الفوائد الأصوليّة

الشيخ مرتضى الأنصاري

الفوائد الأصوليّة

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: حسن المراغي « غفارپور »
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: شمس تبريزي
المطبعة: ايران يكتا
الطبعة: ١
ISBN: 969-94215-0-5
الصفحات: ٧٧٠

بعد تسليم حكم العقل ولم اجد هذا القول لاحد قبل المحقق التونى فى الوافية الا القليل من الاشاعرة كالزركشى ، والّا فكلمات القوم ـ اكثر من وجدنا كلامهم من الخاصة والعامة ـ ظاهرة فى ان كل من قاله بحكم العقل قال بكونه منشأ للثواب والعقاب ، كما يشهد بذلك عنواناتهم لمحل النزاع بين العدلية والاشاعرة وادلتهم المذكورة من الطرفين.

فان جماعة من اصحابنا والعامة ـ كالمحقق اللاهيجى فى كتابه المسمى ب «گوهر مراد» والفاضل الجواد وغيرهما من الامامية ، والقوشچى فى شرح التجريد والاسنوى فى شرح المنهاج فسروا الحسن والقبح : بكون الفعل مما يستحق المدح والثواب او الذم والعقاب.

واختاره الباغنوى بعد ما حكاه عن صريح المواقف حيث جعل محل النزاع فى استحقاق المدح والثواب والذم والعقاب وقال : ان الحسن والقبح بهذا المعنى عندنا شرعى وعند المعتزلة عقلى.

والعلامة فى التهذيب ، وان اقتصر على استحقاق المدح او الذم ، إلّا انه ذكر ان الذم قول او فعل منبئ عن اتضاح حال الغير ، ومثل السيد العميدى فى الشرح للقول بالشتم وللفعل بالضرب ، وقد اقتصر فى التهذيب فى تعريف الواجب والحرام على ما يذم تاركه او فاعله فعلم ان المراد من الذمّ ما يعمّ العقاب.

والحاجبى والعضدى ، وان لم يصرحا بالثواب والعقاب الّا انهما فسرا الحسن والقبح : باستحقاق المدح والذم فى حكمه تعالى ، ومرادهما كون الفعل بحسب حكم الشارع وفى نظره مما يستحق ان يمدح عليه او يذم كما

٥٦١

هو اجود الاحتمالات التى ذكرها جمال الدين فى معنى العبارة.

وقد اوّله بعض المعاصرين بخلاف مراده تبعا لبعض الشراح وقد حكى جمال المحققين فى الحاشية عن المعتزلة انهم ذكروا فى تعريف الحسن : انه ما يستحق فاعله الثواب وفى القبح ان فاعله يستحق العقاب.

وكيف كان فالظاهر ان كلمات الجميع متفقة على ان المراد بالحسن والقبح استحقاق الثواب والعقاب.

قال فى [شرح] المواقف ـ على ما حكى عنه الباغنوى فى بيان معان الحسن والقبح :

«الثالث ـ تعلق المدح والثواب بالفعل عاجلا وآجلا او الذم والعقاب كذلك فما تعلق به المدح فى العاجل والثواب فى الآجل يسمى حسنا وما تعلق به الذم فى العاجل والعقاب فى الآجل يسمى قبيحا وما لا يتعلق به شيء منهما فهو خارج عنهما هذا فى افعال العباد ، وان اريد به ما يشمل افعال الله تعالى اكتفى بتعلق المدح والذم وترك الثواب والعقاب وهذا المعنى الثالث هو محل النزاع فهو عندنا شرعى وذلك لان الافعال كلها سواسية ليس شيء منها فى نفسه بحيث يقتضى مدح فاعله وثوابه ولا ذم فاعله وعقابه وانما صارت كذلك بواسطة امر الشارع بها ونهيه عنها.

وعند المعتزلة عقلى فانهم قالوا للفعل ـ فى نفسه مع قطع النظر عن الشرع ـ جهة محسنة مقتضية لاستحقاق فاعله مدحا وثوابا ، او مقبحة مقتضية لاستحقاق فاعله ذما وعقابا ثم انها ـ اى تلك الجهة المحسنة او المقبحة ـ قد تدرك بالضرورة من غير تأمل وفكر ، كحسن الصدق النافع وقبح الكذب الضارّ فان كل عاقل يحكم بهما بلا توقف ، وقد تدرك بالنظر كحسن الصدق

٥٦٢

الضارّ وقبح الكذب النافع مثلا ، وقد لا تدرك بالعقل لا بالضرورة ولا بالنظر ولكن اذا ورد به الشرع علم انه ثمّة جهة محسنة كما فى صوم آخر يوم من رمضان حيث اوجبه الشارع ، او جهة مقبحة كصوم اوّل يوم من شوّال حيث حرمه الشارع ...» (١)

ثم اعترض عليه الباغنوى بان دعوى الضرورة فى ادراك استحقاق الثواب او العقاب فى شيء من الافعال بعيد لان العقل لا يستقل فى امر الآخرة انتهى.

