تسديد القواعد في حاشية الفرائد

الشيخ محمّد الإمامي النجفي الخوانساري

تسديد القواعد في حاشية الفرائد

المؤلف:

الشيخ محمّد الإمامي النجفي الخوانساري


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧١٩

على وجوب الرّدع فى القطّاع وغيره على انّ كلامهم فى عدم الاعتبار بقطع القطّاع سواء طابق الواقع ام لا وان كان من باب الامر بالمعروف والنّهى عن المنكر فهو وان كان يجرى فى جميع الموضوعات الّا انّ من شرائط النّهى عن المنكر كونه منكرا باعتقاد الفاعل والمسلّم منه جريانه فى الموضوعات الّتى يعرف المأمور والمنهىّ حكمها وشمول ادلّتهما للقاطع غير معلوم فانّ الفاعل بوصف كونه قاطعا يعتقد بمعروفيّة فعله ولا يحتمل كونه منكرا وبناء على ما ذهب اليه بعض من عدم تخصيصه بذلك فهو على ضعفه لا فرق فيه ايضا بين القطّاع وغيره قوله (ثمّ انّ بعض المعاصرين وجّه الحكم بعدم اعتبار الخ) هو صاحب الفصول ره ذكر ذلك فى مسئلة الملازمة فانّ بعض الأخباريّين انكر الملازمة بين العقل والشّرع واحتجّ على ذلك بقوله تعالى (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) وأجاب عنه الفاضل القمىّ ره بانّ الآية الكريمة على تقدير تسليم دلالتها على ما ذكره ظنّيّة غير صالحة للمقاومة مع الدّليل القطعى فلا بدّ من تأويلها وصرفها عن ظاهرها امّا بتنزيلها على الغالب وجعل بعث الرّسول كناية عن مطلق اتمام الحجّة او بجعل الرّسول اعمّ من الظّاهرى والباطنى كما يرشد اليه انّ لله حجّتين حجّة فى الباطن وهو العقل وحجّة فى الظّاهر وهو الرّسول واعترض فى الفصول على هذا الجواب بما هذا لفظه وهذا الجواب عندى غير مستقيم على اطلاقه وذلك لانّ استلزام الحكم العقلى للحكم الشرعىّ واقعيّا كان او ظاهريّا مشروط فى نظر العقل بعدم ثبوت منع شرعىّ عنده من جواز تعويله عليه ولهذا يصحّ عقلا ان يقول المولى الحكيم لعبده لا تعوّل فى معرفة او امرى وتكاليفى على ما تقطع به من قبل عقلك او يؤدّى اليه حدسك بل اقتصر فى ذلك على ما يصل منّى اليك بطريق المشافهة او المراسلة او نحو ذلك ومن هذا الباب ما افتى به بعض المحقّقين من انّ القطّاع الّذى يكثر قطعه بالامارات الّتى لا توجب القطع عادة يرجع الى المتعارف ولا يعوّل على قطعه الخارج منه فانّ هذا انّما يصحّ اذا علم القطّاع او احتمل ان يكون حجيّة قطعه مشروطة بعدم كونه قطّاعا فيرجع الى ما ذكرناه من اشتراط حجيّة القطع بعدم المنع لكنّ العقل قد يستقلّ فى بعض الموارد بعدم ورود منع شرعىّ لمنافاته لحكمة فعليّة قطعيّة وقد لا يستقلّ بذلك لكن ح يستقلّ بحجيّة القطع فى الظّاهر ما لم يثبت المنع انتهى وتوضيح مرامه على ما يظهر من مجموع كلماته فى مواضع عديدة انّ الاحكام باسرها شرعيّة كانت او عقليّة مسبّبات عن الحسن والقبح ومعلولات لها كما عليه الإماميّة وبعض العامّة كما هو واضح فاذا استقلّ العقل فى واقعة بحكم فلا بدّ من ان يلاحظ فى الفعل جهة حسن او قبح حتّى يتّصف الفعل عنده بالوجوب او الحرمة ويترتّب عليه المدح والذّم والثّواب والعقاب فعلّة الحكم امّا الحسن الكامن فى الشّىء او القبح كذلك ويختلف وجه الحكم المعلول باختلاف وجه علّته من حيث الاطلاق والتّنجيز والتّقييد و

٨١

والاشتراط والتّعليق وما هو العلّة للحكم اى الحسن والقبح قد يكون علّة تامّة له بان لا يكون عليّته عند العقل مغيّاة بغاية ومشروطة بشيء بمعنى انّه لا يحتمل حصول جهة اخرى تصادم هذه الجهة وتوجب رفع اثرها كما فى الايمان بالله تعالى فانّ فيه جهة حسن يستقلّ العقل بادراكها وكما يستقلّ بادراك تلك الجهة الموجودة يستقلّ بعدم عروض جهة اخرى فيه توجب القبح وتصادم تلك الجهة المحسّنة وكما فى التكبّر عليه تعالى فانّ فيه جهة مقبّحة يستقلّ العقل بادراكها وامتناع جهة اخرى فيه محسّنة تصادم تلك الجهة المقبّحة وقد يكون مقتضيا للحكم لا علّة تامّة له بان يكون عليّته عند العقل معلّقة على عدم وجود مانع من تأثير المقتضى فانّ العقل يرى جهة حسن او قبح فى الفعل ويستقلّ بادراكها لكن لا يمنع من ان يكون فيه جهة اخرى محسّنة او مقبّحة تعارض تلك الجهة المدركة فيحكم بالوجوب والحرمة على الفعل بملاحظتهما ظاهرا بشرط ان لا يوجد فيه جهة اخرى يعارضها فحكم العقل ح مشروط ومقيّد بعدم تحقّق المانع من الجهة المقتضية للحكم فالقطع اذا حصل من جهة الحسن والقبح الذاتيّين اللّذين هما علّة تامّة للحكم يكون منجّزا وطريقا للحكم الواقعى لعدم احتمال وجود المانع بخلاف ما اذا حصل من جهة الحسن والقبح الممكن تخلّفهما وتبدّل احدهما بالآخر فانّ حكمه حينئذ مقيّد بعدم وجود المانع عن الوجه الّذى ادركه وعلم به ويكون القطع ح مثبتا للحكم الظّاهرى من جهة تحقّق الاحتمال ففى القسم الثانى لا تلازم بين الحكمين ولا يلازم حسن الفعل او قبحه عقلا وقوع الحكم على طبقه شرعا وكما انّه قد يكون فى الواقع جهة فى الفعل المكلّف به تمنع عن حكم الشارع فكذلك قد يكون فى الواقع جهة خارجة عن نفس الفعل وتبتع جهة التّكليف تكون مانعة عن الحكم شرعا واستشهد على ما ذكره من انّ القطع بالحكم قد يكون تعليقيّا من جهة احتمال قيام جهة اخرى عند الشارع فى التّكليف او المكلّف به بصحّة أن يقول المولى لعبده لا تعوّل فى معرفة او امرى على ما تقطع به من قبل عقلك وانّه واقع عند العرف ولا فرق فى جميع ذلك بين القطّاع وغيره وعليه ينزّل كلام كاشف الغطاء فى القطّاع الّا انّ هذا التوجيه لكلامه انّما يصحّ فيما اذا كان القطّاع ملتفتا الى القضيّة المذكورة وكان عالما او محتملا لان يكون حجيّة قطعه مشروطة بعدم كونه قطّاعا ويحكم بحجيّة القطع عند الاحتمال ظاهرا ما لم يثبت المنع ويرد عليه أمور الأوّل قد ذكرنا فى التجرّى فى الجواب الثالث عن تفصيل صاحب الفصول ره انّ باب الحسن والقبح والمدح والذّم غير باب المصلحة والمفسدة وذكرنا انّ الجهة الظاهريّة الّتى يتعلّق بها القصد توجب التّكليف والجهة الواقعيّة غير صالحة لذلك فلا تعارض الجهة الظاهريّة فانّ مجرّد تحقّق جهة الحسن والقبح فى الفعل لا يصيّره حسنا او قبيحا بل يشترط فى اتّصاف الفعل باحدهما من الالتفات الى العنوان وقصده لانّ الكلام فى الافعال الاختياريّة فلو لم يقصد جهة الحسن والقبح فى الفعل لم يكن الفعل حسنا او قبيحا اختياريّا وصيرورته متّصفا باحدهما موقوفة على قصد العنوان سواء

