عبد الله بن محمّد البشروي الخراساني
المحقق: السيد محمد حسين الرضوي الكشميري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١١
زخرف » (١).
وصحيحة هشام بن الحكم ، وغيره : « عن أبي عبدالله عليهالسلام ، قال خطب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بمنى ، فقال : أيها الناس ، ما جاءكم عني يوافق كتاب الله فأنا قلته ، وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله » (٢).
ومؤثقة أيوب بن راشد : « عن أبي عبدالله عليهالسلام ، قال : ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف » (٣).
ويمكن الجمع : بحمل هذه الأخبار على الأخبار النبوية (٤) التي روتها (٥) العامة.
أو حمل المخالفة على ما إذا كان مضمون الخبر مبطلا لحكم القرآن بالكلية ، والتخصيص بيان لا مخالفة (٦).
أو المراد بطلان الخبر المخالف للقرآن ، إذا علم تفسير القرآن بالاثر الصحيح ، إذ لا شك في بطلان المخصص إذا كان إرادة العموم من القرآن معلوما بالنص الصريح ، والمخالفة بدون ذلك غير معلومة لما عرفت.
وإن كان تأويل الأخبار الاولة ايضا ممكنا ، بأن العلم بكل القرآن منحصر في الائمة عليهالسلام لكن الظاهر : أنه خلاف ما اعتقده علماؤنا الاولون ، قال ابن بابويه ـ في كتاب معاني الأخبار في باب معنى العصمة ـ : « قال أبوجعفر مصنف هذا الكتاب : الدليل على عصمة الامام : [ أنه ] لما كان كل كلام ينقل عن قائله ، يحتمل وجوها من التأويل ، و[ كان ] أكثر القرآن
__________________
١ ـ الكافي : ١ / ٦٩ ح ٣.
٢ ـ الكافي : ١ / ٦٩ ح ٥.
٣ ـ الكافي : ١ / ٦٩ ح ٤.
٤ ـ كذا في أ و ط ، وفي الاصل و ب : على النبوية.
٥ ـ في ب : دونها.
٦ ـ في ط : لا مخالف للقرآن.
والسنة مما أجمعت (١) الفرق على أنه صحيح ، لم يغير ، ولم يبدل ، ولم يزد [ فيه ] ، ولم ينقص [ منه ] ، محتملا لوجوه كثيرة من التأويل ـ وجب أن يكون مع ذلك مخبر صادق معصوم من تعمد الكذب والغلط ، ينبئ عما عنى الله ورسوله في الكتاب والسنة على حق ذلك وصدقه ، لان الخلق مختلفون في التأويل ، كل فرقة تميل مع (٢) القرآن والسنة إلى مذهبها ، فلو كان الله تبارك وتعالى تركهم بهذه الصفة من غير مخبر عن كتابه صادق [ فيه ] ، لكان قد سوغهم الاختلاف في الدين ، ودعاهم اليه ، إذ أنزل كتابا يحتمل التآويل ، وأمرهم بالعمل بها ، فكأنه قال : تأولوا واعملوا ، وفي ذلك إباحة العمل بالمتناقضات ، ولما استحال ذلك على الله ، وجب أن يكون مع القرآن والسنة في كل عصر ـ من يبين عن (٣) المعاني التني عناها الله بكلامه ، دون ما تحتمله ألفاظ القرآن من التأويل ، ويبين عن (٤) المعاني التي عناها رسول الله صلىاللهعليهوآله في سنته (٥) وأخباره ، دون التأويلات التي تحتملها ألفاظ الأخبار المروية عنه صلىاللهعليهوآله » (٦).
وروى الكليني في الصحيح : « عن منصور بن حازم ، قال : قلت لأبي عبدالله عليهالسلام : إن الله أجل وأكرم من أن يعرف بخلقه ، بل الخلق يعرفون بالله ، قال : صدقت. قلت : إن من عرف أن له ربا ، فقد ينبغي له أن يعرف أن لذلك الرب رضا وسخطا ، وأنه لا يعرف رضاه وسخطه إلا بوحي أو رسول ، فمن لم يأته الوحي فقد ينبغي له أن يطلب الرسل ، فإذا لقيهم عرف أنهم الحجة ، وأن لهم الطاعة المفترضة وقلت للناس أليس تعلمون أن رسول
__________________
١ ـ كذا في أ و ب والمصدر ، وفي الاصل و ط : اجتمعت.
