أحكام القرآن - ج ١

أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي

أحكام القرآن - ج ١

المؤلف:

أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٢٠
الجزء ١ الجزء ٢

 «ما يؤثر عنه فى الزّكاة (١)»

(أنا) أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (رحمه الله) ـ فى قوله عزّ وجلّ : (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ : ١٠٧ ـ ٤ ـ ٧). ـ قال الشافعي : «وقال (٢) بعض أهل العلم : هى : الزكاة المفروضة (٣).».

(أنا) أبو سعيد ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي : «قال الله عزّ وجلّ : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ ـ : فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ : ٩ ـ ٣٤) فأبان : أنّ في الذهب والفضة زكاة (٤). وقول الله عزّ وجلّ : (وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ) ؛ [يعنى] (٥) ـ والله تعالى أعلم ـ : فى سبيله التي فرض : من الزكاة وغيرها.»

__________________

(١) هذا العنوان كان فى الأصل واقعا قبل الإسناد الثاني ، فرأينا أن الأنسب تقديمه على الأول.

(٢) فى الرسالة (ص ١٨٧) : «فقال».

(٣) تفسير الماعون بالزكاة مأثور عن بعض الصحابة والتابعين : كعلى وابن عمر وابن عباس. (فى رواية عنه) ومجاهد وابن جبير (فى إحدى الروايتين عنهما) وابن الحنيفة والحسن وقتادة والضحاك. وذهب غيرهم : إلى أنه المتاع الذي يتعاطاه الناس ، أو الزكاة والمتاع ، أو الطاعة ، أو المعروف أو المال. انظر تفسير الطبري (ج ٣٠ ص ٢٠٣ ـ ٢٠٦) والسنن الكبرى (ج ٤ ص ١٨٣ ـ ١٨٤ وج ٦ ص ٨٧ ـ ٨٨).

(٤) انظر الأم (ج ٢ ص ٢) فالكلام فيها أطول وأفيد.

(٥) الزيادة عن الأم.

١٠١

«فأما (١) دفن المال : فضرب [من (٢)] إحرازه ؛ وإذا حلّ إحرازه بشيء : حل بالدفن وغيره.». واحتج فيه : بابن عمر وغيره (٣).

* * *

(أنا) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، نا الربيع ، قال : قال الشافعي (رحمه الله) : «الناس عبيد الله (جلّ ثناؤه) ؛ فملّكهم ما شاء أن يملّكهم ، وفرض عليهم ـ فيما ملّكهم ـ ما شاء : (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ، وَهُمْ يُسْئَلُونَ) (٤). فكان فيما (٥) آتاهم ، أكثر مما جعل عليهم فيه ؛ وكلّ : أنعم به (٦) عليهم ، (جلّ ثناؤه). وكان (٧) ـ فيما فرض عليهم ، فيما ملكهم ـ : زكاة ؛ أبان : [أنّ (٨)] فى أموالهم حقا لغيرهم ـ فى وقت ـ على لسان رسوله (صلى الله عليه وسلم).»

__________________

(١) فى الأم : «وأما».

(٢) الزيادة عن الأم.

(٣) كابن مسعود وأبى هريرة رضى الله عنهم ؛ انظر أقوالهم فى الأم (ج ٢ ص ٢ ـ ٣) ؛ وانظر السنن الكبرى (ج ٤ ص ٨٢ ـ ٨٣).

(٤) سورة الأنبياء : (٢٣).

(٥) كذا بالأصل والأم (ج ٢ ص ٢٣) ؛ والمراد : وكان الباقي لهم من أصل ما آتاهم ، أزيد مما وجب عليهم إخراجه منه.

(٦) فى الأصل والأم : «فيه».

(٧) فى الأم : «فكان» ؛ ويريد الشافعي (رضى الله عنه) بذلك ، أن يقول : إن الأشياء التي قد ملكها الله للعباد ، قد أوجب عليهم فيها حقوقا كثيرة ؛ ومن هذه الحقوق : الزكاة. ثم لما كان فرض الزكاة ـ فى الكتاب الكريم ـ مجملا غير مبين ولا مقيد بوقت ولا غيره ـ : أراد الشافعي أن يبين لنا أن الله قد بين ذلك على لسان رسوله (صلى الله عليه وسلم) ، فقال : «أبان» إلخ.

(٨) الزيادة عن الأم (ج ٢ ص ٢٣).

١٠٢

«فكان (١) حلالا لهم ملك الأموال ؛ وحراما عليهم حبس الزكاة : لأنه ملّكها غيرهم فى وقت ، كما ملكهم أموالهم ، دون غيرهم.».

«فكان بيّنا ـ فيما وصفت ، وفى قول الله عزّ وجلّ : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ (٢) : ٩ ـ ١٠٣). ـ : أن كل مالك تام (٣) الملك ـ : من حرّ (٤) ـ له مال : فيه زكاة.». وبسط الكلام فيه (٥)

* * *

وبهذا الإسناد ، قال الشافعي ـ فى أثناء كلامه فى باب زكاة التجارة (٦) ، فى قول الله عزّ وجلّ : (وَآتُوا حَقَّهُ (٧) يَوْمَ حَصادِهِ : ٦ ـ ١٤١) ـ : «وهذا دلالة على أنه إنما جعل الزكاة على الزرع (٨)». وإنما (٩) قصد : إسقاط الزكاة عن حنطة حصلت فى يده من غير زراعة.

