تأويلات أهل السنّة - ج ٢

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي

تأويلات أهل السنّة - ج ٢

المؤلف:

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي


المحقق: الدكتور مجدي باسلّوم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-4716-1

الصفحات: ٥٧٣

الاستخفاف به. وعلى ذلك أمر اللعان ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يقل : أحدكما كافر ، فهل منكما من مؤمن؟ لأنهما لم يقصدا ذلك القصد. فكذا كل حالف على تعمد الكذب. والله الموفق.

وقوله : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ) ، قال سعيد بن جبير (١) : هذا محمول على قوله : (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ) أى : لا يؤاخذكم الله بنقض أيمانكم التى حلفتم بها ؛ لأنها معصية لله ، ولكن يؤاخذكم بحفظها والمضى عليها.

ثم اختلفوا فى اللغو ما هو؟

قال بعضهم : هو الإثم.

وقيل : هو الغلط.

ثم اللغو المذكور الذى أخبر أن لا مؤاخذة على صاحبه يحتمل ألا يؤاخذه بالإثم ، ويحتمل ألا يؤاخذه بالكفارة ، بل إنما يؤاخذ بالكفارة بما يعقد.

ثم ذكر فى الآية الثانية : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ) [المائدة : ٨٩] ، ولو حمل على أنه لا يؤاخذ فى هذا أيضا بالإثم وقع الكلام ـ بحيث لا يفيد ـ فى حد التكرار.

والأصل عندهم : بأن حمله على ما يفيد أحق من حمله على ما لا يفيد ؛ فثبت أن الأول فى نفى الإثم ، والثانى فى نفى الكفارة.

وعلى هذا القول فى الغموس : إنه لعظم الوزر والإثم لم يلزم أن يكفر ، فليس فيه الكفارة (٢).

__________________

(١) أخرجه ابن جرير (٤٤٤٨) بنحوه.

(٢) اليمين الغموس : هى الكاذبة عمدا فى الماضى أو الحال أو الاستقبال ، سواء أكانت على النفى أم على الإثبات ، كأن يقول : والله ما فعلت كذا ، وهو يعلم أنه فعله ، أو : والله لقد فعلت كذا ، وهو يعلم أنه لم يفعله ، أو : والله ما لك علىّ دين ، وهو يعلم أن للمخاطب دينا عليه ، أو : والله لا أموت أبدا. وكأن يقول : إن كنت فعلت كذا ، أو : إن لم أكن فعلته ، أو إن كان لك على دين ، أو : إن مت فأنا يهودى أو نصرانى. هذا تعريفها عند الحنفية. وذهب المالكية إلى أن الغموس : هى الحلف بالله مع شك من الحالف فى المحلوف عليه ، أو مع ظن غير قوى ، أو مع تعمد الكذب ، سواء أكان على ماض نحو : والله ما فعلت كذا ، أو : لم يفعل زيد كذا ، مع شكه فى عدم الفعل ، أو ظنه عدمه ظنا غير قوى ، أو جزمه بأنه قد فعل ، أم كان على حاضر نحو : والله إن زيدا لمنطلق أو مريض ، وهو جازم بعدم ذلك ، أو متردد فى وجوده على سبيل الشك أو الظن غير القوى ، أم كان على مستقبل نحو : والله لآتينك غدا ، أو : لأقضينك حقك غدا ، وهو جازم بعدم ذلك ، أو متردد فى حصوله على سبيل الشك أو الظن غير القوى. وقال الشافعية والحنابلة : إن الغموس هى المحلوفة على ماض مع كذب صاحبها وعلمه بالحال. ـ

١٤١

__________________

 ـ والحنفية والشافعية والحنابلة لا يوافقون المالكية على التوسع فى تفسير الغموس.

والإتيان باليمين الغموس حرام ، ومن الكبائر بلا خلاف ؛ لما فيه من الجرأة العظيمة على الله تعالى ، حتى قال الشيخ أبو منصور الماتريدى ما قاله كما بالمتن ؛ ثم إنه لا يلزم من كونها من الكبائر أن تكون جميعها مستوية فى الإثم ، فالكبائر تتفاوت درجاتها حسب تفاوت آثارها السيئة : فالحلف الذى يترتب عليه سفك دم البريء ، أو أكل المال بغير حق أو نحوهما ، أشد حرمة من الحلف الذى لا يترتب عليه شىء من ذلك.

وقد ثبت عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحاديث كثيرة فى ذم اليمين الغموس وبيان أنها من الكبائر والترهيب من الإقدام عليها ، منها : ما روى عن عبد الله بن مسعود ـ رضى الله عنه ـ أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من حلف على مال امرئ مسلم بغير حقه لقى الله وهو عليه غضبان» قال عبد الله : ثم قرأ علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مصداقه من كتاب الله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً) إلى آخر الآية. وعن وائل ابن حجر ـ رضى الله عنه ـ قال : جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال الحضرمى : يا رسول الله ، إن هذا قد غلبنى على أرض كانت لأبى ، فقال الكندى : هى أرضى فى يدى أزرعها ليس له فيها حق ، فقال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم للحضرمى : «ألك بينة؟» قال : لا ، قال : «فلك يمينه». قال : يا رسول الله ، إن الرجل فاجر ، لا يبالى على ما حلف عليه ، وليس يتورع عن شىء فقال : «ليس لك منه إلا يمينه». فانطلق ليحلف ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما أدبر : «لئن حلف على مال ليأكله ظلما ليلقين الله وهو عنه معرض». وقال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما رواه عنه عبد الله بن أنيس ـ رضى الله عنه ـ : «من أكبر الكبائر : الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، واليمين الغموس ، والذى نفسى بيده لا يحلف رجل على مثل جناح بعوضة إلا كانت كيّا فى قلبه يوم القيامة». وعن جابر بن عتيك ـ رضى الله عنه ـ أنه سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة» ، فقال رجل : وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله ، قال : «وإن كان قضيبا من أراك».

إن حرمة اليمين الغموس هى الأصل ، فإذا عرض ما يخرجها عن الحرمة لم تكن حراما ، ويدل على هذا : أولا قوله تعالى : (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) فإذا كان الإكراه يبيح كلمة الكفر فإباحته لليمين الغموس أولى. وثانيا آيات الاضطرار إلى أكل الميتة وما شاكلها ، كقوله تعالى : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ، فإذا أباحت الضرورة تناول المحرمات أباحت النطق بما هو محرم.

وإليك نصوص بعض المذاهب فى بيان ما تخرج به اليمين الغموس عن الحرمة :

(أ) قال الدردير فى (أقرب المسالك وشرحه) ، والصاوى فى (حاشيته) ما خلاصته : لا يقع الطلاق على من أكره على الطلاق ولو ترك التورية مع معرفته بها ، ولا على من أكره على فعل ما علق عليه الطلاق. وندب أو وجب الحلف ليسلم الغير من القتل بحلفه وإن حنث هو ، وذلك فيما إذا قال ظالم : إن لم تطلق زوجتك ، أو إن لم تحلف بالطلاق قتلت فلانا ، قال ابن رشد : إن لم يحلف لم يكن عليه حرج ، أى : لا إثم عليه ولا ضمان ، ومثل الطلاق : النكاح والإقرار واليمين.

(ب) قال النووى : الكذب واجب إن كان المقصود واجبا ، فإذا اختفى مسلم من ظالم ، وسأل عنه وجب الكذب بإخفائه ، وكذا لو كان عنده أو عند غيره وديعة ، وسأل عنها ظالم يريد أخذها وجب عليه الكذب بإخفائها ، حتى لو أخبره بوديعة عنده فأخذها الظالم قهرا وجب ضمانها على ـ

١٤٢

وله وجه آخر : وهو أن سبب الحنث فى اللغو والغموس تلاقى العقد ، فلم يصح به اليمين ؛ لأن الحنث نفسه يسقط اليمين ، فإذا لاقى الحنث اليمين منع صحتها ووجوبها. فإذا كانت هذه اليمين غير صحيحة فى العقد ، لم يلزم الكفارة ؛ لخروجها عن الشرط. ثم لم يزل عنه ـ فى الغموس ـ الإثم ؛ لتعمده الكذب.

وقال الفقيه أبو منصور ـ رحمه‌الله تعالى ـ : والقياس عندى فى التعمد بالحلف على الكذب أن يكفر ؛ ولهذا ما لحقه الوزر لما أن الأيمان جعلت للتعظيم لله ـ تعالى ـ بالحلف فيها ، والحالف بالغموس مجترئ على الله ـ تعالى ـ مستخف به ؛ ولهذا نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الحلف بالآباء والطواغيت (١) ؛ لأن فى ذلك تعظيما لهم وتبجيلا. فالحالف بالغموس كالذى هو مجترئ ومستخف ، فالوزر له بالجرأة لازم ، ثم المعتمد مجترئ مستخف بالله ـ تعالى ـ على المعرفة ؛ لأنه لا يسع ، فسبيله سبيل أهل النفاق ـ إظهارهم الإيمان بما فيه استخفاف ، وإن كان سببا للتعظيم ، للاستخفاف لزمهم العقوبة بذلك ، كذا الأول ، ولكنه بالحلف خرج فعله على الجرأة للوصول إلى مناه وشهوته ، لا للقصد إليه. وعلى ذلك يخرج قول أبى حنيفة ـ رضى الله تعالى عنه ـ فى سؤال السائل : إن العاصى مطيع للشيطان ، ومن أطاع الشيطان كفر ، كيف لا كفّر العاصى؟ فقال : لأنه خرج فعله فى الظاهر مخرج الطاعة له ، لا أن القصد يكون طاعته ، وإنما يكفر بالقصد لا بما يخرج فعله فعل معصية ؛ فكذا الأول. والله أعلم.

وعلى ذلك جاء فى أمر اللعان من القول بأن «أحدكما كاذب فهل منكما من تائب» ، ففيه وجهان :

__________________

 ـ المودع المخبر ، ولو استحلفه عليها لزمه أن يحلف ، ويورّى فى يمينه ، فإن حلف ولم يور حنث على الأصل ، وقيل : لا يحنث.

