الوصائل إلى الرسائل - ج ١٣

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ١٣

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-13-9
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

أو يعلم تاريخ أحدهما ، فان جهل تاريخهما ، فلا يحكم بتأخّر أحدهما المعيّن عن الآخر ، لأن التأخّر في نفسه ليس مجرى الاستصحاب ، لعدم مسبوقيّته باليقين.

وأمّا أصالة عدم أحدهما في زمان حدوث الآخر فهي معارضة بالمثل ، وحكمه التساقط مع ترتّب الأثر على كلّ واحد من الأصلين

______________________________________________________

الثاني : (أو يعلم تاريخ أحدهما) بأن علمنا ان الكرية كانت يوم الخميس ، لكن لا نعلم هل النجاسة حصلت يوم الاربعاء أو يوم الجمعة؟.

وعليه : (فان جهل تاريخهما ، فلا يحكم بتأخّر أحدهما المعيّن عن الآخر) وذلك (لأن التأخّر في نفسه ليس مجرى الاستصحاب ، لعدم مسبوقيّته باليقين) فان التأخر بوصف التأخر لم يكن سابقا حتى يستصحب ، فلا تتم فيه أركان الاستصحاب.

(وأمّا أصالة عدم أحدهما في زمان حدوث الآخر) بأن نقول : الأصل عدم الكرية في زمان حدوث الملاقاة ، فالملاقاة يوم الخميس والكرية يوم الجمعة فهو إذن نجس ، أو نقول : ان الأصل عدم ملاقاة النجس في زمان الكرية ، فالكرية يوم الخميس والملاقاة يوم الجمعة ، فهو إذن طاهر ، فأركان الاستصحاب وان كان تاما في هذين الأصلين إلّا إنهما لا يجريان لأن أصالة العدم في كل منهما معارضة بمثلها كما قال : (فهي معارضة بالمثل ، وحكمه التساقط).

وإنّما يتعارضان ويتساقطان (مع ترتب الأثر على كلّ واحد من الأصلين) بأن كان هناك أثر لهذا الأصل وأثر لذاك الأصل ، فيتساقطان ، حيث يلزم الرجوع بعده إلى عموم أو أصل فوقه.

نعم ، إذا كان لأحد الأصلين أثر دون الأصل الآخر ، جرى الأصل الذي له الأثر

١٢١

وسيجيء تحقيقه إن شاء الله.

وهل يحكم بتقارنهما في مقام يتصوّر التقارن لأصالة عدم كلّ منهما قبل وجود الآخر؟ وجهان ، من كون التقارن أمرا وجوديا لازما لعدم كون كلّ منهما قبل الآخر ، ومن كونه من اللوازم الخفيّة حتى كاد يتوهّم أنّه عبارة عن عدم تقدّم أحدهما على الآخر في الوجود ،

______________________________________________________

دون الأصل الآخر ، وذلك لأن الاستصحاب إنّما وضع للأثر ، فإذا كان هناك استصحاب ولم يكن له أثر شرعي ، فلا مجرى للاستصحاب (وسيجيء تحقيقه إن شاء الله) تعالى فلا داعي لتفصيل الكلام الآن.

(وهل يحكم بتقارنهما في مقام يتصوّر التقارن)؟ كما هو فيما نحن فيه حيث يمكن تقارن الكرية والنجاسة بأن نقول : الأصل عدم تقدّم الكرية ، والأصل عدم تقدّم النجاسة ، فهما إذن متقارنان ، وذلك (لأصالة عدم كلّ منهما قبل وجود الآخر) فيتعارضان ويتساقطان وبعد التساقط تصل النوبة إلى التقارن (وجهان) :

الأوّل : عدم الحكم بالتقارن ، وقد أشار إليه بقوله : (من كون التقارن أمرا وجوديا) فيكون (لازما لعدم كون كلّ منهما قبل الآخر) وهو لازم غير شرعي ، ولذا لو أردنا إثباته باجراء الأصلين كان من الأصل المثبت ، وهو ليس بحجة ، فلا يصح الحكم بالتقارن.

(و) الثاني : الحكم بالتقارن وهو ما أشار إليه بقوله : (من كونه من اللوازم الخفيّة حتى كاد يتوهّم أنّه عبارة عن) مجرّد (عدم تقدّم أحدهما على الآخر في الوجود) فيحكم به ولا يكون مثبتا ، وذلك لأن العرف يرون معنى تقارن الحادثين : انه مجرد اما إذا لم يصح تقدّم أحدهما على الآخر لا هذا على ذاك ، ولا ذاك على هذا ، وحينئذ فإذا كان التقارن منشأ أثر ، حكم بذلك الأثر ، فإذا نذر

١٢٢

وإن كان أحدهما معلوم التاريخ فلا يحكم على مجهول التاريخ ، إلّا بأصالة عدم وجوده في تاريخ ذلك ، لا تأخّر وجوده عنه بمعنى حدوثه بعده.

نعم ، يثبت ذلك على القول بالأصل المثبت ،

______________________________________________________

الأب ـ مثلا ـ ان يصلي ركعتين إذا تقارن مجيء ولديه من السفر ، فجاءا ، لكن لم يعلم هل جاء أحدهما سابقا على الآخر ، أو تقارنا في المجيء؟ فانه يجب عليه الوفاء بنذره حينئذ للتقارن بسبب الأصل.

هذا تمام الكلام في الصورة الاولى وهي صورة الجهل بتاريخ الحادثين.

