صورة الأرض - ج ١

أبي القاسم بن حوقل النصيبي

صورة الأرض - ج ١

المؤلف:

أبي القاسم بن حوقل النصيبي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار صادر
المطبعة: مطبعة بريل
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٥٠
الجزء ١ الجزء ٢

مخفرين من بنى قشير ونمير وعقيل وكلاب وليس بالجزيرة مدينة ذات نخيل فى وقتنا هذا أكثر من سنجار إلّا أن يكون على الفرات (١) ونواحى هيت والانبار ،

(١٧) وبين بلد ونصيبين برقعيد وأذرمة فأمّا برقعيد فمدينة كثيرة الزرع من الحنطة والشعير ويسكنها بنو حبيب قوم من تغلب وفيها مغوثة لبنى السبيل وفى أهلها بعض شرّ لأنّهم من سنخ بنى حمدان وشرب أهلها من الأبآر وليس بها بستان ولا كرم ، ومنها الى مدينة اذرمة ستّة فراسخ وكانت مدينة صالحة كثيرة الغلّات وقد فتحها الروم لمّا خرجوا الى نصيبين وأتى المتنصّرة عليها ولم يبق بها إلّا نفر وصبابة لا تجد الى النقلة عنها وجها ولا تعرف سبيلا ، ومنها الى نصيبين تسعة فراسخ ، ومن نصيبين الى دارا مدينة أزليّة كانت للروم طيّبة فى نفسها كثيرة الغلّات والخيرات والخصب فى جميع وجوه الخصب من المآكل والمشارب وما تحويه فكالمجان ، وإن كانت هذه الحال [٦٥ ظ] فى جميع هذه الديار عامّة وبها مشهورة فإنّ الذي أخرجها عمّا كانت عليه ونقلها من أحوالها الى ما هى به ومضافة اليه ما قدّمت ذكره ، وكفرتوثا بين دارا ورأس العين مدينة سهليّة وكان حظّها من كلّ خير جزيلا ووصفها مذ كانت فحسن جميل الى أن افتتحها الروم وكانت فى مستواة من الأرض (٢) ولها شجر وثمر ومزدرع وضياع فى سنة افتتاحهم رأس العين (٣) ، [وفى زمان المؤلّف افتتحها الروم والآن فهى للمسلمين والعاقبة للمتّقين] ، (٤)

(١٨) وكانت رأس العين مدينة ذات سور من حجارة نبيل وكان داخل السور لهم من المزارع والطواحين والبساتين ما كان يقوتهم لولا ما منوا به من الجور الغالب والبلاء الفادح ممّن لا رحم الله منهم شعرة ولا ترك من نسلهم أحدا ليجعلهم آية وعبرة ، وكان يسكنها العرب وبها لهم خطط وفيهم ناقلة من الموصل أصلهم وفيها من العيون ما ليس ببلد من

__________________

(٢) (الفرات) ـ (الفران) ، (١٧) (الأرض) يليه فى حط (وأكبر من دارا) ، (١٨) (العين) ـ (عين)، (١٩) (١٨ ـ ١٩) [وفى زمان ... للمتّقين] من مضافات حب ١٩ ظ ،

٢٢١

بلدان الإسلام وهى أكثر من ثلثمائة عين ماء جارية كلّها صافية يبين ما تحت مياهها فى قعورها على أراضيها وفيها غير عين لا يعرف لها قرار وغير بئر عليها شبابيك الحديد والخشب ويقال أنّها خسيف وقد جعل الشبّاك دون وجه الماء بذراع ونحوه ليحفظ ما يسقط فيها ويقال أنّهم اعتبروا غير بئر بمائين أذرع حبال (١) فلم يبلغوا قعرها وتجتمع هذه المياه حتّى تصير نهرا واحدا ويجرى على وجه الأرض فيعرف بالخابور ويقع الى نواحى قرقيسيا وكان عليه لأهل رأس العين نحو عشرين فرسخا قرى ومزارع وكان لهم غير رستاق وناحية كبيرة كثيرة الضياع والأشجار والكروم على هذه المياه الجارية المذكورة وكان لهم أيضا ضياع مباخس وأعذاء فى ضياعها ومزارعها فلم يبق بالقصبة لهم إلّا نويس فى نفسها على ترقّب من الروم والعرب قد لجؤوا الى بعض قصورها وجعلوه حصنا يأوون اليه عند خوفهم ، ونهر الخابور المذكور عليه مدائن كثيرة (٢) قد شكّلتها ووصفتها كمدينة عرابان وهى مدينة لطيفة كثيرة الأقطان وثياب القطن تحمل منها وتجهّز الى الشأم وغيرها وعليها سور صالح منيع ومن ورائه منعة بمن فيه من الرجال واليها (٣) سكير العبّاس وهى أيضا مدينة لطيفة فيها غلّات وبها رجال وكذلك طلبان والجحشيّة وتنينير (٤) والعبيديّة مدن تتقارب أوصافها وفيها ما له إقليم كبير ورستاق واسع وعمل صالح ودخل وأشجار وكروم وسفر جل موصوف ،

(١٩) ومدينة آمد على جبل من غربىّ دجلة مطلّ عليها من نحو خمسين (٥) قامة وعليها سور أسود من حجارة الأرحية ويسمّى ذلك السور ميمونا لشدّة سواده [وذلك أنّه من حجارة أرحية الجزيرة](٦) وليس لحجارته فى جميع الأرض نظير ومنها ما يساوى الحجر للطحن به بالعراق من خمسين دينارا الى أكثر وأقلّ وسور خلاط وجامعها وأكثر أبنيتها من

__________________

(٥) (حبال) ـ (جبال) ، (١٢) (كثيرة) ـ (كبيرة) ، (١٥) (واليها) ـ (واليه) ، (١٦) (وتنينير) ـ (وتينببر) ، (٢٠) (خمسين) ـ حط (مائة) ، (٢١) [وذلك ... الجزيرة] مأخوذ من حط ،

