السيّد عبدالمطلب الموسوي الخرسان
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: باقيات
المطبعة: وفا
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-6168-69-5
الصفحات: ٤٦٤
المسلمين في العطاء ، لم يفضل أحداً على غيره لأي اعتبار زائف ، وقال لمن عاتبه في ذلك ، وطلب منه أن يفضل البعض لاستمالتهم إليه : «أتأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه ، والله ما أطور به ما سمر سمير ، وما أمَّ نجم نجماً. لو كان المال لي لسويت بينهم ، فكيف وإنّما المال مال الله؟!. ألا وإنَّ إعطاء المال في غير حقه تبذير ، وإسراف ، وهو يرفع صاحبه في الدنيا ، ويضعه في الآخرة ، ويكرمه في الناس ، ويهينه عند الله» (١).
ولم يكتف الإمام علي عليهالسلام بالعودة إلى السنّة في توزيع الأموال ، بل أعلن عن عزمه على استرداد الأموال المنهوبة ، والتي وهبت في العهد السالف بدون حق ، ليعيد الحق إلى نصابه باسترجاع أموال المحرومين ، وتوزيعها عليهم ، وهذا ما تقتضيه سنن العدل ، والإنصاف ، ويقرّه الشرع المقدس ، فأعلن سياسته في الأموال المأخوذة ، وملك به الإماء ، لرددته ، فإنَّ في العدل سعة ، ومن ضاق عليه العدل ، فالجور عليه أضيق» (٢).
ولتسويته في العطاء اقتداءً بالسنة النبوية الشريفة ، وإعلانه عن عزمه على استرجاع الأموال التي أخذت بغير حق ، تمرد عليه كل من ضربت مصالحه الشخصية ، وشعر أنَّه سيحرم من الإمتيازات التي منحت له بدون حق ، وأنَّ ما كسبه من أموال المستضعفين سيسترد منه ، ليعاد إلى أهله ، فنكث طلحة ، والزبير ، ومن تبعهما البيعة ، والتحقت بهما عائشة ، معلنة التظلم لعثمان ، بعد أن ألّبت الناس عليه ، وحرضتهم على الثورة ، وامتنع معاوية عن أخذ البيعة له ، واستقل بالشام ، فكانت
__________________
(١) نهج البلاغة ٢ / ٦.
(٢) نهج البلاغة ١ / ٤٦.
حرب الجمل ، وكانت الحرب في صفين ، وما تبعهما من مآس.
ولكن الإمام علياً عليهالسلام مادام على النهج القويم ، ذلك النهج الذي اختطه ، وطبقه الحبيب المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فإنَّه لم يكترث لأيَّة معارضة ، ولم يستوحش حتى لو بقي على طريق الحق وحده ، أو مع قلة ممن امتحن الله قلوبهم بالتقوى ، لأنَّ طريق الحق يناقض النزعات الفردية ، والمطامع الشخصية ، ولذلك يقلّ سالكوه ، ويكثر مناوئوه ، ثبت على السير في هذا الطريق ، وإن دفع الثمن غالياً ... بدأ المسيرة بالتطبيق على نفسه وذويه ، فكان يأخذ من العطاء ما يعطيه لأي فرد من المسلمين الذين لهم فيه حق ، ويعطي ولديه الحسن عليهالسلام ، والحسين عليهالسلام بقدر ما يعطي مولاه قنبر ، وقدر ما يأخذ هو ، أو أي مسلم آخر ، إذ لا فرق بين عربي وعجمي ، ولا بين سيد ومولى ، ويؤكد هذه السيرة قولاً وعملاً في مختلف المواقف.
روى البلاذري بإسناده إلى الحرث ، قال : كنت عند علي ، فأتته امرأتان ، فقالتا : يا أمير المؤمنين [إننا] فقيرتان مسكينتان. قال : قد وجب حقكما علينا ، وعلى كل ذي سعة من المسلمين ـ إن كنتما صادقتين ـ ثمَّ أمر رجلاً ، فقال : انطلق بهما إلى سوقنا ، فاشتر لكل واحدة منهما كرّاً من طعام (١) ، وثلاثة أثواب ـ فذكر رداءً ، وخماراً وإزاراً ـ ، واعط كل واحدة منهما من عطائي مائة درهم ، فلما ولَّتا ، سفرت (٢) إحداهما ، فقالت : يا أمير المؤمنين فضِّلني بما فضلك الله به ، وشرَّفك.
قال : وبماذا فضلني الله وشرّفني؟!.
قالت : برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
قال : صدقت ، وما أنت؟!.
__________________
(١) الكرّ : مكيال لأهل العراق (لسان العرب).
(٢) سفرت : ألقت نقابها (لسان العرب).