٢ ـ في ب و ط : معنى. بدل : مع. ولعله الاولى.
٣ و ٤ ـ كذا ، في المصدر. وفي النسخ : من.
٥ ـ في ط : سنة. وفي المصدر : سنة.
٦ ـ معاني الأخبار : ١٣٣ ـ ١٣٤. وما وضعناه من هذا النص بين معقوفين فهو اضافة من المصدر لم ترد في متن كتابنا هذا.
الله صلىاللهعليهوآله كان هو الحجة من الله على خلقه؟ قالوا : بلى. قلت : فحين مضى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من كان الحجة فقالوا : القرآن ، فنظرت في القرآن ، فإذا هو يخاصم به المرجي ، والقدري ، والزنديق الذي لا يؤمن به ، حتى يغلب الرجال بخصومته ، فعرفت أن القرآن لا يكون حجة إلا بقيم ، فما قال فيه من شيء كان حقا ، فقلت لهم : من قيم القرآن؟ فقالوا : ابن مسعود قد كان يعلم ، وعمر يعلم ، وحذيفة يعلم ، قلت : كله؟ قالوا : لا. فلم أجد أحدا يقال إنه يعرف ذلك كله إلا عليا عليهالسلام ، وإذا كان الشيء بين القوم ، فقال هذا : لا أدري ، وقال هذا : لا أدري ، وقال هذا : لا أدري ، وقال هذا : أنا أدري ، فأشهد أن عليا عليهالسلام كان قيم القرآن وكانت طاعته مفترضة ، وكان الحجة على الناس بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأن ما قال في القرآن فهو حق. فقال : رحمك الله » (١).
وأيضا : فإن الظن الحاصل بعموم الالفاظ المعدودة في ألفاظ العموم ، مما يشكل طرح خبر الواحد به.
ويضعف ظن عمومها كثرة الاختلاف الواقع فيها ، حيث ذهب بعضهم إلى أنه لم يوضع للعموم لفظ أصلا (٢) وذهب بعضهم إلى اشتراكها لفظا ، وبعضهم معنى ، وتوقف بعضهم (٣) ، كما مر.
وحينئذ ، فطرح خبر الواحد (٤) الذي يجب العمل به لولا المخالفة ، بمجرد ظن ضعيف حاصل من الاعتبارات والاستقراءات الناقصة ، في غاية الجرأة.
__________________
١ ـ الكافي ١ / ١٦٨ ـ ١٦٩ ـ كتاب الحجة / باب الاضطرار إلى الحجة / ح ٢ ، وأورده أيضا في / باب فرض طاعة الائمة (ع). ح ١٥ ص ١٨٨ ـ ١٨٩ باختلاف يسير.
٢ ـ انظر ادلتهم ومناقشتها في : المستصفى : ٢ / ٤٥.
٣ ـ المستصفى : ٢ / ٣٦ ـ ٣٧ و ٤٦ ، المنتهى : ١٠٣.
٤ ـ في أ و ب و ط : الخبر الواحد.
واحتج من ذهب إلى عدم تخصيص القرآن بخبر الواحد : [ أ ] بأن القرآن قطعي ، وخبر الواحد ظني ، والظني لا يعارض القطعي (١).
ويرد عليه :
أولا : أن التخصيص إنما هو في الدلالة ، وقطعية المتن غير مجد ، والدلالة ظنية ، كما مر (٢).
وثانيا : بمنع ظنية خبر الواحد ، بل هو أيضا قطعي من جهة الدلالة.
وثالثا : بمنع أن الظني لا يعارض القطعي ، إذا كان الدليل الدال على حجية ذلك الظنى قطعيا.
[ ب ] وباستلزام امتناع النسخ بخبر الواحد امتناع التخصيص به ، للاشتراك في مطلق التخصيص (٣).
والجواب : منع علية المطلق للجواز ، بل هي التخصيص الخاص الافرادي ، لا الازماني (٤) ، والسر : أن الاول مبين ، لا الثاني.
واحتج الذاهب إلى تقديم الخبر : بأن فيه جمعا بين الدليلين ، بخلاف العمل بالعام فإنه يوجب إلغاء (٥) الخاص بالمرة (٦).
