إيضاح الفرائد - ج ١

السيّد محمّد التنكابني

إيضاح الفرائد - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد التنكابني


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة الإسلاميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٩٧
الجزء ١ الجزء ٢

ورود الرّوايات لا لعدم وجود الفتوى اصلا فى زمانهم عليهم‌السلام كما ذهب اليه الاخباريون على ما حكى لبطلانه بقوله ع لأبان بن تغلب افت النّاس وقوله ع فللعوام ان يقلّدوه وقوله ع انظروا الى رجل منكم قد روى حديثنا اه وغير ذلك بل لعدم وجود الشّهرة الفتوائيّة فى زمانهم ع وعلى تقدير وجودها فلا ينصرف اليها الإطلاق وامّا ثالثا فلدلالة قوله ع خذ بما يقوله اعدلهما عندك واوثقهما فى نفسك وقوله ع انظر ما وافق منهما العامّة فاتركه وخذ بما خالفهم على كون المراد بالموصول المذكور ايضا خصوص الرّواية والّا لزم التّفكيك ويشهد له التّصريح فى المقبولة بذلك حيث قال ينظر الى ما كان من روايتهم عنّا فى ذلك الّذى حكما به المجمع عليه بين اصحابك وامّا رابعا فلدلالة قوله فى المرفوعة المزبورة مأثوران عنكم على انّ المراد هو الرّواية لا الفتوى وممّا ذكر ظهر الجواب عن الاستدلال بها على التقرير الثّانى مضافا الى ضعف مفهوم الوصف ومن ذلك ظهر لك ضعف ما فى نقله شرح الوافية عن استاده الشّريف قدس‌سرهما من التمسّك بالمرفوعة لكون الشّهرة الفتوائيّة مرجّحة لأحد الخبرين ويرد على الاستدلال بالتقريب الّذى ذكرنا ايضا بعض ما سنورده على التمسّك بالمقبولة على كون الشّهرة الفتوائيّة حجّة مستقلّة فانتظر قوله بناء على انّ المراد بالمجمع عليه فى الموضعين وتقريب الاستدلال بالمقبولة ايضا امّا من جهة جعل الألف واللّام للاستغراق وامّا من جهة التّعليل بقوله ع فانّ المجمع عليه لا ريب فيه ويرد عليه مضافا الى ما ذكره المصنّف ما ذكرناه فى المرفوعة مع انّ المراد بالمجمع عليه فى الاوّل هو الخبر المشهور قطعا نظرا الى قوله ع ينظر الى ما كان من روايتهم عنّا فى ذلك الّذى حكما به المجمع عليه بين اصحابك والعهد وظاهر لفظ مجمع عليه يقتضيان كون المراد بالمجمع عليه الثّانى ايضا هو مشهور الرّواية مضافا الى انّ الغالب انّ المعرفة اذا اعيدت كانت عين الأولى ولذا قال عليه‌السلام ليس يغلب عسر يسرين مثيرا الى قوله تعالى (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) مع انّه مع التعدى الى الشهرة الفتوائية يحكم بكون الشّهرة مطلقا مرجّحة لاحدى الروايتين على الأخرى ولا دخل لما ذكر بكون الشّهرة حجّة ودليلا مستقلا وان لم يكن هناك رواية مع انّ مورد الكلام الأخذ بالمشهور اذا وقع التّعارض بين حجّتين شأنيّتين لا يمكن العمل بهما لمكان التّعارض فيرجع الى الشّهرة او يرجّح بها والفتواءان المتعارضتان ليستا حجّتين مطلقا للمجتهد حتّى يحكم بالأخذ بالشّهرة الفتوائيّة امّا لكونها مرجّحة او لكونها مرجعا

٣٠١

وحجة مستقلّة ومن بعض ما ذكرنا ظهر بطلان ما حكاه فى شرح الوافية عن استاده الشريف ره من شمول المقبولة للشّهرة الفتوائية من جهة العموم فى الموصول ومن جهة عموم التّعليل نعم دلالة المقبولة على التّرجيح بالشّهرة الفتوائية ممّا لا ريب فيها لا من جهة ما ذكر بل من جهة ان المراد بنفى الرّيب هو نفيه بالإضافة والتّعليل بالصّغرى مع عدم الانضمام بالكبرى لا فائدة فيه فيكون المراد ان كلّما لا ريب فيه بالإضافة يجب التّرجيح به ومن جملة الشّهرة الفتوائيّة وسيجيء فى باب التّعادل والتّرجيح تفصيل الكلام فى ذلك وامّا ما ذكره المحقّق الكاظمى فى ردّ استاده الشّريف ره بانّ اقصى ما فى التعليل بقوله فانّ المجمع عليه لا ريب فيه التّرجيح بالإجماع ولا اقلّ من الاحتمال وقول السّائل فيما بعد فان كان الخبران عنكم مشهورين لا يعين كون المراد بالإجماع الشهرة لجواز ان يكون اراد بالشّهرة المعنى الاعمّ لا ما قابل الاتّفاق فانّ كلّ مجمع عليه مشهور وانّما اثره بالذّكر لقوله ع ويترك الشاذّ الّذى ليس بمشهور وقد يؤيّد ارادة الاتّفاق صراحة اللّفظ بنفى الرّيب فانّ الّذى ينفى عنه الرّيب ولا يحوم حوله الشكّ هو المتفق عليه دون المختلف فيه وان كان مشهورا ففيه انّه ان اراد المتّفق عليه مطلقا بحيث يشمل الاتفاق بحسب الرّواية كما هو الظّاهر يرد عليه انّ الشّهرة بحسب الرّواية لا تجعلها قطعيّة من جميع الجهات مضافا الى انّه يخرج الكلام عن بيان المرجّح الّذى سيق له الرّواية سؤالا وجوابا اذ من المعلوم انّ المخالف للإجماع يجب طرحه اصلا اذ لا معنى لمعارضة الظنّى بالقطعى لعدم حصول الظنّ مع القطع بالخلاف مع انّ الإجماع المصطلح لم يكن متداولا فى زمان صدور الرّوايات فكيف تحمل عليه مضافا الى قوله فان كان الخبران عنكم مشهورين اذ لا يمكن تحقق الإجماع المصطلح فى طرفى النقيض مضافا الى ما ذكره المصنّف من انّ الإمام ع جعل مقابله ممّا فيه الرّيب مع انّه على ما ذكر لا بدّ ان يكون ممّا لا ريب فى بطلانه وان اراد الإجماع بحسب الفتوى فقط يرد عليه مضافا الى ما سبق اخراج المورد وهو غير جائز قوله مع انّ الإمام ع جعل مقابله ممّا فيه الرّيب والّا فلا معنى للاستشهاد بحديث التثليث كما سيذكره عن قريب وكذلك لتثليث الإمام ع الامور حيث قال انّما الامور ثلاثة امر بيّن رشده اه وسيجيء التعرّض لهذا المطلب فى آخر حجّية الظنّ وفى اصل البراءة وفى التعادل والتّرجيح فانتظر قوله مضافا الى ضعفها فان قيل انّ الشهرة جابرة لضعف الخبر

