التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف

السيّد علي الحسيني الميلاني

التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القرآن الكريم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧١

وكلّه وحي وليس بقرآن. ولو كان قرآناً لكان مقروناً به وموصولاً إليه غير مفصول عنه ، كما كان أمير المؤمنين جمعه فلما جاء به قال : هذا كتاب ربكم كما انزل على نبيّكم لم يزد فيه حرف ولا ينقص منه حرف ، فقالوا : لا حاجة لنا فيه ، عندنا مثل الذي عندك ، فانصرف وهو يقول : ( فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون ) (١) » (٢).

ومع هذا كلّه نرى الشيخ الصدوق يروي في بعض كتبه مثل ( ثواب الأعمال ) ما هو ظاهر في التحريف ، بل يروي في كتابه ( من لا يحضره الفقيه ) الذي يعدّ أحد الكتب الحديثية الأربعة التي عليها مدار البحوث في الأوساط

العلمية واستنباط الأحكام الشرعية في جميع الأعصار ، وقال في مقدّمته : « لم أقصد فيه قصد المصنّفين في إيراد جميع ما رووه ، بل قصدت إلى إيراد ما افتي به وأحكم بصحّته وأعتقد فيه أنه حجة فيما بيني وبين ربي » من ذلك ما لا يقبله ولا يفتي به أحد من الطائفة ، وهو ما رواه عن سليمان بن خالد ، قال : « قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام : في القرآن رجم؟ قال : نعم ، قلت : كيف؟ قال : الشيخ والشيخة فارجموهما البتة فإنهما قضيا الشهوة » (٣).

ورواه الشيخان الكليني والطوسي أيضاً عن عبدالله بن سنان بسند صحيح بحسب الإصطلاح ، كما ستعرف.

والخبران يدلان على ثبوت الرجم على الشيخ والشيخة مع

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٨٧.

(٢) الإعتقادات : ٩٣.

(٣) من لا يحضره الفقيه ٤ : ٢٦.

١٠١

عدم الإحصان أيضاً ، ولا قائل بذلك منا كما في ( مباني تكملة المنهاج ) الذي أجاب عن الخبرين قائلاً : « ولا شك في أنهما وردا مورد التقية ، فإن الأصل في هذا الكلام هو عمر بن الخطاب.

فإنّه ادّعى أن الرجم مذكور في القرآن وقد وردت آية بذلك ، وقد تعرّضنا لذلك في كتابنا ( البيان ) في البحث حول التحريف وأن القرآن لم يقع فيه تحريف » (١).

ولهذا ونظائره أعضل الأمر على العلماء حتى حكى في ( المستمسك ) (٢) عن بعض العلماء الكبار أنه قال بعدول الصدوق في أثناء الكتاب عما ذكره في أوله ، وأشكل عليه بأنه لو كان كذلك لنوّه به من حيث عدل ، وإلاّ لزم التدليس ولا

يليق بشأنه ، وللتفصيل في هذا الموضوع مجال آخر.

وكيف كان ، فإنّ كلام الشيخ الصدوق رحمة الله في ( الإعتقادات ) مع العلم بروايته لأخبار التحريف في كتبه وحتى في ( من لا يحضره الفقيه ) لخير مانع من التسرع في نسبة قولٍ أو عقيدةٍ إلى شخصٍ أن طائفةٍ مطلقاً ، بل لابدّ من التثبّت والتحقيق حتى حصول الجزم واليقين.

كما أن موقفه الحازم من القول بالتحريف ونفيه القاطع له ـ مع العلم بما ذكر ـ لخير دليل على صحة ما ذهبنا إليه فيما مهّدناه وقدّمناه

__________________

(١) مباني تكملة المنهاج ١ : ١٩٦ ، وسيأتي البحث حول هذه الآية المزعومة في الباب الثاني ( السنّة والتحريف ) بالتفضيل فانتظر.

(٢) مستمسك العروة الوثقى ١ : ٣٠٣ حكاه عن المجلسي رحمة الله.

١٠٢

قبل الورود في البحث حول معرفة آراء الرواة لأخبار تحريف القرآن ، وستظهر قيمة تلك الامور الممهدة وثمرتها ـ لا سيما بعد تشييدها بما ذكرناه حول رأي الشيخ الصدوق ـ في البحث حول رأي الطائفة الثالثة وعلى رأسهم الشيخ الكليني.

ترجمة الشيخ الطوسي

٢ ـ الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي ، المتوفّى سنة ٤٦٠.

