الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦١
ولو اوصى لأحدهما بفص خاتم ، ولآخر به ، فليس لأحدهما الانتفاع بدون صاحبه ، وإن طلب صاحب الفص قلعه اجبر عليه.
ولو احتاجت النخلة الموصى بثمرتها إلى السقي ، أو الدار الموصى بمنفعتها إلى العمارة ، لم يجبر أحدهما لو امتنع.
______________________________________________________
عليه ، وعدم الإجبار على الإنفاق على مال نفسه ، ولا على مال غيره مع عدم الشريك لا يقتضي العدم معه. على أنه إذا ترك ذلك فقد أخل بواجب وأقدم على محرم ، ويجب على الحاكم وغيره منعه من ذلك.
قوله : ( ولو أوصى لأحدهما بفص خاتم ولآخر به ، فليس لأحدهما الانتفاع بدون صاحبه ، ولو طلب صاحب الفص قلعه اجبر عليه ).
أما الحكم الأول فظاهر ، إذ لا يجوز لأحدهما التصرف في مال الآخر ، ولا ريب أن انتفاع كل منهما بماله يقتضي التصرف بمال الآخر.
وأما الثاني : فلأن لكل منهما تخليص ماله المتميز من مال صاحبه إذا طلبه ، فإن امتنع أجبره الحاكم ، إذ لا شركة هنا. ولا فرق بين أن يكون طالب ذلك هو صاحب الفص أو صاحب الخاتم ، وبه صرح المصنف في التحرير (١) وإن اقتصر هنا على ذكر صاحب الفص.
ولو لم يمكن تخليص مال طالبه إلاّ مع الإضرار بمال الآخر ففي الإجبار تردد ، واعلم أن الضمير في قوله : ( ولآخر به ) يعود إلى الخاتم ، أي : وأوصى لآخر بالخاتم.
قوله : ( ولو احتاجت النخلة الموصى بثمرتها إلى السقي ، أو الدار الموصى بمنفعتها إلى العمارة لم يجبر أحدهما لو امتنع ).
وجهه : إنّ السقي والعمارة هنا إنما هو لأجل محض مصلحة الموصى له ، فلا يجبر عليه المالك ، إذ لا يستحق عليه الموصى له ذلك. وكذا لا يجبر عليه الموصى له ، لعدم
__________________
(١) التحرير ٢ : ٢٩٦.
ولو اوصى بالرقبة لواحد ، وبالمنفعة لآخر ، قوّمت الرقبة على الأول والمنفعة على الثاني.
______________________________________________________
الدليل ، ولأن ذلك ليس ملكا له ، ولا يجبر على سقي نخلة غيره ، ولا على عمارة داره.
ولو أراد المالك السقي أو العمارة لم يكن للموصى له منعه إن لم يضر به ، ولو أراده الموصى له مع عدم الضرر بالمالك فليس ببعيد ثبوت ذلك له ، وصرح به المصنف في التذكرة في سقي النخلة الموصى بثمرتها (١). واعلم أن الضمير في قول المصنف : ( لم يجبر أحدهما ) يعود إلى الموصى له والوارث بدليل السياق.
قوله : ( ولو أوصى بالرقبة لواحد وبالمنفعة لآخر قومّت الرقبة على الأول والمنفعة على الثاني ).
هذا من فروع الاختلاف في تقويم العين الموصى بمنفعتها مؤبدا ، وحقه أن يكون مذكورا عقيبها ، وتحقيقه : إنه لو أوصى برقبة العبد مجردة عن المنافع لواحد وبالمنافع لآخر ، فإن كانت مؤبدة بنى ذلك على الأقوال الثلاثة : فإن قلنا : يعتبر من الثلث كمال القيمة ، نظر فيما سواه من التركة ، فإن وفّى الثلث بالوصيتين سلّم إلى كل واحد منهما حقه كملا ، وإلاّ فعلى قدر الثلث.
وإن قلنا : المعتبر التفاوت ، فإن حسبنا الرقبة على الوارث إن بقيت له فهنا نحسب كمال القيمة عليهما ، وإن لم نحسبها عليه فكذلك لا نحسبها على الموصى له وبها تصح وصيته من غير اعتبار الثلث.
وإن كانت الوصية غير مؤبدة ، أو لم تكن بكل المنافع ، فلا بحث في أن المحسوب من الثلث هو التفاوت ، وأن الرقبة محسوبة على الوارث ، وإن بقيت له فيحسب على الموصى له بها معتبرة من الثلث.
إذا عرفت ذلك فقد أطلق المصنف الحكم هنا بتقويم الرقبة على الموصى له
__________________
(١) التذكرة ٢ : ٥٠٧.
ولو اوصى له من غلة داره بدينار وغلتها ديناران صح ، فإن أراد الوارث بيع نصفها وترك النصف الذي أجره دينار كان له منعه ، لجواز نقص الأجرة عن الدينار.
ولو لم تخرج الدار من الثلث فللوارث بيع الزائد وعليهم ترك الثلث ، فإن كانت غلته دينارا أو أقل فهي للموصى له ، وإن كانت أكثر فله دينار والباقي للورثة.
______________________________________________________
بها ، مع انه لم يرجح في هذا الكتاب واحدا من الأقوال الثلاثة ، نعم هو صحيح في نفسه بناء على أن ما اخترناه واختاره المصنف في غير هذا الكتاب.
قوله : ( ولو أوصى له من غلة داره بدينار وغلتها ديناران صح ، فإن أراد الوارث بيع نصفها وترك النصف الذي أجره دينار كان له منعه ، لجواز نقص الأجرة عن الدينار ولو لم يخرج الدار من الثلث فللوارث بيع الزائد وعليهم ترك الثلث ، فإن كانت غلته دينارا أو أقل فهي للموصى له ، وإن كانت أكثر فله دينار والباقي للورثة ).
