أبي عبد الله محمّد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد السلماني [ لسان الدين بن الخطيب ]
المحقق: الدكتور يوسف علي طويل
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
الصفحات: ٤٢٤
وفاته : قال شيخنا أبو بكر بن شبرين : توفي بسجلماسة في صفر عام ستة عشر وسبعمائة.
محمد بن محمد بن عبد الله بن مقاتل (١)
من أهل مالقة ، يكنى أبا بكر.
حاله : من كتاب الإكليل : نابغة (٢) مالقية ، وخلف وبقيّة ، ومغربي الوطن ، أخلاقه مشرقيّة. أزمع الرحيل إلى المشرق ، مع اخضرار العود وسواد المفرق (٣) ، فلمّا توسّطت السفينة اللّجج ، وقارعت الثّبج (٤) ، مال (٥) عليها البحر فسقاها كأس الحمام ، وأولدها قبل التمام ، وكان فيمن اشتملت عليه أعوادها ، وانضمّ على نوره سوادها ، جملة (٦) من الطلبة والأدباء ، وأبناء السراة الحسباء ، أصبح كلّ منهم مطيعا ، لداعي الرّدى وسميعا ، وأحيوا فرادى وماتوا جميعا ، فأجروا الدموع حزنا ، وأرسلوا العبرات عليهم مزنا. وكأنّ (٧) البحر لمّا طمس سبل (٨) خلاصهم وسدّها ، وأحال (٩) هضبة سفينتهم وهدّها ، غار على نفوسهم النّفيسة واستردها (١٠). والفقيه أبو بكر مع إكثاره ، وانقياد نظامه ونثاره ، لم أظفر من أدبه إلّا بالقليل التافه ، بعد وداعه وانصرافه.
فمن ذلك قوله وقد أبصر فتى عاثرا (١١) : [الكامل]
ومهفهف هافي المعاطف أحور |
|
فضحت أشعّة نوره الأقمارا |
زلّت له قدم فأصبح عاثرا |
|
بين الأنام لعا (١٢) لذاك عثارا |
لو كنت أعلم ما يكون فرشت في |
|
ذاك المكان الخدّ والأشفارا (١٣) |
__________________
(١) ترجمة ابن مقاتل في الدرر الكامنة (ج ٤ ص ٣١٣) ونفح الطيب (ج ٨ ص ٣٧١).
(٢) النص في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٧١).
(٣) اخضرار العود وسواد المفرق : كنايتان عن الشباب.
(٤) الثّبج : الموج. لسان العرب (ثبج).
(٥) في النفح : «هال».
(٦) في النفح : «من جملة».
(٧) في الأصل : «وكان» والتصويب من النفح.
(٨) في النفح : «سبيل».
(٩) في النفح : «وأهال».
(١٠) في النفح : «فاستردّها».
(١١) هذه المقطوعة في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٧١).
(١٢) لعا : كلمة دعاء لمن عثر ، ومعناها : أنعشه الله.
(١٣) الأشفار : أهداب العيون. لسان العرب (شفر).
وقال متغزّلا (١) : [الطويل]
أيا لبني الرّفاء تنضي ظباؤهم |
|
جفون ظباهم والفؤاد (٢) كليم |
لقد قطّع الأحشاء منهم مهفهف |
|
له التّبر خدّ واللّجين أديم |
يسدّد إذ يرمي قسيّ حواجب |
|
وأسهمها من مقلتيه تسوم |
وتسقمني عيناه وهي سقيمة |
|
ومن عجب سقم جناه سقيم |
ويذبل جسمي في هواه صبابة |
|
وفي وصله للعاشقين نعيم |
وفاته : توفي في حدود أخريات عام تسعة وثلاثين وسبعمائة غريقا بأحواز الغبطة من ساحل ألمريّة.
محمد بن أحمد بن أحمد بن صفوان القيسي
ولد الشيخ أبي الطاهر ، من أهل مالقة.