واما الصورة الثانية فهو ما أشار إليه المصنّف بقوله :

(وان كان أحدهما معلوم التاريخ) بان علمنا انه في الخميس صار كرا ، لكنا لا نعلم بأن ملاقاته للنجاسة كان يوم الاربعاء أو يوم الجمعة (فلا يحكم على مجهول التاريخ) وهو الملاقاة في المثال بالنسبة إلى معلوم التاريخ وهو الكرية (إلّا بأصالة عدم وجوده في تاريخ ذلك) المعلوم فقط (لا تأخّر وجوده) أي : وجود المجهول التاريخ وهو الملاقاة (عنه) أي : عن المعلوم التاريخ وهو الكرية (بمعنى حدوثه بعده) فلا يثبت كون حدوث الملاقاة بعد زمان حدوث الكرية.

وعليه : فعدم وجود الملاقاة في زمان الكرية كما في المثال هو : مقتضى الأصل ولذلك يصح جريانه ، امّا حدوث الملاقاة بعد زمان الكرية ، فهو لازم عقلي لأصالة عدم حدوث الملاقاة يوم الخميس فلا يصح جريانه لأنه مثبت.

(نعم ، يثبت ذلك) أي : تأخّر الملاقاة عن الكرية (على القول بالأصل المثبت) لكنك عرفت : ان مقتضى كون الاستصحاب حجة من باب الاخبار هو : انه لا يثبت به لوازمه العقلية والعادية والعرفية.

١٢٣

فاذا علم تاريخ ملاقاة الثوب للحوض ، وجهل تاريخ صيرورته كرّا ، فيقال : الأصل بقاء قلّته ، وعدم كرّيته في زمان الملاقاة ، وإذا علم تاريخ الكرّية حكم أيضا بأصالة عدم الملاقاة في زمان الكرّية ، وهكذا.

وربما يتوهّم جريان الأصل في طرف المعلوم بأن يقال : الأصل عدم وجوده في الزمان الواقعي للآخر.

______________________________________________________

وعليه : (فاذا علم تاريخ ملاقاة الثوب) النجس (للحوض ، وجهل تاريخ صيرورته كرّا ، فيقال : الأصل بقاء قلّته ، وعدم كرّيته في زمان الملاقاة) فهو نجس ، وذلك لأن الكرية مشكوكة ، فيستصحب عدمها إلى زمان الملاقاة ، فيترتب على استصحاب عدم الكرية إلى زمان الملاقاة نجاسة الماء ، وذلك بناء على ان الملاقاة مقتض والكرية مانعة.

(و) في عكسه : كما (إذا علم تاريخ الكرّية) وجهل تاريخ الملاقاة (حكم أيضا بأصالة عدم الملاقاة في زمان) حدوث (الكرّية) فهو طاهر ، وذلك لأن الملاقاة مشكوكة فيستصحب عدمها إلى زمان الكرية ، فيترتب على استصحاب عدم الملاقاة إلى زمان الكرية طهارة الماء ، وذلك بناء على شرطية القلة ، فان ملاقاة النجس إنّما تكون منجسة إذا كان الماء قليلا ، والمفروض إنا نشك في الملاقاة حال قلة الماء.

(وهكذا) بالنسبة إلى كل حادثين علم تاريخ أحدهما ، وجهل تاريخ الآخر.

هذا (وربما يتوهّم جريان الأصل في طرف المعلوم) أيضا إذا كان لكل من الأصلين : المعلوم والمجهول أثر ، وذلك (بأن يقال : الأصل عدم وجوده) أي : وجود المعلوم تاريخه لدينا (في الزمان الواقعي للآخر) أي : للحادث الآخر المجهول تاريخه عندنا ، إذ لعله في الواقع حدث قبل معلوم التاريخ ، وإذا جرى

١٢٤

ويندفع بأنّ نفس وجوده غير مشكوك في زمان ، وأمّا وجوده في زمان الآخر ، فليس مسبوقا بالعدم.

ثم إنّه يظهر من الأصحاب هنا قولان آخران :

أحدهما : جريان هذا الأصل في طرف مجهول التاريخ ،

______________________________________________________

الأصل في معلوم التاريخ كما يجري في مجهول التاريخ ، تعارض الأصلان وتساقطا ، فيكون حال المعلوم تاريخ أحدهما ، حال مجهولي التاريخ.

(ويندفع) هذا التوهم (بأنّ نفس وجوده) أي : وجود معلوم التاريخ بنفسه لا بالنظر إلى زمان الآخر (غير مشكوك في زمان) حتى يستصحب عدمه ، إذ هو قبل التاريخ المعلوم معدوم يقينا ، وبعده موجود يقينا.

(وأمّا وجوده) أي : وجود معلوم التاريخ لا بنفسه ، بل بالنظر إلى وجوده (في زمان الآخر ، فليس مسبوقا بالعدم) حتى يقال : ان وجود معلوم التاريخ في زمان الآخر لم يكن في السابق ، فلا يكون في الحال أيضا ، فانه لم يكن هناك زمان كان مجهول التاريخ موجودا ومعلوم التاريخ معدوما ، حتى يقال : الأصل عدم وجوده في زمان الآخر فيستصحب.