٨٢

احتمل وجود عنوان آخر فيه يوجب حكما آخر ام لا واختلاف الحكمين فى الفعل الواحد انّما هو بواسطة اختلاف العنوان وتبدّل الحكم حينئذ ليس من قبيل تبدّل حكم ظاهرى بحكم واقعى بل التبدّل ح من باب تبدّل حكم واقعى بحكم واقعىّ آخر بسبب اختلاف الموضوع كالقصر والإتمام المسبّبين عن السفر والحضر وقد تقدّم انّ الكذب الّذى يتوقّف عليه انجاء النّبى قبيح اذا لم يلتفت الى هذا التوقّف ويكون حراما والصّدق الموجب لهلاكه حسن اذا لم يلتفت الى ذلك والحاصل انّ مجرّد احتمال الخلاف لا يضرّ بالوجوب والحرمة النّاشئين عن الحسن والقبح الملتفت اليهما فليس العقل قد يثبت الحكم الواقعى وقد يثبت الحكم الظّاهرى بل شأنه اثبات الحكم الواقعى ابدا الثّاني قد عرفت فيما مرّ مفصّلا انّ القطع المتعلّق بحكم فبالنّسبة الى نفس الحكم المتعلّق به لا يصحّ ان يكون دخيلا فى موضوعه ويمتنع تقييد الحكم او اطلاقه بالعلم والجهل به والمثال الّذى ذكره يرجع المنع فيه الى المنع عن الخوض فى المقدّمات والى هذا يشير المصنّف بقوله وفساده يظهر ممّا سبق من اوّل المسألة الى هنا والّا فلو اراد المولى العرفى المنع عن العمل بالقطع لم يصحّ ذلك قطعا الثّالث أنّه قد اتّضح فى مسئلة الملازمة رجوع جهات التّكليف حقيقة الى جهات المكلّف به الرّابع انّ العقل اذا قطع بالمنع عن الشّارع فلا اشكال فى عدم استقلاله بالحجيّة واذا احتمل المنع فامّا ان يستقلّ بالحجيّة وامّا لا وعلى اىّ حال فلا معنى لقوله يستقلّ بحجيّة القطع فى الظّاهر ما لم يثبت المنع الخامس انّه لو سلّم ما ذكره فغايته امكان منع الشّارع عن العمل بقطع القطّاع وهذا لا يكفى فى منعه عن العمل بقطعه ما لم يثبت المنع بالدّليل لوضوح انّ العمل بالقطع حسن عقلا ما لم يثبت المنع الشّرعى وان أراد أنّ القطّاع مع احتماله المنع عن العمل بقطعه فلا اعتبار بقطعه لعدم علمه بحجيّة قطعه واعتباره فهذا يرجع الى عدم قطعه بالحكم او الموضوع لانّ عقله ح يتوقّف عن الحكم ولا يستقلّ به ولو فى مرحلة الظّاهر وتوهّم أنّه لو سلّم امكان منع الشّارع عن العمل بقطعه فيكفى فى وقوعه ومنعه ما ورد فى المنع عن العقول الظنيّة وعن القياس من التّعليل بكثرة الخطإ في غير محلّه لوضوح عدم الملازمة بين حصول القطع ممّا لم يتعارف حصوله منه وكثرة الوقوع فى الخطاء فتامّل قوله (فنقول مقتضى القاعدة جواز الاقتصار الخ) المراد من القاعدة فى المقام هو حكم العقل وبناء العقلاء وهو المتّبع فى باب الاطاعة وكيفيّتها حتّى يثبت منع من الشّارع للاتّفاق على انّ الحاكم بالاستقلال فى باب الاطاعة هو العقل وللشّارع ان يتصرّف فى كيفيّتها لانّ حكم العقل انّما هو لأجل رعاية امتثال التّكاليف الشرعيّة فللشّارع ان يتصرّف فى كيفيّة امتثال احكامه امّا باعتبار امر زائد على ما يراه العقل اطاعة كبعض مراتب الرّياء حيث قامت الادلّة الشرعيّة على لزوم خلوّ العبادة عن ادنى شائبة الرّياء وامّا بالاكتفاء بما لا يراه العقل كافيا فى الاطاعة كما فى بعض الاصول الشرعيّة الجارى فى مقام تفريغ الذّمة عن الاشتغال ولا اشكال فى انّ مع

٨٣

قيام الدّليل على التصرّف وثبوت منع من الشّارع عمّا يراه العقل اطاعة وجعله طريقا خاصّا فى امتثال او امره بخلاف ما يسلكونه العبيد فى اطاعة احكام مواليهم كان هو المتّبع ومع عدمه فالحاكم هو العقل فان قلت إنّ مجرّد احتمال منع الشّارع عن طريقة العرف والعقلاء والامتثال الاجمالى مع التمكّن من التّفصيلى كاف فى استقلال العقل بعدم الاكتفاء به لانّه عدول عن الامتثال التّفصيلى الى الاحتمالى وذلك نظير حكم العقل بالتّعيين فى مقام الدّوران بينه وبين التّخيير قلت استقلال العقل بعدم الاكتفاء ممنوع فانّ المفروض فى المقام وجود طريق عقلائى وانّما الاحتمال فى المانع عنه فعدم الاكتفاء عدول عن الطّريق العقلائى اليقينىّ بمجرّد الاحتمال والتّنظير فى غير محلّه هذا غاية ما يقفى توضيح مراده ره من مقتضى القاعدة وتفصيل الكلام أنّه لا اشكال فى جواز الاقتصار بالعلم الاجمالى فى غير العبادات سواء كان من الواجبات التوصليّة والتّسبيبات المحضة كما اذا غسل ثوبه النّجس ثلاث مرّات من دون اجتهاد وتقليد بل لو اغتسل فى حال النّوم او كان من العقود والايقاعات الّتى لم يكن مجرّد وقوعها فى الخارج مطلوبا للشّارع ومرتّبا عليه الأثر بل يشترط فى تأثير مطلوبه وقوعه من شخص خاصّ فإن أتى فى عقد النّكاح بجميع صوره المحتملة فقد ارتفع التّكليف وترتّب الآثار بل وان لم يأت بجميع المحتملات كأن اتى بواحد منها ثمّ علم باصابة الواقع فانّ المقصود من الفعل وقوعه فى الخارج باىّ وجه اتّفق من دون مدخليّة شيء آخر فيه ولم نعرف فى ذلك مخالفا وامّا فى العبادات فالظّاهر عدم الاشكال ايضا فيما لا يمكن بسهولة تحصيل العلم التّفصيلى او ما يقوم مقامه فى كفاية الاحتياط فى رفع التّكليف وفاقا للاكثر للقطع بصدق الاطاعة اذا اتى بما كان المأمور به فى ضمنه فيجوز لمن شكّ فى مدخليّة شيء فى الوضوء او الصّلاة من حيث كونه شرطا او جزء ان ياتى بهما مع ذلك المشكوك لانّه ان كان فى الواقع جزء فقداتى به وان لم يكن جزء فالمفروض عدم كونه مانعا ولا دليل على كونه منافيا لحصول الإطاعة خلافا للحلّى ره كما ستعرفه مستندا فى ذلك الى وجوب مقارنة الفعل الواجب لوجهه يعنى يشترط فى صحّة العبادة تعيين كونها واجبة او مندوبة ومع الاشتباه وتعدّد الصّلاة لا يمكن تحصيل العلم بالوجه وخلافا لجمع من المتاخّرين حيث وافقوه على ما حكى عنهم المحدّث البحرانى معلّلين بلزوم التّشريع فى التعدّد والاحتياط وذلك لانّ الواجب ليس الّا فعلا واحدا والآتي بازيد من واحد آت بما ليس من الدّين فيصدق عليه التّشريع ويرد على الأوّل أوّلا نفى الدّليل على لزوم نيّة الوجه لا من الشّرع ولا من العقل ويكفى فى صحّة العبادة قصد القربة واحتمال كونها مامورا بها وثانيا أنّ ذلك فيما يتمكّن المكلّف من تحصيل العلم التّفصيلى وثالثا أنّ ثبوت التّكليف بالصّلاة المتوجّه فيها الى القبلة واشتغال الذمّة بها على وجه اليقين يقتضى الإتيان بجميع ما يحتمل كونه مطلوبا فيجوز للمصلّى اتيان الصّلاة مكرّرا بل

٨٤

يجب بمقتضى الاشتغال حتّى يحصل له العلم بسقوط التّكليف ويقصد الوجه فى المامور به الواقعى المأتيّ به فى ضمن المحتملات وعلى الثّانى انّ التّشريع انّما هو ادخال ما علم انّه ليس من الدّين لا ادخال ما يحتمل كونه منه واتيان فعل برجاء انّه من الدّين فانّه ليس تشريعا قطعا وامّا إذا تمكّن المكلّف من تحصيل العلم التّفصيلى بالعبادة فاذا توقّف الاحتياط على التّكرار فالمشهور عدم كفاية الاحتياط وما يمكن ان يستدلّ لهم وجوه الأوّل الأصل لانّ ثبوت التّكليف بالصّلاة على جهة القبلة مثلا يقينىّ فيجب الأخذ بالمتيقّن فى مقام الشّك تحصيلا للبراءة اليقينيّة وحصولها بالعمل بالاحتياط مشكوك وليس الشّك فى كفاية الامتثال الاجمالى او اشتراط العلم التّفصيلى به من الشّك فى الجزئيّة والشّرطيّة حتّى يبنى على البراءة فانّ الكلام فى المقام فى كيفيّة الامتثال لا فى اصل المأمور به وبيان ذلك انّ كلّما كان الشّك راجعا الى اصل التّكليف فهو محلّ للبراءة عقلا ونقلا وامّا اذا كان التّكليف معلوما باجزائه وشرائطه كما علم انّ الصّلاة مشروطة بالطّهارة والقبلة وشكّ فى مقام العمل انّ الصّلاة المعلومة هل تحقّقت وحصل امتثالها ام لا فهو محلّ للاشتغال لانّ المكلّف به معلوم والتّكليف به ثابت فيلزم تحصيل البراءة اليقينيّة الثّانى عدم صدق الاطاعة بالاتيان على وجه الاجمال لكونه لغوا وعبثا بامر المولى وحكى هذا عن صاحب الفصول ره وبعض آخر والغاية وقوع الشّك فى كفايته فى تحقّق الامتثال وقد علم انّ الواجب ح هو الأخذ بالمتيقّن والامتثال التّفصيلى الثّالث أنّ قصد الوجه معتبر فى صحّة العبادة ومع الاشتباه لا يمكن ذلك فلا يصحّ كما مرّ عن الحلّى ره الرّابع ان الظّاهر من كلام السيّد الرّضى وتقرير اخيه كما ستعرفه ثبوت الاجماع على بطلان صلاة من لا يعلم احكامها وجواب السيّد المرتضى وان كان ممنوعا الّا انّه غير ضائر بالاستدلال وفى الجميع نظر أمّا الأوّل فقد يقال فى دفع اصالة الاشتغال بامكان التّمسّك باطلاقات الكتاب والسنّة كقوله تعالى (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ) الآية وغيرها وفيه ما مرّ من انّ حصول الاطاعة ليس قيدا للمأمور به وليس ممّا يندرج فيه بنحو الشرطيّة او الجزئيّة حتّى يصحّ دفعه بتلك الإطلاقات وانّما يصحّ التمسّك بالاطلاق فيما لو شكّ فى تقييد نفس المأمور به وحصول الاطاعة ليس من ذلك بل هو من لوازم المأمور به وحصول الاطاعة بمنزلة العلّة الغائيّة للأمر فهو مقدّم على الأمر تصوّرا ومؤخّر عن المأمور به وجودا خارجيّا ولا يمكن اندراجه فى المأمور به حتّى يصحّ دفعه بالإطلاق فالانصاف أن يقال إنّا لمّا راجعنا طريقة العرف والعقلاء وجدناهم قاطعين بحصول الإطاعة والانقياد بالإتيان بالمحتملات ولو تمكّن المكلّف من تحصيل العلم التّفصيلى ويعدّونه ممتثلا كما بيّناه فى صدر الكلام عند بيان المراد من مقتضى القاعدة فإن قلت سلّمنا صدق الاطاعة عقلا وعرفا على الامتثال الاجمالىّ ولكن مجرّد صدقها لا يوجب براءة الذمّة والخروج عن الاصل لانّ الاطاعة