* * *

__________________

(١) كذا بالأم ؛ وفى الأصل : «وكان» : وما فى الأم أظهر.

(٢) الزيادة عن الأم (ج ٢ ص ٢٣)

(٣) كذا بالأم ، وفى الأصل : «قام» ؛ وهو تحريف ظاهر.

(٤) فى الأصل : «خر» ، وهو تحريف ظاهر ، والتصحيح عن الأم.

(٥) انظره فى الأم (ج ٢ ص ٢٣ ـ ٢٤).

(٦) من الأم (ج ٢ ص ٣١).

(٧) انظر فى السنن الكبرى (ج ٤ ص ١٣٢ ـ ١٣٣) الآثار التي وردت فى المراد بالحق هنا : أهو الزكاة؟ أم غيرها؟

(٨) انظر فى وقت الأخذ ، الرسالة (ص ١٩٥) والأم (ج ٢ ص ٣١).

(٩) هذا من كلام البيهقي رحمه الله ، وقوله : «قصد» إلخ ، أي قصد الشافعي بكلامه هذا ، مع كلامه السابق الذي لم يورده البيهقي هنا.

١٠٣

وبهذا الإسناد ، قال : قال الشافعي : «قال الله (عزّ وجلّ) لنبيه صلى الله عليه وسلم : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها ، وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ؛ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ). قال الشافعي : والصلاة عليهم : الدعاء لهم عند أخذ الصدقة منهم.»

«فحقّ على الوالي ـ إذا أخذ صدقة امرى ـ : أن يدعو له ؛ وأحب أن يقول : آجرك (١) الله فيما أعطيت ، وجعلها لك طهورا ؛ وبارك لك فيما أبقيت (٢)

* * *

(أنا) أبو عبد الله الحافظ ، وأبو سعيد بن أبى عمرو ؛ قالا : أنا أبو العباس ، أنا الربيع بن سليمان ، قال : قال الشافعي : «قال الله عزّ وجلّ : (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ، وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ : ٢ ـ ٢٦٧) (٣). يعنى (والله أعلم) : لستم بآخذيه (٤) لأنفسكم ممن لكم عليه حق ؛ فلا تنفقوا مما (٥) لم تأخذوا لأنفسكم ؛ يعنى : [لا (٦)] تعطوا ما خبث عليكم (والله أعلم) : وعندكم الطيّب.».

* * *

__________________

(١) فى الأم «أجرك» ، وكلاهما صحيح ، ومعناهما واحد. انظر المختار (مادة أجر).

(٢) فى الأم بعد ذلك : «وما دعا له به أجزأه إن شاء الله» ؛ وانظر ما ورد فى ذلك ، فى السنن الكبرى (ج ٤ ص ١٥٧).

(٣) انظر سبب نزول هذه الآية ، فى السنن الكبرى (ج ٤ ص ١٣٦).

(٤) فى الأم (ج ٢ ص ٤٩) : «تأخذون» ؛ ولا ذكر فيها لقوله : «لستم».

(٥) عبارة الأم : «ما لا تأخذون لأنفسكم».

(٦) زيادة عن الأم ، قد تكون متعينة.

١٠٤

 «ما يؤثر عنه فى الصّيام»

قرأت ـ فى رواية المزني ، عن الشافعي ـ أنه قال : «قال الله جلّ ثناؤه : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ : لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ : ٢ ـ ١٨٣ ـ ١٨٤) ؛ ثم أبان : أن هذه الأيام : شهر رمضان (١) ؛ بقوله تعالى : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ (٢) ؛ إلى قوله تعالى : فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ : فَلْيَصُمْهُ : ٢ ـ ١٨٥).».

«وكان بيّنا ـ فى كتاب الله عزّ وجلّ ـ : [أنّه (٣)] لا يجب صوم ، إلا صوم شهر رمضان. وكان علم شهر رمضان ـ عند من خوطب باللسان ـ : أنه الذي بين شعبان وشوّال (٤).».

وذكره ـ فى رواية حرملة عنه ـ بمعناه ، وزاد ؛ قال : «فلما أعلم الله الناس : أنّ فرض الصوم عليهم : شهر رمضان ؛ وكانت الأعاجم (٥) : تعدّ الشهور بالأيام (٦) ، لا بالأهلّة ؛ وتذهب : إلى أن الحساب ـ إذا عدت الشهور بالأهلة ـ يختلف. ـ : فأبان الله تعالى : أن الأهلة هى : المواقيت للناس

__________________

(١) انظر الرسالة (ص ١٥٧) واختلاف الحديث بهامش الأم (ج ٧ ص ـ ١٠٥).

(٢) تمام المتروك : (هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ).

(٣) زيادة لا بد منها.

(٤) انظر الرسالة (ص ١٥٧ ـ ١٥٨).

(٥) مراده بالأعاجم : الفرس والروم والقبط ؛ لا خصوص الفرس.

(٦) فتجعل بعض الشهور ثلاثين يوما ، وبعضها أكثر ، وبعضها أقل. انظر تفسير الشوكانى (ج ٢ ص ٣٤٢).

١٠٥

والحجّ (١) ؛ وذكر الشهور ، فقال : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ : ٩ ـ ٣٦) ؛ فدلّ : على أن الشهور للأهلة ـ : إذ جعلها المواقيت. ـ لا ما ذهبت إليه الأعاجم : من العدد بغير الأهلة».

