السيّد علي الحسيني الميلاني
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٢
فقال النبيّ صلّى الله عليه : من سرّه أن ينظر إلى آدم في علمه ، و [ إلى ] نوح في فهمه ، و [ إلى ] إبراهيم في حلمه ، فلينظر إلى علي بن أبي طالب.
وأخبرني جدي أحمد بن المهاجر [ رحمهالله ] قال : أخبرنا أبو علي الهروي ، عن أبي عروة قال : حدّثنا الحسن بن عرفة العبدي ، قال : حدّثنا عمر ـ يعني أبا حفص الأبّار ـ عن الحكم بن عبدالملك ، عن حارث بن حصيرة عن أبي طادق عن أبي ربيعة بن ناجد عن علي بن أبي طالب قال :
قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : يا علي فيك مثل عيسى بن مريم أبغضته يهود حتّى بهتوا امّه ، وأحبّته النصارى حتّى أنزلوه بالمنزل الذي ليس به ثم قال علي بن أبي طالب : يهلك فيّ رجلان محب مطر يعرّفني بما ليس فيّ ، ومبغض مفتر يحمله شنآني على أنْ يبهتني ».
قال : « فَدلَّت هذه الأخبار على حسن مذهبنا في ذكر المشابه ، وعلى أنّا اقتدينا في ذلك بالرّسول عليهالسلام ، وكفانا ذلك شرفاً وقدوة ، إذ جعله الله تعالى للمسلمين وزَراً وأسوة ، فلا يظننّ جاهل غبيّ أو ناصب غويّ أنّا ارتكبنا مطايا العدوان ، واعتدينا في طريقنا هذا بعد هذا البيان ، والله المستعان من شرّ الزمان ، وعليه التكلان في مصارع الحدثان ».
وقال : « أخبرنا الحسين بن محمّد البستي قال : حدّثنا عبدالله بن أبي منصور قال : حدّثنا محمّد بن بشر [ الزوزني ] قال : حدّثنا محمّد بن إدريس الحنظلي قال : حدّثنا محمّد بن عبدالله بن المثنى الأنصاري قال : حدّثني حميد ، عن أنس قال : كنا في بعض حجرات مكة فتذاكرنا عليا ، فدخل علينا رسول الله فقال :
أيّها الناس! من أراد أنْ ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في فهمه ، وإلى إبراهيم في حلمه ، وإلى موسى في شدّته ، وإلى عيسى في زهادته ، وإلى محمّد وبهائه ، وإلى جبرئيل وأمانته ، وإلى الكوكب الدريّ والشمس الضحي
والقمر المضي ، فليتطاول ولينظر إلى هذا الرجل ، وأشار إلى علي ابن أبي طالب ».
(١٣)
رواية النطنزي
ورواه أبو الفتح النطنزي : « عن أبي الحمراء مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : كنّا حول النبيّ ، فطلع علي بن أبي طالب رضياللهعنه ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : من سرّه أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في فهمه ، وإلى إبراهيم في خلّته ، فلينظر إلى علي بن أبي طالب » (١).
ترجمة النطنزي
١ ـ السمعاني : « النطنزي ـ أبو الفتح محمّد بن علي بن إبراهيم النطنزي ، أفضل من بخراسان والعراق في اللغة والأدب ، والقيام بصنعة الشعر.
قدم علينا مرو سنة إحدى وعشرين ، وقرأت عليه طرفاً صالحاً من الأدب ، واستفدت منه واغترفت من بحره ، ثمّ لقيته بهمدان ، ثمّ قدم علينا بغداد غير مرة من مدة مقامي بها ، وما لقيته إلاّوكتبت عنه واقتبست منه. سمع بأصبهان أبا سعد المطرّز ، وأبا علي الحداد ، وغانم بن أبي نصر البرجي ، وببغداد أبا القاسم بن بيان الرزاز ، وأبا علي بن نبهان الكاتب ، وطبقتهم. سمعت منه أخيراً بمرو الحديث » (٢).
__________________
(١) الخصائص العلويّة ـ مخطوط.
(٢) الأنساب ـ النطنزي.
٢ ـ الصّفدي : « كان من بلغاء أهل النظم والنثر ، سافر البلاد ولقي الأكابر ، وكان كثير المحفوظ ، محبّ العلم والسنّة ، ومكثر الصدقة والصيام ، ونادم الملوك والسلاطين ، وكانت له وجاهة عظيمة عندهم ، وكان تيّاهاً عليهم ، متواضعاً لأهل العلم ، سمع الحديث الكثير بأصبهان وخراسان وبغداد ، ولم يتمتّع بالرواية » (١).
٣ ـ ابن النجار : « كان نادرة الفلك ، ونابغة الدهر ، فاق أهل زمانه في بعض فضائله » (٢).