والجواب :
أولا : منع حجية الخبر حينئذ.
وثانيا : بمنع وجوب الجمع بين الدليلين ، أو أولويته ، إذا كان الجمع مخرجا للدليل القطعي عن معناه الحقيقي.
__________________
١ ـ عدة الاصول : ١ / ١٣٥ ، المستصفى : ٢ / ١١٥ ، المحصول : ١ / ٤٣٤ ، المنتهى : ١٣١.
٢ ـ معالم الدين : ١٤١ ، وقريب منه في : معارج الاصول : ٩٦.
٣ ـ المحصول : ١ / ٤٣٤.
٤ ـ كذا في أ و ط ، وفي الاصل و ب : لا الزماني.
٥ ـ في أ : القاء.
٦ ـ المحصول : ١ / ٤٣٢ ، معالم الدين : ١٤١.
الباب الثالث
في الادلة الشرعية
وفيه فصول
الفصل الاول : في الكتاب.
ووجوب اتباعه ، والعمل به ، متواتر ومجمع عليه ، وقد أشبعنا الكلام فيه (١) في البحث المتقدم.
وقد وقع الخلاف في تغييره :
فقيل : إن فيه زيادة ونقصانا ، وبه روايات كثيرة ، رواها الكليني (٢) ، وعلي بن إبراهيم في تفسيره (٣).
والمشهور : أنه محفوظ ومضبوط كما أنزل ، لم يتبدل ولم يتغير ، حفظه
__________________
١ ـ في ط : عليه.
٢ ـ الكافي ٨ / ٥٠ ح ١١ ، وص ١٨٣ ح ٢٠٨ ، وص ٢٩٠ ح ٤٣٧ و ٤٣٨ و ٤٣٩ و ٤٤٠ ، وص ٣٧٧ ح ٥٦٨ ، وص ٣٦٨ ح ٥٦٩ و ٥٧٠ و ٥٧١.
٣ ـ تفسير علي بن إبراهيم القمّي / المجلد الثاني ص ٢٩٥ ، حديث أبي بصير في تفسير الآية ٢٩ / الجاثية ، وكذا في ص ٣٤٩ حديث أبي عبد الرحمن السلمي ، وحديث أبي بصير ، في تفسير الآية ٥٦ / الواقعة ، وكذا في ص ٣٦٧ حديث ابن أبي يعفور في تفسير الآية ١١ / الجمعة ، وفي ص ٤٥١ : « قال رسول الله : لو أن الناس قرأوا القرآن كما انزل الله ما اختلف اثنان ».
ولكن هذه الروايات ونظائرها ساقطة إما سندا وإما دلالة ، انظر تفصيل القول في ابطالها وعدم دلالتها على وقوع التحريف في القرآن : البيان في تفسير القرآن : ٢٤٥ ـ ٢٥٤.
الحكيم الخبير ، قال الله تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (١).
والحق : أنه لا أثر لهذا الاختلاف ، إذا الظاهر تحقق الاجماع على وجوب العمل بما في أيدينا ، سواء كان مغيرا أو لا ، وفي بعض الأخبار تصريح بوجوب العمل به إلى ظهور القائم من آل محمد عليهمالسلام (٢).
ثم اعلم ـ أيضا ـ أنه وقعت اختلافات كثيرة بين القراء ، وهم جماعة كثيرة ، وقدماء العامة اتفقوا على عدم جواز العمل بقراءة غير السبعة أو العشرة المشهورة (٣) ، وتبعهم من تكلم في هذا المقام من الشيعة أيضا (٤) ، ولكن لم ينقل دليل ، يعتد به على وجوب العمل بقراءة هؤلاء دون من عداهم.
وتعلق بعضهم في القراءات السبع ، بما رواه الصدوق في الخصال ، بسنده عن « حماد بن عثمان ، قال : قلت لأبي عبدالله عليهالسلام : إن الأحاديث تختلف عنكم؟ قال : فقال : إن القرآن نزل على سبعة أحرف ، وأدنى ما للامام أن يفتي على سبعة وجوه ، ثم قال : ( هَٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) » (٥).
ولا يخفى عدم الدلالة على القراءات السبع المشهورة ، مع أنه قد روى الكليني ، في كتاب فضل القرآن ، روايات منافية لها : منها : رواية زرارة ، عن أبي جعفر عليهالسلام ، قال : « إن القرآن واحد ،
__________________
١ ـ الحجر / ٩.