٣٠٢

والمشهور بينهم هو الرّجوع الى التّرجيح ثم الى التخيير على ما هو مدلول المرفوعة بل تكون المرفوعة من هذه الجهة اولى من المقبولة للارجاع فيها بعد العجز عن التّرجيح الى الإرجاع الى لقاء الإمام ع تعليلا بانّ الوقوف عند الشّبهة خير من الاقتحام فى الهلكة وهذه الفقرة من المقبولة غير معمول بها عند المجتهدين قلت الشّهرة جابرة للضّعف بقدر ما قامت عليه وهو ما ذكرنا وامّا حجّية الشهرة مستقلّة على تقدير دلالة المرفوعة عليها فلا ريب انّ الشهرة على خلافها لأنّ المشهور عدم حجّيتها كذلك فلا جابر لضعفها بالنّسبة الى الفقرة المزبورة قوله مع انّ الشهرة الفتوائيّة لا يقبل ان تكون اه قد ذكرنا انّ الشّهرة الفتوائيّة ليست بمدلول الرّواية لعدم معروفيّتها فى زمان صدور الرّوايات ولو قطع النظر عن ذلك فنقول انّه لا مانع من حصول الشهرة الفتوائية فى طرفى المسألة اذ المشهور فى اللّغة هو الواضح المعروف ولا ريب انّ كلام الإمام منزّل على المعنى اللّغوى لا على المعنى الّذى اصطلح عليه الفقهاء بعد مضى مدّة متطاولة ومن المعلوم انّ المشهور بالمعنى اللّغوى يطلق على ما افتى به كثير وح يمكن فتوى كثير بشيء وفتوى جمع كثير آخر على خلافه فيمكن تحقق الشّهرتين المتضادّتين بهذا المعنى نعم فى الشّهرة المصطلحة الّتى يعتبر فيها شذوذ الطّرف المقابل لا يمكن ذلك ومن الواضح عدم جواز حمل الرّواية عليها وسيجيء عن قريب ما يوضح ذلك قوله الحاصلة بان تكون الرّواية ممّا اتّفق الكلّ اه قال بعضهم شهرة الرّواية ضربان احدهما ان يكثر نقلتها عن الإمام ع امّا مع اتحاد المتن كصحيحة الفضلاء وحسنتهم او المعنى فحسب كما فى كثير الثّانى ان يكثر روايتها عن النّاقل عنه ع وان كان ذلك النّاقل واحدا وبالجملة ان يشتهر نقل الرّواية بين الاصحاب وان رجعوا فيها الى واحد وكلاهما مفيد لغلبة الظنّ بالصّدور وان كان الظنّ فى الاوّل اغلب سيّما الأوّل من قسميها انتهى والظّاهر منه عدم اعتبار اتفاق الكلّ فى النّقل فى شهرة الرّواية كما ذكره المصنّف قدّه نعم يمكن ان يقال انّ المجمع عليه اظهر افراد المشهور رواية واغلبها ولاجله اطلق الامام ع المجمع عليه على المشهور قوله والّا فلا معنى للاستشهاد لأنّ المقصود من الاستشهاد بيان حكم الشاذّ والمشكل دون الأمر البيّن الرّشد والبيّن الغىّ لوضوح امرهما وعدم احتياجهما الى الاستشهاد بكلام الرّسول ص فلا بدّ ان يكون الشاذّ داخلا فى الامر المشكل فى تثليث الإمام ع وفى المشتبه فى تثليث الرّسول ص دون بين الغىّ والحرام البيّن كما زعمه صاحب الفصول واستفيد من الكلام المنقول عن شرح الوافية قوله وممّا

٣٠٣

يضحك الثّكلى فى هذا المقام اه فانّ الراوى فرض كون الخبرين مشهورين فى زمان صدور الرّواية وفى الزّمان المزبور لا يمكن تحقّق شهرة القدماء والمتأخّرين مضافا الى ما ذكرنا من عدم تداول الشّهرة الفتوائيّة فى زمانهم ع فلا يمكن شمول الخبر لها اصلا فضلا عن تصوّر الشّهرتين المتضادّتين فى الخبرين المتعارضين البحث عن خبر الواحد رجوع البحث إلى ثبوت السنّة بخبر الواحد قوله فمرجع البحث الى ان السنّة هل تثبت بخبر الواحد اه يعنى انّ البحث يرجع الى ثبوت السنّة الّتى هى قول المعصوم او فعله او تقريره بخبر الواحد فيكون البحث عن عوارض السنّة الّتى هى احد الأدلّة الاربعة الّتى هى موضوع علم الأصول فيكون بحثا عن العوارض الذّاتيّة للموضوع فيكون من المسائل فان قلت انّ البحث عن الهليّة البسيطة من المبادى التّصديقيّة لا من المسائل قلت هو كذلك فى الوجود الواقعىّ لا الظّاهرى ضرورة انّ البحث عن الوجود فى مرحلة الظّاهر بعد الفراغ عن وجود السنّة فى مرحلة الواقع ولا شكّ فى وجودها كذلك بداهة بيان الأحكام كلّها حتّى ارش الخدش ولو لمعصوم آخر فيرجع البحث الى بيان الهليّة المركّبة للموضوع وبعبارة اخرى مرجع البحث الى انّه هل تثبت آثار السنّة الواقعيّة فى مرحلة الظّاهر بخبر الواحد ام لا فان قلت نعم ولكنّه من آثار الخبر وعوارضه لا من آثار السنّة وعوارضها حتّى تكون من مسائل الأصول قلت للبحث المذكور جهتان فمن جهة من عوارض السنّة ومن جهة من عوارض الخبر وكون البحث من مسائل الأصول انّما هو من الجهة الاولى لا الثانية ألا ترى انّ الثبوت فى مرحلة الظّاهر عارض لنفس السنّة فتكون من عوارضها الذّاتيّة وكثير من المباحث الاصوليّة كذلك ألا ترى انّ مسئلة جواز نسخ الكتاب بخبر الواحد ومسئلة جواز تخصيصه به لها جهتان الاولى انّه هل يجوز كون الكتاب منسوخا او مخصّصا بخبر الواحد ام لا والثّانية انّه هل يجوز كون خبر الواحد ناسخا او مخصّصا للكتاب ام لا واحدى الجهتين ملازمة للجهة الاخرى لكن دخولها فى مسائل الاصول انّما هو من الجهة الاولى لا الثانية ومن هذا تبيّن بطلان ما ذكره بعض المحقّقين قادحا فى كلام المصنّف من انّ الثّبوت الواقعى ليس من العوارض والثبوت التعبّدى وان كان منها الّا انّه ليس للسنّة بل للخبر وفى موضع آخر ان ثبوته التعبّدى وان كان مفاد كان النّاقصة حقيقة الّا انّه لمشكوكه لا له وامّا بالنّسبة اليه فليس الّا مفاد كان التامّة تعبّدا انتهى ثم انّ الاحتياج الى ما ذكره المصنّف انّما هو للمحافظة على ما ذكره القوم من

٣٠٤

انّ موضوع علم الاصول هو الكتاب والسنّة والإجماع والعقل او هى مع القياس او هى مع الاستصحاب او الادلّة الاربعة المذكورة مع الاجتهاد والتعادل والتّرجيح او الادلّة الاربعة مع الاجتهاد بناء على دخول الثّالث فى الأوّل والّا فعلى تقدير كون الموضوع هو الكلّى المنطبق على مسائله المتشتّتة سواء كان دليلا على الحكم الواقعى او دليلا على دليله بواسطة او بوسائط فلا حاجة الى ذلك بناء على ما سيجيء عن قريب من كون الموضوع هو ذات الدليل لا بوصف كونه دليلا فان قلت انّه يمكن ان يكون الموضوع هى الادلّة المعروفة الاربعة ومع ذلك تكون مسئلة حجّية خبر الواحد من المسائل من جهة انّ تدوين القوم لمسألة حجّية خبر الواحد فى كتب الاصول يكون من جملة موازين فهم كون المسألة من مسائل الاصول كما انّ خاصيّة المسائل الاصوليّة وهى عدم امكان عمل المقلّد بعد استنباط المجتهد حكم المسألة له موجودة فى المسألة المذكورة وح تكون المسألة المذكورة من مسائل الاصول وان لم يكن البحث فيها عن العوارض الذّاتيّة للموضوع فلا حاجة الى ما ذكره المصنّف من تجشّم ارجاع البحث فيها الى البحث عن عوارض الموضوع قلت الميزانان المذكوران لا يعارضان الميزان الأخير وهو كون البحث عن العوارض الذاتيّة للموضوع مضافا الى عدم كون الخاصّة المذكورة خاصّة للاصول لوجودها فى المسائل الفقهيّة كثيرا ولعلّنا نتكلّم بعض الكلام فى ذلك فى مباحث الاستصحاب إن شاء الله الله تعالى قوله ولا حاجة الى تجشّم انّ البحث عن دليليّة الدّليل اه لعلّه اشار به الى ما ذكره صاحب الفصول قال قدّه فى اوائل كتابه بعد ان جعل موضوع علم الاصول الادلّة الأربعة والاجتهاد والتّعادل والتّرجيح عند دفع الأشكال الّذى اورده على نفسه بانّ المباحث الّتى يبحث فيها عن حجّية الكتاب وخبر الواحد ليس بحثا عن الادلّة اذ كونها ادلّة انّما تعرف بتلك المباحث وامّا بحثهم عن حجّية الكتاب وخبر الواحد فهو بحث عن الادلّة لأنّ المراد بها ذات الادلّة لا هى مع وصف كونها ادلّة فكونها ادلّة من احوالها اللّاحقة لها فينبغى ان يبحث عنها ايضا انتهى وقال المحقّق القمّى ره فى بعض حواشيه وما قد يذكر لمثال ذلك بقولهم الكتاب حجّة والخبر حجّة لا يرجع الى محصّل اذ ذلك معنى كونه دليلا والمفروض انّا نتكلّم بعد فرض كونها ادلّة وهو خارج عن الفنّ وبيانه ليس من علم الاصول كما لا يخفى بل هو من توابع علم الكلام الى