من كتاب الإكليل : نبيل فطن ، متحرك ذهن ، كان أبوه ، رحمه الله ، يتبرّم بجداله ، ويخشى مواقع رشق نباله ، ويشيم بأرقّ الاعتراض في سؤاله ، فيشفق من اختلال خلاله ، إذ طريقه إنما هي أذواق لا تشرح ، وأسرار لا تفضح. وكان ممن اخترم ، وجدّ حبل أمله وصرم ، فأفل عقب أبيه ، وكان له أدب يخوض فيه.
فمن ذلك ، وقد أبصر فتى وسيما على ريحانه : [البسيط]
بدر تجلّى على غصن من الآس |
|
يبري ويسقم فهو الممرض الآسي |
عادى المنازل إلّا القلب منزلة |
|
فما له وجميع الناس من ناس |
وقال :
يا عالما بالسّرّ والجهر |
|
وملجأي في العسر واليسر |
جد لي بما أملته منك |
|
مولاي (٣) واجبر بالرّضا كسري |
وفاته : في عام خمسة وسبعمائة.
محمد بن محمد بن عبد الواحد بن محمد البلوي (٤)
من أهل ألمريّة ، يكنى أبا عبد الله ، ويعرف بنسبه ، وقد مرّ ذكر أبيه في العمّال.
__________________
(١) المقطوعة في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٧١ ـ ٣٧٢).
(٢) في النفح : «فالفؤاد».
(٣) في الأصل : «يا مولاي» وكذا ينكسر الوزن.
(٤) ترجمة البلوي في نفح الطيب (ج ٨ ص ١٩٧).
حاله : هذا (١) الرجل من أبناء النّعم ، وذوي البيوتات ، كثير السكون والحياء ، آل به ذلك أخيرا للوثة (٢) لم يستفق منها ، لطف الله به. حسن الخطّ ، مطبوع الأدب ، سيّال الطبع ، معينه. وناب عن بعض القضاة ، وهو الآن رهين ما ذكر ، يتمنّى أهله وفاته (٣) ، والله وليّ المعافاة بفضله (٤).
وجرى ذكره في الإكليل بما نصّه (٥) : من أولي الخلال (٦) البارعة والخصال ، خطّا رائقا ، ونظما بمثله لائقا ، ودعابة يسترها تجهّم ، وسكوتا (٧) في طيّه إدراك وتفهّم. عني بالرواية (٨) والتقييد ، ومال في النظم إلى بعض التوليد ، وله أصالة ثبتت (٩) في السّرو عروقها ، وتألّقت في سماء المجادة بروقها ، وتصرّف بين النيابة في الأحكام الشرعية ، وبين الشهادات العملية (١٠) المرعية.
شعره : ومن شعره فيما خاطبني به ، مهنئا في إعذار أولادي ، أسعدهم الله ، افتتح ذلك بأن قال :
قال يعتذر عن خدمة الإعذار ، ويصل المدح والثناء على بعد الدار ، وذلك بتاريخ الوسط من شعبان في عام تسعة وأربعين وسبعمائة (١١) : [الكامل]
لا عذر لي عن خدمة الإعذار (١٢) |
|
ولئن (١٣) نأى وطني وشطّ مزاري |
أو عاقني عنه الزمان وصرفه |
|
تقضي الأماني (١٤) عادة الأعصار |
قد كنت أرغب أن أفوز (١٥) بخدمتي |
|
وأحطّ رحلي (١٦) عند باب الدار |
بادي (١٧) المسرّة بالصنيع (١٨) وأهله |
|
متشمّرا فيه بفضل إزاري (١٩) |
__________________
(١) النص في نفح الطيب (ج ٨ ص ١٩٧).
(٢) في النفح : «إلى لوثة». واللّوثة : اختلاط في العقل يشبه الجنون. لسان العرب (لوث).
(٣) في النفح : «موته».
