وضح البرهان في مشكلات القرآن - ج ١

محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي [ بيان الحق النيسابوري ]

وضح البرهان في مشكلات القرآن - ج ١

المؤلف:

محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي [ بيان الحق النيسابوري ]


المحقق: صفوان عدنان داوودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القلم ـ دمشق
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٨
الجزء ١ الجزء ٢

وقيل : هو الهواء الذي هو عماد السموات والأرض ، لأنّ الكرسي في اللغة العماد.

وقيل : إنّ الكرسي جسم عظيم يحيط بالسموات السبع إحاطة السماء بالأرض ، وهو العرش.

وعند بعضهم : العرش أعظم منه ، كما أن الكرسي أعظم من السموات.

(الطَّاغُوتُ). (٢٥٦)

الشيطان وكل مارد من إنس وجان ، وهو فعلوت من الطغيان ، بل : فلعوت على هذا الوجه.

وهو أنّ لام طاغوت قلبت إلى موضع العين ، فصارت طيغوت فانقلبت ألفا لحركتها وانفتاح ما قبلها ، فصار وزنها الآن بعد القلب فلعوت.

(بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى). (٢٥٦)

الإيمان بالله ، على وجه المثل والمجاز ، كأنه شبه علقة الدين ـ وإن كانت لا تحسّ ـ بالمحسوسة الوثيقة الثابتة ، فعبّر عن المعنى بما يعبّر به عن الشخص. قال الفرزدق :

٢١٩ ـ عمدت إليك خير الناس حيّا

لتنعش أو يكون بك اعتصامي

٢٢٠ ـ وحبل الله حبلك من ينله

فما لعرى إليه من انفصام (١)

وقال جرير :

__________________

(١) في المخطوطة : «فما أمري يديه» بدل «فما لعرى إليه» وهو تصحيف. البيتان من قصيدة للفرزدق يمدح بها هشام بن عبد الملك. راجع ديوانه ٢ / ٢٩٤.

٢٢١

٢٢١ ـ فما لمت البناة ولم يلوموا

ذيادي حين جدّ بنا الزحام

٢٢٢ ـ إذا مدّوا بحبلهم مددنا

بحبل ما لعروته انفصام (١)

(أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ). (٢٥٨)

أي : بموفور الحال وجموم المال ، وجموع الرجال ، لا بتمليك الأمر بدليل قوله : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)(٢) ولأنّ الاستصلاح بالفاسد محال.

(فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ).

ليس بانتقال عن الحجة الأولى ، ولكن لمّا رأى عناد نمروذ حجة الإحياء ، وتمويهه بتخلية واحد وقتل آخر. كلّمه من وجه لم يمكنه معاندته ، وذلك أنهم كانوا أصحاب تنجيم وتعظيم للكواكب ، وحركة الشمس وجميع الكواكب من المغرب إلى المشرق معلومة ، إلا أنها في الكواكب الثابتة الأبعاد قليلة المقدار ، وفي السايرة كثيرة ظاهرة ، وفي القمر جهة سرعته أبين ، فإنه من عند إهلاله في الأفق الغربي يزداد كلّ ليلة من الشمس بعدا إلى أن يستقبلها ليلة انتصاف الشهر ، فظهر أنه يسير من المغرب إلى المشرق ، فكانت هذه حركة الكواكب الذاتية الطبيعية.

ثمّ إنّ الله بعظيم قدرته ، وعميم رحمته كيلا يكون النهار سرمدا ، وللمصالح أجرى محركها بحركة أخرى قسرية قهرية من المشرق إلى المغرب ؛ كتحريك السفينة مثلا ركابها إلى جهة جريان الماء ، وهم متحركون فيها إلى خلاف جهته ، وهذه الحركة هي التي بها ترى الشمس وكلّ كوكب طالعا ، ومرتفعا رويدا ثم غاربا غائبا ، وإلى مطلعه الأول إنما دائما ، وذلك عند شمام (٣) كل يوم وليلة.

__________________

(١) البيتان في ديوان جرير ص ٤١٨.

(٢) سورة البقرة : آية ١٢٤.

(٣) أي : ارتفاع.

٢٢٢

وإذا كان هذا مقررا لمن حاج إبراهيم كان وجه الحجة أنّ ربي يحرك الشمس قسرا على غير حركتها ، فإن كنت ربّا فحرّكها بحركتها ، لأنّ تقرير الشيء على طبعه أهون من نقله إلى هذه ، فعند ذلك :

(فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ).

أي : دهش وتحيّر.

(أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ). (٢٥٩)

قيل : لا يجوز أن يكون ذلك نبيا لأنّ قوله : (أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ) كلام شاكّ مستبعد ، ولأنّ الآية. على التعجب من قوله كالآية الأولى ، ولأنّ قوله : (فَلَمَّا تَبَيَّنَ) ، وقوله : (أَعْلَمُ) يدلان على شكه في الحال.