قالت : امرأة من العرب ، وهذه من موالي!.
قال [الحرَث] : فتناول شيئاً من الأرض ، ثمَّ قال : قد قرأت ما بين اللوحين ، فما رأيت لولد إسماعيل على ولد إسحاق عليهماالسلام فضلاً ، ولا جناح بعوضة (١).
وموقفه الشهر مع أخيه عقيل عندما طلب منه أكثر ممّا يستحق ، يغني عن كل حديث ، وهو خير شاهد في مجال عدله ، وتسويته في العطاء.
العالم بحدود الله تعالى :
الإمام علي عليهالسلام أعلم هذه الأمة بعد الحبيب المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم ، هذا ما يتفق عليه المحققون من علماء المسلمين من جميع المذاهب ، وقد مرّ بنا في مواضع متعددة من هذا الشرح ما روي من السنة في أنَّه وارث علم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأنَّه مستودع علمه ، وعيبة علمه ، وما ثبت تأريخياً من رجوع الصحابة إليه ، وسؤالهم منه في ما أشكل عليهم من معرفته أحكام الدين ، وفهم الكتاب العزيز ، واختصاصه من بينهم بعدم حاجته إلى سؤال أحدٍ منهم ، وهذا يدل بوضوح على أنَّه الأعلم ، والمرجع الذي يحتاجه الجميع.
وكان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يُرجع إليه الناس ليقضي بينهم ، ويؤيد ما يقضي به ، وقد ولّاه قضاء اليمن ، وشهد له بأنَّه أقضى الأمة ، فقال : «أقضى أمتي علي» (٢) ، وقال : «يا علي أخصمك بالنبوة ، ولا نبوة بعدي ، وتخصم الناس بسبع ، ولا يحاجّك فيه أحد من قريش : اللهم أنت أولهم إيماناً بالله ، وأوفاهم بعهد الله ، وأقومهم بأمر الله ، وأقسمهم بالسوية ، وأعدلهم في الرعية ، وأبصرهم بالقضية ، وأعظمهم عند الله
__________________
(١) أنساب الأشراف ١٤٠.
(٢) ذخائر العقبى ٨٣ ، فتح الباري ٨ / ١٢٧ ، كشف الغطاء ١ / ١٦٢ ، ينابيع المودة ٢ / ١٧٣.
مزية» (١).
وفي الأثر ، روي عن عمر بن الخطاب قوله : (علي أقضانا) (٢) وقد مرت الإشارة إلى ما تواتر به النقل من مراجعاته للإمام علي عليهالسلام ، وما أثر عنه من قول في هذا الشأن.
وفي الأثر عن عبد الله بن مسعود ، قال : (كنّا نتحدث أنّ أقضى أهل المدينة علي بن أبي طالب) (٣).
وعنه أيضاً ، قال : (أفرض أهل المدينة ، وأقضاها علي بن أبي طالب) (٤).
وعن الشعبي ، قال : (ليس منهم أحدٌ أقوى قولاً في الفرائض من علي بن أبي طالب) (٥) وقد روي هذا النص عن مغيرة (٦).
بين علي عليهالسلام والوليد :
ذكر المفسرون والمحدثون في سبب نزول هذه الآية قصة شهيرة ، إليك ما رواه الواحدي فيها عن ابن عباس ، قال : قال الوليد بن عقبة بن أبي معيط لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه : أنا أحدُّ منك سناناً ، وأبسط منك لساناً ، وأملأ للكتيبة
__________________
(١) تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٥٨ ، ذخائر العقبى ٨٣ ، فضائل الخمسة ١ / ٢٦٤ عن حلية الأولياء ، كنز العمال ١١ / ٦١٧.
(٢) أنساب الأشراف ٩٧ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٤٠٢ ، الطبقات الكبرى ٢ / ٣٣٩ ، فتح الباري ٧ / ٦٠ ، كشف الخفاء ١ / ١٦٢ ، كنز العمال ٢ / ٥٩٢ ، المصنف لابي أبي شيبة ٧ / ١٨٣.
(٣) أسد الغابة ٤ / ٢٤ ، أنساب الأشراف ٩٧ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٤٠٢ ، الطبقات الكبرى ٢ / ٣٣٨ ، فتح الباري ٨ / ١٢٧ ، كشف الخفاء ١ / ١٦٢ ، ينابيع المودة ٢ / ٤٠٥.
(٤) تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٤٠٥ ، شواهد التنزيل ١ / ٢٤.
(٥) تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٤٠٥ ، شواهد التنزيل ١ / ٢٤.
(٦) فتح الملك العلي ٧٩.