قال عنه العلاّمة الحلّي في ( الخلاصة ) : « شيخ الإمامية ، ورئيس الطائفة ، جليل القدر ، عظيم المنزلة ، ثقة ، عين ، صدوق ، عارف بالأخبار والرجال والفقه والاصول والكلام والأدب ، وجميع الفضائل تنسب إليه ، صنّف في كلّ فنون الإسلام ، وهو المهذّب للعقائد في الاصول والفروع ، الجامع لكمالات النفس في العلم والعمل » (١). وقال السيد بحر العلوم في ( رجاله ) : « شيخ الطائفة الحقة ، ورافع أعلام الشريعة الحقة ، إمام الفرقة بعد الأئمة المعصومين عليهم‌السلام ، وعماد الشيعة الإمامية في كلّ ما يتعلق بالمذهب والدين ، محقّق الاصول والفروع ، ومهذّب فنون المعقول والمسموع ، شيخ الطائفة على الإطلاق ، ورئيسها الذي تلوى إليه الأعناق ، صنّف في جميع علوم الإسلام ، وكان القدوة في

__________________

(١) خلاصة الأقوال في معرفة أحوال الرجال : ١٤٨.

١٠٣

ذلك والإمام » (١).

نفيه للتحريف مع روايته له :

فإنّه ـ رحمة الله ـ مؤلّف كتابين من « الكتب الأربعة » وهو من أكبر أساطين الإمامية النافين لتحريف القرآن الشريف حيث يقول : « أمّا الكلام في زيادته ونقصانه فمها لا يليق به ، لأنّ الزيادة فيه مجمع على بطلانها ، وأمّا النقصان منه فالظاهر أيضاً من مذهب المسلمين خلافه ، وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا ، وهو الذي نصره المرتضى ، وهو الظاهر في الروايات ، غير أنه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصة والعامة بنقصان كثير من آي القرآن ونقل شيء منه من موضع إلى موضع ، طريقها الآحاد التي لا توجد علماً ، فالأولى الإعراض عنها وترك التشاغل بها » (٢).

فالكلام في نقصان القرآن مما لا يليق بالقرآن ، فيجب تنزيهه عنه.

والقول بعدم النقصان هو الأليق بالصحيح من مذهبنا.

وما روي في نقصانه آحاد لا توجب علماً ، فالأولى الإعراض عنها وترك التشاغل بها.

وهذه الكلمات تؤكد ما ذكرناه من أن الرواية شيء والأخذ بها شيء آخر ،لأن الشيخ الطوسي الذي يقول بأن أخبار النقصان لا توجب علماً فالأولى الإعراض عنها وترك التشاغل بها ، يروي بعضها

__________________

(١) الفوائد الرجالية ٣ : ٢٢٧.

(٢) التبيان في تفسير القرآن للشيخ الطوسي ١ : ٣.

١٠٤

في كتابه ( إختيار معرفة الرجال ) (١) بل يروي في ( تهذيب الأحكام ) ـ وهو أحد الكتب الأربعة ـ قضية رجم الشيخ والشيخة بسند صحيح (٢).

أمّا في كتابه ( الخلاف ) فالظاهر أن استدلاله الرّجم من باب الإلزام ، لأنّه ـ بعد أن حكم بوجوب الرجم على الثيب الزانية ـ حكى عن الخوارج أنّهم قالوا : لا رجم في شرعنا ، لأنّه ليس في ظاهر القرآن ولا في السنّة المتواترة ، فأجاب بقوله : « دليلنا إجماع الفرقة ، وروي عن عمر أنه قال : لولا أنني أخشى أن يقال زاد عمر في القرآن لكتبت آية الرجم في حاشية المصحف » (٣).

إذن ، الطوسي ينفي التحريف ، ورواية الحديث ونقله لا يعني الإعتماد عليه والقول بمضمونه والإلتزام بمدلوله.

ترجمة الفيض الكاشاني

٣ ـ الشيخ محمد محسن الفيض الكاشاني ، المتوفّى سنة ١٠٩١.

قال عنه الشيخ الحر العاملي في ( أمل الآمل ) : « كان فاضلاً عالماً ماهراً حكيماً متكلماً محدّثاً محققاً شاعراً أديباً حسن التصنيف » (٤) ووصفه الأردبيلي في ( جامع الرواة ) بـ « العلاّمة المحقق المدقق ، جليل

__________________

(١) انظر : الفائدة الثامنة من الفوائد المذكورة في خاتمة الجزء الثالث من تنقيح المقال في علم الرجال ، لمعرفة أن الكتاب المعروف برجال الكشي الموجود الآن هو للشيخ الطوسي.

(٢) التهذيب ١٠ : ٣.

(٣) الخلاف ٢ : ٤٣٨.

(٤) أمل الآمل ٢ : ٣٠٥.

١٠٥

القدر عظيم الشأن ، رفيع المنزلة ، فاضل كامل أديب متبحّر في جميع العلوم » (١) وقال المحدّث البحراني في ( لؤلؤة البحرين ) : « كان فاضلاً محدثاً أخبارياً صلباً » (٢) وترجم له الخونساري في ( روضات الجنات ) فقال : « وأمره في الفضل والفهم والنبالة في الفروع والاصول والإحاطة بمراتب المعقول والمنقول وكثرة التأليف والتصنيف مع جودة التعبير والترصيف أشهر من أن يخفى في هذه الطائفة على أحد إلى منتهى الأبد » (٣).