وقيل : يجوز أن يكون نبيا ، وإنما قال ذلك قبل الوحي ، أو على طريق التبيين بالمشاهدة كقول إبراهيم : (أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) ولأنّ الإعادة فيه وفي الحمار من المعجزات ، ولأنّ في سياق الآية (وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً).

(خاوِيَةٌ).

خربة خالية ، خوي المنزل : خرب ، وخوى النجم : سقط.

(عَلى عُرُوشِها).

على أبنيتها وسقوفها.

(لَمْ يَتَسَنَّهْ).

إن قلت : سانيت مساناة فالهاء للوقف ، وإذا وصلت قلت : لم يتسنّ ، وإن كان من : سانهت مسانهة فالهاء لام الفعل ، ويؤكد ذلك سنيهة في تصغير سنة.

__________________

(١) أي : ارتفاع.

٢٢٣

وقول حسان :

٢٢٣ ـ فليست بسنهاء ولا رجبيّة (١)

 ...............

ومعنى لم يتسنه : لم يتغير باختلاف السنين ، أو لم تعمل فيه السنة التي يراد بها الجدب لا الحول كما قال تعالى : (وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ).(٢) ومنه يقال : أسنتوا : إذا أجدبوا (٣).

(نُنْشِزُها)(٤).

نرفع بعضها إلى بعض ، والنشز المكان المرتفع ، ونشوز المرأة : ترفّعها.

(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى). (٢٦٠)

سبب ذلك أنه رأى جيفة مزقتها السباع واستهلكت أشلاءها في الرياح ، فأحب معاينة إحيائها ليقوى علمه اليقيني بالحس والمشاهدة ، فتكون على هذا ألف (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ) للتقرير وإن كانت صورتها للاستفهام. أي : قد آمنت فلم تسأل هذا؟ فقال : (لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) باجتماع المشاهدة مع العلم.

قال كثيّر في التقرير بلفظ الاستفهام :

__________________

(١) الشطر لحسان بن ثابت ، وقيل لسويد بن الصامت وهو صحابي وعجزه :

ولكن عرايا في السنين الجوائح

والرجبية : التي تكاد تسقط فيعمد حولها بالحجارة ، والسنهاء : النخلة القديمة. وهو في تفسير القرطبي ٣ / ٢٩٢ ؛ ومعاني الفراء ١ / ١٧٣ ؛ والبحر المحيط ٢ / ٢٨٥ ؛ وإعراب القرآن للنحاس ١ / ٢٨٤ ؛ ومجمل اللغة ٣ / ٦٦٤ ؛ وسيأتي البيت ثانية ، وقد نسبه المؤلف لسويد ، وهو الأصح.

(٢) سورة الأعراف : آية ١٣٠.

(٣) قال في اللسان : أسنتوا فهم مسنتون : أصابهم سنة وقحط ، وأجدبوا.

(٤) وهي قراءة ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وخلف بالزاي. والباقون بالراء ، من : أنشر الله الموتى : أحياهم. راجع الإتحاف ص ١٦٢.

٢٢٤

٢٢٤ ـ أليس أبي بالنّضر أم ليس والدي

لكلّ نجيب من خزاعة أزهرا (١)

(فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ).

صرّت : يقع على إمالة الشيء ، وعلى قطعه. صاره يصيره ويصوره : إذا أماله ، والأصور : المائل العنق ، ومن القطع : الصّور : النخلة الفردة المنقطعة عن أخواتها ، والصوار : القطيع من البقرة. وصراه : قطعه ، فيكون صاره مقلوبة ، ويجوز من الأصلين الصورة ؛ لأنها تميل النفوس إليها ، ولأنها على تقطيع وتقدير ، وكذلك الصوار : قطعة من المسك ، فهو من القطع ، ومن حيث إنها تميل حاسة الشم إليها.

٢٢٥ ـ ولو أنّ ركبا يمّموك لقادهم

نسيمك حتى يستدلّ بك الركب (٢)

فهو من الأصل الثاني ، ومنه يقال للمسك الصّرار ، كأنه لطيب رائحته يميل الحاسة إليه.

فمن فسّر قوله : (فَصُرْهُنَ) بأملهنّ كان في الكلام حذف ، كأنّ المعنى فأملهنّ إليك وقطعهن بدليل قوله :

(ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً).

لأنّ التجزئة بعد التقطيع.

(قَوْلٌ مَعْرُوفٌ). (٢٦٣)

__________________

(١) البيت من شواهد سيبويه ١ / ٤٨٤ ؛ وشرح الأبيات للسيرافي ٢ / ١٤٥ ؛ والأغاني ٩ / ١١ ؛ والمقتضب ٣ / ٢٩٣ ؛ وديوانه ص ٢٣٣.

