الوصائل إلى الرسائل - ج ٢

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-01-5
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

المعلومة عند المخاطب الصارفة لظاهر الكلام ليست ممّا يحصل الظنّ بانتفائها بعد البحث والفحص ، ولو فرض حصول الظنّ من الخارج بارادة الظاهر من الكلام لم يكن ذلك ظنّا مستندا إلى الكلام ، كما نبّهنا عليه في أوّل البحث.

______________________________________________________

ارادة هذا المولى : الفاسق ، وقد لا يكون المولى كذلك ، بأن يرى العالم العادل والفاسق سواء.

وممّا ذكرنا : تبيّن انّ قول المصنّف قدس‌سره «وما اعتمد» عطف بيان لقوله : «القرائن الحالية» لانّ القرائن الحاليّة لا تخلو عن هذه الامور الاربعة : العقليّة ، أو النقليّة ، الكلّيّة ، أو الجزئية(المعلومة عند المخاطب ، الصارفة لظاهر الكلام) عمّا يظهر فيه ، إلى موضع القرينة فانّها(ليست ممّا يحصل الظّن بانتفائها بعد البحث والفحص) ولو فرض حصول الظنّ ، لم يكن مثل هذا الظنّ حجّة عند العقلاء.

والحاصل : انّه لا وجه لحصول الظنّ بارادة الظاهر لمن لم يقصد افهامه (ولو فرض حصول الظّن من الخارج) لأمر خارج عن الكلام ، اورث ظن الشخص الثالث الّذي لم يكن مخاطبا فظنّ بسبب تلك القرينة الخارجية(بارادة الظاهر من الكلام ، لم يكن ذلك ظنّا مستندا إلى الكلام) حتّى يكون من الظنون النوعيّة العقلائية ، بل هو ظنّ مستند إلى دليل خارجي ، ومثل هذا الظنّ خارج عن المبحث (كما نبّهنا عليه في اوّل البحث) حيث قلنا : بانّ الظهور اللفظي ليس حجّة إلّا من باب الظنّ النوعي ، وهو كون اللفظ بنفسه ، أي لا بالدليل الخارجي مفيدا للظنّ ، وعليه : فالظنّ الخارجي الّذي ليس نوعيا لا يكون حجّة بين المولى والعبد حتّى يحتج العبد به على المولى ، أو يحتج المولى به على العبد.

٢٦١

وبالجملة : فظواهر الالفاظ حجّة ، بمعنى عدم الاعتناء باحتمال إرادة خلافها ، اذا كان منشأ ذلك الاحتمال غفلة المتكلّم في كيفية الافادة او المخاطب في كيفية الاستفادة ، لأنّ احتمال الغفلة ممّا هو مرجوح في نفسه ومتّفق على عدم الاعتناء به في جميع الامور

______________________________________________________

(وبالجملة) ففي توجيه كلام القوانين ، نقول : (فظواهر الألفاظ حجّة ، بمعنى : عدم الاعتناء باحتمال ارادة خلافها) أي خلاف الظواهر(اذا كان منشأ ذلك الاحتمال ، غفلة المتكلّم) أو خطئه ، أو نسيانه ، أو جهله (في كيفيّة الافادة) بان اراد ما ليس بظاهر من الكلام ، لكنه نسي ، أو غفل ، أو جهل ، أو ما اشبه فلم ينصب القرينة لمراده ، (أو المخاطب في كيفية الاستفادة) بان لم يلتفت إلى القرينة ، لجهل ، أو غفلة ، أو نسيان ، أو خطأ ، أو ما اشبه ، فالمراد هنا ـ باتفاق أهل اللسان ، على حجّيّة الظواهر يكون حجّة على المخاطب لأنّهم يرون الظواهر حجّة فيما اذا كان هناك احتمال الغفلة او الخلاف ، او ما اشبه سواء في المتكلّم أو المخاطب ، ويبنون على خلاف هذا الاحتمال ، ولهذا تراهم ياخذون بالظاهر ولا يعتنون بمثل هذا الاحتمال (لانّ احتمال الغفلة) وما اشبهها(ممّا هو مرجوح في نفسه) فانّ امثال هذه الاحتمالات ، المصادمة لحصول الظنّ النوعي بارادة الظاهر ، احتمالات ضعيفة والعقلاء لا يعملون بالاحتمالات الضعيفة ، لا في الافادة والاستفادة من الاقوال ، ولا في الأعمال.

(و) لذا قال المصنّف قدس‌سره : انّ مثل هذا الاحتمال (متّفق على عدم الاعتناء به في جميع الأمور) فلا يحقّ للمولى العقاب مستندا إلى مثل هذا الاحتمال ، كما لا يحق للعبد ترك العمل بأوامر المولى ونواهيه معتمدا عليه ، فانّه يحقّ للمولى عقابه حينئذ إلّا اذا كان للمولى طريقة خاصة به وقد بيّن تلك الطريقة ، فهو خارج

٢٦٢

دون ما إذا كان الاحتمال مسبّبا عن اختفاء امور لم تجر العادة القطعيّة او الظنّيّة بأنّها لو كانت لوصلت إلينا.

ومن هنا ظهر : أنّ ما ذكرنا سابقا ، من اتّفاق العقلاء والعلماء على العمل بظواهر الكلام في الدعاوي والأقارير والشهادات والوصايا والمكاتبات ،

______________________________________________________

عن المبحث.

