أبي عبد الله محمّد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد السلماني [ لسان الدين بن الخطيب ]
المحقق: الدكتور يوسف علي طويل
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
الصفحات: ٤٥٦
وقد صافح الأدواح من صفحاته |
|
وحتى (١) حباب بالنّسيم مكسّر |
فما كان في عطف الخليج قلامة |
|
وما كان في وجه الغدير فمغفر |
وفي العقل والتّغرّب : [السريع]
ما أحسن العقل وآثاره |
|
لو لازم الإنسان إيثاره |
يصون بالعقل الفتى نفسه |
|
كما يصوم الحرّ أسراره |
لا سيما إن كان في غربة |
|
يحتاج أن يعرف مقداره |
ومن وصفه الجيش والسلاح : [الكامل]
وكتيبة بالدّارعين كثيفة |
|
جرّت ديول الجحفل الجرّار |
روض المنايا بينها القضب التي |
|
زفّت بها الرّايات كالأزهار |
فيها الكماة بنو الكماة كأنهم |
|
أسد الشّرى بين القنا الخطّار |
متهلّلين لدى اللّقاء كأنهم |
|
خلقت وجوههم من الأقمار |
من كلّ ليث فوق برق خاطف |
|
بيمينه قدر من الأقدار |
من كلّ ماض قد تقلّد مثله |
|
فيصبّ آجالا على الأعمار |
لبسوا القلوب على الدروع وأسرعوا |
|
لأكفّهم نارا لأهل النار |
وتقدّموا ولهم على أعدائهم |
|
حنق العدا وحميّة الأنصار |
فارتاع ناقوس بخلع لسانه |
|
وبكى الصّليب لذلّة الكفّار |
ثم انثنوا عنه وعن عبّاده و |
|
قد أصبحوا خبرا من الأخبار |
وفي السّيف : [البسيط]
وأبيض صيغ من ماء ومن لهب |
|
على اعتدال فلم يخمد ولم يسل |
ماضي الغرار يهاب العمر صولته |
|
كأنما هو مطبوع من الأجل |
أبهى من الوصل بعد الهجر منظره |
|
حسنا وأقطع من دين على ملل (٢) |
وأسمر ظنّ أن (٣) ما كل سابغة |
|
فخاض كالأيم يستشفي من النّهل |
هام الكماة به حبّا ولا عجب |
|
من لوعة بمليح القدّ معتدل |
إذا الطّعين تلقّاه وأرعفه |
|
حسبته عاشقا يبكي على طلل |
__________________
(١) في الأصل : «حتى» ، وكذا ينكسر الوزن.
(٢) في الأصل : «مال».
(٣) كلمة «أن» ساقطة في الأصل ، وقد أضفناها ليستقيم الوزن والمعنى.
ومن ذلك قوله في وصف قوس : [الوافر]
تنكّبها كحاجبه وسوّى |
|
بأهداب الجفون لها نبالا |
فلم أر قبله بدرا منيرا |
|
تحمّل فوق عاتقه هلالا |
ومن ذلك في وصف قلم : [المتقارب]
وأصفر كالصّبّ في رونق |
|
تظنّ به الحبّ ممن نحل |
بديع الصّفات حديد السّبات |
|
يطول الرّماح وإن لم يطل |
يعبّر عمّا وراء الضمير |
|
ويفعل فعل (١) الظّبا والذّبل |
ومن ذلك قوله فيما يظهر منها : [البسيط]
تفاخر السّيف فيما قيل والقلم |
|
والفصل بينهما لا شكّ منفهم |
كلاهما شرف لله (٢) درّهما |
|
وحبّذ الخطّتان الحكم والحكم |
ومن ذلك قوله في سكّين الدواة : [الخفيف]
أنا صمصامة الكتابة ما لي |
|
من شبيه في المرهفات الرّقاق |
فكأنّي في الحسن يوم وصال |
|
وكأنّي في القطع يوم فراق |
ومن ذلك قوله في المقصّ : [الوافر]
ومعتنقين ما اشتهرا بعشق |
|
وإن وصفا بضمّ واعتناق |
لعمر أبيك ما اعتنقا لمعنى |
|
سوى معنى القطيعة والفراق |
ومن ذلك قوله في الورد : [مخلع البسيط]
الورد سلطان كلّ زهر |
|
لو أنّه دائم الورود |
بعد خدود الملاح شيء |
|
ما أشبه الورد بالخدود |
ومن ذلك قوله في الخيريّ : [السريع]
وأزرق كمثل السماء |
|
فيه لمن ينظر سرّ عجيب |
شحّ مع الصّبح بأنفاسه |
|
كأنما الصّبح عليه رقيب |
وباح بالليل بأسراره |
|
لمّا رأى اللّيل نهار الأريب |
__________________
(١) في الأصل : «ما فعل» ، وكذا لا يستقيم الوزن ولا المعنى.
(٢) في الأصل : «شرّف الله» وكذا لا يستقيم الوزن ولا المعنى.
ومن ذلك قوله في الرّيحان : [الوافر]
وأخضر فستقيّ اللون غضّ |
|
يروق بحسن منظره العيونا |
أغار على التّرنج وقد حكاه |
|
وزاد على اسمه ألفا ونونا |
وقال من جملة قصائده المطوّلات التي تفنّن فيها ، رحمه الله : [الطويل]
وغانية يغني عن العود صوتها |
|
وجارية تسقي وساقية تجري |
بحيث يجرّ النهر ذيل مجرّة |
|
يرفّ على حافاتها الزّهر كالزّهر |
وقد هزّت الأرواح خصر كتائب |
|
بألوية بيض على أسل سمر |
رمى قزح نبلا إليها فجرّدت |
|
سيوف سواقيها على دارع النّهر |
وهبّت صبا نجد فجرّت غلائلا |
|
تجفّف دمع الطّلّ عن وجنة الزّهر |
كأنّ بصفح الرّوض وشي صحيفة |
|
وكالألفات القضب والطّرس كالتّبر |
كأنّ به الأقحوان خواتما |
|
مفضّضة فيها فصوص من التّبر |
كأنّ به النّرجس الغضّ أعيا |
|
ترقرق في أجفانها أدمع القطر |
كأنّ شذا الخيريّ زورة عاشق |
|
يرى أنّ جنح اللّيل أكتم للسّرّ |
وقال في وصف الرّمان : [البسيط]
لله رمّانة قد راق منظرها |
|
فمثلها ببديع الحسن منعوت |
القشر حقّ لها قد ضمّ داخله |
|
والشّحم قطن لها (١) والحبّ ياقوت |
ومن ذلك قوله في الجزر : [البسيط]
انظر إلى جزر (٢) في اللون مختلف |
|
البعض من سبج والبعض من ذهب |
إن قلت : قصب فقل : قصب بلا زهر |
|
أو قلت : شمع فقل : شمع بلا لهب |
وفي الاغتراب وما يتعلّق به مما يقرب من المطولات : [الوافر]
غريب كلّما يلقى غريب |
|
فلا وطن لديه ولا حبيب |
تذكّر أصله فبكى اشتياقا |
|
وليس غريبا أن يبكي غريب |
ومما هاج أشواقي حديث |
|
جرى فجرى له الدّمع السّكوب |
__________________
(١) كلمة «لها» ساقطة في الأصل ، وقد أضفناها ليستقيم الوزن والمعنى معا.
(٢) في الأصل : «جذر» وكذا لا يستقيم الوزن ولا المعنى.
