فقرأناها وعقلناها ووعيناها ، رجم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ورجمنا بعده ، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل :

والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله ، فيضلّوا بترك فريضة أنزلها الله.

ثم إنّا كنّا نقرأ ـ فيما نقرأ من كتاب الله ـ : أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنّه كفر بكم أن ترغبوا عن أبائكم ، أو : إنّ كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم ... » (٣).

وأخرج أيضاً عنه قوله :

« إنّ الله بعث محمداً ... فالرجم في كتاب الله حق على من زنى

__________________

(١) مباني تكملة المنهاج ١ : ١٩٦.

(٢) عوالي اللآلي ٢ : ١٥٢ ، ٣ : ٥٥٢ وهو في مسالك الأفهام ، جواهر الكلام في شرح شرائع الاسلام ٤١ : ٣٠ وغيرها ، ورواه أحمد والبخاري والنسائي والحاكم وغيرهم كما في مقدّمة آلاء الرحمن.

(٣) صحيح البخاري ٨ : ٢٠٨.

١٤٧

إذا احصن من الرجال والنساء إذا قامت عليه البيّنة » (١).

وأخرجه مسلم بن الحجّاج أيضاً في صحيحة (٢) ، وأحمد بن حنبل ـ إمام الحنابلة ـ في مسنده (٣).

وروى مالك بن أنس ـ إمام المالكية ـ عن سعيد بن المسيب ـ وهو من أكابر التابعين ـ عن عمر قوله : « إيّاكم أن تهلكوا عن آية الرجم أن يقول قائل : لا نجد حدّين في كتاب الله ، فقد رجم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ورجمنا. والّذي نفسي بيده : لولا أن يقول الناس : زاد عمر في كتاب الله لكتبتها ( الشيخ والشيخة فارجموهما ألبتّة ) فإنّا قد قرأناها » (٤).

ورواه أيضاً أحمد بن حنبل في مسنده (٥) والحافظ جلال الدين السيوطي عن عبد الرزاق وأحمد وابن حبّان ـ وسيأتي نصّه ـ.

وقال الحافظ السيوطي أيضاً : « وقد أخرج ابن أشته في ( المصاحف ) عن الليث بن سعد ، قال : أول من جمع القرآن أبو بكر وكتبه زيد ... وأنّ عمر أتى بأية الرجم فلم يكتبها لأنّه كان وحده » (٦).

هذا كلّه عن عمر ، والمستفاد من الأحاديث أنّه كان يعلم بكون آية الرجم من القرآن ، إلاّ أنّه لم يكتبها لكونه وحده ، فلو شهد بها معه أحد

__________________

(١) صحيح البخاري ٨ : ٢٠٨.

(٢) صحيح مسلم ٣ : ١٣١٧.

(٣) مسند أحمد ١ : ٤٠ و ٥٥.

(٤) الموطأ ٢ : ٨٢٤ | ١٠.

(٥) مسند أحمد ١ : ٣٦ و ٤٣.

(٦) الإتقان في علوم القرآن ١ : ٢٠٦.

١٤٨

من الصحابة لكتب ، وبذلك صرّح الحدّثون ، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري : « فلم يلحقها بنصّ المصحف بشهادته وحده » ولو كانت منسوخة التلاوة لم يجز إلحاقها به حتى لو شهد معه كلّ الصحابة.

٢ ـ وأخرج ابن حاجة عن عائشة ، قالت : « نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشراً ، ولقد كان في صحيفة تحت سريري ، فلمّا مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها » (١).

٣ ـ وأورد الحافظ جلال الدين عن أبي عبيد بسنده عن أبي امامة بن سهل : « أنّ خالته قالت : قد أقرأنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آية الرجم : الشيخ والشيخة فارجموهما البتّة بما قضيا من اللذّة » (٢).

٤ ـ وروى الحافظ السيوطي أيضاً عن جماعة من المحدّثين الحفّاظ عن ابي ابن كعب : أنّه كان يعتقد بأنّ آية الرجم من القرآن حقيقة ، وقد تقدّم نصّه في ما ذكر حول سورة الأحزاب.

نقتصر على هذه الأحاديث حول « آية الرجم » طلباً للإختصار ، وقد لوحظ فيها أنّ جماعة من الصحابة كانوا يصرّحون بأنّهم قد قرأوا هذه الآية وعقلوها وحفظوها. وكان أشدّهم إصراراً على ذلك : عمر بن الخطّاب ، هؤلاءهم :

١ ـ عمر بن الخطاب.