محصل المسألة : إنه لو اوصى له من غلة داره بدينار كل شهر أو كل سنة مثلا ، وكذا كسب عبده ، وجعله بعده لوارثه أو للفقراء والمساكين بحيث صارت الوصية بهذه المنفعة مؤبدة لتعتبر بجملتها من الثلث ، وعبارة المصنف هنا خالية من هذا القيد.
وقد ذكر في التذكرة صحة الوصية (١) ، واعتبرت من الثلث ، كما تعتبر الوصية بالمنافع مدة معلومة ، وكما تعتبر الوصية بمنفعة من منفعتين أبدا ، بأن يعتبر التفاوت بين القيمتين فيخرج من الثلث ، ولا يعتبر من الثلث جميع القيمة لبقاء بعض المنافع لمالك الرقبة.
ثم ينظر إن خرجت الوصية من الثلث بالاعتبار المذكور بدليل قوله بعد ذلك :
__________________
(١) التذكرة ٢ : ٥٠٦.
______________________________________________________
( ولو لم تخرج فإن أراد الوارث بيع نصف الدار وترك النصف الذي أجره دينار ) وهو مقدار الوصية لم يكن له ذلك إلاّ برضى الموصى له ، لأن متعلق الوصية هو مجموع الدار كما أن متعلق إحدى المنفعتين الموصى بها جميع العبد ، فلم يكن لهم إبطال تعلق حق الموصى له بالبعض ، لما فيه من تبديل الوصية الممنوع منه. ولأنه لا يؤمن من نقص اجرة النصف عن الدينار ، باعتبار اختلاف الأحوال والأوقات فيلزم تضييع بعض حق الموصى له.
وموضع ذلك ما إذا أرادوا بيع البعض على أن تكون الغلة للمشتري ، فأما بيع مجرد الرقبة فقد قال في التذكرة : إنّه على الخلاف في بيع الموصى بمنفعته (١) ، وينبغي الجزم بالصحة هنا ، لأن المانع من الصحة لو سلم هو كون الرقبة مسلوبة المنافع فلا قيمة لها ، وذلك منتف هنا.
هذا إن خرجت الوصية من الثلث ، فأما إذا لم تخرج من الثلث ، وأطلق المصنف العبارة بعدم خروج الدار من الثلث توسعا واعتمادا على ظهور الحال ، إذ لا يخفى أن المعتبر خروجه من الثلث هو الوصية دون ما عداها ، وليس ذلك كالعبد الموصى بجميع منافعه مؤبدا ، لتخيل أن لا قيمة له بسبب أنه لا منفعة له.
وبقاء منفعة الدار في هذه الصورة ظاهر ، وحينئذ فإذا لم تخرج الوصية من الثلث نظر ، فما كان قدر التفاوت بين قيمته بدون الوصية ومعها الثلث من الدار فأبقى للوصية ، وما زاد عليه فللوارث التصرف فيه كيف شاء ببيع وغيره ، لأن له رقبة وغلة.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن المصنف قد تسامح في قوله : ( وعليهم ترك الثلث ) ، كما تسامح في قوله : ( ولو لم تخرج الدار ) ، اعتمادا على ظهور المراد ، فإن الثلث المعتبر هو تفاوت ما بين القيمتين ، والمتروك هو متعلقة من الدار.
والضمير في قوله : ( فإن كانت غلته ) يعود إلى الثلث المذكور توسعا ، وحقه ان
__________________
(١) التذكرة ٢ : ٥٠٦.
ولو اوصى بعتق مملوكه وعليه دين قدّم الدين ، فإن فضل من التركة ما يسع ثلثه قيمة العبد عتق ، وإلاّ عتق ما يحتمله وسعى في الباقي.
ولو لم يبق شيء بطلت ، وقيل : إن كانت قيمته ضعف الدين عتق وسعى في خمسة أسداس قيمته ، ثلاثة للديان وسهمان للورثة ، وإن كانت أقل بطلت ،
______________________________________________________
يعود إلى المتروك من الدار وهو متعلق الثلث. ولا شك أن غلته إن كانت دينارا أو أقل فهي للموصى له ، وإن زادت فالزائد للوارث كما ذكره المصنف.
قوله : ( ولو أوصى بعتق مملوكه وعليه دين قدم الدين ، فإن فضل من التركة ما يسع ثلثه قيمة العبد عتق والاّ عتق ما يحتمله ، ويسعى في الباقي ، ولو لم يبق شيء بطلت. وقيل : إن كانت قيمته ضعف الدين عتق ويسعى في خمسة أسداس قيمته ، ثلاثة للديان وسهمان للورثة ، وأن كانت أقل بطلت ).
القول الأول لابن إدريس (١) ، واختاره المصنف وبعض المتأخرين ، والقول المحكي للشيخ رحمهالله في النهاية (٢) ، وابن البراج (٣) ، واختاره المفيد في المقنعة (٤).
والأصح الأول : لعموم ( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ ) (٥) وللأخبار الكثيرة بنفوذ الوصية في ثلث المال من غير فرق بين القليل والكثير ، ولحسنة الحلبي قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام رجل قال : إن متّ فعبدي حر وعلى الرجل دين فقال : « إن توفّي وعليه دين قد أحاط بثمن الغلام بيع العبد ، وإن لم يكن قد أحاط بثمن العبد استسعى
__________________
(١) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٠٦.
(٢) النهاية : ٦١٠.
(٣) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٠٦.
(٤) المقنعة : ١٠٢.
(٥) البقرة : ١٨١.
وكذا لو نجز عتقه في مرض الموت.
______________________________________________________
في قضاء دين مولاه ، وهو حر إذا أوفى » (١)
احتج الشيخ بحسنة زرارة : في رجل أعتق مملوكه عند موته وعليه دين قال : « إن كانت قيمته مثل الذي عليه ومثله جاز ، وإلاّ لم يجز » (٢).
وبصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق عليهالسلام : في رجل مات وترك عبدا ، ولم يترك مالا غيره ، وقيمة العبد ستمائة درهم ودينه خمسمائة ، فأعتقه عند الموت كيف يصنع به؟ قال : « يباع فيأخذ الغرماء خمسمائة ، ويأخذ الورثة مائة درهم » ، قال : فإن كانت قيمته ستمائة درهم ودينه أربعمائة درهم؟ قال : « كذا يباع العبد فيأخذ الغرماء أربعمائة ، ويأخذ الورثة مائتين ، ولا يكون للعبد شيء » ، قال : قلت : فإن كانت قيمة العبد ستمائة درهم ودينه ثلاثمائة؟ قال : « فضحك ثم قال بعد كلام : الآن يوقف العبد ويستسعى ، فيكون نصفه للغرماء وثلثه للورثة ، ويكون له السدس » (٣).
وأجيب بأنها لا تدل على مطلوبه ، لأنها وردت في العتق المنجز ، والشيخ احتج بها في الوصية ، ويرده بأنها تدل على أن الحكم في الوصية كذلك بطريق أولى ، لأن المنجز أقوى من الوصية والجواب بأن نفوذ تصرفات المريض في الثلث ثبت بالنص تواترا ، فاعتضدت الرواية الأولى به ، وبغيره من الدلائل الدالة على النفوذ ، فكان العمل بها أرجح.
قوله : ( وكذا لو نجز عتقه في مرض الموت ).
أي : إن فضل من التركة ما يسع قيمة العبد عتق ، وإلاّ عتق ما يحتمله وسعى في الباقي ، ويطرد هنا خلاف الشيخ ، فإن مورد النص هو المنجزة ، وقوى شيخنا الشهيد
__________________
(١) الفقيه ٣ : ٧٠ حديث ٢٤٠ ، التهذيب ٩ : ٢١٨ حديث ٨٥٧ ، الاستبصار ٤ : ٩ حديث ٢٨.
(٢) الكافي ٧ : ٢٧ حديث ٢ ، الفقيه ٤ : ١٦٦ حديث ٥٨٠ ، التهذيب ٩ : ٢١٨ حديث ٨٥٦ الاستبصار ٤ : ٧ حديث ٢٤.
(٣) الكافي ٧ : ٢٦ حديث ، التهذيب ٩ : ٢١٧ حديث ٨٥٤ ، الاستبصار ٤ : ٨ حديث ٢٧.
ولو اوصى بعتق مماليكه دخل ما يملكه منفردا ومشتركا ، فيعتق النصيب ويقوّم عليه من الثلث على اشكال.
______________________________________________________
في حواشيه العمل بالرواية.
قوله : ( ولو أوصى بعتق مماليكه دخل ما يملكه منفردا ومشتركا ، فيعتق النصيب ويقوّم عليه الباقي على اشكال ).
الإشكال في تقويم الباقي من المشترك ، ومنشؤه : من اختلاف الأصحاب وتعارض الأدلة.
فقال الشيخ في النهاية : يقوّم عليه إن كان ثلثه يحتمله ، وإلاّ عتق منه بقدر ما يحتمل (١) ، وتبعه ابن البراج (٢) ، واختاره المصنف في المختلف (٣) ، لعموم قوله عليهالسلام : « من أعتق شقصا من عبد سرى عليه العتق في باقيه » (٤) ، وقد أوجد سبب العتق بالوصية فكان معتقا ومن ثم كان له الولاء. ولرواية أحمد بن زياد عن أبي الحسن عليهالسلام قال : سالته عن رجل تحضره الوفاة وله المماليك لخاصة نفسه وله مماليك بشركة رجل آخر ، فيوصي في وصيته : مماليكي أحرار ، فما حال الذين في الشركة فكتب : « يقومون عليه إن كان ماله يحتمله فهم أحرار » (٥).
وقال في المبسوط ـ واختاره ابن إدريس (٦) ، والمصنف في التذكرة (٧) ـ : لا يقوم ، لأن إعتاق بعض الرقيق إنما يسري إلى الباقي إذا كان المعتق مالكا للباقي أو كان
__________________
(١) النهاية : ٦١٦.
(٢) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٠٩.
(٣) المختلف : ٥٠٩.
(٤) عوالي اللئالئ ٢ : ٢٩٨ حديث ٢.
(٥) الفقيه ٤ : ١٥٨ حديث ٥٤٩ ، التهذيب ٩ : ٢٢٢ حديث ٨٧٢.
(٦) السرائر : ٣٩٠.
(٧) التذكرة ٢ : ٤٨٧.
ولو اوصى بعتق عبيده ولا تركة غيرهم ، عتق ثلثهم بالقرعة.
ولو رتّب بدئ بالأول فالأول حتى يستوفى الثلث.
______________________________________________________
موسرا ، وبالموت زال ملكه عن سائر أمواله ، بخلاف ما لو أعتق البعض وهو مريض (١) ، وفيه قوة. وقوله : ( من أعتق شقصا من عبد ) لا يتناول الميت ، إذ لا يعد معتقا وإن استند الإعتاق إليه ، وثبوت الولاء تابع للاستناد. والرواية ضعيفة بأحمد بن زياد ، فإن المصنف في التذكرة (٢) نقل عن الشيخ انه واقفي (٣).
قوله : ( ولو أوصى بعتق عبيده ولا تركة غيرهم عتق ثلثهم بالقرعة ، ولو رتب بدئ بالأول فالأول حتى يستوفى الثلث ).
المراد بـ ( عتق ثلثهم بالقرعة ) تعديلهم أثلاثا ثم إيقاع القرعة بينهم ، ولا يحكم بعتق ثلث كل واحد منهم ، فيقسّط الثلث عليهم باعتبار القيمة على ما يقتضيه الحال من التساوي أو التفاضل ، كما في غير العتق إذا تعددت الوصايا ولم تكن مرتبة.