٣٠٥

ان قال وقد يعدّ من جملة ذلك البحث عن كون خبر الواحد حجّة والإجماع المنقول حجّة وليس بذلك اذ ذلك كلام فى تعيين الدّليل لا فى عوارض الأدلّة فتدبّر انتهى ويرد على المحقّق القمّى ره امور الاوّل انّ ما ذكره هنا مخالف لما ذكره فى اوائل الكتاب من انّ الأولى هنا ارادة المعنى اللّغوى من لفظ الاصول ليشمل ادلّة الفقه اجمالا وغيرها من عوارضها ومباحث الاجتهاد والتّقليد وغيرهما حيث انّ المستفاد منه سواء جعل اللّام علّة او غاية كون جميع المباحث الاصوليّة او جلّها داخلة فى مسائل الأصول وكلامه هذا دالّ على خروج كثير من المباحث الاصوليّة عنها والثّانى انّ كون الاصول بالمعنى الإضافيّ بمعنى ما يبتنى عليه الشّيء الّذى هو المعنى اللّغوىّ لها لا ينفع فى دخول المباحث المذكورة فى مسائلها بعد ان جعل علم الأصول بالمعنى العلمى هو العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الأحكام عن ادلّتها مع جعل الأدلّة هى الأدلّة الأربعة المعهودة الّتى لا تكون مسئلة من المسائل داخلة فيها الّا ان يكون البحث فيها عن عوارضها فلا بدّ من خروج كثير من المباحث عنها والثالث ان ما ذكره فى اوائل الكتاب مناف لما ذكره فى مباحث الاجتهاد والتّقليد انّها من المسائل الكلاميّة لا الأصوليّة وذكر فى الأدلّة العقليّة ايضا ذلك والرّابع انّه لا حاجة الى جعل الموضوع هو الدّليل بعد الفراغ عن دليليّته مع استلزامه لكون كثير من مباحثها استطراديّا مع ما سيجيء عن المصنّف فى باب الاستصحاب انّ الأوفق بالتّعريف لعلم الاصول هو جعل الموضوع هو ذات الدّليل ولعلّنا نتكلّم فى ذلك بعض الكلام فيه إن شاء الله الله تعالى ويرد على صاحب الفصول انّ كون مسئلة حجّية خبر الواحد من مسائل الأصول من جهة جعل الموضوع هو ذات الدّليل موقوف على كون السنّة هى الاعمّ من الحاكى والمحكىّ او على كون الموضوع هو مطلق الدّليل حتّى يشمل خبر الواحد والثّانى مخالف لما ذكره من انّ الموضوع هو الكتاب والسنّة والإجماع ودليل العقل والاجتهاد والتّعادل والتّرجيح والاوّل مخالف لما يستفاد منه فى هذا المقام وصرّح به فى مباحث خبر الواحد واصطلحوا عليه من كون السنّة قول المعصوم او فعله او تقريره فقط ويرد على المصنّف امران الاوّل انّ التّعبير بقوله لا حاجة يدلّ على كفاية ما تجشم لكون المسألة من المسائل الاصوليّة ومن المعلوم انّه مع جعل الموضوع هو هو الأدلّة الاربعة وجعل السنّة هو قول المعصوم او فعله او تقريره كما صرّح به هنا وفى

٣٠٦

الدليل الثالث من الادلّة العقليّة الّتى اقيمت على حجّية خبر الواحد لا يمكن دخول المسألة فى مسائل الاصول بناء على ما تجشّم بل يمكن القول بعدم كونها من المبادى ايضا على مذهبه والثّانى ان جعل ما ذكر تجشّما ينافى ما يظهر منه فى باب الاستصحاب من الميل اليه حيث قال بعد ذكر مذهب صاحب الفصول من كون الموضوع هو ذات الأدلّة لا هى بوصف كونها ادلّة ولعلّه الاوفق بتعريف علم الأصول بانّه العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الأحكام عن ادلّتها والله العالم باحكامه هل الأخبار المدوّنة مقطوعة الصدور أم لا؟ قوله فقد ذهب شرذمة من الأخباريّين فيما نسب اليهم الى كونها قطعيّة الصّدور قال المحدّث الامين الأسترآبادي على ما حكى عنه انّ اخبارنا كلّها قطعيّة وقال الشّيخ الحرّ قدس‌سره فى آخر الوسائل انّ اخبار الكتب الأربعة وما يشابهها من الكتب المعتمدة المشهورة قطعيّة وهذان القولان فى غاية الضّعف بل يمكن ادّعاء بداهة بطلانه وننبّه على بعض الادلّة على ذلك فمنها الرّجوع الى مرجّحات الصّدور فى المقبولة والمرفوعة وغيرهما كالاعدليّة والاورعيّة والاوثقية والشّهرة فى الرّواية وغيرها وهو لا يجتمع مع قطعيّة الصّدور ومنها اخبار الدسّ الّتى بيّن فيها انّ الدسّاسين قد دسّوا فى كتب الاخبار الاخبار المجعولة وسيأتى نقل بعض الاخبار المذكورة من المصنّف فى الكتاب والقدماء وان نقّحوا الاخبار وهذّبوها من الاخبار المدسوسة لكن لم يحصل لنا القطع بتهذيبها منها راسا بحيث تكون اخبارنا خاليه عنها قطعا ومنها اخبار العرض على الكتاب والسنّة وفيها ما خالف الكتاب فهو زخرف او فهو باطل او لم اقله او ليس بحديثى او انّا ان حدثنا حدّثنا بما يوافق القرآن الى غير ذلك من الاخبار المتواترة الدّالّة على انّ الخبر المخالف للكتاب او غير الموافق له لم يصدر عن المعصوم ع ولا يخفى وجود كثير من الاخبار المخالفة فى الكتب المشهورة المعتمدة مع انّه لو لم يوجد لم يكن معنى للاهتمام الشّديد فى الأخبار المذكورة المتواترة بعرض الاخبار على الكتاب والسنّة ومنها انّ السكونى ممّن ادّعى الشّيخ قدس سرّه اجماع الإماميّة على العمل برواياته مع انّه قد ذكر الصّدوق ره على ما حكى لا افتى بما يتفرّد به السّكونى فلو كان خبر السّكونى واضرابه ممّا يفيد القطع كيف يسوغ للصّدوق ان يقول لا افتى بذلك وذلك ظاهر ومنها انّ من المشاهير الّذين ادّعى اجماع العصابة على العمل برواياتهم وكثرة الرّواية عنهم حفص بن غياث ونقل عن التقى المجلسىّ ره انّهم سمّوه كذّابا لنقل خبر للرّشيد ومثلهما

٣٠٧

علىّ بن ابى حمزة الّذى نقل عن الشّيخ اجماع الإماميّة على العمل برواياته ومع ذلك قالوا على ما حكى انّه كذّاب متّهم ومنها انّ اشهر الموثّقين عمّار السّاباطى وسماعة بن مهران وإسحاق بن عمّار ومحمّد بن إسحاق بن عمّار والتتبع فى اخبار الأوّل ومشاهدة اضطراباتها يكشف عن سوء حفظه ونقص فهمه ومن وجوه الاختلال فى حديثه وقوع ثم فى بعض رواياته فى غير المحلّ كما فى باب التّراوح وقد ذكر بعضهم انّ لفظة ثم ليست من كلام الإمام ع بل هى كلمة جرت فى لسانه فى غير المحلّ فى مقام نقل الخبر من جهة اعتياده بها ويؤيّده عدم وقوع لفظ ثم فى كتاب المعتبر على ما حكى وقد ردّ وطرح الشّيخ كثيرا اخبار الباقين بعلة الوقف والوهم وغير ذلك من الامور الرديّة ومنها انّه لو كان جميع الأخبار قطعيّة الصّدور لما كان معنى للإجماع على تصحيح ما يصحّ عن جماعة خاصّة وكذلك للاجماع على تصديق جماعة خاصّة مع انّ الإجماع على التّصحيح او التّصديق لا يجعل اخبارهم قطعيّة الصّدور كما انّ الإجماع على حجّية خبر الواحد لا يجعله قطعى الصّدور هذا مع ندور خبر يكون جميع سلسلة سنده من اصحاب الإجماعين المذكورين ومنها قول الصّدوق ره فى اوّل الفقيه على ما حكى لم اقصد قصد المصنّفين فى ايرادهم ما رووا بل اورد ما احكم بصحّته واجعله حجّة فيما بينى وبين ربّى اه حيث انّه يدلّ على انّ المصنّفين قبله كانت عاداتهم ايراد الاخبار الصّحاح والضّعاف المعمول بها وغيرها مع انّ الصّدوق قال بعد ذلك وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعوّل واليها المرجع وعدّ من تلك الكتب محاسن احمد بن ابى عبد الله البرقى ورسالة ابيه اليه ولعلّها شرايع على بن بابويه الّذى كان الاصحاب يعملون به عند اعواز النّصوص لحسن ظنّهم به وانّ فتواه كروايته وقد طعن بعضهم فى البرقى مع جلالة شأنه بانّه كان يعتمد الضّعفاء والمراسيل بل ذكر بعضهم انّ الصّدوق وغيره لم يعملوا بما تفرّد به البرقى وامّا رسالة ابيه فلا شكّ انّها ليست من كتب الحديث حتّى يمكن ان يقال بحصول القطع الصّدوق بانّها ماثورة عن المعصوم وصادرة عنه ع ولو كان ما فى الرّسالة مقطوعا به لما كان الاصحاب يعملون به عند اعواز النصوص وذلك ظاهر فى الغاية ومنها اشتهار النّقل بالمعنى عند الرّواة وقد اجازه الإمام ع وذكر فى الكافى اخبارا فى ذلك مع انّه يمتنع عادة نقل الفاظ الإمام ع بعينها فى جميع الموارد وقد جرت عادة الناس بذلك ايضا فى عرفنا وح فيمكن الخطاء فى فهم عبارة الإمام ع من كثير