٨٥

لها فردان احدهما الاطاعة بنحو التّفصيل والأخر بنحو الاجمال واذا كان الامتثال مشروطا بحصول الاطاعة فلا يحصل الامتثال اليقينىّ الّا بحصول الإطاعة بنحو التّفصيل لانّه المتيقّن بالنّسبة الى الفرد الآخر قلت أوّلا انّ مقتضى الاصل اللفظىّ الحاصل من اطلاق قوله تعالى (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) ونحوه عدم الفرق بين نحوى الإطاعة فانّ الآية وغيرها من مطلقات أوامر الاطاعة مطلقة بالنّسبة الى القسمين والأصل عدم تقيّدها بفرد خاصّ واطاعة مخصوصة وليس هذا الاطلاق من قبيل اطلاق العبادة وثانيا أنّ مقتضى اصالة البراءة ايضا عدم الفرق فانّ الاطاعة اذا كانت مطلوبة للشّارع على وجه خاصّ كانت كاصل الفعل المأمور به من شأنه ان يبيّنه الشّارع ووجب عليه الاعلام بذلك فلمّا لم يصل الينا شيء فى ذلك علمنا انّ مقصوده الاعمّ من النّوعين بقاعدة لا تكليف الّا بعد البيان الّتى قرّرها العقل والنّقل وامّا الثّانى فنقول انّ الدّاعى الى ايجاد الفعل ان كان هو اللّعب والعبث بحيث لا يكون له داع الى ذلك الّا الاستهزاء بالمولى فهو حقّ ومناف للاطاعة الّا انّه لا يختصّ بالموافقة الاجماليّة والموافقة التفصيليّة للامر ايضا اذا كان الدّاعى اليها ذلك كان المحذور متحقّقا وان كان هو امتثال الامر واظهار العبوديّة فلا عبث ولا لغو خصوصا اذا كان بداع عقلائى كرفع ذلّ السّؤال والتّقليد او سهولته بالنّسبة الى التعلّم وغير ذلك بل اذا كان الدّاعى هو قصد الامتثال مع عدم داع عقلائىّ صحّ الاحتياط بالتّكرار لانّه اتى بالمأمور به على وجهه بماله من الاجزاء والشّرائط متقرّبا به اليه تعالى غاية الامر كون هذا النّحو ممّا لا يقدمون عليه العقلاء كما لو اختيار فى شدّة البرودة الاتيان بالصّلاة على السّطح او فى شدّة الحرارة الاتيان بها فى داخل البيت حيث انّه لم يخلّ بالمأمور به بما هو معتبر فيه الّا انّه لم يكن له فى اختيار هذا النّحو داع عقلائىّ وقد انقدح ممّا ذكرنا انّه لا يبعد القول بصحّة العمل بالاحتياط لتارك طريقى الاجتهاد والتّقليد ولو لم يكن عن داع عقلائىّ وكان متمكّنا من احدهما وانتظر لتمام الكلام فيما يأتيك من المصنّف ره فى خاتمة البراءة والاشتغال إن شاء الله الله تعالى وامّا الثالث فقد مرّ عدم الدّليل على اعتبار قصد الوجه اصلا ولو سلّم فالتّكرار لا ينافى ذلك فانّه يقصد امتثال أمر المولى بالصّلاة الواجبة عليه بين الصّلاتين ويقصد الوجه وصفا او غاية غاية الامر انّه لا تمييز للواجب حيث انّه لم يتميّز المأمور به بعنوانه ولا دليل على اعتبار التّمييز اصلا حيث لا عين ولا اثر منه فى الأخبار والعامل يغفل عنه غالبا وان كان يلتفت اليه احيانا ولو كان له دخل فى حصول الغرض لكان على الشّارع بيانه والّا لاخلّ بغرضه واعتباره إن كان من جهة كونه مقدّمة لقصد الوجه فقد عرفت ما فيه وان كان من جهة الاجماع المذكور فى الوجه الرّابع فستعرف الجواب عنه هذا كلّه بحسب القاعدة ولكنّ الظّاهر من سيرة الفقهاء وبنائهم قديما وحديثا عدم حصول الاطاعة والامتثال بالاحتياط

٨٦

بالتّكرار فمن تمكّن من الصّلاة فى ثوب معلوم الطّهارة تفصيلا لا يجوز له تكرار الصّلاة فى ثوبين مشتبهين واذا لم يتوقّف الاحتياط على التّكرار بان كان المعلوم بالاجمال مردّدا بين الاقل والاكثر فالظّاهر عدم الاشكال بالاحتياط فى مقام العمل بالإتيان بالاكثر مع جميع ما اعتبر فى مقام الاطاعة فيقصد بهذا الفعل اطاعة امر السيّد بحيث لا يكون له داع الّا امتثال أمره ويقصد به الوجه فيقصد الصّلاة الواجبة عليه فى ضمن الاكثر او يأتى بالصّلاة فى ضمنه لوجوبه عليه مع كونها مميّزة عن غيرها غاية الامر انّه يخلّ بالتّمييز فى الاجزاء لعدم اتيانه ما احتمل جزئيّة على تقدير الجزئيّة بقصد الجزئيّة ولم يعهد من احد اعتبار مثل ذلك فى العبادات فاحتمال دخله فى حصول الغرض فى غاية الضّعف قوله (بل الظّاهر المحكىّ من الحلّى فى مسئلة الخ) حيث اختار طرحهما وجعل الاحتياط فى الصّلاة عريانا فانّه قال بعد اختيار ذلك لانّ المسألة بين اصحابنا فيها خلاف ودليل الإجماع فيه مفقود فاذا كان كذلك فالاحتياط يوجب ما قلناه انتهى قوله (بل ظاهر كلام السيّد الرضى ره فى مسئلة الجاهل بوجوب القصر) نقل جماعة انّ السيّد الرضى سأل اخاه المرتضى فقال انّ الاجماع واقع على انّ من صلّى صلاة لا يعلم احكامها فهى غير مجزية والجهل باعداد الرّكعات جهل باحكامها فلا تكون مجزية فاجاب المرتضى عنه بجواز تغيّر الحكم الشرعىّ بسبب الجهل وان كان الجاهل غير معذور واعلم أنّ الجاهل العامل بخلاف الواقع غير معذور مط مع التّقصير لا من حيث التّكليف ولا من حيث الوضع وقد استثنى الأصحاب من ذلك القصر والإتمام والجهر والإخفات فحكموا بمعذوريّة الجاهل فى الموضعين والظّاهران مرادهم من المعذوريّة فيهما انّما هو من حيث الحكم الوضعى وهى الصّحة بمعنى سقوط الفعل ثانيا لا من حيث المؤاخذة فانّ الجاهل فى المسألتين من هذه الحيثيّة كالجاهل بسائر الاحكام الشرعيّة فان كان قاصرا لم يستحقّ العقاب بمخالفة الواقع وان كان مقصّرا استحقّه على مخالفة الواقع ومدرك المعذوريّة من حيث الحكم الوضعى فى الموضعين الاجماع والنّصوص ولاجل هذا الاستثناء توجّه اشكال مشهور وهو انّه اذا لم يكن معذورا من حيث التّكليف فتكليفه بالواقع وهو القصر مثلا يكون باقيا وما ياتى به من الاتمام ان لم يكن مأمورا به فكيف يسقط الواجب وان كان مأمورا به فكيف ذلك مع الامر بالقصر واقعا وتعرّض المصنّف لهذا الاشكال مع ما يمكن ان يجاب عنه فى اواخر مبحث البراءة فى مسئلة الجاهل العامل قبل الفحص ومن الأجوبة ما هو المنقول عن السيّد المرتضى من التزام اخذ اشتراط العلم بالحكم فى موضوع التّكليف فى الموضعين وجواز تغيّر الحكم بسبب الجهل فوجوب القصر على المسافر انّما هو اذا كان عالما بحكم السّفر وامّا اذا كان جاهلا فلا يجب عليه القصر فلا يكون جاهلا بحكم الصّلاة إذا عرفت ذلك كلّه فاعلم انّه استدلّوا على المنع