(٤) كلمة «بفضله» غير واردة في النفح.
(٥) النص في نفح الطيب (ج ٨ ص ١٩٨).
(٦) في النفح : «الاتصال».
(٧) في النفح : «وسكونا».
(٨) في النفح : «بالدراية».
(٩) في النفح : «نبتت».
(١٠) في النفح : «العلمية».
(١١) القصيدة في نفح الطيب (ج ٨ ص ١٩٦ ـ ١٩٧).
(١٢) الإعذار : طعام يتخذ لسرور حادث. لسان العرب (عذر).
(١٣) في الأصل : «وإن» والتصويب من النفح.
(١٤) في الأصل : «نقض الأمان» والتصويب من النفح.
(١٥) في الأصل : «أفوت».
(١٦) في الأصل : «وأخطر حلّي».
(١٧) في الأصل : «باب» والتصويب من النفح.
(١٨) في الأصل : «بالضبع» وكذا لا يستقيم المعنى.
(١٩) في الأصل : «إزار» بدون ياء ، والتصويب من النفح.
من شاء أن يلقى الزمان وأهله |
|
ويرى جلا الإشعاع في الأفكار (١) |
فليأت حيّ ابن الخطيب ملبّيا |
|
فيفوز بالإعظام والإكبار |
كم ضمّ من صيد (٢) كرام فضلهم (٣) |
|
يسمو ويعلو في ذوي الأقدار |
إن جئت ناديه فنب (٤) عنّي وقل |
|
نلت المنى بتلطف ووقار |
يا من له الشرف القديم ومن له ال |
|
حسب الصميم العدّ يوم فخار |
يهنيك ما قد نلت من أمل به |
|
في الفرقدين النّيّرين لساري (٥) |
تجلاك قطبا كلّ تجر (٦) باذخ |
|
أملان مرجوّان في الإعسار (٧) |
عبد الإله وصنوه قمر العلا |
|
فرعان من أصل زكا ونجار (٨) |
ناهيك من قمرين في أفق العلا |
|
ينميهما نور من الأنوار |
زاكي الأرومة (٩) معرق (١٠) في مجده |
|
جمّ الفضائل طيّب الأخبار |
رقّت طبائعه وراق جماله |
|
فكأنما خلقا من الأزهار |
وحلت (١١) شمائل حسنه فكأنما |
|
خلعت عليه رقّة الأسحار |
فإذا تكلّم قلت طلّ (١٢) ساقط |
|
أو وقع درّ من نحور جواري |
أو فتّ مسك الحبر (١٣) في قرطاسه |
|
بالروض (١٤) غبّ الواكف المدرار |
تتبسّم (١٥) الأقلام بين بنانه |
|
فتريك نظم الدرّ في الأسطار (١٦) |
فتخال من تلك البنان كمائما |
|
ظلّت (١٧) تفتّح ناضر النّوّار |
تلقاه فيّاض الندى متهلّلا |
|
يلقاك بالبشرى والاستبشار |
__________________
(١) في النفح : ويرى جلالا شاع في الأقطار.
(٢) في الأصل : «جيد» والتصويب من النفح.
(٣) في النفح : «قدرهم».
(٤) في الأصل : «إذ حيث ناديه فقف ...» والتصويب من النفح.
(٥) في الأصل : «يسار» والتصويب من النفح.
(٦) في النفح : «مجد».
(٧) في الأصل : «الاعتبار» والتصويب من النفح.
(٨) في الأصل : «وبحار» والتصويب من النفح. والنّجار : الأصل. لسان العرب (نجر).
(٩) الأرومة : أصل الشجرة ويستعار للحسب. محيط المحيط (أرم).
(١٠) في الأصل : «مغرق» والتصويب من النفح.
(١١) في الأصل : «وجلّت» ، وكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من النفح.
(١٢) في الأصل : «ظلّ» والتصويب من النفح.
(١٣) في النفح : «حبر المسك».