٢٢٢

هذه الحجارة وكذلك جامعها غير أنّها أصغر منها وأقلّ سمكا فى عرض وطول ، وبآمد مزدرع داخل سورها ومياه وطواحن على عيون تنبع منها وكان لها ضياع ورساتيق وقصور ومزارع برسمها هلكت [٦٥ ب] بضعفهم واقتدار العدوّ عليهم وقلّة المغيث والناصر ولم يبق للمسلمين ثغر أجلّ ولا أمنع جانبا سوره منه وقلّما ينفع السور بغير رجال والسلاح بغير مقاتل وإن دام عليهم ما هم به خيف عليهم لأنّ سلاطينهم أكثر ما يظهر منهم الرغبة (١) فيها إرادة التسمية (٢) على منابرها والدعاء لهم بها دون ما يجب لأهل الثغور على الملوك من تقوية بالمال والكراع والرجال والعدّة والعتاد وقلّما بقى ثغر بالمنى أو ينفعه التسمّى على منابره بالألقاب والكنى أو نكى فى عدوّه شىء ممّا يظاهر به أهل زماننا وملوكنا من ذلك لأنّهم بالجمع والمنع فى شغل عن صلاح الرعايا وتأمّل الرزايا وكأنّى به وقد قيل اسلمه أهله أو دخل تحت الجزية من فيه ، والله من ورائه دافعا ومانعا (٣) ، [قال كاتب (٤) هذه الأحرف دخلتها سنة أربع وثلثين وخمس مائة ولم يكن بها إلّا بقايا رمق وفيها من الصدور والأجلّاء والرؤساء والمشايخ والفضلاء وأرباب العلم والحكم وأصحاب الفقه والأدب وذوى اليسار والمروءة والإفضال والكرم والنوال ومؤاساة الغريب والقريب جماعة فلم يزل بها جور بنى نيسان (٥) وظلمهم وكثرة الاضطهاد والإجحاف والمصادرات والتضييق عليهم ومطالبتهم برسوم ومؤن وضعوها لم تك فيها قبل وتكلفهم ما لا يطاق فألجأهم ذلك الى التشتّت عن الأوطان والبعد عن الأهل والإخوان فخربت بيوتهم وانمحت آثارهم فلم يبق بأسواقها حانوت معمور فضلا أن يقال مسكون ومع ذلك وسمهم بسمة رديّة بحيث كان أحدهم إذا دخل بلدة وقصد ناحية غيّر اسمه وأنكر بلده خوفا على نفسه وصيانة لعرضه ودمه الى أن فرّج الله عمّن بقى بها وافتتحها الملك العالم العادل المؤيّد المظفّر المنصور نور الدين فخر الإسلام أبو عبد الله محمّد بن قرا ارسلان بن داود بن سكمان الارتقىّ خلّد الله دولته وثبّت (٦) وطأته وذلك

__________________

(٧) (الرغبة) ـ (الرغبة) ، (٨) (التسمية) ـ (؟؟؟) ، (١٢) (٥ ـ ١٢) (وقلّما .... ومانعا) مكان ذلك فى حط (وإن ضعف أهله خشى عليه من العدوّ والله يكفيهم ويؤيّدهم) فقط ، (١٣) (١٣ ـ ٤) [قال كاتب .... والمعين] من مضافات حب ١٩ ب ، (١٦) (نيسان) ـ (؟؟؟) ، (٢٣) (وثبّت) ـ (؟؟؟) ،

٢٢٣

فى أوّل سنة تسع وسبعين وخمس مائة فأطلق لهم الأبواب ورفع المكوس ومحى تلك الرسوم المذمومة وفعل فعل الأكارم الأجواد الطلّاعين فى الفضل ذروة الأنجاد مغتنما للذكر الجميل والأجر الجزيل والآن قد دبّت الحيوة فى عروق أهلها اليها وإفاضة العدل من مالكها عليها إن شاء الله تعالى وهو الموفّق والمعين] ،

(٢٠) [وميّافا قين مدينة جليلة عظيمة الخطر عليها سور من حجارة وفصيل وخندق عميق مصطكّة العمارة ضيّقة الأسواق وبها مسجد جامع لا بأس به والفواكه والأشجار والأنهار محتفّة بها وفى هوائها وخامة ما ، وماردين حصن حصين منيع لا يرام ولا يقدر عليه مبنىّ على قلّة جبل شاهق فى الهواء وهو مشرف على تلك الجبال شرقا وغربا شمالا وجنوبا لا يدانيه قلّة جبل البتّة وفيه من الذخائر والعدّة والأسلحة ما لا يمكن حصره ومن تحته فى ناحية الجنوب ربض عامر منغصّ بالسكّان ضيّق الأسواق وليس بين أيديهم حائل يمنعهم من النظر الى برّيّة رأس العين والخابور وسنجار ومياههم من عيون مجرورة فى قنوات وقد استحدثوا الآن الصهاريج والبرك ليجمعوا ماء المطر حيث كثر الخلق وازدادت العمارة ولهم الفواكه الكثيرة اللذيذة والكروم الواسعة والهواء الصحيح والرخص ، وتحتها فى الصحراء من جانب القبلة على أربع فراسخ منها أو أقلّ موضع يعرف بسوق (١) دنيسر كان قبل هذا قرية يجتمع الناس فى صحرائها كلّ يوم أحد للبيع والشرى فانعمرت الآن عمارة كثيرة واتّخذ بها الخانات والفنادق والحمّامات والأسواق والبيع والشرى يجلب اليها الجهاز من سائر البلدان قد استوطنها الناس من كلّ فجّ عميق وكثر بها الارتفاع والضمانات ، وأمّا حصن كيفا فهى قلعة حصينة منيعة ذات شعب مدفونة بين الجبال سوى جانبها المشرف على الدجلة من الجانب الغربىّ عن الدجلة وفيها شعاب وأودية لا يقدر عليها وبين يديها على الدجلة قنطرة عالية حسنة البناء استحدثها الأمير فخر الدين قرا ارسلان بن داود فى عشر خمس مائة وتحتها ربض عامر فيه الأسواق والحمّامات والفنادق والمساكن الحسنة وبناؤهم بالحجر والجصّ ولها رساتيق كثيرة وضياع عامرة وهى وخمة الهواء وبيّة لا سيّما فى الصيف] ، (٢)

(٢١) وجزيرة ابن عمر مدينة صغيرة لها أشجار وثمار ومياه ومرافق وخصب وعليها سور ولمّا بلغها الروم لم يقفوا عليها وبينها وبين الموصل

__________________

(١٥) (بسوق) ـ (للوق) ، (٢٤) (٥ ـ ٢٤) [وميّافارقين ... الى آخر القطعة] كذلك من مضافات حب ١٩ ب ـ ٢٠ ظ ،