وقال الاسنوى بعد ذكر معانى الحسن والقبح : «وانما النزاع فى الحسن والقبح بمعنى ترتب الثواب والعقاب [عليهما] ، فعندنا انهما شرعيان وعند المعتزلة انهما عقليان بمعنى : ان العقل له صلاحية الكشف عنهما ، وانه لا تقتضى الوقوف على حكم الله تعالى على ورود الشرائع لاعتقادهم (وجوب) مراعاة المصالح والمفاسد وانما الشرائع مؤكدة لحكم العقل فيما يعلمه العقل بالضرورة كالعلم بحسن الصدق النافع [وقبح الكذب الضارّ] ، او بالنظر كحسن الصدق الضارّ ، فامّا ما لا يعلمه العقل بالضرورة ولا بالنظر كصوم آخر يوم من رمضان و (تحريم) اوّل يوم من شوّال فان الشرع مظهر لحكمه لمعنى خفى علينا.

فتلخص ان الحاكم حقيقة هو الشرع اجماعا ، وانما الخلاف فى ان العقل هل هو كاف فى معرفته ام لا انتهى.» (٢)

__________________

(١) ـ شرح المواقف : ١٨٣ / ٨ السيد الشريف الجرجانى والمصنف اورد المنقول مزجا بين المتن والشرح. راجع : المواقف : ص ٣٢٤ عضد الدين الايجى.

(٢) ـ نهاية السؤل فى شرح منهاج الاصول : ج ـ ١ صص ٢٦٠ ـ ٢٥٩.

٥٦٣

هذا عنواناتهم لمحل النزاع ، وامّا دلالة ادلتهم المذكورة من الطرفين على ان الخلاف فى حكم العقل باستحقاق الثواب والعقاب :

فمنها : استدلال العدلية بانه لو لم يحكم العقل بالحسن والقبح لزم افحام الانبياء لعدم وجوب النظر حينئذ فلو لم يكن المراد بالحسن معنى يوجب حكم الشارع بالوجوب لم يلزم من حكم العقل عدم الافحام لان الوجوب العقلى وهو مجرد استحقاق الذم على الترك غير كاف فى بعث المكلف على النظر فى المعجزة ، وكذلك كلامهم بانه لو لا حكم العقل بالحسن والقبح لم يجب معرفة الله تعالى.

ومنها : استدلال الاشاعرة بآية : «وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا» (١)

فانه لو لا كون النزاع فى حكم العقل باستحقاق العذاب لم يكن وجه للتمسك بنفى التعذيب قبل بعث الرسل ، لان حكم العقل على هذا لا يثبت العذاب حتى ينفيه ، ولم يكن معنى لردّ العلامة وغيره هذا الاستدلال (٢) بان الآية مؤولة لمصادمة العقل القطعى ، اذ لو لا المنافاة لم يحتج الى التأويل.

وايضا الثمرات التى ذكروها للنزاع ايضا دالّة على ما ذكرنا ، فان العضدى ذكر فى مسئلة شكر المنعم : انه لا يحكم العقل بوجوب شكر المنعم [و] قال :

فلا اثم فى تركه على من لم يبلغه دعوى النبوة خلافا للمعتزلة انتهى.

وبالجملة لا مجال للشك فيما ذكرنا من ان من قال بحكم العقل قال بكونه دليلا على الحكم الشرعى.

__________________

(١) ـ الاسراء : ١٥.

(٢) ـ كذا فى الاصل.

٥٦٤

فى مستند منع الملازمة بين حكم العقل بالحسن والقبح وحكم الشرع بالوجوب والتحريم

ثم اعلم : ان منع الملازمة بين حكم العقل بالحسن والقبح وحكم الشرع بالموجب والتحريم يستند الى وجوه :

احدها ـ منع حكم العقل باستحقاق الثواب والعقاب ـ حكاه الزركشى عن جماعة واختاره حيث قالوا : ان الاشياء قبحها ثابت بالعقل والعقاب متوقف على الشرع ، حكى ذلك كله صاحب الوافية وظاهر اول كلامه الميل اليه ، حيث جعل مناط الوجوب العقلى الذم ومناط الشرعى العقاب :

واختاره شارح الوافية ايضا حيث انه فى مقام منع الكبرى القائلة بان كل واجب عقلى واجب شرعا اذ ثواب الله وعقابه عين مدحه وذمه ـ قال :

«وفيه منع ظاهر والحق ان الحكم الشرعى الذى يترتب عليه الثواب او العقاب وما شابه العقاب مثل ما يترتّب على المكروه ليس الّا طلب الشارع من المكلف فعلا او تركا ، بحيث يتحقق الطالبية والمطلوبية فى الخارج.