(ج) وقال موفق الدين بن قدامة : من الأيمان ما هى واجبة ، وهى التى ينجّى بها إنسانا معصوما من هلكة ، كما روى عن سويد بن حنظلة قال : خرجنا نريد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومعنا وائل بن حجر ، فأخذه عدو له ، فتحرج القوم أن يحلفوا ، فحلفت أنا : إنه أخى ، فذكرت ذلك للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «صدقت ، المسلم أخو المسلم» فهذا ومثله واجب ؛ لأن إنجاء المعصوم واجب ، وقد تعين فى اليمين فيجب ، وكذلك إنجاء نفسه ، مثل : أن تتوجه عليه أيمان القسامة فى دعوى القتل عليه وهو برىء.

ينظر : الشرح الصغير بحاشية الصاوى (١ / ٤٥٠ ـ ٤٥١) ، الأذكار للنووى ص (٣٣٦ ، ٣٣٧) ، المغنى على الشرح الكبير (١١ / ١٦٦ ـ ١٦٧) ، فتح القدير (٤ / ٣) ، أسنى المطالب (٤ / ٢٤٠ ـ ٢٤١).

(١) فى الباب عن عبد الرحمن بن سمرة.

أخرجه مسلم (٣ / ١٢٦٨) كتاب الأيمان ، باب من حلف باللات والعزى (٦ / ١٦٤٨) ، وأحمد (٥ / ٦٢) ، والنسائى (٧ / ٧) كتاب الأيمان ، باب الحلف بالطواغيت.

١٤٣

أحدهما : أنه لم يأمر بالإيمان ، ولا قال : أحدكما كافر ؛ فثبت أنه لا يكفر به.

والثانى : أنه أمر بالتوبة ، وقد يعلم من كذب أن عليه ذلك مع ما فى القرآن من اللعن والغضب ، ولم يأمر بالكفارة ـ وهى لا تعلم إلا بالبيان ـ فهى أحق أن تبين لو كانت واجبة. والله أعلم.

والأصل عندنا فى اليمين الغموس : أنه آثم ، وعليه التوبة ، والتوبة كفارة. وهكذا فى كل يمين فى عقدها معصية أن تلزمه الكفارة وهى التوبة. وأما الكفارة التى تلزم فى المال ، فهى لا تلزم بالحنث ؛ لأنه بالحنث يأثم ، والحنث نفسه إثم ؛ لذلك لم يجز إلا بالحنث.

وما رويت من الأخبار من قوله ـ عليه الصلوات والسلام ـ : «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها ، فليكفر عن يمينه ، ثم ليأت الذى هو خير» (١) : أنه إذا كان يمينه بمعصية يصير باليمين آثما ، فيكلف بالتوبة.

__________________

(١) أما الرواية فوردت من حديث أبى هريرة ، من رواية أبى حازم عنه ، أخرجه مسلم (٣ / ١٢٧١ ـ ١٢٧٢) كتاب : الأيمان ، باب : ندب من حلف يمينا ، فرأى غيرها خيرا منها أن يأتى الذى هو خير ، ويكفر عن يمينه ، حديث (١١ / ١٦٥٠) ، والبيهقى (١٠ / ٣٢) كتاب : الأيمان ، باب : من حلف على يمين فرأى خيرا منها ، فليأت الذى هو خير ، وليكفر عن يمينه بلفظ «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها ، فليأتها وليكفر عن يمينه» ومن رواية عبد العزيز بن المطلب عن سهيل بن أبى صالح عن أبيه عن أبى هريرة لفظ الباب ، أخرجه مسلم (١٣ / ١٢٧٢) كتاب : الأيمان ، باب : ندب من حلف يمينا فرأى غيرها خيرا منها حديث (٣ / ١٦٥٠) من حديث عدى بن حاتم أخرجه ابن أبى شيبة فى المصنف وأبو داود الطيالسى (١ / ٢٤٧) كتاب : الأيمان والنذور باب من حلف على يمين فرأى خيرا منها ، فليأت الذى هو خير ، وليكفر عن يمينه ، حديث (١٢١٨) ، وأحمد (٤ / ٢٥٦ ـ ٢٥٧ ـ ٢٥٨) ، والدارمى (٢ / ١٨٦) كتاب : الأيمان والنذور : (٧٨٥) باب من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها ، ومسلم (٣ / ١٢٧٢ ـ ١٢٧٣) كتاب : الأيمان ، باب : ندب من حلف يمينا فرأى غيرها خيرا منها ، أن يأتى الذى هو خير ، يكفر عن يمينه ، حديث (١٦ ، ١٨ / ١٦٥١) ، والنسائى (٧ / ١٠ ـ ١١) كتاب : الأيمان والنذور ، باب : الكفارة بعد الحنث حديث (٣٧٨٦) ، وابن ماجه (١ / ٦٨١) كتاب : الكفارات ، باب : من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها ، حديث (٢١٠٨) والحاكم (٤ / ٣٠٠ ـ ٣٠١) كتاب : الأيمان والنذور ، باب : لا نذر فى معصية الرب ، ولا فى قطيعة الرحم ، والبيهقى (١٠ / ٣٢) كتاب : الأيمان ، باب : من حلف على يمين فرأى خيرا منها ، فليأت الذى هو خير ، وليكفر عن يمينه ، بلفظ : «فليأت الذى هو خير وليكفر عن يمينه».

ومن حديث عبد الرحمن بن سمرة بلفظ «إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها ، فائت الذى هو خير ، وكفر عن يمينك». ومنهم من قال : «فكفر عن يمينك ، وائت الذى هو خير».

والحديث أخرجه أحمد (٥ / ٦٢ ـ ٦٣) ، والدارمى (٢ / ١٨٦) كتاب : الأيمان والنذور ، باب : من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها ، والبخارى (١١ / ٥١٦ ـ ٥١٧) كتاب : الأيمان والنذور ، باب : قول الله تعالى : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ) حديث (٦٦٢٢) ، ومسلم (٣ / ١٢٧٣ ـ ١٢٧٤) كتاب : الأيمان ، باب : ندب من حلف يمينا ، فرأى غيرها خيرا منها ، حديث (٩ / ١٦٥٢) ، وأبو داود الطيالسى (١ / ٢٤٧) كتاب : الأيمان والنذور : «باب من ـ

١٤٤

__________________

 ـ حلف على يمين فرأى خيرا منها ، فليأت الذى هو خير وليكفر عن يمينه» ، حديث (١٢١٩) ، والنسائى (٧ / ١٢) كتاب : الأيمان والنذور ، باب : الكفارة بعد الحنث ، وأبو داود (٣ / ٥٨٤) كتاب : الأيمان والنذور ، باب : الرجل يكفر قبل أن يحنث ، حديث (٣٢٧٧) ، وابن الجارود فى المنتقى ص (٣١٠) باب من جاء فى الأيمان حديث (٩٢٩) ، والبيهقى (١٠ / ٣١) كتاب : الأيمان «باب من حلف على يمين فرأى خيرا منها فليأت الذى هو خير وليكفر عن يمينه».

والخطيب فى تاريخ بغداد (٢ / ٤٠٠) من طرق عن الحسن عن عبد الرحمن به.

ومن حديث عبد الرحمن بن أذينة عن أبيه أخرجه الطيالسى (١ / ٢٤٧) كتاب : الأيمان والنذور : «باب من حلف على يمين ، فرأى خيرا منها فليأت الذى هو خير وليكفر عن يمينه» ، حديث (١٢٢٠).

ومن حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رواه أحمد (٢ / ٢٠٤) بلفظ «فليأت الذى هو خير وليكفر عن يمينه» ، ورواه الطيالسى (١ / ٢٤٧) كتاب : الأيمان والنذور ، باب : من حلف على يمين فرأى خيرا منها ، حديث (١٢٢١) ، وأحمد (٢ / ٢١٢) ، وأبو داود (٣ / ٥٨٢) كتاب : الأيمان والنذور ، باب : اليمين فى قطيعة الرحم ، حديث (٣٢٧٤) ، وابن ماجه (١ / ٦٨٢) كتاب : الكفارات ، باب : من قال كفارتها تركها ، حديث (٢١١١) بلفظ «فليدعها وليأت الذى هو خير ، فإن تركها كفارتها».

وقال أبو داود : الأحاديث كلها عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم «وليكفر عن يمينه» إلا فيما لا يعبأ به يعنى فمن ترك ذكر الكفارة ، وقال تركها كفارتها.

ومن حديث مالك الجشمى رواه النسائى (٧ / ١١) كتاب : الأيمان والنذور ، باب : الكفارة بعد الحنث ، وابن ماجه (١ / ٦٨١) كتاب : الكفارات ، باب : من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها ، حديث (٢١٠٩).

وأما الرواية الثانية وهى تقديم الكفارة ، فوردت من حديث أبى هريرة أيضا من رواية مالك ، وسليمان بن بلال عن سهيل بن أبى صالح عن أبيه عن أبى هريرة رواه مالك (٢ / ٤٧٨) كتاب : النذور والأيمان ، باب : ما تجب فيه الكفارة من الأيمان ، حديث (١١).

وأحمد (٢ / ٣٦١) ، ومسلم (٣ / ١٢٧٢) ، كتاب : الأيمان ، باب : من حلف يمينا فرأى غيرها خيرا منها ، حديث (١٢) ، والترمذى (٤ / ١٠٧) كتاب : الأيمان والنذور ، باب : ما جاء فى الكفارة قبل الحنث ، حديث (١٥٣٠) ، والبغوى فى التفسير ، والبيهقى (١٠ / ٥٣) كتاب : الأيمان ، باب : الكفارة قبل الحنث.

ومن حديث عدى بن حاتم أخرجه مسلم (٣ / ١٢٧٣) كتاب : الأيمان ، باب : ندب من حلف يمينا ، فرأى غيرها خيرا منها ، حديث (١٧ / ١٦٥١).

ومن حديث أم سلمة ، الطبرانى (٢٣ / رقم ٦٩٤) ، والقضاعى فى مسند الشهاب (١ / ٣٠٨) حديث (٤ / ٥١).