٢٢٤

ثلثون فرسخا وهى أيضا على شفا جرف بين الخوف والرجاء وبها تجارة دائمة لو تركتها السلاطين وربح ومضطرب لو لم يجر فيها حكم الشياطين والخوارج وهى فرضة لارمينيه وبلاد الروم ونواحى ميافارقين وارزن وتصل منها الى الموصل المراكب مشحونة بالتجارة كالعسل والسمن والمنّ والجبن والجوز واللوز والبندق والزبيب والتين الى غير ذلك من الأنواع وهى أحسن تلك الناحية عمارة وأرجاها سلامة لوفور أهلها وكثرة خصبها وليست كارزن وميافارقين من خلوّ المنازل وعدم الأكرة وأهل الضياع وقلّة الماشية والكراع ، والجزيرة متّصلة بجبل ثمنين وباسورين وفيشابور وجميعها فى الجبل الذي منه جبل الجودىّ متّصل بآمد من جهة الثغور وأعالى البلد بأعمال مرعش واللكام وبأسافلها ، فلا يبعد من دجلة الى مدينة السنّ التى على شرقىّ دجلة فى حدود جبل بارمّا ويتّصل بجبال شهرزور ، والسنّ مدينة لطيفة بينها وبين تكريت بضعة عشر فرسخا عليها سور قد خرب أكثره وفى أهلها جور وشرّ وبينهم حنات وضغائن وليست ببعيدة الخراب ، وبينها وبين مدينة البوازيج أربعة فراسخ وهى مدينة على الزاب الصغير من غربيّه يسكنها قوم خوارج الغالب عليهم إيواء اللصوص وفعل القبائح وشرى السرقات وما يأخذه بنو شيبان من قطع الطريق ، والى مدينة السنّ مصبّ الزاب الأصغر فى دجلة عن غلوة منها والسنّ مضمومة الى عمل الجزيرة وليس البوازيج منها ولا فى ضمنها لأنّها مذ كانت لمن غلب ،

(٢٢) وديار مضر فهى من هذه الجزيرة قائمة حدودها وكذلك ديار بكر وديار ربيعة تعرف كلّ ناحية من المجاورة لها بأوصافها وأقطارها وحدودها ومدنها ، وأجلّ مدينة لديار مضر الرقّة وهى والرافقة مدينتان كالمتلاصقتين وكلّ واحدة بائنة من الأخرى بأذرع كثيرة وفى كلّ واحدة منهما مسجد جامع [٦٦ ظ] وهما على شرقىّ الفرات وكان لهما عمارة وأعمال ورساتيق وكور فقلّ حظّهما من كلّ حال وضعفت بما حمّلها سيف الدولة

٢٢٥

تجاوز الله عنه من الكلف والنوائب والمغارم ومصادرة (١) أهلها مرّة بعد أخرى وكانت خصبة رخصة الأسعار حسنة الأسواق وفى أهلها ولاء لبنى أميّة شديد ، وفى غربىّ الفرات بين الرقّة وبالس أرض صفّين وبها قبر عمّار بن ياسر وأكثر أصحاب علىّ عليه السلم وصفّين أرض على الفرات مطلّة من شرف عالى السمك [ويرى من كان بالفرات منه عجبا وذلك أنّه يرى قبورا فى موضعين أحدهما أعلى من الآخر ويعدّ فى أحد الموضعين دون العشرة قبور وفى الآخر نحو عشرين قبرا ويصعد الى المكان فلا يرى لذلك أثرا ولا يحسّ منه خبرا وإنّى لأستقبح أن أحكى هذه الحكاية ولكنّى بلغتنى فكذّبتها ثمّ رأيتها فلزمنى حكايتها تصديقا لمن تقدّم بالحكاية الىّ وإن عرّضت نفسى للتهم](٢) على أنّ أكثر من قتل من أصحاب علىّ هناك معروفة قبورهم ، [وخبّرنى من رأى هنالك بيتا ينسب أنّه كان بيت مال علىّ بن أبى طالب عليه‌السلام] ، (٣) وحرّان مدينة تلى الرقّة فى الكبر وهى مدينة الصابئين وبها سدنتهم ولهم بها طربال كالطربال الذي بمدينة بلخ (٤) عليه مصلّى الصابئين يعظّمونه وينسبونه الى إبراهيم وهى بين تلك المدن قليلة الماء والشجر وزروعها مباخس وكان لها غير رستاق عظيم وكورة جليلة فافتتح الروم أكثرها وأناخت بنو عقيل وبنو نمير بعقوتها وببقعتها فلم يبق بها باقية ولا فى رساتيقها ثاغية ولا راغية وهى مدينة فى بقعة يحتفّ بها جبل مسيرة يومين فى مثلها وجميعها مستواة ، ومدينة الرها فى شمال هذه البقعة وكانت وسطة من المدن والغالب على أهلها النصارى وبها زيادة على ثلثمائة بيعة ودير ذى صوامع فيه رهبانهم وبها البيعة التى ليس للنصرانيّة أعظم ولا أبدع صنعة منها ولها مياه

__________________

(١) (مصادرة) ـ (مصاده) ، (١٠) (٥ ـ ١٠) [ويرى ... للتهم] مستتمّ عن حط وقد مرّ هذه الحكاية فى ص. ٣٥ فى صفة ديار العرب ولا بدّ من استتمامها هنا لما يليه فى الأصل ، (١٢) (١١ ـ ١٢) [وخبّرنى ... السلام] مستتمّ عن حط وقد مرّ ذلك أيضا فى ص. ٣٥ ، (١٤) (١٣ ـ ١٤) (طربال ... بلخ) مكان ذلك فى حط (تلّ) فقط ،

٢٢٦

وبساتين وزروع كثيرة نزهة وهى أصغر من كفرتوثا وكان بها منديل لعيسى بن مريم فخرج نقفور فى بعض خرجاته ونزل بهم وحاصرهم وطالبهم به فسلّموه اليه على هدنة واقفوه على مدّتها ، [وهذه البيعة قد خرب أكثرها ولم يبق منها إلّا الطاق الأعظم فى تأريخ ثمانين وخمس مائة](١) ، وجسر منبج وسميساط مدينتان نزهتان ذواتا مياه وبساتين ومباخس وأشجار وهما عن غرب الفرات فى حال اختلال ورزوح حال ،

(٢٣) وأمّا قرقيسيا (٢) فمدينة على الخابور ولها بساتين وأشجار كثيرة وفواكه وهى فى نفسها نزهة ويجلب من فواكهها وفواكه الخابور الى العراق فى الشتاء وإن كان الاختلال قد شابها وبينها وبين مدينة الخانوقة (٣) يومان وهى مدينة لطيفة رزحة الحال وقتنا هذا [ابتناها ملك بن طوق صاحب الرحبة](٤) ، ورحبة ملك بن طوق أكبر منها وهى كثيرة الشجر والمياه فى شرقىّ الفرات (٥) وقد عراها الاختلال وهى ذات سور صالح ولها نخيل وثمر وسقى كثير من جميع الغلّات ، وهيت مدينة وسطة عن غربىّ الفرات وعليها حصن وهى أعمر المدن المتقدّم ذكرها وتحاذى تكريت فى الحدّ الغربىّ من العراق وتكريت فى شمال العراق وبهيت قبر عبد الله بن المبارك الزاهد العابد الأديب ، والانبار بلد السفّاح وكانت داره التى يسكنها عامرة آهلة كثيرة النخل والزروع الجيّدة والثمار والأسواق (٦) الحسنة على شرقىّ الفرات فتغيّرت وخربت ومنها أبو بكر بن مجاهد صاحب القراآت ومن لم يساوه فى القراآت أحد ونجم منها غير رئيس فى صناعة الكتابة والفقه والعلم ،