منك. فقال له علي : أسكت ، فإنَّما أنت فاسق. فنزل : (أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ). قال : يعني بالمؤمن : علياً ، وبالفاسق : الليد بن عقبة (١) ، ورُوي نزول الآية الكريمة فيهما عن : ابن عباس بطرق أخرى ، وعن عطاء بن يسار ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، وقتادة ، والسدي (٢).
وروى الكنجي الشافعي وغيره أبياتاً من الشعر قالها حسان بن ثابت بمناسبة نزول هذه الآية الكريمة (٣) ، وهي كما رواها الكنجي :
أنزل الله ـ والكتاب عزيز ـ |
|
في علي وفي الوليد قرانا |
فتبوأ الوليد في ذاك خزياً |
|
وعلي مبوأ إيمانا |
فليس من كان مؤمناً عرف الله |
|
كمن كان فاسقاً خوانا |
فعلي يجزى هناك نعيماً |
|
ووليد يجزى هناك هوانا |
سوف يجزى الوليد خزياً وعاراً |
|
وعلي لا شك يجزى جنانا |
وسيرة الإمام علي عليهالسلام تؤيد ما جاءت به الروايات من كونه المقصود بالمؤمن في الآية ، كما عرفنا من خلال شرح الزيارة أنَّه سيد المؤمنين.
ولابد من إلقاء الضوء على سيرة الوليد ، لنتعرف على فسقه : روى المؤرخون أنَّ أباه عقبة بن أبي معيط كان في مكة أشد المشركين على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وعلى
__________________
(١) أسباب النزول ٢٣٦.
(٢) تجد رواياتهم في : أنساب الأشراف ١٤٨ ، تاريخ بغداد ١٣ / ٣٢٣ ، تاريخ مدينة دمشق ٦٣ / ٢٣٥ ، تفسير القرطني ١٤ / ١٠٦ ، جامع البيان ٢١ / ١٢٩ ، الدر المنثور ٥ / ١٧٧ ، شرح نهج البلاغة ١٧ / ٢٣٨ ، شواهد التنزيل ١ / ٥٧٢ ، كفاية الطالب ١٤٠ ، لباب النقول ١٥٥ ، المناقب ٢٧٩ ، ينابيع المودة ٢ / ١٧٦.
(٣) كفاية الطالب ١٤١ ، شرح نهج البلاغة ٦ / ٢٩٣ ، الغدير ٢ / ٤٥ عن عدد من المصادر.
المسلمين ، وكان كثير الأذى له ، وقد اُسر يوم بدر مع من اُسر من المشركين ، فأمر النبي صلى الله عليه وآله سولم بقتله صبراً ، فاستعطفه ، وطلب منه أن يتركه كغيره من الأسرى ، وقال له : من للصبية؟. فأبى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم تركه ، وأجابه : النار ، فعُرف الوليد وإخوته : بصبية النار (١).
وقد أعلن الذكر الحكيم فسق الوليد في آية أخرى لقضية سبقت نزول هذه الآية الكريمة ، عرف الوليد بالفسق على أثرها ، وملخص القضية : أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أرسل الوليد بن عقبة إلى بني المصطلق ، ليجبي منهم الزكاة ، وكان بينه وبينه مفي الجاهلية أمر ، وكانوا قد خرجوا لاستقباله ، فلما رآهم فرق ، وظن أنَّهم يريدون قتله ، فرجع وكذب على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بإخباره أنَّهم امتنعوا عن إعطاء الزكاة ، وأرادوا قتله ، فأرسل بعثاً لقتالهم ، بينما هم أرسلوا وفداً يحمل إليه الزكاة ، فوصل وفدهم والبعث الذي أرسل لقتالهم خارج المدينة ، فالتقوا بالبعث ، وسألوهم عن سبب خروجهم ، وأقسموا لهم بأنَّ رسول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يصل إليهم ، وأنَّهم جلبوا زكاتهم ، ليدفعوها إليه ، ثم دخلوا المدينة ، وأدَّوا إليه الزكاة ، وأخبروه بكذب الوليد ، فنزلت عليه الآية الكريمة : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)(٢). (٣)
وعندما ولّاه عثمان الكوفة أيام خلافته ، تجاهر بالفسق ، فكان يشرب الخمر
__________________
(١) البداية والنهاية ٣ / ٣٧٢ ، شرح نهج البلاغة ١٥ / ١٩٧.
(٢) الحجرات ٤٩ : ٦.