(دون ما إذا كان الاحتمال مسببا عن اختفاء أمور لم تجر العادة القطعيّة ، أو الظنيّة ، بانّها لو كانت لوصلت الينا) وهذا عطف على قوله : «اذا كان منشأ ذلك الاحتمال غفلة المتكلّم» ، أي اذا كان الاحتمال ، مسببا عن اختفاء القرائن ، بالنسبة إلى الشخص الثالث ، الّذي لم يكن مخاطبا ، لم يكن بناء العقلاء على اصالة عدمها ، وذلك لانّه لم تجر عادة العقلاء ـ لا عادة قطعيّة ، ولا عادة ظنية ـ على أصالة عدم القرائن بالنسبة إلى الشخص الثالث ، فلا يكون الظاهر حجّة للشخص الثالث مع هذا الاحتمال.

ثمّ انّ قوله : «القطعيّة أو الظنيّة» انّما هو لانّ العادة قد تكون غالبة تورث الظنّ ، وقد تكون دائمة تورث القطع ، مثلا ـ اذا كان الغالب انّ زيدا يأتي مع عبده ، فاذا أتى هو ولم نر عبده ، ظننا بانّه جاء مع عبده ، وانّما لم نره نحن ، امّا اذا كان دائما يأتي مع عبده ، فانّه اذا أتى ولم نر عبده ، قطعنا بانّ عبده جاء أيضا.

(ومن هنا) أي من هذا التوجيه الّذي وجهنا به كلام صاحب القوانين (ظهر : انّ ما ذكرنا سابقا ـ من : اتفاق العقلاء) بما هم عقلاء(والعلماء) بما هم علماء ، وقد عرفت ـ فيما سبق ـ انّ العلماء اخصّ من العقلاء(على العمل بظواهر الكلام ، في الدعاوي ، والاقارير ، والشهادات ، والوصايا ، والمكاتبات)

٢٦٣

لا ينفع في ردّ هذا التفصيل ، إلّا أن يثبت كون أصالة عدم القرينة حجّة من باب التعبّد ، ودون إثباتها خرط القتاد.

______________________________________________________

والانشاءات ، والاخبارات (ـ لا ينفع في رد هذا التفصيل) من الميرزا القمّي ، وذلك لانّ كلامنا السابق كان بالنسبة إلى الشخص الّذي اريد افهامه لا بالنسبة إلى الشخص الثالث الّذي لم يرد افهامه ، فانّ هذه الظواهر ليست حجّة بالنسبة اليه ، لانّه لا أصل بالنسبة إلى الشخص الثالث ينفي احتمال وجود قرينة على خلاف الظاهر ، اختفت تلك القرينة عند هذا الشخص الثالث ، حتّى يكون الظاهر حجّة بالنسبة اليه.

(إلّا ان يثبت كون اصالة عدم القرينة حجّة من باب التعبد) أي يقول العقلاء : باجراء اصالة عدم القرينة ، سواء كان هناك ظنّ نوعي ، أو لم يكن ، وحينئذ : فلا فرق في استفادة المراد من الظواهر ، بين من قصد افهامه ، ومن لم يقصد افهامه ، (ودون اثباتها) أي اصالة عدم القرينة مطلقا(خرط القتاد) فكما انّ خرط القتاد من اصعب الامور ، كذلك اثبات الحجّيّة التعبديّة ، بالنسبة إلى الظواهر يكون من اصعب الأمور.

والحاصل : هل انّ العقلاء يحكمون بحجيّة الظواهر ، من باب افادتها الظنّ النوعي ، او من باب انّه ظاهر ، سواء افاد الظنّ النوعي ام لا؟.

الأوّل : هو مقتضى ما يظهر من العقلاء.

أما الثاني : فبعيد جدا.

والفرق بين الأوّل والثاني هو : ان الأوّل : طريقي ، بينما الثاني : موضوعي.

مثلا : العقلاء عند ما يحكمون : بان معاملة الانسان محكومة بالصحة ، هل لانها طريق الى رضاه القلبي ، أو لانها معاملة لفظية فقط؟.

٢٦٤

ودعوى «أنّ الغالب اتصال القرائن ، فاحتمال اعتماد المتكلّم على القرينة المنفصلة مرجوح لندرته» مردودة : بأنّ من المشاهد المحسوس تطرّق

______________________________________________________

والظاهر من حال العقلاء : الأوّل ، فاذا لم تكن المعاملة ظاهرة الطريقية ، نوعا لا يحكمون بصحتها.

نعم ، في بعض المواضع يكون حكمهم بالموضوعية ، اي التعبدية كالوقوف أمام اشارات المرور الحمراء ، فانّ لها موضوعية من باب ضرب القانون حتى لو علم الانسان بانه ليس هناك ما يخشى الاصطدام بسببه.

(و) ان قلت : انكم نفيتم حجية الظواهر بالنسبة الى الشخص الثالث ، بحجة احتمال وجود قرائن عقلية أو نقلية ، كلية او جزئية ، لكن الاصل : عدم وجود امثال هذه القرائن بالنسبة للشخص الثالث ايضا فلا يعتني بها ، وذلك ب(دعوى :

«ان الغالب اتصال القرائن ، فاحتمال اعتماد المتكلم على القرينة المنفصلة ، مرجوح لندرته»).

اي : انّا وان سلمنا ان مناط الحجية هو : الظن ، دون التعبد ، الّا ان الظن بارادة الظاهر ظنا نوعيا ، كما يحصل لمن قصد افهامه لمرجوحية احتمال الغفلة على ما تقدّم ـ كذلك يحصل الظن لمن لم يقصد افهامه ، لمرجوحية احتمال اختفاء القرينة المنفصلة ، لانها نادرة الوجود ، من غير فرق بين ان تكون القرينة ، منفصلة حالا ، او مقالا ، كليا ، أو جزئيا.

فمطلق اصالة عدم القرينة محكم ، سواء كانت القرينة متصلة ، أو منفصلة ، حالية أو مقالية.