٨٧

من الاكتفاء بالامتثال الاجمالى مع التمكّن من العلم التّفصيلى مطلقا حتّى فيما لا يتوقّف على التّكرار بالإجماع المدّعى فى كلام السيّد الرضىّ وتقرير أخيه وفيه بعد الغضّ عن بطلان الجواب المذكور ظاهرا لانّه راجع الى اخذ العلم بالحكم فى موضوعه فيلزم الدّور ووجه الغضّ هو ان غرض المستدلّ فى المقام لا يبتنى على صحّة جواب المرتضى وبطلانه بل غرضه متعلّق بالإجماع المذكور وبعد تسليم حجيّة نقل الإجماع انّ الإجماع المدّعى فى كلام الرّضى الّذى قرّره اخوه انّما هو فى العامل الجاهل المركّب الّذى يكون معتقدا غافلا عن مخالفة اعتقاده للواقع لا فى العامل الجاهل البسيط الّذى يكون عمله مخالفا للواقع مع انّه شاكّ متردّد فانّ الشاكّ المتردّد لو اتى بالتّمام فى السّفر حكم ببطلانه اتّفاقا كما انّه لو اتى بالقصر مع التردّد حكم ببطلانه ايضا اتّفاقا وكذا الحكم فى مسئلة الجهر والإخفات فالجاهل البسيط البانى على احراز الواقع بالاحتياط خارج عن مورد الإجماع قوله (وهل يلحق بالعلم التّفصيلى الظّن التّفصيلى) امّا الظّن الثّابت بدليل الانسداد فلا اشكال فى جواز ترك تحصيله والأخذ بالاحتياط اذا لم يتوقّف على التّكرار لوجود المقتضى وهو صدق الامتثال على الاتيان بالاجمال عرفا وحكم العقل بسقوط التّكليف به وفقدان المانع لانّه امّا هو الشّهرة على عدم الواسطة بين الاجتهاد والتّقليد وأمّا فتوى الاصحاب فى خصوص المسألة وأمّا اشتراط صحّة العبادة بمقارنتها لقصد الوجه ولا يجرى شيء منها فى الفرض أمّا الشهرة فموردها الظّن الخاصّ ومراد المشهور من الاجتهاد والتقليد اللّذين لم يكن لهما ثالث هو الاجتهاد الحاصل من الظّن الخاصّ او العلم التّفصيلى والتقليد لمن كان كذلك وذلك لوضوح عدم عنوان للظنّ المطلق الّا بين بعض المتاخّرين والمتقدّمون مطبقون على العمل بالظنّ الخاصّ والفتوى ايضا مورده الظّن الخاصّ مضافا إلى عدم ثبوته فى صورة عدم التّكرار مط وقد عرفت الكلام فى نيّة الوجه مضافا إلى انّه لو قلنا باعتباره فلا نسلّمه الّا مع العلم بالوجه او الظّن الخاصّ لا الظّن المطلق الّذى لم يثبت القائل به جوازه الّا بعدم وجوب الاحتياط لا بعدم جوازه فكيف يعقل تقديمه على الاحتياط واذا توقّف الاحتياط على التّكرار فالظّاهر ايضا جواز ترك تحصيل الظّن والعمل بالاحتياط لما عرفت من وجود المقتضى وعدم المانع والمهمّ فى المقام هو ما اشرنا اليه من انّ اثبات حجيّة الظّن المطلق انّما هو بعد ملاحظة عدم وجوب الاحتياط لاستلزامه العسر والحرج فالظنّ طريق فى مقابل الاحتياط على سبيل الوجوب التّخييرى لا التّعيينى فانّ اعتباره لرفع المشقّة عن المكلّف حتّى لا يلزم التّكليف بالمحال او بما لا يطاق عادة امّا لو الزم المكلّف على نفسه تحمّل هذه المشقّة واتى بمجموع اطراف الاشتباه كان مجزيا بل هو أولى قطعا من العمل باحد الاطراف كيف ولا يتصوّر انفكاك الاحتياط عن المطلوب الواقعى بخلاف الظّن بل الظّن المطلق ليس طريقا لا الى الواقع الاوّلى ولا الى الواقع الثانوىّ حتّى يصحّ معه قصد الوجه وذلك لانّ العمل به فى الحقيقة عمل باحد طرفى الاحتياط قائم مقام الاحتياط

٨٨

الكلّى بعد عدم امكانه فهو بعد ثبوت حجيّته بدليل الانسداد لا يخرج عن كونه احتياطا ويكون احتياطا اضعف من الاحتياط الكلّى لانّ الاتيان بالمطلوب الواقعى بعد انسداد باب العلم التّفصيلى او ما يقوم مقامه من الظّن الخاصّ موقوف على الاتيان بجميع اطراف الاشتباه واذا لم يمكن الإتيان بجميعها من المظنونات والمشكوكات والموهومات ولم يمكن ترك العمل بالكلّ لبقاء التّكليف بالضّرورة من الدّين يحكم العقل بتقديم الأخذ بالرّاجح وليس ذلك الّا المظنون وبالجملة لو فرض تحمّل المكلّف للاحتياط فهو اولى من العمل بالظنّ الّا ان يقال انّ تكرار العبادة احتياطا فى الشّبهة الحكميّة مع ثبوت الطّريق الى الحكم الشّرعى ولو كان هو الظّن المطلق خلاف السّيرة المستمرّة مع انّ انكار العمل بالظنّ المطلق انّما هو من جهة انكار الانسداد والّا فعلى ذلك التّقدير والعياذ بالله يكون العمل بالكبرى اجماعيّا فيكفى فى تقديم الظّن على الاحتياط بالتّكرار احتمال عدم جوازه واعتبار الاعتقاد التّفصيلى ولو كان ظنّا فالاحوط ترك العمل بالتّكرار وان لم يكن واجبا ثمّ انّ هذا كلّه بناء على تماميّة دليل الانسداد وانّ من مقدّماته عدم وجوب الاحتياط وامّا بناء على عدم تماميّته واتّفق عدم تمكّنه من الامتثال على وجه العلم والعلمىّ فاللّازم هو الامتثال بالإجمال كما انّ بناء على تماميّته وان من مقدّماته عدم جواز الاحتياط لاستلزامه العسر المخلّ بالنّظام فلا مناص من القول ببطلان الاحتياط لانّ المفروض انسداد باب العلم وانحصار الطّريق بالظنّ فيجب الامتثال بالظنّ التّفصيلى اجتهادا او تقليدا وأمّا الظّن الثّابت اعتباره بالخصوص ففى جواز الاحتياط والامتثال الاجمالى وعدمه وعلى الجواز فهل هما متساويان او يكون احدهما اولى من الآخر احتمالات فإذا كان الظّن خاصّا وتوقّف الاحتياط على التّكرار فالمختار عند جماعة كفاية الامتثال الاجمالى لتحقّق الإطاعة كما سبق فى الدّوران بينه وبين تحصيل العلم التّفصيلى بل الامر هنا اوضح فانّا لو امتثلنا بنحو العلم الاجمالى بان اتينا بالصّلاة مثلا مع الشّك فى جهة القبلة على جميع الجهات المحتملة فقد قطعنا بحصول الاطاعة والاتيان بالمأمور به الواقعى بخلاف ما لو عملنا بمقتضى الظّن التّفصيلى كقيام الامارة او البيّنة على جهة خاصّة فانّ غايته حصول الامتثال فى مرحلة الظّاهر ولم يكن احتمال التخلّف عن المامور به الواقعى منفيّا وظاهر المشهور هنا ايضا تقديم العمل بمقتضى الظّن التّفصيلى كما يظهر من ذهابهم الى عدم الواسطة بين الاجتهاد والتّقليد ودليلهم فى المقام ما تقدّم من الادلّة الأربعة وقد عرفت الكلام فيها وقد يتوهّم هنا دليلان آخر ان أحدهما أنّ الظّن قائم مقام العلم وقد نزّله الشّارع منزلته فيجب ترتيب جميع احكام العلم عليه لعموم المنزلة ومن جملة أحكام العلم عدم جواز العمل بالاحتياط لوضوح عدم امكانه مع تحقّق العلم التّفصيلى واذا قام الظّن المعتبر فلا يجوز العمل بالاحتياط والّا لم يكن الظّن قائما مقام العلم وهذا الوجه انّما يجرى فيما كان الظّن موجودا بالفعل ولا يجرى فى صورة مجرّد التمكّن منه و

٨٩

ثانيهما أنّ الادلّة الدّالة على وجوب العمل بالظّنون الخاصّة كآية النّفر والسّئوال وغيرهما عامّة بالنّسبة الى جميع افراد المكلّفين سواء كانوا محتاطين ام لا والحكم بجواز الاحتياط يوجب التّقييد فى تلك الادلّة من دون دليل دالّ عليه فمقتضى اطلاقها انحصار الامر فى الاجتهاد والتّقليد وفى كليهما نظر امّا فى الاوّل فلوضوح انّ التّنزيل انّما هو بلحاظ الأثر الشّرعى فكلّ حكم رتّب على العلم بسبب جعل الشّارع كما لو علمنا بالتّفصيل مثلا وجوب الصّلاة وجب ترتيبه على الظّن ايضا لكونه بمنزلته عنده وامّا الأثر الّذى اقتضاه ذات العلم ولا يمكن جعله فلا يصحّ ترتيبه على الظّن مثل عدم امكان قيام العلم الإجمالي مقام العلم التّفصيلى فانّه بذاته يقتضى عدم تحقّق موضوع الاحتياط ومن هنا علم بطلان ما قاله بعض فى باب الطّلاق من صحّة طلاق المطلّقة رجعيّا لكونها بمنزلة الزّوجة فيجب ترتيب آثار الزوجيّة عليها ومن جملتها صحّة الطّلاق مع انّ من الواضح خروجها عن الزوجيّة الحقيقيّة بالطّلاق الاوّل ولا يصحّ طلاقها ثانيا وامّا فى الثّانى فبانّ من الواضح عدم وجود أداة الحصر فى تلك الادلّة كى تدلّ على حصر الطّريق فى مقام الامتثال ومعرفة الاحكام فى خصوص تلك الظّنون وانّ غيرها ليس طريقا عند الشّارع فدلالتها على الحجيّة امّا ان تكون على نحو الوجوب النّفسى بان يكون الظّن متصرّفا فى الواقع وانّه ليس مطلوبا على وجه الاطلاق بل اذا وصل اليه بالعلم او بالظنّ المعتبر بحيث لو أتى بالواجب على غير هذين الوجهين لم يتحقّق الامتثال وامّا على نحو الوجوب الغيرى بان يكون مطلوبيّة الواقع باقية على حاله وباطلاقه ويكون الوصول اليه مطلوبا باىّ وجه اتّفق ويكون اعتبار الظّن بمعنى كونه موصلا اليه تعبّداً والاوّل لا دليل عليه والظّاهر من اقيموا الصّلاة ونحوه كون الصّلاة مثلا واجبة على الاطلاق باىّ طريق امكن الوصول اليها وتقييد وجوبها بنحو خاصّ لا دليل عليه والثّانى هو الموافق لظاهر اطلاق مطلوبيّة الواقع ويكون العلم الاجمالى فى عرض الظّن المعتبر لامكان الوصول الى الواقع بكلّ منهما بل لو احتاط وكان المفروض حرمة التوصّل بالاحتياط صدق الامتثال بالنّسبة الى الواقع كما هو الحال فى المقدّمات الوجوديّة المحرّمة بالنّسبة الى الواجبات هذا كلّه فى جواز التّكرار مع قيام الظّن المعتبر بل اولويّته على الاخذ بالظنّ الخاصّ ولكن قد عرفت انّ المشهور على خلافه والظّاهر من سيرة الفقهاء عدم حصول الاطاعة بالاحتياط بالتّكرار وان لم يتوقّف الاحتياط على التّكرار فالظّاهر ايضا عدم الاشكال فيه بالاتيان بالاكثر فلو شكّ فى وجوب السّورة مثلا فى الصّلاة لا يجب عليه ازالة الشّبهة وان تمكّن منها بدليل ظنّى معتبر اجتهادا او تقليدا لتحقّق الاطاعة معه كما مرّ فى صورة التمكّن من العلم بل الأمر هنا اوضح للقطع باتيان المأمور به الواقعى بخلاف العمل بمقتضى الظّن التّفصيلى الدالّ مثلا على عدم وجوب السّورة فانّ غايته حصول الامتثال فى مرحلة الظّاهر نعم فى العمل بالاحتياط اخلال بالتّمييز فى الاجزاء لعدم اتيان الجزء على تقدير