(١٤)
رواية السنائي
وقد نظم العارف الشهير أبو المجدود بن آدم الغزنوي ، الملقّب بالحكيم السّنائي في ( حديقة الحقيقة ) مضمون هذه المنقبة ، ومفاد هذا الحديث الشريف ، في بيتين من الشعر ، في مدح مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام فقال :
« عالمى بود همچو نوح استاخ |
|
عالمى بود همچو
روح فراخ |
دل أو عالم
معاني بود |
|
لفظ أو آب
زندگانى بود » |
قال ( الدهلوي ) : السنائي من أهل السنّة
ثمّ إنّ ( الحكيم السنائي ) من مشاهير الشعراء العرفاء ، وأشعاره الحكمية من الأشعار المتداولة المحفوظة لدى أهل الأدب والمعرفة ، وقد ذكره
__________________
(١) الوافي بالوفيات ٤ / ١٦١.
(٢) ذيل تاريخ بغداد. عن كتاب اليقين للسيّد ابن طاوس الحلّي : ٩٥.
عبدالرحمن الجامي في كتابه الذي ألّفه في تراجم مشاهير العرفاء وسمّاه بكتاب ( نفحات الأنس في حضرات القدس ).
ويفيد كلامٌ لمخاطبنا ( الدهلوي ) في كتابه ( التحفة ) أنّ السنائي من كبار شعراء أهل السنّة المقبولين عند علمائهم ، فقال في مبحث ( المكائد ) التي ينسبها إلى الشيعة : « المكيدة السادسة والثلاثون : إضافتهم البيت من الشعر أو البيتين إلى شعر أحد كبار شعراء أهل السنّة ، يكون صريحاً في التشيّع ، وفي مخالفة مذهب أهل السنّة ، مع رعاية الوزن والقافية ، ثمّ يزعمون وجود ما أضافوه في أصل الشعر ، وأنّ أهل السنّة قد أسقطوه لئلاّ يتذرّع به الشيعة.
وإنّ أكثر صنيعهم هذا يكون بالنسبة إلى أشعار الشعراء المقبولين الممدوحين عند أهل السنّة ، كالشيخ فريد الدين العطّار ، والشيخ الأوحدي ، وشمس الدين التبريزي ، والحكيم السنائي ، ومولانا الرومي ، والحافظ الشيرازي ، والخواجة قطب الدين الدهلوي ، وأمثالهم.
ولقد ألحق قدماء الشيعة بأشعار الإمام الشافعي ثلاثة أبيات ، فقد قال الشافعي :
يا راكباً قف
بالمحصّب من منى |
|
واهتف بساكن
خيفها والناهض |
سحراً إذا فاض
الحجيج إلى منى |
|
فيضاً كملتطم
الفرات الفائض |
إن كان رفضاً حب
آل محمّد |
|
فليشهد الثقلان
أني رافضي |
وهو يقصد بهذه الأبيات الردّ على النواصب الذين كانوا ينسبون كلّ من أحبّ آل محمّد إلى الرفض.
لكن ألحق بها في بعض كتب الشيعة أبيات صريحة في مذهب التشيّع ، وهي :
قف ثمَّ ناد
فإنني لمحمّد |
|
ووصيّه وبنيه
لست بباغض |
أخبرهم أنّي من
النفر الذي |
|
بولاء أهل البيت
ليس بناقض |
وقل ابن إدريس
بتقديم الذي |
|
قدّمتموه على
علي ما رضي |
فهذه مكيدة من مكايدهم ، وهي باردة جدّاً ، فقد كان هؤلاء الشعراء على مذهب أهل السنّة ، ودعوى كونهم من الشيعة من جهة نسبة بيت أو بيتين من الشعر إليهم لا تصدر من أدنى الطلبة » (١).
(١٥)
رواية شهردار الديلمي
وقد أسند شهردار بن شيرويه الديلمي حديث التشبيه الذي رواه والده في كتاب الفردوس. قال :
« أخبرنا أبي ، حدّثنا مكي بن دكين القاضي ، حدّثنا علي بن محمّد بن يوسف ، حدّثنا الفضل الكندي ، حدّثنا عبدالله بن محمّد بن الحسن مولى بني هاشم بالكوفة ، حدّثنا علي بن الحسين ، حدّثنا أحمد بن أبي هاشم النوفلي ، حدّثنا عبدالله بن عبيدالله بن موسى ، حدّثنا كامل أبو العلاء ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عن أبي داود ، عن نفيع ، عن أبي الحمراء مولى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال :
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : من أراد أنْ ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى موسى في شدّته ، وإلى عيسى في زهده ، فلينظر إلى هذا المقبل. فأقبل علي » (٢).
__________________
(١) التحفة الاثنا عشرية : ٤٥.
(٢) مسند الفردوس ـ مخطوط.
وستعلم روايته من عبارة الخوارزمي الآتية أيضاً.
ترجمة شهردار الديلمي
١ ـ الذهبي : « شهردار ابن الحافظ شيرويه بن شهردار الديلمي ، المحدِّث ، أبو منصور. قال ابن السمعاني : كان حافظاً عارفاً بالحديث فهماً عارفاً بالأدب ظريفاً ... » (١).