(٢) البيت في الخصائص ٢ / ١١٨ ولم ينسب فيه. وهو لابن البواب ، واسمه عبد الله بن محمد ، من شعراء الدولتين ، والبيت في الأغاني ٢٠ / ٤٥ ؛ وشرح مقامات الحريري ١ / ١٧٣.

٢٢٥

أي : ردّ حسن ، قال بشامة بن الغدير (١) المرّي :

٢٢٦ ـ إلا يكن ورق يوما يجاد به

للخابطين فإني ليّن العود

٢٢٧ ـ لا يعدم السائلون الخير من خلقي

إمّا نوالي وإمّا خير مردود

(وَمَغْفِرَةٌ).

ستر الفقر على السائل ، وقيل : هي التجافي عما يبدر من السائل عند ردّه.

(فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ). (٢٦٤)

وهو الحجر الأملس ، أي : صفته صفة صفوان.

(أُكُلَها).

بتخفيف الكاف وتثقيلها : طعامها (٢).

وإنما جاء : (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ) بلفظ المضارع ، (وَأَصابَهُ الْكِبَرُ) عطفا عليه بالماضي ؛ لأنّ معنى (أَيَوَدُّ) هنا التمني ، والتمني يصح في الماضي والمستقبل ، وعلى أنه يجوز إطلاق الاسم على المعنى وإن لم يحدث ، قال جرير :

__________________

(١) في المخطوطة : بشامة بن عقير المدي. وهو تصحيف. راجع معجم الشعراء ص ٦٦ ؛ وطبقات فحول الشعراء ٢ / ٧١٨. والبيتان في الكامل :

لا يعدم السائلون الخير أفعله

إما نوالا وإما حسن مردود

إلا يكن ورق يوما أراح به

للخابطين فإني لينّ العود

وفي المخطوطة «للحائطين» بدل «للخابطين». و «ابن الجود» بدل «لين العود». الاختباط : ضرب الشجر ليسقط الورق ، وضربه مثلا ، ويقال : أتى فلان فلانا يختبط ما عنده. والبيتان في الكامل للمبرد ٢ / ١١٩ ، من غير نسبة ؛ والبيان والتبيين ٣ / ١٤٨ ، و ٤ / ٧٢ ونسبهما لمحمد بن يسير ؛ وتفسير القرطبي ١٠ / ٤٩ ؛ والبحر المحيط ٢ / ٣٠٨ من غير نسبة.

(٢) قرأ أكلها بسكون الكاف نافع وابن كثير وأبو عمرو ، والباقون بالضم.

٢٢٦

٢٢٨ ـ لمّا تذكرت بالدّيرين أرّقني

صوت الدجاج وقرع بالنواقيس (١)

المعنى انتظار أصواتها لاستطالته الليل. فأوقع عليه الاسم ولمّا يكن.

(إِعْصارٌ). (٢٦٦)

أعاصير الرياح : زوابعها ، كأنها تلتف بالنار التفاف الثوب المعصور بالماء.

(وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ). (٢٦٧)

لا تقصدوا رذال المال وحشف التمر في الزكاة.

(إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ).

بوكس ونقصان في الثمن ، وقيل : إلا أن تولوا غامضا من الأمر لتطلبوا بذلك التأول على أخذه.

فأغمض على هذا : أتى غامضا ، كأعمن : أتى عمان ، وأعرق : أتى العراق.

(فَنِعِمَّا هِيَ). (٢٧١)

أي : نعم ما هي على تقدير الفاعل. ونصب «ما» على التفسير ، أي : نعم الشيء شيئا هي.

وفيه أربع لغات : نعما ، ونعمّا ، ونعمّا ، ونعمّا (٢).

__________________

(١) البيت في شرح الحماسة ٤ / ١٨٦ ؛ والعقد الفريد ٦ / ٢٠٢ ؛ والكامل للمبرد ١ / ٦٢ ؛ والحماسة البصرية ١ / ٤٦. يريد : أرقني انتظار صوت الدجاج. وفي المخطوطة «وقرع بالتوقير» وهو تصحيف. (٢) قال في اللسان : نعم فيها أربع لغات : نعم بفتح أوله وكسر ثانيه ، ونعم فتتبع الكسرة الكسرة ، ونعم بكسر النون وسكون العين. ولك أن تطرح الكسرة من الثاني وتترك الأول مفتوحا فتقول : نعم الرجل وإن أدخلت على «نعم» «ما» قلت : «نعمّا يعظكم به» ، تجمع بين الساكنين ، وإن شئت حركت العين بالكسر ، وإن شئت فتحت النون مع كسر العين. راجع اللسان مادة نعم. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وخلف بفتح النون وكسر العين مشبعة ، والباقون بكسر النون إتباعا لكسر العين ، وقرأ أبو عمرو وقالون وشعبة بالاختلاس في كسرة العين ، والإسكان فيها. راجع الإتحاف ص ١٦٥.

٢٢٧

(لِلْفُقَراءِ). (٢٧٣)

أي : الصدقة للفقراء ، فيكون للفقراء نصبا على المفعول له.