والفرق ما روي ان رجلا أعتق ستة مملوكين له عند موته لم يكن له مال غيرهم ، فدعا بهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فجزأهم أثلاثا ثم أقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة (٤) ، وروى أصحابنا نحو ذلك (٥).
ولأن الغرض من الإعتاق تخليص الشخص من الرق ليكمل حاله ، وهذا الغرض لا يحصل مع التشقيص ، ولأن فيه ضررا على الوارث ، لأنه إذا أعتق بعض العبد سعى في باقيه فيلزم عتق جميعهم.
__________________
(١) المبسوط ٤ : ٦٦.
(٢) التذكرة ٢ : ٤٨٧.
(٣) رجال الشيخ الطوسي : ٣٤٣.
(٤) سنن البيهقي ٦ : ٢٦٦.
(٥) الكافي ٧ : ١٨ حديث ١، الفقيه ٤ : ١٥٩ حديث ٥٥٥ ، التهذيب ٩ : ٢٢٠ حديث ٨٦٤.
ولو اوصى بعتق عدد معيّن من عبيده ولم يعينهم ، استخرج العدد بالقرعة إلى أن يستوفى الثلث ، ويحتمل تخيير الورثة.
ولو أعتق ثلث عبده منجزا عند الوفاة عتق أجمع إن خرجت قيمته من الثلث ، وإلاّ المحتمل.
ولو أعتقه اجمع ولا شيء له سواه عتق ثلثه.
ولو اوصى بعتق رقبة مؤمنة وجب ، فإن تعذّر قيل : يعتق من لا
______________________________________________________
هذا إذا اوصى بعتقهم من غير ترتيب ، ولو رتّب بدئ بالأول فالأول حتى يستوفى الثلث.
قوله : ( ولو أوصى بعتق عدد معين من عبيده ولم يعيّنهم استخرج العدد بالقرعة إلى أن يستوفى الثلث ، ويحتمل تخيير الورثة ).
وجه الأول : إنّ الوصية بالعتق حق للمعتق ، ولا ترجيح لبعضهم على غيره ، لانتفاء التعيين ، فوجب استخراج ذلك العدد بالقرعة.
ووجه الثاني : إن متعلق الوصية متواطئ فيتخير في تعيينه الوارث ، وذلك لأنه لولاه لكانت الوصية إما بعتق مبهم بحسب نفس الأمر ، أو معيّن عند الموصى دون الوارث ، وكلاهما باطل ، للزوم التكليف بما لا يطاق. ولأن المتبادر من اللفظ هو الاكتفاء بعتق اي عدد كان من الجميع فتعيّن الحمل عليه ، وهذا أقوى والعمل بالقرعة أحوط.
قوله : ( ولو أعتق ثلث عبده منجزا عند الوفاة عتق أجمع إن خرجت قيمته من الثلث ... ).
وجهه : إنّ المنجز كالوصية في اعتباره من الثلث إذا وقع في المرض على أصح القولين ، وسيأتي تحقيقه إن شاء الله.
قوله : ( ولو أوصى بعتق رقبة مؤمنة وجب ، فإن تعذر قيل : أعتق من لا
يعرف بنصب ، ولو أعتق بظن الايمان فظهر الخلاف أجزأ عن الموصى.
ولو اوصى بعتق رقبة بثمن فتعذر لم يجب الشراء بأزيد ، ولو وجد بأدون أجزأ عند الضرورة ، فيعتق ويعطى الباقي.
______________________________________________________
يعرف بالنصب ).
القول للشيخ رحمهالله في النهاية (١) ، تعويلا على رواية علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن عليهالسلام قال : سألته عن رجل أوصى بثلاثين دينارا يعتق بها رجلا من أصحابنا فلم يوجد بذلك قال : « يشتري من الناس فيعتق » (٢) ، وابن أبي حمزة ضعيف.
وقال ابن إدريس : الأظهر انه لا يجزيه عن الوصية على كل حال (٣) ، لقوله تعالى ( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ ) (٤) ، واحتاط به ابن البراج (٥) ، والأصح عدم الإجزاء بل يتوقع المكنة.
قوله : ( ولو أعتق بظن الايمان فظهر الخلاف أجزأ عن الموصى ).
لأن المكلف متعبد بالعمل بظنه ، فإذا أعتق من ظاهره الايمان فقد أتى بالمأمور به على الوجه المأمور به ، فيخرج عن عهدة التكليف ، وإنما يجزئ التعويل على الظن المستفاد من ظاهر حال العبد ، أو السؤال منه ، أو ممن يعتد بخبره ونحو ذلك.
قوله : ( ولو أوصى بعتق رقبة بثمن فتعذر لم يجب الشراء بأزيد ، ولو وجد بأدون أجزأ عند الضرورة فيعتق ويعطى الباقي ).
أما عدم الشراء بأزيد في الأول فظاهر ، لانتفاء المقتضي ، وحينئذ فيحتمل أن يقال : يجب أن يتوقع الوصي إمكان الشراء إن كان مرجوا ، فإن يئس منه أجزأ بعض رقبة ، فإن تعذر صرف في وجوه البر ، لأنه قد روي : إنّه إذا أوصى بأبواب البر معينة ،
__________________
(١) النهاية : ٦١٦.
(٢) الكافي ٧ : ١٨ حديث ٩ ، الفقيه ٤ : ١٥٩ حديث ٥٥٣ ، التهذيب ٩ : ٢٢٠ حديث ٨٦٣.
(٣) السرائر : ٣٩٠.
(٤) البقرة : ١٨١.
(٥) نقله العلاّمة في المختلف : ٥٠٩.
ولو اوصى بجزء من ماله فالسبع ، وقيل : العشر.
______________________________________________________
فنسي الوصي بابا منها صرف في وجوه البر ، ولخروج ذلك القدر بالوصية عن ملك الورثة فلا يعود إليهم ، وما ذكرناه أقرب إلى الوصية فتعين المصير إليه.