٢ ـ السبكي : « قال ابن السمعاني : كان حافظاً عارفاً بالحديث فهماً ، عارفاً بالأدب ، ظريفاً خفيفاً ، لازماً مسجده ، متبعاً أثر والده في كتابة الحديث وسماعه وطلبه. رحل إلى أصبهان مع والده ثمّ إلى بغداد ... » (٢).
٣ ـ وذكره ابن قاضي شهبة والأسنوي في ( طبقات الشافعيّة ) (٣).
٤ ـ وأورد الثعالي في ( مقاليد الأسانيد ) عبارة الذهبي السالفة الذكر.
٥ ـ وأثنى عليه ( الدهلوي ) في كتاب ( بستان المحدّثين ) منتحلاً كلمات الثعالبي ، كما هو دأبه وديدنه في كتابه المذكور.
__________________
(١) العبر في خبر من غبر. حوادث سنة ٥٥٨.
(٢) طبقات الشافعية الكبرى ٧ / ١١٠.
(٣) طبقات الأسدي طبقات الأسنوي ٢ / ٢١.
(١٦)
رواية الخوارزمي
لقد روى الموفق بن أحمد المكي الخوارزمي ، الشهير بالخطيب الخوارزمي ، حديثاً بالسند الآتي ، قال :
« أخبرنا الشيخ الزاهد الحافظ أبو الحسين علي بن أحمد العاصمي الخوارزمي ، فقال : أخبرنا شيخ القضاة إسماعيل بن أحمد الواعظ قال : أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي » ثمّ قال :
« وبهذا الإسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، قال : أخبرنا أبو عبدالله الحافظ في التاريخ : حدّثنا أبو جعفر محمّد بن أحمد بن سعيد حدّثني محمّد بن مسلم بن وارة قال : حدّثني عبيدالله بن موسى العبسي : حدّثنا أبو عمر الأزدي ، عن أبي راشد الحبراني ، عن أبي الحمراء قال :
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في فهمه ، وإلى يحيى بن زكريّا في زهده ، وإلى موسى بن عمران في بطشه ، فلينظر إلى علي بن أبي طالب.
قال أحمد بن الحسين البيهقي : لم أكتبه إلاّبهذا الإسناد ، والله أعلم » (١).
ترجمة الخوارزمى
١ ـ العماد الإصفهاني : « خطيب خوارزم ، أبو المؤيد الموفق بن أحمد بن محمّد المكي الخوارزمي ، من الأفاضل الأكابر ، فقهاً وأدباً ، والأماثل الأكارم
__________________
(١) مناقب علي بن أبي طالب : ٤٠.
حسباً ونسباً » (١).
مصادر ترجمة العماد الكاتب
وتوجد ترجمة العماد الأصفهاني الكاتب في :
وفيات الأعيان ٤ / ٢٣٣.
معجم الأدباء ١٩ / ١١.
والعبر في خبر من غبر ٤ / ٢٩٩.
والمختصر في أخبار البشر ٣ / ١٠٥.
ومرآة الجنان ٣ / ٤٩٢.
وطبقات الشافعية الكبرى ٦ / ١٧٨.
وغيرها من كتب التاريخ والتراجم المعتبرة.
٢ ـ أبو الفتوح المطرزي : فإنّه وصف الخوارزمي في مواضع عديدة من كتاب ( الإيضاح في شرح المقامات ) بأوصافٍ جليلة لدى النقل عنه ، مع الاعتماد عليه ، وهذه نصوصٌ من ذلك :
قال في الكلام على زهد أويس القرني رضياللهعنه :
« فممّا يدلّ على زهده : ما أخبرني به الإمام الأجل العلاّمة أبو المؤيد الموفّق بن أحمد المكي قال : أخبرنا الشيخ أبو الغنائم محمّد بن علي النرسي المعدّل ، أنا الشريف أبو عبدالله محمّد بن علي بن عبدالرحمن العلوي الحسيني ، أنا أحمد بن علي العطّار المقرئ قراءةً ، ثنا علي بن أحمد بن عمرو ، ثنا محمّد ابن منصور المقرئ ، ثنا محمّد بن علي خلف ، ثنا حسين الأشقر ، ثنا مخلّد بن الحسين ، عن رجل ، عن أسيد بن عمرو قال :
__________________
(١) خريدة القصر وجريدة العصر ـ مخطوط.
كان أويس القرني إذا أمسى أخذ قطيفةً فغطّى بها رأسه ورجليه ، وتصدّق بفضلها ، وينظر إلى قوته فيعزله ويتصدّق بفضله ، ويقول :
اللهمّ من كان أمسى عارياً أو جائعاً ليس له عندي فضل ».
« وممّا يدلّ على كثرة عبادته ما أخبرني به مولاي أيضاً بهذا الإسناد إلى محمّد بن منصور ، ثنا عبدالله بن أبي زياد ، ثنا سيار ، ثنا جعفر بن سليمان ، عن إبراهيم بن عيسى السّكري قال :
قال أويس القرني : لأعبدنّ الله في الأرض كما تعبده الملائكة في السماء ، فكان إذا استقبل الليل قال : يا نفس ، الليلة القيام ، فيصفّ قدميه حتّى يصبح ، ثمّ يستقبل الليلة الثانية فيقول : يا نفس ، الليلة الركوع ، فلا يزال راكعاً حتّى يصبح ، ثمّ يستقبل الليلة الثالثة فيقول : يا نفس الليلة السجود ، فلا يزال ساجدا حتّى يصبح ».