(٢٤) [٦٦ ب] وبالجزيرة برارىّ ومفاوز وسباخ بعيدة الأقطار تنتجع

__________________

(٤) (٣ ـ ٤) [وهذه ... مائة] من مضافات حب ٢٠ ظ ، (٧) (قرقيسيا) ـ (قرقيسا) ، (٩) (الخانوقة) ـ (الحانوقه) ، (١١) (١٠ ـ ١١) [ابتناها ... الرحبة] من مضافات حب ٢٠ ظ ، (١٢) (١١ ـ ١٢) (فى شرقىّ الفرات) يوجد هنا فى هامش حب (أقول الرحبة فى غربىّ الفرات هكذا رأيتها سپاهى زاده) ، (١٧) (والأسواق) تابعا لحب ـ (رالاسوار) ،

٢٢٧

لامتيار (١) الملح والأشنان والقلى وكان يسكنها قبائل من ربيعة ومضر أهل خيل وغنم وإبل قليلة وأكثرهم متّصلون بالقرى وبأهلها فهم بادية حاضرة فدخل عليهم فى هذا الوقت من بطون قيس عيلان الكثير من بنى قشير وعقيل وبنى نمير وبنى كلاب فأزاحوهم عن بعض ديارهم بل جلّها وملكوا غير بلد وإقليم منها كحرّان وجسر منبج والخابور والخانوقة وعرابان وقرقيسيا والرحبة فى أيديهم يتحكّمون فى خفائرها ومرافقها ،

(٢٥) والزابيان نهران عظيمان كبيران إذا جمعا كانا كنصف دجلة وأكثر وهما من شرقيّها ومخرجهما من الجبال التى بين نواحى اذربيجان متسرّبة من أقتار ارمينيه ونواحى اذربيجان من جنوبيّها وبين ذين النهرين مراع كثيرة وبلاد كانت الضياع بها ظاهرة والسكّان بها الى عن قريب على حال صالحة وافرة فتكاثرت عليهم البوادى واعتورتهم الفتن فصارت قفارا من السكّان يبابا بعد العمران وهى فى الشتاء متشاتى للأكراد الهذبانيّة (٢) ومصائف لبنى شيبان ،

(٢٦) ومدينة تكريت على غربىّ دجلة وأكثر أهلها نصارى مطلّة على جبل عظيم شاهق وعلى ظهر هذا الجبل منها الموضع المعروف بالقلعة وكانت حصنا ذا مساكن ومحالّ يشملها [٦٧ ظ] سور حصين وهى قديمة أزليّة وتجمع سائر فرق النصارى وبها من البيع والأديرة القديمة التى تقارب عهد عيسى عليه السلم وأيّام الحواريّين لم تتغيّر أبنيتها (٣) وثاقة وجلدا ومن أعظم بيعة بها محلّا وأقدمها بيعة الخضراء ، وأبنيتهم بالجصّ والحجر والآجرّ والحصى (٤) ، ومن أسفل تكريت يشقّ نهر الدجيل الآخذ من دجلة على بعض مساكن تكريت وفى فنائها مارّا الى سواد سرّ من رأى فيعمره الى بغداذ ،

(٢٧) وعانة مدينة صغيرة فى وسط الفرات يطوف بها خليج من

__________________

(١) (لا متيار) ـ (لا متياز) ، (١٣) (الهذبانيّة) ـ حط (الهدنانية) ، (١٨) (أبنيتها) ـ (ابنيها) ، (٢٠) (والحصى) ـ (والحصا) ،

٢٢٨

الفرات وبالفرات غير مدينة كهى فى جزيرة قد أحاط بها الماء وقرية حسنة ذات شجر ومساكن وجامع ومن ذلك القغنبى والعبدلية والنهية وتقارب أصاغر المدن فى الحال وتلتفّ مشاجرها (١) بالنخيل والكروم والحديثة ولها جامع وأسواق وتانئة وأهل لهم عدد وألوس وهى دونها ولها جامع وسوق والخزانة وتقارب ألوس فى الحال وهذه المدن وإن كانت فى الماء وقد أحاط بها فلها مزارع وقرى وأكرة وقصور من جانبى الفرات يكثر خيرها ويبين على أهلها نفعها وريعها (٢) ، والدالية مدينة صغيرة بشطّ الفرات عن غربيّه وبها أخذ صاحب الخال الخارج بالشأم على بنى العبّاس ،

(٢٨) [٦٧ ب] وجبل الجودىّ بقرب الجزيرة وفيه القرية المعروفة بثمنين التى يقال أنّ سفينة نوح عليه السلم استقرّت عليه لقوله تعالى واستوفت على الجودىّ (٣) ، [ويتّصل هذا الجبل كما ذكرت بالثغور باللكام ويقال أنّ جميع من كان مع نوح عليه السلم فى السفينة ثمانون رجلا فبنوا هذه القرية ولم يعقب منهم أحد فسمّيت باسم عددهم] ، (٤)

(٢٩) وحصن مسلمة (٥) فإنّ مسلمة بن عبد الملك اتّخذه وكانت طائفة من بنى أميّة تسكنه من تلقاء الفرات وفى حاجره وكان شرب أهله من السماء وأرضه مباخس ، وتلّ بنى سيّار (٦) مدينة كانت صغيرة وكان أكثرها للعبّاس بن عمرو الغنوىّ وقومه فخربت فى مدّة أدركتها ثمّ عمرت وقد عادت الى الخراب حالها بعد أن تراجع اليها أهلها وهى على مرحلة من رأس العين واتّصل خراب تلّ بنى سيّار (٧) بخراب باجروان وكانت منزلا

__________________

(٣) (مشاجرها) ـ (مساجرها) ، (٧) (١ ـ ٧) (وبالفرات ... وريعها ،) يفقد فى حط ويوجد قسم منه فى حب ، (١٢) (واستوفت على الجودىّ) سورة هود (١١) الآية ٤٦ ، (١٤) (١٢ ـ ١٤) [ويتّصل ... عددهم] مأخوذ من حط ، (١٥) (١٥ ـ ١) (وحصن مسلمة ... الرقّة ،) يوجد ذلك فى حط قبل صفة جبل الجودى ، (١٧) (سيّار) ـ (سيّان) ، (٢٠) (سيّار) ـ (سيّان) ،

٢٢٩

خصبا نزها واسعا وكانت عن منكب طريق حرّان الى الرقّة ، وسروج رستاق له مدينة خصبة تعرف بسروج عن شمال طريق حرّان الى جسر منبج حصينة ذات سور كثيرة الأعناب والفواكه والزبيب ويعمل من زبيبها لكثرته الربّ ويتّخذ منه الناطف وهى من حرّان على يوم،

(٣٠) وهذه جمل أخبار الجزيرة وأوصافها وجميعها قد تغيّرت آثارها وانتقلت أحوالها الى النقص والاستحالة ،