وعليه : فقد تبيّن إلى هنا : انه لو كان تاريخ أحدهما معلوما وتاريخ الآخر مجهولا ، فانه يستصحب عدم مجهول التاريخ فقط ولا يستصحب عدم معلوم التاريخ ، فبطل قول من قال بأن كليهما يستصحبان ، كما في مجهولي التاريخ.

(ثم إنّه يظهر من الأصحاب هنا) أي : في الفرع الثاني وهو : ما إذا كان أحدهما معلوم التاريخ والآخر مجهول التاريخ (قولان آخران :) يدوران بين افراط ، وتفريط ، أشار المصنّف إلى الأوّل منهما بقوله :

(أحدهما : جريان هذا الأصل) أي : الاستصحاب (في طرف مجهول التاريخ ،

١٢٥

وإثبات تأخّره عن معلوم التاريخ بذلك ، وهو ظاهر المشهور وقد صرّح بالعمل به الشيخ وابن حمزة والمحقق والعلامة والشهيدان ، وغيرهم في بعض الموارد.

منها : مسألة اتفاق الوارثين على إسلام أحدهما في غرّة رمضان ، واختلافهما في موت المورّث قبل الغرّة أو بعدها ؛ فانّهم حكموا : بأنّ القول ، قول مدّعي تأخّر الموت.

نعم ، ربما يظهر من إطلاقهم التوقف في بعض المقامات

______________________________________________________

وإثبات تأخّره عن معلوم التاريخ بذلك) الأصل ، وهذا هو الذي قلنا بأنه إفراط ، وذلك لأن جريان أصل العدم في مجهول التاريخ يثبت ـ كما قلنا ـ عدم حدوثه إلى زمان معلوم التاريخ ، ولا يثبت تأخره عنه إلّا على القول بالأصل المثبت ، فاثبات تأخره عنه بالأصل إفراط بنظر المصنّف.

(و) كيف كان : فان هذا القول (هو ظاهر المشهور) عن القدماء (وقد صرّح بالعمل به الشيخ وابن حمزة والمحقق والعلامة والشهيدان ، وغيرهم في بعض الموارد) من الفقه.

(منها : مسألة اتفاق الوارثين على إسلام أحدهما في غرّة رمضان ، واختلافهما في موت المورّث قبل الغرّة أو بعدها) فانه ان كان موته قبل الغرة لم يرثه هذا الوارث لفرض انه كان كافرا حين موت مورّثه ، وان كان موته بعد الغرة ورثه هذا الوارث (فانّهم حكموا : بأنّ القول ، قول مدّعي تأخّر الموت) ومعنى ذلك : أن نستصحب عدم الموت إلى الغرة ، ثم يثبت به ان الموت كان متأخرا عن الغرة فنورّثه ، لتحقق موضوع الارث الذي هو موت المورّث عن وارث مسلم.

(نعم ، ربما يظهر من إطلاقهم التوقف في بعض المقامات) التي تعرّضوا

١٢٦

من غير تفصيل : بين العلم بتاريخ أحد الحادثين ، وبين الجهل بهما ـ عدم العمل بالأصل في المجهول مع علم تاريخ الآخر ، كمسألة اشتباه تقدّم الطهارة أو الحدث ومسألة اشتباه الجمعتين واشتباه موت المتوارثين ومسألة اشتباه تقدّم رجوع المرتهن عن الاذن في البيع على وقوع البيع ، أو تأخّره عنه

______________________________________________________

لها ، من موارد توارد الحادثين (من غير تفصيل : بين العلم بتاريخ أحد الحادثين ، وبين الجهل بهما) ممّا يظهر منه (عدم العمل بالأصل في المجهول) التاريخ (مع علم تاريخ الآخر) فان إطلاق قولهم بالتوقف يشمل صورتي : الجهل بتاريخهما ، والجهل بتاريخ أحدهما.

أمّا تلك المقامات التي أطلقوا التوقف فيها فهو (كمسألة اشتباه تقدّم الطهارة أو الحدث) فيمن تطهّر من الصباح إلى الظهر مرة ، وأحدث مرة ، ولم يعلم المتقدّم منهما ، فانه إذا كانت الطهارة متقدّمة فالآن هو محدث ، وإذا كان الحدث متقدّم فالآن هو متطهّر؟.

(ومسألة اشتباه الجمعتين) المقامتين في أقل من فرسخ ، فانه إذا اقيمتا معا بطلتا معا ، وإذا كانت إحداهما سابقة والاخرى لاحقة بطلت اللاحقة ، والكلام فيما إذا لم يعلم إن أيتهما سابقة حتى تكون صحيحة ، وأيتهما لاحقة حتى تكون باطلة؟.

(واشتباه موت المتوارثين) كما إذا علم موت الأب والابن ، ولم يعلم ان موت الأب كان أولا حتى يرثه الابن ، أو موت الابن كان أولا حتى يرثه الأب؟.

(ومسألة اشتباه تقدّم رجوع المرتهن عن الاذن في البيع على وقوع البيع ، أو تأخّره عنه) أي : تأخر الرجوع عن وقوع البيع ، فان المالك الذي رهن داره لزيد

١٢٧

وغير ذلك.

لكنّ الانصاف : عدم الوثوق بهذا الاطلاق بل هو إمّا محمول على صورة الجهل بتاريخهما ـ وأحالوا صورة العلم بتاريخ أحدهما على ما صرّحوا به في مقام آخر ـ أو على محامل أخر.