(٣) راجع تفاصيل ما أوجز في : الآحاد والمثاني ٤ / ٣٠٩ ، أسباب النزول ٢٦١ ، تاريخ مدينة دمشق ٦٣ / ٢٢٧ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ٥٣ ، تفسير ابن كثير ٤ / ٢٢٣ ، تفسير القرطبي ١٦ / ٣١١ ، تفسير مجاهد ٢ / ٦٠٦ ، جامع البيان ٢٦ / ١٦٠ ، شرح نهج البلاغة ٣ / ١٨ ، ٤ / ١٨ ، ١٧ / ٢٣٨ ، لباب النقول ٣٠١ ، مجمع الزوائد ٧ / ١٠٨ ، المعجم الكبير ٣ / ٢٧٤ ، ١٨ / ٧.
متجاهراً ، وقصة دخوله المسجد سكراناً مشهورة ، وقد صلى بهم صلاة الغداة أربعاً ثم التفت إليهم ، فقال : أزيدكم؟!. وقاء الخمرة في المحراب ، فحصبه الناس ، وأخذوا خاتمه من يده ، وذهبوا به إلى عثمان ، وأقاموا لديه البيِّنة ، فوبَّخهم أولاً ، ثم استدعاه ، وأقام عليه الحد بعد ضغط من كبار الصحابة ، فأقامه الإمام علي عليهالسلام (١).
فالآية الكريمة تميز بين من عرف بالإيمان الصادق والصلاح ، وبين من تجاهر بالفسق ، وتردفها الآية التالية : (أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا)على نسق وسياق واحد ، لتبين ما أعده الله عزوجل للمؤمن المقصود في الآية السابقة لها ، وأنَّ جزاءه جنة المأوى لما قدَّم من الطاعة لله تعالى في هذه الدنيا.
__________________
(١) تجد تفاصيل ما أوجز في : الغدير ٨ / ١٢١ عن مصادر سنية موثوقة ، وكذلك في : أسد الغابة ٥ / ٩١ ، تهذيب الكمال ٣١ / ٥٨ ، السنن الكبرى للنسائي ٣ / ٢٤٨ ، مسند أبي يعلى ١ / ٣٨٩.
من خصائص الولي عليهالسلام
«وأنت المخصوص بعلم التنزيل ، وحكم التأويل ، ونص الرسول» :
اللغة : أنزل الله الكلام : أوحى به (١) ، والتنزيل : الترتيب ، وبه سمي القرآن ، لأنّه أنزل منجَّماً (٢).
التأويل : إرجاع الكلام ، وصرفه عن معناه الظاهري إلى معنى أخص منه ، مأخوذ من آل ، يؤول : إذا رجع ، وفي حديث علي عليهالسلام : «ما من آية إلّا وعلمني تأويلها» : أي معناها الخفي ، لما تقرر من أنَّ لكل آية ظهراً وبطناً ، والمراد : أنَّه صلىاللهعليهوآلهوسلم أطلعه على تلك المخفيات المصونة ، والأسرار المكنونة (٣).
مرّ بنا في فصول هذا الشرح أنَّ الإمام علياً عليهالسلام هو مستودع علم النبي المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأنَّه تربى في حجره ، ولازمه ملازمة الظل لذيِّه ، وأخذ عنه علومه ، وقد واكب نزول القرآن الكريم من أول آية نزلت ، حينما كان معه في غار حراء عند بدء نزول الوحي عليه ، وحتى تمَّ نزول آخر آية قبيل رحلته إلى لقاء الله عزوجل ، وكان يتلقى منه تأويل الآيات ، وكان يكتب ما ينزل من كتاب الله تعالى عند نزوله ، فكان مصحفه الذي كتبه مرتّباً على نزول القرآن الكريم ، وكان يحفظه عن ظهر قلب ، ثمَّ يعمل به بكل دقة.
__________________
(١) المنجد.
(٢) مجمع البحرين.
(٣) مجمع البحرين بتصرف.
قال عليهالسلام متحدثاً عن علمه بتنزيل الكتاب المجيد : «والله ما نزلت آية إلّا وقد علمت فيما نزلت ، وأين نزلت ، إنَّ ربي وهب لي قلباً عقولاً ، ولساناً سؤولاً» وفي بعض الروايات : «ناطقاً ، أو طلقاً ، أو طلقاً سؤولاً» (١).
وقال عليهالسلام : «سلوني عن كتاب الله ، فإنَّه ليس من آية إلّا وقد عرفت أبليل نزلت؟ أم بنهار؟ أم في سهل؟ أم في جبل» (٢).
وعلم التنزيل يشمل كل ما يتصل بنزول القرآن الكريم ، ونلاحظ أنَّ العلماء عند تفسيرهم لآيات الذكر الحكيم ، يرجعون إلى معرفة ظروف نزول الآية الكريمة ، لمعرفة سبب نزولها ، لأنَّ ذلك يعتبر قرينة ، يفهم معنى الآية على ضوئها ، وترجع المعنى الذي يجب أن تتصرف إليه الآية دون غيره من المعاني ، وما من شك أنَّ الإمام علياً عليهالسلام بحكم صلته بالرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وملازمته له ، وحرصه على الأخذ منه ، وحرص الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم على تعليمه ، فهو أعلم الصحابة بعلم التنزيل ، بل هو المختص به من بينهم.