(١٤) في النفح : «فالروض».
(١٥) في الأصل : «تتّسم» والتصويب من النفح.
(١٦) في النفح : «الأمطار».
(١٧) في الأصل : «كأنما نهلت ...» والتصويب من النفح.
بحر البلاغة قسّها وأيادها |
|
سحبانها خبر من الأخبار (١) |
إن ناظر العلماء فهو إمامهم |
|
شرف المعارف ، واحد النّظّار |
أربى على العلماء بالصّيت الذي |
|
قد طار (٢) في الآفاق كل مطار |
ما ضرّه إن لم يجيء متقدّما |
|
بالسّبق (٣) يعرف آخر المضمار |
إن كان أخّره الزمان لحكمة |
|
ظهرت وما خفيت كضوء نهار |
الشمس تحجب وهي أعظم نيّر (٤) |
|
وترى من الآفاق إثر دراري |
يا ابن الخطيب خطبتها لعلاكم |
|
بكرا تزفّ لكم من الأفكار |
جاءتك من خجل على قدم الحيا |
|
قد طيّبت بثنائك المعطار |
وأتت (٥) تؤدّي بعض حقّ واجب |
|
عن نازح الأوطان والأوطار (٦) |
مدّت يد التّطفيل نحو علاكم |
|
فتوشّحت (٧) من جودكم (٨) بنضار |
فابذل لها في النّقد صفحك إنها |
|
تشكو من التّقصير (٩) في الأشعار |
لا زلت في دعة وعزّ دائم |
|
ومسرّة تترى (١٠) مع الأعمار (١١) |
ومن السّلطانيات قوله من قصيدة نسيبها : [الطويل]
تبسّم ثغر الدهر في القضب الملد |
|
فأذكى الحياء (١٢) خجلة وجنة الورد |
ونبّه وقع الطّلّ ألحاظ نرجس |
|
فمال إلى الوسنان ، عاد إلى الشّهد (١٣) |
وثمّ لسبر (١٤) الروض في مسكة الدّجى |
|
نسيم شذا الخير كالمسك والنّدّ |
وغطّى ظلام الليل حمرة أفقه |
|
كما دار مسودّ العذار على الخدّ |
وباتت قلوب الشّهب تخفق رقّة |
|
لما حلّ بالمشتاق من لوعة الوجد |
وأهمى عليه الغيم أجفان مشفق |
|
يذكّره (١٥) فاستمطر الدّمع للخدّ |
__________________
(١) في النفح : «حبر من الأحبار».
(٢) في الأصل : «كان» والتصويب من النفح.
(٣) في الأصل : «السّبق» والتصويب من النفح.
(٤) في الأصل : «تبر» والتصويب من النفح.
(٥) في الأصل : «وأنت» والتصويب من النفح.
(٦) في الأصل : «الإمكان والأفكار» والتصويب من النفح.
(٧) في الأصل : «فتوحّشت» والتصويب من النفح.
(٨) في النفح : «حليكم».
(٩) في الأصل : «شكوى التقصير ..» وكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من النفح.
(١٠) تترى : متتابعة. محيط المحيط (ترى).
(١١) في الأصل : «الأعصار» والتصويب من النفح.
(١٢) في الأصل : «الحيا» ، وكذا ينكسر الوزن.
(١٣) في الأصل : «فمال الوسنان وعاد إلى الشهد» وكذا ينكسر الوزن.
(١٤) في الأصل : «سبر» وكذا ينكسر الوزن.
(١٥) في الأصل : «بذكره» وكذا يختل الوزن.
