إعراب القراءات السبع وعللها - ج ٢

الحسين بن أحمد بن خالويه الهمذاني النحوي الشافعي

إعراب القراءات السبع وعللها - ج ٢

المؤلف:

الحسين بن أحمد بن خالويه الهمذاني النحوي الشافعي


المحقق: الدكتور عبدالرحمن بن سليمان العثيمين
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الخانجي
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
977-5046-07-6

الصفحات: ٦٧٣
الجزء ١ الجزء ٢

وقرأ الباقون : أربعَ بالنّصب ، جعلوه مفعولا ، أى : تشهد أربع شهادات.

٤ ـ وقوله تعالى : (وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ) [٧]

و (أَنَّ غَضَبَ اللهِ) [٩].

قرأ نافع وحده بتخفيف «أنْ» ولعنةٌ رفع بالابتداء ، وغضب فعل ماض. واسم الله تعالى رفع بفعله.

وقرأ الباقون بتشديد (أَنَّ) ونصب الغضب واللّعنة.

ومعنى هذه الآية أن من قذف محصنة مسلمة بفاحشة فلم يأت بأربعة شهداء جلد ثمانين ، ومن رمى امرأته بفاحشة تلاعنا. والملاعنة : أن يبدأ الرّجل فيحلف بالله الذى لا إله إلا هو أنه صادق فيما رماها به ، ويشهد الخامسة أنّ لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رماها به ، وتشهد المرأة أربع شهادات بالله إنه من الكاذبين فيما رماها به ، وتشهد الخامسة أنّ غضب الله عليها إن كان من الصادقين. ثم يفرق بينهما فلا يجتمعان أبدا.

فأمّا من قذف مسلمة فلا تقبل شهادته أبدا. ويقبل الله توبته. وقال آخرون : تقبل شهادته إن كان الله قد قبل توبته. فيجعل الاستثناء فى قوله : (أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) [٤ ، ٥] استثناء متصلا. وقرأ حفص وحده ، والخامسةَ [٧ ، ٩] بالنّصب على تأويل. وتشهد الخامسة.

والباقون يرفعون على الابتداء والخبر.

٥ ـ وقوله تعالى : (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ) [١٥]

١٠١

فيه خمس قراءات :

قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائىّ (إذْ تَّلقّونه) بإدغام الذّال فى التاء لقربهما وبسكون الذّال.

وقرأ الباقون : (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ) بالإظهار ؛ لأنّ الذال ليست / أختا للتاء. وهما من كلمتين.

وقرأ ابن كثير : إذْ تَّلقّونه بتشديد التّاء. أراد : تتلقونه فأدغم وليس بجيّد ؛ لأنّه جمع بين ساكنين.

وقرأ ابن مسعود وأبّىّ (١) : تتلقّونه بتاءين على الأصل ، تاء الاستقبال وتاء الماضى. فكأنّ ابن كثير اعتبر هذا. وقد روى بتشديد التاء عن أبى عمرو أيضا.

والقراءة الخامسة قراءة عائشة (٢) : إذ تَلِقونه مخفّف من الولق فى السّير (٣) ، وفى الكذب ، وهو السّرعة ، والأصل : تولقونه ، فوقعت الواو بين تاء وكسرة فخزلت.

قال الشاعر (٤) :

إنّ الجليد زلق وزمّلق

__________________

(١) قراءة ابن مسعود وأبىّ فى معانى القرآن للفراء : ٢ / ٢٤٨ وتفسير القرطبى : ١٢ / ٢٠٤ ، والبحر المحيط : ٦ / ٤٣٨.

(٢) قراءة عائشة رضى الله عنها فى معانى القرآن للفرّاء : ٢ / ٢٤٨ وإعراب القرآن للنحاس : ٢ / ٤٣٥ ، والمحتسب : ٢ / ١٠٤ ، والبحر المحيط : ٦ / ٤٣٨.

(٣) فى الأصل : «اليسر» ، والتّصحيح من معانى القرآن للفرّاء : ٢ / ٢٤٨ والمعاجم اللّغوية.

(٤) الأبيات للشماخ بن ضرار ، ديوانه : ٤٥٢ الأول والثانى فقط. وربما نسبت إلى القلّاخ ـ

١٠٢

جاءت به عنس من الشّام تلق

مجوّع البطن كلابىّ الخلق

ومن شدّد فقال : تلقّونه فمعناه : تقبلونه وتأخذونه كما قال (١) : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) أى : قبلها وأخذها. وكان الأصل فى ذلك أنّ النّاس لما أفاضوا فى الإفك ، وحديث عائشة كان الرّجل يلقى الآخر فيقول : أما بلغك حديث عائشة؟ لتشيع الفاحشة فى الذين آمنوا ، فأنزل الله تعالى فى براءتها ، وأرغم أنوف المنافقين. فقال : (أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ) [٢٦] ، يعنى عائشة وصفوان بن المعطّل (٢).

وفيها قراءة سادسة وسابعة ، وثامنة وتاسعة عدّدتها فى (البديع) (٣).

٧ ـ وقوله تعالى : (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ) [٢٤]

قرأ حمزة والكسائىّ بالياء ؛ لأنّ الفعل متقدم فيشبّه بقولهم : قام الرّجال ، ولأنّ اللسان مذكر.