نفيه للتحريف مع روايته له :

وقد روى الفيض الكاشاني أحاديث نقصان القرآن في كتابيه ( الصافي في تفسير القرآن ) و ( الوافي ) عن كتب المحدّثين المتقدّمين كالعياشي والقمي والكليني ، فقال في ( الصافي ) بعد أن نقل وطرفاً منها : «المستفاد من جميع هذه الأخبار وغيرها من الروايات من طريق أهل البيت عليهم‌السلام أن القرآن الذي بين أظهرنا ليس بتمامه كما انزل على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (٤).

لكن هذا المحدّث الأخباري الصّلب ـ كما عبّر الفقيه الأخباري الشيخ يوسف البحراني ـ لم يأخذ بظواهر تلك الأحاديث ولم يسكت عنها ، بل جعل يؤوّلها في كتابيه ـ كما تقدّم نقل بعض كلماته ـ فقال في ( الوافي ) في نهاية البحث :« وقد استوفينا الكلام في هذا المعنى وفيما يتعلق

__________________

(١) جامع الرواة ٢ : ٤٢.

(٢) لؤلؤة البحرين : ١٢١.

(٣) روضات الجنات : ٥٤٢.

(٤) الصافي في تفسير القرآن ١ : ٤٤ ط لبنان.

١٠٦

بالقرآن في كتابنا الموسوم بـ ( علم اليقين ) فمن أراده فليرجع إليه » (١).

وفي هذا الكتاب ذكر أن المستفاد من كثير من الروايات أنّ القرآن بين أظهرنا ليس بتمامه كما انزل ، ثم ذكر كلام الشيخ علي بن إبراهيم ، وروايتي الكليني عن ابن أبي نصر وسالم بن سلمة ، ثم قال : « أقول : يرد على هذا كلّه إشكال وهو أنه على ذلك التقدير لم يبق لنا اعتماد على شيء من القرآن ، إذ على هذا يحتمل كلّ آية منه أن تكون محرّفة ومغيّرة ، ويكون على خلاف ما أنزله الله ، فلم يبق في القرآن لنا حجّة أصلاً ، فتنتفي فائدته وفائدة الأمر باتّباعه والوصية به ، وأيضاً قال الله عزّ وجلّ ( وإنّه لكتاب عزيز ) وأيضاً قال الله عزّ وجلّ : ( إنّا نحن نزّلنا الذكر ) وأيضاً ، قد استفاض عن النبي والأئمة حديث عرض الخبر المروي عنهم على كتاب الله ».

ثمّ قال : « ويخطر بالبال في دفع هذا الإشكال ـ والعلم عنه الله ـ أن مرادهم بالتحريف والتغيير والحذف إنما هو من حيث دون اللّفظ أي : حرّفوه وغيروه في تفسيره ، وتأويله ، أي : حملوه على خلاف ما هو عليه في نفس الأمر ، فمعنى قولهم ، كذا انزلت

أنّ المراد به ذلك لا ما يفهمه الناس من ظاهره ، وليس مرادهم أنها نزلت كذلك في اللّفظ ، فحذف ذلك إخفاءً للحق ، وإطفاءً لنور الله.

ومما يدلّ على هذا ما رواه في الكافي بإسناده عن أبي جعفر أنه كتب في رسالته إلى سعد الخير : وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرّفوا حدوده ».

ثمّ أجاب عن الروايتين وقال : « ويزيد ما قلناه تأكيداً ما رواه

__________________

(١) الوافي ٢ : ٤٧٨.

١٠٧

علي بن إبراهيم في تفسيره بإسناده عن مولانا الصادق قال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعلي : القرآن خلف فراشي في الصحف والحرير والقراطيس ، فخذوه واجمعوه ولا تضيّعوه كما ضيّعت اليهود التوراة ».

ثمّ ذكر كلام الشيخ الصدوق في ( الإعتقادات ) بطوله ثم قال : « وأما تأويل أهل البيت أكثر الآيات القرآنية بفضائلهم ومثالب أعدائهم فلا إشكال فيه ، إذ التأويل لا ينافي التفسير ، وإرادة معنى لا تنافي إرادة معنى آخر ، وسبب النزول لا يخصّص » (١).

ثمّ استشهد لذلك بخبر في الكافي عن الصادق عليه‌السلام. ولعلّنا نورد محل الحاجة من عبارته كاملة فيما بعد.

ترجمة العاملي

٤ ـ الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي ، المتوفى في سنة ١١٠٤.