٢ ـ ما عثرنا عليه في هذا الصدد من الأخبار المغياة بظهور القائم (ع) انما هو ما يتعلق بالقراءة ، كالحديث الآتي : « فقال أبوعبدالله (ع) كف عن هذه القراءة ، إقرأ كما يقرء الناس حتى يقوم القائم ... » ، وغيره : الكافي : ٢ / ٦٣٣ ـ كتاب فضل القرآن / باب النوادر / ح ٢٣.
٣ ـ الاتقان : ١ / ٢٥٨ النوع ٢٢ ، التهميد : ١٤١ ، فواتح الرحموت ( بهامش المستصفى : ٢ / ١٥.
٤ ـ التبيان : ١ / ٧ ، و : مجمع البيان / المقدمة / الفن الثاني ، و : التذكرة : ١ / ١١٥ ، ومنتهى المطلب : ١ / ٢٧٣ ، والذكرى : ١٨٧ في التفريع على المسألة الخامسة.
٥ ـ الخصال : ٢ / ٣٥٨ ح ٤٣. والآية من سورة : ص / ٣٩.
نزل من عند واحد ، ولكن الاختلاف يجيء من قبل الرواة » (١).
وصحيحة الفضيل بن يسار ، : « قال : قلت لأبي عبدالله عليهالسلام : إن الناس يقولون : إن القرآن نزل على سبعة أحرف ، فقال : كذبوا ، أعداء الله ، ولكنه نزل على حرف واحد ، من عند الواحد » (٢).
ولا بحث لنا في الاختلاف الذي لا يختلف به الحكم الشرعي.
وأما فيما يختلف به الحكم الشرعي : فالمشهور : التخيير بين العمل بأي قراءة شاء العامل (٣).
وذهب العلامة إلى رجحان قراءة عاصم بطريق أبي بكر ، وقراءة حمزة (٤).
ولم أقف لهم وله على مستند يمكن الاعتماد عليه شرعا.
فالاولى : الرجوع فيه إلى تفسير حملة الذكر ، وحفظة القرآن ، صلوات الله عليهم أجمعين ، إن أمكن ، وإلا فالتوقف ، كما قال أبوالحسن عليهالسلام : « ما علمته فقل ، وما لم تعلمه فها ـ وأهوى بيده إلى فيه ـ » (٥) ، والامر فيه سهل (٦) ، لعدم تحقق محل التوقف.
* * *
__________________
١ ـ الكافي ٢ / ٦٣٠ ـ كتاب فضل القرآن / باب النوادر / ح ١٢.
٢ ـ الكافي : ٢ / ٦٣٠ ح ١٣.
٣ ـ تقدم ذكر مصادر ذلك آنفا.
٤ ـ منتهى المطلب : ١ / ٢٧٣ ـ كتاب الصلاة / البحث الرابع في القراءة / مسألة : « وتبطل الصلاة لو أخل بحرف واحد ... » / الفرع السادس.
٥ ـ المحاسن للبرقي : ٢١٣ ، الكافي : ١ / ٥٧ ـ كتاب فضل العلم / باب البدع والرأي والمقاييس / ح ١٣.
٦ ـ في ط : العمل.
الفصل الثاني : في الاجماع
وفيه أبحاث :
الأول : الاجماع ـ لغة ـ : الاتفاق.
واصطلاحا ـ عندنا ـ : اتفاق جمع يعلم به أن المتفق عليه (١) ، صادر عن رئيس الأمة ، وسيدها ، وسنامها ، صلوات الله عليه.
والحق : إمكان وقوعه ، والعلم به ، وحجيته (٢).
وقد اختلف في كل من المواضع الثلاثة ، وركاكة حججهم تمنع من (٣) التعرض لها (٤).
وسبب حجيته ظاهر بما مر من التعريف ، وهو اشتماله على قول الإمام المعصوم الذي لا يقول إلا عن وحي إلهي (٥).
__________________
١ ـ كلمة ( عليه ) : ساقطة من الأصل ، وقد أثبتناها من سائر النسخ.
٢ ـ معالم الدين : ١٧٢.
٣ ـ كلمة ( من ) : زيادة من ط.