ويحتمل البطلان ، لتعذر الموصى به ، ولا دليل على وجوب غيره ، ونفى عنه المصنف البأس في التذكرة (١) ، والأول أحوط.
وأما إجزاء الشراء بأدون عند الضرورة وإعطاء الباقي فلرواية سماعة عن الصادق عليهالسلام قال : سألته عن رجل أوصى أن تعتق عنه نسمة بخمسمائة درهم من ثلثه ، فاشترى نسمة بأقل من خمسمائة درهم وفضلت فضلة فما ترى؟ قال : « تدفع الفضلة إلى النسمة من قبل ان تعتق ، ثم تعتق عن الميت » (٢) ، وهي منزّلة على تعذر الشراء بذلك القدر ، وإلاّ لم يجزئ ، ولو قيد باليأس من تنفيذ الوصية أمكن ، لوجوب توقّع تنفيذها مع الإمكان.
قوله : ( ولو أوصى بجزء من ماله فالسبع ، وقيل : العشر ).
القولان للشيخ رحمهالله ، فبالأول قال الشيخ في النهاية (٣) والخلاف (٤) ، واختاره جمع من الأصحاب (٥) ، والمصنف هنا ، وبالثاني في كتابي الأخبار (٦) ، وهو مختار ابن بابويه (٧) ، والمصنف في المختلف (٨) ، وهو الأصح.
__________________
(١) التذكرة ٢ : ٤٩١.
(٢) الكافي ٧ : ١٩ حديث ١٣ ، الفقيه ٤ : ١٥٩ حديث ٥٥٧ ، التهذيب ٩ : ٢٢حديث ٨٦٨.
(٣) النهاية : ٦١٣.
(٤) الخلاف ٢ : ١٧٨ مسألة ٧ كتاب الوصايا.
(٥) منهم : الشيخ المفيد في المقنعة : ١٠٢ وسلار في المراسم : ٢٠٤ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٣٧٨. وابن إدريس في السرائر : ٣٨٨.
(٦) التهذيب ٩ : ٢١٠ ذيل الحديث ٨٣، الاستبصار ٤ : ١٣٣ ذيل الحديث ٥٠١.
(٧) المقنع : ١٦٣.
(٨) المختلف : ٥٠١.
______________________________________________________
لنا ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان قال : إن امراة أوصت إليّ وقالت : ثلثي تقضي به ديني وجزء منه لفلانة ، فسألت عن ذلك ابن أبي ليلي فقال : ما أرى لها شيئا ، ما ادري ما الجزء؟ فسألت أبا عبد الله بعد ذلك فأخبرته كيف قالت المرأة وما قال ابن أبي ليلى فقال : « كذب ابن ابي ليلى ، لها عشر الثلث إنّ الله تعالى أمر إبراهيم وقال له ( اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ) (١) ، وكانت الجبال يومئذ عشرة ، فالجزء هو العشر من الشيء » (٢). وفي حسنة أبان بن تغلب عن الباقر عليهالسلام قال : « الجزء واحد من عشرة ، لأن الجبال عشرة والطير أربعة » (٣).
احتج الأولون بصحيحة ابن ابي نصر قال : سألت أبا الحسن عليهالسلام عن رجل أوصى بجزء من ماله فقال : « الجزء واحد من سبعة ، إن الله تعالى يقول ( لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ ) (٤) ، وفي معناها رواية إسماعيل بن همام الكندي عن الرضا عليهالسلام (٥).
أجاب المصنف في المختلف بأن أخبارنا أكثر ، وهي معتضدة بالأصل وأبعد من الاضطراب ، إذ في رواية السبع انه سبع الثلث ، ثم حكى رواية الحسين بن خالد عن ابي الحسن عليهالسلام قال : سألته عن رجل أوصى بجزء من ماله قال : « سبع ثلثه » (٦) ، ثم حكى عن الشيخ الجمع بحمل السبع على الاستحباب والعشر على الوجوب (٧) ، وهو جمع ظاهر.
__________________
(١) البقرة : ٢٦٠.
(٢) الكافي ٧ : ٣٩ حديث ، التهذيب ٩ : ٢٠٨ حديث ٨٢٤ ، الاستبصار ٤ : ١٣حديث ٤٩٤.
(٣) الكافي ٧ : ٤٠ حديث ٣ ، التهذيب ٩ : ٢٠٩ حديث ٨٢٦ ، الاستبصار ٤ : ١٣٢ حديث ٤٩٦.
(٤) الحجر : ٤٤ ، التهذيب ٩ : ٢٠٩ حديث ٨٢٨ ، الاستبصار ٤ : ١٣٢ حديث ٤٩٨.
(٥) التهذيب ٩ : ٢٠٩ حديث ٨٢٩ ، الاستبصار ٤ : ١٣٢ حديث ٤٩٩.
(٦) الفقيه ٥ : ١٥٢ حديث ٥٢٩ ، الاستبصار ٤ : ١٣٣ حديث ٥٠١.
(٧) المختلف : ٥٠١.
والسهم الثمن ، والشيء السدس.
______________________________________________________
قوله : ( والسهم الثمن ).
هذا أحد قولي الشيخ (١) ، وأكثر الأصحاب (٢) ، وهو المعتمد ، لموثقة السكوني عن الصادق عليهالسلام : إنه سئل عن رجل يوصي بسهم من ماله قال : « السهم واحد من ثمانية » (٣) ، ومثله في الحسن عن صفوان عن الرضا عليهالسلام (٤).
وقال في الخلاف والمبسوط : إنّه السدس (٥) ، وهو قول علي بن بابويه (٦) ، روى ابن مسعود : إنّ رجلا أوصى لرجل بسهم من المال فأعطاه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم السدس (٧). وذكر المصنف في التذكرة : إنّ السهم في كلام العرب السدس (٨).
وروى طلحة بن زيد عن الباقر عليهالسلام قال : « من أوصى بسهم من ماله فهو سهم من عشرة » (٩) ، والأول هو المذهب.