قال الشيخ يوسف البحراني عنه : « كان عالماً فاضلاَ محدّثاً أخبارياً » (٢). وقال الخونساري « شيخنا الحر العاملي الأخباري ، هو صاحب كتاب وسائل الشيعة ، وأحد المحمّدين الثلاثة المتأخرين الجامعين لأحاديث هذه الشريعة » (٣). وقال المامقاني : « هو من أجلّة المحدّثين ومتّقي الأخباريّين » (٤).

__________________

(١) علم اليقين ١ : ٥٦٢ ـ ٥٦٩.

(٢) لؤلؤة البحرين : ٧٦.

(٣) روضات الجنات : ٤٦٦.

(٤) مقباس الهداية : ١٢٠.

١٠٨

روى بعض أخبار تحريف القرآن في كتابيه ( إثبات الهداة بالنصوصوالمعجزات ) و ( وسائل الشيعة ) عن الكتب الأربعة وغيرها.

لكنه ـ رحمه الله ـ من المحدّثين النافين للتحريف بصراحة كما تقدّم في الفصل الأول.

ترجمة المجلسي

٥ ـ الشيخ محمد باقر المجلسي ، المثوفّى سنة ١١١١.

قال الحرّ العاملي عنه : « مولانا الجليل محمد باقر بن مولانا محمد تقي المجلسي ، عالم ، فاضل ، ماهر ، محقّق ، مدقّق ، علاّمة ، فهّامة ، فقيه ، متكلّم ، محدّث ، ثقة ثقة ، جامع للمحاسن والفضائل ، جليل القدر ، عظيم الشأن » (١) ، وقال البحراني : « العلاّمة الفهّامة ، غوّاص بحار الأنوار ، ومستخرج لآليء الأخبار وكنوز الآثار ، الذي لم يوجد له في عصره ولا قبله ولا بعده قرين في ترويج الدين واحياء شريعة سيد المرسلين ، بالتصنيف والتأليف والأمر والنهي وقمع المعتدين والمخالفين ... وكان إماماً في وقته في علم الحديث وسائر العلوم وشيخ الإسلام بدار السلطنة إصفهان » (٢).

روى المجلسي في كتابه ( بحار الأنوار ) أحاديث نقصان القرآن الكريم عن الكافي للكليني وغيره ، بل لعلّة استقصى كافة أحاديث التحريف بمختلف معانيه.

لكنّنا نعلم بأنّ كتابه ( بحار الأنوار ) على جلالته وعظمته موسوعة

__________________

(١) أمل الآمل ٢ : ٢٤٨.

(٢) لؤلؤة البحرين : ٥٥.

١٠٩

قصد منها جمع الأخبار المرويّة عن أهل البيت عليهم‌السلام وحصرها في كتاب واحد ، صوناً لها من التشتّت والضياع والتبعثر ، ولذا نرى أنّه لم يصنع فيه ما صنع

في كتابه ( مرآة العقول ) في شرح كتاب الكافي للكليني ، حيث نظر في الأسانيد والمتون نظرة علميّة تدلّ على طول باعه وسعة اطلاعه وعظمة شأنه في الفقه والحديث والرجال وغيرها من العلوم.

هذا ، مضافاً إلى أنّه ـ رحمة الله ـ بعد رواية تلك الأخبار على ما تقدّم نقله ، نقل كلام الشيخ المفيد وفيه النص على الإعتقاد بأنّ القرآن المنزل من عند الله هو مجموع ما بين الدفّتين من دون زيادة أو نقصان.

حول عبارة القمّي في مقدّمة تفسيره

١ ـ الشيخ على بن إبراهيم القمي ، صاحب التفسير المعروف باسمه ، الثقة في الحديث والثبت المعتمد في الرواية عند علماء الرجال (١) ومن أعلام القرن الرابع.

فقد جاء في مقدمة التفسير ما هذا لفظه : « وأما ما هو محرّف منه فهو قوله : ( لكن الله يشهد بما انزل اليك ـ في علي ـ انزله بعلمه والملائكة يشهدون ) وقوله : ( يا ايها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك ـ في علي ـ فإن لم تفعل فما بلّغت رسالته ) وقوله : ( إنّ الذين كفروا ـ وظلموا آل محمد حقهم ـ لم يكن الله ليغفر لهم ) وقوله : ( وسيعلم الذين ظلموا ـ آل محمد حقهم ـ أي منقلب ينقلبون ) وقوله : ( ولو ترى ـ الذين ظلموا آل محمد

__________________

(١) انظر ترجمته في تنقيح المقال ٢ : ٢٦٠.

١١٠

حقهم ـ في غمرات الموت ) ومثله كثير نذكره في مواضعه » (١).

وذكر الشيخ الفيض الكاشاني عبارة القمي في ( علم اليقين ) ، وعلى هذا الأساس نسب إليه الإعتقاد بالتحريف في كتاب ( الصافي في تفسير القرآن ).