ومن حديث عبد الرحمن بن سمرة أيضا أخرجه أحمد (٥ / ٦٢ ـ ٦٣) ، والدارمى (٢ / ١٨٦) كتاب : النذور والأيمان ، باب : من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها ، والبخارى (١١ / ٥١٦ ـ ٥١٧) كتاب : الأيمان والنذور ، باب : قول الله تعالى : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ) حديث (٦٦٢٢) ، ومسلم (٣ / ١٢٧٣) كتاب : الأيمان ، باب : ندب من حلف يمينا فرأى غيرها خيرا منها ، حديث (١٩ / ١٦٥٢) ، والطيالسى المسند ص (١٩٢) ، حديث (١٣٥١) ، وأبو داود (٣ / ٥٨٥) كتاب : الأيمان والنذور ، باب : الرجل يكفر قبل أن يحنث ، حديث (٣٢٧٨) ، ـ

١٤٥

فإن قيل : الحلف بالطلاق ، والعتاق ، والحج بالماضى يلزم ، كيف لا لزمته الكفارة؟

قيل : لأن الطلاق ، والعتاق ، والحج يلزم دون ذكر ما ذكر ، إذا قال : (على حجة) ، أو (أنت طالق) ، أو (هو حر). ولو قال : (والله) ألف مرة ، دون ذكر ذلك الفعل لا يكون يمينا ، ولا يلزمه شىء ؛ لذلك افترقا. والله أعلم.

وقوله : (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)

وقوله : (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)

وقوله : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ)

قال الشيخ ـ رحمه‌الله تعالى ـ : الإيلاء معلوم فى اللغة أنه اليمين (١). وكذلك كان

__________________

 ـ والنسائى (٧ / ١٠) كتاب : الأيمان والنذور ، باب : الكفارة قبل الحنث ، والبيهقى (١٠ / ٥٢ ـ ٥٣) كتاب : الأيمان ، باب : الكفارة قبل الحنث ، والخطيب فى تاريخ بغداد (٤ / ٢٢٨).

ومن حديث أبى موسى :

أخرجه الطيالسى (١ / ٢٤٧) كتاب : اليمين والنذور ، باب : من حلف على يمين فرأى خيرا منها ، حديث (١٢١٧) ، وأحمد (٤ / ٣٩٨) ، والبخارى (١١ / ٥١٧) كتاب : الأيمان والنذور ، باب : قول الله تعالى لا يؤاخذكم الله باللغو فى أيمانكم حديث (٦٦٢٣) ، ومسلم (٣ / ١٢٦٨ ـ ١٢٦٩) كتاب : الأيمان ، باب : ندب من حلف يمينا فرأى غيرها خيرا منها ، حديث (٧ / ١٦٤٩) وأبو داود (٣ / ٥٨٣ ـ ٥٨٤) كتاب : الأيمان والنذور ، باب : الرجل يكفر قبل أن يحنث ، حديث (٣٢٧٦) ، والنسائى (٧ / ٩ ـ ١٠) كتاب : الأيمان والنذور ، باب : الكفارة قبل الحنث ، وابن ماجه (١ / ٦٨١) كتاب : الكفارات ، باب : من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها ، حديث (٢١٠٧) ، والطبرانى فى المعجم الصغير (١ / ٥٦ ـ ٥٧) والبيهقى (١٠ / ٥١) كتاب : الأيمان ، باب : الكفارة قبل الحنث ، عنه عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى قصة وفيه قول النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم «والله إن شاء الله لا أحلف على يمين ، فأرى غيرها خيرا منها ، إلا كفرت عن يمينى ، وأتيت الذى هو خير» وله طرق وألفاظ.

ومن حديث عائشة :

الحاكم (٤ / ٣٠١) كتاب : الأيمان والنذور ، باب : لا نذر فى معصية الرب ، ولا فى قطيعة الرحم ، بنحو حديث أبى موسى ، وصححه الحاكم على شرطهما ، ووافقه الذهبى ، ومن حديث أبى الدرداء رواه الحاكم (٤ / ٣٠١) ، والبيهقى (١٠ / ٥٢) كتاب : الأيمان ، باب : الكفارة قبل الحنث.

(١) الإيلاء فى اللغة معناه : الحلف مطلقا ، سواء أكان على ترك قربان الزوجة أم على شىء آخر ، مأخوذ من : آلى على كذا ، يولى إيلاء وأليّة : إذا حلف على فعل شىء أو تركه. كان الرجل فى الجاهلية إذا غضب من زوجته حلف ألا يطأها السنة والسنتين ، أو ألا يطأها أبدا ، ويمضى فى يمينه من غير لوم أو حرج ، وقد تقضى المرأة عمرها كالمعلقة : فلا هى زوجة تتمتع بحقوق الزوجة ، ولا هى مطلقة تستطيع أن تتزوج برجل آخر ، فيغنيها الله من سعته. فلما جاء الإسلام أنصف المرأة ، ووضع للإيلاء أحكاما خففت من أضراره ، وحدد للمولى أربعة أشهر ، وألزمه إما بالرجوع إلى معاشرة زوجته ، وإما بالطلاق عليه ، قال الله تعالى : (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ). ـ

١٤٦

ابن عباس ـ رضى الله عنه ـ يقرأ : للذين يقسمون من نسائهم (١).

__________________

 ـ والإيلاء فى الاصطلاح ـ كما عرفه الحنفية ـ : أن يحلف الزوج بالله تعالى ، أو بصفة من صفاته التى يحلف بها ، ألا يقرب زوجته أربعة أشهر أو أكثر ، أو أن يعلق على قربانها أمرا فيه مشقة على نفسه ، وذلك كأن يقول الرجل لزوجته : والله لا أقربك أربعة أشهر ، أو ستة ، أو يقول : والله لا أقربك أبدا ، أو مدة حياتى ، أو والله لا أقربك ولا يذكر مدة ، وهذه صورة الحلف بالله تعالى ، أما صورة التعليق ، فهو أن يقول : إن قربتك فلله على صيام شهر ، أو حج ، أو إطعام عشرين مسكينا ، ونحو ذلك مما يكون فيه مشقة على النفس ، فإذا قال الزوج شيئا من هذا اعتبر قوله إيلاء. أما إذا امتنع الرجل من قربان زوجته بدون يمين ، فإنه لا يكون إيلاء ، ولو طالت مدة الامتناع حتى بلغت أربعة أشهر أو أكثر ، بل يعتبر سوء معاشرة يتيح لزوجته طلب الفرقة عند بعض الفقهاء ، إذا لم يكن هناك عذر يمنع من قربانها. وكذلك لو حلف الزوج بغير الله تعالى كالنبى والولى ألا يقرب زوجته ، فإنه لا يكون إيلاء ؛ لأن الإيلاء يمين ، والحلف بغير الله تعالى ليس يمينا شرعا ؛ لقول النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت». ومثل هذا لو علق الرجل على قربان زوجته أمرا ليس فيه مشقة على النفس : كصلاة ركعتين أو إطعام مسكين ، لا يكون إيلاء. وكذلك لو كانت المدة التى حلف على ترك قربان الزوجة فيها أقل من أربعة أشهر لا يعتبر إيلاء ؛ وذلك لقول الله تعالى : ( لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ) فإنه سبحانه ذكر للإيلاء فى حكم الطلاق مدة مقدرة هى أربعة أشهر ؛ فلا يكون الحلف على ما دونها إيلاء فى حق هذا الحكم.

وقد وافق الحنفية ـ فى أن الإيلاء يكون بالحلف بالله تعالى وبالتعليق ـ المالكية ، والشافعى فى الجديد ، وأحمد بن حنبل فى رواية. وخالف فى ذلك الحنابلة فى الرواية المشهورة ، فقالوا : الإيلاء لا يكون إلا بالحلف بالله تعالى ، أما تعليق الطلاق أو العتق أو المشى إلى بيت الله تعالى على قربان الزوجة فإنه لا يكون إيلاء ؛ لأن الإيلاء قسم ، والتعليق لا يسمى قسما شرعا ولا لغة ، ولهذا لا يؤتى فيه بحرف القسم ، ولا يجاب بجوابه ، ولا يذكره أهل العربية فى باب القسم ، وعلى هذا لا يكون إيلاء.

وحجة الحنفية ومن وافقهم : أن تعليق ما يشق على النفس يمنع من قربان الزوجة خوفا من وجوبه ، فيكون إيلاء كالحلف بالله تعالى ، والتعليق ـ وإن كان لا يسمى قسما شرعا ولغة ـ لكنه يسمى حلفا عرفا. ومذهب الحنفية أن الإيلاء يكون بالحلف على ترك قربان الزوجة أربعة أشهر أو أكثر. وذهب الجمهور ـ المالكية والشافعية والحنابلة ـ إلى أن الإيلاء لا يكون إلا بالحلف على ترك قربان الزوجة أكثر من أربعة أشهر.

والحكمة فى موقف الشريعة الإسلامية من الإيلاء هذا الموقف : أن هجر الزوجة قد يكون من وسائل تأديبها ، كما إذا أهملت فى شأن بيتها أو معاملة زوجها ، أو غير ذلك من الأمور التى تستدعى هجرها ؛ علّها تثوب إلى رشدها ويستقيم حالها ، فيحتاج الرجل فى مثل هذه الحالات إلى الإيلاء ، يقوى به عزمه على ترك قربان زوجته تأديبا لها ورغبة فى إصلاحها ، أو لغير ذلك من الأغراض المشروعة ؛ فلهذا لم تبطل الشريعة الإسلامية الإيلاء جملة ، بل أبقته مشروعا فى أصله ؛ ليمكن الالتجاء إليه عند الحاجة.

ينظر : بدائع الصنائع (٣ / ١٧١) ، الخرشى (٣ / ٢٣٠) ، حاشية الدسوقى (٢ / ٤٢٧) ، مغنى المحتاج (٣ / ٣٤٤) ، المغنى لابن قدامة (٧ / ٢٩٨).

(١) أخرجه عبد الرزاق وأبو عبيد فى فضائله وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن الأنبارى فى المصاحف كما فى الدر المنثور (١ / ٤٨٢).

١٤٧

وما هو لليمين من الحكم ، لا يجب لغيرها نحو الكفارة التى تجب للحنث فيها ، ثم يجب له على كل حال ، على أى وصف كانت اليمين. فكذلك حكم الإيلاء. وهو قول عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس ، رضى الله تعالى عنهما.