قلت : هذه الدعوى (مردودة : بان من المشاهد المحسوس تطرّق) اي :

٢٦٥

التقييد والتخصيص إلى أكثر العمومات والاطلاقات مع عدم وجوده في الكلام ، وليس الّا لكون الاعتماد في ذلك كلّه على القرائن المنفصلة ، سواء كانت منفصلة عند الاعتماد كالقرائن العقليّة والنقليّة الخارجيّة أم كانت مقاليّة متصلة ، لكن عرض لها الانفصال بعد ذلك ، لعروض التقطيع للأخبار او حصول التفاوت من جهة النقل بالمعنى او غير ذلك.

______________________________________________________

عروض (التقييد والتخصيص الى اكثر العمومات والاطلاقات ، مع عدم وجوده) اي ذلك التقييد أو التخصيص (في الكلام) متصلا.

(وليس) ذلك التطرق (الّا لكون الاعتماد في ذلك) اي الاكثر(كلّه على القرائن المنفصلة سواء كانت منفصلة) من الأوّل اي (عند الاعتماد) ووقت التكلم (كالقرائن) الحالية والمقالية(العقلية والنقلية الخارجية) كما تقدمت الامثلة لذلك (أم كانت مقالية متصلة ، لكن عرض لها الانفصال بعد ذلك ، لعروض التقطيع للأخبار) ، فاذا قال المولى ـ مثلا ـ : اغتسل للجنابة والجمعة ، فالراوي قال مرة : اغتسل للجنابة ، وقال مرة أخرى : اغتسل للجمعة ، فان قرينة السياق الظاهرة في الوجوب قد انعدمت بسبب التقطيع ، ولذا لم يكن لظهور الوجوب بالنسبة الى غسل الجمعة تلك القوة التي كانت لو لم يقطع الخبر.

(أو حصول التفاوت من جهة النقل بالمعنى) «أو» عطف على «الانفصال» ، اي : عرض حصول التفاوت ، بأن قال المولى ـ مثلا ـ : المؤمن ، فنقله الراوي بالمعنى : الى المسلم مما يشمل المؤمن وغير المؤمن ، أو قال المولى : المسلم ، فنقله الراوي : الى المؤمن ، مما لا يشمل غير المؤمن من المسلم ، فمن الواضح : أن المولى اراد العام والنقل بالمعنى أفاد الخاص ، او بالعكس.

(أو غير ذلك) كما اذا قال المولى : اكرم المؤمن وأطع العالم الّا الفاسق ، فزعم

٢٦٦

فجميع ذلك ممّا لا يحصل الظنّ بأنّها لو كانت لوصلت إلينا.

مع إمكان أن يقال : إنّه لو حصل الظنّ لم يكن على اعتباره دليل خاصّ ، نعم ، الظنّ الحاصل في مقابل احتمال الغفلة الحاصلة للمخاطب او المتكلم ممّا أطبق عليه العقلاء

______________________________________________________

الراوي ان الاستثناء مرتبط بالجملتين ، فجاء بالاستثناء بعد كل جملة جملة ، بينما لم يرد المولى الّا الاستثناء من الجملة الأخيرة ، أو عكس ذلك.

(فجميع ذلك) اي التقطيع والنقل بالمعنى وغيرهما(مما لا يحصل الظن بانها لو كانت لوصلت الينا) اي الى من لم يكن مقصودا بالافهام وهو الشخص الثالث ، بينما هذه الأمور لا تجري بالنسبة الى المقصود بالافهام ، سواء كان بعيدا أو قريبا ، حاضرا في مجلس الخطاب ، أو غائبا عنه.

والحاصل : ان شيوع القرائن المنفصلة ، على انحائها المختلفة ، يمنع من حصول الظن بارادة الظاهر ، لمن لم يقصد افهامه ، فتكون الظواهر ليست حجة بالنسبة اليه ، واذا تمّ هذا الكلام ، كانت النتيجة : حجية الظن من باب الانسداد ، كما يقوله صاحب القوانين.

هذا(مع امكان ان يقال) توجيها لكلام القوانين : (انه لو حصل الظن) بانتفاء القرينة المنفصلة ، وارادة المولى الظاهر حتى بالنسبة الى من لم يقصد افهامه (لم يكن على اعتباره دليل خاص) اذ قد عرفت ان الدليل ، وهو بناء العقلاء قام على أصالة عدم الغفلة ، والسهو ، والنسيان ، والخطأ ، وما اشبه ، ولم يقم على اصالة عدم القرينة المنفصلة.

(نعم ، الظن الحاصل في مقابل احتمال الغفلة ، الحاصلة) تلك الغفلة(للمخاطب ، أو المتكلم) فهذا الظن (ممّا أطبق عليه العقلاء) والعلماء بصورة

٢٦٧

في جميع أقوالهم وأفعالهم ، هذا غاية ما يمكن من التوجيه لهذا التفصيل.

ولكنّ الانصاف : انّه لا فرق في العمل بالظهور اللفظيّ وأصالة عدم الصارف عن الظاهر بين من قصد إفهامه ومن لم يقصد ،

______________________________________________________

خاصة(في جميع اقوالهم وافعالهم).

فالنتيجة : هي حجية الظن النوعي بارادة الظاهر الحاصل لمن قصد افهامه ، دون الظن الحاصل للشخص الثالث ، الذي لم يقصد افهامه ، ولو كان حاضرا في مجلس الخطاب ، فكيف بمن كان بعيدا عن مجلس الخطاب زمانا أو مكانا.

(هذا غاية ما يمكن من التوجيه لهذا التفصيل) الذي ذكره القوانين.