٩٠

وجوبه بقصد الجزئيّة وقد عرفت انّه لم يعهد من احد اعتباره قوله (وهذا ليس تقييدا فى دليل تلك العبادة) قد تقدّم منّا ما يوضح هذه العبارة وعلمت انّ التّقييد فرع الاطلاق ولا يمكن شمول اطلاق دليل العبادة والأمر بها لهذه الخصوصيّة لانّ التّعبد بالاتيان بالمأمور به بخصوصه متميّزا عن غيره من الامور المتاخّرة عن الأمر فلا يمكن اخذه فى مفهومه حتّى يكون قيدا له او يؤخذ الأمر بالنّسبة اليه مطلقا والّا يلزم الدّور لوضوح انّ القيود المأخوذة فى العبادات منها ما هو قيد للمادّة ومأخوذ فى المأمور به شطرا او شرطا مع قطع النّظر عن تعلّق الأمر بها واتّصافها بالمطلوبيّة كالقراءة والطّهارة فى الصّلاة وفى هذا القسم يمكن التمسّك بالاطلاق فى دفع التّقييد فى مقام الشّك ومنها ما هو قيد للعبادة بملاحظة كونها مأمورا بها ومطلوبة للشّارع كقصد القربة والاطاعة والوجه والتّمييز ومع الشّك فى اعتبار شيء منها فى مقام الاتيان بالعبادة لا يمكن التمسّك فى نفيه باطلاق المادّة واصالة عدم التّقييد لانّ ذلك فرع قابليّتها للاطلاق ولذا لا يمكن التمسّك به ايضا عند دوران الأمر بين التعبّدية والتوصّلية هذا وراجع ما قدّمناه قوله (عدا السّيد ابى المكارم فى ظاهر كلامه فى الغنية) الظّاهر من كلامه بل صريحه انّ عند دوران الامر بين كون مقتضى الامر الوجوب او النّدب لا يجوز البناء على الوجوب والايجاب فيما يحتمل النّدب على وجه يثمر الاعتقاد بالوجوب والعزم على الاداء على هذا النّحو لا فعله باحتمال الوجوب مع عدم البناء عليه ويشهد لذلك ملاحظة طريقته فى الفقه حيث يتمسّك بالاحتياط فى موارد عديدة كما فى ادخال المرفق فى غسل اليدين فراجع ولا بأس بذكر امور الأوّل انّ اتّصاف العلم بالإجمال والتّفصيل انّما هو باعتبار متعلّقه اى المعلوم والّا فنفس العلم لا يقبل الإجمال والتّفصيل فهو من باب الوصف بلحاظ حال المتعلّق الثّانى انّه وان رجّحنا جواز العمل بالاحتياط ووقوعه طريقا الى الواقع فى الجملة كالعلم التّفصيلى والظّن المعتبر الّا انّ من الواضح انّ غير الفقيه لا يجوز له العمل به الّا بعد تجويز من يقلّده لذلك لما عرفت من انّ المسألة خلافيّة الثالث انّه لو دار الأمر بين العمل بمقتضى علم اجمالى قلّت اطراف الشّبهة فيه والعمل بمقتضى علم اجمالى آخر كثرت فيه الاطراف كما اذا كان هناك ثوبان مشتبهان احدهما طاهر والأخر نجس وكان هناك ايضا عشرة اثواب احدهما طاهر والباقى نجس ولم يكن هناك ثوب معلوم الطّهارة تفصيلا ودار الامر بين صلاتين مع الثّوبين وعشرة صلوات فى عشرة اثواب فعلى المشهور يتعيّن الصّلاتان لكون العلم الاجمالى فيهما يكون كالتّفصيلى بالنّسبة الى العلم الاجمالى الآخر وعلى القول الآخر فلا فرق بين قلّة الاطراف وكثرتها والاحتياط لا ينبغى تركه بل لا يبعد عدّ العرف التّكرار الكثير لغوا وعبثا كما يبعد عدّه طريقا شرعيّا قوله (والاشتباه فى هذا القسم) اى فيما كان من جهة اشتباه مصاديق متعلّق الخطاب

٩١

وهو المسمّى بالشّبهة الموضوعيّة فإن قلت إنّ هذا التّقسيم الاخير يمكن جريانه ايضا فى الشّبهة الحكميّة لانّه يمكن الاشتباه فى الخطاب الصّادر عن الشّارع والشّك فيه من جهة الشّك فى متعلّقه بان لم يعلم مثلا تعلّق الخطاب بالمسافر او الحاضر او بالرجل او المرأة والخطاب كما يكون له تعلّق بالمكلّف به يكون له تعلّق بالمكلّف ايضا والحاصل انّ الاشتباه من حيث المكلّف لا يختصّ بما كان سبب الاشتباه الامور الخارجيّة وما يعرض المكلّف من السّهو والنّسيان مثلا قلت من حيث التصوير والامكان يكون الامر كما ذكرت ولكن غرض المصنّف انّما هو باعتبار ما وقع من الشّبهات فى الشرعيّات وليس فيها ما يكون كذلك بان نعلم بصدور خطاب من الشّارع ولكن نشكّ فى تعلّقه باحد نوعين قوله (يطرح القولان ويرجع الى مقتضى الأصل) وجه مخالفة هذا القول للعلم التّفصيلى انّ الرجوع الى الاصل وطرح القولين المعلوم كون احدهما قول الامام عليه‌السلام يعمّ ما يكون الاصل مطابقا لأحد القولين كما اذا اختلفت الامّة فى الوجوب او الحرمة والإباحة وما يكون مخالفا لهما كما اذا اختلفت الامّة على الوجوب والحرمة ولم يكن احدهما على طبق الاستصحاب وعلى الأخير يكون الاصل المأخوذ مخالفا لقول الإمام عليه‌السلام تفصيلا وان كان متولّدا من المخالفة الإجماليّة ونسب المصنّف ره في هذا المقام وفى باب البراءة فى المسألة الأولى من المطلب الثالث القول بالتّخيير الواقعى الى ظاهر كلام الشّيخ ره وفى هذا ايضا مخالفة تفصيليّة لقول الإمام ع لانّ بعد اختلاف الامّة على قولين يعلم انّ حكم الإمام ع احدهما المعيّن ولا ريب انّ التّخيير مخالف للتّعيين ولذا اعترض المحقّق فى المعارج على الشّيخ بانّ قولك بالتخيير لا يفيد فى الفرار عن المخالفة فى الرجوع الى الأصل وانتصر المحقّق القمّى للشّيخ بحمل التّخيير فى كلامه على التّخيير الظّاهرى والإنصاف أنّ ظاهر كلمات الشّيخ يأبى عن التّخيير الظّاهرى فمنها ما نقله المصنّف فى المسألة المشار اليها عن العدّة ومنها ما عن العدّة ايضا من انّه اذا اختلفت الامّة فى مسئلة نظرنا فى تلك المسألة فان كان عليها دلالة توجب العلم من الكتاب او سنّة مقطوع بها تدلّ على صحّة قول من كان له الدّليل وقطعنا انّ قول المعصوم ع موافق له وان لم يكن على احد الأقوال دليل يوجب العلم نظرنا فى احوال المختلفين فكلّ من عرفناه بعينه ونسبه قائلا بقول والباقون قائلون بالقول الأخر لم يعتبر قول من عرفناه لانّا نعلم انّه ليس فيهم الامام عليه‌السلام المعصوم الّذى قوله حجّة وان كان فى الفريقين اقوام لا نعرفهم وهم مع ذلك مختلفون كانت المسألة من باب ما نكون فيها مخيّرين باىّ القولين اخذنا ويجرى ذلك مجرى خبرين متعارضين الّذين لا ترجيح لاحدهما على الآخر على ما مضى القول فيما تقدّم وانّما قلنا ذلك لانّه لو كان الحقّ فى احدهما لوجب ان يكون ممّا يمكن الوصول اليه فلمّا لم يمكن دلّ على انّه من باب التّخيير ومتى فرضنا ان يكون الحقّ فى واحد الاقوال ولم يكن هناك ما يميّز ذلك القول من غيره فلا يجوز للامام المعصوم الاستتار ووجب عليه ان يظهر و