(أُحْصِرُوا).

احتبسوا ، الكسائي : أحصروا ـ بالمرض والجراحات المثخنة في الجهاد ـ عن الضرب في الأرض ، لأنه لو كان من العدو لكان حصروا.

(لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً). (٢٧٣)

لا يكون منهم سؤال فيكون منهم إلحاف (١) ، إذ لو سألوا لم يحسبهم الجاهل بهم إلا أغنياء. وهذا كما قال :

٢٢٩ ـ ودوية لا يهتدي لمنارها

إذا لوّح الصبح استحار دليلها

٢٣٠ ـ تراه مرمى بالضحى فإذا دجا

له الليل لم يشكل عليه سبيلها (٢)

أي : ليس ثم منار يهتدي بها.

(يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ). (٢٧٥)

يضربه ويصرعه.

(مِنَ الْمَسِّ).

من الجنون (٣). وهذا الصرع ـ وإن كان بانسداد بطون الدماغ من الرطوبات الفجة سدا غير كامل ـ ولكن إضافته إلى الشيطان على مجاز إضافة الإغواء الذي يلقي المرء في مصارع وخيبة.

__________________

(١) أخرج مالك وأحمد وأبو داود والنسائي عن رجل من بني أسد قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من سأل وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا». وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وابن ماجه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من سأل الناس تكثرا فإنما يسأل جمرا ، فليستقلّ أو ليستكثر».

(٢) البيتان في الحماسة البصرية ٢ / ٣٥٩ من غير نسبة.

(٣) أخرج الأصبهاني في ترغيبه عن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يأتي آكل الربا يوم القيامة مختبلا يجر شقيه ، ثم قرأ : (لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ).

٢٢٨

(فَأْذَنُوا). (٢٧٩)

فاعلموا. أو آذنوا (١) : أعلموا. آذنتك بالشيء فأذنت به تأذن إذنا. أي : إنكم أذن حرب الله ورسوله.

(إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ). (٢٨٢)

ذكر الدين بعد التدين للتقرير والتوكيد.

(وليملك الذى عليه الحق).

أي : على إقراره (وَلا يَبْخَسْ) ليشهد عليه.

(أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ). (٢٨٢)

أي : لخرس أو صبى أو علة.

(أَنْ تَضِلَّ).

أن تنسى. وقيل : لئلا تضل ، ثم ابتدأ :

(فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى).

أي : تجعلها كذكر من الرّجال.

(إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً)(٢) (تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ).

أي : تقع وتحدث. وقيل : إنّ (تِجارَةً) اسم كان ، و (تُدِيرُونَها) خبرها.

(فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) (٢٨٣)

أي : الوثيقة رهان.

(وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ). (٢٨٤)

__________________

(١) قرأ حمزة وشعبة (فآذنوا) بألف بعد الهمزة المقطوعة ، والباقي (فَأْذَنُوا).

(٢) قرأ جميع القراء : (تِجارَةً) بالرفع على أنّ «كان» تامة إلا عاصما فإنه قرأ بالنصب على أنها ناقصة. الإتحاف ص ١٦٦.

٢٢٩

أي : ما تضمروه من معصية ، وتعزموا عليه من مفسدة.

وقال مجاهد : من الشكّ واليقين.

ولا يقال : إنها نسخت بقوله : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها)(١) ؛ لأنّ النسخ بيان مدّة المصلحة في الشرائع ، لا في الأخبار والمواعيد ، ولأنّ تكليف ما ليس في الوسع لم يكن قط حتى ينسخ.

ـ وما روي أنّ الصحابة رضي الله عنهم عزّ عليهم نزولها ، وقالوا : إنا لنحدّث أنفسنا به ، ما يمكننا أن ندرءه عنا ، فقد كلّفنا ما لا نطيق ، فنزلت : (لا يُكَلِّفُ اللهُ) فحديث صحيح (٢) ، إلا أنها نزلت على إزالة التوهم ، لا على نسخ الخبر المتقدم.

(رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا). (٢٨٦)

__________________

(١) يؤيد هذا القول ما أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ) فذلك سرائرك وعلانيتك. (يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ). فإنها لم تنسخ ، ولكن إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة يقول : إني أخبركم بما أخفيتم في أنفسكم ممّا لم تطلع عليه ملائكتي ، فأمّا المؤمنون فيخبرهم ويغفر لهم ما حدّثوا به أنفسهم ، وهو قوله : (يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) يقول : يخبركم ، وأمّا أهل الشك والريب فيخبرهم بما أخفوا من التكذيب ، وهو قوله : (وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ).

