أبي سعيد عبد الرحمان بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى الصدفي المصري
المحقق: الدكتور عبد الفتاح فتحي عبد الفتاح
الموضوع : رجال الحديث
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
الصفحات: ٥٦٨
بسنة. ومات زكرياء قبله بسنتين (١) ، وكان زكرياء أشد بأصحاب الحديث (٢).
ذكر من اسمه «يونس» :
٦٩٨ ـ يونس بن يزيد الأيلىّ (٣) : يكنى أبا يزيد. كان من موالى بنى أمية (٤). مات سنة اثنتين وخمسين ومائة (٥).
__________________
(١) كذا ورد فى (تهذيب التهذيب) ١١ / ٣٦٧. والصواب ما جاء فى (سير النبلاء) ١٠ / ٤٨٦ (مات قبل يوسف بعشرين سنة. وهو أحفظ وأجلّ من أخيه (يوسف بن عدى). ويؤكد تاريخ وفاته ما ورد فى ترجمة (زكريا بن عدىّ) فى (تهذيب التهذيب) ٣ / ٢٨٦ ، والتقريب ١ / ٢٦١ ، فورد فيهما أنه توفى ببغداد سنة ٢١١ ، أو ٢١٢ ه.
(٢) تهذيب التهذيب ١١ / ٣٦٧. وأضاف قائلا : روى عن عبيد الله بن عمرو الرقى ، ومالك ، ورشدين بن سعد ، والهيثم بن عدى ، وأبى بكر بن عياش. روى عنه البخارى ، وابنه (محمد) ، وأبو حاتم ، وأبو زرعة الرازيان. ثقة ، ذهب إلى مصر تاجرا ، فمات بها.
(٣) فى نسبه زيادة : (ابن أبى النّجاد. ويقال : ابن النجاد ، مولى معاوية بن أبى سفيان (تاريخ الإسلام ٩ / ٦٧٤ ، وتهذيب التهذيب ١١ / ٣٩٥).
(٤) السابق ١١ / ٣٩٧ (قال ابن يونس).
(٥) تاريخ الإسلام ٩ / ٦٧٤ (قال أبو سعيد بن يونس). وفى (تهذيب التهذيب) ١١ / ٣٩٧ : قال القاسم بن محمد ، وسالم بن عبد الله بن عمر : زعموا أنه توفى بصعيد مصر سنة ١٥٩ ه. وأضاف الذهبى فى (تاريخ الإسلام) ٩ / ٦٧٤ : أنه روى عن عكرمة ، والقاسم ، وسالم ، ونافع ، والزهرى. روى عنه الليث ، وابن وهب ، وابن أخيه (عنبسة بن خالد الأيلى). وهو أفضل من روى عن الزهرى ، وكان الأخير ينزل عليه ب (أيلة) ، ثم يزامله إلى المدينة. ثقة.
باب الكنى
حرف الطاء :
٦٩٩ ـ أبو طعمة (١) الأموى : هو هلال مولى عمر بن عبد العزيز. يكنى أبا طعمة. كان يقرئ القرآن بمصر (٢).
حرف العين :
٧٠٠ ـ أبو عبد الرحمن بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن كثير بن الصّلت : هو مدينى ، قدم مصر ، وحدّث بها ، وخرج إلى الإسكندرية ، فحدّث بها أيضا. وكانت وفاته سنة اثنتين وستين ومائتين. يروى عن إسماعيل بن أبى أويس (٣).
٧٠١ ـ أبو عروة المراوحىّ : بصرىّ ، قدم مصر قديما. روى عنه المفضل بن فضالة. وكان أول من عمل المراوح بمصر (٤).
حرف الفاء :
٧٠٢ ـ أبو الفضل الزّبادىّ : أندلسى. والزّباد : ولد كعب بن حجر بن الأسود بن الكلاع. توفى سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة. حدّث هو وأخوه عبد الرحمن (٥).
__________________
(١) بضم أوله ، وسكون المهملة (التقريب) ٢ / ٤٤٠.
(٢) تهذيب الكمال ٣٣ / ٤٣٧ (قال أبو سعيد بن يونس) ، وتهذيب التهذيب ١٢ / ١٥٣ (قال ابن يونس) ، وطبقات القراء لابن الجزرى ٢ / ٣٥٦ (ذكره ابن يونس فى تاريخه). وأضاف ابن حجر فى (تهذيب التهذيب) ١٢ / ١٥٣ : أنه شامى ، سكن مصر. روى عن مولاه ، وعبد الله ابن عمر. روى عنه عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ، وابن لهيعة ، وعبد الرحمن بن يزيد ابن جابر. ثقة ، ولم يصح رمى مكحول له بالكذب. ويحتمل أنه طعن من فوقه فى الرواية (من روى عنه مكحول). (السابق ، والتقريب ٢ / ٤٤٠).
(٣) الأنساب ٥ / ٣٥ (قال أبو سعيد بن يونس).
(٤) السابق ٥ / ٢٥٠ (قال أبو سعيد بن يونس فى آخر كتاب الغرباء). والأدق : ورد قرب نهاية كتاب الغرباء).
(٥) السابق ٣ / ١٢٧ (ذكره أبو سعيد بن يونس).
حرف الميم :
٧٠٣ ـ أبو المهاجر الرّيّىّ (١) الأندلسى العامل : ذكره الخشنى فى كتابه ، وقال : كان على أحسن طريقة ، وأجمل مذهب (٢).
* * *
تم ـ بحمد الله تعالى ـ تجميع ما تيسر لى من بقايا كتاب : «تاريخ الغرباء» للمؤرخ المصرى ابن يونس الصدفى.
__________________
(١) نسبة إلى (ريّة) من بلاد الأندلس.
(٢) السابق ٣ / ١١٨ (هكذا قاله أبو سعيد بن يونس).
التعريف بالمؤرخ
«ابن يونس»
ودراسة كتابيه
بسم الله الرّحمن الرّحيم
التعريف بالمؤرخ ابن يونس ، وأسرته ، ودراسة كتابيه
(٢٨١ ـ ٣٤٧ ه)
تقديم :
ها نحن أولاء ندلف إلى دراسة المؤرخ المصرى (ابن يونس) ، وهو من المهتمين بالكتابة فى مجال «التراجم» ، ويمكن تحديد نقاط البحث فيه ، فيما يلى :
أولا ـ التعريف العام بأسرته :
١ ـ جده. ٢ ـ والده. ٣ ـ إخوته.
ثانيا ـ التعريف بالمؤرخ (ابن يونس).
ثالثا ـ دراسة كتابيه : «تاريخ المصريين ، وتاريخ الغرباء».