ذكرت به الشّباب فشقّ قلبي |
|
ألم تر كيف تنشقّ القلوب؟ |
على زمن الصّبا فليبك مثلي |
|
فما زمن الصّبا إلّا عجيب |
جهلت شبيبتي حتى تولّت |
|
وقدر الشيء يعرف إذ يغيب |
ألا ذكر الإله بكل خير |
|
بلادا لا يضيع بها أديب |
بلاد ماؤها عذب زلال |
|
وريح هوائها مسك رطيب |
بها قلبي الذي قلبي المعنّى |
|
يكاد من الحنين له يذوب |
رزقت الصّبر بلين أبي وأمي |
|
كلانا بعد صاحبه كثيب |
ألا فتوخّ بعدي من أؤاخي |
|
ودع ما لا يريب لما يريب |
ولا تحكم بأول ما تراه |
|
فإنّ الفجر أوله كذوب |
ألا إنا خلقنا في زمان |
|
يشيب بهوله من لا يشيب |
وقد لذّ الحمام وطاب عندي |
|
وعيشي لا يلذّ ولا يطيب |
لحى الله الضّرورة فهي بلوى |
|
تهين الحرّ والبلوى ضروب |
رأيت المال يستر كلّ عيب |
|
ولا تخفى مع الفقر العيوب |
وفقد المال في التّحقيق عندي |
|
كفقد الرّوح ذا من ذا قريب |
وقد أجهدت نفسي في اجتهاد |
|
وما أن كلّ مجتهد مصيب |
وقد تجري الأمور على قياس |
|
ولو تجري لعاش بها اللّبيب |
كأنّ العقل للدّنيا عدوّ |
|
فما يقضي بها أربا أريب |
إذا لم يرزق الإنسان بختا |
|
فما حسناته إلّا ذنوب |
ومن نسيبه قوله في بادرة من حمّام : [الكامل]
برزت من الحمّام تمسح وجهها |
|
عن مثل ماء الورد بالعنّاب |
والماء يقطر من ذوائب شعرها |
|
كالطّل يسقط من جناح غراب |
فكأنها الشمس المنيرة في الضّحى |
|
طلعت علينا من خلال سحاب |
ومن مقطوعاته أيضا قوله : [الكامل]
ومتيّم لو كان صوّر نفسه |
|
ما زادها شيئا سوى الإشفاق |
ما كان يرضى بالصّدود وإنّما |
|
كثرت عليه مسائل العشّاق |
وقال : [مخلع البسيط]
وافى وقد زانه جمال |
|
فيه لعشّاقه اعتذار |
ثلاثة ما لها مثال : |
|
الوجه والخدّ والعذار |
فمن رآه رأى رياضا : |
|
الورد والآس والبهار |
ومن ذلك قوله في ذمّ إخوة السوء : [الكامل]
ليس الأخوّة (١) باللّسان أخوّة |
|
فإذا تراد أخوّتي لا تنفع |
لا أنت في الدّنيا تفرّج كربه |
|
عنّي ولا يوم القيامة تشفع |
وقال كذلك : [الكامل]
ولقد عرفت الدّهر حين خبرته |
|
وبلوت بالحاجات أهل زمان |
فإذا الأخوّة باللسان كثيرة |
|
وإذا الدّراهم ميلق الإخوان |
ومن ذلك قوله في ثقيل : [المتقارب]
تزلزلت الأرض زلزالها |
|
فقلت لسكانها : ما لها؟ |
فقالوا : أتانا أبو عامر |
|
فأخرجت الأرض أثقالها |
ومن ذلك قوله في الصّبر : [السريع]
الدهر لا يبقي على حالة |
|
لكنه يقبل أو يدبر |
فإن تلقّاك بمكروهه |
|
فاصبر فإنّ الدّهر لا يصبر |
ومن ذلك قوله في الموت : [السريع]
الموت سرّ الله في خلقه |
|
وحكمة دلّت على قهره |
ما أصعب الموت وما بعده |
|
لو فكّر الإنسان في أمره |
أيام طاعات الفتى وحدها |
|
هي التي تحسب من عمره |
لا تلهك الدنيا ولذّاتها |
|
عن نهي مولاك ولا أمره |
وانظر إلى من ملك الأرض هل |
|
صحّ له منها سوى قبره؟ |
نثره : قال في كتاب «روضة الأنس» ما نصّه :
«ويتعلّق بهذا الباب ما خاطبني به الفقيه الكاتب الجليل أبو بكر البرذعي ، من أهل بلدنا ، أعزّه الله : أخبرك بعجاب ، إذ لا سرّ دونك ولا حجاب ، بعد أن أتقدّم إليك أن لا تعجل باللوم إليّ ، قبل علم ما لديّ ، فإنّ الدهر أخدع من كفّة الحابل ،
__________________
(١) في الأصل : «لإخوة» وكذا لا يستقيم الوزن ولا المعنى.
وقلب الإنسان للآفات قابل. مشيت يوما إلى سوق الرّقيق ، لأخذ حقّ فؤاد عتيق ، فرأيت بها جارية عسجدية اللون ، حديثة عهد بالصّون ، متمايلة القدّ ، قائمة النّهد ، بلحظ قد أوتي من السّحر أوفر حظّ ، وفم كشرطة رشحت بدم ، داخله سمطان لولا هما ما عرف النّظم ، ولا حكم على الدّر للعظم ، في صدغها لامان ما خطّ شكلهما قلم ، ولا قصّ مثلهما حلم. لها جيد تتمنّاه الغيد ، وخصر هو قبضة الكفّ في الحصر ، وردف يظلمه من يشبه به بالحقف ، ويدان خلقا للوشي ، وقدمان أهلّتا للّثم لا للمشي ، فتطاولت إليه الأعناق ، وبذلت فيها الأعلاق ، والمياسير عليها مغرم في القوم ، وتسوّم أهل السّوم ، وكل فيها يزيد ، ليبلغ ما يريد ، إلى أن جاء فتى صادق في حبّه ، لا يبالي بفساد ماله في صلاح قلبه ، فعدّ المال عدّا ، ولم يجد غيره من التسليم بدّا. فلمّا فاتتني ، تركت الأشواق وأتتني ، وانتقضت عزائم صبري فما أتتني ، فالله الله ، تدارك أخاك سريعا ، قبل أن تلفيه من الوجد صريعا ، واستنزله خادما ، قبل أن تصبح عليه نادما ، ولن أحتاج أن أصفها إليك ، مع ما قصصته عليك ، وقد أهديتها دررا ، فخذها على جهة الفكاهة والدّعابة : [الوافر]
ولا تطلع أخا جهل عليها |
|
فمن لم يدر قدر الشيء عابه |
فأجبته : نعم نعم ، أنعم الله بالك ، وسنى آمالك ، أنا بحول الله أرتاد لك من نحو هاتيك ، ما يسليك ويؤاتيك ، وإلّا فبيضا كاللّجين ، هل القلب والعين ، زهرة غصن في روضة حسن ، ذات ذوائب ، كأنها الليل على نهار ، أو بنفسج في بهار. لها وجه أبهى من الغنا ، وأشهى من نيل المنى ، فيه حاجبان كأنهما قوس صنعت من السّبح ، ورصّعت بعاج من البلح ، على عينين ساحرتين ، بالعقل ساخرتين ، بهما تصاب الكبود ، وتشقّ القلوب قبل الجلود ، إلى فم كأنّه ختام مسك ، على نظام سلك ، سقاه الحسن رحيقه ، فأنبتت درره وعقيقه ، وجيد في الحسن وحيد على صدر كأنه من مرمر ، فيه حقّتا عاج طوّقتا بعنبر ، قد خلقتا للعضّ ، في جسم غضّ ، له خصر مدمج ، وردفه يتموّج ، وأطراف كالعنم ، رقمت رقم القلم ، من اللائي شهدن ابن المؤمّل ، وقال في مثلها الأول ، إن هي تاهت فمثلها تاها ، أو هي باهت فمثلها باها ، من أين للغصن مثل قامتها أو أين للبدر مثل مرآها ، ما فعلت في العقول صابية ما فعلت في العقول عيناها ، تملكني بالهوى وأملكها ، فهأنا عبدها ومولاها ، فأيّهما لست بذلت فيه الجهد ، وأرقيت للمجد والودّ إن شاء الله تعالى. وأنا فيما عرض لسيدي ، حفظه الله ، على ما يحبّ ، أعذره ولا أعذله ، وأنصره ولا أخذله ، لكني أقول كما قال بعض الحكماء : لا ينبغي لمن قلبه رقيق ، أن يدخل سوق الرّقيق ، إلّا أن يكون قد جمع بين المال ، والجمال يتنافس في العالي ،
ويسترخص بالثمن الغالي ، ولا يبالي بما قال الأئمة ، إذا وجد من يلائمه ، كما قال الشاعر : [الخفيف]
ما انتفاع المحبّ بالمال إذ (١) لم |
|
يتوصّل به لوصل الحبيب |
إنما ينبغي بحكم الهوى أن |
|
ينفق المال في صلاح القلوب |
والسلام على سيدي ، ما كانت الفكاهة من شأن الوفاء ، والمداعبة من شيم الظّرفاء ، ورحمة الله وبركاته.