٤ ـ كذا في ب ، وفي سائر النسخ : لهم.
٥ ـ الذريعة : ٢ / ٦٠٥ ، ٦٣٠ ، معارج الأصول : ١٢٦ ، تهذيب الوصول : ٦٥ ، معالم الدين : ١٧٣.
وليس سبب حجيته انضمام الاقوال واجتماعها ، كما يقول المخالفون (١) ، حيث احتالوا في إطفاء نور الله ، فجعلوا اجتماع أقوال الامة حجة ، واجب الاتباع ، كالقرآن ، والحديث ، وأدلتهم ـ بعد تمامها ـ لا تدل على مطلوبهم.
فالاجماع عندنا ليس أمرا غير السنة.
البحث الثاني :
الاجماع يطلق على معنيين :
أحدهما : اتفاق جمع على أمر ، يقطع بأن أحد المجمعين هو المعصوم ، ولكن لا يتميز شخصه (٢).
وهذا القسم من الاجماع مما لا يكاد يتحقق (٣) ، لان الامام عليهالسلام قبل وقوع الغيبة : كان ظاهرا مشهورا عند الشيعة في كل عصر ، يعرفه كل منهم ، وبعد الغيبة : يمتنع حصول العلم بمثل هذا الاتفاق.
وما يقال : من أنه إذا وقع إجماع علماء الرعية على الباطل ، يجب على الامام أن يظهر ويباحثهم ، حتى يردهم إلى الحق ، لئلا يضل الناس (٤).
فهو مما لا ينبغي أن يصغى إليه ، لان جل الاحكام ـ بل كلها ـ معطل ، كالامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإقامة الحدود ، وغير ذلك ، ومع ذلك فهو لا يظهر.
__________________
١ ـ المستصفى : ١ / ١٧٥ ، المحصول : ٢ / ٣٧ ، المنتهى : ٥٢.
٢ ـ الذريعة : ٢ / ٦٢٤ ، معارج الاصول : ١٣٢.
٣ ـ معالم الدين : ١٧٥.
٤ ـ عدة الاصول : ٢ / ٧٦. وقد حكي عن الميرداماد أيضا ذهابه إلى ذلك أو ما يقرب منه في مجلس درسه. انظر :؟ فرائد الاصول : ٨٦.
وأيضا : إجماعهم إنما يوجب ضلالة الناس ، إذا كان واجب الاتباع بدون العلم بدخول الامام عليهالسلام فيهم ، وليس كذلك كما عرفت.
وثانيهما : اتفاق جماعة على أمر ، لا يقطع بدخول الامام عليهالسلام فيهم ، بل قد يقطع بخروجه عنهم ، إلا أن هؤلاء المجمعين كانوا ممن لا يجوز العقل اجتماعهم على الافتاء من دون سماعهم لتلك الفتوى عن قدوتهم وإمامهم عليهالسلام.
وعدم ذلك التجويز لا يتم إلا بعد التتبع عن أحوال هؤلاء المجمعين ، والاطلاع على تقواهم وديانتهم ، فهو مختلف باعتبار خصوصص المجمعين ، فقد يحصل بإثنين ، بل بواحد ، وقد لا يحصل بعشرة ، بل بعشرين.
البحث الثالث :
الحق إمكان الاطلاع على الاجماع بالمعنى الثاني من غير جهة النقل في زمان وقوع الغيبة ، إلى حين انقراض الكتب المعتمدة ، والاصول الاربعماءة المتداولة ، كزمان المحقق والعلامة وما ضاهاه (١) ، ولكنه بعيد.
أما إمكانه : فلان كتب أصحاب الائمة عليهمالسلام ، كانت موجودة مشهورة ، كفتاوى المتفقهة المتأخرين عندنا ، وفتاواهم كانت مودعة في كتبهم ، فقد يحصل العلم بقول الامام عليهالسلام ، إذا حصل العلم بفتاوى عدة منهم ، كزرارة ، ومحمد بن مسلم ، والفضيل ، وأبي بصير المرادي ، ومن يحذو حذوهم ، وإنكار ذلك مكابرة.
وأصحاب الائمة عليهمالسلام كانت لهم فتاوى مشهورة ، وقد نقل
__________________
١ ـ في أ و ط : وما ضاهاهما.