أولا ـ التعريف العام بأسرة «ابن يونس» :
١ ـ جده (١) :
هو أبو موسى ، يونس بن عبد الأعلى بن موسى بن ميسرة بن حفص بن حيّان
__________________
(١) يمكن مراجعة ترجمة (يونس بن عبد الأعلى) فى المصادر ، والمراجع التالية ، مرتبة ترتيبا زمنيا : (الجرح والتعديل ، لابن أبى حاتم : مجلد ٤ ، قسم ٢ ص ٢٤٣ ، ومروج الذهب للمسعودى ٢ / ٥٧٧ ، وتاريخ المصريين لابن يونس (ترجمة ١٤١٧) ، وكتاب القضاة للكندى ص ٤٥٤ ـ ٤٥٦ ، والثقات لابن حبان ٩ / ٢٩٠ ، وطبقات فقهاء الشافعية للعبادى ص ١٨ ـ ١٩ ، والانتقاء لابن عبد البر ص ١١١ ـ ١١٢ ، وطبقات الفقهاء للشيرازى (ط. إحسان عباس) ص ٩٩ ، وترتيب المدارك مجلد ٢ ص ٧٨ ـ ٨٠ ، والأنساب ٣ / ٥٢٩ ، وتهذيب الأسماء واللغات للنووى : ج ٢ من القسم الأول ص ١٦٨ ، ووفيات الأعيان ٧ / ٢٤٩ ـ ٢٥٤ ، وتهذيب الكمال ٣٢ / ٥١٣ ـ ٥١٦ ، وسير النبلاء ١٢ / ٣٤٨ ـ ٣٥١ ، ومعرفة القراء الكبار للذهبى ١ / ١٥٦ ـ ١٥٧ ، وتذكرة الحفاظ (ط. دار إحياء التراث العربى) : ج ٢ من مجلد ١ ص ٥٢٧ ـ ٥٢٨ ، ومرآة الجنان ٢ / ١٧٦ ـ ١٧٧ ، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكى ٢ / ١٧٠ ـ ١٨٠ ، وطبقات
الصّدفىّ (١) المصرى. وأمه : فليحة بنت أبان بن زياد بن نافع التّجيبى ، مولى بنى الأوّاب من تجيب (٢).
وعلى ذكر والدة جد مؤرخنا «ابن يونس» ، فإن بعض المصادر لم تضن علينا ببعض مادة ، ألقت بها الأضواء على شخصية والد جد مؤرخنا «أى : جده الثانى» ، وهو «أبو سلمة ، عبد الأعلى بن موسى» ، الذي يعد من أهل مصر ، وكان رجلا صالحا. والظاهر أنه كان يمتلك فضل عقل وحكمة ـ ورثها ابنه يونس عنه من بعد ، كما سنرى ـ إذ أثر عنه قوله لابنه : «يا بنىّ ، من اشترى ما لا يحتاج إليه ، باع ما يحتاج إليه». قال ابنه يونس معقّبا : والأمر ـ عندى ـ كما قال. ولد عبد الأعلى سنة إحدى وعشرين ومائة ، وتوفى سنة إحدى ومائتين «فى شهر المحرم» (٣).
__________________
الشافعية للإسنوى ١ / ٣٣ ـ ٣٤ ، والبداية والنهاية ١١ / ٤٠ ، وطبقات القراء ، لابن الجزرى ٢ / ٤٠٦ ـ ٤٠٧ ، والكواكب السيارة ١٠٤ ـ ١٠٥ ، وتهذيب التهذيب ١١ / ٣٨٧ ـ ٣٨٨ ، والتقريب ٢ / ٣٨٥ ، وحسن المحاضرة ١ / ٣٠٩ (من الأئمة المجتهدين) ، ٤٨٦ (من أئمة القراءات) ، وخلاصة الخزرجى ٣ / ١٩٣ ، وشذرات الذهب ٢ / ١٤٩ ، والتاج المكلل ص ١٥٥ ، والأعلام للزركلى ٨ / ٢٦١).
(١) هذه النسبة إلى (الصّدف) بكسر الدال ، وهى قبيلة من حمير نزلت مصر ، وتنسب إلى (الصدف بن سهل بن عمرو). (الأنساب ٣ / ٥٢٨). وذكر ابن خلكان : أنها بكسر الدال ، وفتحها (نقلا عن السّهيلىّ). وفتحوا الدال فى النسب مع كسرها فى غير النسب ؛ كى لا يوالوا بين كسرتين قبل ياءين. وقد وردت بعض تعليلات لتسمية الصدف بهذا ، فقيل : لأنه صدف بوجهه عن قومه ، جهة حضرموت ، لما عزموا على ردم سيل العرم. وقيل : سمى (الصّدف بن سهيل ـ لا سهل ـ بن عمرو) بذلك ؛ لأنه قتل رسول أحد ملوك غسّان إليه ، ثم فرّ ، فكلما سئل عنه حىّ من أحياء العرب ، قالوا صدف عنّا. ثم لحق بكندة ، فنزل بهم. وأكثر الصدف بمصر ، وبلاد المغرب. (وفيات الأعيان ٧ / ٢٥٣ ـ ٢٥٤). وهكذا ، فإن أسرة مؤرخنا ابن يونس من اليمن أصلا ، وإن كنا لا ندرى من أى القبائل تحديدا ؛ لأن ابن يونس ذكر أنهم ليسوا من أنفس (الصدف) ، ولا من مواليهم (تاريخ المصريين : ترجمة ١٤١٧). فلعلهم ألحقوا بهم إلحاقا فى (ديوان مصر).
(٢) ذكر ابن يونس أمّ جده (فليحة) فى كتابه : (تاريخ المصريين) حوالى ثلاث مرات فى تراجم أرقام : (٥١٣) ، و (١٤١٧) ، و (١٤٥٩) ، وذلك عند الترجمة لجدها (زياد بن نافع التجيبى) ، وفى ترجمة ابنها (يونس بن عبد الأعلى) ، وأخيرا فى ترجمتها فى (باب النساء).
(٣) الأنساب ٣ / ٥٢٩ ، ووفيات الأعيان ٧ / ٢٥٣.
علومه ، ومعارفه :
عاش «يونس بن عبد الأعلى» عمرا طويلا ، امتد ما بين مولده فى «ذى الحجة» سنة سبعين ومائة (١٧٠ ه) ، حتى وفاته ـ غداة الاثنين ـ ليومين مضيا ـ أو بقيا ـ من شهر ربيع الآخر سنة أربع وستين ومائتين (٢٦٤ ه) (١). وهو عمر مديد ـ كما نرى ـ يقارب أربعة وتسعين (٩٤) عاما (٢) ، يمكن تلخيصه فى الأفكار الآتية :
أولا ـ فى مجال القراءات ، والتفسير :
تلقى يونس بن عبد الأعلى القرآن الكريم على يد القارئ المشهور «ورش ، ولد ١١٠ ـ ت ١٩٧ ه) (٣) ، الذي كان أجلّ تلاميذ القارئ «نافع المدنى ت ١٦٩ ه) (٤). ويبدو أن يونس صار إماما فى القراءات ، إذ ضمّ ـ إلى ذلك ـ قراءة حمزة (٥). ويكفى أن نذكر أن الإمام الطبرى (٢٢٤ ـ ٣١٠ ه) ، الذي وفد إلى مصر ، أواسط القرن الثالث الهجرى (٦) ، قد تلقى على يونس بن عبد الأعلى القراءة ، فسمع منه حرف نافع ،
__________________
(١) تاريخ المصريين ، لابن يونس (ترجمة رقم ١٤١٧) ، والثقات ٩ / ٢٩٠ (مات هو والمزنى سنة ٢٦٤ ه) ، وطبقات الفقهاء للشيرازى ص ٩٩ (شرحه) ، وتهذيب الأسماء واللغات ج ٢ من ق ١ ص ١٦٨ (ولم يحدد يوم الوفاة) ، وسير النبلاء ١٢ / ٣٤٨ ، ٣٥١ (توفى فى اليوم الثانى من ربيع الآخر) ، وحسن المحاضرة ٢ / ٣٠٩. ويلاحظ أن تاريخ ميلاده حرّف إلى سنة ١٠٧ ه فى (معرفة القراء الكبار) ١ / ١٥٦.