______________________________________________________

لا يجوز له بيع داره المرهونة ، فلو أذن له زيد في بيعها ، جاز للمالك بيعها ، فإذا رجع زيد عن إذنه وقد باعها المالك ، فانه قد يحصل لهما الشك في ان البيع تقدّم على الرجوع حتى يكون البيع صحيحا ، أو الرجوع تقدّم على البيع حتى يكون البيع باطلا؟.

(وغير ذلك) من موارد توارد الحادثين الذي لا يعلم هل ان هذا كان متقدّما أو ذاك؟ ولم يفصّلوا بين الجهل بتاريخهما ، والجهل بتاريخ أحدهما ، بل أطلقوا قولهم بالتوقف فيها.

(لكنّ الانصاف : عدم الوثوق بهذا الاطلاق) الذي ذكرناه قبل أسطر عند قولنا : «نعم ، ربما يظهر من إطلاقهم التوقف» (بل هو) أي : هذا الاطلاق (إمّا محمول على صورة الجهل بتاريخهما) أي : بتاريخ الحادثين معا (وأحالوا صورة العلم بتاريخ أحدهما) دون الآخر (على ما صرّحوا به في مقام آخر) مثل مقام إسلام الوارث في غرة شهر رمضان والشك في موت المورّث قبل الغرة أو بعدها ، حيث أجروا أصل العدم في مجهول التاريخ ، وأثبتوا به تأخره عن معلومه.

(أو على محامل أخر) غيرها ، كالاضطراب ـ مثلا ـ فان كلماتهم بالنسبة إلى الحادثين مضطربة كاضطراب كلماتهم بالنسبة إلى أصل العمل بالاصول المثبتة ، وذلك على ما سيأتي التصريح به من المصنّف إن شاء الله تعالى.

١٢٨

وكيف كان : فحكمهم في مسألة الاختلاف في تقدّم الموت على الاسلام وتأخره مع إطلاقهم في تلك الموارد من قبيل النصّ والظاهر ، مع أنّ جماعة منهم نصّوا على تقييد هذا الاطلاق في موارد ، كالشهيدين في الدروس والمسالك في مسألة : الاختلاف في تقدّم الرجوع عن الاذن في بيع الرهن على بيعه وتأخّره ، والعلامة الطباطبائي في مسألة : اشتباه السابق من الحدث والطهارة.

______________________________________________________

(وكيف كان : فحكمهم) بتأخر مجهول التاريخ عن المعلوم ، باجراء الاستصحاب الذي هو أصل مثبت (في مسألة الاختلاف في تقدّم الموت على الاسلام وتأخره) عنه الذي هو إجراء الاستصحاب في صورة الجهل بتاريخ أحدهما فقط (مع إطلاقهم) التوقف (في تلك الموارد) المذكورة من توارد الحادثين بلا تفصيل بين صورتي : الجهل بتاريخهما معا ، والجهل بتاريخ أحدهما (من قبيل النص والظاهر) ، وإنّما هو من قبيل النص والظاهر : لأن حكمهم بتأخر مجهول التاريخ في صورة الجهل بتاريخ أحدهما نص في التفصيل بين الصورتين ، بينما إطلاقهم التوقف الشامل للصورتين ظاهر في عدم التفصيل بين الصورتين ، ومن المعلوم : ان النص مقدّم على الظاهر.

هذا (مع أنّ جماعة منهم نصّوا على تقييد هذا الاطلاق) بصورة الجهل بتاريخهما معا ، وذلك (في موارد) من المسائل الفقهية التي توارد الحادثين فيها ، واولئك الجماعة هم (كالشهيدين في الدروس والمسالك في مسألة : الاختلاف في تقدّم الرجوع عن الاذن في بيع الرهن على بيعه ، وتأخّره) عنه.

(والعلامة الطباطبائي) بحر العلوم قدس سرّه (في مسألة : اشتباه السابق من الحدث والطهارة) فيما لو تواردا معا ، وإلى غير ذلك.

١٢٩

هذا ، مع أنّه لا يخفى على متتبع موارد هذه المسائل وشبهها ، ممّا يرجع في حكمها إلى الاصول أنّ غفلة بعضهم ، بل أكثرهم ، عن مجاري الاصول في بعض شقوق المسألة غير عزيزة.

الثاني : عدم العمل بالأصل وإلحاق صورة جهل تاريخ أحدهما بصورة جهل تاريخهما.

______________________________________________________

(هذا) هو الجمع الذي ذكرناه بين قوليهما (مع أنّه لا يخفى على متتبع موارد هذه المسائل وشبهها ، ممّا يرجع في حكمها إلى الاصول) لا إلى الأخبار ، فانه يرى (أنّ غفلة بعضهم ، بل أكثرهم ، عن مجاري الاصول في بعض شقوق المسألة غير عزيزة) فانهم حين أطلقوا القول بالتوقف في توارد الحادثين غفلوا عن شقوق المسألة وصورها ، لا إنهم كانوا ملتفتين ومع ذلك أطلقوا حتى يشمل الصورتين.

ولا يخفى : ان هذا الكلام من المصنّف هو ما أشار إليه قبل أسطر بقوله : «أو على محامل أخر».