« وأما قوله : وأحد جناحي الدنيا ، فقد أخبرني مولاي الصدر السعيد الشهيد ، صدر الصدور أبو المؤيّد ، موفق بن أحمد المكي إجازة ، أنا الشيخ أبو الغنائم محمّد بن علي النرسي المعدّل ، أنا الشريف أبو عبدالله محمّد بن علي ابن عبدالله العلوي الحسيني ، أنا علي بن الفضل الدهقان ، أنا محمّد بن زيد الرطاب قال : قال إبراهيم بن محمّد الثقفي ، وسمعنا أهل البصرة افتخروا بما يذكر عن أبي هريرة أنّ الدنيا مثّلت على صورة طائر فالبصرة ومصر جناحان ، فإذا خربا وقع الأمر الخ ».
حدّثنا صدر الأئمّة أخطب خطباء خوارزم ، موفق بن أحمد المكي ثمّ الخوارزمي قال : أخبرني السيّد الإمام المرتضى أبو الفضل الحسيني في كتابه أتى من مدينة الرّي جزاه الله عني خيرا أخبرنا السيّد أبو الحسن عليّ بن أبي طالب الحسيني الشيباني بقراءتي عليه ، أخبرني الشيخ العالم أبو النجم محمّد
بن عبدالوهّاب بن عيسى التمار الرازي ، أخبرنا الشيخ العالم أبو سعيد محمّد بن أحمد بن الحسين النيسابوري ، أخبرنا محمّد بن علي بن جعفر الأديب بقراءتي عليه ، حدّثني المعافا بن زكريا أبو الفرج ، عن محمّد بن أحمد بن أبي الثلج ، عن الحسن بن محمّد بن بهرام ، عن يوسف بن موسى القطّان ، عن جرير ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن ابن عبّاس قال :
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : لو أنّ الرياض أقلام ، والبحر مداد ، والجنّ حساب ، والإنس كتاب ، ما أحصوا فضائل عليّ بن أبي طالب ».
« أخبرني مولاي الصّدر العلاّمة ، قال قال فخر خوارزم : ضرب المزامير مثلاً لحسن صوت داود وحلاوة نغمته الخ ».
سمعت مولاي الصدر الكبير العلاّمة يقول : سمعت فخر خوارزم يقول : لمّا كان ليلة ولد فيها رسول الله ارتج أيوان كسرى ، فسقطت منه أربع عشرة شرفة ، وخمدت نار فارس ، وغاصت بحيرة ساوة ».
« وقوله أضاعوني وأيَّ فتى أضاعوا.
تضمين ، وهو لُامية بن أبي الصلت وتمامه : ليوم كريهة وسداد ثغر.
ويروى أنّه كان لأبي حنيفة جار فاسق يتغنّى كثيراً بهذا البيت ، فاتّفق أن خرج ذات ليلة سكران ، فأخذه العسس وحبس ، فلمّا سمع ذلك أبو حنيفة نهض إليه مسرعاً من الغد ، وتكلّم فيه حتّى أطلق من الحبس ، فلمّا أدخله منزله قال : هل أضعناك؟ فأخذه بيده وتاب ببركات سعيه.
وسمعت هذه الحكاية على مولاي الصّدر في مناقب أبي حنيفة ، بإسناده إلى أبي يوسف بلفظٍ قريب ممّا ذكرت ».
٣ ـ ابن النجّار : « الموفّق بن أحمد المكي ، كان خطيب خوارزم ، وكان
فقيهاً فاضلاً أديباً شاعراً بليغاً ، من تلامذة الزمخشري » (١).
٤ ـ محمّد بن محمود الخوارزمي : فإنّه قد ذكر الموفّق الخوارزمي في مواضع من كتابه ( جامع مسانيد أبي حنيفة ) محتجّاً بأقواله ، مع وصفه بأوصافٍ جليلةٍ عالية ، وإليك موارد من ذلك :
قال ـ بعد ذكر القول المنسوب إلى الشافعي : الناس عيال على أبي حنيفة :
« وقد نظم هذا المعنى أخطب الخطباء شرقاً وغرباً أبو المؤيد المكي الخوارزمي ، على ما أنشدني الصدر الكبير شرف الدين أحمد بن موفق المكي الخوارزمي قال : أنشدني الصّدر العلاّمة ، أخطب خطباء الشرق والغرب ، صدر الأئمّة أبو المؤيد موفق بن أحمد المكّي الخوارزمي لنفسه ، في عدّة أبيات له يمدح بها أبا حنيفة رضياللهعنه.