٢ ـ اُبيّ بن كعب.

٣ ـ عائشة بنت أبي بكر.

__________________

(١) السنن لابن ماجة ١ : ٦٢٥ | ١٩٤٤.

(٢) الإتقان في علوم القرآن ٣ : ٨٢.

١٤٩

٤ ـ خالة أبي أمامة بن سهل.

بل المفهوم من حديث عائشة : أنّ الآية كانت من القرآن حتى بعد وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... وسيأتي مزيد كلام في ذلك.

وقد نقلنا هذه الأحاديث عن :

١ ـ صحيح البخاري.

٢ ـ صحيح مسلم.

٣ ـ مسند أحمد.

٤ ـ الموطّأ لمالك.

٥ ـ السنن لابن ماجة.

٦ ـ الإتقان في علوم القرآن للحافظ السيوطي.

حول آية « الرغبة »

وعن جماعة من الأصحاب أنّه كان من القرآن ـ وقد اسقط فيما اسقط ـ آية : « لا ترغبوا عن آبائكم فإنّه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم » أو نحوه في اللّفظ ، وقد سمّيناها بـ « آية الرغبة » :

١ ـ أخرج البخاري في ( الصحيح ) عن عمر بن الخطّاب في حديث تقدّم لفظه : « ثم إنّا كنّا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله : أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنّه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم أو : « إنّ كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم » (١).

٢ ـ وقال الحافظ السيوطي : أخرج ابن الضريس عن ابن

__________________

(١) صحيح البخاري ٨ : ٢٠٨.

١٥٠

عباس ، قال : كنا نقرأ « لا ترغبوا عن آبائكم فإنّه كفر بكم » أو : « إنّ كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم » (١).

٣ ـ وقال الحافظ الجلال السيوطي أيضاً : « أخرج الطيالسي وأبو عبيد والطبراني ، عن عمر بن الخطاب ، قال : كنا نقرأ فيما نقرأ « لا ترغبوا عن آبائكم فإنّه كفر بكم » ثم قال لزيد بن ثابت : أكذلك يا زيد؟ قال : نعم » (٢).

وقد علم من هذه الأحاديث أنّ جماعة من الصحابة وهم :

١ ـ عمر بن الخطاب.

٢ ـ عبدالله بن عباس.

٣ ـ زيد بن ثابت.

كانوا بعتقدون أنّ « أية الرغبة » من القرآن الكريم.

وقد نقلنا هذه الأحاديث عن :

١ ـ البخاري صاحب الصحيح.

٢ ـ الحافظ السيوطي عن عدّة من الفّاظ وهم :

عبدالرزاق بن همام.

أحمد بن حنبل.

أبوالقاسم الطبراني.

أبو عبيد القاسم بن سلام.

أبو عبدالله بن الضريس.

أبو الوليد الطيالسي.

__________________

(١) الإتقان في علوم القرآن ٢ : ٤٢.

(٢) الإتقان في علوم القرآن ٣ : ٨٣.

١٥١

إبن حبّان صاحب الصحيح.

حول آية « لو كان لابن آدم واديان »

١ ـ أخرج مسلم بن الحجّاج في ( الصحيح ) عن أبي الأسود ، عن أبيه ، قال :

« بعث أبو موسى الأشعري إلى قرّاء أهل البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرأوا القرآن ، فقال : أنتم خيار أهل البصرة وقرّاؤهم ، فاتلوه ولا يطولنّ عليكم الأمد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم ، وإنّا كنّا نقرأ سورة كنا نشبّهها في الطول والشدة بـ « براءة » فانسيتها ، غير أنّي حفظت منها : « لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب » (١).

٢ ـ وقال الحافظ جلال الدين السيوطي : « أخرج أبو عبيد وأحمد ، والطبراني في « الأوسط » ، والبيهقي في « شعب الإيمان » ، عن أبي واقد الليثي ، فقال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا اوحي إليه أتيناه فعلّمنا ممّا اوحي إليه ، قال : فجئت ذات يوم ، فقال : إنّ الله يقول : « إنّا أنزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ولو كان لابن آدم وادياً من ذهب لأحبّ أن يكون إليه الثاني ، ولو كان الثاني لأحبّ أن يكون إليهما الثالث ، ولا يملأ جوف إبن آدم إلاّ التراب ، ويتوب الله على من تاب » (٢).