__________________

ـ ابن حزن بن جناب بن منقر. (المؤتلف والمختلط : ١٦٨ ، والشعر والشعراء ٦٨٨) اللّسان والتاج : (زلق). وربما نسبت أيضا لابن قيس الرقيات ، ورجح الأستاذ صلاح الدين الهادى محقق ديوان الشماخ أنها للقلاح. وأنا أوافقه على ذلك لا سيما أنه من السهل جدّا تحريف كلمة (القلاح) إلى (الشماخ) فى بعض المخطوطات والله أعلم. وعنس : قبيلة من اليمن. والأبيات فى معانى القرآن للفراء : ٢ / ٢٤٨ وهو مصدر المؤلف.

(١) سورة البقرة : آية : ٣٧.

(٢) حديث الإفك فى أسباب النزول للواحدى : ٣٣٠. وينظر : تفسير الطبرى : ١٨ / ٧١ ، وتفسير ابن كثير : ٣ / ٢٦٨ وفتح القدير : ٤ / ١٢ وغيرها. وترجمة صفوان بن المعطّل رضى الله عنه فى الاستيعاب : ٢ / ٧٢٥. وأسد الغابة : ٣ / ٣٠ ، والإصابة : ٣ / ٤٤٠.

(٣) مختصر شواذ القراءات للمؤلف : وتنظر المقدمة

١٠٣

وقرأ الباقون : (تَشْهَدُ) / بالتاء لتأنيث الألسنة ، والعرب تذكر اللّسان ، والذّراع ، وتؤنثهما ، فمن ذكره فقال : ألسن وأذرع ، ومن أنّث قال : ألسنة ، وأذرعة.

وحدّثنى ابن مجاهد عن السّمّرى عن الفرّاء قال : (١) من قال : هذه لسان ذهب بها إلى الرّسالة.

٨ ـ وقوله تعالى : (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَ) [٣١]

روى عبّاس عن أبى عمرو : (وَلْيَضْرِبْنَ) بكسر اللّام على معنى «كى». وتكون لام الأمر ، فيكسر على الأصل كما قرىء (٢) : (وَلْيَطَّوَّفُوا) ومعنى ذلك : أنّ نساء الجاهليّة كنّ يسدلن خمرهنّ من وراء ، ويكشفن صدورهن ونحورهن فأمرهنّ الله تعالى بالاستتار. فقال : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها) [٣١] عينها ، وكحلها ، وخضابها. وقيل : (إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها)

__________________

(١) المذكر والمؤنث للفرّاء : ١٣. وعن الفرّاء أيضا فى المذكر والمؤنث لابن الأنبارى : ٢٩٤ قال الفرّاء : «واللسان يذكر وربما أنّث إذا قصدوا باللّسان قصد الرّسالة والقصيدة قال الشاعر :

لسان المرء تهديها إلينا

وحنت وما حسبتك أن تحينا

وأورد بيتين آخرين ثم قال : فأمّا اللّسان بعينه فلم أسمعه من العرب إلا مذكر». وانظر المذكر والمؤنث للمبرد : ١٤١ ، والكتاب : ٢ / ١٩٤ والخزانة : ١ / ٩٢ ، ٢ / ١٣٨. أما الذّراع : فقال الفرّاء : «وقد ذكّر الذراع بعض عكل». المذكر والمؤنث للفرّاء : ٧٧ ، والمذكر والمؤنث لابن الأنبارى : ٣٠١. وعكل : هو عكل بن أدّ بن طابخة بن إلياس بن مضر.

(٢) سورة الحج : آية : ٢٩. وهى قراءة ابن عامر وابن ذكوان.

١٠٤

القلب (١) والفتخة. والقلب : السّوار ، والفتخة : الخاتم. كان نساء العرب يلبسنه فى الأصابع العشر من الذّبل (٢) قال الشاعر : (٣)

* تسقط منه فتخى فى كمّى*

__________________

(١) فى زاد المسير : ٦ / ٣١ «وقد نصّ عليه أحمد فقال : الزّينة الظاهرة : الثياب ، وكل شىء منها عورة حتى الظفر. ويفيد هذا تحريم النظر إلى الأجنبيات لغير عذر ، فإن كان لعذر مثل أن يريد أن يتزوجها أو يشهد عليها فإنه ينظر فى الحالين إلى وجهها خاصة ، أما النظر إليها لغير عذر فلا يجوز لا لشهوة ولا لغيرها ، وسواء فى ذلك الكفّان وغيرهما من البدن. فإن قيل : لم لم تبطل الصّلاة بكشف وجهها؟! فالجواب : أن فى تغطيته مشقة فعفى عنه. وقال ابن جرير فى تفسيره : بعد عرض الأقوال فى ذلك : وأولى الأقوال فى ذلك بالصّواب : قول من قال : عنى بذلك الوجه والكفان يدخل فى ذلك ـ إذا كان كذلك ـ الكحل والخاتم والسوار والخضاب».

(٢) الذّبل عظام ظهر دابّة من دواب البحر تتخذ النّساء منه أسورة. قال جرير يصف أمرأة راعية :

ترى العبس الحولىّ جونا بكوعها

لها مسكا من غير عاج ولا ذبل

الجمهرة : ١ / ٢٥٢ ، واللسان والتاج : (ذبل). وينظر غريب الحديث للحربى : ٣ / ٥٦٦.