٢٣٠

[العراق]

(١) وأمّا (١) العراق فإنّه فى الطول من حدّ تكريت الى عبّادان وعبّادان مدينة على نحر بحر فارس وعرضه من القادسيّة على الكوفة وبغداذ الى حلوان وعرضه بنواحى واسط من سواد واسط [٦٨ ظ] الى قرب الطيب وبنواحى البصرة من البصرة الى حدود جبّى ، والذي يطيف بحدوده من تكريت فيما يلى المشرق حتّى يجوز بحدود سهرورد (٢) وشهرزور ثمّ يمرّ على حدود حلوان وحدود السيروان والصيمرة وحدود الطيب والسوس حتّى ينتهى الى حدود جبّى ثمّ الى البحر فيكون فى هذا الحدّ من تكريت الى البحر تقويس ويرجع على حدّ المغرب من وراء البصرة فى البادية على سواد البصرة وبطائحها الى واسط ثمّ على سواد الكوفة وبطائحها الى الكوفة ثمّ على ظهر الفرات الى الانبار ثمّ من الانبار الى حدّ تكريت بين الدجلة والفرات وفى هذا الحدّ من البحر على الانبار الى تكريت تقويس أيضا ، وهذا المحيط بحدود العراق وستأتى أوصافه مفصّلة إن شاء الله ،

(٢) والصورة التى فى باطن هذه الصفحة صورة العراق ،

[٦٨ ب]

إيضاح ما يوجد فى صورة العراق من الأسماء والنصوص ،

قد صوّر فى أعلى الصورة بحر فارس وينصبّ فيه نهر دجلة قاطعا لوسط الصورة ، ويقرأ فى القسم الأعلى من الصورة من جانبى النهر صورة (٣) العراق ، وفى الزاويتين الأعلايين جنوب العراق ومشرق العراق ، وكتب من جانبى النهر على شكل خطّين مقوّسين حدّ العراق وموازيا للخط الأيسر حدود خوزستان ثمّ حدود الجبل ثمّ حدود اذربيجان ، وفى أسفل الصورة فى الزاوية اليمنى مغرب العراق ،

__________________

(٢) (وأمّا) ـ (فامّا) ، (٦) (سهرورد) ـ (شهروزد) ، (١٨) (صورة) ـ (صورره) ،

٢٣١

٢٣٢

وقد رسم على جانب النهر الأيمن ابتداء من البحر من المدن عبادان ، الابله ، الابله مرة ثانية ، واسط ، نهر سابس (١) ، ثمّ شكل مدينة لا اسم فيها ثمّ النعمانيه ، المدائن ، بغداذ ، تكريت ، الموصل ، بلد ، ويأخذ من الابله نهر الابله وحذاء نهايته مدينة البصره ، وعن يمين البصرة شكّلت دائرة كتب حولها بطائح البصره وما عليها من القرى والأعمال ويأخذ من تلك الدائرة نهر ينصبّ فى دجلة عند واسط وفى وسط هذا النهر دائرة ثانية يقرأ حولها مرّة أخرى بطائح البصره وما عليها من القرى والأعمال وبين هذه الدائرة وماء البصرة نهر يقرأ عنده نهر معقل ، وعن يمين ذلك ناحية متّصلة بخطّ الحدّ كتب فيها رايغة (٢) من بلاد الكوفه والبصره ومن وراء الخطّ بهذه الزنقة رمل أصفر متّصل برمال البصره والبادية والهبير ، ثمّ يقع من أسفل ذلك على الخطّ المقوّس من المدن القادسيه وعن يسارها الكوفه ثمّ الحيره ،

ويوازى نهر دجلة فى القسم الأسفل من الصورة نهر الفرات ويتشعّب فى عدّة شعب تأخذ اثنتان منها الى بغداذ وهما الصراه ونهر عيسى ، ثمّ عن يمينهما نهر صرصر وعليه مدينة صرصر ، ثمّ نهر الملك وعليه مدينة كوثا ربا ، وبين هذا النهر والشعبة التالية الى اليمين من المدن سورا ، القصر (٣) ، نهر الملك ، بابل ، وبين الشعتين الآخرتين مدينة الجامعان (٤) ، وتجتمع هاتان الشعبتان فى دائرة كتب حولها بطائح الكوفه وما عليها من القرى والأعمال ويشار الى هذه الناحية كلّها بكتابة سواد الكوفه على شكل صليبىّ ، وعلى سمت واسط يقطع نهر دجلة بكتابة سواد واسط وكتب واسط فى كلّ واحد من جانبيه على شكل صليبىّ،

وعلى جانب دجلة الأيسر رسم من المدن ابتداء من البحر سليمانان ، بيان ، المفتح ، واسط مرّة ثانية ، فم الصلح ، جبل (٥) ، وعن يسارها دير العاقول ، ثمّ كلواذى ، بغداذ مرّة ثانية ، البردان ، عكبرا ، العلث ، الجويث (٦) ، الكرخ ، سرّ من رأى ، الدور (٧) ، السن ، الحديثه ، ويصبّ فى دجلة عند فم الصلح نهر كتب عنده النهروان وعليه من المدن ابتداء من دجلة جرجرايا ، اسكاف بنى جنيد ، النهروان وحذاءها النهروان مرّة ثانية ،

__________________

(٢) (سابس) ـ (سايس) ، (٨) (رايغة) كذا فى الأصل ، (١٤) (القصر) يعنى (قصر ابن هبيرة) ، (١٥) (الجامعان) ـ (خانقين) ، (٢٠) (جبل) ـ (جيل) ، (٢١) (الجويث) ـ (الحويث) ، (٢٢) (الدور) يعنى (دور الخرب) ،

٢٣٣

ويأخذ من النهروان طريق الى اليسار الى حلوان عليه من المدن الدسكره ، جلولا ، خانقين ، قصر شيرين (١) ، وينصبّ عند كلواذى نهر آخر بينه وبين دجلة دقوقا وخولنجان ،