مولده : ولد في محرم سنة إحدى وستمائة.
وفاته : توفي في عام أربعة وثمانين وستمائة.
نقلت من خط صاحبنا الفقيه المؤرخ أبي الحسن بن الحسن ، قال : أنشدني الشيخ الرّاوية الأديب القاضي الفاضل أبو الحجاج يوسف بن موسى بن سليمان المنتشافري ، قال : أنشدني القاضي الفاضل أبو القاسم ابن الوزير أبي الحجاج ابن الحقالة ، قال : أنشدني الأديب أبو الطيب صالح بن أبي خالد يزيد بن صالح بن شريف الرّندي لنفسه ، ليكتب على قبره : [الطويل]
خليليّ ، بالودّ الذي بيننا اجعلا |
|
إذا متّ قبري عرضة للتّرحّم |
عسى مسلم يدنو فيدعو برحمة |
|
فإني محتاج لدعوة مسلم |
حرف العين
من ترجمة الملوك والأمراء
عبد الله بن إبراهيم بن علي بن محمد التجيبي
الرئيس أبو محمد بن إشقيلولة
أوليته : قد مرّ شيء من ذلك في اسم الرئيس أبي إسحاق أبيه.
حاله : كان أميرا شهما ، مضطلعا بالقضية ، شهير المواقف ، أبيّ النفس ، عالي العمة. انتزى على خاله أمير المسلمين الغالب بالله (٢) ، وكان أملك لما بيده من مدينة وادي آش وما إليها ، معزّزا بأخيه الرئيس أبي الحسن مظاهره في الأمر ، ومشاركه في
__________________
(١) في الأصل : «إذا» وكذا ينكسر الوزن.
(٢) الغالب بالله : هو أبو عبد الله محمد بن يوسف ، أول سلاطين بني نصر بغرناطة ؛ حكم غرناطة من سنة ٦٣٥ ه إلى سنة ٦٧١ ه. اللمحة البدرية (ص ٤٢).
السلطان. واستمرّت الحال مدة حياة خاله السلطان ، ولمّا صار الأمر إلى مخيفه ولي العهد (١) ، استشرى الداء ، وأعضل الأمر ، وعمّت الفتنة ، وزاحمه السلطان بالمنكّب ؛ انفجم ، واعتوره بالحيلة ، حتى تحيّف أطرافه ، وكان ما هو معلوم من إجازة أمير المسلمين أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق (٢) البحر إلى الجهاد ، ومال الحال بينه وبين السلطان أمير المسلمين أبي عبد الله بن نصر إلى التّقاطع ، وتصيّرت مالقة إلى الإيالة المغربية ، ثم عادت إلى السلطان.
وفي أخريات هذه الأحوال ، أحكم السلطان مع طاغية الرّوم السّلم ، وصرف وجهه إلى مطالبة الرئيس أبي محمد ، صاحب وادي آش ، فألجأه الحال إلى أن صرف الدعوة بوادي آش إلى السلطان بالمغرب ورفع شعاره ، فأقعد عنه. ووقعت مراسلات أجلت عن انتقال الرئيس أبي محمد إلى المغرب ، معوّضا عن مدينة وادي آش بقصر كتامة (٣) ، وذلك في عام تسعة وثمانين وستمائة.
وفاته : دخلت قصر كتامة يوم الثلاثاء الثاني والعشرين من ذي قعدة عام خمسة وخمسين وسبعمائة في غرض الرسالة ، وزرت مقبرة الرؤساء بني إشقيلولة بظاهرها ، وفي قبّة ضخمة البناء رحيبة الفناء ، نسيجة وحدها بذلك البلد بين منازل البلى وديار الفناء ، وبها قبر الرئيس أبي محمد هذا ، عن يسار الداخل ، بينه وبين جدار القبلة قبر ، وسنامه رخام مكتوب عليه : [المجتث]
قبر عزيز علينا |
|
لو أنّ من فيه يفدى |
أسكنت قرّة عيني |
|
وقطعة القلب لحدا |
ما زال حكما عليه |
|
وما القضاء تعدّى |
فالصّبر (٤) أحسن ثوب |
|
به العزيز تردّى |
وعند رأس السّنام الرخامي ، مهد مائل من الرخام فيه :
«أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم ، صلّى الله على سيدنا محمد وآله ، وسلّم تسليما. هذا قبر الرئيس الجليل ، الأعلى الهمام ، الأوحد ،
__________________
(١) هو أبو عبد الله محمد بن محمد بن يوسف بن نصر ، ثاني سلاطين غرناطة ، وقد حكم من سنة ٦٧١ ه إلى سنة ٧٠١ ه. اللمحة البدرية (ص ٥٠).
(٢) هو المنصور يعقوب بن عبد الحق المريني ، سيد بني مرين بالمغرب ، توفي سنة ٦٨٥ ه.
الأعلام (ج ٨ ص ١٩٩) وفيه ثبت بأسماء مصادر ترجمته.
(٣) قصر كتامة : مدينة بالجزيرة الخضراء من أرض الأندلس. معجم البلدان (ج ٤ ص ٣٦٢).
(٤) في الأصل : «فللصبر» وكذا لا يستقيم الوزن ولا المعنى.
الأسعد ، المبارك ، الأسنى ، الأسمى ، الأحفل ، الأكمل ، المجاهد ، المقدس ، المرحوم ، أبي محمد عبد الله ، ابن الرئيس الجليل ، الهمام ، الأوحد ، الأسعد ، المبارك ، الأمضى ، الأسنى ، الأسمى ، المعظم ، المرفّع ، المجاهد ، الأرضى ، المقدس ، المرحوم أبي إسحاق إبراهيم بن إشقيلولة ، رحمه الله وعفا عنه وأسكنه جنّته. ظهر ، عفا الله عنه ، بوادي آش ، أمّنها الله ، قاعدة من قواعد الأندلس ، وتسلطن ، ونشرت علامات سلطنته ، وضربت الطبول. وجاهد منها العدو ، قصمه الله ، وظهر على خاله سلطان الأندلس ، وأقام في سلطنته نحوا من ثلاث وعشرين سنة. ثم قام بدعوة الملك الأعلى ، السلطان المؤيد المنصور ، أمير المسلمين ، المؤيد بالله أبي يعقوب ، أيّده الله بنصره ، وأمدّه بمعونته ويسره ، وأمره ، أيّده الله ، أن يتخلّى عن وادي آش المذكورة ، ويصل للمغرب ، فتنحّى عن الأندلس للمغرب ، آنسه الله ، في جمادى الأولى من عام ستة وثمانين وستمائة ، فأعطاه ، أيّده الله ، قصر عبد الكريم ، أمّنه الله ، وأنعم عليه ، فأقام به مدة من ثمانية أعوام ، وجاز منه إلى الأندلس ، أمّنها الله ، وجاهد بها مرّتين ، ثم رجع إلى قصر عبد الكريم المذكور ، وتوفي ، شرّف الله روحه الطّيبة المجاهدة ، عشيّ يوم السبت العاشر من شهر محرم سنة خمس وتسعين وستمائة».