بعضها المتأخرون ، كما نقل رئيس المحدثين (١) فتاوى الفضل بن شاذان (٢) ، ويونس بن عبد الرحمن (٣) ، وغيرهما ، في كتاب الميراث من الفقيه ، وغيره ، وكذا الكليني في الكافي (٤).
ونقل الشيخ في التهذيب ، في باب الخلع (٥) : فتيا جعفر بن سماعة ، والحسن بن سماعة ، وعلي بن رباط ، وابن حذيفة ، وعلي بن الحسين.
وفي باب عدة النساء (٦) : مذهب الحسن بن سماعة ، وعلي بن إبراهيم ابن هاشم ، وجعفر بن سماعة ، ومعاوية بن حكيم ، وغيرهم.
وفي باب ميراث المجوس (٧) : اختلاف أئمة الحديث ، وعملهم.
وفي باب المرتد والمرتدة (٨) : فتوى جميل بن دراج ، وغير ذلك مما (٩) يطلع عليه بعد التتبع (١٠).
وأما بعده : فلان من تتبع أحوال أئمة الحديث ، يحصل له العلم العادي بأنهم إذا سمعوا شيئا من الإمام عليهالسلام ، يسندونه إليه ، ولا يقتصرون على مجرد (١١) فتواهم ، وما أسندوه إلى الإمام عليهالسلام في الفروع من الأمور المهمة
__________________
١ ـ كذا في أ و ب و ط ، وفي الأصل : رئيس الطائفة. لكن في هامش الأصل : ( المحدثين خ ل ).
٢ ـ الفقيه : ٤ / ٢٦٧ و ٢٧٠ و ٢٧٦ و ٢٨٦ و ٢٩٣ و ٢٩٥ و ٣٢٠.
٣ ـ لم أعثر على ذلك.
٤ ـ الكافي ٦ / ٩٤.
٥ ـ التهذيب : ٨ / ٩٧.
٦ ـ التهذيب : ٨ / ١٢٤ ـ ١٢٥.
٧ ـ التهذيب : ٩ / ٣٦٤.
٨ ـ التهذيب : ١٠ / ١٣٧.
٩ ـ في ط : ممن.
١٠ ـ في أ : بعد السعي.
١١ ـ في ط : جرد.
المعتمدة ، نقله نقدة الحديث (١) كالمحمدين (٢) الثلاثة ، سيما فيما يحتاج فيه إلى نقل الاجماع.
فعلى هذا ، يشكل الاعتماد على الاجماعات المنقولة ، سيما في غير العبادات ، وسيما إذا لم تكن فتاوى أصحاب الأئمة فيه معلومة ، ولم يكن ورد فيه نص أصلا.
نعم ، لا يبعد جواز الاعتماد على الاجماع في مادة وردت فيها نصوص مخالفة لذلك الاجماع ، إذا علم عدم غفلتهم عن هذه النصوص ، وتواترها عندهم ، فإن من هذا الاجماع المخالف لتلك النصوص ، يحصل العلم بوصول دليل يقطع العذر إليهم ، لكنه بعيد الوقوع ، إذ الغالب حينئذ تحقق النص ، بل النصوص الموافقة أيضا للاجماع.
البحث الرابع :
الحق التوقف في الاجماع المنقول بخبر الواحد (٣) لما عرفت.
ولاختلاف الاصطلاحات في الاجماع ، فإن الظاهر من حال القدماء ـ كالسيد المرتضى والشيخ وغيرهما (٤) ـ إطلاق الاجماع على ما هو المصطلح عند العامة ، من اتفاق الفرقة غير المبتدعة ـ ولو في زمان الغيبة ـ على أمر.
وحينئذ ، فكيف الوثوق بالاجماعات الواقعة في كلامهم؟!
__________________
١ ـ كذا فلي أ و ط و ب ، وفي الأصل : نقله نقلة الحديث.
٢ ـ في أ و ط : كالمحدثين.
٣ ـ خلافا للمحقق الشيخ حسن منا : معالم الدين : ١٨٠ ، وللفخر الرازي : المحصول : ٢ / ٧٣ ، وابن الحاجب : المنتهى : ٦٤ ، والبيضاوي : منهاج الوصول : ١٣٦ ، ووفاقا للغزالي : المستصفى : ١ / ٢١٥ ، ولبعض الحنفية. كما حكاه عنهم في المنتهى : ٦٤.