٣٠٨

من الرّواة وقد نبّهوا بذلك فى بعض الأخبار ففى بعضها ردعا للسّائل ليس حيث تذهب وفى بعضها هذا يظنّ انّه من اهل الادراك وغير ذلك كما فى بعض اخبار الصّلاة والصّوم وغيرهما وسننبّه على بعضها فى التعادل والتّرجيح إن شاء الله الله فكيف يمكن حصول القطع بصدور العبارة المذكورة فى الخبر او ما يطابقه من جميع الجهات عن المعصوم ع ومنها انّه قد ذكر العلماء فى الفقه كثيرا من المواضع الّتى اختلف فيها نسخ الكافى والفقيه والتّهذيب والاستبصار فى حديث واحد وقد رجّحوا نسخة الكافى بانّ الكلينى ره كان اضبط فراجع الرّياض ولا يخفى عدم امكان القطع بصدور جميع النّسخ المختلفة عن الإمام ع مع انّه لا معنى عليه لترجيح نسخة الكافى من جهة كونه اضبط اذ لا معنى للتّرجيح فى القطعيّات بذلك ومنها ما قال السيّد المرتضى ره على ما نقله فى محكىّ المعالم والمنتفى من انّ اكثر احاديثنا المرويّة فى كتبا معلومة مقطوعة على صحّتها امّا بالتّواتر من طريق الإشاعة والإذاعة وامّا بامارة وعلامة دلّت على صحّتها وصدق رواتها وان وجدناها مودعة فى الكتب بسند مخصوص من طرق الآحاد انتهى ولا يخفى صراحته فى عدم كون جميع الاحاديث المرويّة فى الكتب مقطوعة عنده مع قرب عهده بزمان الأئمّة عليهم‌السلام واطّلاعه على القرائن والأمارات فكيف صار جميعها قطعيّة لهؤلاء المتأخّرين من الأخباريّين ومنها استبعاد ان يكون الأخباريّون الموجودون فى الأزمنة المتأخّرة عالمين بكون الأخبار قطعيّة بالقرائن الّتى ذكروها مع عدم علم الشيخ والعلّامة والسيّد بن طاوس وغيرهم بها مع توسعتهم فى العلوم واحاطتهم بكتب القدماء وعلمهم بالقرائن الّتى ذكروها واحتفافها بل علمهم بخلافه ولم يقنعوا بذلك بل ادّعوا اجماع العلماء قاطبة على حجّية خبر الواحد المجرّد فى مقابل السيّد واتباعه ومن العجيب انّ العلّامة قد ذكر فى النّهاية انّ الأخباريّين لم يعوّلوا فى اصول الدّين وفروعه الا على اخبار الآحاد المجرّدة ثمّ جاء المتأخّرون من الأخباريّين يدّعون قطعيّة الاخبار حتّى فى الفروع ايضا ومنها كثرة الكذّابين على النبىّ ص والأئمّة ع ودلّت على ذلك الأخبار الكثيرة ومع ذلك فكيف يمكن القطع بصدور جميع الأخبار الّتى فى الكتب المشهورة ولا اقلّ من ان يجعل الكذب على النبىّ ص والأئمّة ع احد اسباب اختلاف الاخبار وقد نقل فى الوسائل فى كتاب القضاء حديثا عن امير المؤمنين ع يبيّن فيه انّ ناقلى الأخبار عن رسول الله ص اربعة ليس لهم خامس رجل منافق يظهر الأيمان متصنّع بالإسلام لا يتأثم

٣٠٩

ولا يتجرّح ان يكذب على رسول الله ص الى ان قال ورجل سمع من رسول الله ص شيئا لم يسمعه على وجهه ووهم فيه ولم يتعمّد كذبا الحديث بل يفهم من بعض الرّوايات انّ معظم الاختلاف فيها من جهتهم ففى رواية الفيض بن مختار قلت لابى عبد الله عليه‌السلام جعلنى الله فداك ما هذا الاختلاف الّذى بين شيعتكم قال اىّ الاختلاف يا فيض الى ان قال فقال ع اجل كما ذكرت يا فيض انّ النّاس قد اولعوا بالكذب علينا كانّ الله افترض عليهم ولا يريد منهم غيره انّى احدّث احدهم بحديث فلا يخرج من عندى حتّى يتأوّله على غير تاويله الحديث بل يفهم من الحديث المذكور كون الكذّابين عليهم للاغراض الدنيويّة كثيرين ولا يخفى انّ كثرة الكذّابين على النبىّ ص والأئمّة ع دليل مستقلّ على عدم قطعيّة الأخبار والكذب من جهة الدسّ عنوان آخر ولذا جعلناهما دليلين ومنها ما حكى عن يونس من انه اخذ احاديث كثيرة من اصحاب الصّادقين ثمّ عرضها على ابى الحسن الرّضا ع فانكر منها احاديث كثيرة والظّاهر انّ كثيرا من الّذين اخذ عنهم كانوا من اصحاب الاصول ومنها انّه لا معنى للارجاع على تقدير قطعيّة الأخبار مطلقا الى اشخاص مخصوصة كما فى قوله ع عليك بزكريّا بن آدم وقوله ع عليك بالأسدىّ يعنى أبا بصير وقوله ما يمنعك من محمّد بن مسلم الثقفى وقوله ع ما يمنعكم من الحرث بن مغيرة النظرى وقوله ع ائت أبان بن تغلب فانّه قد سمع منّى حديثا كثيرا فما رواه لك عنّى فاروه عنّى وقوله ع لو لا زرارة ونظرائه لاندرست احاديث ابى وقوله ع لفيض بن مختار اذا اردت حديثا فعليك بهذا الجالس مشيرا الى زرارة ومثلها كثير مع انّه لا بدّ فى الجواب من الإرجاع الى اصحاب الأصول كليّة مع انّه افيد ومنها انّه لا معنى لاسئلة الرّواة عن الأئمّة عليهم‌السلام على تقدير قطعيّة جميع الأخبار بمثل قولهم أفيونس بن عبد الرّحمن ثقة اخذ عنه معالم دينى وغير ذلك من الأسئلة الواردة فى الأخبار ولا فائدة فى تحصيل الثقة والرّكون الى خبره فقط مع انّ المستفاد من سؤالاتهم مسلّميّة ظنيّة الأخبار عندهم ولذا سئلوا عمّن يجوز الأخذ منه ومن لا يجوز مضافا الى مسلّميّة حجّية الثّقة عندهم وانّما سئلوا فى كثير من الأخبار عن مصاديقه وهو ايضا ممّا يدلّ على حجّية الخبر الظنّى عندهم اذ من المعلوم انّ خبر الثقة من حيث هو لا يفيد القطع ومنها انّه لا معنى لما ذكره العلماء من انّ مراسيل ابن ابى عمير وجمع قليل آخر كمسانيدهم اذ على تقدير القطعيّة يكون مراسيل جميع الرّواة على تقدير وجودها فى الكتب المشهورة كمسانيدهم وكذلك

