وكانت صدّيقة

كمال السيد

وكانت صدّيقة

المؤلف:

كمال السيد


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر
الطبعة: ٢
ISBN: 964-438-161-0
الصفحات: ٢٣٥

بن عمرو.

قال سهيل :

ـ لو شهدت انك رسول الله لم اقاتلك .. ولكن اكتب اسمك واسم أبيك.

أطلّ الحزن من عيني الرسول :

ـ والله اني رسول وان كذبتموني ... اكتب يا عليّ محمّد بن عبدالله وامح رسول الله.

رفع عليّ رأسه وقد شعر بالغضب يتفجّر في صدره.

ـ ان قلبي لا يطاوعني ... والله لا أمحوها.

تناول النبيّ الصحيفة ومحاها ..

واستأنف عليّ يثبت بنود السلام.

ونهض الوفد عائداً الى مكّة ...

لم يتمالك « عمر » اعصابه فتقدّم من النبيّ بطوله الفارع وعيناه تبرقان بغضب عارم :

ـ ألست نبيّ الله حقّاً؟

أجاب النبيّ بهدوء :

ـ بلى.

ـ أليس قتلانا في الجنّة وقتلاهم في النار؟

١٤١

ـ بلى يا عمر.

هتف عمر وقد اهتزت دعائم الايمان في قلبه :

ـ فلم نعطي الدنية في ديننا اذن؟!

أجاب النبيّ وهو يحاول إعادة الطمأنينة الى قلبه :

ـ اني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري.

قال عمر بحدّة :

ـ أولست كنت تحدّثنا انّا سنأتي البيت فنطوف به؟

أجاب محمّد بصبر الأنبياء :

ـ بلى يا عمر .. أفأخبرتك انك تأتيه عامك هذا؟

أجاب عمر مخذولاً :

ـ لا.

ـ فانك آتيه ومطوف به.

وظلّ « عمر » هائجاً لم تفلح كلمات الرسول في إعادة السلام إلى نفسه.

هرع الرجل الفارع إلى صاحبه وقال بعصبية :

ـ يا أبا بكر أليس هو برسول الله؟

ـ نعم.

ـ أولسنا بالمسلمين؟

١٤٢

ـ أجل يا عمر.

ـ أوليسوا بالمشركين؟

ـ ماذا تعني؟

ـ فعلام نعطي الدنية في ديننا؟

نظر أبو بكر الى صاحبه بأسف وأدرك ان صرح الايمان يهتزّ في أعماقه بشدّة ، تمتم أبو بكر :

ـ يابن الخطّاب انه رسول الله ولن يعصي ربّه ولن يضيعه.

عمر ما يزال ثائرا يبحث عن شيء .. عن شخص يطفئ به النار التي تستعر في صدره ... وقد حانت اللحظة المناسبة لنسف السلام مع قريش.

تمكّن « أبو جندل » بن سهيل من الافلات من قبضة قريش ، وجاء ينوء بالسلاسل والقيود.

كان منظره يدعو الى الشفقة ، اعترضه أبوه وكان قد أمضى عهداً مع النبيّ.

هتف الشاب المثقل بالحديد والقهر :

ـ يا رسول الله .. يا معشر المسلمين.

والتفت سهيل الى النبيّ.

ـ يا محمّد بيننا وبينك العهد.

١٤٣

ـ صدقت.

هتف أبو جندل :

ـ ياللمسلمين أأردّ الى المشركين ليفتنوني عن ديني.

المسلمون ينظرون الى أخ لهم لا يملكون له ضرّاً ولا نفعاً.

هتف النبيّ يشدّ على يده من بعيد :

ـ اصبر يا أبا جندل واحتسب سيجعل لك الله ولمن معك فرجاً ومخرجاً.

لم يتمالك عمر كعادته فخفّ الى ابن سهيل .. اقترب منه هامساً :

ـ إنما هم مشركون ودم أحدهم دم كلب.

اقترب عمر أكثر وكشف للشاب مقبض السيف وكرّر قائلاً :

ـ المشرك دمه كدم الكلب.