(ولكن الانصاف) وأصله من النصف ، لان المنصف يعطي ما لطرفه من الحق ، ويأخذ ما لنفسه من الحق ، فكأنه نصّف الأمر بين نفسه وبين طرفه ، بخلاف المجحف ، حيث يأخذ الكل ، اما الايثار وهو اعطاء كل الحق للطرف الآخر ، فهو ايضا محبوب ، بالنسبة الى بعض الموارد دون بعض ـ على ما قررناه ، في «الفقه : الآداب والسنن» (١) وغيره.

وكيف كان : ف(انه لا فرق في العمل بالظهور اللفظي ، وأصالة عدم الصارف عن الظاهر ، بين من قصد إفهامه ومن لم يقصد) افهامه ، بل الظهور حجة ، حتى بالنسبة الى من قصد عدم افهامه ، كما اذا أقرّ زيد لعمرو : بان عمرو يطلبه دينارا ، واراد عدم إفهام الثالث ، فاذا سمع الثالث كلامه ، وشهد عند الحاكم ، وحكم الحاكم على المقر ، اذا كانت الشهادة جامعة للشرائط ، وهنا يكن للمقرّ أن يقول قصدت عدم افهام الشاهد ، والعقلاء يؤيدون رأي القاضي الحاكم عليه ، لا المقرّ ،

__________________

(١) ـ راجع موسوعة الفقه : ج ٩٤ ـ ٩٧ للشارح.

٢٦٨

فانّ جميع ما دلّ من اجماع العلماء وأهل اللسان على حجيّة الظواهر بالنسبة إلى من قصد إفهامه جار فيمن لم يقصد ، لأنّ أهل اللسان اذا نظروا إلى كلام صادر من متكلّم إلى مخاطب يحكمون بارادة ظاهره منه إذا لم يجدوا قرينة صارفة بعد الفحص في مظانّ وجودها ، ولا يفرّقون في استخراج مرادات المتكلّمين بين كونهم مقصودين بالخطاب وعدمه ، فاذا وقع المكتوب الموجّه من شخص إلى شخص بيد ثالث ، فلا يتأمّل في استخراج مرادات المتكلّم من الخطاب المتوجّه إلى المكتوب إليه ،

______________________________________________________

المعتذر بعدم قصده افهام الثالث ، وعليه : (فان جميع ما دل من : اجماع العلماء ، واهل اللسان على حجية الظواهر ، بالنسبة الى من قصد افهامه ، جار فيمن لم يقصد) إفهامه ، او قصد عدم إفهامه في غير مثل الرمز ونحوه ، حيث يكون الحق حينئذ مع المقرّ ، لا مع القاضي ، الذي يحكم عليه.

وذلك (لان اهل اللسان ، اذا نظروا الى كلام صادر من متكلم الى مخاطب ، يحكمون بارادة ظاهره منه) ولا يلاحظون انه قصد افهامه أو لم يقصد افهامه أو قصد عدم افهامه (اذا لم يجدوا قرينة صارفة ، بعد الفحص في مظانّ وجودها) أي وجود القرينة المحتملة ، (ولا يفرّقون في استخراج مرادات المتكلّمين ، بين كونهم) أي اهل اللسان (مقصودين بالخطاب وعدمه) وبين كونهم غير مقصودين بالافهام ، وعدمه بان كانوا مقصودين بعدم الافهام ، اذ القصد واللاقصد لا مدخلية له في البناء العقلائي ، وانّما المدخلية للظهور وعدمه ، وعليه : (فاذا وقع المكتوب الموجّه من شخص الى شخص ، بيد ثالث ، فلا يتأمّل) الشخص الثالث (في استخراج مرادات المتكلم من الخطاب المتوجه الى المكتوب اليه) بل يستخرج مراد المتكلم من نفس الكتاب ، مع انه لم يكن مقصودا بالخطاب ،

٢٦٩

فاذا فرضنا اشتراك هذا الثالث مع المكتوب إليه فيما أراد المولى منهم ، فلا يجوز له الاعتذار في ترك الامتثال بعدم الاطلاع على مراد المولى ، وهذا واضح لمن

______________________________________________________

وانّما كان المقصود بالخطاب هو المكتوب اليه ، خصوصا اذا كان مراده أمرا سرا ، ولذا اذا حصل الحاكم ، على كتاب مرسل من زيد الى عمرو ، يحثّه فيه باغتيال بكر ، احضر الحاكم الكاتب والمكتوب ، اليه ، وسألهما عن قصدهما ، وانه لما ذا أمره بذلك؟ ، والمقصود من احضار الحاكم لهما : احضارهما للاستفسار ، لا ان الحاكم يرتب الاثر الشرعي : من عقوبة الكاتب ، أو المكتوب اليه ، ومن الواضح ان الاثر الشرعي انّما هو للبيّنة ، والاقرار ، ولعلم الحاكم ، في الموارد التي جعل الشارع علم الحاكم حجّة ـ على ما ذكرناه في كتاب «القضاء» (١) وغيره.

(فاذا فرضنا اشتراك هذا الثالث) الذي لم يكن مقصودا بالتفهيم (مع المكتوب اليه ، فيما اراد المولى منهم) لكن لا ارادة بتفهيم ، وانّما ارادة بحكم (فلا يجوز له) اي للثالث الذي لم يقصد افهامه وان كان مشتركا في التكليف (الاعتذار في ترك الامتثال ، بعدم الاطلاع على مراد المولى) ، فاذا كان للمولى عبيد ، وقال ذات مرة : ان التكليف على الكل سواء ، ثم كتب لاحدهم يجب عليك القيام عند مجيء العالم ، أو قال له ذلك مشافهة ، فانه اذا سمع عبد آخر هذا الكلام ، أو قرء الكتاب ، فانه لا يشك في وجوب القيام عليه ايضا : عند مجيء العالم ، فاذا لم يقم ، واعتذر : بأن الكتاب أو الخطاب لم يكن موجها اليه ، لا يقبل المولى منه ، واستحق العقاب عند العرف ، لمخالفته أمر مولاه ، (وهذا واضح لمن

__________________

(١) ـ راجع موسوعة الفقه : ج ٨٤ ـ ٨٥ للشارح.