«ثم بين رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ذلك ، على ما أنزل الله (عزّ وجلّ) ؛ وبين : أن الشهر : تسع وعشرون ؛ يعنى : أن الشهر قد يكون تسعا وعشرين. وذلك : أنهم قد يكونون يعلمون : أن الشهر يكون ثلاثين ؛ فأعلمهم : أنه قد يكون تسعا وعشرين (٢) ؛ وأعلمهم : أن ذلك للأهلة (٣)».

* * *

(أخبرنا) أبو عبد الله الحافظ ، أنا العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي : «قال الله (تعالى) فى فرض الصوم : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) ؛ إلى : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ : فَلْيَصُمْهُ ؛ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً ، أَوْ عَلى سَفَرٍ : فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ : ٢ ـ ١٨٥)»

«فبيّن (٤) ـ فى الآية ـ : أنه فرض الصيام عليهم عدّة (٥) ، وجعل (٦) لهم : أن يفطروا فيها : مرضي ومسافرين ؛ ويخصوا حتى يكملوا العدّة

__________________

(١) انظر اختلاف الحديث (ص ٣٠٣) ، وانظر سبب خلق الأهلة ، فى تفسير الطبري (ج ٢ ص ١٠٧ ـ ١٠٨).

(٢) انظر الرسالة (ص ٢٧ ـ ٢٨).

(٣) انظر اختلاف الحديث (ص ٣٠٢ ـ ٣٠٣).

(٤) فى اختلاف الحديث (ص ٧٦) : «فكان بينا».

(٥) كذا فى اختلاف الحديث ، وهو الملائم لما بعد. وفى الأصل : «عددا».

(٦) فى اختلاف الحديث ؛ «فجعل».

١٠٦

وأخبر أنه أراد بهم اليسر.»

«وكان قول (١) الله عزّ وجلّ : (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً ، أَوْ عَلى سَفَرٍ : فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) ؛ يحتمل معنيين :»

«(أحدهما) : أن لا يجعل عليهم (٢) صوم شهر رمضان : مرضى ولا مسافرين ؛ ويجعل عليهم عددا ـ إذا مضى السفر والمرض ـ : من أيام أخر.»

«(ويحتمل (٣)) : أن يكون إنما أمرهم بالفطر فى هاتين الحالتين : على الرخصة إن شاءوا ؛ لئلا يحرجوا إن فعلوا.».

«وكان فرض الصوم ، والأمر بالفطر فى المرض والسفر ـ : فى آية واحدة. ولم أعلم مخالفا : أن كل آية إنما أنزلت متتابعة ، لا مفرّقة (٤). وقد تنزل الآيتان فى السورة مفرقتين (٥) ؛ فأما آية : فلا ؛ لأن معنى الآية : أنها كلام واحد غير منقطع ، [يستأنف بعده غيره] (٦)».

وقال فى موضع آخر من هذه المسألة : «لأن معنى الآية : معنى (٧) قطع الكلام.»

__________________

(١) كذا فى اختلاف الحديث (ص ٧٧) ، وفى الأصل : «فى قول» ، وزيادة «فى» من النساخ.

(٢) كذا فى اختلاف الحديث ، وعبارة الأصل : «لهم» ، وهى محرفة.

(٣) كذا فى اختلاف الحديث ، وعبارة الأصل : «يحتمل». وهذا بيان للمعنى الثاني.

(٤) فى اختلاف الحديث : «متفرقة».

(٥) فى اختلاف الحديث : «مفترقتين».

(٦) الزيادة عن اختلاف الحديث ، للايضاح.

(٧) كذا فى اختلاف الحديث ، وبالأصل : «بمعنى».

١٠٧

«فإذ (١) صام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فى شهر رمضان ـ : وفرض شهر رمضان إنما أنزل فى الآية. ـ : علمنا (٢) أن الآية بفطر المريض والمسافر رخصة.».

قال الشافعي (رحمه الله) : «فمن أفطر أياما من رمضان ـ من عذر (٣) ـ : قضاهنّ متفرقات ، أو مجتمعات (٤). وذلك : أن الله (عزّ وجلّ) قال : (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) ؛ ولم يذكرهنّ متتابعات (٥).».

* * *

وبهذا الإسناد ، قال : قال الشافعي : «قال الله تبارك وتعالى : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ : ٢ ـ ١٨٤) فقيل : (يطيقونه (٦)) : كانوا يطيقونه ثم عجزوا (٧) ؛ فعليهم ـ فى كل يوم ـ : طعام مسكين (٨).».

__________________

(١) فى اختلاف الحديث : «فإذا».

(٢) عبارة اختلاف الحديث : «أليس قد علمنا» ؛ وهى واردة فى مقام مناقشة بين الشافعي وغيره.

(٣) عبارته فى الأم (ج ٢ ص ٨٨) : «من عذر : مرض أو سفر ؛ قضاهن فى أي وقت ما شاء : فى ذى الحجة أو غيرها ، وبينه وبين أن يأتى عليه رمضان آخر. ـ متفرقات» إلخ. وانظر ـ فى مسئلة القضاء قبل رمضان التالي ـ السنن الكبرى (ج ٤ ص ٢٥٢).

(٤) انظر السنن الكبرى (ج ٤ ص ٢٥٨ ـ ٢٦٠).

(٥) انظر ما ذكره بعد ذلك فى الأم : فإنه مفيد.