أئمّة هذه
الدنيا جميعاً |
|
بلا ريب عيال
أبي حنيفة |
« أنشدني الصدر الكبير شرف الدين أحمد بن مؤيّد بن موفق المكي الخوارزمي قال : أنشدني جدّي البدر العلاّمة أخطب خطباء الشرق والغرب ، أبو المؤيّد موفق بن أحمد المكي الخوارزمي رحمهالله لنفسه :
أيا جَبَلي
نعمان إنّ حصاكما |
|
لتحصى ولا تحصى
فضائل نعمان |
جلائل كتب الفقه
طالع تجد بها |
|
دقائق نعمان
شقائق نعمان » |
« وأنشدني الصدر الكبير شرف الدين أحمد بن المؤيّد المكّي الخوارزمي قال : أنشدني الصدر العلاّمة صدر الأئمّة أبو المؤيّد الموفّق بن أحمد المكي لنفسه :
رسول الله قال
سراج ديني |
|
وأمتي الهداة
أبو حنيفة |
__________________
(١) ذيل تاريخ بغداد ، عنه كتاب اليقين لابن طاوس الحلّي : ١٦٦.
غداً بعد الصّحابة
في الفتاوي |
|
لأحمد في شريعته
خليفة |
سدى ديباج فتياه
اجتهاد |
|
ولحمته من
الرحمن خيفة » |
« أنشدني الصّدر الكبير شرف الدّين أحمد بن مؤيّد قال : أنشدني الصدر العلاّمة صدر الأئمّة أبو المؤيّد الموفّق بن أحمد المكي الخوارزمي لنفسه :
غدا مذهب
النعمان خير المذاهب |
|
كذا القمر
الوضّاح خير الكواكب |
تفقه في خير
القرون مع التقى |
|
فمذهبه لا شك
خير المذاهب » |
« وقد ذكر خطيب خطباء خوارزم صدر الأئمّة أبو المؤيّد موفّق بن أحمد المكي في مناقب أبي حنيفة رضياللهعنه سبعمائة وثلاثين رجلاً من مشايخ المسلمين في الآفاق وأقطار الأرضين ، ممّن رووا عنه ، رضياللهعنه ».
وأمّا النوع السّادس من مناقبه ـ أي مناقب أبي حنيفة ـ وفضائله الّتي تفرد بها : التلمذ عند أربعة آلاف من شيوخ أئمّة التابعين دون من بعده ، أي أبي حنيفة ، فالدّليل عليه ما أخبرنا جماعة من ثقات المشايخ ، عن الصدر العلاّمة أخطب خطباء خوارزم ، صدر الأئمّة أبي المؤيد ، موفق بن أحمد المكي ، عن أبي حفص عمر بن الإمام أبي الحسن علي الزمخشري ، عن والده رحمهالله أنّه قال :
وقعت منازعة بين أصحاب الإمام الأعظم أبي حنيفة وأصحاب الإمام المُعَظَّم الشافعي رضياللهعنه ، ففضل كلّ طائفة صاحبها ».
« النّوع السّابع من مناقبه ـ أي مناقب أبي حنيفة ـ الّتي تفرد بها ، إنّه تفق له من الأصحاب ما لم يتّفق لأحد من بعده ، فالدليل عليه : ما أخبرني المشايخ الثقات عن صدر الأئمّة أبي المؤيّد موفق بن أحمد المكي ، قال أخبرني الإمام العلاّمة ركن الإسلام أبو الفضل عبدالرحمن بن أميرويه ، قال : أنا قاضي القضاة أبو بكر عتيق بن داود اليماني في ترجيح مذهب أبي حنيفة رضياللهعنه على
سائر المذاهب ، في كلام طويل فصيح بليغ إلى أنْ قال :
هو إمام الأئمّة ، سراج الأمة ، ضخم الدسيعة ، السّابق إلى تدوين علم الشريعة ، ثمّ أيده الله تعالى بالتوفيق والعصمة ، فجمع له من الأصحاب والأئمّة عصمة منه تعالى لهذه الأمة ما لم يجتمع في عصر من الأعصار في الأطراف والأقطار » (١).
« الباب الأول في ذكر شيء من فضائله التي تفرّد بها إجماعاً فنقول ـ وبالله التوفيق ـ مناقبه وفضائله كالحصى لا تُعَدّ ولا تُحصى ، ولا يمكن أن تستقصى ، لكن من فضائله الخاصة التي تفرد بها ولم يشاركه إجماعاً من بعده فيها ، يمكن إحصاؤها وضبطها في أنواع عشرة : الأوّل في الأخبار والآثار المروية في مدحه دون من بعده ، الثاني في أنّه ولد في زمان الصّحابة والقرن الّذي شهد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دون من بعده ». « أما الأول ، فقد أخبرني الصدر الكبير شرف الدين أحمد بن مؤيد بن موفق بن أحمد المكي ...