لكنّ هذا يبتني على أن يكون مراد القمي من « ما هو محرّف منه » هو الحذف والإسقاط للفظ ، ... وأمّا إذا كان مراده ما ذكره الفيض نفسه من « أنّ مرادهم بالتحريف والتغيير والحذف إنّما هو من حيث المعنى دون اللفظ ، أي حرّفوه وغيّروه في تفسيره وتأويله ، أي حملوه على خلاف ما هو عليه في نفس الامر » فلا وجه لنسبة القول بالتحريف ـ بمعنى النقصان ـ إلى القمي بعد عدم وجود تصريح منه بالإعتقاد بمضامين الأخبار الواردة في تفسيرة والقول بما دلّت عليه ظواهرها ، بل يحتمل إرادته المعنى الذي ذكره الفيض كما يدّل عليه ما جاء في رسالة الإمام إلى سعد الخير فيما رواه الكليني.

مضافاً الى أنّ القمي نفسه روى في تفسيره بإسناده عن مولانا الصادق عليه‌السلام قال : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعلي عليه‌السلام : القرآن خلف فراشي في الصحف والحرير والقراطيس ، فخذوه واجمعوه ولا تضيّعوه كما ضيّع اليهود التوراة » (٢).

ويؤكّد هذا الإحتمال كلام الشيخ الصدوق ، ودعوى الإجماع من بعض الأكابر على القول بعدم التحريف.

ثم إن الأخبار الواردة في تفسير القمي ليست كلّها للقمي

__________________

(١) تفسير القمّي ١ : ١٠.

(٢) ١ / ٥٦٢ ـ ٥٦٩ وقد تقدّمت عبارته.

١١١

رحمة الله بل جلّها لغيره ، فقد ذكر الشيخ آغا بزرك الطهراني أنّ القمي اعتمد في تفسيره على خصوص ما رواه عن الصادق عليه‌السلام ، وكان جلّه ممّا رواه عن والده إبراهيم بن هاشم عن مشايخه البالغين إلى الستين رجلاً ...

قال : « ولخلو تفسيره هذا عن روايات سائر الأئمة عليهم‌السلام ، عمد تلميذه الآتي ذكره والراوي لهذا التفسير عنه ، على إدخال بعض روايات الإمام

الباقر عليه‌السلام التي أملاها على أبي الجارود في أثناء التفسير ، وذلك التصرف وقع منه من أوائل سورة آل عمران إلى آخر القرآن » (١).

وهذه جهة أخرى تستوجب النظر في أسانيد الأخبار الواردة فيه ، لا سيمّا ما يتعلق منها بالمسائل الإعتقادية المهمّة كمسألتنا.

ترجمة السيد الجزائري ورأيه

٢ ـ السيد نعمة الله التستري الشهير المحدّث الجزائري ، المترجم له في كتب التراجم والرجال مع الإطراء والثناء.

قال الحرّ العاملي : « فاضل عالم محقّق علاّمة ، جليل القدر ، مدرّس » (٢) ، وقال المحديث البحراني : « كان هذا السيد فاضلاً محدّثاً مدققاً ، واسع الدائرة في الإطلاع على أخبار الإمامية وتتبع الآثار المعصومية » (٣) وكذا قال غيرهما.

__________________

(١) الذريعة ٤ : ٣٠٣.

(٢) أمل الآمل ٢ : ٣٣٦.

(٣) لؤلؤة البحرين : ١١١.

١١٢

وقد ذهب هذا المحدّث إلى القول بنقصان القرآن عملاً بالأخبار الظاهرة فيه ، مدّعياً تواترها بين العلماء ، وقد تقدّم نصّ كلامه والجواب عنه في فصل ( الشبهات ).

ولا يخفى أنّ الأساس في هذا الإعتقاد كون الرّجل من العلماء الأخباريين ، ولذا استغرب منه المحّدث النوري اعتماده على تقسيم الأخبار وتنويعها في شرحه لتهذيب الأحكام ، وإذا تمت المناقشة في الأساس إنهدم كلّ ما بني عليه.

ترجمة الشيخ النراقي ورأيه

٣ ـ الشيخ أحمد بن محمد مهدي النراقي ، المتوفّى سنة ١٢٤٤ ، وهو من كبار الفقهاء الاصوليين ، وله مصنّفات ومؤلفات كثيرة ، من أشهرها : مناهج الأحكام ـ في الأصول ـ ، ومستند الشيعة ـ في الفقه ـ ، ومعراج السعادة ـ في الأخلاق ـ.