(٢) الحديث أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود في ناسخه وابن جرير عن أبي هريرة قال : لمّا نزلت على رسول الله : (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) اشتدّ ذلك على أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأتوا رسول الله ثم جثوا على الركب فقالوا : يا رسول الله! كلفنا من الأعمال ما نطيق : الصلاة والصيام والجهاد والصدقة ، وقد أنزل عليك هذه الآية ولا نطيقها. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم : سمعنا وعصينا؟! بل قولوا : (سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) فلمّا فعلوا ذلك نسخها الله ، فأنزل : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها ..). إلى آخر الآية. راجع الدر المنثور ٢ / ١٢٧ ؛ وصحيح مسلم رقم ١٢٥ ، ومسند أحمد ٢ / ٤١٢ ، وتفسير الطبري ٣ / ١٤٦.

٢٣٠

الخطأ والنسيان مرفوعان من الإنسان ، فيكون (نَسِينا) بمعنى تركنا ، وأخطأنا بمعنى : خطئنا ، يقال : خطأ خطأ : إذا تعمّد الإثم ، وأخطأ : إذا لم يتصرر ، قال الله عزوجل : (لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ)(١) ، وقال : (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ)(٢) ، فقوله : (أَخْطَأْنا) على وجهين : إمّا لأنه جاء خطئنا في موضع أخطأنا ، جاء أخطأنا في موضع خطئنا ، أو يكون أخطأنا : أتينا بخطأ ، وكقولك : أبدعت : إذا أتيت ببدعة.

قال النجاشي (٣) في أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه :

٢٣١ ـ فمرنا بما تهوى نجبك إلى الرضى

بصمّ العوالي والصفيح المعتد

٢٣٢ ـ فإن نأت ما تهوى فذاك نريده

وإن نخط ما تهوى فغير تعمّد

وقيل : على ظاهره على طريق التعبد والتضرع عند المسألة ، وإن كنا نعلم أنّ الله لا يؤاخذنا بالخطأ والنسيان كما جاء في الدعاء : (رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِ)(٤) ، وكقوله تعالى : (رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ)(٥).

(وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً).

__________________

(١) سورة الحاقة : آية ٣٧.

(٢) سورة الأحزاب : آية ٥.

(٣) النجاشي الحارثي واسمه قيس بن عمرو ، كان فاسقا رقيق الإسلام ، كان يفطر في رمضان فجلده سيدنا عليّ بن أبي طالب ثمانين جلدة ، وله مهاجاة مع ابن مقبل.

(٤) سورة الأنبياء : آية ١١٢.

(٥) سورة آل عمران : آية ١٩٤.

٢٣١

الإصر (١) هنا : الثقل العظيم من كلفة أمر أو وبال نهي ، وسمّي في الأصل العهد إصرا وكذلك الرّحم ؛ لأنّ القيام بحقهما ثقيل عظيم.

وبالله التوفيق ، ومنه العصمة.

تمت سورة البقرة ،

ويليها سورة آل عمران

* * *

__________________

(١) أخرج الطستي عن ابن عباس أنّ نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله : (وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا)؟ قال : عهدا كما حملته اليهود ، فمسختهم قردة وخنازير. قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت أبا طالب وهو يقول :

أفي كل عام واحد وصحيفة

يشدّ بها أمر وثيق وأيصره

ـ أخرج البخاري ومسلم وأبو داود عن ابن مسعود عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه. ـ وأخرج أحمد والنسائي والطبراني والبيهقي بسند صحيح عن حذيفة أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يقول : «أعطيت هذه الآيات من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش ، لم يعطها نبيّ قبلي». انظر المسند ٥ / ٣٨٣. وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي فيي الشعب عن أبي ذر أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إنّ الله ختم سورة البقرة بآيتين أعطانيهما من كنزه الذي تحت العرش ، فتعلّموهما وعلّموهما نساءكم وأبناءكم ، فإنّهما صلاة وقرآن ودعاء» انظر المستدرك ١ / ٥٦٢.

٢٣٢

سورة آل عمران (١)

(نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ). (٣)

بالتشديد لتكرير تنزيل القرآن.

(وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ)(٢).

لأنهما أنزلا دفعة. كلّ واحد منهما ، وأعاد ذكر الفرقان وهو الكتاب لما في معنى الفرق بين الحق والباطل من زيادة فائدة.

والتوراة والإنجيل والفرقان من الأسماء المختلفة المباني ، المؤتلفة المعاني ؛ لأنّ التوراة فوعلة من وري الزند ، (٣) فيكون وورية. فانقلبت الواو تاء ، وقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها. والإنجيل : إفعيل من نجل ينجل : إذا أبان واستخرج.

__________________

(١) عن ابن عباس قال : نزلت سورة آل عمران بالمدينة. وأخرج الطبراني في الأوسط بسند ضعيف عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من قرأ السورة التي يذكر فيها آل عمران يوم الجمعة صلّى الله عليه وملائكته حتى تغيب الشمس.