وقد أنبأني الصدر الكبير شرف الدين أحمد بن مؤيد بن موفق بن أحمد المكي الخوارزمي ، عن جده صدر الأئمّة أبي المؤيد الموفق بن أحمد المكي ، عن عبدالحميد بن أحمد البراتقيني ، عن الإمام محمّد بن إسحاق السراجي الخوارزمي ، عن أبي جعفر عمر بن أحمد الكرابيسي ، عن أبي الفتح محمّد بن الحسن الناصحي ، عن الزاهد أبي محمّد الحسن بن علي بن محمّد ، عن أبي سهيل عبدالحميد بن محمّد الصوافي ، عن أبيه ، عن أبي القاسم يونس بن الطاهر البصري ، عن أبي النصر أحمد بن الحسين الأديب ، عن أبي سعيد أحمد بن محمّد بن بشر ، عن محمّد بن يزيد ، عن سعيد بن بشر ، عن حماد ، عن رجل ، عن نافع ، عن ابن عمر رضياللهعنه تبارك وتعالى وتقدس قال :
__________________
(١) جامع مسانيد أبي حنيفة ١ / ٣١.
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : يظهر من بعدي رجل يعرف بأبي حنيفة يحيي الله سنّتي على يديه » (١).
ترجمة الخوارزمي صاحب جامع المسانيد
ومحمّد بن محمود الخوارزمي ، صاحب ( جامع مسانيد أبي حنيفة ) من كبار أئمّة الحنفيّة في الفقه والحديث ، وهذه جملة من كلماتهم في الثناء عليه :
قال الكفوي : « الشيخ الإمام أبو المؤيّد محمّد بن محمود بن محمّد بن الحسن ، الخوارزمي ، الخطيب ، ولد سنة ٦٠٣ ، وتفقّه على منشي النظر الأستاذ نجم الملّة والدين طاهر بن محمّد الحفصي ، سمع بخوارزم وقد قدم بغداد وسمع بها ، وحدّث بدمشق ، وولي قضاء خوارزم وخطابتها بعد أخذ التتار لها ، ثمّ تركها وقدم بغداد حاجّاً ، ثمّ حجّ وجاور ورجع على طريق ديار مصر ، وقدم دمشق ثمّ عاد إلى بغداد ، ودرس بها ، إلى أن مات سنة خمس وخمسين وستمائة » (٢).
وقال القرشي : « محمّد بن محمود بن حسن الإمام أبو المؤيّد الخوارزمي ، الخطيب ، مولده سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة ، تفقه على الإمام طاهر بن محمّد الحفصي ، سمع بخوارزم ، وقدم بغداد وسمع بها ، وحدّث بدمشق ، وولي قضاء خوارزم وخطابتها بعد أخذ التّاتار لها ، ثمّ تركها وقدم بغداد حاجّاً ، ثمّ حج وجاور ورجع على طريق ديار مصر وقدم دمشق ثمّ عاد إلى بغداد ، ودرس بها ، ومات بها سنة خمس وخمسين وستمائة » (٣).
__________________
(١) جامع مسانيد أبي حنيفة ١ / ١٤ ـ ١٥.
(٢) كتائب أعلام الأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار ـ مخلوط.
(٣) الجواهر المضية في طبقات الحنفية ٣ / ٣٦٥.
وقال الجلبي : « مسند الإمام الأعظم ، أبي حنيفة نعمان بن ثابت الكوفي ، المتوفى سنة خمسين ومائة ، رواه حسن بن زياد اللؤلؤي ، ورتّب المسند المذكور الشيخ قاسم بن قطلوبغا الحنفي ، برواية الحارثي على أبواب الفقه ، وله عليه الأمالي في مجلّدين ، ومختصر المسند المسمى بالمعتمد ، لجمال الدّين محمود بن أحمد القونوي الدمشقي ، المتوفى سنة سبعين وسبعمائة ، ثمّ شرحه وسمّاه المستند وجمع زوائده أبو المؤيد محمّد بن محمود الخوارزمي ، المتوفى سنة خمس وستين وستمائة ، أوّله : الحمد لله الّذي سقانا بطوله من أصفى شرائع الشرايع » (١).
وقال الدهّان في ( كفاية المتطلع ) : « كتاب جمع المسانيد للإمام الأعظم أبي حنيفة ... تأليف العلاّمة قاضي القضاة أبي المؤيّد ، محمّد بن محمود بن محمّد الخوارزمي رحمهالله ، يرويه عن الفقهاء الحنفيين ... ».
٥ ـ الصفدي : « كان متمكّناً في العربية ، غزير العلم ، فقيهاً ، فاضلاً ، أديباً ، شاعراً ، قرأ على الزمخشري ، وله خطب وشعر ومناقب » (٢).
من مصادر ترجمة الصفدي
وقد ترجموا للصفدي في الكتب المعتبرة ، وأثنوا عليه ، فانظر منها :
١ ـ المعجم المختص للذهبي : ٩١.
٢ ـ الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة ٢ / ٨٧.
٣ ـ طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة الأسدي ٦ / ٤.
٦ ـ عبدالقادر القرشي : « الموفق بن أحمد بن محمّد المكي ، خطيب
__________________
(١) كشف الظنون : ١٦٨٠.
(٢) كذا في ( بغية الوعاة ) للسيوطي ، وسيأتي.
خوارزم ، أستاذ ناصر بن عبدالله صاحب المغرب ، أبو المؤيد ، مولده في حدود سنة ٤٨٤.