أدرك الشاب ان عمر يغريه بقتل أبيه فاكتفى بنظرة طويلة الى عمر ولم يقل شيئاً.

كانت كلمات النبيّ ما تزال تتردّد في أذنيه وفي قلبه ثم كيف له أن يقتل أباه؟ بل كيف للمسلم أن يغدر أو يفتك ويخون العهد الذي ابرم قبل لحظات .. وهل ستسكت قريش على قتل رجل كان يفاوض باسمها ويدافع عن آلهتها؟

كانت الأفكار تصطرع في رأسه كخيول في معركة .. وهو

١٤٤

يجرجر خطى واهنة عائداً مع أبيه.

وانطوى نهار ذلك اليوم ، وقد هبّت نسائم السلام فوق رمال الجزيرة ...

وفي السماء وعندما كانت النجوم تنبض في السماء كقلوب حالمة هبط جبريل يحمل بين جناحيه سورة « الفتح ».

وانساب نهر سماويّ والرسول يتلو :

ـ إنّا فتحنا لك فتحاً مبيناً.

وانبعث صوت في الظلام :

ـ وأين هذا الفتح وقد صدّونا عن البيت؟

أجاب النبيّ :

ـ بل هو أعظم الفتح .. لقد رضي المشركون أن يدفعوكم بالراح عن بلادهم وان يرغبوا اليكم في الأمان. وردّكم سالمين مأجورين فهو أعظم الفتح.

هتف المسلمون :

ـ صدقت يا رسول الله.

ومضت أيام على السلام وثاب عمر الى رشده فتمتم آسفاً :

ـ ما شككت منذ اسلمت إلاّ ذلك اليوم.

١٤٥
١٤٦

٢٥

عاد رسول الله الى المدينة ، والفرحة تملأ صدره بفتح الله ، فقد أمن جانب قريش وآن للدين الجديد أن يعبر شبه الجزيرة الى العالم كله.

توجّه النبي كعادته الى المسجد فصلّى ركعتين ، عسلت عنه عناء السفر وهموم الحياة ، ونهض النبيّ لزيارة ابنته .. ذكراه من خديجة وكوثره الذي وهبه الله ..

قرع الباب فهبّت فاطمة للقاء النبيّ ، كانت تحاول إخفاء ما تعانيه من إعياء وتعب.

فتحت الباب والبسمة تشرق في وجهها ، تأمّل النبيّ وجه ابنته الوجه المشرق تشوبه صفرة فبدا كقمر انهكه السهر في ليلة شتائية طويلة.

قال الأب بحزن :

١٤٧

ـ يا بنية ما هذا الصفار في وجهك وتغيّر حدقتيك؟

أجابت فاطمة بصوت واهن :

ـ يا أبه ان لنا ثلاثاً ما طعمنا طعاماً ... وقد بكى الحسنان من شدّة الجوع حتى غلبهما النوم ..

أيقظ النبي ريحانتيه .. وضعهما في حجره وقد نسيا ألم الجوع كعصفورين فرحين بدفء العشّ.

كان عليّ يبحث عمّن يقرضه دريهمات يسدّ بها رمق اسرته ، وكانت الشمس ترسل اشعتهاملتهبة. لم تمض مدّة حتى وجد من يقرضه ديناراً فانطلق يشتري به شيئاً.

المدينة تبدو مهجورة وقد فرّ أهلها من الرمضاء والحرّ.

من بعيد لاح له رجل يمشي على غير هدى .. دقّق النظر فيه ولمّا اقترب منه بادره عليّ :

ـ ما الذي أخرجك يا مقداد في هذه الساعة؟

ـ الجوع يا أبا الحسن .. عضّني وأهلي الجوع .. وأبحث عمّن يقرضني درهماً أو ديناراً.