٢٧٠

راجع الأمثلة العرفيّة ، هذا حال أهل اللسان في الكلمات الواردة إليهم.

وأمّا العلماء ، فلا خلاف بينهم في الرجوع إلى أصالة الحقيقة في الألفاظ المجرّدة عن القرائن الموجّهة من متكلّم إلى مخاطب ، سواء كان ذلك في الأحكام الجزئية كالوصايا الصادرة عن الموصي المعيّن إلى شخص معيّن ، ثم مسّت الحاجة إلى العمل بها مع فقد الموصى اليه ،

______________________________________________________

راجع الأمثلة العرفية).

و (هذا) الذي ذكرناه (حال اهل اللسان في الكلمات الواردة اليهم) من غير فرق بين اللغة العربية وسائر اللغات.

بل وكذلك الحال بالنسبة الى الترجمة ، فيما اذا تكلم بالعربية مع انسان ، وعلم انسان فارسي انه مشترك معه بالتكليف ، فانه يجب عليه الاطاعة ، وان لم يكن مخاطبا ، لوحدة الملاك فيما ذكرناه في كل اللغات وتراجمها.

بل وكذلك وحدة الملاك في الكتابة والخطاب والاشارة.

(واما العلماء فلا خلاف بينهم في الرجوع الى) الظواهر التي تستفاد من الكتاب ، والخطاب ، وذلك لاجرائهم (اصالة الحقيقة في الألفاظ المجردة عن القرائن ، الموجهة من متكلم الى مخاطب) ، وكذلك بالنسبة الى المجازات المستفادة من القرائن ، وهكذا حال الالفاظ المشتركة ، التي يستفاد من القرائن ارادة هذا المعنى أو ذاك.

(سواء كان ذلك في الاحكام الجزئية ، كالوصايا الصادرة عن الموصي المعيّن ، الى شخص معيّن) بوصية لفظية ، أو كتبية ، او بالاشارة(ثم مسّت الحاجة الى العمل بها ، مع فقد الموصى اليه) أو موته أو جنونه ، أو ما اشبه ، مثلا : اذا كتب زيد يوصي عمرو : بان يعطي من تركته بعد موته ، خمس سنوات صلاة قضاء ،

٢٧١

فانّ العلماء لا يتأمّلون في الافتاء بوجوب العمل بظاهر ذلك الكلام الموجّه إلى الموصى إليه المقصود وكذا في الاقارير ، ام كان في الأحكام الكليّة ، كالأخبار الصادرة عن الأئمّة عليهم‌السلام ، مع كون المقصود منها تفهيم مخاطبهم لا غير ،

______________________________________________________

وخمسة اشهر صيام ، وحجّة اسلام ، لكن عمرو مات قبل ان ينفّذ الوصية ، فان العالم يعين وصيا آخر ، لتنفيذ الوصية ـ بعد ظهور الوصية في عدم الخصوصية ـ (فان العلماء ، لا يتأملون في الافتاء بوجوب العمل بظاهر ذلك الكلام ، الموجه الى الموصى اليه المقصود) بالتفهيم.

(وكذا) الحال (في الأقارير) والشهادات ، والدعاوي ، والاخبارات والانشادات والأيمان ، وغيرها ، كما اذا حلف او نذر أو عاهد : على ان الله ان شافى ولده ذبح شاة ، ثم شوفي الولد ، ومات الحالف ، او الناذر ، او المعاهد قبل الاداء ، لزم على الوصي ونحوه اخراج الشاة وذبحها ، لانه صار واجبا عليه ، وهكذا اذا قال لزوجته بالشروط المقررة للطلاق : انت طالق ، فان الأجنبي يتمكن من تزويجها بعد انقضاء العدة ، او مباشرة اذا لم تكن لها عدة ، وكذلك اذا أجرى صيغة النكاح خفية ، فيما اذا كان الزوجان يريدان ان لا يطلع على ذلك احد ، فان ولد الرجل وأباه ، يجوز لهما النظر الى تلك المرأة.

(أم كان في الاحكام الكلية ، كالأخبار الصادرة عن الأئمة عليهم‌السلام) فيما اذا كان الحكم مشتركا بين المؤمنين ، أو بين المسلمين (مع كون المقصود منها) اي من تلك الأحكام (تفهيم مخاطبهم لا غير) فيما اذا لم يكن الحكم خاصا ، اما لو كان الحكم خاصا كما اذا قال الامام الصادق عليه‌السلام لعبده : تاجر ، أو ما اشبه ، فانه لا يشمل الغير ، لان الحكم لم يكن مشتركا.

٢٧٢

فانّه لا يتأمّل أحد من العلماء في استفادة الأحكام من ظواهرها معتذرا بعدم الدليل على حجيّة أصالة عدم القرينة بالنسبة الى غير المخاطب ومن قصد إفهامه.

ودعوى : «كون ذلك منهم للبناء على كون الأخبار الصادرة عنهم عليهم‌السلام ، من قبيل تأليف المصنّفين» ، واضحة الفساد ،

______________________________________________________

وعلى اي حال : (فانه لا يتأمل احد من العلماء ، في استفادة الاحكام من ظواهرها) أي من ظواهر الأخبار الواردة عنهم عليهم‌السلام ، سواء كان بالقول ، أو الفعل ، أو التقرير ، ولا حق لاحد في ان لا يعمل بالظواهر(معتذرا بعدم الدليل على حجية أصالة عدم القرينة بالنسبة الى غير المخاطب و) غير(من قصد افهامه) فان هذا العذر لا يقبل منه.