وروى عن على (١) ـ رضى الله تعالى عنه ـ التفريق بين الغضب والرضا. ثم أوجب التربص للمولى. فمن كانت يمينه بدون أربعة أشهر فهو بعد المدة ليس بمول ، فلم يلزمه الحكم الذى جعل الله للإيلاء ؛ ألا ترى أنه فى المدة ذكر (الفىء) (٢) ، وهو لو وجد منه لم يجب عليه ما فى الفىء من

__________________

(١) أخرجه عبد بن حميد كما فى الدر المنثور (١ / ٤٨٣).

(٢) الفىء : هو أن يرجع الزوج إلى معاشرة الزوجة التى آلى منها ، بحيث تعود الحياة الزوجية بينهما إلى ما كانت عليه قبل الإيلاء. وللفيء طريقان : إحداهما أصلية ، والأخرى استثنائية أما الأصلية : فهى الفىء بالفعل ، وأما الاستثنائية : فهى الفىء بالقول.

أ ـ الفىء بالفعل :

المراد بالفعل الذى يكون فيئا وينحل به الإيلاء : إنما هو الجماع ، ولا خلاف فى هذا لأحد من الفقهاء. قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الفىء : الجماع ، ولا يكون ما دون الجماع فيئا. وينبنى على الفىء بالفعل انحلال الإيلاء ، ولزوم مقتضى اليمين ؛ لأنه بالجماع يتحقق الحنث ، واليمين لا تبقى بعد الحنث ؛ إذ الحنث يقتضى نقض اليمين ، والشىء لا تبقى مع وجود ما ينقضه.

فإن كانت اليمين قسما بالله تعالى أو بصفة من صفاته التى يحلف بها : كعزة الله وعظمته وجلاله وكبريائه لزمته كفارة يمين فى قول أكثر أهل العلم ، وعند بعض العلماء لا تجب عليه الكفارة. وإن كانت اليمين بتعليق شىء على قربان الزوجة لزمه ما التزمه من ذلك ، فإن كان المعلق على القربان طلاقا أو عتقا وقع الطلاق والعتق وقت حصول الفىء ؛ لأن الطلاق والعتق متى علق حصوله على حصول أمر فى المستقبل ، ووجد المعلّق عليه ، وقع الطلاق وثبت العتق بمجرد وجوده ، كما هو مذهب الفقهاء. وإن كان المعلق على القربان صلاة أو صياما أو حجا أو صدقة : فإما أن يعيّن لأدائه وقتا أو لا يعين ، فإن عين للأداء وقتا كأن يقول : إن قربت زوجتى مدة خمسة أشهر فعلىّ صلاة مائة ركعة فى يوم كذا ـ مثلا ـ لزمته الصلاة فى الوقت الذى عينه. وإن لم يعين للأداء وقتا وجب عليه فعل ما التزمه فى أى وقت أراد ، ولا إثم عليه فى التأخير ، وإن كان الأفضل الأداء فى أول وقت يمكنه الأداء فيه ؛ خوفا من انتهاء الأجل قبل أن يؤدى ما وجب عليه.

ب ـ الفىء بالقول :

إذا آلى الرجل من زوجته كان الواجب شرعا عليه أن يفىء إليها بالفعل ، فإن لم يقدر على الفىء بالفعل لزمه الفىء بالقول ، كأن يقول : فئت إلى زوجتى فلانة ، أو : رجعت عما قلت ، أو : متى قدرت جامعتها ، وما أشبه ذلك من كل ما يدل على رجوعه عما منع نفسه منه باليمين.

والحكمة فى تشريع الفىء بالقول : أن الزوج لما آذى زوجته بالامتناع من قربانها ، وعجز عن الرجوع ، وكان فى إعلانه الوعد به إرضاء لها لزمه هذا الوعد ؛ ولأن المقصود بالفيئة ترك الإضرار الذى قصده الزوج بالإيلاء ، وهذا يتحقق بظهور عزمه على العود إلى معاشرتها عند القدرة.

ولا يصح الفىء بالقول إلا إذا توافرت فيه الشرائط الآتية :

الشريطة الأولى : العجز عن الجماع ، فإن كان الزوج قادرا على الجماع لا يصح منه الفىء ـ

١٤٨

__________________

 ـ بالقول ؛ لأن الفىء بالجماع هو الأصل ، إذ به يندفع الظلم عن الزوجة حقيقة ، والفىء بالقول خلف عنه ، ولا عبرة بالخلف مع القدرة على الأصل ، كالتيمم مع الوضوء. والعجز نوعان : عجز حقيقى وعجز حكمى ، فالعجز الحقيقى : مثل أن يكون أحد الزوجين مريضا مرضا يتعذر معه الجماع ، أو تكون المرأة صغيرة لا يجامع مثلها ، أو تكون رتقاء : وهى التى يكون بها انسداد موضع الجماع من الفرج ، بحيث لا يستطاع جماعها ، أو يكون الزوج مجبوبا : وهو الذى استؤصل منه عضو التناسل ، أو يكون عنّينا : وهو من لا يقدر على الجماع مع وجود عضو التناسل لضعف أو كبر سن أو مرض ، أو يكون أحد الزوجين محبوسا حبسا يحول دون الوصول إلى الجماع ، أو يكون بينهما مسافة لا يقدر على قطعها فى مدة الإيلاء. والعجز الحكمى : هو عند ما يكون المانع عن الجماع شرعيا ، كأن تكون المرأة حائضا عند انقضاء مدة التربص عند الفقهاء الذين يقولون بالفىء بعد انقضاء مدة الإيلاء ، أو يكون الزوج محرما بالحج وقت الإيلاء من زوجته ، وبينه وبين التحلل من الإحرام أربعة أشهر ، وهذا عند الفقهاء الذين يقولون : الفىء لا يكون إلا فى مدة الإيلاء. فإن كان العجز حقيقيا انتقل الفىء من الفعل إلى القول بالاتفاق ، وإن كان العجز حكميا انتقل الفىء من الفعل إلى القول أيضا عند المالكية والحنابلة وفى قول مرجوح للشافعية. ولا ينتقل عند أبى حنيفة وصاحبيه والشافعى. وصرح الشافعية بأنه يطالب بالطلاق. وحجة القائلين بالانتقال : أن العجز الحكمى كالعجز الحقيقى فى أصول الشريعة ، كما فى الخلوة بالزوجة ؛ فإنه يستوى فيها المانع الحقيقى والمانع الشرعى فى المنع من صحة الخلوة ، فكذلك الفىء فى الإيلاء يقوم فيه العجز الحكمى مقام العجز الحقيقى فى صحة الفىء بالقول بدلا من الفىء بالفعل. وحجة القائلين بعدم الانتقال : أن الزوج قادر على الجماع حقيقة ، والامتناع منه إنما جاء بسبب منه ، فلا يسقط حقا واجبا عليه. وأيضا : فإن الزوج هو المتسبب باختياره فيما لزمه بطريق محظور فلا يستحق التخفيف.

الشريطة الثانية : دوام العجز عن الجماع إلى أن تمضى مدة الإيلاء ، فلو كان الزوج عاجزا عن الجماع فى مبدأ الأمر ، ثم قدر عليه فى المدة بطل الفىء بالقول ، وانتقل إلى الفىء بالجماع ، حتى لو ترك الزوجة ولم يقربها إلى أن مضت أربعة أشهر بانت منه عند الحنفية ؛ وذلك لما سبق من أن الفىء باللسان بدل عن الفىء بالجماع ، ومن قدر على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل بطل حكم البدل ، كالمتيمم إذا قدر على الماء قبل أداء الصلاة. وإذا آلى الرجل من زوجته وهو صحيح ، ثم مرض ، فإن مضت عليه مدة وهو صحيح يمكنه الجماع فيها ، فلا يصح فيئه بالقول ؛ لأنه كان قادرا على الجماع مدة الصحة ، فإذا لم يجامع مع القدرة عليه يكون قد فرط فى إيفاء حق زوجته ؛ فلا يعذر بالمرض الحادث. أما إذا لم تكن مضت عليه مدة ـ وهو صحيح يمكنه الجماع فيها ـ فإن فيئه بالقول يكون صحيحا ؛ لأنه إذا لم يقدر على الجماع فى مدة الصحة لقصرها ، لم يكن مفرطا فى ترك الجماع ، فكان معذورا. هذا ما صرح به الحنفية ، وهو ما يفهم من عبارات المذاهب الأخرى.

الشريطة الثالثة : قيام النكاح وقت الفىء بالقول ، وذلك بأن يكون الفىء حال قيام الزوجية ، وقبل حصول الطلاق البائن من الزوج. أما لو آلى الرجل من زوجته ، ثم أوقع عليها طلاقا بائنا ، وفاء بالقول لم يكن ذلك فيئا ، وبقى الإيلاء ؛ لأن الفىء بالقول حال قيام النكاح إنما يرفع الإيلاء فى حق حكم الطلاق ؛ لإيفاء حق الزوجة بهذا الفىء ، والمطلقة بائنا ليس لها الحق فى الجماع ، حتى يكون الرجل مضرا بها بالامتناع من جماعها ، ووقوع الطلاق بالإيلاء كان لهذا السبب ، ولم يوجد ، فلا يقع عليها طلاق بمضى المدة ، لكن يبقى الإيلاء ؛ لأنه لم يوجد ما يرفعه وهو ـ

١٤٩

الكفارة؟! فكذا بمضى المدة لا يلزمه الطلاق. وبه يقول على وابن عباس وابن مسعود ـ رضى الله تعالى عنهم ـ فيقول ابن مسعود : يلزمه حكم يمين يوم ، وابن عباس يقول : الإيلاء يمين الأبد. وذلك عندنا على إرادة الإتمام ، ولو جعله شرطا لكان الحكم يلزمه بمضى الأربعة الأشهر ؛ فلا وجه للزيادة عليه ، وهو قول عبد الله بن مسعود : يلزمه بدونه.