٣١٠

لا معنى لقولهم فى حقّ ابن ابى عمير وجمع خاصّ انّهم لا يرسلون الّا عن ثقة ومنها اختلاف المحدّثين كثيرا فى بعض الفاظ بعض الاخبار مثل قوله من جدّد قبرا او مثّل مثالا حيث قرء بعضهم بالحاء وبعضهم بالخاء وبعضهم بالجيم فكيف يمكن الحكم بقطعيّتها مع هذا الاختلاف ومنها وقوع بعض الآيات فى مقام نقل الخبر محرّفا غير مطابق لهذا القرآن فى بعض الاوقات بحيث يعلم الخطاء فيه من النّاسخ او الرّاوى وقد نبّه على كثير منها العلّامة المجلسىّ فى مرآة العقول وان شئت ارشدك الى موضع واحد ففى مكاسب المصنّف فى باب الغناء عن الصّادق ع انّ الله تعالى يقول (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ) اه مع انّ الآية فى سورة الأنبياء هكذا (ما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ) بلفظ المفرد نعم فى آية اخرى فى سورة الدّخان (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ) لكن ليس بعدها لو اردنا ان نتّخذ اه بل قوله تعالى (ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِ) اه ومنها وقوع التفسير فى بعض الاخبار وقد احتمل العلماء فيه كونه من الإمام وكونه من الراوى وهو ايضا كثير فمنه ما عن الصّدوق فى الفقيه فى الجارية الّتى لها صوت قال على بن الحسين لا باس لو اشتريتها فذكّرتك الجنّة يعنى بقراءة القرآن والزّهد والفضائل الّتى ليست بغناء حيث احتملوا كونه من الإمام ع او من الصّدوق ومنها انّ الرّواة لم يكونوا معصومين وقد جاز عليهم الوهم والخطاء بل الكذب عمدا فكيف يمكن حصول العلم بصدور اخبارهم عن الامام ع هذه نبذة من الوجوه المنبّهة للمقصود فلنذكر بعض ما ذكره صاحب الوسائل فى خاتمتها ونشير الى بعض ما يرد عليه قال قدّه الفائدة السّادسة فى ذكر شهادة جمع كثير من علمائنا بصحّة الكتب المذكورة وامثالها وتواترها وثبوتها عن مؤلّفيها وثبوت احاديثها عن اهل العصمة ع قال الشيخ الصّدوق رئيس المحدّثين محمّد بن علىّ بن بابويه فى اوّل كتاب من لا يحضره الفقيه وسألنى اى الشّريف ابو عبد الله المعروف بنعمة الى ان قال ولم اقصد قصد المصنّفين الى ايراد جميع ما رووه بل قصدت الى ايراد ما افتى به واحكم بصحّته واعتقد انّه حجّة بينى وبين ربّى جلّ ذكره وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعوّل واليها المرجع مثل كتاب حريز بن عبد الله السّجستانى ره الى ان قال بالغت فى ذلك جهدى مستعينا بالله ومتوكّلا عليه ومستغفرا من التقصير انتهى باختصار قال وهو صريح فى الجزم بصحّة احاديث كتابه والشّهادة بثبوتها وفيه شهادة بصحّة

٣١١

الكتب المذكورة وغيرها ممّا اشار اليه وثبوت احاديثها وقوله لم اقصد قصد المصنّفين اه لا يدلّ على الطّعن فى شيء من المصنّفات المعتمدة كما قد يظنّ لأنّ غيره اوردوا جميع ما رووه ورجّحوا احد الطّرفين ليعمل به كما فعل الشّيخ فى التّهذيب والاستبصار ولا ينافى ذلك ثبوت الطّرف المرجوح من الأئمّة ع كما لا يخفى وامّا الصّدوق فلم يورد المعارضات الّا نادرا فهذا معنى كلامه او يراد انّهم قصدوا الى ايراد جميع ما رووه لكنّهم يضعفون ما لا يعلمون به او يتعرّضون لتأويله كما فعل هو فى باقى كتبه ويمكن ان يكون اراد بالمصنّفين اعمّ من الثقات الّذين كتبهم معتمدة وغيرهم وذلك ظاهر انتهى وفيه انّ كلّ اصحاب الاصول لم يكونوا اماميّين عادلين فيحتمل فى بعضهم بل اكثرهم بل جلّهم الّا نادرا احتمال تعمّد الكذب وإن كان مرجوحا فى حقّ بعضهم ومعه ينتفى القطع بل وكذلك مع احراز عدالتهم مع انّه مع انتفاء احتمال تعمّد الكذب فاحتمال السّهو والنّسيان وسوء الفهم والوهم ممّا لا يمكن القطع بانتفائها فيهم حاصل مضافا الى عدم نقل الصّدوق الاخبار بلا واسطة واحتمال الكذب والتدليس وساير الاختلافات حاصلة فيها مع انّه لا يستفاد من كلام الصّدوق ره الشّهادة على الصحّة بمعنى القطع بالصّدور بل اقصاها الشهادة على الصحّة بمعنى الاطمينان بالصّدور كما هو مصطلح القدماء على ما ذكره الشّيخ البهائى فى محكىّ مشرق الشّمسين وغيره فى غيره وايضا شهادة الصّدوق بالقطعيّة وكون الاخبار قطعيّة عنده لا تستلزم كونها قطعيّة عندنا وايضا ما ذكره الصّدوق فى اوّل كتابه مبنىّ على الغالب لعدم كون جميع الاخبار الّتى رواها فى الفقيه مفتى بها عنده كما يظهر للمتتبّع قال الوحيد البهبهانى فى الرّسالة على انّا نقول قد اكثر الصّدوق من ايراد الحديث الّذى صرّح بانّه لا يفتى به بل يفتى بما رواه فلان يعنى خلافه منها روايتا وهب وابن مسكان المذكورتان ومنها فى باب ما يصلّى فيه من الثّياب ومنها فى باب ميراث المجوس ومنها فى باب الرّجلين يوصى اليهما فينفرد كلّ منهما وفى باب ما يجب على من افطر او جامع وفى باب وجوب الجمعة ولعلّك لو تتبّعت وجدت غير ما اشرنا اليه ايضا فبعد ملاحظة ما ذكر لا يمكن الحكم بانّ جميع احاديث الفقيه صحيحة عند الصّدوق بسبب قوله فى اوّل كتابه انى لم اقصد قصد المصنّفين بل قصدت الى ايراد ما افتى به واحكم بصحّته اه بل بملاحظة ما ذكره نقطع بانّ قوله ذلك فى اوّل الكتاب لم يبق على ظاهره امّا لأنّه لمّا كان ما لا يفتى به ولا يحكم بصحّته ممّا اورده فى كتابه قليلا قال ما قال او كان قصده اوّلا كذلك لكن

٣١٢

صدر خلافه مسامحة او غفلة عمّا بنى عليه امره فى اوّل الامر وهما غير بعيدين عند القدماء سيّما الّذين كثرت منهم التصانيف او كان قصده اوّلا ذلك لكن بدا له كما انّه كان اوّلا قصده حذف الاسانيد وعدم ذكرها ولكن بدا له على ما ذكره جدّي ره انتهى وح فيمكن عدم كون ما لم يفت به صحيحا عنده فلا تكون جميع اخبار الفقيه صحيحة عنده بالمعنى الّذى ذكره صاحب الوسائل وايضا انّ الصّدوق ذكر مقبولة عمر بن حنظلة الّتى فيها الرّجوع الى مرجّحات الصّدور الّتى لا تتأتّى الّا فى الظنّيين فكيف يمكن الاسناد اليه بكون جميع الاخبار قطعيّة عنده وايضا انّ الصّدوق قد تابع فى التّصحيح والردّ للحديث لشيخه ابن الوليد ومن المعلوم ان تصحيح الشيخ لا يجعل الخبر قطعيّا ولعلّ كثيرا من اخبار الفقيه كذلك فكيف يكون جميع اخباره قطعيّة وايضا الاخبار المسندة لو سلّمت كونها قطعيّة فالأخبار المرسلة والمرفوعة والمقطوعة والمضمرة كيف تكون قطعيّة انّ هذا الخارج عن مجارى العادات وايضا قوله لم اقصد قصد المصنّفين ظاهر فى عدم كون اخبار الكتب المصنّفة صحيحة عنده فلا تكون قطعيّة عنده على تقدير كون الصحّة بمعنى القطع بالصّدور وقد ذكرنا هذا سابقا ففيه شهادة على خلاف ما رامه صاحب الوسائل وما ذكره قدس‌سره من الوجوه الثلاثة لتوجيه الكلام المذكور للصّدوق خلاف ظاهر كلامه سيّما الوجه الاخير اذ حمل المصنّفين على الاعمّ من الثقات وغيرهم فى غاية البعد مع انّ الحمل على الاعمّ يكفينا لدلالته على ايراد المؤلّفين الثقات فى كتبهم المعتمدة الرّوايات الصّحيحة وغيرها وهو المطلوب والظّاهر ان يقول انّه اراد المصنّفين الغير الثقات فملخّص الكلام انّ ظاهر كلامه المتّبع انّ ساير المصنّفين يوردون ما يفتون وما لا يفتون وما يحكمون بصحّته وما لا يحكمون بصحّته وما يحكمون بكونه حجّة بينهم وبين الله عزوجل وما لا يعتقدون به كذلك وانا لا اورد الّا ما افتى به واحكم بصحّته واعتقد انّه حجّة بينى وبين ربّى وايضا قد ذكرنا انّ الصّدوق عدّ من جملة الكتب المشهورة الّتى عليها المعوّل كتاب المحاسن للبرقى وقد ذكر بعضهم انّ الصّدوق وغيره لم يعملوا بما تفرّد به البرقى وقد طعن بعضهم فيه مع جلالة قدره بانّه كان يعتمد الضّعفاء والمراسيل وما هذا شأنه كيف يكون قطعىّ الصّدور وقد ذكرنا حال رسالة ابيه اليه فيما سبق وعدّ ايضا من جملة الكتب المشهورة نوادر محمّد بن احمد بن يحيى وقال بعضهم وانت اذا لاحظت الرّجال وشاهدت حالة الصّدوق وشيخه وغيرهما من المشايخ بالنّسبة الى كتبه ورواياته وكيفيّة استثنائهم ما