ذكره القفطي في أخبار النحاة.
أديب ، فاضل ، له معرفة في الفقه والأدب.
روى مصنّفات محمّد بن الحسن ، عن عمر بن محمّد بن أحمد النسفي.
ومات رحمه الله تعالى سنة ٥٦٨.
وأخذ علم العربية عن الزمخشري » (١).
ترجمة عبدالقادر القرشي
وعبد القادر القرشي من كبار علماء القوم :
قال محمود بن سليمان الكفوي : « المولى الفاضل ، والنحرير الكامل ، عبدالقادر بن محمّد بن نصر الله بن سالم ، أبي الوفاء القرشي ، كان عالماً فاضلاً جامعاً للعلوم ، له مجموعات وتصانيف وتواريخ ومحاضرات وتواليف.
ولد سنة ست وسبعين وسبعمائة ، وأخذ العلوم عن جماعة كثيرة ، منهم علاء الدّين التركماني ووالده قاضي القضاة شمس الدّين وفخر الدّين عثمان المارديني التركماني والد علاء الدّين التركماني وهبة الله التركماني وغير ذلك ، وسمع وحدّث وأفتى ودرّس ، وصنف كتاب العناية في تحرير أحاديث الهداية ، والطرق والوسائل في تخريج أحاديث خلاصة الدلائل ، ويسميه أيضاً المجموع ، وشرح معاني الآثار للطحاوي ، وكتاب الدرر المنيفة في الرد على ابن أبي شيبة عن الإمام أبي حنيفة ، وكتاب ترتيب تهذيب الأسماء واللغات ، وكتاب البستان في فضائل النعمان ، وكتاب الجواهر المضية في طبقات
__________________
(١) الجواهر المضية في طبقات الحنفية ٣ / ٥٢٣.
الحنفية ، ومختصر في علوم الحديث ، ومسائل مجموع في الفقه ، وقطعة من شرح الخلاصة في مجلّدين ، وتفسير آيات وفوائد.
وسمع منه وأخذ المولى الفاضل قاسم بن قطلوبغا صاحب تلخيص التراجم.
مات سنة خمس وسبعين وسبعمائة رحمه الله تعالى » (١).
وقال السيوطي : « عبد القادر بن محمّد بن محمّد بن نصر الله بن سلام محيي الدين أبو محمّد بن أبي الوفا القرشي ، درّس وأفتى ، وصنف شرح معاني الآثار وطبقات الحنفية وشرح الخلاصة وتخريج أحاديث الهداية ، وغير ذلك.
ولد سنة ست وسبعين وستمائة ، ومات في ربيع الأول سنة خمس وسبعين وسبعمائة » (٢).
وقال الجلبي في ذكر كتابه ( الجواهر المضيّة ) :
« طبقات الحنفية ، أوّل من صنّف فيه الشيخ عبدالقادر بن محمّد القرشي ، المتوفى سنة ٧٧٥ ، صاحب الجواهر المضيّة في طبقات الحنفية ، كما قال في خطبته : لم أر أحداً جمع طبقات أصحابنا وهم أمم لا يحصون.
فجمعها بإمداد الشيخ قطب الدين عبدالكريم الحلبي ، وأبي العلاء البخاري ، وأبي الحسن السبكي ، وأبي الحسن علي المارديني ، فصار شيئاً كثيراً من التراجم والفوائد الفقهية » (٣).
__________________
(١) كتائب أعلام الأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار ـ مخطوط.
(٢) حسن المحاضرة في محاسن مصر والقاهرة ١ / ٤٧١.
(٣) كشف الظنون ١ / ٦١٦.
ترجمة القفطي
والقفطي الّذي ذكر الخطيب الخوارزمي في طبقاته ، ترجم له السيوطي قائلا :
« القفطي الوزير جمال الدّين علي بن يوسف بن إبراهيم الشيباني ، وزير حلب ، صاحب تاريخ النحاة وتاريخ اليمن وتاريخ مصر وتاريخ بني بويه وتاريخ بني سلجوق ، ولد بقفط سنة ثمان وستين وخمسمائة ، ومات بحلب سنة ست وأربعين وستمائة » (١).
وقال السيوطي : « علي بن يوسف بن إبراهيم بن عبدالواحد بن موسى بن أحمد بن محمّد بن إسحاق بن محمّد بن ربيعة بن الحارث ، أبو الحسن القفطي ، يعرف بالقاضي الأكرم صاحب تاريخ النحاة ، قال ياقوت : ولد في ربيع سنة ثمان وستّين وخمسمائة بقفط ، وكان جمّ الفضل كثير النبل عظيم القدر ، إذا تكلم في فنّ من الفنون كالنحو واللغة والقراءة والفقه والحديث والأصول والمنطق والرّياضية والنجوم والهندسة والتاريخ والجرح والتعديل ، قام به أحسن قيام ، كان سمح الكفّ طلق الوجه ، صنّف الإصلاح للخلل الواقع في الصحاح للجوهري ، الضاد والظا ، تاريخ النحاة ، تاريخ مصر ، المحلّى في استيعاب وجوه كلاّ » (٢).