ثم اختلف الصحابة ـ رضى الله تعالى عنهم ـ فى الوقف بعد الأربعة الأشهر ، على اتفاقهم على حق لزوم الطلاق أو حقه بمضى المدة ، ثم لا يجوز أن يحلف بحق الطلاق فيلزم ، ويجوز أن يحلف بالطلاق فيلزم ؛ لذلك كان الطلاق أحق مع ما ذلك زيادة فى المدة للتربص. وجميع المدد التى جعلت بين الزوجين لم تحتمل الزيادة عليها لما جعلت له المدة ، فمثله مدة الطلاق. وهذا على أن الله ـ تعالى ـ حذر نقض اليمين بقوله : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً) [النحل : ٩١] ، وأطلق فى هذا أربعة أشهر ، بما روى فى قراءة أبى بن كعب ، أنه

__________________

 ـ الحنث ، ولهذا لو تزوجها ومضت مدة الإيلاء بعد الزواج من غير فىء وقع عليها الطلاق عند الحنفية ، وأمر بالفىء إليها أو طلاقها عند الجمهور ، وهذا بخلاف الفىء بالفعل ، فإنه يصح بعد زوال النكاح وثبوت البينونة بسبب آخر ، كالخلع أو الطلاق على مال ، فإنه بالفىء بالفعل ـ وإن كان محرما ـ يبطل الإيلاء ؛ لأنه إذا وطئها حنث فى يمينه ، وبالحنث تنحل اليمين ويبطل الإيلاء ، ولكن لا ترجع المرأة إلى عصمته ، ويعتبر آثما بالوطء فى عدة البينونة.

هذا ، وسواء أكان الفىء بالفعل أم بالقول فإن له وقتا تختلف آراء الفقهاء فيه على الوجه الآتى : يرى الحنفية أن الفىء يكون فى مدة الإيلاء ، وهى الأربعة الأشهر. فإن حصل الفىء فيها ، وكان الفىء بالفعل ، حنث الزوج فى يمينه ، وانحل الإيلاء بالنسبة للطلاق ، حتى لو مضت أربعة أشهر لا تبين الزوجة. وإن حصل الفىء بالقول انحل الإيلاء فى حق الطلاق ، وبقى فى حق الحنث ، حتى لو فاء الزوج بالقول فى المدة ، ثم قدر على الجماع بعد المدة وجامعها ، لزمته الكفارة ؛ لأن وجوب الكفارة معلّق بالحنث ، والحنث هو فعل المحلوف عليه ، والمحلوف عليه هو الجماع ؛ فلا يحصل الحنث بدونه. وإن لم يحصل الفىء فى مدة الإيلاء بالفعل ولا بالقول ، وقع الطلاق بمضيها عند الحنفية كما تقدم. ويرى المالكية والشافعية والحنابلة : أن الفىء يكون قبل مضى الأربعة الأشهر ، ويكون بعدها ، إلا أنه إن حصل الفىء قبل مضى هذه المدة فالحكم كما سبق فى الكلام على مذهب الحنفية ، وإن حصل الفىء بعد مضيها ارتفع الإيلاء فى حق الطلاق وفى حق الحنث جميعا. وكذا إن حدد مدة فى يمينه ففاء بعد مضيها. أما إن كان الفىء قبل مضيها ، فإن الزوج يحنث فى يمينه ، وتلزمه كفارة اليمين إن كانت اليمين قسما ، ويلزمه ما التزمه إن لم تكن اليمين قسما ، عند من يرى صحة الإيلاء فى حالتى القسم والتعليق. ومنشأ الاختلاف بين الفقهاء فى ذلك يرجع إلى اختلافهم فى فهم قول الله تعالى : (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) : هل الفيئة مطلوبة خارج الأربعة الأشهر أو فيها؟

ينظر : البدائع (٣ / ١٧٣) ، الشرح الكبير على حاشية الدسوقى (٢ / ٤٣٨) ، مغنى المحتاج (٣ / ٣٥٠) ، المغنى لابن قدامة (٧ / ٣٢٧).

١٥٠

قرأ : «فإن فاءوا فيهن» ، يعنى فى الأربعة الأشهر ، ففى غير ذلك حكم النهى له آخذ. والله أعلم.

وقوله : (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ).

كقوله : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا) [البقرة : ٢٣١]. وليس ذلك على إحداثه بعد مضى المدة ، كذلك الأول.

والله أعلم.

ثم اختلف فيه على وجوه :

قال ابن مسعود (١) ـ رضى الله تعالى عنه ـ : الإيلاء على يوم فقط ، وأما التربص بأربعة أشهر ؛ لأنه لم يذكر فى الكتاب للإيلاء مدة ، وإنما ذكر المدة للتربص.

وقال ابن عباس (٢) ـ رضى الله تعالى عنه ـ : الإيلاء على الأبد ، ذهب فى ذلك إلى أن الإيلاء كان طلاق القوم ، والطلاق يقع إلى الأبد.

وقال آخرون : من ترك القربان فى حال الغضب فهو مول ، وإن لم يحلف. لكن هذا ليس بشيء ؛ لأن الله تعالى ذكر الإيلاء ، والإيلاء هى اليمين. دليله ما ذكرنا [من حرف ابن مسعود وابن عباس : (للذين يقسمون) فدل هذا أن حكم الإيلاء لا يلزم إلا باليمين على ترك القربان](٣).

وروى عن على بن أبى طالب (٤) ـ رضى الله تعالى عنه ـ : أن رجلا سأله ـ أنه حلف ألا يقرب امرأته سنتين. فقال : هو إيلاء ، وأنها تبين إذا مضت أربعة أشهر. فقال : إنما حلفت ذلك لمكان ولدى. فقال : لا يكون إيلاء. فرأى فى ذلك إيلاء إذا كان عاصيا وإذا كان إيلاؤه هو ترك قربانه إياها بمكان الولد لم ير ذلك إيلاء. ثم لا يجوز أن يحمل ما حمل هؤلاء. أما ما حمل على بن أبى طالب ، رضى الله تعالى عنه ، واعتباره بالعصيان وغير العصيان ، فالإيلاء هو اليمين ، والأيمان لا يختلف وجوبها ووجوب أحكامها فى حال العصيان وفى حال الطاعة. فعلى ذلك حكم الإيلاء.

ولو حمل على ما حمل ابن مسعود ، رضى الله تعالى عنه ، لكان لا يبقى الإيلاء بعد مضى اليوم ، فإذا لم يكن يمين بعد اليوم لم يبق حكمها.

__________________

(١) أخرجه عبد بن حميد عن ابن أبى ليلى كما فى الدر المنثور (١ / ٤٨٤).

(٢) أخرجه الشافعى وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقى فى سننه كما فى الدر المنثور (١ / ٤٨٢).

(٣) ما بين المعقوفين سقط فى ط.

(٤) أخرجه عبد الرزاق وعبد بن حميد كما فى الدر المنثور (١ / ٤٨٣).

١٥١

ولو حمل على ما قال ابن عباس ، رضى الله تعالى عنه ، لكان لا فائدة لذكر التربص.

فإذا بطل ما ذكرنا ثبت قولنا : إن مدة الإيلاء إذا قصرت عن أربعة أشهر لم يلزمه حكم الإيلاء. ولو كان على الأبد لكان لا فائدة فى ذكر المدة ، وألا يعتبر العصيان ولا الطاعة ولا الغضب ولا الرضاء على ما ذكرنا.

وروى فى بعض الأخبار ، أنه قال : الإيلاء ليس بشيء. معناه ما قيل : إن الإيلاء كان طلاق القوم ، فقوله : «ليس بشيء» يقع للحال دون مضى المدة [ثم اختلفوا أيضا بعد مضى المدة](١) قيل أن يفىء إليها فى المدة.

قال أصحابنا ـ رحمهم‌الله تعالى ـ : إذا مضت أربعة أشهر وقع الطلاق.

وقال قوم : إنه يوقف بعد مضى المدة ، [فإما أن يفىء إليها ، وإما أن يطلقها](٢). واحتجوا فى ذلك إلى أن الله تعالى ذكر الفىء بعد [تربص](٣) أربعة أشهر بقوله : (تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ) ؛ لذلك كان له الفىء بعد مضى الأربعة الأشهر ، وروى فى بعض الأخبار الوقف فيه ، وروى عن عمر (٤) وعلى (٥) وعثمان (٦) وعائشة (٧) وابن عمر (٨) ـ رضى الله تعالى عنهم ـ فى المولى : إذا مضت أربعة أشهر فإما أن يفىء وإما أن يطلق. إلى هذا يذهبون. لكن هذا يحتمل أن يكون من الراوى دون أن يكون ما قالت الصحابة.

وأما عندنا : إن قولهم : ذكر الفىء بعد تربص أربعة أشهر ، فذلك لا يوجب الفىء بعد مضيها ؛ ألا ترى إلى قوله : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) ، ليس أنه يمسكها بعد مضى الأجل ، ولكن معناه : إذا قرب انقضاء أجلهن فأمسكوهن. فعلى ذلك جعل لهم الفىء ، إذا قرب انقضاء أربعة أشهر.

وأما ما روى من (الوقف) ، فليس فيه الوقف بعد مضى أربعة أشهر ، يحتمل الوقف فى الأربعة الأشهر.

__________________

(١) سقط فى ط.

(٢) بدل ما بين المعقوفين فى أ : فإن فاء إليها ، وإلا تطلق.

(٣) سقط فى ط.

(٤) أخرجه ابن جرير (٤٦١٥ ، ٤٦١٦ ، ٤٦١٧) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٤٨٥).

(٥) أخرجه ابن جرير من (٤٦١٨) إلى (٤٦٢٤) ، ومالك ، والشافعى وعبد بن حميد والبيهقى كما فى الدر المنثور (١ / ٤٨٥).

(٦) أخرجه ابن جرير (٤٦٢٥) ، والشافعى ، والبيهقى ، كما فى الدر المنثور (١ / ٤٨٥).

(٧) أخرجه ابن جرير من (٤٦٣٣ ـ ٤٦٣٧) ، والشافعى والبيهقى كما فى الدر المنثور (١ / ٤٨٦).