(٦) أي تأويل معناه ؛ وهو يتلخص فى أنه مجاز مرسل باعتبار ما كان.

(٧) انظر ما نقله المزني ـ فى المختصر الصغير (ج ٢ ص ٢٢ ـ ٢٣) ـ عن ابن عباس والشافعي : مما يتعلق بهذا ؛ فإنه مهم. وانظر كذلك : السنن الكبرى (ج ٤ ص ٢٠٠ و ٢٣٠ و ٢٧٠ ـ ٢٧٢) وتفسير الطبري (ج ٢ ص ٧٧ ـ ٨٢).

(٨) انظر فى الأم (ج ٢ ص ٨٩) كلام الشافعي فى الفرق بين فرض الصلاة وفرض الصوم : من حيث السقوط وعدمه ، فهو الغاية فى الجودة.

١٠٨

فى كتاب الصيام (١) (وذلك : بالإجازة.) قال : «والحال (التي يترك بها الكبير الصوم) : أن يجهده الجهد غير (٢) المحتمل. وكذلك : المريض والحامل : [إن (٣) زاد مرض المريض زيادة بيّنة : أفطر ؛ وإن كانت زيادة محتملة : لم يفطر (٤). والحامل] إذا خافت على ولدها : [أفطرت] (٥). وكذلك المرضع : إذا أضرّ بلبنها الإضرار البيّن.». وبسط الكلام فى شرحه (٦).

وقال فى القديم ([رواية] الزعفراني عنه) : «سمعت من أصحابنا ، من نقلوا (٧) ـ إذا سئل [عن تأويل قوله تعالى] (٨) : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ). ـ : فكأنه (٩) يتأوّل : إذا لم يطق الصوم : الفدية».

__________________

(١) أي : الكتاب الصغيرى ، وهو فى الجزء الثاني من الأم (ص ٨٠ ـ ٨٩) ، ومما يؤسف له : أن الكتاب الكبير لم يعثر عليه.

(٢) كذا بالأم (ج ٢ ص ٨٩) ؛ وفى الأصل : «عن» ، وهو محرف.

(٣) فى الأم : و «إن» ، ولعل الواو زائدة من الناسخ ، فليتأمل. وما بين المربعات هنا زيادة عن الأم.

(٤) انظر السنن الكبرى (ج ٤ ص ٢٤٢ ـ ٢٤٣) وتفسير الطبري (ج ٢ ص ٨٧).

(٥) انظر فى الأم (ج ٧ ص ٢٣٣) : الخلاف فى أن على الحامل المفطر القضاء أم لا ، ومناقشة الشافعي لمن أوجبه كالإمام مالك. فهى مناقشة قوية مفيدة.

(٦) انظره فى الأم (ج ٢ ص ٨٩).

(٧) أي : من نقلوا عن بعض أهل العلم بالقرآن ؛ القول الآتي بعد.

(٨) الزيادة للايضاح.

(٩) فى الأصل : «فكان» ؛ والتصحيح عن الأم. وقد ورد هذا القول فيها مسندا للشافعى (رضى الله عنه) ولا ذكر للاية الكريمة قبله. وهو مروى بالمعنى عن ابن عباس كما فى تفسير الطبري (ج ٢ ص ٨٠).

١٠٩

وقرأت فى كتاب حرملة ـ فيما روى عن الشافعي رحمه الله ـ : أنه قال : «جماع العكوف : ما (١) لزمه المرء ، فحبس عليه نفسه : من شىء ، برّا كان أو مأثما. فهو : عاكف.»

«واحتجّ بقوله عزّ وجلّ : (فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ : ٧ ـ ١٣٨) ؛ وبقوله تعالى [حكاية] (٢) عمن رضي قوله : (ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ : ٢١ ـ ٥٢).» «قيل : فهل للاعتكاف المتبرّر ، (٣) أصل فى كتاب الله  عزوجل؟.

قال : نعم (٤) ؛ قال الله عزّ وجلّ : (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ : (٥) وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ : ٢ ـ ١٨٧) ؛ والعكوف فى المساجد : [صبر الأنفس فيها ، وحبسها على عبادة الله تعالى وطاعته].» (٦)

__________________

(١) قوله : ما لزمه إلخ ؛ فيه تجوز ، وظاهره غير مراد قطعا. إذ أصل العكوف : الإقامة على الشيء أو بالمكان ، ولزومهما ، وحبس النفس عليهما. انظر اللسان (مادة : عكف) ، وتفسير الطبري (ج ٢ ص ١٠٤).

(٢) الزيادة للايضاح ؛ والمرضى قوله هنا هو الخليل ، عليه السلام.

(٣) أي : المتبرر به ؛ على حد قولهم : الواجب المخير أو الموسع ؛ أي : فى أفراده ، أو أوقاته.

(٤) فى الأصل : «يعنى» ، وهو تحريف من الناسخ.

(٥) أخرج فى السنن الكبرى (ج ٤ ص ٣٢١) عن ابن عباس ، أنه قال : «المباشرة والملامسة والمس : جماع كله ؛ ولكن الله (عز وجل) يكنى ما شاء بما شاء» ؛ وانظر الخلاف فى تفسير المباشرة ، فى الطبري (ج ٢ ص ١٠٤ ـ ١٠٦).