هذا تمام الكلام في القول الأوّل من القولين الآخرين في فرع المجهول تاريخ أحدهما ، وكان هو القول الافراطي ، واما القول التفريطي منهما فهو ما أشار إليه المصنّف بقوله :

(الثاني : عدم العمل بالأصل) لا في المعلوم ، ولا في المجهول حتى وان لم يترتب الأثر على تأخر المجهول ، بل على نفس عدم حدوث المجهول (و) ذلك يعني : (إلحاق صورة جهل تاريخ أحدهما بصورة جهل تاريخهما) في التوقف عن العمل بالأصل ، فكما ان في صورة جهل تاريخهما لا يعمل بأحدهما ، كذلك لا يعمل بأحدهما في صورة جهل تاريخ أحدهما.

١٣٠

وقد صرّح به بعض المعاصرين ، تبعا لبعض الأساطين ، مستشهدا على ذلك بعدم تفصيل الجماعة في مسألة الجمعتين ، والطهارة والحدث ، وموت المتوارثين مستدلا على ذلك بأنّ التأخّر ليس أمرا مطابقا للأصل.

وظاهر استدلاله : إرادة ما ذكرنا : من عدم ترتيب أحكام صفة التأخّر ، وكون المجهول متحقّقا بعد المعلوم.

______________________________________________________

(وقد صرّح به بعض المعاصرين) وهو صاحب الجواهر (تبعا لبعض الأساطين) وهو صاحب مفتاح الكرامة ، فانهما قالا بعدم الفرق بين الصورتين في لزوم التوقف والرجوع إلى قاعدة اخرى وذلك لما يلي :

أولا : (مستشهدا) أي : بعض الأساطين وهو صاحب مفتاح الكرامة (على ذلك) أي : على عدم العمل بالأصل في صورة الجهل بتاريخ أحدهما : (بعدم تفصيل الجماعة في مسألة الجمعتين ، والطهارة والحدث ، وموت المتوارثين) بين صورتي : المجهول تاريخهما ، والمجهول تاريخ أحدهما ، وذلك على ما تقدّم في بيان هذه الأمثلة.

ثانيا : (مستدلا على ذلك) أي : على عدم العمل بالأصل ، في صورة الجهل بتاريخ أحدهما :

(بأنّ التأخّر ليس أمرا مطابقا للأصل (١)) ولذا لا يجري الأصل حتى يثبت التأخّر ، انتهى استدلال صاحب مفتاح الكرامة واستشهاده ، فأشكل المصنّف عليهما بقوله : (وظاهر استدلاله : إرادة ما ذكرنا : من عدم ترتيب أحكام صفة التأخّر ، و) صفة (كون المجهول متحقّقا بعد المعلوم) فان هذه الصفة لا تتحقق إلّا على القول بالأصل المثبت.

__________________

(١) ـ راجع جواهر الكلام : ج ٢ ص ٣٤٧.

١٣١

لكنّ ظاهر استشهاده بعدم تفصيل الأصحاب في المسائل المذكورة : إرادة عدم ثمرة مترتّبة على العلم بتاريخ أحدهما أصلا.

فإذا فرضنا العلم بموت زيد في يوم الجمعة ، وشككنا في حياة ولده في ذلك الزمان ، فالأصل بقاء حياة ولده ،

______________________________________________________

(لكنّ ظاهر استشهاده بعدم تفصيل الأصحاب في المسائل المذكورة : إرادة عدم ثمرة مترتّبة على العلم بتاريخ أحدهما أصلا) حتى في مجرى الاستصحاب ، ومعلوم : انه إذا لم يكن له ثمرة ، تعارض الأصلان وتساقطا.

والحاصل : ان استدلال صاحب مفتاح الكرامة مغاير لاستشهاده ، وذلك لأن استدلاله يقول : ان أصالة عدم حدوث مجهول التاريخ في زمان معلوم التاريخ ، لا يثبت التأخر ، وهذا هو نفس ما ذكره المصنّف : من ان أصل عدم الحدوث إنّما يجري لترتيب أثر العدم ، لا لاثبات التأخر ، فالعلم بتاريخ أحدهما ينفع شيئا ويثمر.

بينما استشهاد صاحب مفتاح الكرامة يقول : انه لا فرق بين صورتي : الجهل بتاريخهما وتاريخ أحدهما في التوقف عن العمل بالأصل ، فالعلم بتاريخ أحدهما لا ينفع شيئا ولا يثمر ، لأنه مثل : الجهل بتاريخهما في كون الاستصحابين على تقدير جريانهما يتعارضان ويتساقطان ، فاللازم الرجوع إلى قاعدة اخرى ، أو أصل آخر.

وعليه : (فإذا فرضنا العلم بموت زيد في يوم الجمعة ، وشككنا في حياة ولده في ذلك الزمان) بان لم نعلم هل انه حي إلى الجمعة حتى يرث منه ، أو ميّت حتى لا يرث منه؟ (فالأصل بقاء حياة ولده) أي : ولد زيد وعدم حدوث موته

١٣٢

فيحكم له بارث أبيه ، وظاهر هذا القائل عدم الحكم بذلك وكون حكمه حكم الجهل بتاريخ موت زيد أيضا في عدم التوارث بينهما.

وكيف كان : فان أراد هذا القائل ترتيب آثار تأخر ذلك الحادث ، كما هو ظاهر المشهور فانكاره في محلّه ؛ وإن أراد : عدم جواز التمسك باستصحاب عدم ذلك الحادث ، ووجود ضدّه وترتيب جميع آثاره

______________________________________________________

إلى زمان موت زيد الأب (فيحكم له) أي : للولد (بارث أبيه ، و) هذا الحكم على ما اختاره المصنّف.