(٨) أخرجه البخارى (٥٢٩١) ، وابن جرير من (٤٦٣٨) إلى (٤٦٤٥) ، ومالك والشافعى وعبد بن حميد والبيهقى كما فى الدر المنثور (١ / ٤٨٥).

١٥٢

وأما عندنا : فإنها تبين إذا مضت أربعة أشهر ؛ لما روى عن سبعة من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو ثمانية ، أنهم قالوا : إذا مضت أربعة أشهر بانت منه ، من نحو : عمر وعلى وابن مسعود وعثمان وابن عباس وجابر وزيد بن ثابت (١) ، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، فاتبعناهم.

ثم اختلف فى الطلاق إذا وقع :

قال قوم : هو رجعى. وهو قول أهل المدينة. فهو على قولهم ؛ تعنّت (٢) ؛ لأن الزوج يقدم إلى الحاكم ، فيطلق عليه الحاكم ، ثم كان له حق المراجعة ، فيكلف (٣) الحاكم العنت.

وأما عندنا : فهو بائن. وعلى ذلك جاءت الأخبار ، روى عن ابن عباس (٤) ـ رضى الله تعالى عنه ـ أنه قال : إذا مضت أربعة الأشهر فهى تطليقة بائنة. وعن ابن مسعود (٥) ـ رضى الله تعالى عنه ـ مثله. وروى عن أبى بن كعب (٦) ـ رضى الله تعالى عنه ـ فى قوله : «فإن فاءوا» أى فيهن يعنى فى الأربعة الأشهر ، (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فثبت أنه جعل الرحمة والمغفرة فيها.

والثانى : قوله : (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها) ولو لم يجعل له القربان والنقض فى المدة لكان لا سبيل له إلى نقضها بعد مضى المدة ؛ إذ هى تتأكد ؛ فثبت أنه لا بما اعتبروا يلزم.

ثم قوله : (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) يحتمل وجهين :

يحتمل : بما جعل له الخروج مما ضيق على نفسه ؛ لأنه لا تطول عليه المدة.

ويحتمل : أن المغفرة كانت بما ارتكب ما إذا مضى عليه وجد ذاته مستحقّا للعقوبة ، فغفر له صنيعه ، ورحمه بأن يجاوز عنه ما فعل.

وقوله : (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ) :

روى عن ابن عباس (٧) ـ رضى الله تعالى عنه ـ أنه قال : عزيمة الطلاق مضىّ أربعة

__________________

(١) أخرجه عبد الرزاق وابن جرير وابن أبى حاتم والبيهقى كما فى الدر المنثور (١ / ٤٨٦).

(٢) فى ب : لغت.

(٣) فى أ ، ب : فيكلفون.

(٤) تقدم.

(٥) تقدم.

(٦) أخرجه أبو عبيد فى فضائله وابن المنذر كما فى الدر المنثور (١ / ٤٨٤).

(٧) أخرجه ابن جرير من (٤٥٧٨) إلى (٤٥٨٤) ، وعبد الرزاق والفريابى وسعيد بن منصور ـ

١٥٣

أشهر. وقد ذكرنا قول الصحابة ـ رضى الله تعالى عنهم ـ : إن عزيمة الطلاق [انقضاء](١) أربعة أشهر.

وقوله : (فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).

سميع : بإيلائهم (٢) ، عليم : بترك الفىء وتحقيق حكمه ، أو عليم بما أراد بالإيلاء ، كأنه قال : إنه عن علم بما يكون من خلقه وبما به صلاحهم وما إليه مرجعهم ، خلقهم ، وهو السميع بجميع ما به تناجوا وأسروا وجهروا. والله الموفق.

والفىء : الجماع ، وهو الرجوع فى الحاصل ؛ لأنه حلف ألا يقربها ، فإذا قربها رجع عن ذلك. وهكذا روى عن ابن عباس (٣) وابن مسعود (٤) ـ رضى الله تعالى عنهما ـ أنهما قالا : الفىء : الجماع.

قوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٢٨) الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَخافا أَلاَّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٢٩) فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)(٢٣٠)

ثم اختلف الناس فى الأقراء فى قوله : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) :

قال بعضهم : الأقراء : هى الأطهار (٥).

__________________

 ـ وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم والبيهقى كما فى الدر المنثور (١ / ٤٨٦).

(١) سقط فى ط.

(٢) فى أ : بالإيلاء.

(٣) أخرجه ابن جرير من (٤٥١٣) إلى (٤٥١٦) ، وعبد الرزاق والفريابى وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم والبيهقى فى سننه كما فى الدر المنثور (١ / ٤٨٤).

(٤) أخرجه ابن المنذر كما فى الدر المنثور (١ / ٤٨٤).

(٥) قال الفيومى : القرء فيه لغتان : الفتح وجمعه قروء وأقرؤ ، مثل فلس وفلوس وأفلس ، والضم ، ويجمع على : أقراء ، مثل : قفل وأقفال ، قال أئمة اللغة : ويطلق على الطهر والحيض.

واختلف الفقهاء فى معنى القرء اصطلاحا على قولين :

القول الأول : وهو قول كثير من الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ وفقهاء المدينة ، ومالك والشافعى وأحمد فى إحدى الروايتين عنه : أن المراد بالأقراء فى العدة : الأطهار ، والطهر عندهم هو المحتوش بين دمين وهو الأظهر عند الشافعية ـ لا مجرد الانتقال إلى الحيض ، واستدلوا على قولهم بما يلى : ـ

١٥٤

__________________

 ـ بقول الله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) أى : فى عدتهن أو فى الزمان الذى يصلح لعدتهن ، فاللام بمعنى (فى) ، ووجه الدلالة : أن الله ـ عزوجل ـ أمر بالطلاق فى الطهر ، لا فى الحيض لحرمته بالإجماع ؛ فيصرف الإذن إلى زمن الطهر ، ففيه دليل على أن القرء هو الطهر الذى يسمى عدة ، وتطلق فيه النساء.

 ـ وبقول النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «مره فليراجعها ، ثم ليتركها حتى تطهر ، ثم تحيض ثم تطهر ، ثم إن شاء أمسك بعد ، وإن شاء طلق قبل أن يمس ، فتلك العدة التى أمر الله عزوجل أن يطلّق لها النساء». فالرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أشار إلى الطهر وأخبر أنه العدة التى أمر الله تعالى أن تطلق لها النساء ؛ فصح أن القرء هو الطهر. كما أن العدة واجبة فرضا إثر الطلاق بلا مهلة فصح أنها الطهر المتصل بالطلاق ، لا الحيض الذى لا يتصل بالطلاق ، ولو كان القرء هو الحيض لوجب عندهم على أصلهم فيمن طلق حائضا أن تعتد بتلك الحيضة قرءا ، ولكن لا يعتد بها.

 ـ وبحديث عائشة ـ رضى الله عنها ـ قالت : «إنما الأقراء الأطهار».

 ـ ولأن القرء مشتق من الجمع ، فيقال : قرأت كذا فى كذا ، إذا جمعته فيه ، وإذا كان الأمر كذلك كان بالطهر أحق من الحيض ؛ لأن الطهر اجتماع الدم فى الرحم ، والحيض خروجه منه ، وما وافق الاشتقاق كان اعتباره أولى من مخالفته ، ويجمع على : أقراء وقروء وأقرؤ.

القول الثانى : المراد بالقرء : الحيض ، وهو ما ذهب إليه جماعة من السلف كالخلفاء الأربعة وابن مسعود ـ رضى الله عنهم ـ وطائفة كثيرة من الصحابة والتابعين وبه قال أئمة الحديث والحنفية وأحمد فى رواية أخرى حيث نقل عنه أنه قال : كنت أقول : إنها الأطهار ، وأنا اليوم أذهب إلى أنها الحيض. وقال ابن القيم : إنه رجع إلى هذا ، واستقر مذهبه عليه فليس له مذهب سواه. واستدلوا على قولهم بالكتاب والسنة والمعقول.

 ـ أما الكتاب فقوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) فقد أمر الله تعالى بالاعتداد بثلاثة قروء ، ولو حمل القرء على الطهر لكان الاعتداد بطهرين وبعض الثالث ؛ لأن بقية الطهر الذى صادفه الطلاق محسوب من الأقراء عند القول الأول ، والثلاثة اسم لعدد مخصوص ، والاسم الموضوع لعدد لا يقع على ما دونه ؛ فيكون ترك العمل بالكتاب ، ولو حمل على الحيض يكون الاعتداد بثلاث حيض كوامل ؛ لأن ما بقى من الطهر غير محسوب من العدة عندهم فيكون عملا بالكتاب ؛ فكان الحمل على ذلك أولى لموافقته لظاهر النص وهو أولى من مخالفته.

 ـ وأما السنة فما روى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «طلاق الأمة اثنتان ، وعدتها حيضتان» ، ومعلوم أنه لا تفاوت بين الحرة والأمة فى العدة فيما يقع به الانقضاء ؛ إذ الرق أثره فى تنقيص العدة التى تكون فى حق الحرة لا فى تغيير أصل العدة ، فدل على أن أصل ما تنقضى به العدة هو الحيض.

ولأن المعهود فى لسان الشرع استعمال القرء بمعنى الحيض ، قال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «تدع الصلاة أيام أقرائها» ، وقال لفاطمة بنت أبى حبيش : «انظرى إذا أتى قرؤك فلا تصلى ، فإذا مرّ قرؤك فتطهرى ثم صلّى ما بين القرء إلى القرء» فهذا دليل على أنه لم يعهد فى لسان الشرع استعماله بمعنى الطهر فى موضع ، فوجب أن يحمل كلامه على المعهود فى لسانه.

وأما المعقول : فهو أن هذه العدة وجبت للتعرف على براءة الرحم ، والعلم ببراءة الرحم يحصل بالحيض لا بالطهر ؛ فكان الاعتداد بالحيض لا بالطهر.

ينظر : المصباح المنير (القرء) الدسوقى (٢ / ٤٦٩) ، جواهر الإكليل (١ / ٣٨٥) ، الفواكه الدوانى (٢ / ٩١) ، روضة الطالبين (٨ / ٣٦٦) ، مغنى المحتاج (٣ / ٣٨٥) ، تفسير القرطبى (٣ / ١١٣) ، إعلام الموقعين (١ / ٢٥) ، المغنى لابن قدامة (٧ / ٤٢٥).