(٣) هذا بيت من الرّجز استشهد به أبو عبيد فى غريب الحديث : ٤ / ٣١٧. وغيره ، قال ابن برّى فى التنبيه والإيضاح (فتخ) : «البيت للدّهناء بنت مسحل زوج العجّاج ، وكانت رفعته إلى المغيرة ابن شعبة فقالت له : أصلحك الله : إنّى منه ببجع ، أى : لم يفتضّنى فقال العجاج :

الله يعلم يا مغيرة إنّنى

قد دستها دوس الحصان المرسل

وأخذتها أخذ المقصّب شاته

عجلان يذبحها لقوم نزّل

فقالت الدّهناء :

والله لا تخدعنى بشمّ

ولا بتقبيل ولا بضمّ

إلا بزعزاع يسلى همّى

تسقط منه فتخى فى كمّى

وحقيقة الفتخة أن تكون فى أصابع الرجلين». وبيتا العجّاج غريبان ، فالعجّاج اشتهر بالرّجز ولم يشهر بالشّعر؟!

١٠٥

فلا يحب أن تبدى زينتها. إلا لبعلها ، وأبوها. ومن ذكر الله تعالى إلى قوله تعالى : (أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ) يعنى بالتابعين : المتصرف مع الرّجال لا أرب له فى النّساء يكون شريسا أى : عنينا ، أو شيخا كبيرا ، أو غلاما لم يشهد بعد ، أى : لم يحتلم. يقال : أشهد فلان : إذا احتلم. يجب على المرأة أن تستر عن كلّ أحد سوى هؤلاء المذكورين. وكذلك تستتر عن المرأة اليهوديّة والنّصرانية /.

٩ ـ وقوله تعالى : غيرَ أولى الإربة [٣١].

قرأ عاصم برواية أبى بكر وابن عامر غيرَ بالنّصب فيكون نصبه على الحال ، وعلى الاستثناء.

وقرأ الباقون (غَيْرِ) بالكسر جعلوه نعتا بالتّابعين. ومن الإربة حديث عائشة (١) : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقبّل وهو صائم وكان أملككم لإربه» أى : لعضوه ، ولحاجته إلى النّساء.

وسئل ابن عبّاس ، لم رخّصت للشّيخ إذا كان صائما ، وكرهت للشّاب؟! فقال : إنّ عرق الذّكر معلّق بعرنين الأنف. فإذا شمّ تحرّك. وقيل : فى قوله : (مِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ) قال : من شرّ الذّكر إذا قام (٢).

__________________

(١) الحديث فى صحيح مسلم : ٢ / ٧٧٧ كتاب الصيّام / باب بيان أنّ القبلة فى الصوم ليست محرّمه على من لم تحرك شهوته حديث (٦٦). وصحيح البخارى : ٤ / ١٤٩ كتاب الصوم باب المباشرة للصائم / حديث (١٩٢٧) بلفظ (يقبل ويباشر).

(٢) راجعت كثيرا من كتب التّفسير الموثوق بها فلم أجد من ذكر ذلك.

١٠٦

وأكثر المفسّرين على اللّيل إذا دخل بظلمته ، ويحتجّون بحديث عائشة (١) أنّ النبّى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لها ـ وقد نظر إلى القمر ـ : «تعوّذى يا عائشة بهذا فإنّه الغاسق إذا وقب».

١٠ ـ وقوله تعالى : أيّهَ المؤمنون [٣١].

قرأ ابن عامر : أيّهْ المؤمنون ويقف كذلك اتباعا للمصحف ؛ لأنّها كذلك كتبت ، وكذلك (٢) : (أَيُّهَ الثَّقَلانِ يا أَيُّهَا السَّاحِرُ)(٣).

وقرأ الباقون (أَيُّهَا) بألف. ويجب على قرائهم أن يقفوا بألف إذا اضطر إلى ذلك.

قال ابن مجاهد (٤) ، لا ينبغى لأحد أن يتعمّد الوقف عليه ؛ لأن الألف قد سقطت لالتقاء الساكنين لفظا. قال : وحدّثنى محمد بن [يحيى] الوراق عن محمد بن سعدان عن الكسائى ، (أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ) وقف بألف.

١١ ـ وقوله تعالى : (كَمِشْكاةٍ فِيها) [٣٥].

روى أبو عمرو عن الكسائى كميشكاة ممالا.

وقرأ الباقون مفخما / والمشكاة : الكوّة التى لا تنفذ ، وفيها المصباح فشبّه الله تعالى قلب المؤمن ، وما أودعه من النّور بذلك.

__________________

(١) مسند الإمام أحمد : ٦ / ٦١ ، ٢٠٦.

(٢) سورة الرحمن : آية : ٣١.

(٣) سورة الزخرف : آية : ٤٩.

(٤) السّبعة لابن مجاهد : ٤٥٥.

١٠٧

١٢ ـ وقوله تعالى : (كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌ) [٣٥].

فيه أربع قراءات :

قرأ أبو عمرو ، والكسائى (دِرَّىء) بكسر الدال ، والهمز ، والمدّ جعلاه من الدّرارى من النّجوم ، وهى التى تجىء وتذهب.