وإذا كان الرسول المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم يتلقى عن طريق الوحي تأويل الكتاب العزيز ، وما فيه من معنىً باطن ، وما حواه من أسرار ، فقد كان يودع كل ذلك عند الإمام علي عليهالسلام ، ويختصه به من بين الصحابة ، لأنَّه كان يعده لتحمل أعباء الرسالة ومسؤولياتها من بعده ، ليكون للأمة علماً وموئلاً يبيِّن لها ما تختلف فيه ، ويوضح
__________________
(١) تجد مختلف الروايات في : أنساب الأشراف ٩٩ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٢٩٨ شواهد التنزيل ١ / ٤٥ ، الطبقات الكبرى ٢ / ٣٣٨ ، كفاية الطالب ٢٠٧ كنز العمال ١٣ / ١٢٨ ، نظم درر السمطين ١٢٦.
(٢) أنساب الأشراف ٩٩ ، تاريخ مدينة دمشق ٢٧ / ١٠٠ ، ٤٢ / ٣٩٨ ، تفسير القرطبي ١ / ٣٥ ، ذخائر العقبى ٨٣ ، الطبقات الكبرى ٢ / ٣٣٨ ، كفاية الطالب ٢٠٨ ، المناقب ٩٤ ، نظم درر السمطين ١٢٦.
لها أحكام التأويل باعتباره المصدر الفريد لهذا العلم.
قال الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود : (إنَّ القرآن نزل على سبعة أحرف ، ما منها حرف إلّا له ظهر وبطن ، وإنَّ علي بن أبي طالب عنده منه علم الظاهر والباطن) (١).
وقد عرف ابن مسعود بأنَّه أقرأ الصحابة للقرآن ، وأعلمهم به ، وكان المسلمون من الصحابة والتابعين يرجعون إليه ، ويأخذون عنه ، وهو مدين للإمام علي عليهالسلام ، لأنَّه أخذ هذا العلم عنه ، وقد روي في الأثر عن ابن مسعود ، قال : (لو أعلم أحداً أعلم بكتاب الله منّي تبلغه المطايا). قال : فقال له رجل : فأين أنت عن علي؟!. قال : به بدأت ، إنّي قرأت عليه (٢).
وممن أخذ عنه هذا العلم حبر الأمة عبد الله بن عباس ، الذي عرف بترجمان القرآن ، والذي أخذ عنه جمع غفير من أئمة التفسير من جميع الفرق والمذاهب الإسلامية ، قال ابن أبي الحديد : (ومن العلوم : علم التفسير ، وعنه ـ أي الإمام علي عليهالسلام ـ اُخذ ، ومنه فرع ، وإذا رجعت إلى كتب التفسير علمت صحة ذلك ، لأنَّ أكثره عنه ، وعن عبد الله بن عباس ، وقد علم الناس حال ابن عباس في ملازمته له ، وانقطاعه إليه ، وإنَّه تلميذه ، وخرّيجه ، وقيل له : أين علمك من علم ابن عمك ، فقال : كنسبة قطرة من المطر إلى البحر المحيط) (٣).
المقصود بنص الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم هو تعيين الإمام علي عليهالسلام للإمامة والولاية العامة بعده ، واختصاصه بها من بين كبار الصحابة وأجلائهم ، وإلزام المسلمين بها باعتبارها تشريعاً ثابتاً له ، والنصوص التي جاءت في الحديث النبوي الشريف
__________________
(١) تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٤٠٠ ، ينابيع المودة ١ / ٢٢٣.
(٢) تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٤٠٠ ، ينابيع المودة ١ / ٢٢٣.
(٣) شرح نهج البلاغة ١ / ١٩.
متعددة ، وهي على نوعين :
١ ـ النصوص التي تصرح بالولاية : كحديث الغدير ، وحديث : «من كنت وليه فعلي وليه» ، وما شابهها.
٢ ـ النصوص التي تدل بصورة ضمنية على الولاية : وهي تشمل كل حديث يدل على أفضلية الإمام علي عليهالسلام على سائر الأمة ، وأنَّه تالي الرسول المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم في الفضل ، كالأحاديث التي تدل على أنَّه وارث علمه ، ومستودعه ، وعيبته ، وباب مدينته ، والأحاديث التي تدل على عصمته لأنَّه مع القرآن ، ومع الحق ... إلى غير ذلك من مآثره وفضائله الجمة ، التي اختصه الله تعالى بها ، فنال مراتب من الفضل لم يبلغها غيره ، كل هذه الفضائل تدل بالإلتزام على أحقيته بالخلافة ، والولاية العامة.