٣١٣

استثنوه وطعنهم عليه بانّه لا يبالى عمّن اخذ وانه كان يروى عن الضّعفاء والمراسيل قطعت بانّهم ما كانوا يقطعون بصدور الحديث بسبب وجوده فى كتابه ونوادره وجزمت بان قوله عليها المعوّل واليها المرجع ليس على ما يقتضيه ظاهره بل من قبيل ما يقوله المجتهدون من المتاخّرين من انّ الكتب الاربعة معتمدة معتبرة وعليها المعوّل واليها المرجع فتأمّل انتهى وايضا قد قيل انّ الصّدوق كثيرا ما يردّ الأخبار المأخوذة من تلك الكتب بسبب القدح فى اسانيدها ولذا كان يستثنى منها اخبار محمّد بن موسى الهمدانى ووهب بن وهب وامثالهما ونظائر تلك الأخبار كما اشرنا اليه ويظهر بالتتبّع فى الرّجال وكذلك كان رواية شيخه وغيره من المشايخ ومنهم الشيخ فى كتابيه والظّاهر انّه لذلك لم يرو الكلينى جميع ما فى الاصول وجميع ما رواه الصّدوق والشيخ منها وكذلك حال الصّدوق بالنّسبة الى ما رواه الكلينى والشّيخ منها وكذلك حال الشيخ بالنّسبة الى الصّدوقين ولعلّ دأب جلّ القدماء كان كذلك بل كثيرا ما كانوا يصرّحون بضعف الرّوايات الّتى صحّحا الآخر انتهى قال فى الوسائل وقال الشيخ الجليل ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الكلينى فى اوّل كتابه الكافى قد فهمت يا اخى ما شكوت فيه من اصطلاح اهل دهرنا على الجهالة الى ان قال وقلت انّك تحبّ ان يكون عندك كتاب يجمع من جميع فنون علم الدّين ما يكتفى به المتعلّم ويرجع اليه المسترشد ويأخذ منه من يريد علم الدّين والعمل به بالآثار الصحيحة من الصّادقين والسنن القائمة الّتى عليها العمل الى ان قال ولقد يسّره الله وله الحمد تأليف ما سألت وأرجو ان يكون بحيث توخيت انتهى باختصار قال فى الوسائل بعد نقله وهو صريح ايضا فى الشّهادة بصحّة احاديث كتابه لوجوه منها قوله بالآثار الصّحيحة ومعلوم انّه لم يذكر فيه قاعدة يتميّز بها الصّحيح عن غيره لو كان فيه غير صحيح ولا كان اصطلاح المتأخّرين موجودا فى زمانه قطعا فعلم ان كلّ ما فيه صحيح باصطلاح القدماء بمعنى الثّابت عن المعصوم بالقرائن القطعيّة او التواتر ومنها وصفه لكتابه بالاوصاف المذكورة البليغة الّتى تستلزم ثبوت احاديثه كما لا يخفى ومنها ما ذكره من انّه صنّفه لازالة حيرة السّائل ومعلوم انّه لو لفّق كتابه من الصّحيح وغيره وما ثبت من الاخبار وما لم يثبت لزاد السّائل حيرة واشكالا فعلم ان احاديث كتابه كلّها ثابتة الى آخر ما ذكره وانت خبير بانّه يرد على استدلاله بكلام ثقة الاسلام كثير ممّا اوردنا على استدلاله بكلام رئيس المحدّثين من عدم ثبوت شهادته بالصحّة بمعنى القطع بالصّدور

٣١٤

وما ذكره من الوجوه لذلك لا تستنهض لاثباته وعلى تقدير شهادته بذلك لا تستلزم قطعه بثبوتها قطعنا بثبوته كذلك وغير ذلك ممّا اوردنا عن قريب مضافا الى انّ الكلينى ذكر الرّواية عن امير المؤمنين ع انّ رواة الأخبار عن الرّسول اربعة ليس لهم خامس وانّ منهم من كذب متعمّدا عليه ومنهم من وهم فى حديثه ص وقد ذكرنا عن قريب محصوله فراجع فاذا كانت هذه الرّواية قطعيّة له ولصاحب الوسائل الّذى نقلها عنه كيف يسوغ لهما ادّعاء القطع بصحّة جميع اخبار الكافى بالمعنى الّذى ذكره وقد سمعت رواية فيض بن مختار الدالّة على انّ معظم الاختلاف فى الاخبار من جهة كذب الكذّابين ودسّهم مضافا الى اكثار الكلينى الرّواية عن غير المعصوم فقد نقل فى كتاب الطّلاق كلام فضل بن شاذان وفى باب القتل كلام علىّ بن ابراهيم فتأمّل مضافا الى ما قيل من انّ الاخبار الآحاد كان حجّة عند القدماء وكذلك كان بنائهم على الظنّ فى تصحيح الحديث ومن انّ الحديث الّذى له شاهد من كتاب الله كان معمولا به عند القدماء حجّة كما لا يخفى فكيف تكون اخباره قطعيّة مضافا الى شدّة الاختلاف بينهم فى تصحيح الأحاديث وضعفها بل نقول مع معرفتهم باحوال الاحاديث ومهارتهم فيها وقرب عهدهم بها كثيرا ما يضعّف كلّ واحد منهم الاحاديث الّتى صحّحها الآخر فاذا كان هذا حالهم فكيف يحصل فى امثال زماننا القطع بصدور الأحاديث ألا ترى انّ الكلينى لم يورد فى الكافى جميع ما صحّحه وعمل به غيره من المشايخ وغيرهم وكذلك الصّدوق لم يورد جميع ما صحّحه الكلينى مع انّه ربّما يظهر من الصّدوق تضعيف حديث الكافى قال فى باب الرجلين يوصى اليهما فينفرد كلّ واحد منهما بنصف التركة ما هذا لفظه وفى كتاب محمّد بن يعقوب الكلينى عن احمد بن محمّد ونقل الحديث لست افتى بهذا الحديث بل افتى بما عندى بخطّ الحسن بن على ع ولو صحّ الخبران جميعا لكان الواجب الأخذ بقول الاخير ثم اعلم انّ الشيخ ره فى كتابيه لم يورد جميع ما صحّحه وعمل به غيره مثل الكلينى والصّدوق على قياس ما ذكرناه بالنّسبة الى الصّدوق فلاحظ مع انّه قد اكثر من الطّعن على الأحاديث الّتى صحّحها الكلينى والصّدوق طعنا لا يقبل التّوجيه ولا بأس بالإشارة الى موضع واحد لزيادة الفائدة فنقول قال الكلينى فى باب الصّوم باب نادر وذكر الأحاديث الدالّة على انّ شهر رمضان لا ينقص ابدا مثل رواية حذيفة بطريقين عن الصّادق ع وروايته عن معاذ بن كثير عنه ع ورواية محمّد بن إسماعيل عن بعض اصحابه عنه ع ولم يورد فى الباب