(٦) هذه الزيادة قد تكون صحيحة متعينة ؛ إذ ليس المراد : بيان أن العكوف المتبرر يكون فى المساجد ، أو لا يكون إلا فيها ، وإنما المراد : بيان أن العكوف فى المساجد متبرر به ؛ لأنه حبس للنفس فيها من أجل العبادة. ولو كان قوله : والعكوف فى المساجد (بدون الواو) ؛ مذكورا عقب قوله : نعم ، لما كان ثمة حاجة للزيادة : وإن كان الجواب حينئذ لا يكون ملائما للسؤال تمام الملاثمة ، فليتأمل.

١١٠

 «ما يؤثر عنه فى الحجّ»

وفيما أنبأنا أبو عبد الله الحافظ (إجازة) : أنبأنا أبو العباس ، حدثهم ، قال : أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (رحمه الله) : «الآية التي فيها بيان فرض الحج على من فرض عليه ، هى (١) : قول الله تبارك وتعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ : حِجُّ الْبَيْتِ ؛ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً : ٣ ـ ٩٧). وقال تعالى : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ : ٢ ـ ١٩٦) (٢)

«قال الشافعي : أنا ابن عيينة ، عن ابن أبى نجيح ، عن عكرمة ، قال : لما نزلت : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً : فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) الآية (٣). ـ قالت اليهود (٤) : فنحن مسلمون ؛ فقال الله لنبيه (صلى الله عليه وسلم) : فحجّهم (٥) ؛ فقال لهم النبىّ (صلى الله عليه وسلم) : حجّوا (٦) ؛ فقالوا : لم يكتب علينا ؛ وأبوا أن يحجوا. فقال (٧) الله تعالى : (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ

__________________

(١) فى الأصل : «فى قول». وفى الأم (ج ٢ ص ٩٣) : «قال». ولعل ما أثبتناه هو الظاهر.

(٢) انظر ـ فى كون العمرة واجبة ـ مختصر المزني (ج ٢ ص ٤٨ ـ ٤٩) ، والأم (ج ٢ ص ١١٣).

(٣) تمام المتروك : (وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ : ٣ ـ ٨٥).

(٤) انظر ـ فى السنن الكبرى (ج ٤ ص ٣٢٤) ـ ما ذكره مجاهد.

(٥) فى السنن الكبرى : «فاخصمهم) يعنى بحجتهم)».

(٦) عبارة السنن الكبرى : «إن الله فرض على المسلمين حج البيت : من استطاع إليه سبيلا.».

(٧) بالأصل والأم والسنن : «قال» ، ولعل زيادة الفاء أظهر.

١١١

الْعالَمِينَ : ٣ ـ ٩٧). قال عكرمة : ومن كفر ـ : من أهل الملل (١). ـ : فإن الله غنىّ عن العالمين.».

«قال الشافعي : وما أشبه ما قال عكرمة ، بما قال (والله أعلم) ـ : لأن هذا كفر بفرض الحج : وقد أنزله الله ؛ والكفر بآية من كتاب الله : كفر.».

«قال الشافعي : أنا مسلم بن خالد ، وسعيد بن سالم ، عن ابن (٢) جريج ، قال : قال مجاهد ـ فى قول الله : (وَمَنْ كَفَرَ). ـ قال : هو (٣) فيما : إن حجّ لم يره برّا ، وإن جلس لم يره إثما (٤)

«كان سعيد بن سالم ، يذهب : إلى أنه كفر بفرض الحجّ. قال (٥) : ومن كفر بآية من كتاب الله عزّ وجلّ ـ : كان كافرا.»

«وهذا (إن شاء الله) : كما قال مجاهد ؛ وما قال عكرمة فيه : أوضح ؛ وإن كان هذا واضحا.».

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال : «قال الله تبارك وتعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ

__________________

(١) فى الأصل : «الملك» ؛ وهو تحريف ظاهر ، والتصحيح عن الأم والسنن الكبرى.

(٢) فى السنن الكبرى : «عن سفيان عن ابن أبى نجيح».

(٣) فى الأم : «هو ما إلخ» ، وفى السنن الكبرى : «من إن حج .. ومن تركه ..».

(٤) أخرجه فى السنن الكبرى أيضا عن ابن عباس ؛ بلفظ : «من كفر بالحج : فلم يرجحه برا ، ولا تركه إثما».

(٥) فى الأم : «قال الشافعي» ، والظاهر أن القائل سعيد. فليتأمل.

١١٢

مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً). والاستطاعة ـ فى دلالة السنة والإجماع ـ : أن يكون الرجل يقدر على مركب وزاد : يبلّغه ذاهبا وجائيا ؛ وهو يقوى على (١) المركب. أو : أن يكون له مال ، فيستأجر به من يحج عنه. أو : يكون له من : إذا أمره أن يحجّ عنه ، أطاعه (٢).». وأطال الكلام فى شرحه (٣).

وإنما أراد به : الاستطاعة التي هي سبب وجوب (٤) الحج. فأما الاستطاعة ـ التي هى : خلق الله تعالى ، مع كسب العبد (٥). ـ : فقد قال الشافعي في أول كتاب (الرسالة) (٦) :

«والحمد لله الذي لا يؤدّى شكر نعمة ـ من نعمه ـ إلا بنعمة منه : توجب على مؤدّى ماضى نعمه ، بأدائها ـ : نعمة حادثة يجب عليه شكره [بها] (٧).».

وقال بعد ذلك : «وأستهديه بهداه (٨) : الذي لا يضلّ من أنعم به عليه.».