ان للجوع فعله العجيب في النفوس .. تارة يهذبها فتسمو الى السماء وتارة ينحطّ بها إلى أسفل السافلين. الجوع يصنع ملائكة وشياطين .. وكلا الخيارين يتوقّفان على إرادة الانسان أو على غريزة

١٤٨

ذلك الحيوان القابع في الأعماق المظلمة وليس في حياة علي من وقت لكي تنشب معركة بين الذات والايثار لأنّه لا يوجد في أعماقه المضيئة من يعترض على إرادته التي صقلتها النبوّات ..

وهكذا قدم علي كل ما يملكه إلى أخيه وعاد الى البيت خالي اليدين.

كان المنزل هادئاً تغمره رحمة من السماء ووجد في الحجرة رسول الله .. وكان الحسنان في حجره وفاطمة تصلّي في المحراب وقد ملأت فضاء الحجرة رائحة طيبة لطعام طيب ولما جلس عليّ قبالة رجل ربّاه في حجره تمتم النبيّ وهو يرمق السماء بخشوع :

ـ اللّهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا.

فرغت فاطمة من تبتلها ومدّت يدها الى جفنة مغطاة .. وكان في الجفنة خبز ولحم.

قال عليّ متعجباً :

ـ يا فاطمة أنّى لك هذا؟

أجابت فاطمة بنت رسول السماء :

ـ هو من عندالله .. ان اللّه يرزق من يشاء بغير حساب.

قال النبيّ مبتسماً :

ـ إن مثلكما كمثل زكريا إذ دخل على مريم فوجد عندها رزقاً

١٤٩

قال : يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عندالله ان الله يرزق من يشاء بغير حساب.

لو ازيحت الحجب عن العيون لرأى سكّان المدينة منزلاً الى جوار المسجد .. ولو دققوا النظر لرأوا أثر جبريل في حجراته. يلج المرء فيجد نفسه في بقعة لا تنتمي الى طين الأرض ... إلى عالم من تراب ... بقعة اختارتها الملائكة يوم هبطت على الأرض .. يوم اتصل النور بالطين ليولد الإنسان السماوي الذي انطوت في أعماقه أسرار الوجود.

كانوا خمسة : محمّد .. عليّ .. فاطمة .. حسن وحسين ... اسماء ولدت يوم عطس آدم ... واستنشق نسمة الحياة ، ويوم قال الله لنوح : ان اصنع الفلك بوحينا .. ويوم فار التّنّور كان نوح يتأمّل السماء وهي تنهمر مطراً كأفواه القرب وجبال من الغيوم تتراكم بعضها فوق بعض .. ولتتحول تلك الأرض الجرداء الى بحر متلاطم الأمواج وسارت السفينة باسم الله تشقّ طريقها في موج كالجبال .. ومقدمة السفينة تعلو وتهبط مالها من قرار. أصوات الحيوانات وهدير الموج وتمتمات دعاء المؤمنين تمتزج تطهّر القلب فيتألق الأمل .. الأمل بمستقبل طاهر للأرض. السفينة تجري لمستقر لها .. وقد اجتمع المؤمنون أمام خشبة صغيرة مستطيلة الشكل فيها اسماء أثارت دهشتهم وحرّكت

١٥٠

كوامن الأسئلة في أعماقهم .. كلمات صغيرة واضحة مكتوبة بلغة شعب عاش قبل الطوفان؛ كلمات تحمل لهم الأمل بالخلاص بغصن زيتون أخضر .. كلمات تتألّق بألوان قزح .. كلمات حفرها نوح تعويذة أمل في الحياة :

ـ يا إلهي .. ويا معيني.

برحمتك وكرمك ساعدني.

ولأجل هذه النفوس المقدّسة.

محمّد.

ايليا.

شبر.

شبير.

فاطمة.

الذين هم جميعهم عظماء ومكرمون.

العالم قائم لأجلهم.

ساعدني لاجل أسمائهم.

أنت فقط تستطبع أن توجّهني نحو الطريق المستقيم.

وتمخر السفينة عباب المياه حتى استوت على الجودي وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي ... وعادت حمامة بيضاء تحمل

١٥١

غصن الزيتون .. وقد تالقت في السماء الوان الامل والربيع.