ومنها :
كأن (١) لم أقف في الحيّ وقفة عاشق |
|
غداة افترقنا والنّوى رندها يعدي (٢) |
وناديت حادي العيس عرّج لعلّني |
|
أبثّك وجدي إن تمرّ على نجد |
فقال اتّئد يا صالح ما لك ملجأ |
|
سوى الملك المنصور في الرّفق والرّفد |
وممّا خاطبني به قوله : [الخفيف]
علّلوني ولو بوعد محال |
|
وحلّوني ولو بطيف خيال |
واعلموا أنني أسير هواكم |
|
لست أنفكّ إنما (٣) عن عقال |
فدموعي من بينكم في انسكاب |
|
وفؤادي من سحركم في اشتغال |
يا أهيل الحمى كفاني غرامي |
|
حسبي (٤) ما قد جرّ ... (٥) ال |
من مجيري من لحظ ريم ظلوم |
|
حلّل الهجر بعد طيب الوصال |
ناعس الطّرف أسمر الجفن مني |
|
طال منه الجوى بطول الليالي (٦) |
بابليّ اللّحاظ أصمى فؤاده |
|
ورماه من غنجه بنبال |
وكسا الجسم من هواه نحولا |
|
قصده في النّوى بذاك النحال |
ما ابتدا في الوصال يوما بعطف |
|
مذ روى في الغرام باب اشتغال |
ليس لي منه في الهوى من مخبر |
|
غير تاج العلا وقطب الكمال |
علم الدين عزّه وسناه |
|
ذروة المجد بدر أفق الجلال |
هو غيث النّدى وبحر العطايا |
|
هو شمس الهدى فريد المعالي (٧) |
إن وشى في الرقاع بالنقش قلنا |
|
صفحة الطّرس حلّيت باللآلي (٨) |
أو دجا الخطب فهو فيه شهاب |
|
راية الصبح في ظلال (٩) الضلال |
أو يني العضب فهو في الأمن ماض |
|
صادق العزم ضيق المجال |
لست تلقى مثاله في زمان |
|
جلّ في الدّهر يا أخي عن مثال |
قد نأى حبّي ما (١٠) له عن دياري |
|
لا لجدوى ولا لنيل نوال |
__________________
(١) في الأصل : «كأني» وكذا ينكسر الوزن.
(٢) في الأصل : «يعدّ» ، وكذا ينكسر الوزن.
(٣) في الأصل : «إلّا» وكذا ينكسر الوزن.
(٤) في الأصل : «حسبي بما» وكذا ينكسر الوزن.
(٥) بياض في الأصل.
(٦) في الأصل : «الليال» بدون ياء.
(٧) في الأصل : «المعال» بدون ياء.
(٨) في الأصل : «باللآل» بدون ياء.
(٩) في الأصل : «ظلل» وكذا ينكسر الوزن.
(١٠) كلمة «ما» ساقطة في الأصل ، وقد أضفناها ليستقيم المعنى والوزن معا.
لكن اشتقت أن أرى منه وجها |
|
نوره فاضح لنور الهلال |
وكما همت فيه ألثم كفّا |
|
قد أتت بالنّوال قبل السؤال |
سأل (١) ابن الخطيب عذرا أجابت |
|
تلثم النّعل قبل شسع (٢) النعال |
وتوفّي حقّ الوزارة عمن |
|
هو ملك لها على كل حال |
محمد بن محمد بن الشّديد (٣)
من أهل مالقة ، يكنى أبا عبد الله.
