وضح البرهان في مشكلات القرآن - ج ١

محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي [ بيان الحق النيسابوري ]

وضح البرهان في مشكلات القرآن - ج ١

المؤلف:

محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي [ بيان الحق النيسابوري ]


المحقق: صفوان عدنان داوودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القلم ـ دمشق
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٨
الجزء ١ الجزء ٢

وقال النّضر (١) : المصادر تجري على التذكير.

(يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً). (٥٧)

جمع نشور ، كرسول ورسل ، لأنها تنشر السحاب وتستدر. والتثقيل لغة الحجاز ، والتخفيف لتميم. ويجوز نشرا ، أي : ناشرات كقوله تعالى : (ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً)(٢) ، أي : ساعيات.

وقد قرىء (بُشْراً) جمع بشير ؛ لأنّ الريح تبشر بالسحاب ، وقرىء (نَشْراً) مصدر في موضع الحال ، أي : ناشرات بمعنى منشرات. وقرىء بشرى غير منّون. وقرىء (نَشْراً) ذات نشر (٣). والنشر : انتشار النعم بالليل في الرعي ، فشبه السحاب في انتشاره وعمومه بها.

(ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ). (٦٥)

رفع (غَيْرُهُ) على الصفة لموضع (مِنْ إِلهٍ) كأنه : ما إله غيره لكم. ويجوز على البدل من إله واعتبار حذف المبدل. كأنه : ما غيره لكم. فيكون أعمّ في المعنى.

وقيل : إنّه اسم (ما) فأخّر. كأنه : ما غيره لكم من إله.

__________________

(١) هو النضر بن شميل البصري ، كان عالما بفنون من العلم ، صدوقا ثقة ، صاحب غريب وفقه وشعر ومعرفة بأيام العرب ورواية الحديث. توفي سنة ٢٠٤ ه‍. راجع إنباه الرواة ٣ / ٣٤٨ ؛ وبغية الوعاة ٢ / ٣١٦.

(٢) سورة البقرة : آية ٢٦٠.

(٣) قرأ عاصم بالباء الموحدة وإسكان الشين (بشرا) وقرأ ابن عامر بالنون مضمومة وإسكان الشين (نشرا) ، وقرأ حمزة والكسائي وخلف بالنون المفتوحة وسكون الشين. مصدر واقع موقع الحال (نشرا) ، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر ويعقوب بضم النون والشين جمع ناشر. (نشرا) وما سوى ذلك من القراءات فهي شاذة. راجع إتحاف فضلاء البشر ص ٢٢٦.

٣٦١

ـ الجزء التّاسع ـ

(أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا). (٨٨)

وإن لم يكونوا فيها. إذ العود قد يتناول الابتداء. قال :

٤١٦ ـ إذا التسعون أقصدني سراها

وصارت في المفاصل والعظام

٤١٧ ـ وصرت كأنّني أقتاد عيرا

وعاد الرأس مني كالثّغام (١)

(كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا). (٩٢)

أي : لم يقيموا. وفي معناه لبعض الجاهلية :

٤١٨ ـ كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا

أنيس ولم يسمر بمكة سامر

٤١٩ ـ بلى نحن كنّا أهلها فأزالنا

صروف الليالي والجدود العواثر (٢)

وفي لفظه ومعناه الأسود بن يعفر قال :

٤٢٠ ـ ولقد غنوا فيها بأنعم عيشة

في ظلّ ملك ثابت الأوتاد

٤٢١ ـ فإذا النعيم وكل ما يلهى به

يوما يصير إلى بلى ونفاد (٣)

(وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ). (١٠٢)

(إِنْ) هذه للتوكيد ، وهي مخففة من الثقيلة. كقوله :

__________________

(١) البيتان في الحجة في القراءات للفارسي ٢ / ١٣٧.

(٢) البيتان في العقد الفريد ٥ / ٢٩٠ ؛ والروض الأنف ١ / ٢٣٧ ؛ واللسان مادة حجن ١١ / ١٠٩ ؛ ومحاضرات الأدباء ١ / ١٤٧. وهما لعمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمي.

(٣) البيتان للأسود بن يعفر وهو شاعر جاهلي وكان أعمى. والبيت الثاني منهما في الشعر والشعراء ص ١٥٢ لكن فيه (فأرى) بدل (فإذا). والبيتان كلاهما في شرح اختيارات المفضل للتبريزي ٢ / ٩٧٠ ؛ والمفضليات ص ٢١٧ ؛ ومنتهى الطلب ص ٨٢. وغنوا : أقاموا والمغنى : المنزل.