والحاصل : ان من قصد إفهامه ، أو لم يقصد إفهامه ، يجب عليه العمل بظواهر الأخبار ، بعد ورود الدليل بكون الاحكام مشتركة بين الكل.

(ودعوى) المحقق القمي (كون ذلك) وجوب العمل بالاخبار(منهم) أي من العلماء(للبناء على كون الاخبار الصادرة عنهم عليهم‌السلام من قبيل تأليف المصنفين) فالكل يجب عليهم العمل ، لان الكل مقصودون بالخطاب (واضحة الفساد) ، لانا نقطع بالوجدان بانهم يعملون بظواهر الاخبار ، لكن لا لأن الكل مقصودون بالافهام ، بل لحجية الظواهر مطلقا ، وليس قطعنا بذلك اعتباطا ، بل لانه طريقة العقلاء في الاستفادة من ظواهر الكلمات ، وان لم يكونوا مقصودين بالخطاب ـ كما عرفت ـ لكن بشرط ان يكونوا مشتركين في التكليف ، فالظهور والاشتراك كاف في تعدي الحكم ، الى الشخص الثالث ، ولا حاجة الى أن يكون الثالث مقصودا بالخطاب ، كما ادعاه المحقق القمي.

٢٧٣

مع أنّها لو صحّت لجرت في الكتاب العزيز ، فانّه أولى بأن يكون من هذا القبيل ، فيرتفع ثمرة التفصيل المذكور ، لأنّ المفصّل اعترف بأنّ ظاهر الكلام الذي هو من قبيل تأليف المؤلفين حجّة بالخصوص ، لا لدخوله في

______________________________________________________

(مع انها) اي هذه الدعوى (لو صحّت ، لجرت في الكتاب العزيز ، فانّه اولى بأن يكون من هذا القبيل) فانه لو كانت الأخبار ، من قبيل تأليف المصنفين ، يقصد بها الكل ، فالقرآن الحكيم أيضا من هذا القبيل ، بل هو أولى من الاخبار ، لان القرآن الحكيم نزل لعمل الكل ، وقد قال سبحانه : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً ...)(١).

فاذا قلنا ، بحجية ظواهر الآيات والاخبار على الكل ، لكونهم مقصودين بالافهام ، فلا يبقى ثمرة لتفصيل المحقق القمي : بين من قصد افهامه ، ومن لم يقصد افهامه ، اذ على هذا الفرض ، لا وجود أصلا لمن لم يقصد افهامه بالنسبة الى محل البحث وهو : القرآن الحكيم ، والأخبار الواردة عنهم عليهم‌السلام ، حيث ان المحقق القمي ، أراد إسقاط الظواهر عن الحجية ، من باب الظنون الخاصة ، ليتمسك بها من باب الانسداد والظن العام.

وعلى هذا(فيرتفع ثمرة التفصيل المذكور) الذي ذكره المحقق القمي ، بين من قصد افهامه وبين من لم يقصد افهامه (لأنّ المفصّل) وهو المحقق القمي قدس‌سره (اعترف : بأن ظاهر الكلام ، الذي هو من قبيل تأليف المؤلفين حجة بالخصوص) اي من باب الظن الخاص ، وقد كان من هذه الكبرى : صغرى القرآن الحكيم ، والاخبار الواردة عنهم عليهم‌السلام ، (لا لدخوله في

__________________

(١) ـ سورة سبأ : الآية ٢٨.

٢٧٤

مطلق الظنّ ، وإنّما كلامه في اعتبار ظهور الكلام الموجّه إلى مخاطب خاصّ بالنسبة إلى غيره.

والحاصل : أنّ القطع حاصل لكل متتبّع في طريقة فقهاء المسلمين ، بانّهم يعملون بظواهر الأخبار من دون ابتناء ذلك على حجيّة الظنّ المطلق الثابتة بدليل الانسداد ، بل يعمل بها من يدّعي الانفتاح وينكر العمل بأخبار الآحاد ، مدّعيا كون معظم الفقه معلوما بالاجماع والأخبار المتواترة.

______________________________________________________

مطلق الظن) فان تأليف المصنفين من باب الظن الخاص عنده ، لا الظن المطلق.

(وانّما كلامه) وخلافه مع المشهور : (في اعتبار ظهور الكلام الموجه الى مخاطب خاص) حيث انه لا يرى : حجية مثل هذا الكلام للشخص الثالث ، الّا من باب الظن المطلق ، فبنظره انه اذا كان الكلام موجها الى شخص خاص ، سواء كان لفظا ، أو اشارة ، أو كتابة ، لا يكون حجة(بالنسبة الى غيره) أي غير المخاطب ، الّا من باب الظن العام ، وقد انتفت هذه الفائدة لما عرفت.

(والحاصل : ان القطع حاصل لكل متتبع في طريقة فقهاء المسلمين) من العامة والخاصة(بأنهم يعملون بظواهر الأخبار) كما انهم يعملون بظواهر القرآن (من دون ابتناء ذلك) اي عملهم على ظواهر القرآن والاخبار(على حجّية الظن المطلق الثابتة) تلك الحجية(بدليل الانسداد بل يعمل بها) أي بالظواهر(من يدعي الانفتاح) لباب العلم كالسيد المرتضى وغيره (وينكر العمل بأخبار الآحاد ، مدعيا كون معظم الفقه معلوما بالاجماع والاخبار المتواترة) ، فان الفقهاء ـ سواء منهم من يدعي العلم في أكثر الاحكام ، كالسيد المرتضى ، أو من يدعي منهم الظن الخاص بالاحكام ، كالمشهور ـ يعملون بالظواهر من جهة انها ظواهر ،

٢٧٥

ويدلّ على ذلك أيضا سيرة أصحاب الأئمة عليه‌السلام ، فانّهم كانوا يعملون بظواهر الأخبار الواردة إليهم ، كما يعملون بظواهر الأقوال التي يسمعونها من أئمتهم عليهم‌السلام ، لا يفرّقون بينهما الّا بالفحص وعدمه ، كما سيأتي.