حاله : ذكر في الإكليل بما نصّه (٤) : شاعر مجيد حوك الكلام ، ولا يقصر فيه عن درجة الأعلام. رحل إلى الحجاز لأوّل أمره فطال بالبلاد المشرقية ثواؤه ، وعمّيت أنباؤه ، وعلى هذا العهد وقفت له على قصيدة بخطّه غرضها نبيل ، ومرعاها غير وبيل ، تدلّ على نفس ونفس ، وإضاءة قبس ، وهي : [الوافر]
لنا في كلّ مكرمة مقام |
|
ومن فوق النجوم لنا مقام |
روينا من مياه المجد لمّا |
|
وردناها وقد كثر الزحام |
ومنها :
فنحن هم وقل لي من سوانا |
|
لنا التّقديم قدما والكلام |
لنا الأيدي الطّوال بكلّ ضرب (٥) |
|
يهزّ به لدى الروع الحسام |
ونحن اللّابسون لكلّ درع |
|
يصيب السّمر (٦) منهنّ انثلام |
بأندلس لنا أيام حرب |
|
مواقفهنّ في الدنيا عظام |
ثوى (٧) منها قلوب الرّوم خوفا (٨) |
|
يخوّف منه في المهد الغلام |
حمينا جانب الدين احتسابا |
|
فها هو لا يهان ولا يضام |
وتحت الراية الحمراء منّا |
|
كتائب لا تطاق ولا ترام |
بنو نصر وما أدراك ما هم |
|
أسود الحرب والقوم الكرام |
__________________
(١) في الأصل : «سألها» وكذا ينكسر الوزن.
(٢) الشّسع : قبال النّعل. محيط المحيط (شسع).
(٣) ترجمة ابن الشديد في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٧٢).
(٤) النص مع القصيدة في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٧٢ ـ ٣٧٣).
(٥) في النفح : «صوب».
(٦) في الأصل : «الشّمس» والتصويب من النفح ؛ لأن كلمة «السّمر» أنسب للمعنى.
(٧) ثوى : أقام. لسان العرب (ثوى).
(٨) في النفح : «خوف».
لهم في حربهم فتكات عمرو |
|
فللأعمار عندهم انصرام |
يقول : عداتهم مهما ألمّوا |
|
أتونا ما من الموت اعتصام |
إذا شرعوا الأسنّة يوم حرب |
|
فحقّق أنّ ذاك هو الحمام |
كأنّ رماحهم فيها نجوم |
|
إذا ما أشبه الليل الغمام (١) |
أناس تخلف الأيام ميتا |
|
بحيّ منهم فلهم دوام |
رأينا من أبي الحجاج شخصا |
|
على تلك الصفات له قيام |
موقّى العرض محمود السجايا |
|
كريم الكفّ مقدام همام |
يجول بذهنه في كلّ شيء |
|
فيدركه وإن عزّ المرام |
قويم الرأي في نوب الليالي |
|
إذا ما الرأي فارقه القوام |
له في كلّ معضلة مضاء |
|
مضاء الكفّ ساعده (٢) الحسام |
رؤوف قادر يغضي ويعفو |
|
وإن عظم اجتناء واجترام |
تطوف ببيت سؤدده القوافي |
|
كما قد طاف بالبيت الأنام |
وتسجد في مقام علاه شكرا |
|
ونعم الرّكن ذلك والمقام |
أفارسها إذا ما الحرب أخنت (٣) |
|
على أبطالها ودنا الحمام |
وممطرها إذا ما السّحب كفّت |
|
وكفّ أخي الندى أبدا غمام |
لك الذكر الجميل بكلّ قطر |
|
لك الشرف الأصيل المستدام |
لقد جبنا (٤) البلاد فحيث سرنا |
|
رأينا أنّ ملكك لا يرام |
فضلت ملوكها شرقا وغربا |
|
وبتّ لملكها يقظا وناموا (٥) |
فأنت لكلّ معلوّة مدار |
|
وأنت لكلّ مكرمة إمام |
جعلت بلاد أندلس إذا ما |
|
ذكرت تغار مصر والشآم |
مكان أنت فيه مكان عزّ |
|
وأوطان حللت بها كرام |
وهبتك من بنات الفكر بكرا |
|
لها من حسن لقياك ابتسام |
فنزّه طرف مجدك في حلاها |
|
فللمجد الأصيل بها اهتمام |
__________________
(١) في النفح : «القتام».
(٢) في النفح : «ساعدها».
(٣) أخنت على أبطالها : أتت عليهم وأهلكتهم. لسان العرب (خنا).
(٤) في الأصل : «جينا» والتصويب من النفح.