(٢) سير النبلاء ١٢ / ٣٥١. وقد سلكت بعض المصادر مسالك شتى فى تقدير عمر يونس ، فذكر المسعودى أنه بلغ ٩٢ سنة (المروج) ٢ / ٥٧٧. واقترب ابن العماد من الصواب ، فجعل عمره (٩٣ سنة) ـ (شذرات الذهب) ٢ / ١٤٩. وأخيرا ، فقد ابتعد ابن حجر عن الصواب ، لمّا ذكر أن يونس عاش ٩٦ سنة (التقريب) ٢ / ٣٨٥.
(٣) راجع تعريفى به فى كتابى : (الحياة الثقافية) ج ١ ص ٨١ ـ ٨٢.
(٤) راجع تعريفى به فى (المرجع السابق) ١ / ٧٨.
(٥) صرح بجمعه قراءة حمزة ابن عبد البر فى (الانتقاء) ص ١١٢. وورد أن الطبرى أخذ القراءة على يونس ، عن علىّ بن كيسة ، عن سليم بن عيسى ، عن حمزة (معجم الأدباء ١٨ / ٦٦ ـ ٦٧) ، والقرآن وعلومه فى مصر ص ٢٤٨). وحمزة المذكور هو ابن حبيب الزيات الكوفى (ولد ٨٠ ه ، وتوفى سنة ١٥٨ ه). تلقيت قراءته بالقبول ، (تهذيب التهذيب) ٣ / ٢٤ ـ ٢٥. وحول إمامة يونس فى القراءات ، وتصدره للإقراء ، راجع : (سير النبلاء ١٢ / ٣٤٩ ، وتهذيب التهذيب ١١ / ٣٨٨ ، وحسن المحاضرة ١ / ٣٠٩ ، وشذرات الذهب ٢ / ١٤٩).
(٦) وردت روايتان فى (معجم الأدباء) لياقوت : إحداهما : تفيد أنه سار إلى الفسطاط سنة ٢٥٣ ه (ج ١٨ / ٥٢). والثانية : تذكر أنه ورد إلى مصر سنة ٢٥٦ ه (ج ١٨ / ٥٥).
برواية ورش عنه. ويبدو أن الطبرى حذق هذه القراءة ، فصار الناس يقصدونه ؛ ليعلمهم إياها بعد عوده إلى بغداد (١).
وبالنسبة للتفسير ، فقد كان ل «يونس بن عبد الأعلى» أثر كبير فى الاحتفاظ بقدر عظيم من تفسير «ابن وهب» ؛ إذ كان يونس كثير الرواية عنه. ولما قدم الطبرى إلى مصر ، روى تفسير ابن وهب ، عن يونس ، فضمن له البقاء ، وحفظه من الضياع والاندثار ؛ إذ ضمّنه الطبرى مرويات تفسيره الكبير (٢).
ثانيا ـ فى مجال الحديث :
١ ـ اهتم «يونس بن عبد الأعلى» برواية حديث رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وبلغ فى ذلك المدى. ومن أساتيذه الذين روى عنهم : عبد الله بن وهب «وهو من أروى الناس عنه» (٣) ، وشعيب بن الليث (٤) ، وأنس بن عياض الليثى (٥) ، وسفيان بن عيينة ، والوليد
__________________
(١) طبقات القراء ، لابن الجزرى ٢ / ١٠٦ ـ ١٠٨ ، ورسالتى للماجستير ج ٢ ص ١٠.
(٢) دكتوراه (مدارس مصر الفقهية) للدكتور نبيل غنايم ص ٧٦ ، ورسالتى للماجستير ج ٢ ص ١٣ (هامش ١ وبه نماذج عديدة لمرويات تفسيرية رواها الطبرى فى تفسيره عن يونس عن ابن وهب).
(٣) الانتقاء ، لابن عبد البر ص ٤٩.
(٤) قال ابن أبى حاتم فى (الجرح والتعديل) ، مجلد ٢ ق ١ ص ٣٥١ : حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، عن شعيب بن الليث. ومن ثم ، فإنى أعتقد عدم صحة ما ورد فى (الكواكب السيارة) لابن الزيات ص ١٠٥ ، عندما زعم أن يونس كان وكيل الليث (أى : على ضياعه) ، وكان يجلس فى حلقة الليث إذا غاب. وكذلك لا يصح فيه ما ورد عن شعيب ، أنه روى عن أبيه الليث قوله : وددت لو قاسمنى يونس على شطر مالى ، ولكن يمنعه ورعه. كل ذلك لا يجوز ؛ لأن يونس كان ابن خمس سنوات عند وفاة الليث ، فعلاقته أحرى أن تكون مع ابنه شعيب (ت ١٩٩ ه) ، لا مع الليث نفسه. وقد رأى ذلك ـ أيضا ، من قبل ـ محمود محمود حسن فى رسالته للماجستير عن (الحياة العلمية فى مصر من قيام الطولونيين إلى سقوط الإخشيديين) ص ١١١. وبناء على ما تقدم يجب تأويل ما ورد فى (سير النبلاء) ١٠ / ٢٣ ، من أن يونس قال للشافعى : صاحبنا الليث يقول : لو رأيت ذا هوى يمشى على الماء ، لرفضته. قال الشافعى : قصّر. لو مشى فى الهواء ، ما قبلته. فتعبير (صاحبنا الليث) لا يعنى رواية يونس عن الليث ، لكنه يقصد شيخنا وعالم مصرنا ، ممن سمعنا مروياته عن ابنه مثلا.
(٥) هو أبو ضمرة المدنى. ولد سنة ١٠٤ ه ، وتوفى سنة ٢٠٠ ه. وقد أثنى عليه يونس ، فقال : ما رأيت أحدا أحسن خلقا من أبى ضمرة ، ولا أسمح بعلمه منه. قال لنا : «لو تهيأ لى أن أحدّثكم بكل ما عندى فى مجلس ، لفعلت». (تهذيب الكمال ٣ / ٣٥٢ ، وتاريخ الإسلام ١٣ / ١١٣).