عبد الله بن بلقّين بن باديس بن حبّوس بن ماكسن
ابن زيري بن مناد الصّنهاجي (١)
أمير غرناطة.
أوليته : قد مرّ من ذلك في اسم جدّه ما فيه كفاية.
حاله : لقبه المظفّر بالله ، الناصر لدين الله. ولي بعد جدّه باديس في شوال سنة خمس وستين وأربعمائة ، وصحبه سماجة الصّنهاجي تسع سنين. قال الغافقي : وكان قد حاز حظّا وافرا من البلاغة والمعرفة ، شاعرا جيّد الشعر ، مطبوعه ، حسن الخطّ. كانت بغرناطة ربعة مصحف بخطّه في نهاية الصّنعة والإتقان. ووصفه ابن الصّيرفي
__________________
(١) ترجمة عبد الله بن بلقين في الأنيس المطرب (ص ٩٩) والمختصر في أخبار البشر (ج ٢ ص ١٩٨) وتتمة المختصر في أخبار البشر (ج ٢ ص ٨) وأعمال الأعلام (القسم الثاني ص ٢٣٣) وتاريخ قضاة الأندلس (ص ١٢٣ ، ١٢٨) والحلل الموشية (ص ٣٤) وكتاب العبر (م ٤ ص ٣٤٦) و (م ٦ ص ٣٧٠) وصبح الأعشى (ج ٥ ص ٢٤٢) ومذكرات الأمير عبد الله (ص ٢٠٥).
وهناك دراسة مستفيضة عنه للدكتورة مريم قاسم طويل في كتابها : مملكة غرناطة في عهد بني زيري البربر (ص ١٧١ ـ ٢٣٩).
فقال (١) : كان جبانا معمد (٢) السيف ، قلقا ، لا يثبت على الظّهر ، عزهاة (٣) لا أرب له في النساء (٤) ، هيّابة ، مفرط الجزع ، يخلد إلى الرّاحات ، ويستوزر الأغمار.
خلعه : قال : (٥) وفي عام ثلاثة وثمانين وأربعمائة ، تحرّك أمير المسلمين ، يوسف بن تاشفين ، لخلع رؤساء الأندلس ، فأجاز البحر ، ويمّم قرطبة ، وتواترت الأنباء عن حفيد باديس صاحب غرناطة ، بما يغيظه ويحقده ، حسبما تقدم في اسم مؤمّل مولى باديس. وقدّم إلى غرناطة أربع محلّات ، فنزلت بمقربة منها ، ولم تمتدّ يد إلى شيء يوجد ، فسرّ الناس واستبشروا ، وأمنت البادية ، وتمايل أهل الحاضرة إلى القوي. وأسرع حفيد باديس في المال ، وألحق السّوقة والحاكّة (٦) ، واستكثر من اللّفيف ، وألحّ بالكتب على أذفونش بما يطمعه. وتحقّق يوسف بن تاشفين استشراف الحضرة إلى مقدمه ، فتحرّك. وفي ليلة الأحد لثلاث عشرة خلت من رجب ، اجتمع إلى حفيد باديس صنائعه ، فخوّفوه من عاقبة التربّص ، وحملوه على الخروج إليه ، فركب وركبت أمّه وتركا القصر على حاله ، ولقي أمير المسلمين على فرسخين من المدينة ، فترجّل ، وسأله العفو ، فعفا عنه ، ووقف عليه ، وأمره بالرّكوب ، فركب ، وأقبل حتى نزل ب «المشايخ» من خارج الحضرة. واضطربت المحلّات ، وأمر مؤمّلا بثقافه في القصر ، فتولّى ذلك ، وخرج الجمّ من أهل المدينة ، فبايعوا أمير المسلمين يوسف بن تاشفين ، فلقيهم ، وأنسهم ، وسكّن جأشهم ، فاطمأنوا. وسهّل مؤمّل إليه دخول الأعيان ، فأمر بكتب الصّكوك ، ورفع أنواع القبالات والخراج ، إلّا زكاة العين ، وصدقة الماشية ، وعشر الزّرع. واستقصي ما كان بالقصر ، فظهر على ما يحول الناظر ، ويروع الخاطر ، من الأعلاق والذّخيرة ، والحلى ، ونفيس الجوهر ، وأحجار الياقوت ، وقصب الزّمرد ، وآنية الذّهب والفضة ، وأطباق البلّور المحكم ، والجرداذنات ، والعراقيّات ، والثّياب الرّفيعة ، والأنماط ، والكلل ، والسّتائر ، وأوطية الدّيباج ، مما كان في ادّخار باديس واكتسابه. وأقبلت دوابّ الظّهر من المنكّب
__________________
(١) قارن بأعمال الأعلام (القسم الثاني ص ٢٣٥).
(٢) في أعمال الأعلام : «مغتمد».
(٣) عزهاة : عازف عن اللهو والنساء. محيط المحيط (عزه).
(٤) في أعمال الأعلام : «زاهدا في النساء».
(٥) قارن بمذكرات الأمير عبد الله (ص ١٥٤ وما بعدها) وتاريخ الأندلس لابن الكردبوس (ص ١٠٤ ـ ١٠٥).
(٦) الحاكّة : أصحاب الشّرّ. وهذا الجمع لم نلحظه في كتب اللغة ؛ فقد جاء فيها أن «الحكك» جمع «حاكّ» ، وهو صاحب الشرّ.
بأحمال السّبيك والمسبوك ، واختلفت أمّ عبد الله لاستخراج ما أودع بطن الأرض ، حتى لم يبق إلّا الخرثى والثّقل والسّقط. وزّع ذلك الأمير على قوّاده ، ولم يستأثر منه بشيء. قال (١) : ورغب إليه مؤمّل في دخول القصر ، فركب إليه ، وكثر استحسانه إياه ، وأمر بحفظه. وتفقّد أوضاعه وأفنيته. ونقل عبد الله إلى مرّاكش ، وسنّه يوم خلع ، خمس وثلاثون سنة وسبعة أشهر ، فاستقرّ بها هو وأخوه تميم ، وحلّ اعتقالهما ، ورفّه عنهما ، وأجري المرتّب والمساهمة عليهما. وأحسن عبد الله أداء الطاعة ، مع لين الكلمة ، فقضيت مآربه ، وأسعفت رغباته ، وخفّ على الدولة ، واستراح واستريح منه ، ورزق الولد في الخمول ، فعاش له ابنان وبنت ، جمع لهم المال. فلمّا توفي ترك مالا جمّا.
مولده : ولد عبد الله سنة سبع وأربعين وأربعمائة.