(٣) (٢) [٦٩ ظ] هذا الإقليم أعظم أقاليم الأرض منزلة وأجلّها (٣) صفة وأغزرها جباية وأكثرها دخلا وأجملها أهلا وأكثرها أموالا وأحسنها محاسن وأفخرها صنائع وأهله فأوفرهم عقولا وأوسعهم حلوما وأفسحهم فطنة فى سالف الزمان والأمم الخالية وبمثله تجرى أمور أمّة الآخرة يقرّ بذلك لهم أهل الطاعة والفضائل ولا يمترى فيه أهل الدراية والحصائل ، ورأيت ببعض الخطوط القديمة أنّه كان يجبى لقباذ السواد دون سائر أعماله وما كان تحت يده وسلطانه مائة ألف ألف وخمسين ألف ألف مثقال وأنّ عمر ابن الخطّاب رضى الله عنه أمر بمساحته فكان طوله من العلث فى جرى دجلة الى عبّادان مائة وخمسة وعشرين (٤) فرسخا وعرضه من عتبة (٥) حلوان الى العذيب ثمنين (٦) فرسخا عامرة مغلّة لا يقطعها (٧) بور ولا يلحق عمارتها غبّ ولا فتور فبلغت جربانه ستّة وثلثين ألف ألف جريب فوضع على كلّ جريب للحنطة أربعة دراهم وعلى الشعير درهمين وعلى جريب النخل ثمنية دراهم وعلى جريب الكرم والرطاب ستّة دراهم وختم على خمس مائة ألف إنسان للجزية على الطبقات وأنّه جبى السواد فبلغت الجباية مائة ألف ألف وثمنية وعشرين ألف ألف درهم ، وجباه عمر بن العزيز مائة ألف ألف وأربعة وعشرين ألف ألف درهم ، وجباه الحجّاج بن يوسف ثمنية (٨) عشر ألف ألف درهم وأسلف الأكرة ألفى ألف درهم وحمل ستّة (٩) عشر ألف ألف ومنع أهل السواد من ذبح البقر فقال شاعرهم

شكونا اليه خراب السواد

فحرّم فينا لحوم البقر ،

__________________

(٢) (قصر شيرين) ـ (قصر سيرين) ، (٤) يوجد القطعة (٣) فى حب ٢٢ ظ ، (٥) (وأجلّها) ـ (واجلّه) وكذلك فيما يلى ، (١١) (عشرين) ـ (عشرون) ، (١٢) (عتبة) ـ حب (عقبة) ، (١٣) (ثمنين) ـ (ثمنون) ، (١٤) (يقطعها) ـ (؟؟؟) ، (١٩) (ثمنية) ـ حب (مائة ألف ألف وثمانية) ، (٢٠) (ستّة) ـ حب (مائة ألف ألف وستّة) ،

٢٣٤

قال واجتبى لكسرى ابرويز خراج مملكته سنة ثمانى عشرة من ملكه أربعمائة ألف ألف (١) مثقال وعشرين ألف [ألف] مثقال قال ثمّ بلغت الجباية بعد ذلك ستّمائة ألف ألف مثقال ، [وأمّا فى زماننا هذا وهو تأريخ سنة خمسين وخمسمائة فهو (٢) أكثر ممّا ذكره أضعافا مضاعفة لا أحيط بمقداره ،](٣)

(٤) فأمّا ذكر مسافاته فمن حدّ تكريت الى البحر ممّا يلى المشرق على تقويسه فنحو شهر ومن البحر راجعا فى حدّ المغرب على تقويسه الى تكريت فمثل ذلك ، ومن بغداذ الى سرّ من رأى ثلث (٤) مراحل ومن سرّ من رأى الى تكريت مرحلتان ، ومن بغداذ الى الكوفة أربع مراحل ومن الكوفة الى القادسيّة مرحلتان ومن بغداذ الى واسط ثمانى مراحل ومن بغداذ الى حلوان ستّ مراحل والى حدود الصيمرة والسيروان نحو ذلك ، ومن واسط الى البصرة ثمانى مراحل ومن الكوفة الى واسط على طريق البطائح ستّ مراحل ومن البصرة الى البحر مرحلتان ، وعرض العراق على سمت بغداذ من حلوان الى القادسيّة إحدى عشرة مرحلة وعرضه (٥) على قمّة (٦) سرّ من رأى من الدجلة الى حدّ شهرزور (٧) والجبل نحو خمس (٨) مراحل والعامر منه أقلّ من مرحلة والعرض من واسط الى نواحى خوزستان نحو أربع مراحل ومن البصرة الى جبّى [مدينة أبى علىّ الجبّائىّ](٩) مرحلة ،

(٥) فأمّا مدنها [٦٩ ب] فإنّ البصرة مدينة عظيمة ولم تكن فى أيّام العجم وإنّما اختطّها المسلمون أيّام عمر بن الخطّاب رضى الله عنه ومصّرها عتبة بن غزوان فهى خطط وقبائل كلّها ويحيط بغربيّها البادية مقوّسة وبشرقيّها مياه الأنهار مفترشة ، وذكر بعض المؤلفين من أصحاب الأخبار أنّ أنهار البصرة عدّت أيّام بلال (١٠) بن أبى بردة فزادت على مائة ألف نهر وعشرين ألف نهر تجرى فى أكثرها الزواريق وكنت أنكر ما ذكره من

__________________

(٢) [ألف] مستتمّ عن ابن خرداذبه ص. ١٥ ، (٥) (فهو) يفقد فى حب ، (٤) (٣ ـ ٤) [وأمّا ... مقداره ،] من مضافات حب ٢٢ ظ ، (٧) (ثلث) ـ حط (نحو ثلث) ، (١٣) (وعرضه) ـ (وعرضها)، (١٤) (قمّة) ـ (؟؟؟) ، (١٥) (شهرزور) ـ (شهرروز) ، (١٦) (خمس) ـ (خمسين) ، (١٧) [مدينة ... الجبّائىّ] مأخوذ من حط ، (٢١) (بلال) ـ (بلاد) ،

٢٣٥

هذا العدد فى أيّام بلال حتّى رأيت كثيرا من تلك البقاع فربّما رأيت فى مقدار رمية سهم عددا من الأنهار صغارا تجرى فى جميعها السميريّات (١) ولكلّ نهر اسم ينسب به الى صاحبه الذي احتفره أو الى الناحية التى يصبّ اليها ويفرع ماؤه (٢) فيها وأشباه ذلك من الأسامى فجوّزت أن يكون ذلك كذلك فى طول هذه المسافة وعرضها ولم أستكثره ، وهى من بين سائر العراق مدينة عشريّة ولها نخيل متّصلة من عبداسى الى عبّادان نيّف وخمسين (٣) فرسخا متّصلة لا يكون الإنسان منها بمكان إلّا وهو فى نهر ونخيل أو يكون بحيث يراهما ، وهى فى مستواة لا جبل فيها ولا يكون بحيث يقع البصر على جبل بتّه ، وبها آثار أمير المؤمنين صلوات الله عليه وغير موقف معروف مذ أيّام الجمل وقبر طلحة بن عبيد الله (٤) فى نفس المدينة وخارج المربد فى البادية قبر أنس بن مالك والحسن البصرىّ وابن سيرين والمشاهير من علماء البصرة وزهّادها الى يومنا هذا ، ومن مشاهير أنهارها نهر الأبلّة وطوله أربعة فراسخ ما بين البصرة والأبلّة وعلى جانبى هذا النهر قصور وبساتين متّصلة كأنّها بستان واحد قد مدّت على خيط ورصفت بالمجالس الحسنة والمناظر الأنيقة والأبنية الفاخرة والعروش العجيبة والأشجار المثمرة والفواكه اللذيذة والرياحين الغضّة المركّب (٥) منها مثل الحيوان والبرك الفسيحة المرصوفة ولا تخلو من المتنزّهين بغرائب الملاذّ وتحفّ المتظرّفين منحدرين ومصعدين (٦) ، ويتشعّب فوق البصرة ومن تحتها أنهار كثيرة فمنها ما يقارب هذا النهر فى الكبر ولا يدانيه فى الجمال وحسن المنظر الأنيق ، وكأنّ نخيلها غرست ليوم واحد ، وهذه الأنهار الكبار كلّها متخرّقة بعضها الى بعض وكذلك عامّة أنهار البصرة حتّى إذا جاءهم