وقال آخرون : بل هى أحد النّجوم الخمسة المضيئة زحل ، وبهرام ، والمشترى ، وعطارد ، والزّهرة (١). أنشدنى ابن دريد (٢) :

إلّا خصائص كالدّرا

رى المحزئلّات الفراد

وقرأ نافع وابن عامر وابن كثير ، وحفص عن عاصم دُرّىٍ بضم الدّال ، وترك الهمز منسوب إلى الدّرّ.

وقرأ حمزة وعاصم فى رواية أبى بكر دُرِّىء بالضمّ مع الهمز. قال الفراء (٣) : لا وجه له عندى ؛ لأنّ (فعّيل) ليس فى كلام العرب. إنما هو من الأسماء الأعجمية مثل مرّيق (٤).

قال أبو عبيد ، وله عندى وجه أن يكون درّى بفتح الدّال كأنّه (فعيل) منه.

__________________

(١) معانى القرآن للفرّاء ٢ / ٢٥٢.

(٢) لم أعثر عليه ، ومعنى محزئلات : مرتفعات كذا قال الأزهرى فى تهذيب اللغة : ٤ / ٣٦٠. أبو عبيد عن الأصمعىّ وأنشد :

ذات انتباذ عن الحادى إذا بركت

خوّت على ثفنات محزئلّات

(٣) معانى القرآن للفرّاء : ٢ / ٢٥٢ ، ونسب مثل هذا إلى أبى علىّ الفارسىّ فى اللسان : (درر).

(٤) هو حبّ العصفر. المعرب : ٣١٥ قال : «ليس فى كلامهم اسم على زنة (فعّيل)» ويراجع كتاب ليس لابن خالويه (المؤلف) ص ٢٥٢.

١٠٨

قال سيبويه : وليس فى كلام العرب فعّيل إنّما هو فعّيل مثل سكيت : كثير السّكوت ، وفسّيق ، وخمّير.

١٣ ـ وقوله تعالى : توقد من شجرة [٣٥]

فيه أربع قراءات :

قرأ ابن عامر ، ونافع ، وحفص عن عاصم (يُوقَدُ) ردّا على الكواكب وقرأ ابن محيصن توقد برفع الدال ردّا على الزّجاجة. أراد : تتوقد فحذف إحدى التاءين ، والمصدر من توقّد / توقّدا والمصدر من توقد ويوقد ايقادا وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو (تَوَقَّد) فعل ماض.

وقرأ حمزة ، والكسائىّ وأبو بكر عن عاصم (توقد).

والناس كلهم يضمون الزاى فى الزّجاجة إلا نصر بن عاصم (١) ، فإنه قرأ زِجاجة بكسر الزاى ، والزّجاج فى كلام العرب فى غير هذا الموضع جمع زجّ (٢).

١٤ ـ وقوله تعالى : (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ) [٣٦]

قرأ عاصم ـ فى رواية أبى بكر ـ وابن عامر يسبَّح له على ما لم يسمّ فاعله. فعلى قراءتهما ترتفع ال (رِجالٌ) من وجهين :

__________________

(١) قراءة نصر فى البحر المحيط : ٦ / ٤٥٦.

(٢) هى الحديدة التى تركّب فى أسفل الرّمح والسّنان يركب عاليته. والزّج تركز به الرمح فى الأرض والسنان يطعن به والجمع أزجاج ... وزجاج». الصحاح واللسان والتاج : (زجج).

١٠٩

أحدهما : أنّ الكلام قد تمّ عند (الْآصالِ). ثم يقول : (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ ، وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) فالتّجارة الجلب ، والبيع ما يبيع الرّجل على يده.

والوجه الثانى : أن ترفع الرجال بإضمار فعل فيكون الكلام تامّا على (وَالْآصالِ) ، ثم يتبدى : رجال أى : يسبّحه رجال.

وقرأ الباقون : (يُسَبِّحُ) بكسر الباء (رِجالٌ) : رفع بفعلهم ، فعلى هذه القراءة لا يكون الوقف إلا على الرّجال. والاختيار يسبّح بكسر الباء ؛ لأنّ فتح الباء ما روى إلا عن عاصم وابن عامر ، وقد روى عن عاصم الكسر أيضا.

وحدّثنى ابن مجاهد قال (١) : حدّثنى إدريس وابن أبى خيثمة عن خلف عن الضّحاك بن ميمون عن عاصم بن أبى النّجود (يُسَبِّحُ) بكسر الباء.

وأمّا (الْآصالِ) فجمع أصيل ، وهو قراءة الناس إلا أبا مجلز فإنه قرأ (٢) بالغدوّ والإصال بكسر الألف جعله مصدرا /.

١٥ ـ وقوله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ) [٤٥]

قرأ حمزة ، والكسائى خالق كلِّ دابة على فاعل ، وهو مضاف إلى ما بعده.

وقرأ الباقون (خَلَقَ) فعل ماض. «وكلّ» نصب مفعول. و «من» جر فإنّ موضع «كلّ» منصوب فى المعنى ، وإن كان جرّا فى اللّفظ كما

__________________

(١) السّبعة : ٤٥٦ وفيه : «إدريس بن عبد الكريم وأحمد بن أبى خيثمة ...».