(٥) في الأصل : «ونام» والتصويب من النفح.
محمد بن مسعود بن خالصة بن فرج بن مجاهد
ابن أبي الخصال الغافقي (١)
الإمام البليغ ، المحدّث الحجّة ، يكنى أبا عبد الله. أصله من فرغليط من شقورة ، من كورة جيّان ، وسكن قرطبة وغرناطة.
حاله : قال ابن الزّبير عند ذكره : ذو الوزارتين ، أبو عبد الله بن أبي الخصال. كان من أهل المعارف الجمّة ، والإتقان لصناعة الحديث ، والمعرفة برجاله ، والتقييد لغريبه ، وإتقان ضبطه ، والمعرفة بالعربية واللغة والأدب ، والنّسب والتاريخ ، متقدما في ذلك كله. وأما الكتابة والنظم ، فهو إمامهما المتفق عليه ، والمتحاكم فيهما إليه.
ولما ذكره أبو القاسم الملّاحي بنحو ذلك قال : لم يكن في عصره مثله ، مع دين وفضل وورع.
قال أبو عمرو ابن الإمام الإستجّي في سمط الجمان ، لما ذكره : البحر الذي لا يماتح ولا يشاطر ، والغيث الذي لا يساجل ولا يقاطر ، والروض الذي لا يفاوح ولا يعاطر ، والطّود الذي لا يزاحم ولا يخاطر ، الذي جمع أشتات المحاسن ، على ماء غير ملح ولا آسن ؛ وكثرت فواضله ، فأمنت المماثل والمحاسن ، الذي قصرت البلاغة على محتده ، وألقيت أزمة الفصاحة في يده ، وتشرّفت الخطابة والكتابة باعتزائهما إليه ، فنثل كنانتها ، وأرسل كمائنها ، وأوضح أسرارها ودفائنها ، فحسب الماهر النّحرير ، والجهبذ العلّامة البصير إذا أبدع في كلامه ، وأينع في روض الإجادة نثاره ونظامه ، وطالت قنى الخطيّة الذبل أقلامه ، أن يستنير بأنواره ، ويقتضي بعض مناهجه وآثاره ، وينثر على أثوابه مسك غباره ، وليعلم كيف يتفاضل الخبر والإنشاء ، ويتلو إنّ الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء.
وعضّه العقور أبو نصر في قلائده ، حيث قال (٢) : «هو وإن كان خامل المنشأ نازله ، لم ينزله المجد منازله ، ولا فرّع للعلاء هضابا ، ولا ارتشف للسّنا رضابا ، فقد تميّز بنفسه ، وتحيّز من أبناء (٣) جنسه ، وظهر بذاته ، وفخر بأدواته».
__________________
(١) يكنى ابن أبي الخصال أبا عبد الله ، وترجمته في المعجب (ص ٢٣٧ ، ٢٤٠) والذخيرة (ق ٣ ص ٧٨٦) وقلائد العقيان (ص ١٧٤) والمطرب (ص ١٨٧) وبغية الملتمس (ص ١٣١) والصلة (ص ٨٥٤) ورايات المبرزين (ص ١٨٨) والمعجم في أصحاب القاضي الصدفي (ص ١٥٢) والمغرب (ج ٢ ص ٦٦) والمقتطف من أزاهر الطرف (ص ٨٧ ، ٨٩) وبغية الوعاة (ص ١٠٤).
(٢) قلائد العقيان (ص ١٧٤).
(٣) كلمة «أبناء» ساقطة في القلائد.
مشيخته : قال الأستاذ أبو جعفر بن الزبير في الصلة (١) : روى عن الغساني ، والصّدفي ، وأبي الحسن بن الباذش ، وأبي عمران بن تليد ، وأبي بحر الأسدي ، وأبي عبد الله النّفزي ، وجماعة غيرهم.