بينما (ظاهر هذا القائل) وهو صاحب مفتاح الكرامة المنكر لجريان الأصل في مجهول التاريخ هو : (عدم الحكم بذلك) أي : بارث الولد من والده (وكون حكمه) أي : حكم العلم بموت زيد في يوم الجمعة (حكم الجهل بتاريخ موت زيد أيضا في) عدم جريان الاستصحاب فيه ، ممّا ينتج (عدم التوارث بينهما) لأن الاستصحاب إذا لم يجر بالنسبة إلى بقاء أحدهما لا يرث أحدهما من الآخر.

(وكيف كان : فان أراد هذا القائل) أي : صاحب مفتاح الكرامة من إنكار جريان الأصل في مجهول التاريخ : (ترتيب آثار تأخر ذلك الحادث ، كما) ان ترتيب آثار التأخر (هو ظاهر المشهور) من القدماء الذين ـ على ما عرفت ـ يرتبون أثر التأخر لا أثر نفس المستصحب وهو عدم الحدوث (فانكاره في محلّه) لما عرفت من ان الأصل مثبت حينئذ.

(وإن أراد : عدم جواز التمسك باستصحاب عدم ذلك الحادث ، ووجود ضدّه) أي : بأن لا يجوز استصحاب عدم موت الولد ولا استصحاب حياته في المثال (و) لا (ترتيب جميع آثاره) أي : آثار استصحاب عدم موته ،

١٣٣

الشرعيّة في زمان الشك ، فلا وجه لانكاره ، إذ لا يعقل الفرق بين مستصحب علم بارتفاعه في زمان ، وما لم يعلم.

وأمّا ما ذكره من عدم تفصيل الأصحاب في مسألة الجمعتين وأخواتها فقد عرفت ما فيه.

فالحاصل : أنّ المعتبر في مورد الشك في تأخّر حادث عن آخر استصحاب عدم الحادث في زمان حدوث الآخر.

______________________________________________________

وما لاستصحاب حياته من الآثار (الشرعيّة في زمان الشك ، فلا وجه لانكاره) بل اللازم القول بجريان استصحابه وترتيب آثاره الشرعية عليه.

وإنّما لا وجه لانكاره (إذ لا يعقل الفرق بين مستصحب علم بارتفاعه في زمان ، وما لم يعلم) بارتفاعه ، فكما انه لو شك في أصل موت زيد يستصحب حياته ، كذلك لو شك في حياته إلى زمن موت أبيه ، لأن المفروض : ان موت الأب معلوم وحياة ولده وموته مجهول ، فاللازم القول باستصحاب حياة الولد إلى زمان موت أبيه.

(وأمّا ما ذكره) صاحب مفتاح الكرامة : (من عدم تفصيل الأصحاب في مسألة الجمعتين وأخواتها) من بقية مسائل توارد الحادثين ، حيث انهم لم يفصّلوا بين صورتي : الجهل بتاريخهما ، والجهل بتاريخ أحدهما (فقد عرفت ما فيه) من الحمل على صورة الجهل بتاريخهما ، أو غيره من المحامل.

وعلى هذا : (فالحاصل : أنّ المعتبر في مورد الشك في تأخّر حادث عن) حادث (آخر) هو (استصحاب عدم الحادث في زمان حدوث الآخر) في ما كان للاستصحاب أثر.

١٣٤

فان كان زمان حدوثه معلوما ، فيجري أحكام بقاء المستصحب في زمان الحادث المعلوم لا غيرها فإذا علم بتطهّره في الساعة الاولى من النهار ، وشك في تحقّق الحدث قبل تلك الساعة أو بعدها ، فالأصل عدم الحدث فيما قبل الساعة.

لكن لا يلزم من ذلك ارتفاع الطهارة المتحققة في الساعة الاولى ، كما تخيّله بعض الفحول ، وإن كان مجهولا كان حكمه حكم أحد الحادثين المعلوم حدوث أحدهما إجمالا ،

______________________________________________________

وعليه : (فان كان زمان حدوثه) أي : حدوث الآخر (معلوما ، فيجري أحكام بقاء المستصحب) الذي هو في المثال حياة الولد (في زمان الحادث المعلوم) وهو موت الأب (لا غيرها) من الأحكام فلا يترتب عليه أحكام التأخّر (فإذا علم بتطهّره في الساعة الاولى من النهار ، وشك في تحقّق الحدث قبل تلك الساعة أو بعدها) فلم يعلم بأن الحدث قد اتفق له قبل التطهر أو بعده؟ (فالأصل عدم الحدث فيما قبل الساعة) الاولى.

وإنّما الأصل عدم الحدث قبلها لأن الحدث أمر حادث ، ولا نعلم بحدوثه قبل الساعة الاولى ، فنستصحب عدمه (لكن لا) يترتب على استصحاب عدم الحدث تأخّر الحدث عن التطهّر الذي هو عنوان وجودي ممّا يستلزم أن يكون في الحال الحاضر محدثا ، لأنه مثبت ، وإذا كان مثبتا فلا (يلزم من ذلك ارتفاع الطهارة المتحققة في الساعة الاولى ، كما تخيّله بعض الفحول) وهو السيد بحر العلوم.

(وإن كان) زمان حدوث الآخر (مجهولا) أيضا يعني : بان كانا معا مجهولي التاريخ ، لا أن يكون أحدهما معلوم التاريخ (كان حكمه حكم أحد الحادثين المعلوم حدوث أحدهما إجمالا) أي : بأن يعلم ان بين الحادثين حادثا متأخرا

١٣٥

وسيجيء توضيحه.