وقال فى هذا الكتاب (٩) : «الناس متعبّدون : بأن يقولوا ، أو يفعلوا

__________________

(١) أي : على الثبوت عليه.

(٢) انظر السنن الكبرى (ج ٤ ص ٣٢٧ ـ ٣٣٠ وج ٥ ص ٢٢٤ ـ ٢٢٥).

(٣) انظره فى الأم (ج ٢ ص ٩٦ ـ ٩٨ و ١٠٤ ـ ١٠٧) ومختصر المزني (ج ٢ ص ٣٩ ـ ٤١).

(٤) بالأصل : «وجود» ؛ وهو تحريف من الناسخ.

(٥) بالأصل : «العهد» ؛ وهو تحريف أيضا.

(٦) ص (٧ ـ ٨).

(٧) الزيادة عن الرسالة.

(٨) فى الأصل : «بهداية» ؛ والتصحيح عن الرسالة.

(٩) أي : كتاب أحكام القرآن.

١١٣

ما أمروا : أن (١) ينتهوا إليه ، لا يجاوزونه. لأنهم لم يعطوا أنفسهم شيئا ، إنما هو : عطاء الله (جلّ ثناؤه). فنسأل الله : عطاء : مؤدّيا لحقه ، موجبا لمزيده.».

وكلّ هذا : فيما أنبأنا أبو عبد الله ، عن أبى العباس ، عن الربيع ، عن الشافعي.

وله ـ فى هذا الجنس ـ كلام كثير : يدلّ على صحة اعتقاده فى التّعرّى (٢) من حوله وقوّته ، وأنه لا يستطيع العبد أن يعمل بطاعة الله (عزّ وجلّ) ، [إلا بتوفيقه (٣)]. وتوفيقه : نعمته الحادثة : التي بها يؤدّى شكر نعمته الماضية ؛ وعطاؤه : الذي به يؤدّى حقّه ؛ وهداه : الذي به لا يضلّ من أنعم به عليه.

* * *

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، نا الشافعي ـ فى قوله تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ : ٢ ـ ١٩٧). قال (٤) : «أشهر الحج (٥) : شوّال ، وذو القعدة ، وذو الحجّة (٦). ولا يفرض الحج [إلا (٧)] فى

__________________

(١) فى الأصل : «وينتهوا» ؛ وهو خطأ.

(٢) فى الأصل : «التقرى» ؛ وهو تحريف من الناسخ.

(٣) زيادة لا بد منها.

(٤) انظر مختصر المزني (ج ٢ ص ٤٦ ـ ٤٧) ، والشرح الكبير والمجموع (ج ٧ ص ٧٤ و ١٤٠ ـ ١٤٢).

(٥) انظر فى المجموع (ج ٧ ص ١٤٥ ـ ١٤٦) مذاهب العلماء فى أشهر الحج.

(٦) أخرجه فى السنن الكبرى (ج ٤ ص ٣٤٢) عن ابن عمر وابن عباس وابن مسعود وابن الزبير ، بلفظ : «وعشر من ذى الحجة».

(٧) زيادة لا بد منها.

١١٤

شوال كلّه ، وذى القعدة كلّه ، وتسع (١) من ذى الحجة. ولا يفرض : إذا خلت عشر ذى الحجة (٢) ؛ فهو : من شهور الحجّ ؛ والحج بعضه دون بعض.».

وقال ـ فى قوله تعالى : (ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ : ٢ ـ ١٩٦) ـ : «فحاضره : من قرب منه ؛ وهو : كل من كان أهله من دون أقرب المواقيت ، دون ليلتين (٣)».

* * *

(وأنا) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (رحمه الله) ـ فيما بلغه عن وكيع ، عن شعبة ، عن عمرو بن مرّة ، عن عبد الله بن سلمة ، عن علىّ ـ فى هذه الآية : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ : ٢ ـ ١٩٦) (٤). ـ قال : «أن يحرم الرجل من دويرة أهله (٥)».

__________________

(١) انظر الاعتراض الوارد على هذا التعبير ، ودفعه ـ فى الشرح الكبير والمجموع (ج ٧ ص ٧٥ و ١٤٣).

(٢) قال عطاء (كما فى السنن الكبرى ج ٤ ص ٣٤٣) : «إنما قال الله تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) ؛ لئلا يفرض الحج فى غيرهن». وقال عكرمة : «لا ينبغى لأحد أن يحرم بالحج إلا فى أشهر الحج ؛ من أجل قول الله جل وعز : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ).» ، انظر ذلك وما روى عن عطاء أيضا فى مختصر المزني والأم (ج ٢ ص ٤٦ ـ ٤٧ و ١٣٢).

(٣) عبارته فى مختصر المزني (ج ٢ ص ٥٩) : «من كان أهله دون ليلتين ، وهو حينئذ أقرب المواقيت» ؛ فتأملها وانظر ما ذكر فى لمجموع (ج ٧ ص ١٧٥).

(٤) انظر فى السنن الكبرى (ج ٤ ص ٣٤١) ما روى فى تفسير ذلك عن ابن مسعود وابن عباس.

(٥) أخرجه عن على وأبى هريرة ـ فى السنن الكبرى (ج ٤ ص ٣٤١ وج ٥ ص ٣٠ بلفظ : «تمام الحج أن تحرم من دويرة أهلك» ؛ وانظر فى ذلك الشرح الكبير والتلخيص والمجموع (ج ٧ ص ٧٩ و ١٩٩ ـ ٢٠٢).