قوله : ( والشيء السدس ).
نسب المصنف في التذكرة القول بذلك إلى علمائنا ، وحكى عن ابن إدريس انه ادعى على هذا إجماع الطائفة (١٠) ، وذكر إنّ أصحابنا عولوا على رواية أبان عن زين العابدين عليهالسلام : إنّه سئل عن رجل أوصى بشيء فقال : « الشيء في كتاب علي
__________________
(١) النهاية : ٦١٣.
(٢) منهم : سلار في المراسم : ٢٠٤ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٣٧٨ ، وابن إدريس في السرائر : ٣٨٨ ، والمحقق في الشرائع ٢ : ٢٤٨.
(٣) الفقيه ٤ : ١٥٢ حديث ٥٢٦ ، التهذيب ٩ : ٢١٠ حديث ٨٣٢ ، الاستبصار ٤ : ١٣٣ حديث ٥٠٢.
(٤) الكافي ٧ : ٤حديث ٢ ، التهذيب ٩ : ٢١٠ حديث ٨٣٣ ، الاستبصار ٤ : ١٣٣ حديث ٥٠٣.
(٥) الخلاف ٢ : ١٧٨ مسألة ٩ كتاب الوصايا ، المبسوط ٤ : ٨.
(٦) المقنع : ١٦٣.
(٧) المغني لابن قدامة ٦ : ٤٧٧.
(٨) التذكرة ٢ : ٤٩٦.
(٩) التهذيب ٩ : ٢١حديث ٨٣٤ ، الاستبصار ٤ : ١٣٤ حديث ٥٠٤.
(١٠) التذكرة ٢ : ٤٩٦.
وما عدا ذلك يرجع إلى تعيين الوارث ، فيقبل وإن قل ، كقوله : أعطوه حظا من مالي ، أو نصيبا ، أو قسطا ، أو قليلا ، أو جزيلا ، أو يسيرا ، أو عظيما ، أو جليلا ، أو خطيرا.
ولو ادّعى الموصى له تعيين الموصى فالقول قول الوارث مع يمينه إن ادعى علمه ، وإلاّ فلا يمين.
______________________________________________________
عليهالسلام من ستة » (١).
قوله : ( وما عدا ذلك يرجع إلى تعيين الوارث فيقبل وأن قل ، كقوله : أعطوه حظا من مالي ، أو نصيبا ، أو قسطا ، أو قليلا ، أو جزيلا ، أو يسيرا ، أو عظيما ، أو جليلا ، أو خطيرا ).
وذلك لانه لا مقدر لشيء من هذه لا في اللغة ولا في العرف ولا في الشرع ، فكل ما يقع عليه الاسم صالح لأن يكون متعلق الوصية ، لكن هل يشترط في القبول كون ما يعينه الوارث مما يتموّل؟ لم أجد في كلام الأصحاب تصريحا بنفي ولا إثبات ، وهو محتمل في نحو قسطا ونصيبا ، أما في نحو مالا وعظيما فعدم القبول أوجه.
ولو قال : أعطوا زيدا قسطا عظيما وعمرا قسطا يسيرا ، ففي اشتراط تمييز الوارث بينهما في زيادة التعيين في الأول ليجب القبول احتمال ليس بعيدا من الصواب.
ولو لم يعيّن الوارث شيئا ، أو لم يكونوا من أهل الاختيار حمل على أقل ما يصدق عليه الاسم ، لأنه المتيقن.
قوله : ( ولو ادعى الموصى له تعيين الموصي فالقول قول الوارث مع يمينه إن ادعى علمه ، وإلاّ فلا ).
لأن الاختلاف في فعل الغير.
__________________
(١) الكافي ٧ : ٤٠ حديث ، الفقيه ٤ : ١٥حديث ٥٢٥ ، التهذيب ٩ : ٢١حديث ٨٣٧.
ولو قال : أعطوه كثيرا فكذلك ، وقيل : يحمل على النذر.
ولو قال : أعطوه جزء جزء من مالي احتمل سبع السبع ، أو عشر العشر ،
______________________________________________________
قوله : ( ولو قال : أعطوه كثيرا فكذلك ، وقيل : يحمل على النذر ).
القول الأول للشيخ رحمهالله في الخلاف (١) ، واختاره ابن حمزة (٢) ، وهو قول الصدوق ابن بابويه (٣) ، وقول المصنف : ( وقيل يحمل على النذر ) فيه إيماء إلى أن القول بتفسير الكثير في الوصية بثمانين محمول على القول بذلك في النذر ، لورود الرواية (٤) بذلك فيه دون الوصية.
وذكر الشيخ في الخلاف في الإقرار ورود الرواية بأن الوصية بمال كثير تنزّل على ثمانين (٥) ، واعترضه ابن إدريس بأن الرواية بذلك إنما وردت فيمن نذر أن يتصدق بمال كثير ، وما وردت في الوصية ، ولا أوردها أحد من أصحابنا في الوصايا (٦).
وجهله المصنف في التذكرة (٧) ، ورد كلامه ونفى البأس عن قوله والظاهر هو الأول ، وهو مختار ابن إدريس (٨) ، واختاره المصنف في المختلف ، للأصل ، وعدم نهوض مثل ذلك دليلا على التعيين (٩).
قوله : ( ولو قال : أعطوه جزء جزء من مالي احتمل سبع السبع ، أو
__________________
(١) الخلاف ٢ : ١٧٨ مسألة ٨ كتاب الوصايا.
(٢) الوسيلة : ٣٧٨.
(٣) المقنع : ١٦٣.
(٤) الكافي ٧ : ٤٦٣ حديث ٢١.
(٥) الخلاف ٢ : ٨٩ مسألة كتاب الإقرار.
(٦) السرائر : ٣٨٣.
(٧) التذكرة ٢ : ٤٩٦.
(٨) السرائر : ٣٨٤.
(٩) المختلف : ٥٠٢.