واعلم : أنّه قد يوجد شيء في زمان ويشك في مبدئه ، ويحكم بتقدّمه ، لأنّ تأخّره لازم لحدوث حادث آخر قبله والأصل عدمه وقد يسمّى ذلك بالاستصحاب القهقري.

مثاله : أنّه إذا ثبت أنّ صيغة الأمر حقيقة في الوجوب في عرفنا ، وشك

______________________________________________________

عن الآخر ولكن لا يعلم شخصه ، وحينئذ يتعارض الأصلان : أصل عدم تقدّم هذا ، وأصل عدم تقدّم ذاك ويتساقطان (وسيجيء توضيحه) في بحث تعارض الاستصحابين إن شاء الله تعالى.

هذا (واعلم) بأن المصنّف قد خرج هنا من الاصول العملية ودخل في الاصول اللفظية مثل : أصل عدم النقل وما أشبه ، علما بأن الأصل فيها حجة وان كان مثبتا ، فقال : (أنّه قد يوجد شيء في زمان) لاحق مثل : كون الأمر حقيقة في الوجوب في عرف زماننا (ويشك في مبدئه) أي : مبدأ وجود ذلك الشيء (ويحكم بتقدّمه) أي : تقدّم ذلك الشيء بأن يحكم مثلا عند الشك في كون الأمر كان حقيقة في الوجوب من أول الأمر ، أو انه نقل إلى الوجوب في عرفنا : بانه كان حقيقة في الوجوب من أول الأمر وقبل زماننا هذا.

وإنّما يحكم بتقدّمه (لأنّ تأخّره لازم لحدوث حادث آخر قبله) وهو في مثالنا : النقل ، وتعدد الوضع (والأصل عدمه) أي : عدم حدوث ذلك الحادث الآخر من النقل وغيره قبله (وقد يسمّى ذلك) أي : الحكم بتقدم الشيء تسمية مجازية : (بالاستصحاب القهقريّ) والياء في القهقريّ مشدّدة لأنها ياء النسبة.

(مثاله : أنّه إذا ثبت أنّ صيغة الأمر حقيقة في الوجوب في عرفنا ، وشك

١٣٦

في كونها كذلك قبل ذلك حتى يحمل خطابات الشارع على ذلك ، فيقال : مقتضى الأصل : كون الصيغة حقيقة في ذلك الزمان بل قبله ، إذ لو كان في ذلك الزمان حقيقة في غيره لزم النقل ، وتعدّد الوضع ، والأصل عدمه.

وهذا إنّما يصح بناء على الأصل المثبت ، وقد استظهرنا سابقا أنّه متّفق عليه في الاصول اللفظية ،

______________________________________________________

في كونها) أي : كون صيغة الأمر كانت (كذلك) حقيقة في الوجوب (قبل ذلك) أي : في زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين (حتى يحمل خطابات الشارع على ذلك) أي : على الوجوب (فيقال : مقتضى الأصل : كون الصيغة حقيقة في ذلك الزمان) أي : زمان الشارع (بل قبله) أي : في زمان الجاهلية أيضا (إذ لو كان في ذلك الزمان حقيقة في غيره) أي : في غير الوجوب (لزم النقل ، وتعدّد الوضع ، والأصل عدمه) أي : عدم كل واحد من النقل ، وتعدّد الوضع.

(وهذا إنّما يصح بناء على الأصل المثبت) وذلك لأن أصالة عدم حدوث النقل ، أو أصالة عدم تعدّد الوضع ، مستلزم عقلا لأن يكون هذا المعنى العرفي لصيغة الأمر الثابت في زماننا على ما في المثال هو الموضوع له أوّلا.

(وقد استظهرنا سابقا) أي : عند دعوانا الاتفاق على اعتبار الاستصحاب في العدميات وحجيته فيها (أنّه متّفق عليه في الاصول اللفظية) فان الاصول اللفظية لازمها وملزومها وملازمها كلها حجة ، لأنها مبنية على بناء العقلاء والظن النوعي ، ومن المعلوم : ان مثبتات أمثال هذه الاصول اللفظية ليست بمثل مثبتات الاستصحاب في الاصول العملية.

هذا كان هو الكلام في المثال الذي مثّله للاصول اللفظية ، واما الكلام في مورد

١٣٧

ومورده : صورة الشك في وحدة المعنى وتعدّده.

أمّا إذا علم التعدّد ، وشك في مبدإ حدوث الوضع المعلوم في زماننا فمقتضى الأصل : عدم ثبوته قبل الزمان المعلوم.

ولذا اتفقوا في مسألة الحقيقة الشرعية على أنّ الأصل فيها : عدم الثبوت.

______________________________________________________

ذلك ، فكما قال : (ومورده : صورة الشك في وحدة المعنى وتعدّده) كالذي مرّ في الأمر ، فانه لو كان في الزمانين متّحد المعنى كان معناه : الوجوب في زماننا وفي السابق أيضا ، ولو كان متعدّد المعنى كان معناه : الوجوب في زماننا وفي السابق غير الوجوب كالاستحباب مثلا.