وهذين النوعين من النصوص تعدد صدورهما ، وأكدهما النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم المرة بعد المرة ، وهو يقتنص كل فرصة للإدلاء بما يراه مناسباً لإظهار ما يتحلى به الإمام المرتضى عليهالسلام من الفضل ، لتكون له الحجة على الأمة ، وليقطع العذر بالتبليغ والإرشاد ، على أنَّ مآثر هذا الإمام الزكي ظاهرة للعيان تدل عليه بعين الإنصاف قبل صدور النص.
من هنا نلاحظ أنَّ الإمام الهادي عليهالسلام قرن بين ثلاث من مختصات جده المرتضى عليهالسلام ، لما بين هذه المختصات من ترابط وثيق ، فإذا كان النص يعيِّن الولي ، فإنَّ من لوازم الولاية التي لا تنفك عنها أن يكون الولي عالماً بالتنزيل وحكم التأويل ، مختصاً بذلك من بين المسلمين ليقود الأمة على هدي الرسالة ، بما أودع عنده من العلم بالتنزيل والتأويل ، وهما يمثلان دستور الإسلام ، وأحكامه ، وآدابه ، وتعليماته في مختلف مجالات الحياة ، والتي تنظم شؤون الأمة ، وتحقق لها السعادة في النشأتين.
المواقف المشهودة
«ولك المواقف المشهودة ، والمقامات المشهورة ، والأيام المذكورة» :
الإمام علي عليهالسلام أول المجاهدين في سبيل الله تعالى من هذه الأمة ، ومواقفه في الحروب والغزوات التي جرت بين المسلمين والمشركين ، ثم بينهم وبين اليهود ، كانت حازمة وحاسمة ، وقد شهدها وشهد بها الأعداء والموالون على حد سواء ، واشتهرت بين الناس على مدى التأريخ.
وعندما نتحدث عن المواقف البطولية للإمام علي عليهالسلام فإنَّ حديث البطولات عنه لا يعني طغيان الروح العسكرية ، وما نعهده عند غيره ممَّن عرف بالبطولة والإقدام والشجاعة ، وإذا كانت البطولات تقترن بروح شريرة ، تدفع صاحبها إلى الفتك ، وارتكاب الفضائع بأبشع صورها ، فإنَّ الهدف المادي ، والعصبية العمياء كانا هما الدافعان للغزو ، ولا مانع من إظهار البطولة بأي أسلوب من الوسائل الدنيئة ، وارتكاب الجرائم الموبقة ، والخروج على المبادئ الإنسانية النبيلة.
ولكننا نجد للبطولة مظهراً ومفهوماً عند الإمام علي عليهالسلام يختلف عنه عند غيره ، لأنَّ البطولة مظهر من مظاهر إيمانه الصادق ، وهي تتفرع عن مبادئه السامية ، فلا اعتداء ، ولا تخريب ، ولا خروج على المبادئ الإنسانية السامية ، التي أقرها الدين الحنيف ، وإذا صح لنا أن نضرب مثلاً للجهاد المقدس الذي خاضه الوصي عليهالسلام ، فهو كالطبيب الذي يعالج عضواً أصيب بمرض عضال ، فإن تعسر عليه شفاؤه ، وأيس منه ، بتره لضمان سلامة الجسد ، كي لا يسري الداء إليه.
لقد وقف عناة المشركين واليهود حجر عثرة في طريق إنقاذ البشرية من
الضلال ، والأخذ بيدها إلى السعادة في الدارين ، وحاولوا بكل جهد الإجهاز على النبي المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم ؛ لإعاقته عن انتشال البشرية من الهوَّة السحيقة التي وصلت إليها ، فأعلنتها حرباً شعواء لا هوادة فيها عليه وعلى أتباعه الذين أنقذهم الله تعالى به من الضلال ، فكان وجود هؤلاء خطر جسيم على الإنسانية ، لابد من علاجه بدعوتهم إلى الصراط القويم ، فإن تعسر ذلك ، فالمناجزة للتخلص منهم ودفع خطرهم عن البشرية.
وقد ظهر ذلك واضحاً جلياً في جهاد الإمام علي عليهالسلام لخصوم الإسلام ، إذ تعامل معهم على أساس إنساني فريد ، استقاه من أخلاق الدين الإسلامي الحنيف ، وتعليماته ، فكان رائده الإصلاح ، وإنقاذ خصمه من هوة الضلال ، فيبدأ بدعوته إلى الله عزوجل لينقذه ، وليجنِّبه كل سوء ، وليضمن له السعادة ، فإن أخفق ، وأصرَّ على عناده ، جاء دور المناجزة ، ولكنه يتعامل مع من يناجزهم الحرب معاملة البَر الرحيم ، فلا يجهز على جريح ، ليزيده ألماً على ألمه ، ولا يتبع هارباً ليزيده رعباً على ما به من الهلع وآلامه ، بل يتركه وشأنه ليراه أفراد العدو هارباً ، فيصيبهم الوهن ، ويقتفي أثره الضعاف منهم ، وتصبح الهزيمة أمر لا مناص منه.