٣١٥

غير هذه الأحاديث والصّدوق فى كتاب الصّوم فى باب النّوادر اورد هذه الأحاديث ثمّ قال من خالف هذه الأخبار وذهب الى الأخبار الموافقة للعامّة اتقى منه كما يتقى من العامّة الى آخر ما قال فتكون هذه الاخبار صحاحا عنده والحال انّ الشيخ قد بالغ فى الطّعن على هذه الاخبار فى كتابيه جميعا وقال المفيد فى رسالته فى الردّ على الصّدوق فامّا ما يتعلّق به اصحاب العدد من انّ شهر رمضان لا يكون اقلّ من ثلثين يوما فهى احاديث شاذّة قد طعن نقلة الآثار من الشّيعة فى سندها وهى مثبتة فى كتب الصّيام فى ابواب النّوادر والنّوادر الّتى لا عمل عليها ثم ذكر رواية حذيفة بن منصور عن الصّادق ع قال شهر رمضان ثلثون يوما لا ينقص ابدا قال وهذا حديث شاذّ نادر غير معتمد عليه فى طريقة محمّد بن سنان وهو مطعون فيه لا تختلف العصابة فى تهمته وضعفه وما كان هذا سبيله لم يعمل عليه فى الدّين ثم ذكر رواية محمّد بن اسماعيل عن بعض اصحابه عن الصّادق ع وفيها انّه لا يكون فريضة ناقصة انّ الله يقول ولتكملوا العدّة ولتكبّروا الله ثمّ قال وهذا الحديث شاذّ مجهول الاسناد لو جاء بفعل صدقة او صيام او عمل لوجب التوقّف فيه فكيف اذا جاء بشيء مخالف للكتاب والسنّة واجماع الأمّة ولا يصحّ على حساب ملّى او ذمّى ولا مسلم او منجّم ومن عوّل على مثل هذا الحديث فى فرائض الله فقد ضلّ ضلالا بعيدا ثمّ روى رواية محمّد بن شعيب عن ابيه عن الصّادق ع ثم قال وهذا الحديث من جنس الاوّل وطريقه وهو حديث شاذّ لا يثبت عند اصحابه الّا نادرا وقد طعن فيه فقهاء الشّيعة فانّهم قالوا محمّد بن يعقوب بن شعيب لم يرو عن ابيه حديثا غير الحديث الواحد ولو كان له رواية عن ابيه لروى عنه امثال هذه الأحاديث ولم يقتصر على حديث واحد لم يشركه فيه غيره مع انّ ليعقوب بن شعيب اصلا قد جمع فيه كافة ما رواه عن الصّادق ع وليس هذا الحديث منه ولو كان ممّا رواه يعقوب لأورده فى اصله وفى خلوّ اصله دليل على انّه موضوع الى ان قال وهذا يدلّك على انّ واضع هذا الحديث عامىّ بعيد من العلماء وحاشا ائمّة الهدى ع ممّا اضافه اليهم الجاهلون وغراه اليهم المفترون انتهى ما اوردناه عن الرّسالة اعنى رسالة المفيد على انّا نقول ربما يكون الحديث صحيحا عند المشايخ الثلاثة باجمعهم بل وعند غيرهم ومع ذلك يطعن عليه من اجلّة القدماء طعنا لا يلائمه التّوجيه اصلا فمن ذلك حديث سهو النبىّ ص الّذى رواه الكلينى والصّدوق مع مبالغته فى تصحيحه كما يظهر من

٣١٦

الفقيه واصراره فيه وتشنيعه على من تأمّل فيه ومع ذلك قد طعن فيه الشيخ ره والأجلّ المرتضى والمفيد فى رسالته فى الردّ على الصّدوق فى جواب اهل الحائر ما هذا لفظه الحديث الّذى رواه النّاصبة والمقلّدة من الشّيعة انّ النبىّ ص سها فى صلاته فسلّم فى ركعتين من اخبار الآحاد الّتى لا تثمر علما ولا توجب عملا الى ان قال وهذا الاختلاف الّذى ذكرناه فى هذا الحديث ادلّ دليل على بطلانه واوضح حجّة فى وضعه واختلافه انتهى ما نقلنا عن بعضهم باختصار ثم ذكر صاحب الوسائل كلام الشّيخ فى العدّة والاستبصار واستدلّ به على مرامه وانت خبير بانّ كلام الشيخ صريح فى حجّية اخبار الآحاد المجرّدة ونقل الإجماع على ذلك بل قال انّ دعوى القرائن فى جميعها دعوى محالة وسيأتى من المصنّف ومنّا اشباع الكلام فى ذلك فانتظر قال فى الوسائل وقال الشّيخ بهاء الدّين فى مشرق الشّمسين ثم ذكر كلامه الّذى سننقله برمّته عند اشارة المصنّف اليه ولا دلالة لكلامه على ما رامه وسننبّه عليه ايضا فانتظر وممّا ذكرنا يظهر حال ما نقله عن الشهيد الثّانى فى شرح دراية الحديث والكفعمى فى اوّل الجنّة الواقية والسيّد على بن طاوس فى كتاب كشف المحجّة لثمرة المهجة والشّيخ بهاء الدّين فى الوجيزة والطبرسى فى اعلام الورى والمحقّق فى كتاب المعتبر والمعارج وغيرهم فلا نطيل بالإعادة وسيظهر حال المحقق فى ما سيأتى بعد نقل كلامه ومن المعلوم من حاله وحال الشّهيد الثانى والشيخ البهائى والسيّد بن طاوس وغيرهم عملهم باخبار الآحاد المجرّدة هذه جملة من القول فى التّنبيه على عدم قطعيّة الأخبار مطلقا وسيجيء شطر من القول فى ذلك فى تضاعيف الكتاب هل الأخبار المدوّنة معتبرة بالخصوص أم لا؟ إن شاء الله الله قوله وربما ينسب الى الشيخ الى قوله بل الى بن بابويه قد ذكرنا فى الحاشية السّابقة بطلان ما زعمه صاحب الوسائل من شهادة الصّدوق ره بكون اخبار كتابه كلّها قطعيّة بالوجوه الكثيرة وسيجيء بطلان زعم كون الشّيخ والمحقّق قائلين بعدم حجّية خبر الواحد بحيث لا يبقى مجال الشكّ والرّيب فى ذلك اصلا فانتظر قوله وهو عجيب وكذلك ما ذكره الشّهيد قدس‌سره فى الذّكرى حيث قال وانكره اى العمل بخبر الواحد جلّ الأصحاب كانّهم يرون ما بايديهم متواترا او مجمعا على مضمونه وإن كان فى خبر الآحاد مع ادّعاء الشّيخ قدس سرّه وشيخ مشايخه العلّامة فى النّهاية اجماع العلماء على حجّية خبر الواحد المجرّد الأصوليّين منهم والأخباريّين أدلّة المانعين قوله ولنذكر اوّلا ما يمكن ان يحتج اه وليعلم انّه لا يجوز الاستدلال بالاخبار

٣١٧

جواز او منعا الّا على تقدير كونها قطعيّة الصّدور من جهة التواتر او الاحتفاف بالقرينة اذ لا يجوز الاستدلال فى هذا المقام الّا بما قطع به او بحجّيته لعدم جواز اثبات الظنّ ولا نفيه به الاستدلال بالآيات قوله على ما ذكره امين الإسلام قال قدس‌سره فى تفسير التعليل اى حذرا من ان تصيبوا قوما فى انفسهم واموالهم بغير علم بحالهم وما هم عليه من الطّاعة والإسلام ثم قال وفى هذا دلالة على انّ خبر الواحد لا يوجب علما ولا عملا لانّ المعنى ان جاءكم من لا تؤمنون ان يكون خبره كذبا فتوقّفوا فيه وهذا التعليل موجود فى خبر من يجوز كونه كاذبا فى خبره الاستدلال بالروايات قوله ومثله عن مستطرفات السّرائر ومثلهما قوله ع اذا جاءكم ما تعلمون فقولوا به واذا جاءكم ما لا تعلمون فها واهوى بيده الى فيه وقوله لا يسعكم فيما ينزل بكم ممّا لا تعلمون الّا الكفّ عنه الحديث وفى الحسن ما حق الله على خلقه فقال ع ان يقولوا ما يعلمون ويكفّوا عمّا لا يعلمون وغير ذلك قوله ع ممّا لا يوافق القرآن فلم اقله اه يعنى يجب عليكم البناء على ذلك لأنّ شان الشّارع بيان الحكم وكذا نظائره ممّا ورد فى الاخبار الأخر فتبصّر قوله كتاب الله وسنّة نبيّه الظّاهر انّ الواو بمعنى او لما سيأتى من بعض الاخبار الدالّة على ذلك ويمكن ان تكون بمعناها لتطابق الكتاب والسنّة غالبا قوله لا يصدّقه الّا كتاب الله اه لعلّ الاقتصار فى هذه الأخبار على الكتاب لعدم الاحتياج الى ذكر السنّة لتطابقهما غالبا كما ذكرنا عن قريب قوله وان لم تجدوه موافقا الظّاهر انّ مراده ان تجدوه غير موافق لا الاعمّ من ذلك وممّا لم يعلم موافقته ولا مخالفته لقوله ع وان اشتبه الأمر قوله او تجدون معه شاهدا من احاديثنا المتقدّمة لعلّ المراد بالشّاهد من الاحاديث المتقدّمة هو ما يكون قطعىّ الصّدور ولعلّه المراد بقوله ع فى الحديث السّابق شاهدا من كتاب الله او من قول رسول الله ص ويمكن ان يراد به الاعمّ بان يكون المراد به ما يكون قبل رمان مغيرة بن سعيد لعنه الله ودسّه وان لم يكن قطعيّا وعليه لا يكون دليلا للمستدلّ قوله قدس‌سره ولو مع عدم المعارض جهة الاحتياج الى حملها على صورة عدم المعارضة بالخصوص او على معنى عام يشملها انّ حملها على صورة المعارضة فقط يخرجها عن الاستدلال للمدّعى من عدم حجّية خبر الواحد المجرّد لأنّ القائلين بحجّية الخبر الواحد المجرّد ايضا يقولون بوجوب العمل بما يوافق الكتاب من الخبرين وطرح ما يخالفه كما هو صريح اخبار العلاج ووجه حملها على الصّورة المذكورة انّ كثيرا من الأخبار المذكورة آبية عن التخصيص بصورة المعارضة مثل قوله ع فهو زخرف فلم اقله وانّا ان