وبالجملة وجود الاضافة التى يعبّر عنها بالخطاب معتبر فى تحقق حقيقة الحكم وليس مجرد العلم التصديقى من الشارع بان شيئا خاصا مما يحسن فعله او تركه كذا ارادته من المكلف ان يفعل او يترك ورضاه من فعله ومقته لآخر حكما شرعيا من دون ان يصير المكلّف مخاطبا بالفعل بان يصل اليه

٥٦٥

قول النبى ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ان : صلّ او صم ، وكذا اخبار الشارع بان هذا الشيء واجب او حرام او طلبه قبل بلوغ الخطاب ليس حكما فعلى هذا يكون كل الاوامر والنواهى قبل علم المكلف بها خطابات بالقوّة لا يترتب عليها آثارها من الثواب والعقاب.» (١)

الثانى ـ منع كون مجرد استحقاق الثواب والعقاب موجبا لثبوت الحكم الشرعى ، وهو الذى يظهر من كلام شارح الوافية اخيرا حيث قال :

«لانا نقول على تقدير التسليم انه ليس كلّما يترتب عليه الثواب او العقاب واجبا او حراما شرعيا لان المعتبر فى الحكم الشرعى كما مرّ ان يترتب عليه احد الامرين من جهة الاطاعة والمخالفة لو لا المانع من الاحباط فى جانب الثواب والشفاعة والعفو فى جانب العقاب.» (٢)

الثالث ـ منع كون ادراك العقل حجة وهو الذى يظهر من السيد الشارح ايضا فى اثناء كلامه حيث شبهه بما اذا حصل العلم بالمطلب الشرعى من الرؤيا.

الرابع ـ منع كون الجهات المقتضية للحسن والقبح علّة تامّة للتكليف بل يمكن ان تثبت هذه الجهات ولا تتحقق الحكم ، كما انه يجوز ان تتحقق الحكم الشرعى ولا يثبت هذه الجهات ويكون الامر للابتلاء.

واعلم ان الكل متفقون على ان حكم العقل ليس هو عين الحكم الشرعى ، كيف وحكمه بقبح صدور الكذب من الله ـ جل ذكره ـ ومن

__________________

(١) ـ نقلنا من الاصل المخطوط من شرح الوافية ـ صص : ب والف و ٩٨ ـ ب ٩٧

(٢) ـ نقلنا من الاصل المخطوط من شرح الوافية ـ ب والف و ٩٨ ـ ب و ٩٧

٥٦٦

المكلف حكم واحد ، وكذا حكم منكرى الشرائع ومثبتها به حكم واحد فلا يمكن اطلاق الحكم الشرعى عليه ، ضرورة كون «حكم الشارع» هو خطابه المتعلق بافعال المكلفين او طلبه من المكلف فعلا او تركا او تسويته بينهما وهو مباين للحكم العقلى.

فالخلاف انّما هو فيما تقدم عن الاسنوى من ان الوقوف على الحكم الشرعى لا يحتاج الى الخطاب الفعلى فى الشرعيات ، وان العقل له قابلية الكشف عنها بناء على وجوب مراعاة المصالح والمفاسد على الشارع.

وبمثل ذلك صرح الزركشى على ما حكى عنه فى الوافية ـ قال فى جملة تنبيهات له :

«الاوّل ـ ان المعتزلة لا ينكرون ان الله تعالى هو الشارع للاحكام وانما يقولون [ان العقل يدرك] ان الله ـ تعالى ـ انما شرع احكام الافعال بحسب ما يظهر من مصالحها ومفاسدها فيهما عندهم مؤديان الى العلم بالحكم الشرعى والحكم الشرعى تابع لهما لا عينهما.

فما كان حسنا جوزه الشارع وما كان قبيحا منعه ، فصار عند المعتزلة حكمان احدهما عقلى والآخر شرعى تابع له ، فبان انهم لا يقولون انه بمعنى الثواب والعقاب ليس بشرعى اصلا خلافا لما يوهمه ظاهر عبارة المصنف انتهى». (١)

فحاصل الكلام ان اثبات الحكم الشرعى عند العدلية بمقدمتين :

إحداهما ـ حكم العقل بالمدح والذم والثواب والعقاب بمعنى جزاء

__________________

(١) ـ الوافية مع شرحها ـ الاصل المخطوط ص الف / ٢ ـ ١

٥٦٧

الخير والشرّ لاجزاء امتثال الامر المتوقف على اتيان الفعل لداعى الامر.

الثانية ـ ان الشارع يجب عليه مراعاة الحكم العقلى وان خلاف ذلك قبيح عليه ـ تعالى ـ وهذه ايضا راجعة الى حكم العقل بالتحسين والتقبيح بالنسبة الى افعال الله تعالى.

وقد اورد على ذلك الاشاعرة : بانه يلزم حينئذ ان لا يكون الله ـ تعالى ـ مختارا فى فعله ، اذ لا يجوز عليه ان يفعل ما يخالف حكم العقل.

توضيحه : انه لو كان حسن الافعال وقبحها ثابتا بالعقل للزم ان يكون الواجب ـ تعالى ـ غير مختار فى الحكم.