__________________

(٢) (السميريّات) ـ حط (السماريّات) ، (٤) (ماؤه) ـ (ماء) ، (٧) (وخمسين) ـ (وخمسون) ، (١٠) (طلحة بن عبيد الله) يلى ذلك فى حب (والزبير بن العوام) ، (١٦) (المركّب) ـ (المركب) ، (١٨) (١٥ ـ ١٨) (ورصفت .... ومصعدين) يوجد ذلك فى حط بعد (يراهما) فى السطر ٨ المتقدّم إلّا أنّ النصّ فى حط أخصر وموضعه فى حب كما فى الأصل ،

٢٣٦

مدّ البحر تراجع الماء فى كلّ نهر حتّى يدخل نخيلهم وحيطانهم وجميع أنهارهم من غير تكلّف وإذا جزر الماء عنها وانحطّ خلت منه البساتين والنخيل وبقيت أكثر الأنهار خالية فارغة ، ويغلب على مياههم الملوحة وأكثر ما يستسقون الماء لشربهم إذا جزر الماء من آخر حدّ نهر معقل لأنّه يعذب هناك فلا يضرّه ماء البحر وعلى نهر معقل أيضا أبنية شريفة ومساكن حسنة عالية وقصور مشيّدة وبساتين وضياع واسعة غزيرة كبيرة عظيمة ، وكان على ركن الأبلّة فى دجلة بين يدى نهرها خور عظيم الخطر جسيم الضرر دائم الغرر وكانت أكثر [٧٠ ظ] السفن تسلم من سائر الأماكن فى البحر حتّى ترده فيبتلعها وتغرق فيه بعد أن تدور على وجه الماء أيّاما وكان يعرف بكرداب الأبلّة وخورها فاحتالت له بعض نساء بنى العبّاس (١) بمراكب اشترتها فأكثرت منها وأوسقتها بالحجارة العظام وبلّعتها ذلك المكان فابتلعها وقد توافت على مقدار فانسدّ المكان وزال الضرر فى وقتنا هذا عمّا كان عليه ، وأكثر أبنيتها بالآجر وهى مدينة عظيمة جليلة خصبة بما حوته عامرة وافرة الأهل حسنة النظم [حتّى أنّ (٢) من طرف نهر معقل إذا سار الإنسان على خطّ مستقيم الى ناحية القبلة يكون بين السور (٣) وبين طرف النهر نحو فرسخ أو أكثر ، قال كاتب هذه الأحرف دخلتها سنة سبع وثلثين وخمس مائة وقد خربت ولم يبق من آثارها إلّا الأقلّ وطمست محالها فلم يبق بها إلّا محالّ معلومة كالنحّاسين وقساميل وهذيل والمربد وقبر طلحة وقد بقى فى محلّة بيوت معدودة وباقى بيوتها إمّا خراب وإمّا غير مسكونة وجامعها باق فى وسط الخراب كأنّه سفينة فى وسط بحر لجّىّ وسورها القديم قد خرب وبينه وبين ما قد بقى من العمارة مسافة بعيدة وكان القاضى عبد السلام الجيلىّ رحمه‌الله قد سوّر على ما بقى سورا بينه وبين السور القديم دون النصف فرسخ فى سنة ستّ عشرة (٤) وخمس مائة وسبب خرابها ظلم الولاة والجور وأيضا فى كلّ سنة مرّة أو مرّتين تشنّ عليهم البادية الغارات وأكثرهم خفاجة وابتدأ خرابها منذ خرج بها البرقعىّ وادّعى أنّه علوىّ وتحصّن بنهر الخصيب ومحاصرة أحمد الموفّق

__________________

(١١) (العبّاس) يلى ذلك فى هامش حب (وهى زبيدة) ، (١٤) (١٤ ـ ٧) [حتّى أنّ .... بقيّة] من مضافات حب ٢٢ ب ، (١٥) (بين السور) ـ (السور) ، (٢٢) (عشرة) ـ (عشر) ،

٢٣٧

ابن المتوكّل وسمعت جماعة من أهل البصرة يقولون كان بها فى زمن الرشيد بن المهدىّ أربعة آلاف نهر يجبى له فى كلّ يوم من كلّ نهر مثقال ذهب ودرهم نقرة وقوصرة تمر وسمعت الشيخ وهب بن العبّاس وكان من جملة الوعّاظ المعروفين بالبصرة يحكى عن والده العبّاس أنّه قال كان على باب المحلّة التى يسكنها دكّان بقّال منفرد عن السوق وأنّ ذلك البقّال شكا الى العبّاس قلّة المعاش وذكر أنّه كان يشترى من دكّانه فى كلّ سنة عشرة مكاكىّ خردل دون باقى الحوائج وفى سنتى هذه قد بقى من مكّوكى (١) خردل بقيّة ،] وللبصرة من استفاضة الذكر بالتجارة والمتاع والمجالب والجهاز الى سائر أقطار الأرض ما يستغنى بشهرته عن إعادة ذكر فيه ، ولها من المدن عبّادان والأبلّة والمفتح والمذار فى مجارى مياه دجلة وهى مدن صغار متقاربة فى الكبر عامرة (٢) ، والأبلّة أكبرها (٣) وأفسحها رقعة [وهى أحد حدود البصرة من جهة نهرها](٤) والأبلّة من بينها عامرة وبها أسواق صالحة [ولها حدّ آخر من عمود دجلة مكان يتشعّب منها النهر المعروف بنهر الابلّة](٥)(٦) وينتهى عمود دجلة الى البحر بعبّادان [بعد أن يضرب اليه نهر الابلّة] ، وفى أضعاف قراها آجام كثيرة وبطائح الماء تسير فيها السفن بالمرادى لقرب قعرها كأنّها كانت على قديم (٧) الأيّام أرضا مسكونة ويشبه أن يكون لمّا بنيت البصرة وشقّت أنهارها وكثرت واستغلق بعضها على بعض فى مجاريها تراجعت المياه وغلبت (٨) على ما سفل من أرضها فصارت بطائح وآجاما ، وللبصرة كتاب يعرف بكتاب البصرة ألّفه عمر بن شبّة قبل كتاب الكوفة ومكّة يغنى عن ذكر شىء من أوصافها وهذه الكتب موجودة فى جميع الأماكن ، وأمّا ارتفاعها وقتنا هذا من وجوه أموالها