٣ ـ وقال الحافظ السيوطي أيضأ : « أخرج أبو عبيد وأحمد

__________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٧٢٦ | ١٠٥٠.

(٢) الدر المنثور ، الإتقان ٣٠ : ٨٣.

١٥٢

وأبو يعلى والطبراني ، عن زيد بن أرقم ، قال : كنّا نقرأ على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لو كان لابن آدم واديان من ذهب وفضّة لابتغى الثالث ، ولا يملأ بطن ابن آدم إلاّ التراب ، ويتوب الله على من تاب » (١).

٤ ـ وقال الحافظ السيوطي : « أخرج أبو عبيد ، عن جابر بن عبدالله ،

قال : كنا نقرأ « لو أنّ لابن آدم ملء واد مالاً لأحبّ إليه إليه مثله ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب ويتوب الله على من تاب » (٢).

٥ ـ وقال الحافظ المذكور أيضاً : « أخرج البزار وابن الضريس ، عن بريدة ، قال : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقرأ : « لو أنّ لابن آدم ... » (٣).

٦ ـ وقال أيضاً : « أخرج ابن الأنباري ، عن أبي ذر ، قال : في قراءة ابيّ بن كعب : « ابن آدم لو اعطي وادياً ... » (٤).

وقال أيضاً : « أخرج أحمد والترمذي والحاكم ـ وصحّحه ـ عن اُبيّ بن كعب : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إنّ الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن ، فقرأ : ( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب ) فقرأ فيها : « ولو أنّ ابن آدم سأل وادياً من مال ... » (٥).

وروى هذا الحديث أيضاً إبن الأثير عن الترمذي (٦).

__________________

(١) الدر المنثور أورده باسناده عن ابن عباس ٦ : ٣٧٨.

(٢) المصدر نفسه.

(٣) الدر المنثور ٦ : ٣٧٨.

(٤) المصدر نفسه.

(٥) الدر المنثور ٦ : ٣٧٨.

(٦) جامع الاصول ٢ : ٥٠٠ | ٩٧٢.

١٥٣

٧ ـ وقال الراغب الأصبهاني في ( محاضرات الأبرار ) واثبت ابن مسعود في مصحفه : « لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى معهما ثالثاً ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب ويتوب الله على من تاب ».

نكتفي بهذه الأحاديث حول هذه الآية ، وصريح الحديث الأول المخرّج في ( الصحيح ) : أنّ أبا موسى كان يحفظ سورة من القرآن الكريم بكاملها فنسيها ما

خلا الآية المذكورة.

وقد علمنا من هذا الأحاديث أنّ الصحابة التالية أسماؤهم يعتقدون بكون الآية من القرآن الكريم ، حتى أنّ ابن مسعود أثبتها في مصحفه ، وكان اُبيّ بن كعب يقرؤها ، وقد ذكر أبو واقد أنّ النبي قد علّمه الآية هذه ، وهؤلاء الصحابة هم :

١ ـ أبو موسى الأشعري.

٢ ـ أبو واقد الليثي.

٣ ـ زيد بن أرقم.

٤ ـ جابر بن عبدالله.

٥ ـ بريدة بن الحصيب.

٦ ـ ابيّ بن كعب.

٧ ـ عبدالله بن مسعود.

وقد نقلنا هذه الأحاديث عن :

١ ـ مسلم بن الحجّاج صاحب الصحيح.

٢ ـ إبن الأثير صاحب جامع الاصول.

٣ ـ الراغب الأصبهاني صاحب المحاضرات.

٤ ـ الحافظ السيوطي عن جماعة من كبار الحفّاظ ومنهم : ـ

أ ـ الحاكم أبو عبدالله النيسابوري صاحب المستدرك.

١٥٤

ب ـ أبو يعلى أحمد بن علي الموصلي صاحب المسند.

ج ـ أحمد بن حنبل صاحب المسند وأحد الأئمة الأربعة.

د ـ أبو القاسم الطبراني صاحب المعاجم الثلاثة.

هـ ـ أبوبكر البيهقي صاحب السّنن الكبرى.

و ـ أبوبكر البزار صاحب المسند.

ز ـ أبو عيسى الترمذي صاحب السنن أحد الصحاح الستّة.

حول « آية الجهاد »

روى الحافظ جلال الدين السيوطي عن السور بن مخرمة ما نصّة :

« قال عمر لعبد الرحمن بن عوف : ألم تجد فيما أنزل علينا : « أن جاهدوا كما جاهدتم أول مرة » فأنا لا أجدها؟

قال : اسقطت فيما اسقط من القرآن » (١).