١١٥

(وأنا) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، نا الشافعي ، قال : «ولا يجب دم المتعة على المتمتع ، حتى يهلّ بالحج (١) : لأن الله (جلّ ثناؤه) يقول : (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ : فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ : ٢ ـ ١٩٦). وكان بيّنا ـ فى كتاب الله عزّ وجلّ ـ : أن التمتع هو : التمتع بالإهلال من العمرة (٢) إلى أن يدخل فى الإحرام بالحج ؛ وأنه إذا دخل فى الإحرام بالحج : فقد أكمل التمتع (٣) ، ومضى التمتع ؛ وإذا مضي بكماله : فقد وجب عليه دمه. وهو قول عمرو بن دينار (٤)

«قال الشافعي : ونحن نقول : ما استيسر ـ : من الهدى. ـ : شاة ؛ (ويروى عن ابن عباس) (٥). فمن لم يجد : فصيام ثلاثة أيام : فيما بين أن يهلّ بالحجّ إلى يوم عرفة ؛ فإذا لم يصم : صام بعد منى : بمكة أو فى سفره ؛ وسبعة أيام بعد ذلك.»

«وقال فى موضع آخر : وسبعة فى المرجع. وقال فى موضع آخر : إذا رجع إلى أهله (٦).».

* * *

__________________

(١) قال سعيد بن المسيب (كما فى السنن الكبرى ج ٤ ص ٣٥٦) : «كان أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) يتمتعون فى أشهر الحج ؛ فإذا لم يحجوا عامهم ذلك : لم يهدوا شيئا ،».

(٢) كذا بالأصل ؛ والمراد : الانتقال من الإهلال بالعمرة إلى الإهلال بالحج. إذ أصل الإهلال بالعمرة متحقق من قبل.

(٣) انظر مختصر المزني (ج ٢ ص ٥٦ ـ ٥٧).

(٤) انظر السنن الكبرى (ج ٥ ص ٢٤).

(٥) وعطاء والحسن وابن جبير والنخعي ؛ كما فى السنن الكبرى (ج ٥ ص ٢٤).

(٦) انظر ـ فى هذا المقام ـ السنن الكبرى (ج ٥ ص ٢٤ ـ ٢٦) ومختصر المزني (ج ٢ ص ٥٨ ـ ٥٩) والمجموع (ج ٧ ص ١٨٧ ـ ١٨٩).

١١٦

(أنا) أبو زكريا بن أبى إسحاق ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي : «أنا ابن عيينة ، نا هشام ، عن طاووس (١) ـ فيما أحسب (٢) ـ أنه قال : الحجر (٣) من البيت (٤). وقال الله تعالى : (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ : ٢٢ ـ ٢٩) ؛ وقد طاف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من وراء الحجر (٥)

قال الشافعي ـ فى غير هذه الرواية ـ : «سمعت عددا ـ من أهل العلم : من قريش. ـ يذكرون : أنه ترك من الكعبة فى الحجر ، نحو من ستة أذرع (٦).».

* * *

وقال ـ فى قوله : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ :

__________________

(١) فى السنن الكبرى (ج ٥ ص ٩٠) : «عن طاوس عن ابن عباس».

(٢) فى الأصل : «أحسن» ؛ وهو تحريف من الناسخ.

(٣) انظر المجموع (ج ٨ ص ٢٢ ـ ٢٦) : ففيه فوائد جمة.

(٤) قال بعد ذلك ـ كما فى السنن الكبرى ـ : «لأن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) طاف بالبيت من ورائه ؛ قال الله تعالى : (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ).» ؛ وقال أيضا (كما فى السنن الكبرى ج ٥ ص ١٥٦) : «من طاف بالبيت فليطف وراء الحجر».

(٥) انظر فى الأم (ج ٢ ص ١٥٠ ـ ١٥١) كلام الشافعي المتعلق بذلك : فإنه جيد مفيد.

(٦) قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لعائشة : «إن قومك ـ حين بنو البيت ـ قصرت بهم النفقة ، فتركوا بعض البيت فى الحجر. فاذهبى فصلى فى الحجر ركعتين» ؛ انظر السنن الكبرى (ج ٥ ص ١٥٨) وانظر فيها (ج ٥ ص ٨٩) ما روى عن يزيد بن رومان ، وانظر الأم (ج ٢ ص ١٥١).

١١٧

٢ ـ ١٩٦) (١). ـ : «أما الظاهر : فإنه مأذون بحلاق (٢) الشعر : للمرض ، والأذى فى الرأس : وإن لم يمرض (٣).».

* * *

(أنبأني) أبو عبد الله (إجازة) : أن أبا العباس حدّثهم : أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (رحمه الله) ـ فى الحج : فى أن للصبى حجا : ولم يكتب عليه فرضه. ـ : «إن الله (جلّ ثناؤه) بفضل نعمته ، أثاب الناس على الأعمال أضعافها ؛ ومنّ على المؤمنين ـ : بأن ألحق بهم ذرياتهم ، ووفّر عليهم أعمالهم. ـ فقال : (أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ، وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ : ٥٢ ـ ٢١)

«فكما منّ على الذّرارى : بإدخالهم جنته بلا عمل (٤) ؛ كان : أن منّ عليهم ـ : بأن يكتب عليهم عمل البرّ فى الحج : وإن لم يجب عليهم. ـ : من ذلك المعنى.». ثم استدل على ذلك بالسنة (٥).