٧ ـ التقي الفاسي : « الموفق بن أحمد بن محمّد بن محمّد المكي ، أبو المؤيد ، العلاّمة خطيب خوارزم ، كان أديباً فصيحاً مفوّهاً ، خطب بخوارزم دهراً وأنشأ الخطب وأقرأ النّاس ، وتخرّج به جماعة ، وتوفّي بخوارزم في صفر
__________________
(١) حسن المحاضرة في محاسن مصر والقاهرة ١ / ٥٥٤.
(٢) بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة : ٣٥٨.
سنة ثمان وستين وخمسمائة ، ذكره هكذا الذهبي في تاريخ الإسلام ، وذكره الشيخ محيي الدّين عبدالقادر الحنفي في طبقات الحنفية وقال : ذكره القفطي في أخبار النحاة ، أديب فاضل ، له معرفة بالفقه والأدب. وروى مصنّفات محمّد بن الحسن عن عمر بن محمّد بن أحمد ، عن النسفي » (١).
ترجمة التقي الفاسي
وقد ترجم الحافظ السخاوي للتقي الفاسي بقوله :
« محمّد بن أحمد بن علي بن أبي عبدالله محمّد بن محمّد بن عبدالرحمن ابن محمّد بن أحمد بن علي بن عبدالرحمن بن سعيد بن عبدالملك ، التقيّ ، أبو عبدالله ، وأبو الطيّب وبها اشتهر ، ابن الشهاب أبي العبّاس بن أبي الحسن الفاسي المكّيّ المالكي ، شيخ الحرم ، والماضي أبوه ، ويعرف بالتقي الفاسي.
ولد في ربيع الأول سنة خمس وسبعين وسبعمائة بمكة ، ونشأ بها وبالمدينة لتحوله إليها مع امّه في سنة ثلاث وثمانين وقتاً ...
وعني بعلم الحديث أتمّ عناية ، وكتب الكثير وأفاد وانتفع الناس به ، وأخذوا عنه ، ودرّس وأفتى ، وحدث بالحرمين والقاهرة ودمشق وبلاد اليمن بجملة من مرويّاته ومؤلفاته ، سمع منه الأئمّة ، وفي الأحياء بمكّة جماعة ممّن أخذ عنه.
قال شيخنا في معجمه : حدّثني من لفظه بأحاديث ، وأجاز لأولادي ، ولم يخلّف بالحجاز مثله ، وقرض له شيخنا غير ما تصنيف ، وكان هو يعترف بالتلمذة لشيخنا وتقدّمه على سائر الجماعة ، حتّى شيخهما العراقي كما ثبت ذلك في الجواهر ، وخرّج له الجمال بن موسى معجماً مات قبل إكماله.
__________________
(١) العقد الثمين في أخبار البلد الأمين ٧ / ٣١٠.
وكان ذا يدٍ طولى في الحديث والتاريخ والسّير ، واسع الحفظ ، واعتنى بأخبار بلده ، فأحيى معالمها وأوضح مجاهلها وجدّد ماثر ها وترجم أعيانها ، فكتب بها تاريخاً حافلاً سمّاه شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام ، في مجلّدين ، جمع فيه ما ذكره الأزرقي وزاد عليه ما تجدد بعده بل وما قبله ، واختصره مراراً.
وعمل العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين في أربع مجلّدات ، ترجم فيه جماعة من حكّام مكة وولاتها وقضاتها وخطبائها وأئمتها ومؤذّنيها ، وجماعة من العلماء والرّواة من أهلها ، وكذا من سكنها سنين أو مات بها ، وجماعة لهم مآثر فيها أو في ما أضيف له ، رتّبه على المعجم ثمّ اختصره ، وكذا ذيّل على سير النبلاء وعلى التقييد لابن نقطة وكتاباً في الآخريات سوّد غالبه ، وفي الأذكار والدعوات ، وفي المناسك على مذهب الشافعي ومالك ، واختصر حياة الحيوان للدميري ، وخرّج الأربعين المتباينات والفهرست كِلاهما لنفسه ، وكذا خرّج لجماعة من شيوخه » (١).
وقال السيوطي : « الفاسي الحافظ تقيّ الدين محمّد بن أحمد بن علي بن عبد الرحمن الشريف المكّي ، أبو الطيّب ، ولد سنة خمس وسبعين وسبعمائة ، وأجاز له أبو بكر بن أحمد المحب ، وإبراهيم بن السّلار ، رحل وبرع وخرّج ، وأذن له الشيخ زين الدّين العراقي بإقراء الحديث ، ودرّس وأفتى ، وصنّف كتباً منها تاريخ مكة ، وولي قضاء المالكية بها. مات في شوال سنة ٨٣٢. قال ابن حجر : ولم يخلف في الحجاز مثله » (٢).
٨ ـ السيّد شهاب الدين أحمد : « ولم يزل أصحاب العلم والعرفان لا
__________________
(١) الضوء اللامع لأهل القرن التاسع ٧ / ١٨.
(٢) طبقات الحفاظ : ٥٤٩.