__________________

(٦) (مكّوكى) ـ (مكوكين) ، (١٠) (٨ ـ ١٠) (ولها .... عامرة) يوجد مكان ذلك فى حب ٢٢ ب و ٢٣ ظ (ولها من المدن عبّادان وبلجان [فى النسخة (و؟؟؟)] والأبلة والمشان ومطارا وهى الآن [يليه فى الهامش (وهو التأريخ الذي يقال له المركب)] عامرة قرى متقاربة فى الكبر والمشان أكبرها) ، (١١) (أكبرها) ـ (أكثرها) ، (١٢) (١٠ ـ ١١) [وهى أحد .... نهرها] مأخوذ من حط ، (١٣) (١١ ـ ١٢) [ولها ... الابلّة] مأخوذ من حط ، (١٤) [بعد أن ... الابلّة] مأخوذ من حط ، (١٥) (قديم) ـ (قدم) ، (١٧) (وغلبت) ـ (وغلت) ،

٢٣٨

كلّها وجباياتها من أعشارها [وجماجمها](١) ومصالحها وضمان البحر بلوازم المراكب فإنّه زاد وكثر وغلا وغزر وحضرته سنة ثمان وخمسين فكان ذلك فى يد أبى الفضل الشيرازىّ ستّة آلف ألف درهم ،

(٦) ومدينة واسط على جانبى دجلة ودجلة تشقّها بنصفين والنصفان متقابلان (٢) بينهما جسر سفن يعبر عليه من أراد من أحد الجانبين الآخر وفى كلّ جانب مسجد جامع وهى مدينة محدثة فى الإسلام استحدثها الحجّاج ابن يوسف وبها حضر الحجاز (٣) وهى مدينة تحيط بحدّها الغربىّ البادية بعد مزارع يسيرة وهى خصبة كثيرة الشجر والنخل والزرع وأصحّ هواء من البصرة وليس لها بطائح ولها أرض واسعة ونواح فسيحة وعمارة متّصلة وبها قوام مدينة السلم إذا أسنتت نواحيها أو عيهت ، ونواحى واسط عمل مفرد من أعمال العراق لعامل جليل نبيه خطير وحضرتها وقد جرى ذكر عقدها على أبى الفضل (٤) فى سنة ثمان وخمسين وكان ستّة آلف ألف درهم ،

(٧) ومدينة الكوفة قريبة الأوصاف من البصرة وهواؤها أصحّ وماؤها أعذب وهى على الفرات وبناؤها كبناء البصرة ومصّرها سعد بن أبى وقّاص وهى خطط لقبائل العرب إلّا أنّها خراج بخلاف البصرة لأنّ ضياع الكوفة قديمة أزليّة وضياع البصرة أحياء موات فى الإسلام ، والقادسيّة والحيرة والخورنق على سيف البادية ممّا يلى المغرب ويحيط بها ممّا يلى المشرق النخيل والأنهار والزروع وهى والكوفة فى أقلّ من مرحلتين ، والحيرة مدينة قديمة أزليّة طيّبة التربة مفترشة البناء وقد خفّ أهلها بل لم يبق منهم إلّا القليل بعمارة الكوفة وبينها وبين الكوفة نحو الفرسخ ،

__________________

(١) [وجماجمها] مأخوذ من حط ، (٥) (٤ ـ ٥) (على جانبى ... متقابلان) يوجد مكان ذلك فى حب ٢٢ ظ (على الدجلة من الجانب الغربىّ وفى الجانب الشرقىّ قرية ينسبونها الى أنّها من واسط) ، (٧) (حضر الحجاز) ـ (حضر الححار) ، (١٢) (١١ ـ ١٢) (وحضرتها ... الفضل) ـ حط (وحضرت ارتفاعها الى الديوان بمدينة السلام) ،

٢٣٩

وبالكوفة (١) قبر أمير المؤمنين علىّ صلوات الله عليه ويقال أنّه بموضع يلى زاوية جامعها وأخفى من أجل بنى أميّة خوفا عليه وفى هذا الموضع دكّان علّاف ويزعم أكثر ولده أنّ قبره بالمكان الذي ظهر فيه قبره على فرسخين من الكوفة وقد شهّر أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان هذا المكان وجعل عليه حصارا منيعا وابتنى على القبر قبّة عظيمة مرتفعة الأركان من كلّ جانب لها أبواب وسترها بفاخر الستور وفرشها بثمين الحصر السامان وقد دفن فى هذا المكان [٧٠ ب] المذكور جلّة أولاده وسادات آل أبى طالب من خارج هذه القبّة وجعلت الناحية ممّا (٢) دون الحصار الكبير تربا لآل أبى طالب ، والكوفة فى هذا الوقت وأعمالها وسوادها مضافة (٣) الى ضمان مدينة السلام ومرفوعة أعمالها الى دواوينها وحضرت ارتفاع السواد سنة ثمان وخمسين وقد ضمنه (٤) أيضا أبو الفضل وسائر طساسيج العراق دون زيادة الصنجة وحقّ بيت المال فكان ثلثين ألف ألف درهم ، والقادسيّة مدينة على شفير البادية صغيرة ذات نخيل ومياه ويزرع بها الرطاب الكثيرة ويتّخذ منه القتّ علفا لجمال الحاجّ وغيرها وليس للعراق بعدها من ناحية البادية وجزيرة العرب ماء يجرى ولا شجر ،

(٨) ومدينة السلام محدثة فى الإسلام ابتناها أبو جعفر المنصور فى الجانب الغربىّ من دجلة وجعل حواليها قطائع لحاشيته ومواليه وأتباعه كقطيعة الربيع والحربيّة وغيرهما ثمّ عمرت وتزايدت فلمّا ملكها المهدىّ جعل معسكره فى الجانب الشرقىّ فسمّى عسكر المهدىّ وتزايد بالناس والبنيان وكثرت عمارتهم وانتقل اسم الخلافة الى الجانب الشرقىّ ودار من بيده حال من اسم المملكة وعمل الى أسفل هذا الجانب بالمخرّم (٥) واستحدث الدار التى فى أسفلها للسلطان وليس بما وراءها بنيان للعامّة متّصل ، وتتّصل قصور السلطان وبساتينها من بغداذ الى نهر بين فرسخين على

__________________

(١) (وبالكوفة) تابعا لحط وفى الأصل (وبينهما) ، (٨) (ممّا) ـ حط (وما) ، (٩) (مضافة) ـ (مضاف) ، (١١) (ضمنه) ـ (ضمّه) ، (٢١) (بالمخرّم) ـ (بالمخرم) ،

٢٤٠