______________________________________________________

لا من جهة انهم مقصودون بالخطاب ، وعليه : فالمنكر لحجية الخبر الظني السند ، كالسيد المرتضى أيضا لا يقول بانحصار الحجية ، للمقصود بالخطاب فقط ، فكيف من يقول : بحجية الخبر ، الظني السند ، فانه أولى ان لا يقول : بانحصار الحجية بمن قصد افهامه؟.

(ويدل على ذلك) اي حجة الظواهر مطلقا ، سواء من قصد افهامه ، أو لم يقصد إفهامه (أيضا) اي بالاضافة الى ما تقدّم : من بناء أهل اللسان ، وبناء العلماء(سيرة اصحاب الأئمة عليهم‌السلام ، فانهم كانوا يعملون بظواهر الاخبار الواردة اليهم) من الرواة ، مثلا : كان محمد بن مسلم ، الذي هو في زمن الإمام الصادق عليه‌السلام ، يعمل باخبار الرسول وعلي والحسن والحسين عليهم‌السلام من غير أن يدركهم ويخاطبوه بها ، وانّما كان يسمعها من الرواة ، فمحمد بن مسلم ، وزرارة ، والفضيل وغيرهم كانوا يعملون بتلك الروايات الواصلة اليهم (كما يعملون بظواهر الاقوال ، التي يسمعونها من ائمتهم عليهم‌السلام) المعاصرين لهم كالصادقين عليهما‌السلام و (لا يفرقون بينهما) اي بين الروايات الواردة والروايات المسموعة من الائمة مباشرة(الّا بالفحص وعدمه كما سيأتي) ان شاء الله تعالى ، اي انهم كانوا يفحصون في الروايات الواردة اليهم عن المخصص والمقيّد لها وما اشبه ذلك بخلاف الروايات التي يسمعونها من الائمة عليهم‌السلام مباشرة حيث ما كانوا يفحصون عن المقيد والمخصص وما أشبه.

٢٧٦

والحاصل : أنّ الفرق في حجيّة أصالة الحقيقة وعدم القرينة بين المخاطب وغيره مخالف للسيرة القطعيّة من العلماء وأصحاب الأئمة عليهم‌السلام.

هذا كلّه ، مع أنّ التوجيه المذكور لذلك التفصيل ، لابتنائه على الفرق بين أصالة عدم

______________________________________________________

أقول : لكن الظاهر ، انّ الفحص كان عن كل من القسمين ، لأنّ الروايات المسموعة أيضا كانت مطلقة ، وعامة ، ولهما مقيّدات ومخصصات.

(والحاصل : انّ الفرق في حجية أصالة الحقيقة ، وعدم القرينة) أو المجاز فيما اذا كان هناك قرينة(بين المخاطب) الذي قصد افهامه (وغيره ، مخالف) لاتفاق أهل اللسان و (للسيرة القطعية ، من العلماء ، وأصحاب الائمة عليهم‌السلام).

و (هذا كله) يرد على صاحب القوانين (مع ان التوجيه المذكور لذلك التفصيل) الذي ذكره المحقق القمي ، يرد عليه اشكال آخر وهو :

ان تفصيل المحقق القمي قدس‌سره ، كان بين من قصد افهامه فالظاهر حجة بالنسبة اليه ، وبين من لم يقصد افهامه ، فالظاهر ليس حجة بالنسبة اليه ، بينما التوجيه الذي ذكرناه لهذا التفصيل ، هو : ان الاحتمال فيمن قصد افهامه هو احتمال الغفلة من المتكلّم أو السامع ، وهذا الاحتمال لا يقف امام الظاهر لأن اصالة عدم الغفلة جارية لدى العقلاء ، فالظاهر يكون حجة بالنسبة اليه ، بينما الاحتمال فيمن لم يقصد افهامه هو احتمال وجود قرينة بين المتكلم والمخاطب قد خفيت عليه ، وهذا الاحتمال يقف امام الظاهر ، ولا اصل ينفيه ، لانّ اصل عدم القرينة غير جار عند العقلاء.

فان هذا التوجيه لذلك التفصيل انّما هو (لابتنائه على الفرق بين اصالة عدم

٢٧٧

الغفلة والخطأ في فهم المراد وبين مطلق أصالة عدم القرينة ، يوجب عدم كون ظواهر الكتاب من الظنون المخصوصة ، وإن قلنا بشمول الخطاب للغائبين ، لعدم جريان أصالة عدم الغفلة في حقّهم مطلقا.

______________________________________________________

الغفلة) فهي جارية ، اذ الغفلة(والخطأ في فهم المراد) يكون الاصل عدمهما ، (وبين مطلق اصالة عدم القرينة) فهي ليست جارية.

لكن هذا الفرق ليس بصحيح ، وغير مفيد ؛ للتفصيل الذي ذكره المحقق القمي ، اذ هذا التوجيه لهذا التفصيل (يوجب عدم كون ظواهر) الاخبار و (الكتاب من الظنون المخصوصة ، وان قلنا : بشمول الخطاب للغائبين) ، وذلك لان المحقق القمي قال : ان الخطاب لو كان شاملا للغائبين ، كانت الظواهر حجة لهم من باب الظن الخاص ، وان لم يكن الخطاب شاملا للغائبين ، لم تكن الظواهر حجة لهم من باب الظن الخاص ، بل تكون حجية الظواهر لهم من باب الظن العام الانسدادي.