بهذا الخق الرفيع ، وبهذه النظرة الإنسانية التي هي من آداب الإسلام ، مارس الإمام علي عليهالسلام البطولات ، فكان مثالاً يجب أن يحتذى به ، وقد أعطى للأجيال درساً رائعاً في التضحية والفداء ، وفي السلوك الرسالي الذي ينسجم مع الأسس القويمة للدين الحنيف في جميع الأحوال ، لا يتخلف عنها في أحلك الظروف ، وأحرجها.
والحديث عن بطولات الإمام علي عليهالسلام يحتاج إلى بحث مفصل ، لا يسعه هذا الموجز ، لذا نكتفي بما اُشير إليه ، وننتقل إلى ما أشارت إليه الزيارة من تلك المواقف البطولية :
واقعة بدر
«يوم بدر» (١) :
بدر : ماء مشهور بين مكة والمدينة ، أسفل وادي الصفراء ، بينه وبين الجار ـ وهو ساحل البحر ـ ليلة (٢) ، يقع جنوب غربي المدينة المنورة ، وهو محط القوافل المتجهة إلى بلاد الشام ، والعائدة منها ، تتوقف فيه لتستقي من آباره ، وتتزود بالماء للطريق ، وفي هذا المكان وقعت معركة بدر الكبرى ، يوم الجمعة السابع عشر من شهر رمضان في السنة الثانية للهجرة ، إلتحم فيها المسلمون والمشركون ، وباسمه عرفت.
وسبب وقوع هذه المعركة أنَّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم علم بعودة قافلة تجارية لقريش من بلاد الشام ، فأراد الإستيلاء عليها ، لغرض تعويض المسلمين الذين هاجروا من مكة عن أموالهم التي أخذها المشركون في مكة ، فخرج ومعه من المسلمين أكثر من ثلاثمائة ، ومعهم سبعون من الإبل يتعاقبون عليها.
علم أبو سفيان ـ وكان على قافلة قريش ـ بخبر خروج النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بالمسلمين إلى بدر ، فابتعد بالقافلة عنها إلى ساحل البحر الأحمر ، وأرسل إلى مكة من يخبر أهلها بخروج المسلمين للإستيلاء على قافلتهم ، ويطلب منهم إنقاذها.
خرج المشركون لإنقاذ قافلتهم ، وكان عددهم تسعمائة وخمسون ، بينهم مائة
__________________
(١) باختصار وتصرف عن : الإرشاد ٣٠ ، أيام العرب في الإسلام ٧ ، تاريخ الأمم والملوك ٢ / ١٢٩ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ٤٥ ، السيرة النبوية ١ / ٤٤٠.
(٢) معجم البلدان ١ / ٣٥٧.
فارس دارع ، ومعهم من الإبل سبعمائة ، فوصلوا بدراً ، وحطوا رحالهم بالقرب منها ، وكانت قافلتهم التجارية التي خرجوا من أجل إنقاذها قد نجت ، ولكنهم أصرّوا على الإشتباك بالحرب مع المسلمين لاستئصالهم بتحريض من أبي جهل.
بدأت المعركة بخروج شيبة ، وعتبة ، والوليد من بين صفوف المشركين ، وطلبوا من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يخرج إليهم أكفاءهم من قريش ، ليبارزوهم ، فأجابهم إلى ذلك ، وانتدب عبيدة ، وحمزة ، وعلي عليهمالسلام ، فبارز عبيدة شيبة ، وبارز حمزة عتبة ، وبارز علي الوليد (١) فقتل حمزة عتبة ، وقتل علي الوليد ، واختلف عبيدة وشيبة بضربتين ، فأصيب عبيدة ، واستنقذه حمزة وعلي عليهماالسلام ، واشتركا في قتل شيبة.
بان الوهن والفشل في صفوف جيش المشركين بمصرع هؤلاء الثلاثة ، ثم التحم الجشيان ، فكان الإمام علي عليهالسلام يصول في الميدان مخترقا صفوف المشركين يبدد جموعهم بسيفه ، يبارز ذوي الكفاءة والإقدام منهم ، حتى صرع شطر من قتل يوم بدر من المشركين ، وكانوا سبعين قتيلاً ، وشارك المسلمين في قتل عدد آخر منهم ، بمساعدته المقاتلين الذين يشتبكون معهم.