٣٦٢

٤٢٢ ـ وعلمت أن من يثقفوه يتركوا

جزرا لخامعة وفرخ عقاب (١)

(حَقِيقٌ). (١٠٥)

حريص. وقيل : هو بمعنى محقوق. من قولهم : حق عليه بكذا.

وكما يقال : حقّ عليه. يقال : حقّ عليه. أي : وجب. فأي حاجة إلى تغييره دون تقريره؟!

(أَرْجِهْ) (١١١)

أخّره. وقيل : احبسه.

(مِنْ خِلافٍ).

أي : كل واحد منهما من شق.

(بِالسِّنِينَ). (١٣٠)

بالجدب. قال حاتم :

٤٢٣ ـ وإنّا نهين المال من غير ضنّة

وما يشتكينا في السنين ضريرها (٢)

وقال أوس فقرر المعنى :

٤٢٤ ـ على دبر الشهر الحرام بأرضنا

وما حولها جدب سنون تلمع (٣)

__________________

(١) البيت في شفاء العليل ١ / ٣٧١ ، ولم ينسبه المحقق ؛ والبحر المحيط ٣ / ٣٧٤ ؛ وهو لتميم بن أسد الخزاعي في المحبّر ص ٤٩٧ ، والخامعة : الضبع.

(٢) البيت في ديوانه ص ٢٤٥ ؛ ونوادر أبي زيد ص ٣٥٠.

وبعده :

إذا ما بخيل الناس هرّت كلابه

وشقّ على الضّيف الضعيف عقورها

(٣) البيت ليس في ديوانه ، وسيكرر ثانية ، وهو في الحجة للفارسي ٢ / ٣٧٠.

٣٦٣

أي : لا خصب ولا نبات. كقولهم : السنة الشهباء ، يوصف بالشّهب ـ الذي هو البياض والتلمع ـ كما يوصف خلافها بالسواد.

(يَطَّيَّرُوا بِمُوسى). (١٣١)

يتشاءموا به.

(طائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ).

ما معناه قال سيبويه : الطائر : اسم للجمع غير مكسّر ، كالجامل والباقر (١) وأنشد :

٤٢٥ ـ كأنّه تهتان يوم ماطر

على رؤوس كرؤوس الطائر (٢)

فيكون المعنى على الجمع : ما يجرى به الطائر.

وهي جمع أيضا من السعادة والشقاوة ، والنفع والضر ، والجدب والخصب ، فكلها من عند الله. لا صنع فيها لخلق ، ولا عمل لطير.

(مَهْما تَأْتِنا). (١٣٢)

أي : أيّ شيء تأتنا به ، وأصله عند الخليل : ما ما ، فقلبوا الألف هاء ذهابا عن التكرير.

وقال الكسائي : هي (مه) بمعنى كفّ ، دخلت على «ما» الذي بمعنى الشرط.

(مُتَبَّرٌ). (١٣٩)

__________________

(١) قال ابن منظور : والجامل قطيع من الإبل ، دفعها رعيانها وأربابها ، كالبقر والباقر. راجع لسان : جمل ١١ / ١٢٤ ؛ وكتاب سيبويه ٤ / ٤٧٥.

(٢) البيت في اللسان مادة : قطر : لكن عجزه : [من الربيع دائم التقاطر] ، وهو في المحكم ٦ / ١٦٢ ؛ وعجزه في الخصائص ٢ / ٤٩٠ ، ولم يذكر المحقق صدره.

٣٦٤

مهلك. ومنه يقال للذهب ـ ما دام في تراب معدنه أو مكسورا ـ : تبر. وهو فعل من التبار ، كما يقال للفضة ـ ما دامت متلجنة بتراب المعدن ـ : اللّجين.

(تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ). (١٤٣)

ظهر وبان بأمره الذي أحدثه في الجبل. كما قال الشاعر :

٤٢٦ ـ تجلّى بالمشرفية والقنا

وقد كان من وقع الأسنّة نائيا (١)

أي : ظهر تدبيره وما أسرّه من أمره واختياره.

(جَعَلَهُ دَكًّا).

أي : مدكوكا (٢). كقوله : (خَلْقُ اللهِ)(٣) ، أي : مخلوقه. وقيل معناه : ذا دكّ.