١٥٥

وقال آخرون : هى الحيض. وهو قولنا. وعلى ذلك اختلف الصحابة :

قال عمر (١) وعلى (٢) وعبد الله بن مسعود (٣) ـ رضى الله تعالى عنهم أجمعين ـ : هى الحيض.

وقالت عائشة (٤) وزيد بن ثابت (٥) وابن عمر (٦) ـ رضى الله تعالى عنهم ـ : هى الأطهار. وبه أخذ أهل المدينة ، وقالوا : قلنا ذلك بالسنة والأخبار عن الصحابة ـ رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ـ واللسان ، والمناقضة :

أما السنة : فقوله لعمر : «مر ابنك فليراجعها ، ثم ليطلقها وهى طاهر أو حامل من غير جماع ؛ فتلك العدة التى أمر الله تعالى أن تطلق لها النساء» (٧) ؛ فدل أن العدة التى تطلق

__________________

(١) أخرجه ابن جرير (٤٦٨٤ ، ٤٦٨٥ ، ٤٦٩٠).

(٢) أخرجه ابن جرير (٤٦٩٣ ، ٤٦٩٧ ، ٤٧٠٢ ، ٤٧٠٣) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٤٩٠).

(٣) أخرجه ابن جرير (٤٦٧٩ ، ٤٦٨٧ ، ٤٦٨٨ ، ٤٦٩٢) عنه وعن عمر معا ، وانظر الدر المنثور (١ / ٤٩٠).

(٤) أخرجه ابن جرير (٤٧٠٤ ، ٤٧٠٥ ، ٤٧٠٦ ، ٤٧١٠) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٤٩٠).

(٥) أخرجه ابن جرير (٤٧٠٨ ، ٤٧١٥ ، ٤٧١٨ ، ٤٧١٩) وانظر الدر المنثور (١ / ٤٩٠).

(٦) أخرجه ابن جرير (٤٧٠٩ ، ٤٧١١ ، ٤٧١٢) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٤٩٠).

(٧) أخرجه مالك (٢ / ٥٧٦) كتاب : الطلاق ، باب : ما جاء فى الأقراء (٥٣) ، والبخارى (٩ / ٣٤٥) كتاب : الطلاق ، حديث (٥٢٥١) ، ومسلم (٢ / ١٠٩٣) كتاب : الطلاق ، باب : تحريم طلاق الحائض بغير رضاها ، حديث (١ / ١٤٧١) ، وأحمد (٢ / ٦ ، ٥٤) ، والشافعى (٢ / ٣٢ ـ ٣٣) كتاب : الطلاق ، باب : ما جاء فى أحكام الطلاق ، حديث (١٠٢ ، ١٠٤) ، والدارمى (٢ / ١٦٠) كتاب : الطلاق ، باب : السنة فى الطلاق ، والطيالسى (١٨٥٣) ، وأبو داود (٢ / ٦٣٢ ، ٦٣٤) كتاب : الطلاق ، باب : طلاق السنة ، حديث (٢١٧٩) ، والنسائى (٦ / ١٣٨) كتاب : الطلاق ، باب : وقت الطلاق للعدة ، وابن ماجه (١ / ٦٥١) كتاب : الطلاق ، باب : طلاق السنة ، حديث (٢٠١٩) ، وابن الجارود فى المنتقى رقم (٧٣٤) ، والمروزى فى السنة (٢٤٠) ، والدارقطنى (٤ / ٦ ـ ١١) كتاب : الطلاق والخلع والإيلاء ، والبيهقى (٧ / ٣٢٣ ـ ٣٢٤) كتاب : الخلع والطلاق ، باب : ما جاء فى طلاق السنة ، وابن حبان (٤٢٤٩ ـ الإحسان) ، والبغوى فى شرح السنة (٥ / ١٤٨) من طرق عن نافع عن ابن عمر به.

وأخرجه البخارى (٨ / ٥٢١) كتاب : التفسير ، باب : سورة الطلاق ، حديث (٤٩٠٨) ، ومسلم (٢ / ١٠٩٤) كتاب : الطلاق ، باب : تحريم طلاق الحائض بغير رضاها وأنه لو خالف وقع الطلاق ، حديث (٤ ، ٥ / ١٤٧١) ، وأبو داود (٢ / ٦٣٤ ـ ٦٣٥) كتاب : الطلاق ، باب : فى طلاق السنة ، حديث (٢١٨١ ، ٢١٨٢) ، والنسائى (٦ / ١٣٨) كتاب : الطلاق ، باب : وقت الطلاق ، والترمذى (٣ / ٤٧٩) كتاب : الطلاق ، باب : ما جاء فى طلاق السنة ، حديث (١١٧٦) ، وابن ماجه (١ / ٦٥٢) كتاب : الطلاق ، باب : الحامل كيف تطلق ، حديث (٢٠٢٣) ، والدارمى (٢ / ١٦٠) كتاب : الطلاق ، باب : السنة فى الطلاق ، وابن الجارود (٧٣٦) ، وأبو يعلى (٩ / ٣٢٩) رقم (٥٤٤٠) ، والطحاوى فى شرح معانى الآثار ، والدارقطنى (٤ / ٦ ، ٧) كتاب : الطلاق والخلع والإيلاء وغيره ، والبيهقى (٧ / ٣٢٤) كتاب : الطلاق ، باب : ما جاء فى طلاق السنة وطلاق ـ

١٥٦

لها النساء هى الأطهار.

لكن الجواب لهذا من وجهين :

أحدهما : أنه جعل ذلك عدة للطلاق ، لا عدة عن الطلاق. والعدة للطلاق غير العدة عن الطلاق ؛ وكذا نقول فى الطهر الذى تطلق فيه النساء : إنها عدة للطلاق ، لا عنها.

والثانى : أن من قول الرجل أن له الإيقاع فى آخر أجزاء الطهر ، وقد ذكر فى الخبر : «الطلاق لقبل عدتهن» (١) ، ولو كان المعنىّ به : الطهر ، لكان الطلاق فى آخر أجزاء الطهر قبل الحيض ـ فى آخر أجزاء الطهر ، لا فى القبل. فثبت أن القول بجعل الطهر عدة عن

__________________

 ـ البدعة ، من طرق عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه به.

وقال الترمذى : حديث حسن صحيح.

وأخرجه البخارى (٩ / ٢٦٤) كتاب : الطلاق ، باب : إذا طلقت الحائض تعتد بذلك الطلاق ، حديث (٥٢٥٢) ، ومسلم (٢ / ١٩٠٧) كتاب : الطلاق ، باب : تحريم طلاق الحائض بغير رضاها ... حديث (١١ ، ١٢ / ١٤٧١) ، وأحمد (٢ / ٦١ ، ٧٤) ، والطحاوى فى شرح معانى الآثار (٣ / ٥٢) ، وابن الجارود (٧٣٥) ، والدارقطنى (٤ / ٥ ـ ٦) كتاب : الطلاق والخلع والإيلاء وغيره ، من طريق شعبة عن أنس بن سيرين عن ابن عمر قال : طلق ابن عمر امرأته وهى حائض ، فذكر عمر للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «ليراجعها» قلت : تحتسب؟ قال : «فمه».

وأخرجه البخارى (٩ / ٢٦٤) كتاب : الطلاق ، باب : إذا طلقت الحائض تعتد بذلك الطلاق ، حديث (٥٢٥٣) ، والنسائى (٦ / ١٤١) كتاب : الطلاق ، باب : الطلاق لغير العدة ، والطيالسى (١٦٠٥) ، وعبد الرزاق (٦ / ٣٠٨) رقم (١٠٩٥٥) ، والطحاوى فى شرح معانى الآثار (٣ / ٥٢) ، والبيهقى (٧ / ٣٢٧) من طريق سعيد بن جبير عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهى حائض فردها عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى طلقها وهى طاهر.

وأخرجه البخارى (٩ / ٢٦٩) كتاب : الطلاق ، باب : من طلق وهل يواجه الرجل امرأته بالطلاق ، حديث (٥٢٥٨) ، ومسلم (٢ / ١٠٩٦ ، ١٠٩٧) كتاب : الطلاق ، باب : تحريم طلاق الحائض بغير رضاها حديث (٩ ، ١٠ / ١٤٧١) ، وأبو داود (١ / ٦٦٢) كتاب : الطلاق ، باب : فى طلاق السنة ، حديث (٢١٨٣) ، والنسائى (٦ / ١٤١) كتاب : الطلاق ، باب : الطلاق لغير العدة ما يحتسب منه على المطلق ، والترمذى (٣ / ٤٧٨) كتاب : الطلاق واللعان ، باب : ما جاء فى طلاق السنة ، حديث (١١٧٥) ، وابن ماجه (١ / ٦٥٠) كتاب : الطلاق ، باب : طلاق السنة ، حديث (٢٠٢٢) ، وعبد الرزاق (٦ / ٣٠٩) رقم (١٠٩٥٩) ، والطيالسى (١٦٠٣) ، والطحاوى (٣ / ٥٢) ، والبيهقى (٧ / ٣٢٥ ـ ٣٢٦) من طريقين : عن أبى غلاب يونس بن جبير قال : قلت لابن عمر : رجل طلق امرأته وهى حائض ، فقال : تعرف ابن عمر؟ إن ابن عمر طلق امرأته ، وهى حائض فأتى عمر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فذكر ذلك له فأمره أن يراجعها ، فإذا طهرت فأراد أن يطلقها فيطلقها. قلت : فهل عد ذلك طلاقا؟ قال : أرأيت إن عجز واستحمق.

(١) أخرجه مسلم (١٤ / ١٤٧١) عن ابن عمر قال :

وقرأ النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا أيها النبى إذا طلقتم النساء فطلقوهن فى قبل عدتهن».

وقال الحافظ فى التلخيص (٣ / ٤١٨) : وقال ابن عبد البر :

هى قراءة ابن عمر وابن عباس وغيرهما ، لكنها شاذة لكن لصحة إسنادها يحتج بها ، وتكون مفسرة لمعنى القراءة المتواترة.