قال الشيخ النراقي بعد أن ذكر أدلّة المثبتين والنافين : « والتحقيق : إنّ النقص واقع في القرآن ، بمعنى أنّه قد اسقط منه شيء وإن لم يعلم موضعه بخصوصه ، لدلالة الأخبار الكثيرة ، والقرائن المذكورة عليه من غير معارض ، وأما النقص في خصوص المواضع وإن ورد في بعض الأخبار إلاّ أنذه لا يحصل منها سوى الظن ، فهو مظنون ، وأمّا غير المواضع المنصوصة فلا علم بالنقص فيها ولا ظن ، وأمّا الإحتمال فلا دافع له ولا مانع ، وإن كان مرجوحاً في بعض المواضع.

وأمّا الزيادة فلا علم بوقوعها بل ولا ظن ، بل يمكن دعوى العلم على عدم زيادة مثل آية أو آيتين فصاعداً ، وأمّا التغيير والتحريف في بعض الكلمات عمداً أو سهواً فلا يمكن نفيه وإن لم يمكن إثباته علماً

١١٣

كالإختلاف في الترتيب » (١).

وكأنّ هذا الذي ذكره وجعله هو التحقيق ، جمع بين مقتضى القواعد الاصولية وبين الأخبار والواردة في لمسألة ، لكن ما ورد من الأخبار دالاً على وقوع النقص في القرآن من غير تعيين لموضعه بخصوصه قليل جدّاً. وما دلّ على وقوعه في خصوص المواضع بعد تماميته سنداً وجواز الأخذ بظاهره لا يحصل منه سوى الظن ـ كما قال ـ وهو لا يغني من الحق شيئاً في مثل مسألتنا ، وحينئذٍ يبقى

إلاّ الإحتمال ، وهو مندفع بالأدلّة المذكورة على نفي التحريف ، ومع التنزّل عنها يدفعه أصالة العدم.

ترجمة السيد شبر ورأيه

٤ ـ السيد عبدالله ابن السيد محمد رضا الشبّر الحسيني الكاظمي ، المتوفّى سنة ١٢٤٢ ، المترجم له في كتب الرجال بالثناء والاطراء ، قال الشيخ القمي : « الفاضل النبيل والمحدّث الجليل ، والفقيه المتبحّر الخبير ، العالم الرباني والمشتهر في عصره بالمجلسي الثاني ، صاحب شرح المفاتيح في مجلدات ، وكتاب جامع المعارف والأحكام ـ في الأخبار شبه بحار الأنوار ـ وكتب كثيرة في التفسير والحديث والفقه واصول الدين وغيرها » (٢).

وقد يذكر هذا السيد في الطائفة الثانية لكلام له جاء في كتاب ( مصابيح الأنوار ) ثم لا حظنا أنّه في ( تفسيره ) يفسّر الآيات المستدلّ بها على نفي التحريف بمعنى آخر ، ولم يشر إلى عدم التحريف في بحثه حول

__________________

(١) مناهج الأحكام. مبحث حجيّة ظواهر الكتاب.

(٢) الكنى والألقاب ٢ : ٣٢٣.

١١٤

القرآن ووجوه إعجازه في كتابه ( حق اليقين في معرفة اصول الدين ).

وأمّا عبارته في كتابه ( مصابيح الأنوار ) فهذا نصّها :

« الحديث ١٥٣ : ما رويناه عن ثقة الإسلام في ( الكافي ) والعياشي في تفيسره بإسنادهما عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : نزل القرآن على أربعة أرباع : ربع فينا ، وربع عدونا ، وربع سنن وأمثال ، وربع فرائض وأحكام. وزاد العياشي : ولنا كرائم القرآن.

بيان : هذا الحديث الشريف فيه مخالفة لما اشتهر بين الأصحاب وصرّحوا به : من أن الآيات التي يستنبط منها الأحكام الشرعية خمسمائة آية تقريباً.

ولما ذهب إليه أكثر القرّاء (١) من أنّ سور القرآن بأسرها مائة وأربعة عشر سورة ، وإلى أنّ آياته ستة الآف وستمائة وستة وستون آية ، وإلى أنّ كلماته سبع وسبعون ألف وأربعمائة وثلاثون كلمة ، وإلى أنّ حروفه ثلاثمائة ألف واثنان وعشرون الف وستمائة وسبعون حرفاً ، وإلى أنّ فتحاته ثلاث وتسعون ألف ومائتان وثلاث وأربعون فتحة ، وإلى أن ضماته أربعون ألف وثمانمائة وأربع ضماّت ، وإلى أنّ كسراته تسع وثلاثون ألفاً وخمسائة وستة وثمانون كسرة ، وإلى أنّ تشديداته تسعة عشر ألف ومائتان وثلاث وخمسون تشديدة ، وإلى أنّ مداته ألف وسعمائة وإحدى وسبعون مدة.

وأيضاً ، يخالف ما روياه بإسنادهما عن الأصبغ بن نباتة قال : سمعت أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : نزل القرآن أثلاثاً : ثلث فينا وفي

____________

(١) وكذا جاء أيضاً في « الوافي » و « مرآة العقول » نقلاه عن « المحيط الأعظم في تفسير القرآن » للسيد حيدر الآملي ، من علماء القرن الثامن ، عن أكثر القراء.