في هذا الحديث : أنّ اثنين من كبار الصحابة وهما :

١ ـ عمر بن الخطاب.

٢ ـ عبد الرحمن بن عوف.

كانا يعتقدان : أنّ الآية كانت ممّا انزل من قبل الله تعالى من القرآن الكريم.

ثم إنّ معنى قوله : « اسقطت ... » أنّهما كانا يعتقدان بكونها من القرآن بعد وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضاً.

__________________

(١) الاتقان ٣ : ٨٤.

١٥٥

حول آية « المتعة »

وهي قوله تعالى : ( فما استمتعم به منهنّ فآتوهنّ اُجورهنّ ) (١) ، فقد ورد في أحاديث القوم عن بعض الصحابة أنّه كان يقرأ « فما استمتعتم به منهنّ ( إلى أجل ) ... » وأنّ بعضهم كتبها كذلك في مصحفه ، وعن ابن عباس قوله : « والله لأنزلها كذلك » وقد صحّح الحاكم هذا الحديث عنه في « المستدرك » من طرقٍ عديدة (٢).

وفي التفسير الكبير : أنّ ابيّ بن كعب وابن عباس قرءا كذلك ، والصحابة ما أنكروا عليها (٣).

وقال الزمخشري : « وعن ابن عباس : هي محكمة ـ يعني لم تنسخ ـ وكان يقرأ : فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى ، ويروى : أنّه رجع عن ذلك عند موته ، وقال : اللّهم إني أتوب إليك من قولي بالمتعة ، وقولي في الصرف » (٤).

وقال الحافظ ابن حجر في تخريجه : « أمّا رجوعه عن المتعة فرواه الترمذي بسند ضعيف عنه ، وأمّا قوله : اللّهمّ إني أتوب إليك من قولي بالمتعة فلم أجده ».

وإذا ما لوحظ إلى ذلك ثبوت مشروعية المتعة وعمل المسلمين بها حتى زمن عمر بن الخطاب ، حيث نهى عنها وأوعد بالعقاب عليها ،

__________________

(١) سورة النساء ٤ : ٢ ، انظر الدّر المنثور ٢ : ١٣٩ وما بعدها.

(٢) المستدرك على الصحيحين ٢ : ٣٥.

(٣) التفسير الكبير ١٠ : ٥١.

(٤) الكشاف ١ : ٥١٩.

١٥٦

حصل القطع بنزول الآية كذلك كما تفيد الأحاديث المذكورة ، وأنّ كلمة « إلى أجل » وقع بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

حول آية « الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله »

روى الحافظ جلال الدين السيوطي عن حميدة بنت أبي يونس ، قالت : « قرأ عليّ أبي ـ وهو ابن ثمانين سنة ـ في مصحف عائشة « إنّ الله وملائكته يصلّون على النبي يا أيّها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليماً ـ وعلى الذين يصلّون الصفوف الأول ـ.

قالت : قبل أن يغيّر عثمان المصاحف » (١).

يفيد الحديث : أنّ هذه الزيادة كانت مثبتة في مصحف عائشة ، ولا شك أنّها قد سمعت الآية كذلك من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكتبتها في مصحفها كما سمعت ، وبقي المصحف إلى زمن عثمان بن عفان يتلوه النّاس ويتداولونه ، حتى قام عثمان فغيّر المصاحف وأسقط من الآية هذه الزيادة.

هذا ما يفيده الحديث ، وهو يدّل على أنّ عائشة والّذين كانوا يقرأون مصحفها ـ ومنهم أبو يونس الذي قرأ الآية على ابنته وهو ابن ثمانين سنين كما حدّثتنا هي ـ كانوا يعتقدون أنّ الزيادة تلك من القرآن الكريم على حقيقته.

حول آية « الشهادة »

أخرج مسلم بن الحجاج في « الصحيح » عن أبي موسى

__________________

(١) الإتقان في علوم القرآن ٣ : ٨٢.

١٥٧

الأشعري أنّه قال ـ في الحديث المتقدّم ، فيما ذكرناه حول سورة كانوا يشبّهونها بإحدى المسبّحات ـ : « وكنّا نقرأ سورة كنا تشبّهها بإحدى المسبّحات فنسيتها غير أنّي حفظت منها :

يا أيّها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون ـ فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة ـ » (١).