١٥٧

الطلاق بعيد.

وأما اللسان فهو قول الناس : قرأ الماء فى حوضه (١) ، وقرأ الطعام فى شدقه ، أى : حبس ، والطهر بسبب حبس الدم.

لكن عندنا : الطهر جبلة وأصل ، وعليها خلقت وأنشئت ، والحيض عارض ، فإذا كان فى الرحم دم خرج ، وإلا كانت على أصل خلقتها طاهرا ؛ لأن الطهر يحبس الدم ، فإذا كان هذا ما ذكرنا بطل احتجاجه باللغة واللسان.

وأما المناقضة [ف] هى أن يقول : جعلتم هى معتدة مع زوال الأذى عنها ما لم تغتسل فى إبقاء حق الرجعة.

فأما دعوى المناقضة فهى بعيدة ؛ لأن الكتاب جعلها باقية ما لم تغتسل على حكم الأذى ؛ فإن كان فيه طعن فعلى الكتاب.

وقال : ذكر الله تعالى : (ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) باسم التذكير ، لا باسم التأنيث ؛ فدل أنه أراد الأطهار ، يقال : ثلاثة رجال ، وثلاث نسوة ، فإذا أدخل فيه (الهاء) عقل أنه أراد الطهر.

قيل : إن اللغة لا تمنع (٢) عن تسمية شىء واحد باسم التذكير والتأنيث كالبر والحنطة ونحو ذلك إذا لم يكن من ذى روح ، فإذا كان كذلك فلا دلالة فيه على جعل ذلك طهرا.

وقال : القرء : هو الانتقال من حال الى حال ؛ يقال : أقرأ النجم : إذا غاب ، وأقرأ : إذا طلع ، ونحوه.

لكن هذا ليس بشيء ؛ لأنه لو كان القرء هو الانتقال من حال إلى حال لكان يقال للنجم إذا طلع : أقرأ ؛ فيكون الاسم للظهور ، لا للغيبوبة ، أو لهما جميعا ؛ فلا دلالة فى ذلك.

وأما الأصل عندنا : فقوله عزوجل : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) ، فأمر بالإمساك عند بلوغ أجلهن. والبلوغ : اسم للتمام. ثم لا يخلو بلوغ الأجل من أن يكون بالإشراف على أول أجزاء الطهر أو عند انتهائه. فإن كان على انتهاء الطهر فلا غاية له ينتهى إليه ليقطع عليه الحكم ، وإن كان على الإشراف عليه أيضا كذلك ، ثم لو حمل على الانتهاء أيضا يبعد بما يعرف ذلك بالحيض الذى يقطع جهة الإمساك ؛ فحمل على ما يعرف ، لا على ما لا يعرف ـ والله أعلم فثبت أنه الحيض ؛ لأن لها الغاية.

والثانى : قوله تعالى : (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ) [الطلاق : ٤] ، كذا اتفقوا فيه أنه مذكور على البدل ، ولم يعرف ذكر الأبدال فى

__________________

(١) فى ب : جوفه.

(٢) فى أ : تمتنع.

١٥٨

الأشياء إلا على أثر الأصول حيثما ذكر ـ ذكر الحيض عند ذكر البدل ـ فبان أن المبدل من ذلك إنما هى الحيض ، المجعولة أصولا فى تقضى العدة هو الحيض.

واحتجوا بقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «عدة الأمة حيضتان» (١) ؛ ثبت أن أصل ما به تنقضى العدة هو الحيض.

[ثم الدليل على أن المراد من قوله : (ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) ، وإن احتمل الطهر ، يرجع الى الحيض [وجوه : أحدها :](٢) أن (ثلاثة) اسم لتمام العدد ، فيصير كأنه قال : ثلاثة أطهار ، لو أراد به الطهر ، أو ثلاثة حيض ، لو أراد به الحيض. ثم هم على اختلافهم اتفقوا على أنه بالحيض ثلاثة ، وبالطهر طهران وبعض الأول. ثبت أن الحيض أولى مع ما كان فيه الاحتياط إذ احتمل الوجهين أن يدخلا جميعا فى الحق لا يزال بعد أن ثبت إلا بالبيان ، ويبين ذا أن فى الخبر تلك العدة التى أمر الله أن تطلق لقبلها النساء ، أنه الحيض حتى يكون قبله الطهر مع ما يحتمل عدة فعل الطلاق فى الانقضاء (٣) يبين ذلك ما روى عن

__________________

(١) أخرجه أبو داود (١ / ٦٦٥) فى الطلاق ، باب فى سنة طلاق العبد (٢١٨٩) ، والترمذى (٣ / ٤٨٨) فى الطلاق ، باب ما جاء أن طلاق الأمة تطليقتان (١١٨٢) ، وابن ماجه (١ / ٦٧٢) فى الطلاق ، باب فى طلاق الأمة وعدتها (٢٠٨٠) ، والدارقطنى (٤ / ٣٩) ، والحاكم (٢ / ٢٠٥) ، والبيهقى (٧ / ٣٦٩) عن أبى عاصم نا ابن جريج عن مظاهر عن القاسم بن محمد عن عائشة قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «طلاق الأمة تطليقتان وقرؤها حيضتان» قال أبو عاصم : فلقيت مظاهرا فحدثنى عن القاسم عن عائشة عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم مثله إلا أنه قال : «وعدتها حيضتان».

قال أبو داود : وهو حديث مجهول.

وقال الترمذى : حديث عائشة حديث غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث مظاهر ابن أسلم ، ومظاهر لا نعرف له فى العلم غير هذا الحديث.

وقال البيهقى بإسناده عن ابن حماد ويقول : قال البخارى : مظاهر بن أسلم عن القاسم عن عائشة : ضعفه أبو عاصم.

ويشهد له حديث ابن عمر ، أخرجه ابن ماجه (٢٠٧٩) ، والدارقطنى (٤ / ٣٨) ، والبيهقى (٧ / ٣٦٩) عن عمر بن شبيب المسلمى عن عبد الله بن عيسى عن عطية عن ابن عمر قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «طلاق الأمة اثنتان ، وعدتها حيضتان». وقال البيهقى والدارقطنى : تفرد به عمر بن شبيب المسلمى ، هكذا مرفوعا ، وكان ضعيفا ، والصحيح ما رواه سالم ونافع عن ابن عمر موقوفا.

وأخرجه مالك (٢ / ٥٧٤) فى الطلاق ، باب ما جاء فى طلاق العبد (٥٠) ، ومن طريقه أخرجه البيهقى (٧ / ٣٦٩) عن نافع عن ابن عمر موقوفا.

وأخرجه الدارقطنى (٤ / ٣٨) عن سالم ونافع عن ابن عمر موقوفا.

وقال الدارقطنى : وهذا هو الصواب ، وحديث عبد الله بن عيسى عن عطية عن ابن عمر عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم منكر غير ثابت من وجهين :

أحدهما : أن عطية ضعيف ، وسالم ونافع أثبت منه وأصح رواية.

والوجه الآخر : أن عمر بن شبيب ضعيف الحديث ، لا يخبر بروايته.

(٢) سقط فى ط.

(٣) فى ط : لا الانقضاء.

١٥٩

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه قال : «إن عدة الأمة حيضتان» (١). وهى بعض عدة الحرة ، ووقت طلاقها وقت طلاق الحرة. فبان أن العدة اثنتان [والثانى : ذكر الحيض عند ذكر البدل وذلك حكم الأبدال أن يذكر أصولها عند ذكرها.

والثالث : قوله (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَ) والبلوغ اسم للتمام ووفاء بعد المراجعة من بعد الإشراف عليه ، وهو بالطهر لا يعلم حتى يرى الدم ؛ لأن الطهر لا غاية له ، وذلك يمنع على قولهم الرجعة ؛ فثبت أنه الحيض ؛ لأن له الغاية ، وإن لم ينقطع الدم وقت ولما كان الطلاق وقت ابتداء الحرمة ، وذلك طهر ، ووقت تقضى العدة وقت تمام ذلك ، فهو التطهر ، مع ما ينقضى سبب الملك بالطلاق ، ووقته الطهر ، وبقية الملك بتقضى العدة ، فيجب أن يكون وقته الطهر على إلحاق جميع الفروع مع الأصول ، وإلحاق التوابع بالمتبوعين ، ولا قوة إلا بالله](٢).

ثبت أن أصل ما به تنقضى العدة هو الحيض](٣).

وقال الشافعى : قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «عدة الأمة حيضتان» أى : قرءان والقرءان هما الطهران.

فيقال له : [أبلغت فى المقلة](٤) ، وأفرطت فى الحجاج ، حيث فهمت من الحيض القرء ، وهو أوضح عند أهل اللسان بالسماع من المفهوم له به مع ما فى ذلك تجهيل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم باللسان ، وهو أفصح العرب وأعلم البشر ، حيث عبر عن الطهر بالحيض.

ووجه آخر : أنهم اتفقوا على أنه لو طلق فى بعض الطهر فالبقية منه عدة ، ومثله من الاعتداد قرءان ونصف ، والكتاب أوجب الاعتداد بالثلاث ؛ فثبت أن الأمر بالاعتداد أمر بالحيض ، لا بالأطهار للمعنى الذى وصفنا ، وإن كان القرء اسما للطهر والحيض فى اللغة.

ثم الأصل فى المسألة : أن أول ابتداء الحل لزوجها ولغيره بالطهر ، وكذلك نهاية الحل إنما جعلت بالأطهار.

ثم الأصل : أن ابتداء حرمتها على الزوج الأول بالطهر ، فيجعل انتهاء الحرمة فى مثله بالطهر. وحاصل هذا أنه جعل نهاية الحل فيه وفى غيره بما به ابتداء الحل ، فكذا يجعل نهاية الحرمة فيه وفى غيره بما به ابتداؤه. وإذا ثبت أن المنظور فى الحل والحرمة فى الابتداء بالابتداء ، وجب أن يكون المنظور فى الحل والحرمة بالانتهاء.

__________________

(١) تقدم.

(٢) ما بين المعقوفين سقط فى ط.

(٣) ما بين المعقوفين سقط فى أ.

(٤) فى أ : فى العقلة.

١٦٠