بيان الملازمة : انه على هذا التقدير يكون الافعال مختلفة فى انفسها بالنظر الى الاحكام ، فلو كان احد الحكمين راجحا فى العقل كان الحكم بالمرجوح خلاف العقل فيكون قبيحا واذا كان متعينا عليه لم يكن مختارا فيه.

واجابوا عن ذلك : بانه امتناع بالمرجوح لقيام الصارف والحكم العقلى لا يبقى اختياره كما ان وجوب الاتيان بالحكم الراجح لقيام داعى الحسن العقلى لا ينافى الاختيار.

وقال المحقق جمال الدين الخوانسارى ـ بعد ما ذكر ان فى العقل امورا متلائمة له يحكم بان فاعلها من حيث ان فاعلها يستحق المدح ، وامورا متنافرة يحكم بان فاعلها من حيث هو فاعلها يستحق الذم قال :

ثم ان ما حكم العقل بحسنه يجب ان يكون عند الشارع كذلك ، ولا يجوز امره به ، بل كل ما امر به الشارع يجب ان يكون فيه جهة يستحق بها المدح وان لم يكن معلومة عند العقل ، وكل ما نهى عنه يجب ان يكون فيه

٥٦٨

جهة توجب الذم وان لم تعرفها فما ليس فيه جهة حسن ولا قبح اصلا لا يجوز الامر به ولا النهى عنه وقال الاشاعرة انه ليس فى الافعال معنى يكون ملائما للعقل او منافرا له.

ثم بين مذهب الاشاعرة الى ان قال : والحق هو المذهب الاوّل واليه ذهب اصحابنا الاماميّة ـ رضوان الله عليهم اجمعين ، ثم استدل على ذلك بالضرورة ، ثم قال وبهذا يبطل مذهب الاشاعرة.

لكن يبقى احتمال ان يقال : ان الحسن والقبح العقلى فى بعض الاشياء مسلم وظاهر ايضا ان امر الواجب بالقبيح ونهيه عن الحسن غير جائز.

لكن نقول : انه يمكن ان لا يكون فى بعض الاشياء جهة محسنة ولا مقبحة ، ومع ذلك امر الشارع به او نهى عنه وهذا لم يبطل بما ذكر ولا نسلم كونه قبيحا ، او يجوز ان يفعل الله ذلك ليعلم المطيع من العاصى ويستحق بالاطاعة الثواب وبالعصيان العقاب.

وامّا القول بانه اذا لم يكن جهة حسن او قبح فالامر به والنهى عنه ترجيح بلا مرجح فمع انه لا ينهض على الاشاعرة القائلين بعدم القبح فى الترجيح بلا مرجح ـ يرد عليه انه يجوز ان يكون هناك مرجح آخر غير الحسن والقبح يوجب الامر به والنهى عنه وان كنا لا نعلمه.

فالحق فى دفع هذا لاحتمال ان يقال : انه قد حصل لنا ـ بملاحظة اكثر المأمورات وانها حسنة وملاحظة معظم المنهيات وانها قبيحة ـ الظنّ القوى بان كلها كذلك ، بل ربما حصل من طريق السمع وتتبع الاحاديث العلم القطعى بذلك ، او فى كل موضع سئل الائمة ـ صلوات الله عليهم ـ عن

٥٦٩

السبب والعلة فى حكم اجابوا بتقرير السبب وتحقق العلة.

وايضا قال الله ـ تعالى ـ (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ) ثم ذكر توضيح الدلالة انتهى»

اقول : وقد تحصل مما ذكرنا ان الاجماع منعقد على انه اذا سلم حكم العقل بالحسن والقبح العقليين كان العقل من الادلة الشرعية ، وقد عرفت دعوى الاتفاق صريحا من جمال الدين ـ قدس‌سره ـ وقد ادعى فى العدة نفى الخلاف بين اهل العلم حيث قال ـ فى باب الحظر والاباحة من آخر الكتاب : «ان افعال المكلف لا تخلو من ان حسنة او قبيحة ، والحسنة لا تخلو من ان يكون واجبا او مندوبا او مباحا وكل فعل يعلم جهة قبحه بالعقل على التفصيل فلا خلاف بين اهل العلم المحصلين فى انه على الحظر وذلك نحو الظلم والكذب والعبث والجهل وما شاكل ذلك وما يعلم جهة كونه ندبا فلا خلاف ايضا فى انه على الندب» انتهى. (١)

ثم ان المتتبع يجد من التتبع دعوى الاجماع المركب بمعنى : ان كل من قال بالحسن والقبح العقليين قال بثبوت التكليف الشرعى بحكم العقل وان من انكر التكليف الشرعى بالحكم العقلى فقد نفى حكم العقل بالحسن والقبح.