وقيل تقديره : دكّه دكّاء ، فجاء المصدر على غير لفظ الفعل ، كقوله : (تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً).(٤)

والمعنى : أنه جعل أحجارها ترابا ، وسواه على وجه الأرض.

من قولهم : ناقة دكّاء ، ليس لها سنام. وأنشد المبرد :

__________________

(١) البيت في أمالي المرتضى ٢ / ٢٢٠ من غير نسبة.

(٢) أخرج أحمد والترمذي وصححه والحاكم وصححه والبيهقي في كتاب الرؤية من طرق عن أنس بن مالك أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قرأ هذه الآية : (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا). قال : هكذا ، وأشار بأصبعيه ، ووضع طرف إبهامه على أنملة الخنصر وفي لفظ : على المفصل الأعلى من الخنصر. فساخ الجبل (وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً). وفي لفظ : فساخ الجبل في الأرض فهو يهوي فيها إلى يوم القيامة. المستدرك ٢ / ٣٢٠ ، والترمذي ٣٠٧٦.

(٣) الآية : (هذا خَلْقُ اللهِ). سورة لقمان : آية ١١.

(٤) سورة الأنعام : آية ٦٣.

٣٦٥

٤٢٧ ـ قد كان شغب لو أنّ الله عمّره

عزّا تزاد به في عزّها مضر

٤٢٨ ـ ليت الجبال تداعت قبل مصرعه

دكّا فلم يبق في أحجارها حجر (١)

(صَعِقاً). (١٤٣)

مغشيا عليه.

(عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ). (١٤٨)

قيل : إنّ الروح لم يدخلها لئلا يشبه المعجزة النبوية ، وإنما جعل له خروقا تدخلها الريح فيسمع كالخوار.

وقال الحسن : بل صار ذا روح ، ولم يشبه المعجزة ؛ لأن الله أجرى العادة أنّ القبضة من أثر الملك إذا ألقيت على أية صورة حييّت.

(سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ). (١٤٩)

يقال للنادم العاجز : سقط وأسقط في يده.

وأصله : في الرجل يستأسر فيلقي بيده ليكتّف. وقيل : إنه مثل للخائف ، كما قال عنترة في معناه :

٤٢٩ ـ ومرقصة رددت الخيل عنها

وقد همّت بإلقاء الزّمام (٢)

(قالَ ابْنَ أُمَّ). (١٥٠)

بالفتح ، وجه انتصاب (أُمَ) وهو مضاف إليه على جعل الاسمين اسما واحدا ، كقولهم : صباح مساء في الظرف وشغر بغر. وبالكسر : على أنه يا ابن

__________________

(١) البيتان لعكرشة أبي الشغب يرثي ابنه شغبا ، وهما في شرح الحماسة ٣ / ٤٥ ؛ والحماسة البصرية ١ / ١٤٩ ؛ والكامل للمبرد ١ / ١٣١. وفي المخطوطة [عزيزا] بدل [عزا] ، وفي ديوان الحماسة : [أركانها] بدل [أحجارها].

(٢) البيت في ديوانه ص ٦٦ ؛ والمعاني الكبير ٢ / ٨٨٩ ؛ وأمالي القالي ١ / ١٩٩.

٣٦٦

أمي فحذفت (١).

(وَلَمَّا سَكَتَ). (١٥٤)

أحسن من سكن ؛ لتضمنه معنى سكون الغضب سكوته على معاقبة أخيه.

(وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ). (١٥٧)

أي : المواثيق الغلاظ التي كالأغلال الملازمة. كما قال الهذلي في حدود الإسلام وفروضه بعد إبطال الجاهلية :

٤٣٠ ـ فلست كعهد الدار يا أمّ مالك

ولكن أحاطت بالرقاب السّلاسل

٤٣١ ـ وعاد الفتى كالكهل ليس بقائل

سوى الحق شيئا فاستراح العواذل (٢)

(اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً). (١٦٠)

بدل ، ولو كان تمييزا لكان (سبطا ،) كما يقال : اثنا عشر رجلا.

وقيل : إنّه صفة موصوف محذوف ، كأنه اثنتى عشرة فرقة أسباطا.

(شُرَّعاً). (١٦٣)

ظاهرة على الماء. ومنه : الطرق الشوارع.

__________________

(١) قال العكبري : يقرأ بكسر الميم : والكسرة تدل على الياء المحذوفة. وبفتحها : وفيه وجهان ـ أحدهما : أن الألف محذوفة ، وأصل الألف الياء ، وفتحت الميم قبلها ، فانقلبت ألفا ، وبقيت الفتحة تدل عليها ، كما قالوا : يا بنت عما. والوجه الثاني : أن يكون جعل ابن والأم بمنزلة خمسة عشر ، وبناهما على الفتح. اه. راجع إعراب القرآن للعكبري ١ / ٥٩٦.