هذا ، ولكنا نقول : حيث ان أصالة عدم الغفلة جارية في حق المشافهين فقط ـ على ما قاله المحقق القمي ـ فغير المشافهين لا يتمكنون من اجراء أصالة عدم الغفلة(لعدم جريان اصالة عدم الغفلة في حقهم مطلقا) سواء قصدوا بالخطاب ، أم لا.

والحاصل : ان حجية الظواهر مستندة الى أصالة عدم الغفلة ـ على قول المحقق القمي ـ واصالة عدم الغفلة ليس حجة ، الّا في حق المشافهين ، فالغائبون سواء شملهم الخطاب ، أم لا ، لا تكون الظواهر حجة لهم من باب الظن الخاص ، فكيف قال المحقق القمي : ان الغائبين اذا كانوا مشمولين للخطاب ، كانت الظواهر حجة بالنسبة اليهم ، من باب الظن الخاص؟.

٢٧٨

فما ذكره ـ من ابتناء كون ظواهر الكتاب ظنونا مخصوصة على شمول الخطاب للغائبين ـ غير سديد ، لأنّ الظنّ المخصوص إن كان هو الحاصل من المشافهة ، الناشئ عن ظنّ عدم الغفلة والخطأ ، فلا يجري في حقّ الغائبين ، وإن قلنا بشمول الخطاب لهم ، وإن كان هو الحاصل عن أصالة عدم القرينة فهو جار

______________________________________________________

وعليه : (فما ذكره) المحقق القمي قدس‌سره (من ابتناء كون ظواهر) الاخبار و (الكتاب ، ظنونا مخصوصة على شمول الخطاب للغائبين ، غير سديد) اذ لو كان مستند حجية الظواهر ، أصالة عدم الغفلة ، فهي ليست جارية في حق الغائبين ، وان شملهم الخطاب ، فان اصالة عدم الغفلة ـ على ما قاله المحقق القمي ـ خاصة بالمشافهين ، والغائب ليس مشافها ، وان كان مستند حجية الظواهر اصالة عدم القرينة فالغائب يجري اصالة عدم القرينة ، سواء شمله الخطاب ، ام لا ، وهو ان أجرى اصالة عدم القرينة فالظاهر يكون حجة له ، سواء شمله الخطاب ام لا ، فلما ذا فصّل المحقق القمي قدس‌سره بين شمول الخطاب للغائبين ، وقال : بان الظاهر حجة لهم من باب الظن الخاص ، وبين عدم شمول الخطاب للغائبين وقال : بان الظاهر ليس حجة لهم ، الّا من باب الظن الانسدادي.

وذلك (لان الظن المخصوص ان كان هو الحاصل من المشافهة ، الناشئ عن ظن عدم الغفلة والخطأ) كما يقوله المحقق القمي (فلا يجري) هذا الظن المخصوص (في حق الغائبين) لان الغائب ليس مشافها ، حتّى (وان قلنا بشمول الخطاب لهم).

(وان كان) الظن الخاص (هو الحاصل) للشخص مستندا(عن اصالة عدم القرينة) أي ان الظن الخاص مستنده عدم القرينة(فهو) اي الظن الخاص (جار

٢٧٩

في الغائبين وإن لم يشملهم الخطاب.

وممّا يمكن أن يستدلّ به أيضا ـ زيادة على ما مرّ من اشتراك أدلّة حجيّة الظواهر من إجماعي العلماء وأهل اللسان ـ ما ورد في الأخبار المتواترة معنى ، من الأمر بالرجوع إلى الكتاب وعرض الأخبار عليه ،

______________________________________________________

في الغائبين) أيضا كالحاضرين حتى (وان) قلنا : بانه (لم يشملهم الخطاب) ، وذلك لان الغائب أيضا ـ سواء قصد افهامه أو لم يقصد افهامه ـ يظن بعد الفحص بعدم القرينة ، فيكون له ظن خاص مستند الى عدم القرينة.

هذا ، وقد استدل المصنّف فيما سبق بثلاثة امور على حجية الظواهر من باب الظن الخاص ، لمن قصد افهامه أو لم يقصد افهامه ، بل وحتى لمن قصد عدم افهامه ـ فتكون الظواهر حجة لهم ، من باب الظن الخاص ، ثم استدل المصنّف هنا بأمر رابع وقال : (ومما يمكن أن يستدل به أيضا) على عدم الفرق بين من قصد افهامه وغير من قصد افهامه (زيادة على ما مرّ ، من اشتراك أدلة حجيّة الظواهر ، من اجماعي :

العلماء وأهل اللّسان) وقد ذكرنا تفصيل الامور الثلاثة سابقا ، هو (ما ورد) و «ما» نائب فاعل ل «يستدل» (في الأخبار المتواترة معنى) وان كانت الفاظها مختلفة(من الأمر بالرجوع الى الكتاب ، وعرض الاخبار) المتعارضة(عليه) أي على الكتاب ، فان هذه الاخبار شاملة لغير المشافهين أيضا ، ولا يجب عليهم عرض الأخبار المتعارضة على القرآن الحكيم ، ولو لم يكن القرآن حجّة بالنسبة إليهم ، كيف يأمر الائمة عليهم‌السلام بالرجوع الى القرآن؟.

والظاهر ان الرجوع الى القرآن ، من باب الظنّ الخاص لا من باب الظنّ الانسدادي ، اذ لو كان القرآن من باب الظنّ الانسدادي ، لم يكن للقرآن

٢٨٠