١١٥

عدوّنا ، وثلث سنن وأمثال ، وثلث فرائض وأحكام.

وما رواه العياشي بإسناده عن خيثمة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : القرآن نزل أثلاثاً : ثلث فينا وفي أحبائنا ، وثلث في أعدائنا وعدوّ من كان قبلنا ، وثلث سنن ومثل ، ولو أنّ الآية إذا نزلت في قوم ثم مات اولئك القوم ماتت الآية لما بقي من القرآن شيء ، ولكن القرآن يجري أوّله على آخره ما دامت السماوات والأرض ، ولكل قوم آية يتلونها من خيرٍ أو شرٍ ».

ثم قال رحمه الله : « ويمكن رفع التنافي بالنسبة إلى الأول : بأنّ القرآن الذي

انزل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكثر مما في أيد أيدينا اليوم وقد اسقط منه شيء كثير ، كما دلّت عليه الأخبار المتضافرة التي كادت أن تكون متواترة ، وقد أوضحنا ذلك في كتابنا : منية المحصّلين في حقيّة طريقة المجتهدين.

وبالنسبة إلى الثاني : بأنّ بناء التقسيم ليس على التسوية الحقيقيّة ولا على التفريق من جميع الوجوه ، فلا بأس باختلافه بالتثليث والتربيع ، ولا بزيادة بعض الأقسام على الثلث والربع أو عنهما ، ولا دخول بعضها في بعض ، والله العالم » (١).

ترجمة الشيخ المازندراني ورأيه

٥ ـ الشيخ محمد صالح بن أحمد المازندراني.

قال الحرّ العاملي : « فاضل عالم محقّق ، له كتب منها شرح

__________________

(١) مصابيح الأنوار في حل مشكلات الأخبار ٢ : ٢٩٤ ـ ٢٩٥.

١١٦

الكافي ، كبير حسن ... » (١) وقال الخونساري : « كان من العلماء المحدّثين والعرفاء المقدّسين ، ماهراً في العقول والمنقول ، جامعاً للفروع والاصول » (٢).

فإنّه يستفاد من كلام له في ( شرح الكافي ) أخذه بظواهر ما ورد فيه ، وربما ذكر الوجوه والمعاني الاخرى التي ذكرها المحدّثون لتلك الأخبار على وجه الإحتمال ، بل رأينا منه أحياناً تكلّفاً لإبقاء بعضها على ظاهره.

قال رحمه الله في شرح حديث الكليني عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي (٣) « وكأنّ هذا المصحف المدفوع إليه هو الذي جمعه أمير المؤمنين عليه‌السلام بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخرجه وقال : هذا هو القرآن الذي أنزله سبحانه ، وردّه قومه ولم يقبلوه ، وهو الموجود عند المعصوم من ذرّيّته كما دلّت عليه الأخبار ».

ثم قال : « وفي هذا الخبر دلالة على وجود مصحف غير هذا المشهور بين الناس ، وعلى وجود التحريف والتغيير والحذف فيما أنزله الله تعالى من القرآن على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ورفعه لا يضر ، لاعتضاده بأخبار اخر من طرقنا ، وهي كثيرة مذكورة في كتاب الروضة وغيره ».

__________________

(١) أمل الآمل ٢ : ٢٧٦.

(٢) روضات الجنات : ٣١٩.

(٣) الكافي ٢ : ٤٦١ ، ونصّ الحديث :

عن البزنطي ، قال : دفع إليّ أبو الحسن عليه‌السلام مصحفاً وقال : لا تنظر فيه ، ففتحته وقرأت فيه : لم يكن الّذين كفروا فوجدت فيها اسم سبعين رجلاً من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم ، قال : فبعث إليّ : إبعث إليّ بالمصحف.

١١٧

قال ـ وهو يقصد تقوية ذلك بأحاديث أهل السنّة ـ : « وقد دلّت الاخبار من طرقهم أيضاً على وقوع التغيير » (١).

النظر في كلامه

وفي كلامه مواقع للنظر :

١ ـ قوله : « كأن هذا المصحف المدفوع إليه هو الذي جمعه أمير المؤمنين »

إستظهار منه ولا دليل عليه ، وإن تم فقد تقدم الكلام على ذلك في فصل ( الشبهات ) على ضوء أقوال أكابر الطائفة.

٢ ـ قول : « وفي هذا الخبر دلالة » فيه : إنّ دلالته غير تامّة ، كيف والمحدّثون أنفسهم يفسرونه بمعان اخر كما تقدّم؟!

٣ ـ قوله : « ورفعه لا يضر » إعتراف منه بأنّ حديث البزنطي هذا مرفوع كما تقدم ، وعدم إضراره محل بحث وخلاف.