٣١٨

حدّثنا حدّثنا بما يوافق القرآن كما سيأتى نقله ممّا يكون واردا مورد التّحديد واعطاء الضابطة مع عدم امكان حملها على صورة التّعارض من جهة اخرى ايضا وهى انّه قد حكم ع فى اخبار العلاج بانّه مع عدم الموافقة للكتاب والسنّة يرجع الى ساير المرجّحات وهو لا يناسب الحكم فى هذه الاخبار بانّ ما لا يوافق الكتاب من الاخبار زخرف او باطل او فلم اقله او ليس من حديثى ممّا يدلّ على عدم امكان الحكم بحجّية ما لا يوافق الكتاب اصلا ومطلقا ولو كان هناك مرجّح يقتضى الحكم بحجّية ما يكون المرجّح معه بل فى المقبولة تقديم الشّهرة وصفات الرّاوى على موافقة الكتاب والسنّة قوله متواترة والظّاهر انّه اراد التواتر المعنوىّ بان يكون القدر المشترك بين جميع الأخبار والقدر المتيقّن منها وهو عدم حجّية الخبر الظنّى الغير المحفوف بالقرينة القطعيّة من الأدلّة الأربعة مقطوعا به ويمكن ان يريد التواتر الإجمالي لكن لا بدّ فيه من القطع بتماميّة دلالة الصّادر المعلوم اجمالا على المراد ووجه الاحتياج الى ادّعاء التّواتر باحد معنييه واضح لعدم امكان الاستدلال بالخبر الظنىّ الصّدور جوازا ومنعا كما هو واضح وقد اشرنا اليه سابقا ايضا قوله لأنّ مرجعهما الى الكتاب والسنّة امّا رجوع الإجماع الى السنّة فواضح لأنّ حجّية الإجماع عندنا للكشف عن قول المعصوم او فعله او تقريره ولذا لم يكن دليلا اصطلاحيّا وامّا جعل الأدلّة اربعة من جملتها الإجماع فلمتابعة العامّة لكون الإجماع عندهم دليلا على الحكم الواقعى كذلك لا للكشف عن السنّة وامّا رجوع العقل الى السنّة فلان كلّ حكم عقلى لا بدّ ان يوجد على طبقه النّقل بناء على وجوب اللّطف الّذى لا يحصل الّا بتاكيد العقل بالنّقل او لأنّ العقل كاشف عن الحكم الشّرعى الإلهيّ وقد بيّنه الله تبارك وتعالى لنبيّه ص ونبيّه لخصوص وصيّه او للنّاس قاطبة كما يدلّ عليه قوله ص معاشر النّاس الحديث فالعقل وان كان كاشفا عن الحكم الشّرعى ابتداء ولذا يكون من جملة ادلّة الشّرع ويكون فى قبال الكتاب والسنّة الكاشفين عن الحكم الشّرعى كذلك الّا انّه راجع الى السنّة بالوجهين المذكورين بل يمكن ان يقال برجوعه الى الكتاب ايضا بنحو ما سلف تقريره بناء على اشتماله على جميع الأحكام ولا يخفى ما فيه من التكلّف والاولى ان يقال انّما لم يذكر الإجماع فى الأخبار من جملة القرائن لعدم تداول الإجماع المصطلح فى ازمنة صدور الرّوايات وقد سلف اليه الإشارة وانّما لم يذكر العقل من جملة القرائن لانّ اغلب الأخبار المتضمّنة للحكم الشّرعى انّما تضمّنت الأحكام التعبّديّة الّتى لا مسرح للعقل فيها وشأن الشّارع ايضا بيان تلك الاحكام

٣١٩

ولذا قيل فى صورة تعارض المقرّر والنّاقل بتقديم النّاقل من جهة انّ شأن الشارع بيان الاحكام التأسيسيّة وانّ التّأسيس اولى من التّأكيد قوله ويشير الى اه ويدلّ على ما ذكر نفس الأخبار ايضا مثل قوله ع فليس من حديثى وقوله ع فهو زخرف وقوله فهو باطل فانّ امثال هذه الكلمات لا تصدق مع قطعيّة الخبر من حيث الصّدور ويدلّ على ذلك اخبار العلاج الّتى فيها العرض على الكتاب والسنّة اذ قد عرفت الإرجاع فيها الى المرجّحات الصّدوريّة الّتى لا تتأتى الّا فى الخبرين الظنيّين وعرفت ايضا عدم امكان اخراج المتعارضين عن اخبار العرض ويدلّ على ذلك قوله ع لا يصدّق علينا الّا ما يوافق كتاب الله وسنّته نبيّه وقول الرّاوى يرويه من اثق به ومن لا اثق به وقوله ع فالّذى جاءكم اولى به وقوله ع من برّ او فاجر يوافق كتاب الله وقوله ع لا تقبلوا علينا حديثا اه وغير ذلك ممّا هو ظاهر او صريح فى ذلك الاستدلال بالاجماع قوله وامّا الإجماع فقد ادّعاه السيّد المرتضى يفهم من رسالة الاجتهاد والأخبار للوحيد البهبهانى ره انّ المدّعين للإجماع جماعة كثيرة ففيها وادّعى القدماء اجماع الإماميّة على المنع من العمل به وهو الظّاهر من المتكلّمين من اصحابنا المعاصرين لهم كما لا يخفى على المتأمّل وادّعى الشيخ ره اجماعهم على الجواز وهو الظاهر من محدّثى الأصحاب كما سنشير اليه عند بيان الحاجة الى علم الرّجال انتهى كلامه رفع مقامه قوله وقد اعترف بذلك الشيخ اه حيث قال فى العدّة فان قيل أليس شيوخكم لا يزالون يناظرون خصومهم اه لكن ليس فيه تسليم الشّيخ الإجماع مع انّه قال فى الجواب عنه على انّ الّذين اشير اليهم فى السّئوال اقوالهم متميّزة بين اقوال الطّائفة المحقة وهذه العبارة مع دلالتها على عدم تسليم الإجماع قد اشعرت على انّ القائلين بعدم حجّية خبر الواحد جمع قليل بالنّسبة الى القائلين بحجّيته قوله وهو ظاهر المحكىّ عن الطّبرسى ره اه قال قدس‌سره فى مجمع البيان فى سورة الأنبياء عند تفسير قوله تعالى (وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ) اه ما هذا لفظه على انّ الحكم بالظنّ والاجتهاد والقياس قد بيّن اصحابنا فى كتبهم انّه لم يتعبّد به الشّرع الّا فى مواضع مخصوصة ورد النصّ بجواز ذلك فيها نحو قيم المتلفات واروش الجنايات وجزاء الصّيد والقبلة الجواب عن الآيات وما جرى هذا المجرى انتهى كلامه رفع مقامه قوله فبانّها بعد تسليم دلالتها اه فيه دلالة على عدم تسليم دلالتها اذ يمكن حملها على اصول الدّين او على ما يتّهم به المسلمون او نحو ذلك لكن ذكر سابقا فى مقام تأسيس الأصل لحرمة العمل بالظنّ ويكفى من الكتاب قوله تعالى (آللهُ أَذِنَ

٣٢٠