وما يعيّنه الوارث. ولو اوصى بأشياء فنسي الوصي شيئا منها ، صرف قسطه في وجوه البر ، وقيل : يصير ميراثا.
______________________________________________________
عشر العشر ، وما يعيّنه الوارث ).
وجه الأول يستفاد من دليل القول بأن الجزء هو السبع ، ووجه الثاني يستفاد من دليل القول بأنه العشر ، وفيهما ضعف ، لأن ذلك غير مورد النصوص.
ووجه الثالث انتفاء ما يقتضي التعيين ، وصلاحية اللفظ للقليل والكثير من غير تفاوت ، فيقبل تعيين الوارث بما يقع عليه الاسم ، وهو أقوى.
قوله : ( ولو أوصى بأشياء فنسي الوارث شيئا منها صرف قسطه في وجوه البر ، وقيل : يصير ميراثا ).
القول الأول للشيخين (١) ، والصدوق (٢) ، وابن البراج. والثاني نقله ابن إدريس عن الشيخ في جواب ، الحائريات وأفتى به (٣) ، والمعتمد الأول.
لنا عموم قوله تعالى ( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ ) (٤) ، ودفعه إلى الورثة تبديل للوصية ، بخلاف صرفه في وجوه البر ، لأنه أقرب إلى مراد الموصى وأشبه بالوصية ، ويؤيده انقطاع حق الورثة من القدر الموصى به ، فعوده يحتاج الى دليل. وروى محمد ابن ريان قال : كتبت إليه ـ يعني علي بن محمد عليهماالسلام ـ اسأله عن إنسان يوصي بوصية فلم يحفظ الوصي إلاّ بابا واحدا منها كيف يصنع في الباقي؟ فوقّع عليهالسلام : « الأبواب الباقية اجعلها في البر » (٥) ، احتج بأنها وصية بطلت ، لامتناع القيام بها فيرجع
__________________
(١) المقنعة ١٠٢ ، النهاية : ٦١٣.
(٢) المقنع : ١٦٧.
(٣) السرائر : ٣٨٩.
(٤) البقرة : ١٨١.
(٥) الفقيه ٤ : ١٦٢ حديث ٥٦٥ ، التهذيب ٩ : ٢١٤ حديث ٨٤٤.
ولو اوصى بسيف معيّن دخلت الحلية والجفن إن كان في غمده على اشكال.
______________________________________________________
إلى الوارث.
وجوابه : لا يلزم من امتناع القيام بها بخصوصها البطلان ، ولم لا تصرف في الأقرب إلى مراد الموصي ، فإن الحقيقة إذا تعذرت وجب المصير إلى أقرب المجازات ، خصوصا وقد انقطع حق الوارث من ذلك القدر ، فعوده يحتاج إلى دليل.
قوله : ( ولو اوصى بسيف معيّن دخلت الحلية والجفن إن كان في غمده على اشكال ).
احترز بالمعيّن عما لو أوصى له بسيف ولم يعيّن ، ومقتضاه أنه لا يستحق الموصى له إلاّ النصل ، وفيه نظر ، لأن الجفن جزء أو كالجزء من مسمّى السيف عرفا. إذا عرفت ذلك فلو اوصى له بسيف معين وكان له حلية دخلت الحلية في الوصية ، وكذا الجفن ـ بفتح أوله : وهو الغمة بكسر أوله أيضا ـ إن كان في الغمة على اشكال في دخوله على هذا التقدير.
ويحتمل أن يكون الإشكال في اشتراط ذلك ، لكن الرواية تشهد للأول ، وهو المتبادر من اللفظ ، ومنشؤه حينئذ : من أن الجفن والحلية غير داخلين في مسمى السيف ، لأنه اسم للنصل ، ونقل مال الغير يحتاج إلى سبب ناقل. ومن قضاء العرف بدخوله ، فإنه لا يفهم لو قال : احمل السيف أو أنفذه إلي أو سافر به إلاّ الجميع ، حتى لو أخرجه من جفنه في مثل هذه الأحوال عده العقلاء سفيها.
ورواية أبي جميلة عن الرضا عليهالسلام قال : سالته عن رجل اوصى لرجل بسيف ، وكان في جفن وعليه حلية ، فقال له الورثة : إنّما لك النصل وليس لك المال ،
ولو اوصى له بسفينة ، أو صندوق ، أو جراب ، قيل : دخل المظروف.
______________________________________________________
قال : فقال : « لا ، بل السيف بما فيه له » (١) ، وفي طريق آخر عن أبي جميلة نحوه (٢).
قال المصنف في التذكرة : وأبو جميلة فيه قول ، لكن الرواية مناسبة للعقل ، فإن الجفن كالجزء من السيف ، لافتقاره إليه وحاجته ، وعدم انفكاكه غالبا عنه (٣). واختار الأكثر الدخول ، وهو الأقرب ، إلاّ أن تشهد قرينة بخلافه.
قوله : ( ولو أوصى له بسفينة أو صندوق أو جراب قيل : دخل المظروف ).
القول للشيخين (٤) ، والصدوق (٥) ، وابن الجنيد (٦) ، وأبي الصلاح (٧). وابن البراج (٨) ، ومستنده رواية أبي جميلة عن الرضا عليهالسلام قال : سألته عن رجل أوصى لرجل بسيف ، وكان في جفن وعليه حلية ـ إلى أن قال ـ : قلت : رجل أوصى لرجل بصندوق وكان فيه مال ، فقال الورثة : إنما لك الصندوق وليس لك المال قال : فقال أبو الحسن عليهالسلام : « الصندوق بما فيه له » (٩).
وعن عقبة بن خالد عن الصادق عليهالسلام قال : سألته عن رجل قال : هذه السفينة لفلان ، ولم يسم ما فيها وفيها طعام ، أيعطاها الرجل وما فيها؟ قال : « هي للذي أوصى له بها ، إلاّ أن يكون صاحبها متهما ، وليس للورثة شيء » (١٠).