ابن مسلم ، والشافعى ، وأشهب ، ويحيى بن حسان التنيسى ، وغيرهم كثيرون (١). ولم يكن يستنكف أن يروى عمن هو دونه سنا وعلما ، ما وجد لديه جديدا (٢).
٢ ـ بلغ يونس بن عبد الأعلى منزلة سامية بين نقّاد الحديث النبوى الشريف ، فأثنوا على علمه وعمله ، ووصفوه بالورع والصلاح والعبادة (٣). قال عنه يحيى بن حسان : يونسكم هذا من أركان الإسلام (٤). وكان أبو محمد «عبد الرحمن بن أبى حاتم» يحكى أن أباه «أبا حاتم الرازى» كان يوثّق يونس ، ويرفع من شأنه (٥). وليس هذا فقط ، فقد وثقه النسائى (٦) ، وابن حبّان (٧) ، وعدّه غيره من جلّة المصريين (٨).
٣ ـ ويغلب على الظن أن المحدّث «يونس بن عبد الأعلى» لم يكن يعتمد على حفظ الحديث وفهمه ، والقيام به فحسب (٩) ، وإنما كانت له مدوّنات ، بها الأحاديث التى يرويها ، أو تروى له ؛ بدليل أن حفيده المؤرخ ابن يونس كان عنده كتاب جده ، فنظر فيه ، فرأى به سماع أحد أقران يونس من ابن وهب (١٠). وهذه إشارة مهمة إلى البيئة
__________________
(١) راجع : (سير النبلاء) ١٢ / ٣٤٩ ، وتهذيب التهذيب ١١ / ٣٨٧.
(٢) وخير مثال على ذلك : روايته عن (أبى حاتم الرازى تلميذه المتوفى سنة ٢٧٧ ه ، وهو أكبر منه). (سير النبلاء ١٢ / ٣٤٩ ، والبداية والنهاية ١١ / ٦٣).
(٣) توالى التأسيس ، لابن حجر ص ٤١ ، وحسن المحاضرة ١ / ٣٠٩ ، وشذرات الذهب ٢ / ١٤٩.
(٤) سير النبلاء ١٢ / ٣٥٠ ، وطبقات السبكى ٢ / ١٧١ ، وتهذيب التهذيب ١١ / ٣٨٨ ، وحسن المحاضرة ١ / ٣٠٩.
(٥) الجرح والتعديل مجلد ٤ / ق ٢ ص ٢٤٣ ، وتوالى التأسيس ٤١.
(٦) تهذيب الأسماء واللغات ، للنووى ج ٢ من ق ١ ص ١٦٨ ، وسير النبلاء ١٢ / ٣٥٠ ، وطبقات السبكى ٢ / ١٧١.
(٧) الثقات ٩ / ٢٩٠. هذا ، وقد أنكر البعض حديثا رواه يونس عن الشافعى ، ووصف بالغرابة ، وهو حديث : «لا يزداد الأمر إلا شدة ... ولا مهدىّ إلا عيسى ابن مريم» وردّ ابن حجر على ذلك ، وصوّب الحديث ، وذلك فى (توالى التأسيس) ص ٤١ ، وتهذيب التهذيب ١١ / ٣٨٨.
(٨) الانتقاء : ١١٢.
(٩) وفيات الأعيان ٧ / ٢٥٢ ، وسير النبلاء ١٢ / ٣٥٠ ، وتهذيب التهذيب ١١ / ٣٨٨ ، والتاج المكلل ١٥٥.
(١٠) تاريخ المصريين لابن يونس (ترجمة رقم ٥٣٣) ، وهى ترجمة (سعد بن مالك التجيبى) ، وورد بها أن عم المترجم له ، واسمه (خلاوة بن عبد الله) كان قرين يونس فى الطلب ، يكتب معه الحديث ، وهو الذي رأى مؤرخنا ابن يونس سماعه من ابن وهب فى كتاب جده (يونس ابن عبد الأعلى).
الحديثية ، التى نشأ بها ابن يونس المؤرخ ، وكان لها انعكاسها على ثقافته ، وكتابته التاريخية ، كما سنرى بعد.
٤ ـ شجعت المكانة العلمية المتميزة ل «يونس بن عبد الأعلى» طلاب العلم على التتلمذ على يديه ، فممن روى عنه من المصريين : ابنه «أحمد بن يونس» (١) ، وأبو جعفر الطّحاوى (٢) ، وأبو بكر محمد بن سفيان بن سعيد المصرى المؤذن (٣) ، ومحمد بن إدريس الأسود «جار يونس» (٤) ، وعبد الله بن محمد بن الحجاج الدّهشورىّ (٥). وهناك بعض طلاب العلم الأندلسيين ، الذين قدموا إلى مصر ؛ للتلقى على يونس ، مثل : أسلم بن عبد العزيز القاضى (٦) ت ٣١٩ ه ، وعبد الله بن محمد الأعرج الشّذونى (ت حوالى ٣١٠ ه) (٧) ، وإبراهيم بن عجنّس (٨) الوشقىّ (٩) ، (ت ٢٧٥ ه) ومحمد بن أسلم اللّاردىّ (ت ٢٩٥ ه) (١٠) ، وبقىّ بن مخلد القرطبى (ت ٢٧٦ ه) (١١) ، ومحمد بن غالب القرطبى (المعروف بابن الصفّار المتوفى سنة ٢٩٥ ه) (١٢). وأحيانا ، كان السماع من يونس صعبا ـ ربما لازدحام حلقة علمه بالطلاب ـ مما يضطر
__________________
(١) تهذيب التهذيب ١١ / ٣٨٧.
(٢) سير النبلاء ١٢ / ٣٤٩ ، وتهذيب التهذيب ١١ / ٣٨٧.
(٣) سير النبلاء ١٢ / ٣٤٩.
(٤) تاريخ المصريين (ترجمة رقم ١١٦٧) ، لابن يونس.
(٥) توفى سنة ٣٢٢ ه ، وهو أحد المنتسبين إلى قرية (دهشور) قبلى الجيزة من مصر. (ضبطها السمعانى بالحروف ، وبالشكل فكسر (الدال). (الأنساب ٢ / ٥١٦). وضبطت بفتح الدال فى (معجم البلدان) ج ٢ ص ٥٥٩.
(٦) هو أسلم بن عبد العزيز بن هاشم (لا هشام ، كما حرّفت فى تاريخ الإسلام). وهو قاضى الجماعة بالأندلس فى عهد الناصر. (ذكر الحميدى ترجمته ، وحدّد وفاته سنة ٣١٠ ه). (راجع الجذوة) ١ / ٢٦٧ ـ ٢٦٨. وذكر الذهبى فى (تاريخه) ٢٣ / ٥٨٠ : أنه رحل إلى مصر سنة ٢٦٠ ه ، ولقى بها علماءها ، مثل : يونس بن عبد الأعلى ، وغيره. وجعل وفاته سنة ٣١٩ ه.