(٢) قراءة أبى مجلز فى البحر المحيط : ٦ / ٤٥٨.

١١٠

تقول : هذا راكب فرس. والأصل راكب فرسا. ولو قرأ قارىء : والله خلق كلّ دابة كان سائغا فى النحو مثل : كاشفات ضرَّه (١) إلا أنّ القراءة سنة لا تحمل على قياس العربيّة إنما يتبع به الأئمّة.

١٦ ـ وقوله تعالى : (وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ) [٥٥].

قرأ ابن كثير ، وأبو بكر عن عاصم يُبْدِلنّهم خفيفا.

وقرأ الباقون ، وحفص عن عاصم مشدّدا. وقد ذكرت الفرق بينهما فى سورة (النّساء) ، و (الكهف) فأغنى عن الإعادة ها هنا.

١٧ ـ وقوله تعالى : (وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ) [٥٢].

فيه أربع قراءات :

قرأ ابن كثير ، وعاصم فى رواية أبى بكر ، وحمزة ، وابن عامر (يَتَّقْهِ) ساكنا ؛ وذلك أن الياء لما اختلطت بالفعل وصارت من درجه ثقلت الكلمة ، فخفّفت بالإسكان.

وقال آخرون : بل توهّموا أنّ الجزم واقع على الهاء.

وقرأ نافع ـ فى رواية ورش ـ وابن كثير والكسائى ويتّقهى بكسر الهاء لمجاورة القاف المكسورة يتبعون الهاء ياء تقوية.

وروى قالون عن نافع (وَيَتَّقْهِ) باختلاس الحركة ، وهو الاختيار عند النّحويين ؛ لأنّ الأصل فى الفعل قبل الجزم أن يكون يتّقيه بالاختلاس فلما سقطت / الياء للجزم بقيت الحركة مختلسة كأول وهلة.

__________________

(١) سورة الزمر : آية : ٣٨. وقد ذكر المؤلّف هذه القراءة فى سورة التّوبة.

١١١

والقراءة الرّابعة : روى حفص عن عاصم (وَيَتَّقْهِ) بإسكان القاف وكسر الهاء. وله حجّتان :

أحدهما : أنّه كره الكسرة فى القاف ، فأسكنها تخفيفا ، كما قال الشّاعر (١) :

عجبت لمولود وليس له أب

ومن ولد لم يلده أبوان (٢)

يعنى : آدم وعيسى (٣) [عليهما‌السلام]. أراد : لم يلده فأسكن اللّام. ويجوز أن يكون أسكن القاف والهاء ساكنة فكسر الهاء لالتقاء الساكنين.

كما أقر عاصم فى أول (الكهف) (٤) من لدنهِ بكسر الهاء لسكونها ، وسكون النون.

__________________

(١) البيت لعمرو الجنبىّ شاعر من اليمن يقوله لامرىء القيس الشاعر وربما نسب إلى رجل من الأزد.

والجنبىّ منسوب إلى الجنب ـ بفتح الجيم وسكون النون ـ قبيلة من اليمن. والأزد قبيلة من قحطان من اليمن أيضا. سكن بعضهم السراة وبعضهم سكن عمان. قال النجاشى الحارثى :

فكنت كذى رجلين رجل صحيحة

ورجل بها ريب من الحدثان

فأمّا التى صحتّ فأزد شنوءة

وأمّا الّتى شلّت فأزد عمان

والبيت فى الكتاب : ١ / ٣٤١ ، ٢ / ٢٥٨ ، والكامل : ٢ / ١١٤ ، والأصول لابن السراج : ١ / ٢٨٩ ، والموشح : ١٤٧ ، والحجة لأبى على ١ / ٣١٠ والخصائص : ٢ / ٣٣٣ ، وشرح المفصل لابن يعيش : ٤ / ٤٨ ، ٩ / ١٢٣ ، ١٢٦. وشرح الرضى : ١ / ١٤٠ ، والخزانة : ١ / ٣٩٧. ويروى : «ألا ربّ مولود». قال البغدادى : «ولا تلتفت إلى قول ابن هشام اللّخمى مع رواية سيبويه : والصّواب : «عجبت لمولود» لأن الروايتين صحيحتان ثابتتان». وابن هشام اللخمى ذكر ذلك فى كتابه : «الفصول والجمل ..». وقفت عليه ولله الحمد.

(٢) ويروى : (وذى ولد).

(٣) لمقصود قول الشاعر تفسير آخر فى الخزانة.

(٤) الآية : ٢.

١١٢

وفيها حجّة ثالثة : أنّ من العرب من يقول : زيد لم يتّق فجزم القاف بعد حذف الياء ، توهما أن القاف آخر الكلمة ، وينشد (١) :

ومن يتّق فإنّ الله معه

ورزق الله [مؤتاب](٢) وغادى

١٨ ـ وقوله تعالى : (سَحابٌ ظُلُماتٌ) [٤٠]

روى قنبل عن ابن كثير سحاب ظلامات على الابتداء ، وروى غيره عن ابن كثير سحابُ ظلماتِ بالكسر مضافا غير منون. وقرأ الباقون : (سَحابٌ ظُلُماتٌ) بالرّفع على النّعت ، فشبه الله تعالى الكفر بظلمات ، كما شبه قلب المؤمن بالمصباح.

(إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها) [٤٠]

فيه قولان :

قال بعضهم : يراها بعد إبطاء لشدّة الظّلمة.

وقال آخرون : لم يرها ولم يكد (٣).

فأمّا ابن كثير إذا نوّن (سَحابٌ) وخفض ظلماتٍ فإنّه يجعلهما بدلا / من الظّلمات التى قبلها. والتّقدير : أو كظلمات ... ظلمات.

__________________

(١) البيت غير منسوب فى الخصائص : ١ / ٣٠٦ ، ٢ / ٣١٧ ، ٣٣٩ ، والمحتسب : ١ / ٣٦١ ، وشرح شواهد الشافية : ٤ / ٢٢٨ والصحاح واللسان : (أوب).

(٢) فى الأصل : «مرتاح» وهو تحريف ، و (مؤتاب) من آب بمعنى : رجع.

(٣) تحدث المؤلف فى شرح الفصيح عن هذه الآية وعن قول ذى الرّمة :

إذا غيّر النّأى المحبّين لم يكد

رسيس الهوى من حبّ ميّة يبرح

فليراجع هناك.

١١٣

ومن أضاف ولم ينوّن جعل السّحاب غير الظّلمات.

١٩ ـ وقوله تعالى : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ) [٥٧]

قرأ ابن عامر وحمزة بالياء.

وقرأها الباقون بالتّاء فموضع (الَّذِينَ) نصب ، و (مُعْجِزِينَ) المفعول الثانى ، والمفعول الثّانى لمن قرأ بالياء (فِي الْأَرْضِ).

وقال الأخفش (١) : من قرأ بالياء يجوز أن يكون (الَّذِينَ) فى موضع نصب على تقدير : ولا يحسبن الّذين محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم الفاعل.

٢٠ ـ وقوله تعالى : (كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ) [٥٥]

قرأ عاصم ـ فى رواية أبى بكر ـ كما اسْتُخلف بضمّ التاء على ما لم يسمّ فاعله.

وقرأ الباقون (كَمَا اسْتَخْلَفَ). بفتح التاء لذكر الله تعالى قبل ذلك وبعده. فمن ضمّ التّاء ف (الَّذِينَ) فى موضع رفع. ومن فتح التاء «فالّذين» فى موضع نصب.

٢١ ـ وقوله تعالى : (ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ) [٥٨]

قرأ أهل الكوفة إلا حفصا (٢) : بالنّصب ردا على ما قبله ، أى : فليستأذنوا ثلاث مرّات.

وقرأ الباقون : بالرّفع على الابتداء.

__________________

(١) هو المروى عن ابن كثير كما تقدّم.

(٢) لم يرد فى المعانى له.

١١٤

قال ابن مجاهد (١) : واتفق الناس على إسكان الواو فى (عَوْراتٍ) ولا يجوز غير ذلك. فقلت له : قرأ الأعمش ثلاث عَوَرات بفتح الواو. فقال : هو غلط.

قال أبو عبد الله : إن كان جعله غلطا من جهة الرّواية فقد أصاب. وإن كان غلّطه من جهة العربيّة فليس غلطا ؛ لأنّ المبرّد / ذكر أن هذيلا من طابخة يقولون فى جمع جوزة ولوزة وعورة : عورات ولوزات وجوزات.

وأجمع النّحويون أنّ الإسكان أجود ؛ ليفرّق بين الصّحيح والمعتل ؛ لأنّ الواو إذا تحرّكت ، وانفتح ما قبلها صارت ألفا. فوجب أن يقال : عارات ، وجازات ، ولازات ، وذوات الياء نحو بيضة ، وبيضات فيها ما فى ذوات الواو ، والاختيار الإسكان ، ألا ترى أنّ قوله (٢) : (فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ) ما قرأ أحد روضات ، وكذلك عورات مثل روضات.

٦ ـ وقوله تعالى : (وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ) [٦٤].

قرأ أبو عمرو فى رواية نصر ، وعبيد ، وهارون : ويوم يَرجعون إليه وروى اليزيدى ، وعبد الوارث : (وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ) بالضّم أى : يردّون.

كذلك قرأ الباقون (يُرْجَعُونَ).

(وفى هذه السّورة ياءان).

(يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) [٥٥].

اتّفق النّاس على إسكانها تخفيفا.

* * *

__________________

(١) السّبعة : ٤٥٩ ونصّ كلام أبى بكر : «ولم يختلفوا فى إسكان الواو من عَوْراتٍ ولعلّ النقل عنه مشافهة.

(٢) سورة الشورى : آية : ٢٢.

١١٥

(ومن سورة الفرقان)

١ ـ قوله تعالى : (يَأْكُلُ مِنْها) [٨]

قرأ حمزة والكسائىّ بالنّون.

وقرأ الباقون بالياء. فمن قرأ بالنون أخبر لمتكلم عن نفسه مع جماعة.

ومن قرأ بالياء أخبر الله تعالى عن غائب مفرد ، وهو الاختيار ؛ لأنّ الله تعالى خصّ بالخطاب رجلا فقال : (إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ) [١٠]. ولم يقل : لكم. والقراءتان صحيحتان.

٢ ـ وقوله تعالى : (وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً) [١٠].