__________________
(١) الكافي ٧ : ٤٤ حديث ، الفقيه ٤ : ١٦حديث ٥٦، التهذيب ٩ : ٢١حديث ٨٣٧.
(٢) الكافي ٧ : ٤٤ حديث ٣ ، التهذيب ٩ : ٢١٢ حديث ٨٣٩.
(٣) التذكرة ٢ : ٤٩٧.
(٤) المقنعة : ١٠٢ ، النهاية : ٦١٤.
(٥) المقنع : ١٦٦.
(٦) نقل قوله العلاّمة في المختلف : ٥٠٨.
(٧) الكافي في الفقه : ٣٦٥.
(٨) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٠٨.
(٩) الكافي ٧ : ٤٤ حديث ، الفقيه ٤ : ١٦حديث ٥٦التهذيب ٩ : ٢١حديث ٨٣٧.
(١٠) الكافي ٧ : ٤٤ حديث ٢ ، الفقيه ٤ : ١٦حديث ٥٦٢ ، التهذيب ٩ : ٢١٢ حديث ٨٣٨.
ولو اوصى بإخراج بعض ولده من التركة لم يصح ، وهل تكون وصية لباقي الورثة بالجميع ، أو يلغوا اللفظ؟ اشكال.
______________________________________________________
قال المصنف في المختلف : وهذه الروايات لم يثبت عندي صحة سندها (١) واختار الدخول إن وجدت قرينة حالية أو مقالية تدل عليه ، وإلاّ فلا. ومختار المختلف في هذه قوي ، لأن المظروف بالنسبة إلى هذه الأمور لا يتناوله اللفظ ولا يقتضيه العرف.
واعلم أن المفيد قيّد الصندوق بالمقفل ، والجراب بالمشدود ، والوعاء بالمختوم ، وكذا أبو الصلاح ، إلاّ أنه بدّل الوعاء بالكيس (٢) ، وأطلق الجماعة ، وما ذكرناه هو المعتمد.
قوله : ( ولو أوصى بإخراج بعض ولده من التركة لم يصح ، وهل تكون وصيته لباقي الورثة بالجميع أو يلغوا لفظه؟ اشكال ).
اختلف الأصحاب فيما إذا أوصى المريض بإخراج بعض ولده من الإرث ، فقال الشيخ في النهاية : لا يلتفت إلى وصيته (٣) ، وتبعه ابن البراج (٤) ، وابن إدريس (٥) ، لأنها وصية بغير المعروف ، إذ هي مخالفة لنص الكتاب والسنة.
وروى الصدوق في كتابه عن وصي علي بن السري قال : قلت لأبي الحسن عليهالسلام إنّ علي بن السري توفّي وأوصى إليّ ، فقال : رحمهالله قلت : وإن ابنه جعفرا وقع على أم ولد له فأمرني أن أخرجه من الميراث ، فقال لي : « أخرجه ، إن كنت صادقا فسيصيبه خبل » ، قال : فرجعت فقدمني إلى أبي يوسف القاضي فقال له : أصلحك الله
__________________
(١) المختلف : ٥٠٨.
(٢) الكافي في الفقه : ٣٦٥.
(٣) النهاية : ٦١١.
(٤) المهذب ٢ : ١٠٧.
(٥) السرائر : ٣٨٧.
______________________________________________________
أنا جعفر بن علي السري وهذا وصي أبي فمره فليدفع إليّ ميراثي ، فقال : ما تقول؟ قلت : نعم هذا جعفر بن علي السري وأنا وصي علي بن السري ، قال : فادفع إليه ماله ، فقلت له : أريد أن أكلمك ، قال : فادن ، فدنوت حيث لا يسمع أحد كلامي فقلت له : هذا وقع على أم ولد لأبيه فأمرني أبوه وأوصى إليّ أن أخرجه من الميراث ولا أورثه شيئا ، فأتيت موسى بن جعفر عليهالسلام بالمدينة فأخبرته وسألته فأمرني أن أخرجه من الميراث ولا أورثه شيئا ، فقال : الله إن أبا الحسن أمرك؟ فقلت : نعم ، فاستحلفني ثلاثا ، ثم قال لي : أنفذت ما أمرك فالقول قوله ، قال الوصي : فأصابه الخبل بعد ذلك ، قال أبو محمد الحسن بن علي الوشاء : رأيته بعد ذلك (١).
قال ابن بابويه عقيب هذه الرواية : من اوصى بإخراج ابنه من الميراث ، ولم يحدث هذا الحدث لم يجز للوصي إنفاذ وصيته في ذلك (٢). وهذا الكلام دال على انه لو فعل ذلك أنفذت وصيته والشيخ في الاستبصار قال : هذا الحكم مقصور على هذه القضية (٣).
واستشكل المصنف في المختلف العمل بهذه الرواية ، وذهب إلى صحة الوصية بإخراجه من الثلث ، لأن إخراجه من التركة يستلزم تخصيص بقية الورثة بها ، فكان كما لو أوصى لهم بها فيمضي من الثلث ، بمعنى حرمان الموصى بإخراجه من الثلث ومشاركته في الباقي إن كان مع مساو ، والاختصاص إن لم يكن ، وعلى هذا فلو أجاز نفذت في الجميع (٤). واستشكل الحكم هنا لاحتمال الحمل على الوصية للجميع وإلغائها من رأس ـ أي : إبطالها ـ ، ووجه الابطال : مخالفتها لحكم الكتاب والسنة ، فكانت
__________________
(١) الكافي ٧ : ٦حديث ١٥ ، الفقيه ٤ : ١٦٢ حديث ٥٦٧ ، الاستبصار ٤ : ١٣٩ حديث ٥٢١.
(٢) الفقيه ٤ : ١٦٣ ذيل الحديث ٥٦٧.
(٣) الاستبصار ٤ : ١٤٠ حديث ٥٢١.
(٤) المختلف : ٥٠٧.