٤ ـ في أ و ط : غيرهم.
وزعم بعض علمائنا (١) أن علماءنا في زمان (٢) الغيبة إذا اتفقوا على أمر ، وكانوا مخطئين ، يجب على الامام أن يظهر لهم ـ ولو بنحو لا يعرفونه ـ ويباحث معهم ، حتى يردهم إلى الحق.
وبطلان هذا مما لا يحتاج إلى البيان ، بعد ملاحظة تعطل أكثر الاحكام والامور.
* * *
__________________
١ ـ انظر ما تقدم في الهامش ( ٤ ) من ص ١٥٢.
٢ ـ في أ و ط : زمن.
الفصل الثالث : في السنة
وفيه أبحاث :
الاول : السنة : هي قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أو الامام ، أو فعلهما أو تقريرهما على وجه.
ولما كان المهم منها هو القول ، فلنتكلم فيه.
ويسمى : حديثا وخبرا.
والخبر ينقسم إلى : متواتر وآحاد.
والمتواتر : هو خبر جماعة ، بلغوا في الكثرة مبلغا ، أحالت العادة تواطأهم على الكذب ، كالمخبرين عن وجود مكة واسكندر ، ونحوهما.
والظاهر : قلة الخبر المتواتر باللفظ في زماننا ، فنسكت عنه.
وخبر الواحد : هو ما لم يفد العلم ، باعتبار كثرة المخبرين ، وقد يفيد العلم بالقرائن ، وهو ضروري ، وإنكاره مكابرة ظاهرة.
* * *
البحث الثاني :
اختلف العلماء في حجية خبر الواحد ، العاري عن قرائن القطع.
فالأكثر من علمائنا الباحثين في الأصول : على أنه ليس بحجة ، كالسيد المرتضى (١) ، وابن زهرة (٢) ، وابن البراج (٣) ، وابن إدريس (٤) ، وهو الظاهر من ابن بابويه في كتاب الغيبة (٥) ، والظاهر من كلام المحقق (٦) ، بل الشيخ الطوسي أيضا (٧).
بل نحن لم نجد قائلا صريحا بحجية خبر الواحد ممن تقدم على العلامة (٨).
والسيد المرتضى يدعي الاجماع من الشيعة على إنكاره (٩) ، كالقياس ، من غير فرق بينهما أصلا (١٠).
__________________
١ ـ الذريعة : ٢ / ٥٢٨.
٢ ـ غنية النزوع : ٤٧٥ ( تسلسل الجوامع الفقهية ).
٣ ـ حكاه عنه المحقق الشيخ حسن : معالم الدين : ١٨٩.
٤ ـ السرائر : ١ / ٥١.
٥ ـ للشيخ الصدوق في الغيبة كتاب ورسائل ثلاث ، ونسخها مفقودة في عصرنا هذا.
٦ ـ معارج الأصول : ١٤٢ ـ ١٤٧ ، يظهر ذلك من مناقشته أدلة القائلين بحجيته.
٧ ـ فقد قال المحقق الحلّي : « ذهب شيخنا أبو جعفر إلى العمل بخبر العدل من رواة أصحابنا ، لكن لفظه وان كان مطلقا فعند التحقيق تبين انه لا يعمل بالخبر بمطلقا ، بل بهذه الأخبار التي رويت عن الأئمة (ع) ودونها الأصحاب ، لا أن كل خبر يرويه الامامي يجب العمل به ». معارج الأصول : ١٤٧.
٨ ـ علق الشيخ الأنصاري على هذه العبارة بعد ايرادها في فرائده بقوله « وهو عجيب » : فرائد الأصول : ١٠٩.
٩ ـ رسائل السيد المرتضى : ١ / ٢٤.
١٠ ـ رسائل السيد المرتضى : ٣ / ٣٠٩.
ولكن الحق : أنه حجة كما اختاره المتأخرون منا (١) ، وجمهور العامة (٢) ، لوجوه :
الأول : أنا نقطع ببقاء التكاليف إلى يوم القيامة ، سيما بالأصول الضرورية كالصلاة والزكاة والصوم والحج والمتاجر والأنكحة ونحوها ، مع أن جل أجزائها ، وشرائطها ، وموانعها ، وما يتعلق بها ، إنما يثبت بالخبر غير بالقطعي ، بحيث نقطع بخروج حقائق هذه الأمور عن كونها هذه الأمور عند ترك العمل بخبر الواحد ، ومن أنكر ذلك ، فإنما ينكر باللسان ، وقلبه مطمئن بالايمان.