__________________

(١) ـ عدّة الاصول : ص ٢٩٦ للشيخ الطوسى الطبعة الحجرية سنة ١٣١٤ ه‍ وردت الجملة الاخيرة فى العدة هكذا : ... وما يعلم جهة وجوبه على التفصيل فلا خلاف ايضا انه على الوجوب وذلك نحو وجوب ردّ الوديعة وشكر المنعم والانصاف وما شاكل وما يعلم جهة كونه ندبا ....

٥٧٠

ولذا استدل الاشاعرة على نفى حكم العقل بنفى التعذيب قبل بعث الرسل بناء على استلزام نفى التعذيب لنفى التكليف الشرعى وكون نفى التكليف الشرعى لازما لنفى التحسين والتقبيح العقليين فلو لا الملازمة لم يكن وجه للاستدلال اصلا ، ولم يكن معنى لرده من العدلية كما فى التهذيب وغيره بوجوب تاويل الدليل السمعى فى مقابل الدليل القطعى ، ولم يستدلوا بالادلة القطعية الاعلى الحسن والقبح العقليين فلو لا استلزام ذلك لثبوت التعذيب بدون بعث الرسل لم يكن تنافى بين الادلة القطعية وبين ظاهر الآية.

والحاصل ان مذهب الامامية قاطبة الى زمان بعض الاخباريين مستقر على كون العقل من ادلة الاحكام الشرعية ثم من بعض الاخباريين مستندا الى عدم حجية ادراكات العقل فى غير مسئلة الحسن والقبح خلافا للكل من الاشاعرة والعدلية ـ ثم فصل بعضهم بين الضروريات كقولنا : الواحد نصف الاثنين وغيرها وفساده وهذا الكلام قد فرغنا منه فى غير هذا المقام.

فنقول : اذا فرض حكم العقل باستحقاق المدح وجزاء الخير على فعل بحيث يستحق الذم والجزاء السوء على تركه ، فهذا الحكم بنفسه وان لم يكن ايجابا شرعيا ، لان هذا نفسه ليس طلبا من الشارع الّا ان هذا المقدار يكفى فى وجوب اتيان الفعل اذ لا نفرق حينئذ بين ما وجب بخطاب الشارع وبين هذا.

فان المناط فى وجوب الاتيان بالواجب الشرعى ليس الّا حكم العقل بان تاركه يستحق العقاب وهذا الاستحقاق موجود فيما نحن فيه.

نعم يتحقق الثمرة فى ترتب احكام الواجبات الشرعية من كفر مستحلّه اذا صار ضروريا وقتل تاركه من دون استحلال فى المرتبة الرابعة وقصد

٥٧١

الامتثال والاطاعة ونحوها.

هذا كله مع قطع النظر عن ملاحظة العلم الاجمالى بصدور الاحكام واما بعدها فيحكم بانطباق الحكم العقلى على ذلك الحكم الشرعى اذ صدور الحكم بخلافه قبيح.

قال الشيخ فى العدّة فى مسئلة جواز النسخ عقلا بما لفظه :

«[ان](١) الذى يدّل على جواز النسخ من جهة العقل هو انه قد ثبت ان العبادات الشرعية (٢) تابعة للمصالح ولكونها ألطافا فى الواجبات العقلية ولو لا ذلك لما وجب على حال ، وانما قلنا ذلك لان الشيء لا يجب بايجاب موجب وانما يجب لصفة (هو) (٣) عليها يقتضى وجوب الشيء ، وانما يدل ايجاب الحكم (٤) له على ان له صفة الوجوب لا بان يصير واجبا بايجابه ، لان ايجاب ما ليس له صفة الوجوب يجرى فى القبح مجرى ايجاب الظلم والقبيح او اباحتهما وقد علم قبح ذلك.

فاذا ثبت هذه الجملة فلا يخلو وجه وجوب هذه العبادات ان يكون عقليا او ما ندعيه من كونها ألطافا ومصالح ، فلو كان وجوبها عقليا لوجب ان يعلم العقل وجوب هذه العبادات كما علم وجوب جميع الواجبات العقلية من : شكر المنعم وردّ الوديعة وقضاء الدين والانصاف وغير ذلك لما كان وجه وجوب هذه الاشياء ثابتا (٥) فى العقل.

__________________

(١) ـ ليس فى العدة

(٢) ـ المصدر : الشرعيات

(٣) ـ ما بين القوسين مزيد من العدة

(٤) ـ المصدر : الحكيم

(٥) ـ المصدر : بيانا

٥٧٢

وقد علمنا انا لا نعلم بالعقل وجوب الصلاة (ولا الزكاة) (١) ولا الصوم ولا غير ذلك من العبادات التى جاءت الشرائع (بها بل) لا يحسن فعلها بالعقل ، واذا ابطل وجه وجوبها عقلا ثبت انها (انما) تجب لكونها ألطافا ومصالح.