وهمس النبيّ في اذن التاريخ وهو يضم ريحانتيه :

ـ مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق.

١٥٢

٢٦

الصحراء مدّ البصر .. صحراء مليئة بالرمال .. تموج بالأسرار .. والغدر ... وخشخشة الأشواك تبوح باسرار الليل.

آثار مشبوهة فوق الرمال الممتدة بين حصون « خيبر » ومضارب « غطفان » ، وعيون تبرق في الظلام .. ورائحة مؤامرات تدبّر في الخفاء.

فرسان « محمّد » يجوبون الصحراء يتر صدون الذين كفروا انّهم لا أيمان لهم ... الآثار الغريبة فوق الرمال والرجال الملثمون والعيون التي تبرق في الظلام وخشخشة الأشواك في الليل وأصوات كفحيح الأفاعي ... ما بين حصون « السامري » ومضارب غطفان عناكب « خيبر ». تحوك شباكها .. و « غطفان » تكشّر عن أنياب ملوّثة بالصديد ... وتسامع أهل البادية عن عجل يخور في حصون وسط الرمال.

١٥٣

واهتزت راية العقاب في قبضة علي ، وغادر آخر الانبياء المدينة في ألف وستمئة محارب. ولكي يفوّت الفرصة على العقل اليهودي الذي جبل على الغدر فقد تحتم على قوّات المسلمين أن تقطع المسافة بأقصى سرعة ..

لم تمرّ ثلاثة ايام حتى وصل النبيّ بجيشه مشارف خيبر ... وكان الظلام يغمر الاشياء يحيطها بالغموض والأسرار .. وبدت الحصون في رهبة الظلام كائنات خرافية رابضة فوق الأرض.

قبل أن يطلع الفجر كان المسلمون يحيطون بخيبر من كل الجهات وقد استكملوا إحتلال بساتين النخيل المحيطة.

العجل « السامريّ » يتطلّع الى أوثان « غطفان » « التبر » يستنجد « الحجر » « العجل » يطلق خواراً عالياً .. و« الأوثان » حجارة صمّاء لا تفقه شيئاً مما يدور.

طلع الفجر ، واخرجت الافاعي رؤوسها ، صرخ أحدهم مأخوذاً بهول المفاجأة :

ـ محمّد والخميس!

كان اسم « محمد » يخلع قلوبهم .. لا يتحملون سماع هذا الاسم .. كما كانوا يتميزون غيظاً لدى ذكر « جبريل » لو كان غير « جبريل » يحمل رسالة السماء إلى ابن مكّة لكان لهم موقف آخر ...

١٥٤

قال النبيّ مستبشراً وهو يراقب ذعر الافاعي :

ـ الله أكبر! خربت خيبر .. انا اذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين.

الصحراء تراقب معركة وشيكة .. معركة مدمّرة سيكون لها شأن.

ووقف التاريخ يصغي الى ما يدور بصمت.

اجتاح المسلمون المناطق المشجرة ما بين الحصون ... ووقفت جدران « النطاة » و« الصعب » و« ناعم » و« الشق » و« القموص » و« الوطيح » و« سلالم » ثابتة في وجه الهجوم ودار قتال رقيب في الشوارع.

سقط خمسون جريحاً من المسلمين .. صمد اليهود قاتلوا بضراوة .. على خيبر ألاّ تسقط ... لان سقوطها يعني أن يعود السامريّ إلى التيه مّرة اخرى .. سوف يشدّ عباءته ويرحل الى سيناء ينقب في آثار القوافل المسافرة لعلّه يعثر على أثر « الرسول » فيأخذ قبضة اخرى.

استشهد محمّد بن مسلمة؛ ترصّده يهودي من فوق الحصن ثم دفع عليه الرحى فسقطت عليه.

الحصون منيعة واقفة كالجبال ... والأمل قطرات من ندى تبخرت لدى شروق الشمس و« السامريّ » ينظر باستعلاء وشماتة الى نبيّ

١٥٥

العرب.