(٢) البيتان لأبي خراش الهذلي من قصيدة يرثي بها زهير بن العجوة ، وهما في ديوان الهذليين ٢ / ١٥٠ ؛ والبحر المحيط ٤ / ٤٠٤ ؛ وتأويل مشكل القرآن ص ١٤٩.

٣٦٧

(قالُوا مَعْذِرَةً).(١). (١٦٤)

أي : موعظتنا معذرة ، فحذف المبتدأ ، أو : معذرة الله نريدها فحذف الخبر.

(بِعَذابٍ بَئِيسٍ). (١٦٥)

على وزن فعيل. من قولهم : بئس الرجل بأسة : إذا شجع وصار مقداما ، فكأنه عذاب متقدم عليهم غير متأخر عنهم. قال الهذلي :

٤٣٢ ـ ولقد صبرت على السّموم يكنني

قرد على اللّيتين غير مرجّل

٤٣٣ ـ ومعى لبوس للبئيس كأنّه

روق بجبهة ذي نعاج مجفل (٢)

(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ). (١٦٧)

تأتّى وأقسم قسما سمعه الإنسان. وقيل : أمر وأعلم. من أذن.

وتفعّل يراد به فعل ، وقال زهير :

٤٣٤ ـ تعلّم أنّ شرّ النّاس قوم

ينادى في ديارهم يسار (٣)

وقال :

__________________

(١) وهي قراءة جميع القراء إلا حفصا فإنه قرأ «معذرة» بالنصب على المفعول لأجله أو على المصدر. راجع الإتحاف ص ٢٣٢.

(٢) البيتان لأبي كبير الهذلي ، وهما في ديوان الهذليين ٢ / ٨٨ وفي المخطوطة على اللبتين وهو تصحيف. ومؤجل وهو تصحيف. قوله قرد يعني شعره ، يقول : قد قرد من طول ما تركته لم أدهنه ولم أغسله. وقوله : ذي نعاج يعني ثورا ، والنعاج : البقر ، والروق : القرن.

(٣) البيت في ديوان زهير ص ٣١ ؛ وخزانة الأدب ٥ / ٤٥٦.

٣٦٨

٤٣٥ ـ تعلمن ها لعمر الله ذا قسما

فاقصد بذرعك وانظر أين ينسلك (١)

فليس «تعلّم» هذا عن جهل ، وإنما يريد به : اعلم. كأنه ينبّهه ليقبل على خطابه.

(وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ). (١٦٨)

شتّتنا شملهم.

(وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ). (١٦٩)

أي : مصرّفون لا يكفيهم شيء ولا يشبعهم مال.

(وَدَرَسُوا ما فِيهِ).

تركوه حتى صار دارسا. وقيل : تلوه ودرسوه ثم خالفوه مع تلاوته.

(وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ). (١٧١)

قلعناه ورفعناه (٢).

(وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ). (١٧٢)

قال ابن عباس : أخرج الله من ظهر آدم ذريته ، وأراه إياهم كهيئة

__________________

(١) البيت لزهير بن أبي سلمى وقال الأصمعي : ليس في الأرض قصيدة على الكاف أجود من قصيدة زهير. والبيت في خزانة الأدب ٥ / ٤٥١ ؛ وكتاب سيبويه ٢ / ١٤٥ ؛ وشرح الأبيات ٢ / ٢٤٦ ؛ والمقتضب ٢ / ٣٢٣ ؛ واللسان : سلك. وها. وفي المخطوطة [تعلماهما] وهو تصحيف ؛ وانظر ديوانه ص ٥١.

(٢) أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال : رفعته الملائكة فوق رؤوسهم فقيل لهم : (خذوا ما آتيناكم بقوة) فكانوا إذا نظروا إلى الجبل قالوا : سمعنا وأطعنا ، وإذا نظروا إلى الكتاب قالوا : سمعنا وعصينا.