عبد الله بن علي بن محمد التّجيبي ، الرئيس أبو محمد
ابن إشقيلولة
حاله : كان رئيسا شجاعا ، بهمة ، حازما ، أيّدا ، جلدا. تولّى مدينة مالقة عقب وفاة الرئيس واليها أبي الوليد بن أبي الحجاج بن نصر ، صنو أمير المسلمين ، الغالب بالله ، في أوائل عام خمسة وخمسين وستمائة. وكان صهر السلطان على إحدى بناته ، وله منه محلّ كبير ، ومكان قريب ، وله من ملكه حظّ رغيب. واستمرّت حاله إلى عام أربعة وستين وستمائة ، وفسد ما بينه وبين وليّ العهد ، الأمير أبي عبد الله محمد ابن أمير المسلمين أبي عبد الله الغالب بالله ، إذ وغر له صدره ، ولا بني أخيه الرئيسين ، أبي محمد وأبي الحسن ، ابني الرئيس أبي إسحاق بن إشقيلولة المتأمّرين بوادي آش ، فضايقهم وأخافهم بما أدّاهم إلى الامتناع والدّعاء لأنفسهم والاستمساك بما بأيديهم. وعمّت المسلمين الفتنة المنسوبة إليهم ، فانتزى هذا الرئيس بمدينة مالقة ، وكان أملك لما بيده ، واستعان بالنّصري ، وشمّر عن ساعد الجدّ ، فأباد الكثير من أعيان البلدة في باب توسّم التهم وتطرّق السعايات ، واستولى على أموالهم. واستمرت الحال بين حرب أجلت فيها غلبة الأمير مخيفه ، ولي العهد ، بجيش النّصري ، ونازل مالقة أربعين يوما ، وشعّث الكثير بظاهرها ، وتسمّى بعلم الأمير عند أهل مالقة ، وما بين سلم ومهادنة. وفي عام
__________________
(١) راجع المختصر في أخبار البشر (ج ٢ ص ١٩٨) والأنيس المطرب (ص ١٠٠) وتتمة المختصر في أخبار البشر (ج ٢ ص ٨) والاستقصاء (ج ٢ ص ٥٣).
ستين وستمائة ، نازله السلطان الغالب بالله صهره ، وأعيا عليه أمر مالقة ، لاضطلاع هذا الرئيس بأمره ، وضبط من لنظره ، واستمساكه بعروة حزمه.
وفي بعض الأيام ركب السلطان في ثلاثة من مماليكه ، متخفّيا ، كاتما غرضه ، وقعد بباب المدينة ، فلمّا بصر به الرجال القائمون به ، هالهم الأمر ، وأدهشتهم الهيبة ، فأفرجوا له ، موقّرين لجلاله ، آنسين لقلّة أتباعه ، فدخل ، وقصد القصبة ، وقد نذر به الرئيس أبو محمد ، فبادر إليه راجلا ، متبذّلا ، مهرولا ، حافيا. ولمّا دنا منه ترامى على رجليه يقبّلهما ، إظهارا لحقّ أبوّته ، وتعظيما لقدره ، ودخل معه إلى بنته وحفدته ، فترامى الجميع على أطرافه يلثمونها ، ويتعلّقون بأذياله وأدرانه ، وهو يبكي إظهارا للشّفقة والمودّة وتكلّم الجميل. وأقام معهم بياض يومه ، ثم انصرف إلى محلّته ، وأتبعه الرئيس ، فأمره بالاستمساك بقصبته وملازمة محلّ إمرته ، وما لبث أن شرع في الارتحال عن ألطاف ومهادات ، وتقدير جرايات ، وإحكام هديّة ، وتقرير إمارة ، إلى أن توفي السلطان ، رحمه الله ، فعادت الفتنة جزعة ، ووالى ولده أمير المسلمين بعده الضرب على مالقة ، إلى أن هلك الرئيس أبو محمد ، واستقرّ بالأمور ولده المذكور في المحمّدين ، وكان من الأمر ما ينظره في مكانه من أراد استيفاءه ، بحول الله.
عبد الله بن محمد بن أحمد بن محمد العزفي
يكنى أبا طالب ، الرئيس الفقيه ، الكبير الشّهير ، صاحب الأمر والرّئاسة والإمارة بسبتة ، نيابة عن أخيه الرئيس الصّالح أبي حاتم ، بحكم الاستقلال في ذلك ، والاستبداد التّام ، من غير مطالعة لأخيه ولا رجوع إليه في شيء من الأمور ، ولا تشوّف من أخيه إلى ذلك ، لخروجه البتّة عنه ، وإيثاره العزلة ، واشتغاله بنفسه.
حاله : قد تقدم من ذكر أوّليته ما فيه كفاية. وكان من أهل الجلالة والصّيانة ، وطهارة النّشأة ، حافظا للحديث ، ملازما لتلاوة كتاب الله ، عارفا بالتاريخ ، عظيم الهيبة ، كبير القدر والصّيت ، عالي الهمّة ، شديد البأو ، معظّما عند الملوك ، جميل الشّارة ، ممتثل الإشارة لديهم ، عجيب السّكينة والوقار ، بعيد المرمى ، شديد الانقباض ، مطاع السّلطان بموضعه ، مرهوب الجانب ، من غير إيقاع بأحد ، ولا هتك حرمة ، محافظا على إقامة الرّسوم الحسبيّة والدّينية.
مشيخته : قرأ على الأستاذ أبي الحسين بن أبي الربيع وغيره.
نكبته : تغلّب على بلده أيام إمارته ، وثار أهله إليه في السّلاح والعدّة ؛ ليحيطوا بمن في القصبة ، فخرج إليهم ، وشكر مساعيهم ، وقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كن
عبد الله المقتول ، ولا تكن عبد الله القاتل ، فانصرفوا ، ودخل منزله ملقيا بيده ، ومسلّما لقضاء الله سبحانه في كسره ، إلى أن قبض عليه وعلى سائر بنيه وقومه ، عند ارتفاع النهار وانتشار المتغلّبين على القصبة ، فنقفوا متحرّجين من دماء المسلمين ، وصرفوا إلى الأندلس ، في ضحو يوم الخميس الثاني عشر من ذي قعدة عام خمسة وسبعمائة ، بعد انقضاء خمسة عشر يوما من تملّك بلدهم ، فاستقرّ بغرناطة تحت ستر واحترام وجراية فيها كفاف. ثم لما خرجت سبتة عن طاعة أمير المسلمين ، انصرف القوم إلى فاس ، فتوفي بها.
وفاته : في شعبان المكرم من عام ثلاثة عشر وسبعمائة.
عبد الله بن الجبير بن عثمان بن عيسى بن الجبير اليحصبي (١)
من أهل لوشة ، وهو محسوب من الغرناطيين. قال الأستاذ (٢) : من أعيانها ذوي الشرف والجلالة. قلت : ينسب إليه بها معاهد تدلّ على قدم وأصالة.
حاله : قال أبو القاسم الملّاحي (٣) : كان أديبا بارع الأدب ، كاتبا ، بليغا ، شاعرا مطبوعا ، لسنا مفوّها ، عارفا بالنحو والأدب واللغات ، وقد مال في عنفوان شبيبته إلى الجندية لشهامته وعزّة نفسه ، فكان في عسكر المأمون بن عبّاد (٤) ، واشتمل عليه المأمون ، وكان من أظرف الناس ، وأملحهم شبيبة (٥) ، وأحسنهم شارة ، وأتمّهم معرفة.
مشيخته : أخذ (٦) عن أشياخ بلده غرناطة ، وأخذ بمالقة عن غانم الأديب ، وبقرطبة عن ابن سراج.
شعره : وله في إنشاده لدى المأمون مجال رحب ، فمن ذلك قوله (٧) : [البسيط]
يا هاجرين ، أضلّ الله سعيكم |
|
كم تهجرون محبّيكم بلا سبب |
__________________
(١) يكنى عبد الله بن الجبير أبا محمد ، وكانت وفاته في سنة ٥١٨ ه ، وترجمته في بغية الملتمس (ص ٣٤٨) وفيه أنه عبد الله بن عثمان بن الجبير ، والتكملة (ج ٢ ص ٢٥٢) وبغية الوعاة (ص ٢٧٩) والذيل والتكملة (ج ٤ ص ١٨٩).
(٢) الأستاذ هو ابن الزبير ، وقوله هنا ورد في بغية الوعاة (ص ٢٧٩).
(٣) قارن ببغية الوعاة (ص ٢٧٩).