(٢) قيل : إنما قال في القرآن : (نزّل) ؛ لأنّ القرآن نزل منجما ، والتوراة والإنجيل نزلا جملة واحدة ، فحيث عبّر ب (نزّل) أريد الأول ، أو «أنزل» أريد الثاني. راجع فتح الرحمن ص ٧٧.

(٣) انظر المفردات للراغب مادة : توراة.

٢٣٣

ونجل الرجل : ولده ؛ لأنّه مستخرج من صلبه وبطن امرأته ، فالإنجيل لاستخراج علم الحلال والحرام منه ، والفرقان : فعلان من الفرق بين الحق والباطل.

فاختلفت المعاني واتفقت المباني من إظهار الأحكام وإبرازها ، والفرق بين أشباهها.

(مُحْكَماتٌ)(١). (٧)

المحكم : ما تبيّن واتفق تفسيره ، فيقطع على مراد الله به.

والمتشابه : ما اشتبه واختلف تأويله ، فلا ينقطع المراد على واحد منهما بعينه.

وقيل : المحكم : ما يعلم على التفصيل بالوقت والمقدار ، والمتشابه بخلافه. مثل : وقت الساعة وأشراطها ، ومعرفة الصغائر بأعيانها ، ومقادير الثواب والعقاب وصفة الحساب إلى غير ذلك.

فيكون الوقف على هذا عند قوله تعالى :

(وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ).

ومن وقف على قوله : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) ، كان : (يَقُولُونَ) في موضع الحال ، أي : يعلمون تأويله قائلين : (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا).

__________________

(١) الآية : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ). إن قلت : كيف قال ذلك و «من» للتبعيض ، وقال في هود : (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ) وهو يقتضي إحكام آياته كلها؟ فالمراد ب «المحكمات» هنا الناسخات أو العقليات ، أو ما ظهر معناها. كما أنّ المراد بالمتشابهات المنسوخات أو الشرعيات ، أو ما كان في معناها غموض ودقة. راجع فتح الرحمن ص ٧٨ ـ ٧٩.

٢٣٤

وهذا هو المدح الموجّه ، والغاية في الإحماد لهم ؛ لأنهم إذا علموه وصدقوا به فقد بلغوا في الإيمان كلّ مبلغ ، ونظيره من كلام العرب قول يزيد بن المفرّغ :

٢٣٣ ـ وشريت بردا ليتني

من بعد برد كنت هامه

٢٣٤ ـ أو بومة تدعو صدى

بين المشقّر واليمامه

٢٣٥ ـ فالريح تبكي شجوها

والبرق يلمع في الغمامه (١)

كأنه قال : والبرق أيضا يبكيه لامعا في غمامه ، أي : في لمعانه ، وإلا لم يكن للكلام معنى.

وإنما كان المحكم أمّ الكتاب ؛ لأنه كالأصل في رد المتشابه إليه ، واستخراج علمه منه. وذلك : كالاستواء في المتشابه. إذ يكون بمعنى الجلوس على السرير ، ومعنى القدرة والاستيلاء. وهذا يجوز على الله. والأول لا يجوز بدليل المحكم وهو قوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)(٢).

والحكمة في المتشابه البعث على النظر ، والبحث عن علم القرآن ؛ لئلا تهمل الأدلة العقلية.

(يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ). (١٣)

في قصة بدر ، وكان المسلمون ثلثمائة وبضعة عشر ، والمشركون زهاء ألف ، فأراهم الله في أعين المسلمين مثليهم ، وقلّلهم لتثبيت

__________________

(١) الأبيات في خزانة الأدب ٤ / ٣٢٩ ؛ والشعر والشعراء ص ٢٢٧ ؛ وطبقات فحول الشعراء ٢ / ٨٩ ؛ وديوانه ص ٢١٣ ـ ٢١٤. والأول منهما في مجاز القرآن ١ / ٤٨ ؛ وتفسير الطبري ٢ / ٣٤١. والثالث في تأويل مشكل القرآن ص ١٦٨ ؛ والصاحبي ص ٣٩٧. وهو شاعر إسلامي ، وهذه الأبيات من أجود شعره قالها في بيع غلام له كان ربّاه يقال له برد كان يعدل عنده ولده.

(٢) سورة الشورى : آية ١٢.

٢٣٥

قلوبهم (١).

(وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ). (١٤)

والقنطار من الدينار ألف ومائتا مثاقيل. وقيل : ملء مسك ثور ذهبا.

والمقنطرة : المعدّة المنضّدة ، على قياس : الدنانير المدنّرة ، والدراهم المدرهمة في إرادة الكثرة والمبالغة. قال رؤبة :

٢٣٦ ـ وجامع القطرين مطرخمّ

بيّض عينيه العمى المعمي (٢)

(الْمُسَوَّمَةِ).

المعلّمة ، وقيل : السائمة الراعية. وقيل : إنها من الحسن ، إذ السيما يكون بالحسن كما يكون بالعلامة.