٣٦٩

الذر (١) ، وأعطاهم من العقل وقال : هؤلاء ولدك ، آخذ عليهم الميثاق أن يعبدونني وأرزقهم ثم قال :

(أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى). (١٧٢)

وهذا صحيح ، قريب معقول ، وكذلك القول في الإعادة : يعاد لكل واحد روحه وبنيته التي تقوم به روحه ، فلا يجب إعادة المريض المدنف والشيخ البالي على صورتهما. فإن قيل : أيّ فائدة فيه ولا نذكره؟

قيل له : إنما أنشأنا الله ذلك في الدنيا ليصح الاختبار ، ولا نكون كالمضطرين (٢). والفائدة : علم آدم وما يحصل له من السرور بكثرة ذريته.

وعن الحسن : عن نعيم الأطفال في الجنة ، ثواب إيمانهم في الذر الأول.

وقيل : إنهم بنو آدم ونسله الموجودون في الدنيا على طول الأيام ، فإنّ

__________________

(١) أخرج أحمد والنسائي والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم بنعمان ـ واد إلى جنب عرفات ـ فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها ، فنثرها بين يديه كالذر ثم كلمهم قبلا قال : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا) إلى قوله : (الْمُبْطِلُونَ). ـ وقال قوم : معنى قوله تعالى : (وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) دلّهم بخلقه على توحيده ، لأنّ كلّ بالغ يعلم ضرورة أنّ له ربا واحدا ، فقام ذلك مقام الإشهاد عليهم والإقرار منهم ، كما قال تعالى في السموات والأرض : (قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ).

(٢) وقال أبو بكر الطرطوشي : إن هذا العهد يلزم البشر وإن كانوا لا يذكرونه في هذه الحياة ، كما يلزم الطلاق من شهد عليه به وقد نسيه. راجع القرطبي ٧ / ٣١٧. وقال الحدادي : فإن قيل : كيف يكون الميثاق حجة على الكفار منهم وهم لا يذكرون ذلك حين إخراجهم من صلب آدم؟ قيل : لما أرسل الله الرسل فأخبروهم بذلك الميثاق صار قول المرسل حجة عليهم ، وإن لم يذكروا. ألا ترى أنّ من ترك من صلاته ركعة ونسي ذلك ، فذكرت له ذلك الثقات كان قولهم حجة عليه. اه. راجع روح البيان ٣ / ٢٧٤.

٣٧٠

الله أشهدهم على انفسهم بما أبدع فيهم من دلائل التوحيد ، فأقروا بها أن الله ربّهم على وجه الدلالة والاعتبار ، وإن لم يفعلوا بالنطق والحوار.

(فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ). (١٧٥)

قال القتيبي : أتبعت الرجل : لحقته. وتبعته : سرت خلفه (١) ، فالمعنى : لحقه الشيطان فأغواه.

(أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ). (١٧٦)

سكن إليها ، ورضي بما عليها ، وأصل الإخلاد : اللزوم على الدوام.

يقال لمن لا يكاد يشيب أو يتغير : مخلد.

(فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ).

أي : في ذلته ومهانته كالكلب الذي ليس منه في الحالين إلا الجوع واللهاث. وكلّ شيء يلهث فإنما يلهث من تعب أو عطش. والكلب يلهث في كل حال.

(ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ). (١٧٩)

لام العاقبة كما مضى. إذ لم يخلق الله الخلق إلا للرحمة. ولكن لما كانت عاقبة المعتدين جهنم كان كأنه خلقهم لها (٢).

(بَلْ هُمْ أَضَلُّ).

هذا على المبالغة في التمثيل وعلى التحقيق ، لأنها لا تدع ما فيه صلاحها حتى النحلة والنملة.

__________________

(١) انظر تفسير غريب القرآن ص ١٧٤.

(٢) أخرج ابن جرير ٩ / ١٣١ وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّ الله لما ذرأ لجهنم من ذرأ ، كان ولد الزنا ممن ذرأ الله لجهنم.

٣٧١

وهؤلاء كفروا بمن دلائل توحيده في أنفسهم صادقة ، وألسنة مواهبه على أحوالهم ناطقة.

قال المفضّل (١) قلت لمحمد بن سهل (٢) راوية الكميت (٣) : ما معنى قول الكميت في الرخمة :

٤٣٦ ـ وذات اسمين والألوان شتّى

تحمّق وهي كيّسة الحويل

٤٣٧ ـ لها خبّ تلوذ به فليست

بضائعة الجنين ولا مذول (٤)

ونحن لا نرى طائرا ألأم منها ولا أظهر موقا حتى صارت في ذلك مثلا؟ فقال : وما حمقها وهي تحضن بيضها ، وتحمي فرخها ، وتحب ولدها ، ولا تمكّن إلا زوجها ، وتقطع في أول القواطع ، وترجع في أول الرواجع ، ولا تطير في التحسير (٥) ، ولا تغتر بالشكير (٦) ، ولا تربّ بالوكور (٧) ، ولا تسقط على الجفير (٨)؟!.