٩٢

يبيّن الحقّ فى تلك المسألة او يعلم بعض ثقاته الّذين يسكن اليهم الحقّ من تلك الاقوال حتّى يؤدّى ذلك الى الامّة ويعترفون بقوله علم مخبر يدلّ على صدقه انتهى فانّ ظاهر هذا الكلام يدلّ على انّ القولين كلاهما قول الإمام ع فيجب العمل بهما مخيّرا ومع ذلك كلّه لا يكون هذا الكلام من الشّيخ مخالفة تفصيليّة لقول الإمام ع بل على مذهبه يكون موافقة تفصيليّة لقوله ع لانّ مذهب الشّيخ فى حجيّة الإجماع قاعدة اللّطف وفيما اذا اختلفت الامّة على قولين فاللّطف يقتضى ان يكون كلاهما قول الإمام ع والّا يجب عليه التّمييز وتبيين الحقّ من الباطل كما اشار اليه بقوله السّابق ومتى فرضنا ان يكون الحقّ فى واحد الاقوال ولم يكن هناك ما يميّز ذلك القول عن غيره فلا يجوز للامام المعصوم الاستتار ووجب إلخ واذا كان القولان معا قول الإمام كان حكمه عليه‌السلام هو التّخيير الواقعىّ وكذلك قولهم بالرّجوع الى الاصل وطرح القولين محتمل لارادة خصوص الصّورة الّتى يكون احد القولين موافقا للأصل وعلى فرض الاطلاق فكلامهم مقصور بما اذا دار الأمر بين الوجوب والحرمة التّوصليّين لا فيما كانا تعبّديين محتاجين الى قصد الامتثال او كان احدهما المعيّن كذلك ولا يلزم حينئذ إلّا المخالفة الالتزاميّة لا العمليّة التفصيليّة لانّه امّا ان يفعل ذلك الفعل او يتركه فيحصل الموافقة الاحتماليّة وستطّلع آنفا على عدم حرمة المخالفة الالتزاميّة قوله (فانّه قد يؤدّى الى العلم التّفصيلى بالحرمة او النجاسة) وينحصر التخلّص بما يذكره فى الامر الاوّل من الامور الثّلاثة فانّ القائل بجواز ارتكاب كلا المشتبهين اذا قال بانّ الواجب الاجتناب عمّا علم كونه بالخصوص نجسا او حراما ويكون المشتبه حلالا ما دام كونه كذلك فاذا تعيّن يكون حراما جاز له ترتيب جميع آثار الحليّة عليهما ومنها جعلهما ثمنا للمبيع وحليّة الوطى قوله (ثمّ أقرّ بها للآخر فانّه يغرم للثّانى قيمة العين) هذا مبنىّ على مذهب المشهور حيث ذهبوا الى الأخذ بالاقرار بعد الاقرار وحكموا بالزام المقرّ بالمثل او القيمة للثّانى وذهب الشّيخ ره إلى عدم الاعتبار بالإقرار الثّانى وعليه فهو اجنبىّ عن الفرض قوله (بانفساخ العقد المتنازع فى تعيين ثمنه) قد ينسبق الى بعض الأذهان انّ فى بعض المسائل المتقدّمة كان مخالفة العلم التّفصيلى المتولّد من العلم الإجمالي فيما لو ادّى الى الجمع بين الثمن والمثمن وامّا المقام فانتقال الثّمن الى البائع فى المسألة الاولى والمبيع الى المشترى فى الثّانية معلوم تفصيلا وليس متولّدا من علم اجمالى ويحتاج إلى التّوضيح بانّ العلم التّفصيلى بانتقال الثّمن الى البائع فى الاولى وانتقال الجارية الى المشترى فى الثّانية ناش عن العلم الاجمالى بوقوع العقد على العبد او الجارية فى الاولى وعن العلم الاجمالى بوقوعه على الجارية بعشرة دنانير او مائة درهم فى الثّانية ثمّ لا يخفى انّ الايراد مبنىّ على بقاء الثّمن فى ملك البائع عوضا للعبد او الجارية فى المسألة الاولى

٩٣

وبقاء الجارية فى ملك المشترى فى الثانية مع الحكم ببقاء العبد وعدم انفساخه والمصنّف ره قد ادرج الجواب فى بيان الإيراد لوضوح انّ حكمهم بالانفساخ بعد التحالف يقتضى رجوع كلّ من الثّمن والمثمن الى مالكه الاوّل ويكون تصرّف كلّ من البائع والمشترى فى ملكه ولا يلزم حينئذ مخالفة للعلم التّفصيلى اصلا قوله (احدها كون العلم التّفصيلى فى كلّ من الخ) وهذا الوجه يظهر من الفاضل القمىّ ره فانّه وان جعل الألفاظ موضوعة للمعانى النّفس الأمريّة لكن فى مقام التّكليف التزم بانصرافها الى المعانى المعلومة ولازم هذه المقالة هو الحكم بطهارة المشتبهين فى الواقع وحليّتهما كذلك لكنّه لا يلتزم بذلك وكيف كان فهذا الوجه فى غاية السّقوط لانّ ظاهر الادلّة كون النّجاسة والحرمة ثابتتان للاشياء بنفسها سواء تعلّق العلم بها ام لا قوله (الثانى انّ الحكم الظاهرى فى حقّ كلّ احد) والشّارع قد رتّب الحكم الواقعى لشخص فى واقعة على الحكم الظّاهرى فى حقّ شخص آخر فى واقعة أخرى وهذا واقع فى موارد كثيرة من الشرعيّات مثل حكمهم بترتّب الآثار على العقد الفارسى عند من لم يره مؤثّرا وموجبا للتّأثير او الانتقال فى حقّ من يراه كذلك امّا اجتهادا او تقليدا فيجوز لمن لا يجوّزه ان يرتّب عليه اذا صدر من القائل بصحّته آثار العقد الصّحيح بجعله موجبا للنقل والملكيّة ويجوز له ان يتصرّف فى الثّمن الكذائى او المثمن باذن البائع الكذائى او المشترى وان يشترى بهما منهما وان يقبلهما بالصّلح والهبة والإجارة وهكذا وكذا ليس على من اعتقد نجاسة ماء الغسالة اجتهاد او تقليدا ان يحترز عمّن اعتقدها طاهرا بل وكذا ليس للمجتهد ردع العامى عن تقليد مجتهد آخر زعم خطائه فى الفتوى فلا اشكال فيما نحن فيه ايضا ان يحكم الشّارع بصحّة صلاة المأموم اذا كان صلاة الامام باعتقاده صحيحة ولو كانت فاسدة عند المأموم او فى الواقع ويبعّد هذا الوجه انّ اللّازم حينئذ صحّة الايتمام والبيع حتّى بعد كشف جنابة الامام معيّنا او كشف عدم مالكيّة احدهما والظّاهر انّ هذا لم يقل به احد فلا يكون الحكم الظاهرىّ نافذا واقعا فى حقّ الآخر قوله (عن كلّ مورد باحد الامور المذكورة) امّا ما حكم به العلّامة وبعض آخر فيما اذا اختلفت الامّة على قولين من الرجوع الى الاصل وما حكم به الشيخ من التخيير فقد عرفت الكلام فيه وامّا ما حكم بعض من جواز ارتكاب كلا المشتبهين فى الشّبهة المحصورة فيندفع اوّلا بالمنع عن صحّته بل ولا قائل به صريحا وانّما قوّاه المحقّق القمى والعلّامة المجلسى بحسب الدليل ولم يظهر منهما القول والعمل به واذا كان العلم الاجمالى متّبعا عندهم فى مقام العمل فالعلم التفصيلى بطريق اولى وثانيا بما اشرنا اليه فلعلّهما جعلا العلم جزء للموضوع بمعنى انّ الميتة المعلوم كونها ميتة على وجه التّفصيل حرام اكله وفاسد بيعه لا الميتة الواقعيّة فاذا لم يكن الميتة الغير المعلوم كونها ميتة حراما وجاز بيعها واقعا فلا

٩٤

يحصل العلم التفصيلى بحرمة وطى الجارية المشتراة بالميتة وغيرها بل يحصل العلم بجوازه وحليّته ومنشأ هذا القول على فرض ثبوته هو دعوى وضع الالفاظ للمعانى النّفس الأمريّة ثمّ انصرافها الى المعلومات فى مقام التّكاليف كما استظهرناه من كلام المحقّق القمىّ او القول بوضعها لما علم ابتداء وكلاهما كما عرفت خلاف ظواهر الادلّة وثالثا بانّ من الممكن ان يمنع هذا القائل عن حجيّة العلم الاجمالى بنفسه وجواز ارتكاب الشّبهة المحصورة وما فى حكمها ما لم يؤدّ الى العلم التفصيلى بالمخالفة بمعنى انّ المكلّف ما دام باقيا على العلم الاجمالى جاز له الارتكاب لعدم العلم بالمخالفة تفصيلا واذا خرج عن دائرة الإجمال الى التّفصيل لا يجوز له المخالفة وامّا صحّة ايتمام أحد واجدى المنى بالآخر فبجواز ان يرتّب الشارع الحكم الواقعى للمأموم وهو صحّة صلاته وجواز دخوله فيها على الحكم الظّاهرى للإمام وهو صحّة صلاته عنده وبعبارة اخرى الادلّة الدّالة على اشتراط صحّة صلاة المأموم بصحّة صلاة الامام مثل اطلاق قوله تعالى واركعوا مع الراكعين لمكان انّ المراد من الركوع هو الصحيح لا الفاسد لا تدلّ على ازيد من كون صلاة الامام صحيحة فى حقّه وبجواز أن يكون اشتراط طهارة الامام فى صحّة صلاة الماموم من الشرائط العلميّة بان يدّعى كون العلم بالحدث جزء للموضوع ويكون المبطل للصّلاة هو الحدث المعلوم تفصيلا لا من الشرائط الواقعيّة ويمكن استفادة الوجهين من صاحب المدارك فانّه بعد ان حكم بعدم وجوب الغسل عليهما قال وفى جواز ايتمام احدهما بالآخر وحصول عدد الجمعة بهما قولان اظهرهما الجواز لصحّة صلاة كلّ منهما شرعا واصالة عدم اشتراط ما زاد على ذلك وقيل بالعدم للقطع بحدث احدهما وهو ضعيف فانّا نمنع من حصول الحدث الّا مع تحقّق الانزال عن شخص بعينه ولهذا ارتفع لازمه وهو وجوب الطّهارة إجماعا انتهي وبالمنع عن صحّة صلاة المأموم كما هو الصّواب لانّ الطّهارة من الشّروط الواقعيّة ويحصل العلم ببطلان صلاة المأموم وامّا حكم الحاكم بتنصيف العين الّتى تداعاها رجلان فبانّ الحكم يوجب الصّلح قهرا ويشهد لهذا ذكرهم للمسألة فى كتاب الصّلح وبقيام البيّنتين يشتركان فى العين كما هو الحال فى المالين الممزوج احدهما بالآخر فكما انّ مزج الحنطة بالشعير اذا كانا لمالكين يوجب الاشتراك الواقعى قهرا فكذا فى المقام وبالمنع عن ترتيب اللازم ولا اجماع عليه ويكون حكم الحاكم بالتّنصيف لرفع التّشاجر فى مرحلة الظّاهر ولا يجوز لثالث شراء العين منهما حتّى يلزم المخالفة تفصيلا ومثله الكلام فى الوديعة وانّ حكم الحاكم يوجب الصّلح القهرىّ وانّ الشارع جعل تلف احد الدراهم من النوافل الواقعيّة كما ادّعى بعضهم تبادر هذا المعنى من النّص الدالّ على تنصيف الدّرهم ولا يختصّ هذا بمورد النّص وهو الدّرهم والدّرهمان بل يستفاد منه انّ مجرّد التّلف موجب للشركة والانتقال على