(شَهِدَ اللهُ). (١٨)

قضى الله ، وقيل : شهادة الله إخبار ، وشهادتنا إقرار.

وقيل : شهادة الله في ما خلق من العالم ؛ لتكون مشاهدة آثار الصنعة فيه شهادة على صانعها الحكيم.

(قائِماً بِالْقِسْطِ).

__________________

(١) أخرج ابن جرير ٢ / ١٩٥ عن ابن مسعود في قوله تعالى : (قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا) الآية. قال : هذا يوم بدر فنظرنا إلى المشركين فرأيناهم يضعفون علينا ، ثم نظرنا إليهم فما رأيناهم يزيدون علينا رجلا واحدا. وذلك قول الله تعالى : (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ).

(٢) الرجز قال ابن بري : هو لرؤبة بن العجاج ، ونسبه في اللسان إلى العجاج. يقال : شاب مطرخم : حسن تام. راجع لسان العرب مادة : طرخم وقطر. وهو في كتاب المعاني الكبير ٢ / ١١٤٠ ؛ وديوان رؤبة ص ٤٦.

٢٣٦

على الحال من اسم الله ، أي : ثبت تقديره بالعدل ، واستقام تدبيره على الحق.

(إِنَّ الدِّينَ). (١٩)

بالكسر على الاستئناف ، وبالنصب (١) على البدل من (أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ).

(بَغْياً بَيْنَهُمْ).

مفعول الاختلاف ، وقيل : مصدر فعل محذوف ، أي : بغوا بينهم بغيا.

(قُلِ اللهُمَّ). (٢٦)

الميم بدل من ياء النداء ؛ ولهذا لا يقال في الخبر : اللهم ، ولا يجمع بينها وبين ياء النداء.

قال الفرّاء : هو الله أمّ ، أي : اقصد بالخير (٢).

ولو كان كذلك لا يجمع بينهما ، ولا يقال : اللهم أمّنا بالخير كما لا يقال : يا اللهم.

(وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ). (٢٧)

العرب تسمي العطاء اليسير محسوبا. كما قال قيس بن الخطيم :

٢٣٧ ـ أنّى سريت وكنت غير سروب

في النوم غير مصرّد محسوب (٣)

__________________

(١) قرأ بفتح الهمزة الكسائي ، وقرأ الباقون بالكسر. راجع الإتحاف ص ١٧٢.

(٢) قال الفراء : ونرى أنها كانت كلمة ضمّ إليها «أمّ» ، تريد : يا الله أمّنا بخير ، فكثرت في الكلام فاختلطت ، فالرفعة التي في الهاء من همزة «أمّ» لما تركت انتقلت إلى ما قبلها. اه. راجع معاني القرآن ١ / ٢٠٣.

(٣) البيت لقيس بن الخطيم كما قال المؤلف ، وهو شاعر جاهلي قديم ، وهو في ديوانه ص ٥٥ ؛ وأمالي القالي ٢ / ٢٧٣ ، ولكن خلط عجزه بآخر له ، وهما :

أنّى سريت وكنت غير سروب

وتقرّب الأحلام غير قريب

ما تمنعي يقظي فقد تؤتينه

في النوم غير مصرّد محسوب

قال أبو هلال العسكري : أجود ما قيل في الخيال من قديم الشعر قول قيس ، وأنشد الأبيات. راجع ديوان المعاني ١ / ٢٧٦.

٢٣٧

(يَعْلَمْهُ اللهُ). (٢٩)

مجزوم بالشرط. (وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ) مرفوع على الاستئناف.

(وَآلَ إِبْراهِيمَ). (٣٣)

أهل دينه من كل حنيف مسلم ، وإنما أبدلت هاء الأهل همزة فصار أأل ؛ ثمّ أبدلت الهمزة ألفا فصار آل ، ثمّ خص به الأكبر فالأكبر من المشهرين.

(وَآلَ عِمْرانَ).

موسى وهارون عن ابن عباس ، والمسيح وأمه مريم بنت عمران ، عن الحسن.

(ذُرِّيَّةً). (٣٤)

نصبها على البدل من (آلَ إِبْراهِيمَ) وأصلها إمّا : ذرأ ، من : ذرأ الله الخلق ، أو ذرر (١) من الذر. في الخبر : «أنّ الخلق كان في القديم من الذر» (٢) ، أو ذرو ، أو ذري من ذروت (٣) الحبّ وذريته كقوله تعالى : (فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ

__________________

(١) في المخطوطة [ذور] وهو تصحيف.