(٤) هو المأمون بن المعتمد بن عباد ، صاحب إشبيلية في عصر ملوك الطوائف.
(٥) في الأصل : «شيبة» والتصويب من بغية الوعاة.
(٦) قارن بالذيل والتكملة (ج ٤ ص ١٨٩).
(٧) الأبيات في بغية الوعاة (ص ٢٧٩).
ويا مسرّين للإخوان غائلة |
|
ومظهرين وجوه البرّ والرّحب |
ما كان ضرّكم الإخلاص لو طبعت |
|
تلك النفوس على علياء أو أدب |
أشبهتم الدّهر لمّا كان والدكم |
|
فأنتم شرّ أبناء لشرّ (١) أب |
عبد الله بن سعيد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد
ابن علي السّلماني (٢)
والد المؤلف ، رضي الله عنه ، يكنى أبا محمد ، غرناطي الولادة والاستيطان ، لوشي الأصل ، ثم طليطليّه ، ثم قرطبيّه.
أوليته : كان سلفه يعرفون بقرطبة ببني وزير ، وهم بها أهل نباهة ، وبيتهم بيت فقه وخيريّة وماليّة ، ونجارهم نجار فرسان يمانيّة. ولمّا حدث على الحكم بن هشام الوقيعة الرّبضيّة ، وكان له الفلج ، وبأهل الرّبض الدّبرة ، كان أعلام هذا البيت من الجالية أمام الحكم ، حسبما امتحن به الكثير من أعلام المشيخة بها ، كالفقيه طالوت ، ويحيى بن يحيى ، وغيرهما (٣) ، ولحقوا بطليطلة ، فاستقرّوا بها ، ونبا بهم وطنهم ، ثم حوّموا على سكنى الموسّطة ، وآب إلى قرطبة قبلهم بعد عهد متقادم ، ومنهم خلف وعبد الرحمن ، وقد مرّ له ذكر في هذا الكتاب. وولّي القضاء بالكورة. ومنهم قوم من قرابتهم تملّكوا منتفريد (٤) ، الحصن المعروف الآن بالمنعة والخصب ، وتمدّن فيهم ، وبنيت به القلعة السّامية ، ونسب إليه ذلك المجد ، فهم يعرفون ببلدنا ببني المنتفريدين. واستقرّ منهم جدّنا الأعلى بلوشة خطيبا وقاضيا بالصّقع ومشاورا (٥) ، وهو المضاف إلى اسمه التّسويد بلوشة عرفا كأنه اسم مركّب ، فلا يقول أحد منهم في القديم إلّا سيّدي سعيد. كذا تعرّفنا من المشيخة ، وإليه النّسبة اليوم ، وبه يعرف خلفه ببني الخطيب ، وكان صالحا فاضلا ، من أهل العلم والعمل. حدّثني الشيخ المسنّ أبو الحكم المنتفريدي ، وقد وقفني على جدار برج ببعض أملاكنا بها ، على الطّريق الآتية من غرناطة إلى لوشة ، ثم إلى غيرها ، كإشبيلية وسواها ، فقال : كان جدّك يسكن بهذا البرج كذا من فصول العام ، ويتلو القرآن ليلا ، فلا يتمالك المارّون على الطّريق ، أن يقربوا إصغاء لحسن تلاوته
__________________
(١) في البغية : «كشرّ».
(٢) ترجمة عبد الله بن سعيد السلماني في نفح الطيب (ج ٧ ص ١٣).
(٣) في الأصل : «وغيرهم».
(٤) اسمه بالإسبانية : montefrio ، ويعني الجبل البارد.
(٥) المشاور : هو من كان يتقلّد خطة الشورى ، التابعة للقضاء.
وخشوعا. وكان ولده عبد الله بعده ، على وتيرة حسنة من الخير والنّباهة وطيب الطّعمة ، ثم جدّه الأقرب سعيد على سننه ، مرب عليه بمزيد المعرفة ، وحسن الخطّ. ولما وقع بلوشة بلده ، ما هو معروف من ثورة أصهارهم من بني الطّنجالي ، وكان بينهم ما يكون بين الفحول في الهجمات من التّشاجر ، فرّ عنهم خيفة على نفسه ، وعلى ذلك فناله اعتقال طويل ، عدا به عليه عن تلك الثورة. ثم بان عذره ، وبرّئت ساحته ، واستظهر به السلطان ، وأقام بغرناطة ، مكرّما ، مؤثرا ، مؤتمنا ، وصاهر في أشراف بيوتاتها ، فكانت عنده بنت الوزير أبي العلى أضحى بن أضحى الهمداني ، وتوفيت تحته ، فأنجز له بسببها الحظّ في الحمّام الأعظم المنسوب إلى جدّها اليوم. ثم تزوج بنت القائد أبي جعفر أحمد بن محمد الجعدالة السّلمي ، أم الأب المترجم به ، ولها إلى السلطان ثاني ملوك بني نصر وعظيمهم (١) متات ببنوّة الخؤولة من جهة القوّاد الأصلاء القرطبيين بني دحون ، فوضح القصد ، وتأكدت الحظوة. وقد وقعت الإشارة إلى ذلك كله في محلّه. ثم رسخت لولده أبي ، القدم في الخدمة والعناية ، حسبما يتقرّر في موضعه.
حاله : كان ، رحمه الله ، فذّا في حسن الشكل والأبّهة ، وطلاقة اللسان ، ونصاعة الظّرف ، وحضور الجواب ، وطيب المجالسة ، وثقوب الفهم ، مشارا إليه في الحلاوة وعذوبة الفكاهة ، واسترسال الانبساط ، مغييا في ميدان الدّعابة ، جزلا ، مهيبا ، صارما ، متجنّدا ، رائق الخصل ركضا وثقافة ، وعدوا وسباحة وشطرنجا ، حافظا للمثل واللّغة ، أخباريا ، مضطلعا بالتاريخ ، ناظما نائرا ، جميل البزّة ، فاره المركب ، مليح الشّيبة. نشأ بغرناطة تحت ترف ونعمة ، من جهة أمّه وأبيه ، وقرأ على أبي إسحاق بن زرقال ، وأبي الحسن البلّوطي ، ثم على أستاذ الجماعة أبي جعفر بن الزّبير ، ظاهرة عليه مخيّلة النّجابة والإدراك. ثم أقصر لعدم الحامل على الدّؤوب ، وانتقل إلى بلد سلفه ، متحيّفا الكثير من الأصول في باب البذل وقرى الضّيوف ، ومداومة الصّيد ، وإيثار الراحة ، معتمدا بالتّجلّة ، مقصود الحلّة ، مخطوب المداخلة ، من أبناء أشراف الدولة ، منتجعا لأولي الكدية. ولما قام بالأمر السلطان ، أمير المسلمين أبو الوليد ، وأمّه بنت السلطان ثاني الملوك من بني نصر ، جزم ما تقدّم من المتات والوسيلة ، استنهضه للإعانة على أمره ، وجعل طريقه على بلده ، فحطب في حبله ، وتمسّك بدعوته ، واعتمده بنزله وضيافته ، وكان أعظم الأسباب في حصول الأمر بيده ، ودخوله
__________________
(١) الصواب ثاني سلاطين بني نصر ، وهو أبو عبد الله محمد بن محمد بن يوسف بن نصر ، الذي حكم غرناظة من سنة ٦٧١ ه إلى سنة ٧٠١ ه. اللمحة البدرية (ص ٥٠).
في حكمه ، وانتقل إلى حضرة الملك بانتقاله ، فنال ما شاء من اصطناعه وحظوته ، وجرى له هذا الرّسم في أيام من خلفه من ولده إلى يوم الوقيعة الكبرى بطريف تاريخ فقده.