(٧) تاريخ ابن الفرضى (ط. الخانجى) ١ / ٢٦٠ ـ ٢٦١.
(٨) حرفت إلى (عجيس) فى (معجم البلدان) ٥ / ٤٣٤.
(٩) المصدر السابق. وفيه ذكر ياقوت : أنه له رحلة ، سمع فيها بمصر من يونس بن عبد الأعلى.
(١٠) تاريخ ابن الفرضى (ط. الخانجى) ٢ / ٢٢.
(١١) تهذيب التهذيب ١١ / ٣٨٧.
(١٢) تاريخ ابن الفرضى (ط. الخانجى) ٢ / ٢٢ ـ ٢٣.
معه بعض التلاميذ للرواية عن غيره ، والاكتفاء بنسخ ومقابلة بعض كتب الحديث ، التى يرويها (١). لم يكن تلاميذ يونس من خارج مصر قادمين من بلاد الأندلس فحسب ، وإنما وفد غيرهم ؛ للتلقى عليه من الأقاليم الإسلامية الأخرى. ومن هؤلاء : أبو زرعة الرازىّ (ت ٢٦٤ ه) ، وأبو حاتم الرازى (ت ٢٧٧ ه) (٢) وأبو بكر بن زياد النيسابورى ، وأبو بكر ابن خزيمة ، وأبو عوانة الإسفرايينى ، ومسلم ، والنسائى ، وابن ماجه (٣).
وهكذا ، شغل علم الحديث عالمنا «يونس بن عبد الأعلى» ، ومثّل جانبا مهما من جوانب ثقافته ، وبلغت مروياته منه كثرة وغزارة ، بحيث اتسعت مروياته ، واتصفت بالوثاقة ، حتى تزاحم عليه طلاب العلم من داخل مصر وخارجها ، يروون عنه حديث رسول الله صلىاللهعليهوسلم. ويلاحظ أنه لم يؤثر عن يونس الارتحال عن بلده مصر (٤) ، لكنه عوّض ذلك ـ فيما يبدو ـ بالنقل عن علماء بلده وأعلامها ، وأخذ وأعطى للمرتحلين وللوافدين عليها من الأقاليم الإسلامية الأخرى ، وظل مرتبطا ببلده ، مقيما بأرضها ، حتى ضم
__________________
(١) ورد أن (سعيد بن عثمان الأعناقى ، وسعد بن معاذ ، ومحمد بن فطيس) أتوا إلى مصر ؛ للسماع من يونس ، فوجدوا أمره صعبا ، فقرأوا على (أحمد بن عبد الرحمن بن وهب) ، وهو محدث معاصر ليونس ، وابن أخى (عبد الله بن وهب) ، قرأوا عليه (موطأ عمه ، وجامعه) ، مقابل دنانير أعطوها إياه. (سير النبلاء ١٢ / ٣٢٢). ثم لما خفّ الطلب على يونس ، انتهزوا الفرصة ، وطلبوا إليه أن يعطيهم كتبه عن ابن وهب ، فقابلوها على ما لديهم من كتب (ابن أخى ابن وهب) ، ثم سألوا يونس : كيف يؤدون روايتها؟ فخيّرهم بين (حدثنا) ، و (أخبرنا).
(تاريخ ابن الفرضى ، ط. الخانجى) ١ / ٣١٤.
(٢) لقى أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح أبا حاتم الرازى ، وتعجب كيف قدم مصر ، وأقام بها منذ شهر ، ولم يأخذ عن يونس. استجاب أبو حاتم لحث أبى الطاهر ، فأقام سبعة أشهر يكتب عنه. (الجرح والتعديل : مجلد ٤ ، ق ٢ ص ٢٤٣). هذا ، وقد كان يونس يعرف لأبى حاتم ، وأبى زرعة الرازيين قدرهما وعلمهما ، فقال عنهما : هما إماما خراسان ، ودعا لهما ، وقال : بقاؤهما صلاح للمسلمين (تاريخ بغداد ١٠ / ٣٣٠ ، وسير النبلاء ١٣ / ٢٥١).
(٣) المصدر السابق ١٢ / ٣٤٩ ، وتهذيب التهذيب ١١ / ٣٨٧.
(٤) ولعله مما يستأنس به على عدم ارتحاله خارج مصر ، خلو المصادر المترجمة له من ذكر ذلك ، وتصريحه للشافعى أنه لم يزر بغداد ، وقد كانت موئل طلاب العلم آنذاك (سأله الشافعى قائلا : يا أبا موسى ، دخلت بغداد؟ قال : لا. قال : ما رأيت الدنيا ، ولا رأيت الناس (وفيات الأعيان ٧ / ٢٥٢ ، والفضائل الباهرة ص ١٨٩).
ثراها الطيب جسده الطاهر (١).
وسوف نلحظ عند دراسة حفيده «ابن يونس» ما مثّله علم «الحديث» من جانب كبير من مكونات ثقافته ، التى انطبع بها مؤلّفاه ، كما سنرى تأثر ذلك الحفيد بجده فى تفضيله المكث بأرض مصر ، وعدم الارتحال إلى خارجها.
ثالثا ـ الفقه :
١ ـ يبدو أن «يونس بن عبد الأعلى» كان على صلة وثيقة بالمذهب المالكى ـ قبل قدوم الشافعى إلى مصر سنة ١٩٩ ه ـ بدليل صلاته الوثيقة ب «عبد الله بن وهب» المتوفى سنة ١٩٧ ه ، الذي كان من أخص تلاميذ الإمام مالك بن أنس «رضى الله عنه». وقد روى عنه يونس بعض الروايات ، عن الإمام مالك (٢).
٢ ـ بعد قدوم الإمام الشافعى إلى مصر تبع يونس مذهبه ، حتى عدّ أحد أصحابه ، والمكثرين فى الرواية عنه ، والملازمة له (٣). وجعله الإمام النووى أحد رواة النصوص الجديدة عنه (٤) «أى : مذهبه الجديد الذي ألّفه فى مصر». هذا ، وقد توطدت الصلات وتعمقت بينهما (٥) ، ووقف الشافعى على عقل وفكر يونس ، حتى قال : لم أر أعقل منه (٦) بمصر.
__________________
(١) ارتبط يونس ببلده مصر ، فنقل ابن خلكان عن القضاعى فى (خطط مصر) أن ليونس حبسا فى الديوان ، وله عقب بمصر ، ودار مشهورة فى خطة (الصدف) ، مكتوب عليها اسمه ، وتاريخها سنة ٢١٥ ه. (وفيات الأعيان) ٧ / ٢٥٠. وفى (المصدر السابق) ٧ / ٢٥٣ : ذكر ابن خلكان : أن وفاة يونس كانت بمصر ، ودفن بمقابر الصدف ، وقبره مشهور بالقرافة.
(٢) راجع بعض هذه الروايات فى (الانتقاء) لابن عبد البر ص ٣٣ ، ٣٧.