واذا ثبت ذلك فلا يمتنع ان يتغير المصالح فيتغير (٢) ما كان داعيا الى فعل الواجب صارفا عن فعله ، ويصير داعيا الى فعل القبيح وما يكون مصلحة لزيد لا يكون لعمرو وما يكون مصلحة فى وقت يصير مفسدة فى وقت آخر ، وذلك يوجب النسخ وإلّا قبح التكليف [عقلا].

فان قيل لم لا يجوز ان يكون وجه وجوبها (٣) هو ان لنا فيها ثوابا دون كونها ألطافا؟

فقيل له : الشيء لا يجب من حيث كان فيه ثواب وإلّا (٤) لكانت النوافل كلها واجبة (ولم يكن فرق بينها وبين الواجبات). فلا بد من القول بما قلنا من انها انما وجبت لكونها ألطافا وانما قلنا ذلك لان ما يقع عنده الواجب يجب لوجوبه لا محالة.

وقد ورد القرآن ايضا منبّها على ذلك (٥) قال الله ـ تعالى ـ

(إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) (فبيّن انّها وجبت من حيث كانت صارفة عن فعل القبيح وقال فى تحريم الخمر) (٦) (إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ

__________________

(١) ـ ما بين القوسين مزيد من العدة

(٢) ـ المصدر : فيصير

(٣) ـ المصدر : هذه العبارات

(٤) ـ المصدر : لانه لو كان كذلك

(٥) ـ المصدر : على ما قلنا

(٦) ـ بين القوسين مزيد من العدّة

٥٧٣

الصَّلاةِ) انتهى». (١)

ثم انه قد تبين مما ذكرنا انه اذا ادرك العقل ان الفعل بحيث [يستحق] فاعله المدح وتاركه الذم كان الفعل المذكور ممدوحا عند الله تعالى ، لان معنى استحقاق فاعله المدح واستحقاقه من كل عالم بهذا الفعل وبصفته الواقعية وكان تاركه مستحقا للذم من الله سبحانه وحيث ان الاستحقاق المذكور يكشف عن رضا المادح بصدوره وكراهته لتركه إلّا اذا خرج عن مقتضى الحكمة فيرضى بخلاف ذلك ، ثبت من ذلك رضى الله سبحانه بذلك الفعل الحسن وكراهته لتركه كما هو كذلك عند كل حكيم.

فاذا ثبت ذلك ثبت استحقاق الجزاء بازاء ذلك الفعل ولا بأس بتسميته ثوابا ، وان ابيت الا عن كون الثواب ما يقع بازاء امتثال الامر والنهى دون مجرد الرضاء والكراهة ، فلا يقدح ذلك فى وجوب ذلك الفعل بمعنى كونه محبوبا مبغوض الترك لان هذا الحب والبعض هو مناط الاطاعة والمعصية فى الاوامر والنواهى اللفظية.

وهذه هى صفة الوجوب فى الفعل التى صرح غير واحد من الخاصة والعامة كالشيخ فى العدّة .... وغيره بان ايجاب الشارع يكشف عنه لا انه يصير واجبا بايجاب الشارع وانه يثبته.

اذا عرفت ذلك فلازم ذلك انه اذا حكم الشارع فى تلك الواقعة وخاطبا فيها بخطاب ، فلا بد ان يكون هذا الخطاب مطابقا لتلك الصفة ، ويقبح مخالفته لها بان ينهى عن الحسن او يامر بالقبح او يسوى فيهما بين الفعل

__________________

(١) ـ عدّة الاصول : صص ١٩٤ ـ ١٩٥ الطبعة الحجرية سنة ١٣١٤ ه

٥٧٤

والترك او يامر او ينهى فيما صفته.

ولذلك اورد الاشاعرة على المعتزلة : بانه يلزم على مذهبكم ان يكون الشارع غير مختار فى تشريعه الاحكام ، واجاب المعتزلة : بان انتفاء القبح لصارف لا ينافى الاختيار. والحاصل ان الصفة الثابتة فى الفعل علّة تامة لتعلق رضا الشارع وكراهته بالفعل لرضا سائر العقلاء اذا عملوا بمقتضى عقلهم.

والحكم الشرعى وان كان فى الاصطلاح هو انشاء طلب او تسوية (١) إلّا ان مناط الاطاعة والعصيان هو الرضا والكراهة ، ولذا لو اخبر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : بان الشيء الفلانى مما لا يرضى الله تعالى بتركه او بفعله ، عومل معه معاملة الواجبات والمحرمات.

ثم اذا التفت العقل الى كون الفعل المذكور محبوبا للشارع او مبغوضا حكم من اجل ذلك بحسن فيه من حيث ان الاتيان بمحبوب المولى حسن من حيث انه محبوب المولى وان لم يكن لذلك من حيث هو.