وجرى ذكره في كتاب «الإكليل» بما نصه (١) : إن طال الكلام ، وجمحت الأقلام ، كنت كما قيل : مادح نفسه يقرئك السلام ، وإن أحجمت ، فما أسديت في الثّناء ولا ألحمت ، وأضعت الحقوق ، وخفت ومعاذ الله العقوق. هذا ، ولو أنّي زجرت طير البيان من أوكاره ، وجئته (٢) بعيون الإحسان وأبكاره ، لما قضيت حقّه بعد ، ولا قلت إلّا التي علمت سعد (٣). فقد كان ، رحمه الله ، ذمر (٤) عزم ، ورجل رخاء وأزم ، تروق أنوار خلاله الباهرة ، وتضيء مجالس الملوك من صورتيه الباطنة والظاهرة ، ذكاء يتوقّد ، وطلاقة يحسد نورها الفرقد. فقدته (٥) بكائنة طريف (٦) ، جبر الله عثارها ، وعجّل ثارها.
حدّث خطيب المسجد الأعظم ، وهو ما هو ، من وفور العقل ، وصحة النّقل ، قال : مررت بأبيك بعد ما تمت الكسرة ، وخذلت تلك الأسرة ، وقد كبا بأخيك الطّرف ، وعرض عليه الحمام للصّرف ، والشيخ رحمه الله لم تزلّ قدمه ، ولا راعه الموقف وعظمه. ولما آيس من الخلاص وطلّابه ، صرفني وقال : أنا أولى به ، فقضى سعيدا شهيدا ، لم يستنفره الهول ، ولم يثنه ولا رضي عار الفرار عن ابنه.
شعره : قال في «الإكليل» (٧) : وكان (٨) له في الأدب فريضة ، وفي النّادرة العذبة منادح عريضة. تكلّمت يوما بين يديه ، في مسائل من الطب ، وأنشدته أبياتا من شعري (٩) ، وقرأت عليه رقاعا من إنشائي ، فسرّ وتهلّل ، وعبّر عما أمل ، وما برح أن
__________________
(١) النص في نفح الطيب (ج ٧ ص ١٤).
(٢) في النفح : «وجئت بعون ...».
(٣) أخذه من قول الحطيئة [الطويل] :
وتعذلني أفناء سعد عليهم |
|
ولا قلت إلّا بالتي علمت سعد |
ديوان الحطيئة (ص ٣٢٩).
(٤) الذّمر ، بفتح الذال وكسر الميم : الشجاع والداهية. لسان العرب (ذمر).
(٥) من هنا حتى قوله : «عار الفرار عن ابنه» ساقط في النفح.
(٦) كائنة طريف أو موقعة طريف : هي الموقعة الشهيرة التي كانت بين الإسبان وبني مرين ، وكان مع بني مرين قوات الأندلس بقيادة السلطان أبي الحجاج يوسف بن إسماعيل النصري ، سنة ٧٤١ ه ، وكانت الهزيمة فيها للمسلمين. اللمحة البدرية (ص ١٠٥ ـ ١٠٦).
(٧) النص نثرا وشعرا في نفح الطيب (ج ٧ ص ١٤ ـ ١٥).
(٨) في النفح : «وكانت».
(٩) في النفح : «شعري ورقاعا من إنشائي فتهلّل وما برح أن ارتجل».
ارتجل قوله رحمة الله عليه : [مخلع البسيط]
الطبّ والشّعر والكتابه |
|
سماتنا في بني النّجابه |
هنّ ثلاث مبلّغات |
|
مراتبا بعضها الحجابه |
ووقّع لي يوما بخطّه على ظهر أبيات ، بعثتها إليه ، أعرض عليه نمطها : [الكامل]
وردت كما ورد النسيم بسحره (١) |
|
عن روضة جاد الغمام رباها |
فكأنما (٢) هاروت أودع سحره |
|
فيها وآثرها به وحباها |
مصقولة الألفاظ يبهر حسنها |
|
فبمثلها (٣) افتخر البليغ وباهى |
فقررت عينا عند رؤية حسنها |
|
إني أبوك وكنت أنت أباها |
ومن شعره (٤) قوله : [الوافر]
وقالوا قد نأوا (٥) : فاصبر ستشفى |
|
فترياق الهوى بعد الدّيار |
فقلت : هبوا بأنّ الحقّ هذا |
|
فقلبي يمّموا فيم اصطباري (٦)؟ |
ومن قوله مما يجري مجرى الحكم والأمثال (٧) : [السريع]
عليك بالصمت فكم ناطق |
|
كلامه أدّى إلى كلمه (٨) |
إنّ لسان المرء أهدى إلى |
|
غرّته والله من خصمه |
يرى صغير الجرم مستضعفا |
|
وجرمه أكبر من جرمه |
وقال وهو من المستحسن في التّجنيس (٩) : [الخفيف]
أنا بالدّهر ، يا بنيّ ، خبير |
|
فإذا شئت علمه فتعالى |
كم مليك قد ارتغى (١٠) منه روضا |
|
لم يدافع عنه الردى (١١) ما ارتغى لا |
كلّ شيء تراه يفنى ويبقى |
|
ربّنا الله ذو الجلال تعالى |
أنشدني هاتين المقطوعتين.
__________________
(١) في النفح : «... كما صدر النسيم بسحرة».
(٢) في النفح : «وكأنما».
(٣) في الأصل : «بمثلها» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من النفح.
(٤) في النفح : «ومن نظمه قوله».
(٥) في النفح : «قد دنا».
(٦) في النفح : «بقلبي يمموا فبم اصطباري».
(٧) اكتفى في النفح بقوله : «وقال».
(٨) الكلم ، بفتح الكاف وسكون اللام : الجرح. القاموس المحيط (كلم).
(٩) اكتفى المقري بالقول : «وقال».
(١٠) في النفح : «ارتعى» بالعين غير المعجمة.
(١١) في الأصل : «الرحمن» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من النفح.
مولده : ولد بحضرة غرناطة في جمادى الأولى من عام اثنين وسبعين وستمائة.
وفاته : بعد (١) يوم الوقيعة الكبرى على المسلمين بظاهر طريف يوم الاثنين السابع لجمادى الأولى عام واحد وأربعين وسبعمائة.
من رثاه : قلت في رثائه من قصيدة أولها (٢) : [الطويل]
سهام المنايا لا تطيش ولا تخطي |
|
وللدهر كفّ تستردّ الذي تعطي |
وإنّا وإن كنّا على ثبج الدّنا |
|
فلا بدّ يوما أن نحلّ على الشّطّ |
وسيّان ذلّ الفقر أو عزّة الغنى |
|
ومن أسرع السّير الحثيث ومن يبطي (٣) |
تساوى على ورد الرّدى كلّ وارد |
|
فلم يغن ربّ السّيف عن ربّة القرط |
وقال شيخنا أبو زكريا بن هذيل من قصيدة يرثيه بها (٤) : [الطويل]
إذا أنا لم أرث الصديق فما عذري |
|
إذا قلت أبياتا حسانا من الشعر؟ |
ولو كان شعري لم يكن غير ندبة |
|
وأجريت دمعي لليراع (٥) عن الحبر |
لما كنت أقضي حقّ صحبته التي |
|
توخّيتها عونا على نوب الدّهر |
رماني عبد الله يوم وداعه |
|
بداهية دهياء (٦) قاصمة الظّهر |
قطعت رجائي حين صحّ حديثه |
|
فإن لم يوف دمعي فقد خانني صبري |
وهل مؤنس كابن الخطيب لوحشتي |
|
أبثّ له همّي وأودعه سرّي؟ |
عبد الله بن محمد بن أحمد بن محمد بن جزيّ (٧)
من أهل غرناطة ، يكنى أبا محمد ، وقد مرّ ذكر أبيه شيخنا وأخويه ، وتقرّرت نباهة بيتهم.