و (أمّا إذا علم التعدّد ، وشك في مبدإ حدوث الوضع المعلوم في زماننا) كما إذا علمنا بأن معنى الزكاة في اللغة : مطلق النمو ، وفي عرفنا : القدر المخصوص من المال ، وشككنا ان لفظ الزكاة هل نقل إلى المعنى الجديد في زمان الشارع حتى يكون المراد من قوله : «زكّ» : القدر المخصوص ، أو بعد زمان الشارع حتى يكون المراد من قوله : «زك» ، دفع شيء من المال فقط بدون الخصوصيات الزكوية ، فانه إذا شك في ذلك (فمقتضى الأصل : عدم ثبوته قبل الزمان المعلوم) عندنا.

مثلا : إذا علمنا بالنقل في زمان الصادقين عليهما‌السلام ولم نعلم به قبل ذلك ، لزم أن نحمل كلام الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأمير المؤمنين عليه‌السلام على إرادة المعنى اللغوي من الزكاة مثلا (ولذا اتفقوا في مسألة الحقيقة الشرعية على أنّ الأصل فيها : عدم الثبوت) وذلك لأن الحقيقة الشرعية أمر حادث ، فاذا شك فيها فالأصل عدمها ، فتؤخذ الألفاظ بمعانيها اللغوية.

١٣٨

الأمر الثامن :

قد يستصحب صحّة العبادة عند الشك في طروّ مفسد ، كفقد ما يشك في اعتبار وجوده في العبادة أو وجود ما يشك في اعتبار عدمه.

وقد اشتهر التمسك بها بين الأصحاب : كالشيخ ، والحلّي ، والمحقّق ، والعلامة ، وغيرهم.

وتحقيقه وتوضيح مورد جريانه أنّه لا شك ولا ريب في أنّ المراد بالصحة المستصحبة : ليس صحة

______________________________________________________

(الأمر الثامن) في انه هل يصح استصحاب الصحة كما ذكره جماعة أو لا يصح؟ فانه (قد يستصحب صحّة العبادة عند الشك) في أثناء العبادة (في طروّ مفسد) في أثنائها ، والشك في طروّ المفسد في العبادة يكون بأحد وجهين : إمّا بالشك فقد ما يشترط وجوده ، وإمّا بالشك في وجود ما يشترط عدمه.

أمّا الأوّل : فهو ما أشار إليه بقوله : (كفقد ما يشك في اعتبار وجوده في العبادة) بأن يشك هل انحرف عن القبلة ـ مثلا ـ أثناء الصلاة أم لا؟ أو يشك بانه هل وقع ستره أثناء الصلاة ـ أم لا؟ أو ما أشبه ذلك.

وأمّا الثاني : فهو كما قال : (أو وجود ما يشك في اعتبار عدمه) كما إذا شك في انه هل وقع على جسمه أو ثوبه نجاسة ، أو لم يقع على شيء منهما نجاسة؟.

هذا (وقد اشتهر التمسك بها) أي : بالصحة المستصحبة فيما (بين الأصحاب : كالشيخ ، والحلي ، والمحقق ، والعلامة ، وغيرهم) من المتقدمين والمتأخرين من الفقهاء.

(و) اما (تحقيقه وتوضيح مورد جريانه) أي : جريان استصحاب الصحة فهو كما قال : (أنّه لا شك ولا ريب في أنّ المراد بالصحة المستصحبة : ليس صحة

١٣٩

مجموع العمل ، لأنّ الفرض : التمسّك به عند الشك في الأثناء.

وأمّا صحة الأجزاء السابقة فالمراد بها إمّا موافقتها للأمر المتعلّق بها وإمّا ترتيب الأثر عليها.

أمّا موافقتها للأمر المتعلّق بها ، فالمفروض أنّها متيقّنة ، سواء فسد العمل أم لا ، لأنّ فساد العمل لا يوجب خروج الأجزاء المأتيّ بها على طبق الأمر المتعلّق بها عن كونها كذلك ، ضرورة عدم انقلاب الشيء

______________________________________________________

مجموع العمل ، لأنّ الفرض : التمسّك به) أي : بهذا الاستصحاب (عند الشك في الأثناء) أي : في أثناء العمل وحينئذ فان مجموع العمل لم يتحقق بعد حتى يقال : بانه صحيح أو ليس بصحيح.

(وأمّا صحة الأجزاء السابقة) على طروّ ما يشك في انه مفسد أو غير مفسد (فالمراد بها) أي : بصحة الأجزاء السابقة أحد معنيين : (إمّا موافقتها للأمر المتعلّق بها) أي : بتلك الأجزاء (وإمّا ترتيب الأثر عليها) أي : صلاحيتها لالتحاق الأجزاء الآتية بها.

(أمّا موافقتها للأمر المتعلّق بها ، فالمفروض أنّها متيقّنة) لا مشكوكة ، لفرض انه أتى بالأجزاء السابقة على النحو المأمور به ، فهي موافقة للأمر (سواء فسد العمل) بعد تلك الاجزاء بسبب طروّ المفسد عليه (أم لا) بان لم يفسد.

وكيف كان : فالأجزاء السابقة مطابقة للأمر قطعا (لأنّ فساد العمل لا يوجب خروج) ما سبق من (الأجزاء المأتيّ بها على طبق الأمر) أي : الأمر الشرعي (المتعلّق بها) أي : بتلك الاجزاء ، فان طروّ الفساد لا يخرجها (عن كونها كذلك) أي : عن كون الأجزاء السابقة مطابقة للأمر ، وذلك (ضرورة عدم انقلاب الشيء

١٤٠