وعندما رأى المشركون كثرة من قتل منهم لاذوا بالفرار ، ولاحقهم المسلمون يأسرون من وقع في أيديهم منهم ، ويجمعون ما استطاعوا جمعه من المتاع ، فعاد المشركون إلى مكة منكوبين قد أثقلتهم خسائر المعركة من القتلى ، والأسرى ، وما
__________________
(١) هذا ما رواه الشيخ المفيد (قدس سره) في الإرشاد ، وهو يخالف ما روي في المصادر السنية التي تتفق على أنّ عبيدة بارز عتبة ، وحمزة بارز شيبة ، ورواية الشيخ المفيد هذه تتفق مع القواعد العربية في مبارزة المتقاربين بالسن عند القتال ، ويؤيدها برواية أبي جعفر الباقر عن جده الإمام علي (ع) ، الإرشاد ٣٣.
غنم منهم من المتاع ، وعاد المسلمون إلى المدينة منتصرين يصحبون معهم من أسروا من المشركين ، وكانوا سبعين أسيراً ، وما غنموا من أسلاب تلك المعركة من متاع ، وسلاح ، وخيل ، وإبل ، ولم يستشهد من المسلمين سوى أربعة عشر ، ولم يؤسر منهم أحد.
واقعة الأحزاب (١)
«ويوم الأحزاب * (إِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّـهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّـهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا * وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا)(٢) * وقال الله تعالى : * (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا)(٣) ، فقتلت عمرهم `، وهزمت جمعهم ، * (وَرَدَّ اللَّـهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّـهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّـهُ قَوِيًّا عَزِيزًا)(٤)» :
اللغة : زاغت : الزيغ : الميل. يقال : زاغ ، يزيغ. وزاغ البصر : أي كلَّ. غروراً : غره ، يغره ، غروراً : خدعه (٥).
__________________
(١) باختصار وتصرف عن : الإرشاد ٤٣ ، أيام العرب في الإسلام ٦٢ ، تاريخ الأمم والملوك ٢ / ٢٣٣ ، تفسير الميزان ١٦ / ٢٨٤ ، السيرة النبوية ٣ / ٦٩٩ ، شرح نهج البلاغة ١٩ / ٦٢ ، شواهد التنزيل ٢ / ١٠.
(٢) الأحزاب ٣٣ : ١٠ ـ ١٣.
(٣) الأحزاب ٣٣ : ٢٢.
(٤) الأحزاب ٣٣ : ٢٥.
(٥) الصحاح.
المنافقون : هم الذين يبطنون الكفر ، ويظهرون الإيمان. والذين في قلوبهم مرض : الشاكين في الإسلام مع إظهارهم كلمة الإيمان (١).
عورة : العورة في الثغور ، والحروب ، والمساكن : خلل يتخوف منه القتل ، وقوله عزوجل : (إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ): أي ليست بحريزة (٢).
سميت هذه الواقعة باسم الأحزاب لتحزب يهود بني النضير مع قريش ، وغطفان ، وخروجهم لحرب النبي المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم في جيش واحد بلغ تعداده أكثر من عشرة آلاف مقاتل ، وكانوا قد اتفقوا مع بني قريظة ـ وهم يهود المدينة ـ على نقض العهد الذي أبرمه هؤلاء مع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأن ينظموا إليهم في حربه ، فاستجابوا ، ونقضوا العهد ، كان ذلك في شهر شوال من السنة الخامسة للهجرة.
استشار النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم المسلمين في البقاء بالمدينة ، والتحصن بها ، وعدم الخروج منها لمواجهة الأعداء ، فوافقوه على ذلك ، وأشار عليه الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنه بحفر خندق حول المدينة المنورة ، ليصد عنها الأعداء ، فاستصوب رأيه ، وأمر بحفره ، فخفَّ المسلمون لحفره ، وعملوا جميعاً فيه ، وكان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يعمل معهم في حفره ، وسميت بواقعة الخندق إشارة إليه.
وبينما كان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يعمل في حفر الخندق أخبر المسلمين بأنَّهم سيفتحون اليمن ، وأنَّهم سيسيطرون على مدائن كسرى ، وعرش قيصر.
وبعد أن تم حفر الخندق ، وصل المشركون إلى مشارف المدينة المنورة ، فوجدوا أمامهم هذا الحصن ، ففتشوا عن موضع يستطيعون العبور منه ، فلم يجدوا ، فقال بعضهم لبعض : (إنَّ هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها) ، وحطوا رحالهم
__________________
(١) التبيان ٥ / ١٣٦.
(٢) كتاب العين.