ثم ان المنكر لكون الحكم العقلى دليلا على الحكم الشرعى ان انكر شيئا من المقدمات المتقدمة المنتجة لكون الحسن مرضىّ الفعل ، مبغوض الترك عند الله فهو منكر للحسن والقبح العقليين تبعا للاشاعرة وان اعترف بثبوت النتيجة المذكورة ، لكنه ينكر كون مجرد الرضا والغضب حكما شرعيا ، فان اراد من حيث وجوب الاطاعة ومعاملة الواجب معه فى تعارضه مع سائر الواجبات الشرعية وترجيحه على مندوباتها وغير ذلك مما يتفرع على الحكم التكليفى فهو ممنوع ، لان ذلك كله جار فيه بحكم العقل ، وان اراد

__________________

(١) ـ كذا فى الاصل المخطوط : لم نعثر على هذا المعنى للحكم فى اللغة.

٥٧٥

ترتب بعض آثار الواجب الشرعى الذى يتبادر منه ما ثبت من الشرع فلا مضايقة.

ثم انه قد يظهر من بعض المعاصرين ـ تبعا لبعض المدققين ـ منع كون صفة الفعل التى يدركها العقل علة تامّة لكون الفعل فى حكم الشارع كذلك ، بل يجوز ان يوجب او يحرم المباح للاختيار ويحرم المكروه ويوجب المندوب لذلك.

وحاصله ما ذكره القائلون بجواز النسخ قبل حضور وقت العمل من انه كما يحسن التكليف لمصالح ترجع الى نفس المامور به ، كذلك قد يحسن لمصالح ترجع الى نفس الامر.

ومحصله ان المتّبع فى الحكم الشرعى هو ثبوت الحسن فى التكليف الذى هو فعل الشارع لا فى المكلف به الذى هو فعلنا.

وفيه : ان الفعل من حيث هو عنوان خاص من الافعال اذا لم يكن من جهة مرجحة لفعله على تركه ، علمنا ان تعلق الامر به من حيث هو قبيح الّا ان يكون الامر صوريا يظنه الجاهل حقيقيا ، لكنه مشروط بجهل المامور ليحصل غرض الامتحان او يجهل من يراد حال العبد له.

والمفروض علم كل ذى شعور بعدم تعلق ارادة الحكيم به لكونه لغوا.

نعم لو فرضنا صدور الامر الكذائى لمصلحة ولو كان المامور عالما كان المصلحة والحسن فى الفعل المتصف بعد الامر بانه محصل الغرض الداعى الى الامر والفعل بهذا العنوان حسن لكن لم يؤمر به صريحا لكنه معلوم تحقق رضى المولى بحصول اغراضه فالامر المذكور حينئذ محقق لموضوع لم

٥٧٦

يتعلق بامر صريح فليس ذلك الامر حكما بل هو جزء موضوع لحكم عقلى هو حسن يحصل اغراض المولى.

ثم ان تحصل الغرض مما يستقل العقل بحسنه إلّا انه يشك فى تحقق موضوعه فى المقام فحكمه حكم سائر الموضوعات المشتبهة مثل ان هذا احسان ام لا.

والحاصل قد يكون فى المامور به فلا شك فى ثبوت الحكم الشرعى بمعنى الرضا بالفعل فيه ، وقد يكون فى نفس الامر فلا يحتاج حصول الغرض الى اتيان المامور به كاوامر التقية.

وقد يكون فى المركب من الامر والفعل وهذا الامر حينئذ لا يعد حكما وانما هو جزء موضوع ، فاذا اطلع المكلف على فعل وانه ليس فيه صفة اصلا ، علم ان الاتيان به من حيث هو غير واجب اصلا لعدم الامر الحقيقى وعدم وجوب الاتيان بالمامور به تقية ، وعدم تحقق عنوان تحصل غرض المولى.

فالشك فى ثبوت الحكم الشرعى والعقلى للشك فى تحقق موضوعه لا يوجب نقضا على قاعدة التلازم بين حكم العقل والشرع.

اذا عرفت معنى ما حكم به العقل حكم به الشرع : هو ان العقل اذا ادرك جهة فى الفعل او حيث حكمه عليه بحكم من الاحكام الخمسة ، فحكمه الشرعى الذى حكم به الشارع هو هذا الحكم ايضا.

فاعلم انه قد ينتقض بامور :

الاوّل ـ حسن التكليف الابتلائى. قال : فان الضرورة قاضية بحسن امر

٥٧٧

المولى عبده بما لا يستحق فاعله [يستحق] من حيث انه فاعله المدح ، استخبارا لحاله او اظهارا لحاله عنده او عند غيره ، ولو كان حسن التكليف مقصورا على حسن الفعل لما جاز ذلك.

الثانى ـ التكاليف التى ترد مورد التقية اذ لم يكن فى نفس الفعل تقية ، فان وقوعها فى اخبار الائمة الاطهار ـ عليهم‌السلام ـ مما لا يكاد يعتريه شوب الانكار.

والجواب عن هذين النقضين : ان العقل اذا ادرك عدم الحسن فى فعل وعدم قابليته لتعلق غرض حكيم بنفس وقوعه من حيث هو فكما ان التكليف الحقيقى المقابل للابتلائى بفعله او تركه قبيح ، فكذلك تكليف ذلك المدرك تكليفا ابتلائيا.