٩٥

الوجه المذكور وعلى تقدير المنع من كون التلف موجبا للنقل واقعا يمنع عن ترتيب اللّازم واخذ ثالث للعين المشتركة ومثله الكلام أيضا فى الاقرار بدعوى انّ الاقرار من المملّكات والنّواقل الواقعيّة وليس طريقا الى الواقع ومخبرا عنه فاذا اقرّ بشيء لأحد ثبت ملكيّته له ويكون ماله فاذا اقرّ به لآخر فقد اتلفه على الثانى بالاقرار الاوّل فيلزمه الغرامة له بالمثل او القيمة وممّا يشهد بكون الاقرار موجبا للملك لا طريقا عدم سماع انكاره بعد الإقرار ومن يمنع عن كون الاقرار مملّكا فيلتزم بعدم جواز جمع ثالث علم بالحال للعين والقيمة وامّا الحكم بانفساخ العقد المتنازع فى تعيين ثمنه او مثمنه فقد عرفت انّ الحكم بانفساخ العقد بسبب التحالف من حينه او من الابتداء يقتضى رجوع كلّ من العوضين الى مالكه الاوّل ويحتمل ان يكون اخذ الثمن او المثمن بعد التحالف من باب التّقاص الشّرعى وكذا الكلام في مسئلة اختلافهما فى كيفيّة العقد وبالجملة بعد عدم امكان التخصيص فى اعتبار العلم التّفصيلى فلا بدّ امّا من المنع عمّا افتوا به فى الموارد المذكورة وامّا من توجيهها باحد الوجوه المذكورة او غيرها قوله (الوجوب والتّحريم مع عدم كون احدهما الخ اعلم انّه اذا دار الامر بين وجوب فعل وحرمته فأمّا أن يكون كلّ من الحكمين توصّليا والحكم بالاباحة فيه لا يستلزم الّا المخالفة الالتزاميّة لانّه لا يخلو من الفعل الموافق للوجوب والترك الموافق للحرمة فلا قطع بالمخالفة الّا من حيث الالتزام باباحة الفعل وامّا ان يكون كلّ منهما تعبّديا والحكم بالإباحة يستلزم مضافا الى المخالفة الالتزاميّة المخالفة العمليّة ايضا لانّه امّا يفعل بقصد الاباحة او يترك كذلك وعلى كلّ تقدير يحصل المخالفة العمليّة لخلو الفعل او التّرك من قصد القربة وامّا ان يكون احدهما المعيّن تعبّديا فالحكم بالاباحة يستلزم المخالفة العمليّة على بعض التقادير لانّ المكلّف ان ارتكب الفعل بقصد الإباحة مع احتمال وجوبه وحرمته والعلم بكونه على تقدير الحرمة تعبّديا لا يلزم مخالفة عمليّة قطعيّة لاحتمال وجوبه التوصّلى وانّما يحصل الموافقة الاحتماليّة والمخالفة الاحتماليّة نعم في هذه الصّورة لو تركه لا بقصد القربة حصل المخالفة القطعيّة العمليّة ومثله الكلام فى عكس المسألة فانّه ان ترك الفعل بقصد الاباحة مع احتمال وجوبه وحرمته والعلم بكونه على فرض وجوبه تعبّديا لا يلزم مخالفة عمليّة قطعيّة لاحتمال حرمته التوصليّة وتحصل الموافقة الاحتماليّة ولو فعل بقصد الاباحة لزم المخالفة العمليّة القطعيّة وامّا ان يكون احدهما الغير المعيّن تعبّديا فالحكم بالاباحة لا يستلزم الّا المخالفة الالتزاميّة فقط لانّ المكلّف امّا يفعل فيلزم الموافقة الاحتماليّة لاحتمال كون وجوبه توصّليا والتعبّد فى الحرمة وامّا يترك فكذلك لاحتمال كون حرمته توصّلية والتعبّد فى الوجوب وممّا ذكرنا يعلم انّ عبارة المتن وتقييد محلّ الكلام بعدم كون احدهما

٩٦

المعيّن تعبّديا ليس لاخراج القسم الثّالث على وجه الاطلاق مثل القسم الثّانى بل الغرض هو الاشارة الى عدم كونه من محلّ الكلام وعدم المخالفة العمليّة على جميع تقاديره ثمّ انّ ظاهر العبارة كون التقييد باتّحاد زمانى الوجوب والتّحريم يختصّ بالشبهة الموضوعيّة والتقييد بعدم كون احدهما المعيّن تعبّديا يختصّ بالشبهة الحكميّة ومن الواضح اعتبار القيدين فى كلتا الشبهتين امّا لزوم اعتبار القيد الاوّل فى الشّبهة الحكميّة فلانّ الالتزام باباحة موضوع كلّى مردّد امره بين الوجوب والتحريم لا يستلزم المخالفة العمليّة القطعيّة اذا اتّحد زمان الوجوب والتحريم والالتزام باباحته فى الزّمانين قد يؤدّى الى المخالفة العمليّة وأمّا لزوم اعتبار القيد الاخير فى الشّبهة الموضوعيّة فلانّه اذا تردّدت امرأة بين كونها منذورة الوطى على وجه القربة وكونها منذورة ترك الوطى كذلك فالالتزام بالاباحة على كلّ تقدير يوجب المخالفة العمليّة القطعيّة قوله (امّا فى الشّبهة الموضوعيّة فلانّ الاصل فى الشّبهة الموضوعيّة الخ) الكلام فى جواز المخالفة القطعيّة بحسب الفتوى فى الشّبهة الموضوعيّة من حيث الكبرى فستعرفه فى حكم الشّبهة الحكميّة والكلام هنا من حيث الصّغرى بمعنى انكار تحقّق المخالفة لانّ بالأصل يخرج مجراه عن موضوع التّكليفين حقيقة لوضوح انّه غير معقول بل غرضه انّ الاصل الجارى فى الشبهة الموضوعيّة يكون حاكما على دليل الحكم ومبيّنا له بخلاف الاصل الجارى فى الشبهة الحكميّة وفيه نظر فإنّ مع العلم الاجمالى مط امّا يجوز المخالفة الالتزاميّة أم لا وعلى الجواز لا فرق بين الشّبهة الموضوعيّة والحكميّة وعلى العدم لا فرق ايضا فانّ مع العلم بثبوت الموضوع ووقوع الحلف على احد الوجهين اجمالا يعلم اجمالا بثبوت الحكم ايضا وكيف يصحّ اجراء الاصل فى الموضوع مع العلم بالخلاف ولو كان الاصل فى الموضوع مع العلم الاجمالى جاريا لجاز فى الشّبهة الموضوعيّة المخالفة القطعيّة العمليّة ايضا لوضوح عدم الحكم اصلا مع خروج المورد عن موضوع الحكمين بالتعبّد وبمقتضى الاصل الجارى ولا يقول به هذا مع انّ الاصل العملى لا يكون فى مرتبة الدّليل المثبت للحكم تفصيلا او اجمالا فلا يكون شارحا له وحاكما عليه وبالجملة ان تمّ اجراء اصالة الاباحة فى المخالفة الالتزاميّة فى الشّبهة الحكميّة من حيث القول بانّ العلم الّذى لا يقاومه الأصل ولا يصحّ اجرائه مع العلم بالخلاف هو العلم بالتّكليف الفعلى لا الشّأني الغير المنجّز لاجل عدم تأثير له فى مقام العمل فهو بعينه جار فى الشّبهة الموضوعيّة ايضا من دون خصوصيّة زائدة فيها والّا فلا قوله (وامّا الشّبهة الحكميّة فلانّ الأصول الجارية فيها الخ) يستدلّ على اجراء اصالة الاباحة فيها بانّ ادلّة الإباحة الظّاهريّة مثل قولهم كلّ شيء لك حلال يدلّ عليها مضافا إلي حكم العقل بقبح المؤاخذة