(٢) أخرج أحمد والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات ص ٤١٣ عن ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إنّ الله أخذ الميثاق من ظهر آدم بنعمان يوم عرفة ، فأخرج من صلبه كلّ ذرية ذرأها ، فنثرها بين يديه كالذر ، ثم كلّمهم قبلا : قال : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا) : بَلى شَهِدْنا إلى قوله : (الْمُبْطِلُونَ). المسند ١ / ١٧٢ ، والمستدرك ٢ / ٥٤٤. ـ وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم واللالكائي في السنة عن ابن عباس في قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ) الآية. قال : إنّ الله خلق آدم ، ثم أخرج من ذريته من صلبه مثل الذر ، فقال لهم : من ربّكم؟ قالوا : الله ربنا ثم أعادهم في صلبه حتى يولد كل من أخذ ميثاقه ، لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم إلى أن تقوم الساعة. راجع الدر المنثور ٣ / ٥٩٨ ـ ٥٩٩ ؛ وتفسير الطبري ٩ / ١١٤.

(٣) في المخطوطة [ذررت] وهو تصحيف.

٢٣٨

الرِّياحُ)(١) ، (وَذُرِّيَّتَها).(٢)

وطريق الصنعة فيما على اختلاف هذه المواضع الأربعة يلطف عنه الكتاب (٣).

(مُحَرَّراً). (٣٥)

مخلصا لله ، على عادة الزمان ، وحبس الأولاد على العبادة في بيت المقدس.

وقيل : عتيقا من أمر الدنيا ليتخلّى بطاعة الله من تحرر الرقبة.

(فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً). (٣٧)

المصدر على غير بناء الفعل كما قال القطامي :

٢٣٨ ـ وخير الأمر ما استقبلت منه

وليس بأن تتّبعه اتباعا

٢٣٩ ـ كذلك وما رأيت النّاس إلا

إلى ما جرّ غاويهم سراعا (٤)

__________________

(١) سورة الكهف : آية ٤٥.

(٢) (وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها) سورة آل عمران : آية ٣٦.

(٣) قال ابن جني : يحتمل أصل هذا الحرف أربعة ألفاظ : أحدها ـ ذرأ ، والثاني : ذرر ، والثالث : ذرو ، والرابع : ذري. فأمّا الهمزة فمن : ذرأ الله الخلق ، وأمّا ذرر فمن لفظ الذر ومعناه ، وذلك لما ورد في الخبر : «أنّ الخلق كان كالذر ، وأمّا الواو والياء فمن : ذروت الحبّ وذريته. يقالان جميعا. وذلك قوله تعالى : (فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ) ، وهذا للطفه وخفته ، وتلك حال الذر أيضا. راجع تفسير القرطبي ٢ / ١٠٧.

(٤) البيتان في ديوانه ص ٣١ ؛ وخزانة الأدب ٢ / ٣٦٩ ، وفي المخطوطة [جرّ غاديهم] وهو تصحيف. وهما في عيون الأخبار ١ / ٣٣. والأول منهما في طبقات الشعراء ص ١٦٦ ؛ وتفسير القرطبي ٤ / ٦٩ ؛ والشعر والشعراء ص ٤٨٣ ؛ والمقتضب ٣ / ٢٠٥.

٢٣٩

والقبول من المصادر الغريبة ، ومثله : الولوع والوضوء ، يقال : توضأت وضوءا ووضوءا ، فالأول مصدر والثاني صفة.

(وَكَفَّلَها).

بالتخفيف : قبلها وقام بأمرها ، وبالتثقيل (١) : أمر إنسانا بتكفلها.

(هُنالِكَ). (٣٨)

عند ذلك ، والأصل في (هناك) ظرف المكان ، وبزيادة اللام تصير ظرف زمان ؛ لأن اللام للتعريف ، والزمان أدخل في التعريف.

(يُبَشِّرُكَ).(٢) (٣٩)

خفيف ، كنانية تهامية (٣) ، ومنه البشير : فعيل بمعنى فاعل.

ويبشرك : تميميّة ، ويبشّرك حجازية.

(مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ).

أي : بعيسى ، وسمي كلمة الله لأنه كان بقول الله : كن ، ولم يكن من أب ، ولأنّه كان يهتدى به كما يهتدى بكلمات الله ، ولأنّ الله تكلم في التوراة بولادته من العذراء البتول ، وأنه يكلم في المهد ، ويحيي الموتى.

(وَحَصُوراً).

__________________

(١) قرأ عاصم وحمزة والكسائي وخلف بالتشديد والباقون بالتخفيف. الإتحاف ص ٤٧٣.

(٢) قرأ حمزة والكسائي بفتح الياء وإسكان الباء وضم الشين مخففة من البشر وهو البشارة. والباقون (يُبَشِّرُكَ) بضم الياء وفتح الباء وكسر الشين مشددة ، من بشّر المضعّف لغة الحجاز. راجع الإتحاف ص ١٧٤.

(٣) وهي قراءة حمزة والكسائي من بشر يبشر ، والتميمية من : أبشر يبشر ، وهي قراءة ابن مسعود ، فاللغات ثلاثة. راجع إعراب القرآن ١ / ٣٢٨ ؛ وتفسير القرطبي ٤ / ٧٥.

٢٤٠