(يُلْحِدُونَ). (١٨٠)

لحد وألحد : مال عن الحق. وقال الفراء : لحد : مال ، وألحد : اعترض.

إلحادهم في أسماء الله : قولهم : اللات من الله ، والعزى من العزيز.

(سَنَسْتَدْرِجُهُمْ). (١٨٢)

__________________

(١) المفضل بن محمد الضبيّ ، كان راوية للأدب والأخبار وأيام العرب ، موثقا في روايته. روى عنه الفراء وغيره ، راجع إنباه الرواة ٣ / ٣٠٤.

(٢) راجع وفيات الأعيان ٥ / ٢١٩.

(٣) الكميت بن زيد ، انظر خبره في معجم الشعراء ص ١٧٠.

(٤) البيتان في الحيوان للجاحظ ٧ / ١٨ والرواية هناك مطولة ، والمؤلف ههنا اختصرها ، ونهاية الأرب ١٠ / ٨. والأول مع الخبر في المعاني الكبير ١ / ٢٩٠.

(٥) أي : تدع الطيران أيام التحسير وهو التعب.

(٦) الشكير : أول ما ينبت من الريش ، فإنها لا تنهض حتى يصير الشكير قصبا.

(٧) أي : لا ترضى إلا بأعالي الهضاب ، من قولهم : أربّ بالمكان : أقام به ولم يبرحه.

(٨) يعني : جعبة السهام ، يقول : هي لا تسقط في موضع تخاف فيه وقع السهام.

٣٧٢

نهلكهم. من درج : هلك.

(مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ).

بوقت الهلاك ، لما في إخفاء ذلك من صحة التكليف. وقيل : إنه من الدرجة ، أي : يتدرج بهم على مدارج النعم إلى الموت الذي هو ميعاد عقابهم.

(وَأُمْلِي لَهُمْ). (١٨٣)

أنظرهم في الملاوة : وهي الدهر.

(أَيَّانَ مُرْساها). (١٨٧)

مثبتها. وقيل : متى قيامها (١).

(لا يُجَلِّيها).

لا يظهرها (٢).

(يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها). (١٨٧)

__________________

(١) أخرج ابن إسحق وابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس قال : قال حمل بن أبي قشير ، وشمويل بن زيد لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أخبرنا متى الساعة إن كنت نبيا كما تقول؟ فإنا نعلم ما هي. فأنزل الله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي) إلى قوله : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ). انظر الدر المنثور ٣ / ٦١٩ ، وابن جرير ٩ / ٩٣.

(٢) أخرج الطبراني وابن مردويه عن أبي موسى الأشعري قال : سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الساعة وأنا شاهد فقال : لا يعلمها إلا الله ، ولا يجليها لوقتها إلا هو ، ولكن سأخبركم بمشاريطها : ما بين يديها من الفتن والهرج. فقال رجل : وما الهرج يا رسول الله؟ قال : بلسان الحبشة القتل. وأن تجف قلوب الناس ، ويلقى بينهم التناكر فلا يكاد أحد يعرف أحدا ، ويرفع ذو الحجا ويبقى رجراجة من الناس لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا. ـ وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : تقوم الساعة على رجل أكلته في فيه فلا يلوكها ولا يسيغها ولا يلفظها ، وعلى رجلين قد نشرا بينهما ثوبا يتبايعانه فلا يطويانه ولا يتبايعانه. انظر الدر المنثور ٣ / ٦٢٠.

٣٧٣

قال الأخفش : أي يسألونك عنها كأنك حفيّ بها ، فأخّر «عن» وحذف الجار والمجرور لدلالة (عليها). ألا ترى أنه إذا كان حفيا بها فإنه يسأل عنها ، كما أنه إذا سئل عنها فليس ذلك إلا لحفاوته بها. وإذا لم يكن بها حفيا لم يكن عنها مسؤولا. وكلّ واحد من حرف الجر دلّ عليه ما صحبه فساغ حذفه.

(إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي).

أي : علم وقتها. وقوله :

(إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ).

أي : علم وصفها وحالها. فلذلك كرّر.

(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ). (١٨٩)

أي : من آدم.

(وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها).