نشر الظلام ستائره ... واشتعلت مواقد في قلب الليل ... والنسائم تداعب سعفات النخيل .. والأفاعي تخرج رؤوسها تحاول أن تصغي لما يدور حول المواقد.

أطرق أبو بكر برأسه وتمتم آسفاً :

- حصون مستعصية منيعة واليهود مسلّحون بسلاح حسن ... والقموص حصن لا يفتح .. أرأيتم الخندق حوله .. ارجو ألاّ يكون رسول الله غاضباً مني.

أجاب عمر :

ـ ليس الذنب ذنبك يا صاحبي .. أنا أيضاً لم استطع ان أفعل شيئا لقد قضيت النهار كلّه نهجم ويهجمون ولكن إخوان القردةمخرجون الينا من خلف الأشجار كالشياطين.

علّق أبو عبيدة :

ـ اسمعتم ما قال رسول الله.

ـ وهل ينسى قوله.

ـ كلماته ما تزال ترن في اذني : لاعطين الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله.

ـ ترى من سيكون صاحب الراية.

١٥٦

ـ الأمر واضح .. انّه عليّ.

ـ ولكن عليّاً أرمد!!

ـ ربما سلّم الراية إليّ.

ـ ماذا تقول يا أبا حفص؟.

ـ في الصباح يعرف القوم السرى.

كانت النجوم تومض من بعيد .. نام البعض وظلّ البعض ساهراً يحلم براية حبّ أزلية.

ونام أبو حفص بعد أن عزم على أن يكون غداً أقرب الناس إلى النبيّ علّه يسلّمه الراية التي أصبحت حلمه تلك الليلة.

١٥٧
١٥٨

٢٧

طلع الفجر وتنفّس الصباح ... وزقزقت العصافير في أعشاشها .. واستيقظت الكائنات لتبدأ يوماً جديداً ...

رماد الفجر يتبدد شيئاً فشيئاً .. وزرقة السماء الفيروزية تصبح شفّافة رائعة ... وقد بزغت الشمس .. تألّقت خلف ذرى النخيل.

بدت الحصون ذلك الصباح كابوساً يجثم فوق الصدور. صخرة تحطّمت فوقها المعاول ...

تحلّق المسلمون حول النبيّ .. يتطلّعون الى رجل يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله ...

وهتف النبيّ :

ـ أين عليّ؟

وتقدّم فتى في الثلاثين أو يزيد فاستلم راية العقاب وراح يصغي إلى صوت سماوي :

١٥٩

ـ انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ، ثم ادعهم إلى الاسلام فان لم يستجيبوا فقاتلهم .. انطلق فتح الله عليك.

كان على عليّ أن يقود نفس القوّة التي هزمت مرّتين ... فقد عادت مرّة تلوم أبا بكر وأبو بكر يلومها .. وعادت تحت راية عمر تجبّنه ويجبّنها ...

هرول عليّ ليبثّ الحماس في جنده فبدا بحلّته الارجوانية جمرة متألّقة ... وعندما صار قريباً من « القموص » نزع درعه ليكون أكثر قدرة في الحركة ، وأمر جنوده أن يفعلوا ذلك.

رفض اليهود ساخرين دعوة الاسلام ونداء السلام. وكان خيار الحرب هو الطريق لإحراق العجل.

كان منظر عليّ بلا درع قد حرّك شهوة الغدر والانتقام في نفوسهم ... فراح شجعانهم يخرجون مدججين بالسلاح .. وكانوا يتساقطون الواحد تلو الآخر عند قدميه.

الذين كانوا يراقبون الصراع .. أدركوا أن هناك سرّاً في انتصار علي .. رأوا بأمّ أعينهم كيف هزم الحديد أمام قلب المؤمن ..

وهبط « مرحب » درجات الحصن .. كتلة هائلة من الحديد والبأس .. في قبضته حربة ذات ثلاث رؤوس كأفعى اسطورية .. تقدّم « مرحب » ينقل خطاه المثقلة بالزرد والحديد .. ليس هناك في كلّ

١٦٠