وهذا حديث صحيح لإخراج مسلم إيّاه في ( صحيحه ) ، هو يفيد أنّ أبا موسى الأشعري كان يحفظ سورة طويلة ، وكان يقرؤها ، غير أنّه لم يحفظ منها غير الآية ، وفيها زيادة : « فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة » وهي غير موجود في المصحف الموجود.

حول آية « ولاية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »

١ ـ قال الحافظ جلال الدين السيوطي : « أخرج الفريابي والحاكم وابن مردويه ، والبيهقي في سننه ، عن ابن عباس ، أنّه كان يقرأ هذه الآية : « النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ـ وهو أب لهم ـ وأزواجه أمّهاتهم » (٢).

٢ ـ وقال الحافظ السيوطي أيضاً : « أخرج عبد الرزاق ، وسعيد بن منصور ، وإسحاق بن راهويه ، وابن المنذر ، والبيهقي ، عن مجالد ، قال : مرّ عمر ابن الخطاب بغلام وهو يقرأ في المصحف : « النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه امّهاتهم ـ وهو أب لهم ـ ».

فقال : يا غلام حكّها.

__________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٧٢٦.

(٢) الدر المنثور ٥ : ١٨٣.

١٥٨

فقال : هذا مصحف ابيّ بن كعب.

فذهب إليه فسأله فقال : إنّه كان يلهيني القرآن ، ويلهيك الصفق بالأسواق » (١).

فزيادة « وهو أب لهم » ـ بحسب هذين الحديثين ـ كانت من القرآن الكريم في رأي صحابيّين كبيرين هما :

١ ـ عبد الله بن العباس.

٢ ـ اُبيّ بن كعب.

حتى أنّ عمر لمّا اعترض على ابيّ أجابه بقوله « إنّه كان يلهيني القرآن ويلهيك الصفق بالأسواق ».

ويفيد الحديث أنّ مصحف ابيّ بن كعب كان متلواً بين الناس معتقدين صحته ومعتمدين عليه ، حتى أنّ عمر لما قال للغلام : « حكّها » قال له : « هذا مصحف ابيّ بن كعب ».

وقد روى الحافظ السيوطي ذلك عن جماعة من أعيان الحفّاظ وهم :

١ ـ عبد الرزّاق بن همام الصنعاني.

٢ ـ سعيد بن منصور. صاحب السنن.

٣ ـ إسحاق بن راهويه. شيخ البخاري ومسلم وغيرهما.

٤ ـ الحاكم النيسابوري ، صاحب المستدرك.

٥ ـ الفريابي شيخ أحمد والبخاري وغيرهما.

٦ ـ أبو بكر ابن مردويه الأصبهاني.

٧ ـ أبوبكر البيهقي صاحب السنن الكبرى.

__________________

(١) الدرّ المنثور ٥ : ١٨٣.

١٥٩

٨ ـ أبوبكر ابن المنذر الإمام المجتهد.

حول آية « الحميّة »

روى الحافظ جلال الدين السيوطي عن النسائي الحاكم قال : وصحّحة ـ من طريق ابن أبي إدريس « عن ابيّ بن كعب أنّه كان يقرأ : « إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحميّة حميّة الجاهلية ـ ولو حميتم كما حموا لفسد المسجد الحرام ـ فأنزل الله سكينته على رسوله » فبلغ ذلك عمر ، فاشتدّ عليه ، فدعا ناساً من أصحابه ـ فيهم زيد بن ثابت ـ فقال :

من يقرأ منكم سورة الفتح؟

فقرأ زيد على قراءتنا اليوم.

فغلّظ له عمر ، فقال : إني أتكلّم؟

فقال : تكلّم.

قال : لقد علمت أني كنت أدخل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقرؤني وأنت بالباب ، فإن أن اقرىء الناس على ما أقرأني أقرأت وإلاّ لم أقرأ حرفاً ما حييت.

قال : بل أقرئ الناس » (١).

وفي هذا الحديث : أنّ عمر بن الخطاب عندما بلغته قراءة ابيّ اشتدّ عليه ثم أغلظ له أمام ناس من الصحابة ، ولكن أبيّاً خصمه بما قال : ومعنى ذلك : أنّ تلك الزيادة قد تعلّمها من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو عندما كان يقرى الناس كان يعتقد بأنّه

__________________

(١) الدر المنثور ٦ : ٧٩.

١٦٠