(٣) السابق : ص ١١١ (أخذ عن الشافعى كثيرا) ، ووفيات الأعيان ٧ / ٢٤٩ ، وحسن المحاضرة ١ / ٣٠٩ (تفقه بالشافعى) ، وشذرات الذهب ٢ / ١٤٩ (شرحه).
(٤) تهذيب الأسماء واللغات ج ٢ من ق ١ ص ١٦٨.
(٥) توجد شواهد عديدة لعمق الصلات والروابط بين يونس والشافعى (توجيه الشافعى له إلى تعلّم الفقه (الانتقاء ص ٨٤) ، واستثناسه بوجوده فى مناظراته (السابق ٧٨) ، ودخوله عليه فى مرضه الشديد ، وطلب الشافعى إليه أن يقرأ عليه آيات ما بعد العشرين والمائة من آل عمران ، ولمّا همّ يونس بالقيام ، قال له : لا تغفل عنى ، فإنى مكروب. وعلّق يونس قائلا : إنما قصد بالآيات ما لقى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأصحابه (مناقب الشافعى للبيهقى ٢ / ٢٩٢ ـ ٢٩٣).
(٦) وفيات الأعيان ٧ / ٢٥٠ ، وسير النبلاء ١٢ / ٣٥٠ ، وطبقات السبكى ٢ / ١٧١ ، وتهذيب التهذيب ١١ / ٣٨٨ ، وشذرات الذهب ٢ / ١٤٩.
وجدير بالذكر أن يونس استفاد من مصاحبة الشافعى ، فلم يكن مقلدا ، وإنما كان يناقشه ويناظره ، ويختلف معه أحيانا ولا يتفق. لقد تناظرا فى مسألة يوما ، فافترقا ، ثم لقيه الشافعى ، وأخذه بيده ، وقال له : أبا موسى ، ألا يستقيم أن نكون إخوانا ، وإن لم نتفق فى مسألة؟ (١).
٣ ـ وأخيرا ، فقد خلّف لنا يونس ثروة فقهية طيبة ، إذ نقل لنا جانبا من مناظرات الشافعى مع الفقيه الحنفى «محمد بن الحسن الشيبانى» (٢) ، بالإضافة إلى ما احتفظ لنا به السبكى من مسائل فقهية كثيرة ، نقلها يونس بن عبد الأعلى عن أستاذه الإمام الشافعى «رضى الله عنه» (٣). وإلى جانب ما تقدم ، فإنه يبدو أن يونس امتدت صلاته إلى بعض فقهاء إفريقية لدى مجيئهم إلى مصر ، ولعله تناقش معهم ، وعرف ما ل «سحنون المالكى ت ٢٤٠ ه) من قدر فى العلم عظيم (٤). وإذا كنا قد رأينا إشارة ما إلى وجود بعض مدونات حديثية ليونس ، فإننا لم نقف على أية إشارة تفيد تركه أى مصنّف فقهى. وعلى كل ، فلعل ليونس صلات عديدة بعلماء إفريقية ، وغيرها من بلاد المغرب والأندلس لدى نزولهم مصر ، فربما عمرت هذه اللقاءات بمناظرات ومناقشات فقهية. ولعل هذا هو الذي لفت نظر الحفيد المؤرخ «ابن يونس» ، فيما بعد ، لكتابة تراجم هؤلاء العلماء وغيرهم فى كتابه «تاريخ الغرباء».
رابعا ـ اللغة والأدب :
ولا أعنى بذلك أن يونس كان ذا إسهام فى عالم اللغة والأدب ، لكنى أرجح أنه اكتسب من مصاحبة الشافعى فصاحة وبلاغة (٥). ومن هنا ، فقد نقل لنا عن أستاذه
__________________
(١) سير النبلاء ١٠ / ١٦. وعلّق الذهبى قائلا : هذا يدل على كمال عقل الشافعى ، وفقه نفسه ، فلا يزال النظراء يختلفون.
(٢) تاريخ بغداد ٢ / ١٧٧ ـ ١٧٨.
(٣) طبقات السبكى ٢ / ١٧٤ ـ ١٧٧.
(٤) قال عنه : هو سيد أهل المغرب. فردّ حمديس القطّان : أو لم يكن سيد أهل المشرق والمغرب؟! فأكثر يونس من الثناء عليه. (معالم الإيمان ٢ / ٨٢).
(٥) كان يونس أحد المواظبين على حضور حلقات الشافعى العلمية ، وقد كانت جلساته متعددة ، وعلومه كثيرة ومتنوعة. ونتوقع أن يقتبس منه قدرا لا بأس به من فصاحته وبلاغته. لقد عبّر يونس عن بيان الشافعى الساحر بقوله : كانت ألفاظه كأنها سكر (مختصر تاريخ دمشق) ٢١ / ٣٩١. ويمكن مراجعة مجالس الشافعى اليومية ، وبرنامجه اليومى للتدريس والمناظرة فى
الشافعى بعض الحكم النثرية ، والأشعار الحكميّة الطيبة. ومن ذلك قوله : قال لى الشافعى «رضى الله عنه» : «يا أبا موسى ، رضا الناس غاية لا تدرك. ما أقوله لك إلا نصحا ، ليس إلى السلامة من الناس سبيل ، فانظر ما فيه صلاح نفسك فالزمه ، ودع الناس وما هم فيه» (١).
ومما رواه يونس من شعر الشافعى قوله :
ما حكّ جلدك مثل ظفرك |
|
فتولّ أنت جميع أمرك |
وإذا قصدت لحاجة |
|
فاقصد لمعترف بقدرك (٢) |
وأعتقد أن الرجل الذي صحب هذا الإمام العظيم ، الذي يعد آية من آيات البيان الرائع ، والأداء اللغوى الجميل ، ولازمه فى مجالس علمه ، وحضر مناقشاته فى اللغة ، والنحو ، والشعر ، وغير ذلك ، لابد أن يكتسب منه قدرا لا بأس به من بيانه الساحر ، وبلاغته الراقية. ومن هنا ، فأنا أرجح أن تكون هناك بعض مدونات ، سجّلها يونس ، تنطق بالفصاحة والبلاغة. ولعل حفيده المؤرخ «ابن يونس» طالعها ـ فيما بعد ـ وأضاف إليها إضافات ، أسهمت فى تشكيل سماته الأسلوبية ، كما سنرى فى دراسة كتابيه.