قرأ ابن كثير وعاصم فى رواية أبى بكر ، وابن عامر : ويجعلُ لك قصورا بالرّفع على الاستئناف.

وقرأ الباقون : (وَيَجْعَلْ لَكَ) جزما على الشّرط الذى قبله نسق ؛ لأنّ موضع (إِنْ شاءَ) جزم لو كان مستقبلا ، والتقدير : إن يشأ يجعل ، ف «إن» حرف شرط ، و «شاء» فعل ماض لفظا ومعناه الاستقبال ، و (يَجْعَلْ) جزم جواب الشرط ، (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) كلام تامّ ، فمن رفع استأنف ، ومن جزم عطف (وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً) على يجعل لك جنّات (١) ولو قرأ قارىء (ويجعلْ لَّك) بالإدغام وإشمام الضم لكان جائزا مثل (٢) : (لا تَأْمَنَّا)

__________________

(١) لعله يريد إنها معطوفة على معنى إن شاءِ جِعْلِ لك لأن معناه : إن شاء يجعل.

(٢) سورة يوسف : آية : ١١.

١١٦

فيدغم ، لأنّه يريد : يجعل لك وتأمننا فيدغم ، ومن جزم لم يجز له الإظهار.

٣ ـ وقوله تعالى : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ) [١٧]

قرأ ابن كثير وحفص عن عاصم بالياء كليهما ، أى : قل يا محمّد : ويوم يحشرهم الله ويحشر الّذين يعبدون ، يعنى : الأصنام (١). قيل : حشرها : فناؤها. وقيل : يحشرها كما يحشر كلّ شىء ليبكت بها من جعلها إلها من دون الله (٢). فأمّا قوله : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) فإنّ جماعة من المنافقين والكفّار خاصموا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقالوا قد ذكرت أن الله قد أنزل عليكم : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) / وقد عبد قوم عيسى وعزيرا فأنزل الله تعالى (٣) : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ) فهذا فى التّفسير. وقال أهل النّحو : هذا السّؤال لا يلزم ؛ لأنّ الله تعالى قال : (وَما تَعْبُدُونَ) و «ما» لغير الإنس. ولو دخل عيسى وعزير فيمن عبد فى هذه الآية لقيل : إنكم ومن تعبدون ؛ لأن «من» للإنس خاصة.

وبلغ الفرزدق أنّ جريرا قال (٤) :

__________________

(١) هو قول عكرمة والضحّاك (زاد المسير : ٦ / ٧٨).

(٢) فى البحر المحيط : ٦ / ٤٧٨ ، عن ابن الكلبيّ.

(٣) سورة الأنبياء : آية : ٩٨. والخبر مع شىء من التّفصيل فى أسباب النّزول للواحدى : ٣١٥ ، وتفسير الطبرىّ : ١٧ / ٧٦.

(٤) ديوان جرير : ١٦٥ ، من قصيدة طويلة يهجو بها الأخطل أولها :

بان الخليط ولو طوّعت مابانا

وقطعوا من حبال الوصل أقرانا

حىّ المنازل إذ لا نبتغى بدلا

بالدّار دارا ولا الجيران جيرانا

١١٧

يا حبّذا جبل الرّيّان من جبل

وحبّذا ساكن الرّيّان من كانا

فقال الفرزدق : لو كانوا قرودا؟

فقال جرير : أخطأ ، ولو كانوا قرودا لقلت : «ما» ، و «إنما» قلت : «من».

وقرأ الباقون : ويوم نحشرهم بالنّون ، الله تعالى يخبر عن نفسه.

(وَما يَعْبُدُونَ) بالياء مثل الأولين.

وقرأ ابن عامر : ويوم نحشرهم ... فنقول بالنّون أيضا.

٤ ـ وقوله تعالى : (مَكاناً ضَيِّقاً) [١٣].

قرأ ابن كثير برواية قنبل ضَيْقا.

وقرأ الباقون (ضَيِّقاً).

فقال قوم : الضّيق والضّيّق : لغتان.

__________________

ـ وبعد البيت :

وحبّذا نفحات من يمانية

تأتيك من قبل الرّيان أحيانا

هبّت شمال فذكرى ما تذكركم

عند الصّفاة التى شرقيّ حورانا

هل يرجعنّ وليس الدّهر مرتجعا

عيش بها طال ما احلولى ومالانا

أزمان يدعوننى الشّيطان من غزلى

فكن يهويننى إذ كنت شيطانا

والرّيان : جبل لبنى عامر بن صعصعة ، وجبل فى بلاد طيّىء. ينظر : معجم ما استعجم : ٦٩٠ ، ٨٦٧ ، ومعجم البلدان : ٣ / ١١١ والشاهد فى الجمل للزّجاجى : ١٢٢ ، وشرح أبياته (الحلل) : ١٤٠ وأسرار العربية : ١١١ ، والمقرب : ١ / ٧٠ ، والهمع : ٢ / ٨٨.

١١٨

وقال آخرون : الضّيّق : فيما يرى له حدّ ، والضّيق : فيما لا يرى ولا يحدّ فتقول : بيت ضيّق وفيه ضيق ، وصدر ضيق.

وفيه قول آخر : يجوز أن يكون مكانا ضيقا ـ بالتّخفيف ـ أراد ضيّقا ، كما تقول : هين لين ميت ، والأصل : هيّن ليّن ميّت.