الثاني : أنا نقطع بعمل أصحاب الأئمة عليهمالسلام ، وغيرهم ممن عاصرهم ـ بأخبار الآحاد ، بحيث لم يبق للمتتبع شك في ذلك ، ونقطع بعلم الأئمة عليهمالسلام بذلك ، والعادة قاضية بوجوب تواتر (٣) المنع عنهم عليهمالسلام لو كان العمل بها في الشريعة ممنوعا ، مع أنه لم ينقل عنهم عليهمالسلام خبر واحد في المنع ، بل ظاهر كثير من الأخبار جواز العمل بها ، كما ستقف عليه عن قريب إن شاء الله.
ويؤيده : إطباق العلماء على رواية أخبار الآحاد ، وتدوينها ، والاعتناء بحال الرواة ، والتفحص عن المقبول والمردود.
قال العلامة في النهاية : « أما الامامية : فالأخباريون منهم ، لم يعولوا في أصول الدين وفروعه إلا على أخبار الآحاد ، المروية عن الأئمة عليهمالسلام ، والأصوليون منهم ـ كأبي جعفر الطوسي وغيره ـ وافقوا على قبول خبر الواحد ،
__________________
١ ـ تهذيب الوصول : ٧٦ ، معالم الدين : ١٨٩.
٢ ـ المنخول : ٢٥٣ ، المحصول : ٢ / ١٧٠ ، المنتهى : ٧٤ ، الأبهاج : ٢ / ٣٠٠.
٣ ـ في ط : توارد.
ولم ينكره أحد (١) سوى المرتضى وأتباعه ، لشبهة حصلت لهم » (٢).
والحق : أنه لا يظهر (٣) من كلام الشيخ أنه يعمل بخبر الواحد ، العاري عن القرائن المفيدة للقطع (٤) ، نعم ، هو قسم القرائن ، وذكر فيها امورا ، لا يمكن إثبات قطعيتها.
الثالث : ظواهر الروايات ، وهي كثيرة : منها : ما رواه الكليني ، بسنده « عن المفضل بن عمر ، قال : قال لي أبو عبدالله عليهالسلام : أكتب ، وبث علمك في إخوانك ، فإن مت فأورث كتبك بنيك ، فإنه يأتي على الناس زمان هرج ، لا يأنسون فيه إلا بكتبهم » (٥).
فإن ظاهرها : جاز العمل بما في الكتب من الأخبار ، وهي آحاد ، فإن تواترها ، واحتفافها بالقرائن المفيدة للقطع ، بعيد جدا.
ومنها : ما رواه في الصحيح « عن محمد بن الحسن ابن أبي خالد شينولة ، قال : قلت لأبي جعفر الثاني عليهالسلام : جعلت فداك ، إن مشايخنا رووا عن أبي جعفر ، وأبي عبدالله عليهماالسلام ، وكانت التقية شديدة ، فكتموا كتبهم ، ولم ترو عنهم ، فلما ماتوا صارت الكتب إلينا ، فقال : حدثوا بها ، فإنها حق » (٦).
ومنها : ما رواه في الصحيح أيضا « عن سماعة بن مهران ، عن أبي الحسن موسى عليهالسلام ، قال : قلت : أصلحك الله ، إنا نجتمع فنتذاكر ما عندنا ،
__________________
١ ـ كلمة ( أحد ) : ساقطة من الاصل ، وقد اثبتناها من سائر النسخ.
٢ ـ نهاية الوصول ورقة ٢٠٩ / أ ( مصورة ) وقد أورد هذه العبارة بلفظها الفخر الرازي المتقدم على العلامة في : المحصول : ٢ / ١٨٨.
٣ ـ في ط : لم يظهر.
٤ ـ كما استظهر ذلك المحقق الحلّي وقد تقدم نقل كلامه.
٥ ـ الكافي : ١ / ٥٢ ـ كتاب فضل العلم / باب رواية الكتب والحديث وفضل الكتابة والتمسك بالكتب / ح ١١.
٦ ـ الكافي ١ / ٥٢ ح ١٥.