خامسا ، وأخيرا ـ وما ذا عن التاريخ؟
لقد طوّفت ـ فيما مضى ـ بمناحى ثقافة «يونس بن عبد الأعلى» ، وعرضتها بإيجاز وتركيز ، محاولا الربط بين الجد والحفيد «ابن يونس المؤرخ» ، على اعتبار أن له تأثيرا كبيرا فى مؤرخنا. والشيء الذي ينبغى أن نلتفت إليه هو موقف «يونس» من التاريخ ، وهل كانت له اهتمامات برواية أحداثه ، تقارب ـ مثلا ـ اهتماماته بالقراءات ، والحديث ، والفقه؟ إننا يمكن تركيز الإجابة عن ذلك فى النقاط الآتية :
بالنظر فى عدد من مرويات «يونس بن عبد الأعلى» ذات الصبغة التاريخية ، فإنه يمكن تقسيمها على النحو الآتى :
__________________
القرآن ، والحديث ، والفقه ، والعربية فى (معجم الأدباء ١٧ / ٣٠٠ ، ٣٠٤). وقد صدرت كلمات بليغات ـ لعلها شعر محفوظ ـ على لسان يونس ، نطق بها لمّا بلغه موت أحد أعدائه ، فقال : (حبذا موت الأعداء بين يديك وأنت تنظر). (القضاة) للكندى ص ٤٧١.
(١) معجم الأدباء ١٧ / ٣٠٤ ، ووفيات الأعيان ٧ / ٢٥٢ (باختصار).
(٢) السابق ، ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور ٢١ / ٤٠٧.
١ ـ فى تاريخ الأنبياء قبل الإسلام :
توجد روايات ثلاث ، رواها عن ابن وهب ، تتعلق بقصص أنبياء الله : داود (١) ، ويونس (٢) ، والذّبيح إسماعيل (٣).
٢ ـ فى أحداث السيرة النبوية :
وردت ـ فى ذلك الصدد ـ عدة روايات ، رواها يونس بن عبد الأعلى ، عن أستاذه ابن وهب ، وهى تتصل ب «موقف السيدة خديجة من الرسول صلىاللهعليهوسلم لما رأى الوحى أول مرة (٤) ، وحاله صلىاللهعليهوسلم لما اتصل به الوحى ، ففرّ منه الرسول صلىاللهعليهوسلم ، ونزلت آيات سورة المدثّر (٥) ، والأنصار فى بيعة العقبة الثانية (٦) ، وأول خطبة خطبها الرسول صلىاللهعليهوسلم بالمدينة (٧) ، وتحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى الكعبة» (٨).
٣ ـ فى تاريخ الراشدين :
من الروايات التى تنسب إلى يونس فى هذا الشأن : «رواية تتعلق باسم أبى بكر : عتيق (٩) ، وحوار طويل دار بين أبى بكر ، وعبد الرحمن بن عوف على فراش أبى بكر فى مرضه ، الذي مات فيه ، بثّ من خلاله شجونه ومخاوفه على المسلمين (١٠) ، وجزء من خطبة لعمر بن الخطاب ، تبرز عظم تحمله مسئولية الخلافة ، وخشيته من الله (١١) ، ورواية تفيد شدة علىّ وصرامته فى الحفاظ على مال المسلمين» (١٢).
__________________
(١) تاريخ الطبرى ١ / ٤٨٣ ـ ٤٨٤.
(٢) المصدر السابق ٢ / ١٦.
(٣) السابق ١ / ٢٦٨.
(٤) السابق ٢ / ٢٩٨ ـ ٢٩٩.
(٥) السابق ٢ / ٣٠٦.
(٦) البداية والنهاية ٣ / ١٦٠.
(٧) تاريخ الطبرى ٢ / ٣٩٤ ـ ٣٩٦ ، والبداية والنهاية ٣ / ٢١١ ـ ٢١٢.
(٨) تاريخ الطبرى ٢ / ٤١٧.
(٩) السابق ٣ / ٤٢٥.
(١٠) السابق ٣ / ٤٢٩ ـ ٤٣١.
(١١) السابق ٤ / ٢٠٢ ـ ٢٠٣.
(١٢) السابق ٥ / ١٥٦.
٤ ـ فى تاريخ القضاة بمصر :
توجد العديد من النصوص التاريخية ، التى تنسب إلى «يونس بن عبد الأعلى» ، وتتعلق بأخبار القضاء والقضاة بمصر. من ذلك : «ما ذكره عن تظاهر أستاذه ابن وهب بالجنون أخريات حياته سنة ١٩٧ ه ؛ كى يفر من تولى منصب القضاء بمصر (١) ، وكذلك انصراف «على بن معبد الرّقىّ ، نزيل مصر» من عند المأمون سنة ٢١٧ ه ، بعد أن رفض ما عرضه عليه من قضاء مصر» (٢). هذا فيما يتصل ببعض من عرض عليهم قضاة مصر ، فأبوا المنصب. وهناك مزيد من النصوص المتعلقة بعدد من قضاة مصر ، منها : «ظروف وملابسات عزل القاضى إسماعيل بن اليسع الكندى الحنفى سنة ١٦٧ ه (٣) ، وما ورد عن خلافات القاضى محمد بن مسروق الكندى (١٧٧ ـ ١٨٤ ه) مع أهل مصر وذمهم إياه ؛ لتعاليه عليهم (٤) ، وما ذكر عن إدخاله النصارى ـ لأول مرة ـ المسجد ؛ لفض خصوماتهم (٥). وهكذا ، عرضت ـ فى إيجاز ـ لثقافة ومعارف «يونس بن عبد الأعلى» جد «المؤرخ المصرى ابن يونس الصدفىّ». ولم يكن ذلك على سبيل الاستطراد ، وإنما كان ذلك العرض ؛ لأجل تلمس الصلات بين الجد والحفيد ، ومدى تأثر مؤرخنا بهذا العالم الثقة الثبت. وقد اتضح لنا من خلال ما مضى ما يلى :
أ ـ أن يونس كان ملما بثقافات وعلوم العصر الذي عاش فيه ، وإن غلبت عليه صفتا «المحدّث الفقيه». وسيكون لثقافته الحديثية تأثير فى مؤرخنا «ابن يونس».
ب ـ أن التاريخ كان يشكل أحد ملامح ثقافته ، وأنه كان على معرفة وإلمام بتاريخ الإسلام والأنبياء بعامة ، وبتاريخ القضاء فى مصر خاصة (٦). ولعل مرد ذلك يرجع إلى
__________________
(١) سير النبلاء ١٤ / ٤٢٤.
(٢) القضاة للكندى ص ٤٤٢ ، وسير النبلاء ١٠ / ٦٣١ ـ ٦٣٢.
(٣) القضاة للكندى ص ٣٧٢.
(٤) السابق ٣٩٠.
(٥) السابق ٣٩٣.
(٦) هذا هو القدر الموضوعى الذي نستطيع نسبته إلى يونس فى ضوء ما لدينا من مادة. وقد وصفه ابن خلكان بأنه «علّامة فى الأخبار ، والصحيح والسقيم ، ولم يشاركه فى زمانه أحد». (وفيات الأعيان) ٧ / ٢٤٩. وهذه مبالغة من ابن خلكان. وأعتقد أن يونس شاركه فى علمه بل فاقه بعض معاصريه. وأسماء الفقهاء فى عصره كثيرة ، منهم : (البويطى ت ٢٣١ ه) ، وكان شيخ
كونه أحد الشهود بمصر فترة ستين عاما (١) ، إضافة إلى ثقافته الفقهية ، التى استمدها من الإمام الشافعى ، والتى جعلت له مكانة متميزة لدى قضاة مصر ، وإن كان تداخله مع رجال السلطة والحكم قد عرّضه للظلم والاضطهاد فى فترة من فترات حياته (٢) ، لكنه خرج من هذه المحنة سليما معافى ، مبرّأ الساحة ، ضاربا أروع الأمثلة فى العفو عمن ظلمه ، والإحسان إلى من أساء إليه (٣).