لان المقصود من التكليف الابتلائى على ما مثله الناقض وغيره بتكليف ابراهيم ـ عليه‌السلام ـ ليس الّا التوطين ومن شرطه عدم علم المامور بعدم ارادة الآمر لنفس الفعل وعدم رضاه بتركه والمفروض ان العقل المدرك مستقل بان الحكيم لا يريد هذا الفعل ارادة حقيقية ، فلا يتعقل منه التوطين.

نعم ربما يكون مصلحة فى اصدار نفس الامر والطلب الصورى كما فى اوامر التقية التى نقض بها المعترض لكن لا يجب على العالم بحالها امتثالها ولا تفيد الايجاب الحقيقى.

وبالجملة فمن ادرك عقله اباحة فعل وعدم الحسن والقبح فيه ، فلا يحتمل صدور التكليف الحقيقى من الشارع بالنسبة اليه ولا التكليف المقصود به التوطين لانه مشروط باعتقاد المامور كون التكليف حقيقيا.

٥٧٨

نعم يحتمل صدور الامر الصورى تقية لكن لا يوجب فى حقه الحكم بالوجوب لعلمه بكونه للتقية فان قلت ليس الكلام بالنسبة الى حكم نفس المدرك لحكم العقل ، بل الكلام فى ان عدم الصفة للفعل فى الواقع لا يوجب عدم الحكم من الشارع فى الواقع بجواز صدور الحكم الابتلائى او من جهة التقية.

قلت : ليس الكلام فى ان الحكم تابع لجهة الفعل ، حتى انه اذا لم يكن فى الفعل جهة لم يكن حكم شرعى اذ لم يعنون ذلك فى كلام احد حتى فى عنوان كلام نفس الناقض فلاحظ ، بل الكلام كما صرح به نفس المعترض فى عنوان كلامه ان العقل اذا ادرك جهات من حسن او قبح فحكم بوجوبه او حرمته او غير ذلك ، فهل يكشف ذلك عن حكمه الشرعى ويستلزم ان يكون الشارع قد حكم على حسبه ومقتضاه من وجوب او حرمة او لا يستلزم.

ثم ان المراد من العقل هو المشترك بين كل العقلاء لا خصوص عقول الانبياء والاولياء ـ عليهم‌السلام ـ حتى يقال يمكن ان تدرك عقولهم الاباحة ويحكم الشارع فى حق غيرهم الجاهل بحقيقة الحال بالتكليف ابتلاء او تقية.

الثالث ـ ان جملة من الاوامر الشرعية متعلقة بافعال مشروطة بقصد القربة كالصوم والصلاة والحج والزكاة ، فان وقوعها موصوفة بالوجوب الشرعى او رجحانه مشروط بقصد القربة ، حتى انها لو وقعت بدونها لم تتّصف مع ان تلك الافعال بحسب الواقع اما ان يكون واجبات عقلية مطلقا ، او بشرط الامر بها ووقوعها بقصد الامتثال وعلى التقديرين يثبت المقصود.

٥٧٩

امّا على الاوّل ـ فلحكم العقل بوجوبها عند عدم قصد الامتثال وحكم الشارع بعدم وجوبه.

وامّا على الثانى ـ فلانتفاء الحسن قبل التكليف فلم يتفرع حسن التكليف على حسن الفعل.

والجواب انا نختار :

اولا : انها بدون قصد القربة متّصفة بالحسن الملزم وواجبة عقلا ، ولا يستلزم من ذلك كون الواقع منها باى وجه اتفق واى عنوان قصد متصفة بالوجوب ، لان الشرط فى استحقاق المدح على الفعل الحسن اتيانه بقصد ذلك العنوان المتصف لاجله بالحسن ، فلو اتى بعنوان آخر لم يستحق مدحا.

وحينئذ فنقول الصوم مثلا متصف بالحسن الملزم لكن بعنوان انه مثلا مقرب الى الواجبات العقلية ومبعد عن تلك القبائح.

فحينئذ اذا اتى به على غير هذا الوجه لم يستحق شيئا والاتيان به بذلك القصد يحتاج الى العلم بذلك العنوان ، او ان يقصد ما كان فى نظر الشارع وجها للوجوب وقد ذكروا انه لا بد من ايقاع الفعل لوجوبه او لوجه وجوبه.

وثانيا ـ نختار انها خالية عن الحسن ، وقولك انها مامور بها ، قلنا : ان المطلوب بالامر والمراد به هو اتيانها تقربا الى الله ، لكن لما يمكن الحمل على هذا الفعل بهذه النية الّا بالامر بها.

ثم اقامة القرينة على ارادة الفعل بقصد القربة لان الامر بها بقيد القربة مستحيل لان القربة تحصل بعد الامر ، فلهذا امر بنفس هذه الافعال تمكينا للمكلف من قصد القربة.

٥٨٠