أي : جعل من كل نفس زوجها. كأنه : وجعل من النفس زوجها على طريق الجنس ، ليميل إليها ويألفها.

(فَلَمَّا تَغَشَّاها) أصابها.

(حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ).

أي : سعت به مستخفّة له إلى أن أثقلت.

(فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً).

أي : ولدا سويا صالح البنية. هذا هو التأويل الصحيح.

ومن حمل الآية على آدم وحواء قدّر في (جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ) حذفا.

أي : جعل ذريتهما كما تقول : فعلت تغلب ، أي : بنو تغلب. ولذلك قال :

٣٧٤

(فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ). (١٩٠)

(إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ فَادْعُوهُمْ). (١٩٤)

الدعاء الأول : تسميتهم الأصنام آلهة ، والدعاء الثاني : في طلب النفع ودفع الضر من جهتهم ، وذلك لا يكون ، وسماها عبادا لأنها مخلوقة مذللة.

(وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ). (٢٠٠)

يزعجنّك من الشيطان وسوسة. وأكثر ما يكون عند الغضب (١).

(طائِفٌ). (٢٠١)

خاطر أو عارض : وقيل : لمم كالطيف الذي يطيف في النوم.

(وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ). (٢٠٢)

أي : إخوان الشياطين يمدهم الشياطين.

(لَوْ لا اجْتَبَيْتَها). (٢٠٣)

هلّا تقبلتها من ربّك. وقيل : هلا افتضيتها من عند نفسك.

تمت سورة الأعراف ،

ويليها سورة الأنفال

* * *

__________________

(١) أخرج ابن جرير ٩ / ١٥٦ عن ابن زيد قال : لما نزلت : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : كيف يا رب والغضب؟ فنزل : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ). وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن مسعود عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه كان يقول : اللهم إني أعوذ بك من الشيطان من همزه ونفثه ونفخه. قال : همزه : الموتة ، ونفثه : الشعر ، ونفخه : الكبرياء.

٣٧٥
٣٧٦

سورة الأنفال (١)

قال ابن عباس : لمّا كان يوم بدر قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من صنع كذا فله كذا ، فتسارع إليها الشبان ، ثم أرادوا استصفاء الغنيمة لهم ، فقال لهم الشيوخ : لا تستأثروا علينا فإنّا كنّا لكم ردءا ، فنزل (٢) :

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ). (١)

ـ وعن عبادة بن الصامت (٣) قال : فينا نزل معشر البدريين حين اختلفنا في النفل ، من حارس لرسول الله ، ومن محارب ، وساءت فيه أخلاقنا ، فنزعه الله من بين أيدينا ، وجعله إلى الرسول فقسمه بيننا عن بواء (٤) ، أي : سواء.

__________________

(١) أخرج سعيد بن منصور والبخاري عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس : سورة الأنفال؟ قال : نزلت في بدر ، وفي لفظ : تلك سورة بدر. فتح الباري ٨ / ٣٠٦.

(٢) الحديث أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عباس قال : لما كان يوم بدر قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من قتل قتيلا فله كذا وكذا ، ومن أسر أسيرا فله كذا وكذا. فأما المشيخة فثبتوا تحت الرايات ، وأما الشبان فتسارعوا إلى القتل والغنائم ، فقالت المشيخة للشبان : أشركونا معكم فإنا كنا لكم ردءا ، ولو كان منكم شيء للجأتم إلينا ، فاختصموا إلى النبي فنزلت : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ ..). فقسم الغنائم بينهم بالسوية. راجع الدر المنثور ٤ / ٦ ؛ والمستدرك ٢ / ٢٢١ ، وأبا داود ٣٧٣٨.

(٣) الحديث أخرجه أحمد ٥ / ٣٢٢ ، والبيهقي والحاكم ٢ / ١٣٦ ، وابن جرير ٩ / ١١٧.

(٤) قال ابن فارس : البواء : السواء. يقال : دم فلان بواء لدم فلان. راجع المجمل مادة بوأ.

٣٧٧

وأنّث (ذاتَ بَيْنِكُمْ) إذ أراد : حال بينكم ، أو ألفة بينكم. قال خوّات بن جبير الأنصاري :

٤٣٨ ـ وأهل خباء صالح ذات بينهم

قد احتربوا في عاجل أنا آجله

٤٣٩ ـ فأقبلت في السّاعين أسأل عنهم

سؤالك بالشيء الذي أنت جاهله (١)

(كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ). (٥)

أي : جعل الظفر والنفل كله كما أخرجك عن وطنك في طاعته ، وبعضهم كارهون.

(كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ). (٦)

لعدوله عليه‌السلام عن العير إلى النفير (٢).

(وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ). (٧)

لما أقبلت عير قريش من الشام مع أبي سفيان سار إليها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فخرجت نفير قريش ـ وهم ذات الشوكة ـ إليها.

(لِيُحِقَّ الْحَقَّ). (٨)

ليظهره لكم ، لأنه لم يكن كذلك.

(مُرْدِفِينَ). (٩)

__________________

(١) البيتان في مجاز القرآن ١ / ١٦٣ ؛ ومجمل اللغة ١ / ٨٨ ؛ والمعاني الكبير ٢ / ١١٣ ؛ واللسان مادة أجل وأهل. يقال : أجل عليهم شرا يأجله : جناه وهيّجه ، وينسبان لزهير بن أبي سلمى ، وهما في ديوانه ص ٧٠ ، ومثلهما لتوبة بن الحمير حيث يقول :

وأهل خباء آمنين فجعتهم

بشيء عزيز عاجل أنا آجله

وأقبلت أسعى أسأل القوم ما لهم

سؤالك بالشيء الذي أنت جاهله

(٢) في المخطوطة [عن الغير إلى التغير] وهو تحريف بين.

٣٧٨

تابعين (١). ردف وأردف : تبع. قال خزيمة بن نهد :

٤٤٠ ـ إذا الجوزاء أردفت الثّريّا

ظننت بآل فاطمة الظنونا

٤٤١ ـ ظننت بها وظنّ المرء حوب

وإن أوفى وإن سكن الحجونا (٢)

ويجوز مردفين : مجرورة (٣). على الوصف للألف ، ومنصوبة على الحال من الملائكة.

وأما الجر فعلى الوصف للألف ، أي : أردف بعضهم بعضا ، فكانوا زمرا زمرا.

(إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً). (١١)

كما يقال : إن الأمن منيم ، والخوف مسهر ، فثبّتهم الله بالأمن المنيم ، واستجم بالنوم قواهم ، وأرسل عليهم غمامة طهرت أبدانهم من الأحداث ، وقلوبهم من وساوس الشيطان وقنوطه. واستجلد بها الأرض ، وتلبّد الرمل حتى ثبتت الأقدام.

(سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ). (١٢)

قال المنهزمون منهم : انهزمنا ونحن نجر في قلوبنا كوقع الحصى في الطاس (٤).

(فَوْقَ الْأَعْناقِ).

__________________

(١) أخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة رضي الله عنه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال يوم بدر : هذا جبريل آخذ برأس فرسه ، عليه أداة الحرب.

(٢) يعني بفاطمة فاطمة بنت يذكر بن عنزة أحد القارظين. والبيتان في تاج العروس مادة : ردف ، والعباب كذلك ، والأول منهما في اللسان والصحاح مادة : ردف ، وتفسير القرطبي ١٣ / ٢٣٠ ؛ والأفعال ٣ / ١٥.

(٣) في المخطوطة : منصوبة.

(٤) في المصرية : الطساس ، وهي جمع الطس ، وهو لغة في الطست.

٣٧٩

أي : الرؤوس. وقيل : أعلى الأعناق.

(وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ).

مفصل. من قولهم : أبنّ بالمكان : إذا أقام به. فكلّ مفصل أقيم عليه عضو (١).

(ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ).

اعتراض.

(وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ). (١٤)

عطف على : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ) وقال : (فَذُوقُوهُ) لأنّ الذائق أشدّ إحساسا بالطعم من المستمر على الأكل. فكان حالهم (٢) أبدا حال الذائق في إحساسهم العذاب.

(زَحْفاً). (١٥)

قريبا.

(مُتَحَيِّزاً). (١٦)

طالب حيّز يقوى به.

(وَما رَمَيْتَ). (١٧)

__________________

(١) أخرج الطستي عن ابن عباس أنّ نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله تعالى : (وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ)؟ قال : أطراف الأصابع ، وبلغة هذيل : الجسد كله. قال : فأنشدني في كلتيهما قال : نعم ، أما أطراف الأصابع فقول عنترة العبسي :

فنعم فوارس الهيجاء قومي

إذا علق الأعنّة بالبنان

وقال الهذلي في الجسد :

لها أسد شاكي البنان مقذف

له لبد أظفاره لم تقلّم

(٢) في المخطوطة : جلهم. وهو تصحيف.

٣٨٠