* * *

__________________

(١) انظر سبب نزول هذه الآية ، فى السنن الكبرى (ج ٥ ص ٥٤ ـ ٥٥).

(٢) كل من الحلاق والحلق : مصدر لحلق كما ذكر فى المصباح ، ونص عليه فى المجموع (ج ٨ ص ١٩٩). ولم يذكر الحلاق مصدرا فى غيرهما من المعاجم المتدوالة ؛ وذكر فى اللسان : أنه جمع للحليق وهو الشعر المحلوق. وكلام الشافعي حجة فى اللغة.

(٣) انظر الأم (ج ٢ ص ١٥١).

(٤) فى الأصل : «بالأعمال» ؛ وهو خطأ وتحريف من الناسخ. والتصحيح عن الأم (ج ٢ ص ٥٩).

(٥) انظر .. فى ذلك .. الأم (ج ٢ ص ٩٥ و ١٥١) والسنن الكبرى (ج ٥ ص ١٥٥ ـ ١٥٦).

١١٨

(أنا) أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (رحمه الله) : «قال الله تبارك وتعالى : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ ، وَأَمْناً (١) ؛ إلى [قوله] (٢) : وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ : ٢ ـ ١٢٥)

«قال الشافعي : المثابة ـ فى كلاب العرب ـ : الموضع : يثوب الناس إليه ، ويؤوبون : يعودون إليه بعد الذّهاب عنه (٣). وقد يقال : ثاب إليه : اجتمع إليه ؛ فالمثابة تجمع الاجتماع ؛ ويؤوبون : يجتمعون إليه : راجعين بعد ذهابهم عنه ، ومبتدئين. قال ورقة بن نوفل (٤) ، يذكر البيت :

مثابا لأفناء القبائل كلّها

تخبّ إليه اليعملات (٥) الذّوابل (٦)

وقال خداش بن زهير [النّصريّ] :

فما برحت بكر تثوب وتدّعى

ويلحق (٧) منهم أوّلون فآخر (٨)»

__________________

(١) تمام المتروك : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ؛ وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ : أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ).

(٢) الزيادة عن الأم.

(٣) فى الأم : «منه».

(٤) كذا بالأصل والأم ، وتفاسير الطبري (ج ١ ص ٤٢٠) والطبرسي الشيعي (ج ١ ص ٢٠٢) وأبى حيان (ج ١ ص ٣٨٠) والقرطبي (ج ٢ ص ١١٠) والشوكانى (ج ١ ص ١١٨). وروى فى اللسان والتاج (مادة : ثوب) عن الشافعي : منسوبا لأبى طالب.

والذي تطمئن إليه النفس أن البيت لورقة ؛ ويؤكد ذلك خلو ديوان أبى طالب (المطبوع (بالنجف سنة ١٣٥٦ ه‍) منه.

(٥) جمع يعملة ، وهى : الناقة السريعة.

(٦) كذا بالأصل وتفسير الشوكانى ، وفى الأم واللسان والقرطبي : «الذوامل» ، وفى التاج : «الزوامل» ، وفى تفاسير الطبري والطبرسي وأبى حيان : «الطلائح» ، والكل صحيح المعنى.

(٧) كذا بالأم ، وفى الأصل : «وتلحق».

(٨) وفى الأم : «وآخر».

١١٩

«قال الشافعي : وقال الله تبارك وتعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً : وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ : ٢٩ ـ ٦٧) ؛ يعنى (والله أعلم) : [آمنا (١)] من صار إليه : لا يتخطّف اختطاف من حولهم.»

وقال (عزّ وجلّ) لإبراهيم خليله ـ عليه السلام ـ : (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً ، وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ : ٢٢ ـ ٢٧)

«قال الشافعي : سمعت (٢) [بعض من أرضى] (٣) ـ من أهل العلم ـ يذكر : أن الله (عزّ وجلّ) لما أمر بهذا ، إبراهيم (عليه السلام) : وقف على المقام ، وصاح (٤) صيحة : عباد الله ؛ أجيبوا داعى الله. فاستجاب له حتى من [فى (٥)] أصلاب الرجال ، وأرحام النساء (٦). فمن حج البيت بعد دعوته ، فهو : ممن أجاب دعوته. ووافاه من وافاه ، يقول (٧) : لبّيك داعى ربّنا لبيك (٨).».

وهذا ـ : من قوله : «وقال لإبراهيم خليله». ـ : إجازة ؛ وما قبله : قراءة.

* * *

(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع ، قال : سألت الشافعيّ عمن قتل من الصيد شيئا : وهو محرم ؛ فقال : «من قتل من

__________________

(١) الزيادة عن الأم.

(٢) فى الأم (ج ٢ ص ١٢٠) : «فسمعت».

(٣) زيادة لا بد منها ، عن الأم.

(٤) فى الأم : «فصاح».

(٥) زيادة لا بد منها ، عن الأم.

(٦) انظر فى السنن الكبرى (ج ٥ ص ١٧٦) ما روى عن ابن عباس فى هذا.

(٧) فى الأم : «يقولون» ؛ ولا خلاف فى المعنى.

(٨) انظر فى الأم ، كلامه بعد ذلك : فهو مفيد.

١٢٠