٤ ـ قوله : « لاعتضاده بأخبار اخر من طرقنا » فيه : أنّ تلك الأحاديث في الأغلب بين ضعيف ومرسل وشاذ نادر ، وهل يعتضد الحديث المرفوع بالضعيف أو بالنادر؟!

٥ ـ قوله : « وهي كثيرة » فيه : أنّه لو سلّم فإنّ الكثرة من هذا القبيل لا تجدي نفعاً ، ولا تفيد لإثبات معتقدٍ أو حكم.

٦ ـ قوله : « مذكورة في كتاب الروضة وغيره » فيه : أنّ مما ذكر في كتاب الروضة هو الحديث الذي يفيد عدم نقصان القرآن في ألفاظه بوضوح ، وقد استشهد به المحدّث الكاشاني وغيره كما تقدّم.

٧ ـ قوله : « وقد دلّت الأخبار من طرقهم أيضاً » فيه : أنّ تلك

__________________

(١) شرح الكافي ١١ : ٧١ ـ ٧٢.

١١٨

الأحاديث ليست حجة قاطعة علينا ، على أن علماء الشيعة يردّون أو يؤوّلون أحاديثهم الدالّة على ذلك ، فكيف بأحاديث أهل السنّة؟!

وبعد ، فإنّا نستظهر من كلام الشيخ المازندراني أنّه من القائلين بنقصان القرآن أخذاً بظواهر الأخبار ، ولكن حكى السيد شرف الدين والشيخ الاُوردبادي أنه قال في شرح الكافي : « يظهر القرآن بهاذ الترتيب عند ظهور الإمام الثاني عشر ويشهر به » فإن كان هذا القول له حقاً عدّ في الطائفة الاولى ، والله العالم.

رأي الشيخ النوري

٨ ـ الشيخ ميرزا حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي ، المتوفي سنة ١٣٢٠ ، من أعلام القرن الرابع عشر ، ومن مشاهير محدّثي الشيعة الإمامية ، توجد ترجمته في كتب الشيخ آغا بزرك الطهراني ، والشيخ عباس القمي وغيرهما من أصحاب التراجم والرجال.

وهو المشتهر بهذا القول في المتأخرين ، وله فيه كتاب ( فصل الخطاب ) الذي سبّب تنديد بعض الجهلة والأعداء بالشيعة والتهويس عليهم ، ذاهلين عن أنّه رأي شخصي من هذا المحدّث الغظيم وليس رأي الطائفة ، فإن أساطين هذه الطائفة في القرون المختلفة يذهبون إلى صيانة القرآن عن كلّ أشكال التلاعب ، وقد أوردنا طرفاً من كلماتهم في الفصل الأول.

ويؤكّد ما ذكرناه ـ من أنّه رأي شخصي ـ أنّ علماء الشيعة المعاصرين له والمتأخرين عنه تناولوا كتابه بالرّد والنقد ، كالسيّد محمد حسين الشهرستاني والشيخ محمود العراقي وغيرهما ، وللشيخ البلاغي بعض الكلام في هذا الباب في مقدّمة تفسيره ( آلاء الرحمن ) ... بل إنّ

١١٩

الشيخ النوري نفسه يعترف بصراحة بتفرّده في هذا القول ، كما لا يخفى على من راجع كتابه (١).

محدّثون لا وجه لنسبة القول بالتحريف إليهم

وهم المحدّثون الذين أوردوا في مصنّفاتهم جميع ما رووه أو طرفاً منه ، مع

عدم الإلتزام بالصحة سنداً ومتناً ودلالة ، فهم يروون أحاديث نقصان القرآن كما يروون أحياناً أحاديث الغلو والجبر والتفويض والتجسيم ، وما شاكل ذلك مما لا يعتقدون به لا يذهبون إليه ، وقد ذكرنا أنّ الرواية أعمّ من الإعتقاد.

وعلى أساس الامور الأربعة التي ذكرناها من قبل ـ مع الإلتفات إلى كلام الصدوق ابن بابويه ... وغير ذلك ـ نقول بعدم صحة نسبة القول بالتحريف إلى هذه الطائفة من الرواة فضلاً عن نسبته إلى الطائفة إستناداً إلى رواية هؤلاء لتلك الإخبار ، مضافاً إلى نقاط متعلقة بهم أو بأخبارهم سنشير إليها.

العيّاشي

ومن هذه الطائفة :

١ ـ الشيخ محمد بن مسعود العياشي ، صاحب التفسير المعروف ، ترجم له الشيخ النجاشي فقال : « ثقة صدوق ، عين هذه الطائفة ، وكان يروي عن الضعفاء كثيراً ، وكان في أول عمره عامّي

__________________

(١) فصل الخطاب : ٣٥.

١٢٠