__________________
(١) في النفح : «وفقد يوم ...».
(٢) الأبيات في نفح الطيب (ج ٧ ص ١٥ ـ ١٦).
(٣) في الأصل : «يبط» بالكسر ، والتصويب من النفح. وترتيب هذا البيت في النفح بعد البيت التالي.
(٤) الأبيات في نفح الطيب (ج ٧ ص ١٦).
(٥) اليراع : القصب ، والمراد القلم. محيط المحيط (يرع).
(٦) الدهياء : الشديدة القاسية. لسان العرب (دها).
(٧) ترجمة ابن جزي في الكتيبة الكامنة (ص ٩٦) ونيل الابتهاج (ص ١٢٩) ونفح الطيب (ج ٨ ص ٨٤).
حاله : هذا (١) الفاضل قريع بيت نبيه ، وسلف شهير ، وأبوّة خيّرة (٢) ، وأخوّة بليغة ، وخؤولة تميّزت من السلطات بحظوة. أديب حافظ ، قام على فنّ العربيّة ، مشارك في فنون لسانيّة سواه ، طرف (٣) في الإدراك ، جيد النظم ، مطواع القريحة ، باطنه نبل ، وظاهره غفلة. قعد للإقراء ببلده غرناطة ، معيدا ومستقلّا ، ثم تقدّم للقضاء بجهات نبيهة ، على زمن الحداثة ، وهو لهذا العهد مخطوب رتبة ، وجار إلى غاية ، وعين من أعيان البلدة.
مشيخته : أخذ عن والده الأستاذ الشهير (٤) أبي القاسم حديث الرّحمة بشرطه ، وسمع عليه على صغر السّن ، أبعاضا من كتب عدة في فنون مختلفة ، كبعض صحيح مسلم ، وبعض صحيح البخاري ، وبعض الجامع للتّرمذي ، وبعض السّنن للنّسائي ، وبعض سنن أبي داود ، وبعض موطّأ مالك بن أنس ، وبعض الشّفاء لعياض ، وبعض الشّمائل للتّرمذي ، وبعض الأعلام للنّميري ، وبعض المشرع السّلس في الحديث المسلسل لابن أبي الأحوص ، وبعض كتاب التّيسير لأبي عمرو الدّاني ، وبعض كتاب التّبصرة للمكيّ ، وبعض الكافي لابن شريح ، وبعض الهداية للمهدي ، وبعض التّلخيص للطّبري ، وبعض كتاب الدّلالة في إثبات النبوّة والرسالة لأبي عامر بن ربيع ، وبعض كتاب حلبة الأسانيد وبغية التلاميذ لابن الكمّاد ، وبعض كتاب وسيلة المسلم في تهذيب صحيح مسلم من تواليف والده ، وبعض القوانين الفقهية ، وبعض كتاب الدّعوات والأذكار ، وبعض كتاب النّور المبين في قواعد عقائد الدين من تأليفه ، وبعض تقريب الوصول إلى علم الأصول ، وبعض كتاب الصلاة ، وبعض كتاب الأنوار السّنية في الكلمات السّنية ، وبعض كتاب برنامجه. كل ذلك من تأليف والده ، رحمه الله. وأجاز له رواية الكتب المذكورة عنه ، مع رواية جميع مرويّاته وتواليفه وتقييداته ، إجازة عامة. ولقّنه في صغره جملة من الأحاديث النبوية والمسائل الفقهية ، والمقطوعات الشعرية.
ومنهم قاضي الجماعة أبو البركات بن الحاج ، حدّثه بألمرية حديث الرحمة بشرطه ، وسمع عليه بها وبغرناطة عدّة من أبعاض كتب ، وأجازه عامة ، وأنشده من شعره ، وشعر غيره. ومنهم قاضي الجماعة الشريف أبو القاسم ، لازمه مدة القراءة عليه ، واستفاد منه ، وتفقّه عليه بقراءة غيره في كثير من النّصف الثاني من كتاب سيبويه ، وفي كثير من النصف الثاني من كتاب الإيضاح لأبي علي الفارسي ، وفي
__________________
(١) النص في نفح الطيب (ج ٨ ص ٨٤).
(٢) في النفح : «خير».
(٣) في النفح : «ظرف».
(٤) في النفح : «الشهير الشهيد».
كثير من كتاب التّسهيل لابن مالك ، وفي القصيدة الخزرجية في العروض ، وسمع من لفظه الرّبع الواحد أو نحوه من تأليفه شرح مقصورة حازم ، وتفقّه عليه فيه ، وأنشده كثيرا من شعره وشعر غيره. ومنهم الأستاذ أبو عبد الله البيّاني ، لازمه مدة القراءة عليه ، وتفقّه عليه بقراءته في كتاب التّسهيل البديع في اختصار التّفريع إلّا يسيرا منه ، وتفقّه عليه بقراءة غيره في أبعاض من كتب فقهية وغيرها ، ككتاب التهذيب ، وكتاب الجواهر الثمينة ، وكتاب التفريع ، وكتاب الرسالة لابن أبي زيد ، وكتاب الأحكام لابن العربي ، وكتاب شرح العمدة لابن دقيق العيد ، وغير ذلك مما يطول ذكره. ومنهم الأستاذ الأعرف الشهير أبو سعيد بن لب ، تفقّه عليه بقراءته في جميع النصف الثاني من كتاب الإيضاح للفارسي ، وفي كثير من النصف الأول من كتاب سيبويه ، وتفقّه عليه بقراءة غيره في أبعاض من كتب عدة ، في فنون مختلفة ، كالمدوّنة والجواهر ، وكتاب ابن الحاجب ، وكتاب التّلقين ، وكتاب الجمل ، وكتاب التّسهيل والتنقيح ، والشّاطبيّة ، وكتاب العمدة في الحديث وغير ذلك. ومنهم الشيخ المقرئ المحدّث أبو عبد الله محمد بن بيبش ، سمع عليه بقراءة أخيه الكاتب أبي عبد الله محمد ، جميع كتاب الموطّأ ، وكتاب الشّفا إلّا يسيرا منه ، وأجازه روايتهما عنه ، ورواية جميع مرويّاته ، إجازة عامة ، وأنشده جملة من شعره وشعر غيره. وممن أجازه عامة ، رئيس الكتاب أبو الحسن بن الجيّاب ، وقاضي الجماعة أبو عبد الله بن يحيى بن بكر الأشعري ، والخطيب أبو علي القرشي ، والأستاذ أبو محمد بن سلمون ، والحاج الراوية أبو جعفر بن جابر ، والشيخ القاضي أبو جعفر أحمد بن عتيق الشّاطبي الأزدي ، والقاضي الكاتب البارع أبو بكر بن شبرين ، والقاضي الخطيب الأستاذ الراوية أبو بكر بن الشيخ الخطيب الصالح أبي جعفر بن الزيات ، والقاضي الخطيب أبو محمد بن محمد بن الصّايع. وممن كتب له بالإجازة من المشايخ ، شيخ المشايخ أثير الدين أبو حيّان محمد بن يوسف بن حيان ، وقاضي الجماعة بفاس محمد بن محمد بن أحمد المقري ، ورئيس الكتاب أبو محمد الحضرمي ، وجماعة سوى من ذكر من أهل المشرق والمغرب.
شعره : وشعره نبيل الأغراض ، حسن المقاصد. فمن ذلك قوله : [الطويل]
سنى الليلة الغرّاء (١) وافتك بالبشرى |
|
وأبدى بها (٢) وجه القبول لك البشرا |
__________________
(١) في الأصل : «الغرّا» ، وكذا ينكسر الوزن.
(٢) في الأصل : «منها» ، وكذا ينكسر الوزن.