واتّفقوا على (مُقَرَّنِينَ) بالياء ؛ لأنّه نصب على الحال ، إلا أبا شيبة المهري (١) فإنه قرأ مقرّنون بالواو ، أي : هم مقرنون.

٥ ـ وقوله تعالى : (تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ) [٢٥]

قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر تشَّقَّق مشدّدا أرادوا : تتشقّق فأدغموا ، ومعناه : تتشقق السماء / عن الغمام الأبيض ، ثم تنزل منه الملائكة ، ف «عن» و «الباء» تتعاقبان كقولهم : سأل زيد بكذا يريدون : عن كذا. قال الله تعالى (٢) : (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ) أى : عن عذاب وأنشد :

دع المغمّر لا تسأل بمصرعه

واسأل بمصقلة البكرىّ ما فعلا (٣)

__________________

(١) القراءة فى البحر المحيط : ٦ / ٤٨٥ ، وفى مختصر الشواذ للمؤلف : نسبها إلى معاذ وغيره.

(٢) سورة المعارج : آية : ١.

(٣) البيت للأخطل فى شرح شعره : ١٥٧.

من قصيدة يمدح بها مصقلة بن هبيرة الذّهلى الشّيبانىّ أولها :

هل تعرف اليوم من ماويّة الطّللا

تحمّلت أنسه عنه وما احتملا

ببطن خينف من أم الوليد وقد

تامت فؤادك أو كانت له خبلا

وفى رواية أبى عمرو أول القصيدة :

يا طائرى أمّ جهم أسمعا رجلا

أمسى يواعس عظم اللّيل والجبلا

جاء فى حاشية الأصل من شرح شعر الأخطل : «قال أبو عبيدة : كان مصقلة بن هبيرة الشيبانى اشترى ألف رجل ، من أهل بيت واحد من بنى سامة بن لؤى من على بن أبى طالب ، وكان سباهم ، فأعتقهم مصقلة كذا ذكر فى كتاب التاج فى النّسب». ومصقلة له أخبار كثيرة ، كان مع علىّ ثم تحول إلى معاوية له مشاركة فى الفتوح الإسلامية ـ

١١٩

وقرأ الباقون (تَشَقَّقُ) مخفّفا أرادوا ـ أيضا ـ : التاءين فخزلوا واحدة.

٦ ـ وقوله تعالى : (وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً) [٢٥].

قرأ ابن كثير وحده ونُنْزِل الملائكةَ بالنّصب ونُنْزِل بنونين ، الأولى علم الاستقبال. والثانية سنخيّة ، الله تعالى يخبر عن نفسه أى : وننزل نحن الملائكة.

وقرأ الباقون (وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ) على ما لم يسم فاعله.

و (الْمَلائِكَةُ) رفع ، اسم ما لم يسمّ فاعله ، وهو الاختيار ؛ لأن (تَنْزِيلاً) لا يكون إلا مصدرا لنزّل ، فلو قرأ ابن كثير وننزّل ـ بالتّشديد ـ لوافق تنزيلا.

٧ ـ وقوله تعالى : (يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ) [٢٧].

فتح الياء أبو عمرو. وأسكنها الباقون. وكذلك ابن خليد عن نافع فتحه. وهذا القول من الظالم يوم القيامة الذى ذكره الله تعالى فقال : (يَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ) وذلك أن رجلا من سادات قريش (١) اتّخذ وليمة

__________________

ـ قتل مجاهدا سنة ٥٠ ه‍ فى طبرستان ينظر تعليق أستاذنا محمود محمد شاكر فى طبقات فحول الشعراء ص : ٥٠٠ وأراد بالمغمّر : القعقاع بن شور الذّهلىّ يضرب به المثل فى حسن المجاروة ؛ لقصّة أوردها السّكرى فى شرح شعر الأخطل. وينظر : الكامل للمبرد : ٢٣٠ ، ٢٣١ ، وشرحه رغبة الآمل : ٢ / ٢٠٥ وثمار القلوب : ١٠٠ .. وغيرها وهو الملقب. ب «المغمر» وفات الحافظ ابن حجر ذكره فى كتاب «الألقاب» وقال ابن السّيرافى فى شرح أبيات الكتاب : ٢ / ٣٥٧ ، «وقيل إنه عرّض بمالك بن مسمع» ومالك من سادات بكر بن وائل (ت ٧٣ ه‍) أخباره فى البيان والتبيين : ١ / ٣٢٥ وتنظر حاشية الأستاذ المرحوم عبد السلام هارون ، ... وغيره. والشاهد فى الكتاب : ٢ / ٢٩٩ ، وشرح أبياته لابن السيرافى : ٢ / ٣٥٧ ، والنكت عليه للأعلم : ١١٢٢ ، والأصول لابن السراج : ٢ / ٣٨٨.

(١) أسباب النّزول للواحدى : ٣٤٧ روايات مختلفة. وينظر : تفسير الطبرى : ١٩ / ٦ ، والبغوى : ٥ / ٨٢ ، وزاد المسير : ٦ / ٨٥ ، ٨٦ ، وتفسير القرطبى : ١٣ / ٢٥ ، ٢٦ والدّر المنثور : ٥ / ٦٨.

١٢٠