ح ـ أعتقد أن عمل «يونس» فى مجال القضاء ، قد أطلعه على كثير من المعلومات التاريخية ، التى يتوقع أن يكون احتفظ بقدر منها مدوّن لديه (٤) ، إضافة إلى بعض
__________________
حلقة الشافعى من بعده ، والمزنى الفقيه العظيم (ت ٢٦٤ ه) ، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم الفقيه المالكى الشافعى فى آن (ت ٢٦٨ ه) ، والربيع المرادى تلميذ الشافعى وملازمه (ت ٢٧٠ ه). وأعتقد أن تعبير الزركلى عن علم يونس ، يمكن قبوله ووصفه بالاعتدال ، إذ قال : (عالم بالأخبار ، والحديث). (الأعلام) للزركلى ٨ / ٢٦١.
(١) وفيات الأعيان ٧ / ٢٥٠.
(٢) نقصد بذلك ما تعرض له يونس من ظلم واضطهاد فى إحدى القضايا المعروفة (وخلاصتها : أن أحمد بن أبى أمية دفع بأمواله البالغة ثلاثة وثلاثين ألف دينار إلى عدد من الأوصياء على ابنته (وكان منهم : يونس بن عبد الأعلى) ، فأدوا الأموال إلى يونس إلا واحدا ، كانت عليه ديون ، سددها مما لديه من أموال الوصية. ثم جاء القاضى ابن أبى الليث ، وطالب يونس بالأموال كلها ، وحكم عليه بالسجن بعد أن شهد عليه البعض زورا بتبديد جانب من أموال الوصية (وكان حبسه من سنة ٢٢٨ ـ ٢٣٥ ه). (القضاة) للكندى ص ٤٥٤ ـ ٤٥٥ ، والمدارك ٢ / ٨٠ ـ ٨١.
(٣) ويتضح ذلك من موقف يونس من القاضى (ابن أبى الليث) ، فقد سجنه (قوصرة) ، لما قدم إلى مصر لمحاسبته ، فقيل له : أخرج يونس من محبسه ، فسوف يشهد عليه ، فلما أخرج قوصرة يونس ، قال الأخير : «ما علمت إلا خيرا». وذكر أن الشهود الزور هم الذين ظلموه. ولما أطلق القاضى ابن أبى الليث ـ بعد ذلك ـ للحكم فى قضية أموال الجروىّ ، حكم ليونس بالبراءة (القضاة : ٤٥٥ ، والمدارك ٢ / ٨١). من أجل ذلك ، عرف القاضى ابن أبى الليث فضله عليه ، فلما أخرج من مصر إلى العراق ، قابله القاضى الجديد لمصر (بكار بن قتيبة سنة ٢٤٦ ه) ، وسأله أن يشير عليه بمن يستشيره فى مصر ، فكان يونس أحد من أشار به عليه ، وعلّل ذلك بقوله : لقد قدر علىّ ، فحقن دمى بعد أن كنت سعيت فى دمه. (رفع الإصر ، نشر : جست ص ٥٠٦ ، والطبقات السنية ٢ / ٢٤٤).
(٤) نقل عنه ابن يونس قدرا من المادة فى ترجمة القاضى المصرى إبراهيم بن الجراح ، الذي ولى سنة ٢٠٤ ه حتى ٢١١ ه ، وتوفى سنة ٢١٥ ه). (راجع : تاريخ الغرباء) لابن يونس ، ترجمة (رقم ٧ ، وهوامشها).
الوثائق (١) ، التى لابد أن حفيده المؤرخ قد طالعها ، واستفاد منها ، باعتبارها من الموارد المهمة ، التى استعان بها فى كتابة مؤلّفيه التاريخيين.
٢ ـ أعمامه ، ووالده ، وإخوته :
لم تقف المصادر المتاحة ـ بقدر كاف ـ عند ذكر أبناء المحدّث والفقيه الشافعى «يونس ابن عبد الأعلى». ويبدو أن شهرة الأب العريضة غطّت على أبنائه ، أو أن هؤلاء الأبناء لم يحظوا بالعلوم الغزيرة المتنوعة ، ولا المكانة الاجتماعية المتميزة ، ولا المشاركة الإيجابية فى حركة المجتمع ، فتضاءلت إمكانات ظهورهم ، وبزوغ نجمهم ، فلم يلفتوا أنظار المؤلّفين المترجمين ، ولم يجدوا فى أخبارهم ما يدفعهم للكتابة عنهم ، والاهتمام بهم ، كما اهتموا بالوالد «يونس ، عليه رحمة الله».
من خلال المعلومات اليسيرة ، التى وقفت عليها ، تبيّن لى أن ل «يونس» عددا من الأبناء هم :
١ ـ موسى : ولعله الابن الأكبر ، وبه كان يكنى. ولا ندرى عنه شيئا بعد هذا.
٢ ـ محمد : ولا أدرى عنه سوى أنه توفى مستهل شهر رجب سنة خمسين ومائتين (٢).
٣ ـ عبد الأعلى : ويكنى أبا سلمة. ويبدو أنه كان مهتما بالحديث. كتب عن سعيد بن أبى مريم ، وأبى صالح الحرّانىّ ، وعبد الله بن صالح كاتب الليث بن سعد. ولد سنة ٢٠٤ ه ، وتوفى فى صفر سنة ٢٤٩ ه (٣).
٤ ـ أحمد : وهو ـ فى الغالب ـ أصغر أبناء يونس ، وهو والد المؤرخ «عبد الرحمن ابن أحمد بن يونس». هذا ، وقد عرّف به ابنه المؤرخ المصرى ، فقال (٤) : أحمد بن يونس بن عبد الأعلى الصدفى : يكنى أبا الحسن. كان عديدا للصّدف ،
__________________
(١) راجع إحدى تلك الوثائق التى طالعها ابن يونس ضمن كتب جده يونس ، واحتفظ بها حتى وقت تأليفه كتاب (تاريخ الغرباء). (راجعها فى ذلك الكتاب المذكور ، ترجمة رقم ٣٦٠).
(٢) المقفى ٧ / ٥٢١.
(٣) الأنساب ٣ / ٥٢٩.
(٤) سقطت هذه الترجمة المهمة لوالد مؤرخنا (ابن يونس) سهوا من كتاب (تاريخ المصريين) لابن يونس المؤرخ ، وحقّها أن تذكر به برقم (٦٣ أ).