٩٧

على كلّ من الفعل او التّرك وليس العلم بجنس التّكليف المردّد بين نوعى الوجوب والتحريم كالعلم نبوع التّكليف وأمّا دعوى وجوب الالتزام بحكم الله تعالى ففيها انّ المراد بوجوب الالتزام إن اريد وجوب الانقياد والتديّن بحكم الله والالتزام بما جاء به النّبى ص فهو تابع للعلم بالحكم فان علم تفصيلا وجب التديّن به كذلك وان علم اجمالا وجب التديّن بثبوته فى الواقع والالتزام به على ما هو عليه وانتظر لتوضيحه وان أريد به وجوب موافقة حكم الله فيقرّر عدم وجوب الالتزام بوجوه الاوّل انّ الالتزام بمعنى موافقة حكم الله تعالى حاصل فيما نحن فيه فان فى الفعل موافقة للوجوب وفى التّرك موافقة للحرمة اذ المفروض عدم توقّف الموافقة فى المقام على قصد الامتثال وتوضيح ذلك انّ العمل بالأصول فى امثال المقام وان كان منافيا لنفس الحكم الواقعى كاصالة الاباحة فى شرب التتن مثلا مع العلم بالوجوب او الحرمة لكنّه غير مضرّ لانّ الادلّة الدّالة على وجوب الاطاعة وحرمة المعصية عقلا وشرعا كقوله تعالى اطيعوا الله ورسوله انّما تدلّ على الوجوب والحرمة عند تحقّق موضوع الاطاعة والمعصية وهما فرع العلم بالامر والنّهى والمفروض عدم تبيّن الواقع فالعقاب على اهمال التّكليف انّما هو اذا علم به المكلّف حين الابتلاء وتنجّز عليه امّا اذا علم بالتّكليف ولم يعلمه بالخصوص فى خصوص الواقعة فلا عقاب عليه بسبب هذه المخالفة وبعبارة أخرى الحكم بالاباحة وان خالف الواقع من جهة العلم بانّ هذا الفعل فى الواقع امّا واجب وامّا حرام فينا فيه الحكم بالاباحة الّا انّ هذا المقدار من المخالفة لا يترتّب عليه اثر لانّ المفروض عدم تحقّق المخالفة من حيث العمل لدوران الامر بين الفعل والتّرك لانّ المكلّف امّا ان يشرب التتن فلا يقطع بالمخالفة والمعصية لاحتمال ان يكون الحكم الواقعى هو الوجوب وامّا ان يتركه فكذلك لاحتمال ان يكون هو الحرمة فالمخالفة من حيث الفتوى غير مضرّ لعدم تنجّز الحكم الواقعى وعدم صيرورة مخالفته موجبة للعقاب كما هو الشّأن فى صورة العلم تفصيلا او اجمالا مع امكان تحقّق المخالفة من حيث العمل كما فى الشّبهة المحصورة امّا مع العلم بالحكم اجمالا وعدم تحقّق المخالفة من حيث العمل فلا تنجّز لحكم فى حقّ المكلّف بحيث يوجب العقاب على مخالفته ووجوب الالتزام بالحكم الواقعى مع قطع النّظر عن العمل غير ثابت لانّ الالتزام بالحكم انّما يجب مقدّمة للعمل وليس كالاصول الاعتقاديّة والمفروض عدم الافتقار فى صحّة العمل الى مقارنته لقصد الاطاعة لأنّ الكلام فى التّوصليّات ولا يلزم على المكلّف تحصيل العلم بحكم الله الواقعى اذا كان العمل بدونه صحيحا وبالجملة مخالفة الاحكام الفرعيّة انّما هى فى العمل ولا عبرة بالالتزام وعدمه وربما يقال لو فرض ثبوت الدّليل عقلا ونقلا على وجوب الالتزام بحكم الله الواقعى فهو انّما يصحّ فى مورد العلم التفصيلى وامّا مع العلم الاجمالى

٩٨

فلا ينفع لانّ الاصول تحكم فى مجاريها بانتفاء الحكم الواقعى فهى كالاصول فى الشّبهة الموضوعيّة مخرجة لمجاريها عن موضوع ذلك الحكم اعنى وجوب الاخذ بحكم الله ويدفعه أنّ الظّاهر عدم صحّة الفرق بين صورتى التّفصيل والإجمال فانّه لو لم نقل بوجوب الالتزام بالحكم فى تحقّق العمل وصدق الاطاعة فى الاولى كان عدم القول به فى الثّانية اولى وان قلنا به فى الاولى لزم القول به فى الثانية ايضا لعدم الجدوى فى التمسّك بالأصول لرفع موضوع حكم الالتزام لكونها موجبة للمخالفة العمليّة للخطاب التّفصيلى وهو وجوب الالتزام بحكم الله وذلك لانّ موضوع حكم الالتزام ليس الوجوب وحده او الحرمة وحدها بل هو الحكم المردّد بين الحكمين فانّ الواجب هو الالتزام بمطلق حكم الله الثّابت وان كان مشتركا بين الوجوب والحرمة ومن الواضح عدم امكان رفعه بالأصل فانّ غاية ما يمكن رفعه به هو خصوص احد الحكمين لا القدر الجامع بينهما الّذى هو موضوع حكم الالتزام فى الواقع واذا جرى الاصل بالنّسبة الى كلّ واحد من خصوص الحكمين قطعنا بمخالفة حكم الله تفصيلا للعلم بانّ ما وجب الالتزام به لا يكون الّا احد الحكمين المرتفعين بالأصل وأمّا لزوم المخالفة العمليّة فلانّ المفروض كون الالتزام بمطلق الحكم واجبا والمفروض عدم انتفائه بالأصل والحكم بالاباحة مخالفة عمليّة لما هو الواجب من الالتزام بمطلق الحكم الثّانى انّه لو وجب الالتزام بالحكم الواقعى بحيث يلزم من مخالفته العقاب فامّا ان يكون باحدهما المعيّن او باحدهما المخيّر والاوّل مستلزم للتّكليف بلا بيان وهو قبيح عقلا وشرعا والثّانى امّا ان يكون بنفس الخطاب الواقعى المجمل او بخطاب آخر والاوّل خلاف الفرض لانّ المفروض ثبوته على نحو التّعيين واستعماله فى التخيير ايضا مستلزم لاستعمال الامر فى معنيين وهو باطل والثّانى لا دليل عليه وسيأتيك توضيحه الثّالث أنّ العقل بعد انقطاع السّبيل الى الحكم الواقعى لا يحكم الّا بالبراءة ومن يمنع عن ذلك فامّا ان يقول بوجوب الالتزام بالحرمة مستدلّا بما ياتيك مع الجواب عنه تفصيلا فى باب البراءة إن شاء الله الله تعالى وامّا ان يقول بوجوب الالتزام على التّخيير البدوى او الاستمراري متمسّكا باحد الوجوه أحدها حكم العقل بالتّخيير بان يقال بعد العلم الاجمالى بامر الشّارع او نهيه وعدم امكان الجمع بينهما يحكم العقل بوجوب الأخذ والالتزام باحدهما على سبيل التّخيير وفيه أوّلا انّ الحكم بالتّخيير مرجعه الى الإباحة ايضا إذ له الأخذ بكلّ واحد منهما فى كلّ زمان وهذا هو معنى الإباحة واذا لم يكن القول بالتخيير منافيا فليكن القول بالاباحة ايضا كذلك وهذا خصوصا على التخيير الاستمرارى وهو ظاهر اطلاق كلمات القائلين بالتّخيير فلا فرق عند التّحقيق بين التخيير الظاهرىّ والإباحة الظّاهرية وثانيا أنّ الشّك فى اصل وجوب الالتزام بالحكم فى المقام و

٩٩

قد عرفت انّ العقل حاكم بالبراءة وعدم وجوب الالتزام باحد الحكمين وثانيها رعاية الاحتياط فى ادراك الواقع ووجوب الالتزام وفيه انّ وجوب الالتزام غير قابل للاحتياط فلو قام دليل فى المقام على التخيير الظّاهرى كما هو المدّعى بالنّسبة الى الاباحة الظّاهريّة لزم الأخذ به ووجوب الالتزام ح بالتخيير والّا فمن الواضح انّ الالتزام باحد المحتملين الّذى هو مفاد التخيير اجنبىّ عن الالتزام بالحكم الواقعى المردّد وثالثها فحوى اخبار العلاج الأمرة بالتخيير فى تعارض النّصين بدعوى عدم خصوصيّة لهما فى ذلك بل الّذى اوجب التخيير فيهما هو لزوم امتثال امر الشارع مهما امكن وهو موجود فى المقام ايضا وفيه انّ التعدّى من مورد تلك الاخبار فرع ثبوت تنقيح المناط وهو فى محلّ المنع ولذا تريهم يحكمون بتنصيف العين الّتى تداعياها رجلان وتحالفا او كان لكلّ منهما بيّنة ولا يحكمون بتخيير الحاكم بردّ العين الى صاحبها ورابعها انّ الظّاهر من كلمات الاصحاب اطلاق القول بالمنع عن الرّجوع الى حكم علم عدم كونه للامام ع فى الواقع وعليه بنوا عدم جواز الفصل فيما علم كون الفصل فيه طرحا لقول الإمام ع واجمعوا على عدم جواز الفصل فى الوطى فى الدّبر حيث ذهب بعض الامّة الى عدم ايجابه للغسل مطو بعض آخر الى ايجابه له مطلقا واجابوا عمّن اراد التفصيل بعدم الوجوب فى الوطى فى دبر الغلام والوجوب فى الوطى فى دبر المرأة بانّه موجب لخرق الاجماع والإمام ع مع احد القولين وفيه أوّلا منع تحقّق الاتّفاق على عدم جواز ذلك لوجود المخالف فى ذلك من القدماء والمتاخّرين أمّا القدماء فجماعة منهم الشّيخ والعلّامة ره فانّ ظاهر الاوّل التخيير الواقعى وظاهر المنقول عن الثانى وغيره هو الإباحة فى دوران الأمر بين الوجوب والحرمة وأمّا المتأخّرون فجماعة ايضا منهم شريف العلماء وصاحب الفصول ره حيث فصّلا بين ما ثبت احد شطرى الاجماع بالادلّة الاجتهاديّة من الكتاب والسنّة وما ثبت بالادلّة الفقاهتيّة من الاصول العمليّة فقالا بالمنع فى الاوّل مثل ما ورد فيمن شكّ بين الثلاث والاربع من انّه يبنى على الثلاث ويتمّ الصّلاة ثمّ هو بالخيار ان شاء صلّى ركعة قائما وان شاء صلّى ركعتين قاعدا ففى الكافى عن بعض اصحابنا عن أبي عبد الله ع قال فيمن لا يدرى أثلاثا صلّى امر اربعا ووهمه فى ذلك سواء قال فقال ع اذا اعتدل الوهم فى الثلث والأربع فهو بالخيار ان شاء صلّى ركعة وهو قائم وان شاء صلّى ركعتين واربع سجدات وهو جالس فمن عمل بمضمون هذا الحديث وافتى بالخيار فى الشّك بين الثلث والأربع فقد افتى به فى الشّك بين الاثنين والثلث ايضا وجعل الركعة الواحدة قائما مقام الركعتين جالسا فيهما معا ومن لم يفت به فى مورد الرواية فلم يلتزم به فى الشّك بين الاثنين والثلاث ايض ولم يفرّق صاحب القولين بين الصّورتين وان اراد احد الفصل بينهما فقد خالف الإجماع المركّب وحصل القطع بمخالفته لقول الإمام ع

١٠٠