تواليفه : قال الأستاذ : وأمّا كتبه وشعره وتواليفه الأدبية ، فكل ذلك مشهور ، متداول بأيدي الناس ، وقلّ من يعلم بعده ، أن يجتمع له مثله ، رحمه الله.
من روى عنه : روى عنه ابن بشكوال ، وابن حبيش ، وابن مضاء وغيرهم ، وكل ذلك ذكره في رحاله ، وهو أعرف بتقدّمه في احتفاله.
شعره : وله شعر كثير ، فمن إخوانياته ما خاطب به أبا إسحاق بن خفاجة : [الكامل]
هبّ النسيم هبوب ذي إشفاق |
|
يذهبن الهوى بجناحه الخفّاق |
وكأنما صبح الغصون بنشوة |
|
باحت لها سرائر العشاق |
وإذا تلاعبت الرياح ببانه |
|
لعب الغرام بمهجة المشتاق |
مه يا نسيم فقد كبرت عن الصّبا |
|
لم يبق من تلك الصّبابة باق |
إن كنت ذاك فلست ذاك ولا |
|
أنا قد أذنت (٢) مفارقي بفراق |
ولقد عهدت سراك من عدد الهوى |
|
والموت في نظري وفي استنشاق |
أيام لو عنّ السّلوّ لخاطري |
|
قرّبته هديا (٣) إلى أشواقي (٤) |
الهوى إلفي والبطالة مركبي |
|
والأمن ظلّي والشباب رواقي (٥) |
في حيث قسّمت المدامة قسمة |
|
ضيزى (٦) لأن السكر من أخلاقي (٧) |
لا ذنب للصّهباء أني غاصب |
|
ولذاك قام السكر باستحقاق |
ولقد صددت الكأس فانقبضت بها |
|
من بعدها انبسطت يمين السّاقي |
وتركت في وسط النّدامى خلّة |
|
هامت بها الوسطى من الأعلاق |
فاستسرفوني مذكرين وعندهم |
|
أنى أدين اللهو دين نفاق |
وحبابها نفث الحباب وربما |
|
سدكت يد الملسوع منه براق |
__________________
(١) المراد «صلة الصلة».
(٢) في الأصل : «أذنتك» وهكذا ينكسر الوزن.
(٣) الهدي : ما يهدى إلى الحرم من النّعم. لسان العرب (هدى).
(٤) في الأصل : «أشواق».
(٥) في الأصل : «رواق».
(٦) القسمة الضّيزى : الناقصة الجائرة. محيط المحيط (ضاز).
(٧) في الأصل : «من أخلاق».
وكأنه لما توقّر فوقها (١) |
|
نور تجسّم من ندى الأحداق |
لو بارح نفح النّوى في روضة |
|
فأثارها وسرى عن الأحداق |
ولقد جلوا والله يدرأ كيدهم |
|
فتّانة الأوصاف والأعراق |
أغوى بها إبليس قدما آدم (٢) |
|
والسّرّ يرمى في هواها الباقي (٣) |
تالله أصرف نحوها وجد الرضا |
|
لو شعشعت برضا أبي إسحاق |
ومن نسيبه (٤) : [المنسرح]
وليلة عنبريّة الأفق |
|
رويت فيها السرور من طرق |
وكنت حرّان فاقتدحت بها |
|
نارا من الرّاح برّدت حرقي (٥) |
وافت (٦) بها (٧) عاطلا وقد لبست |
|
غلالة فصّلت من الحدق |
فاجا (٨) بها الدهر من بنيه دجى (٩) |
|
لقيته كالإصباح في نسق (١٠) |
قامت لنا في المقام أوجههم |
|
وراحهم بالنجوم والشّفق |
وأطلع (١١) البدر من ذرى غصن |
|
تهفو عليه القلوب كالورق |
من عبد شمس بدا سناه وهل |
|
ذا (١٢) النور (١٣) إلّا لذلك (١٤) الأفق |
مدّ بحمراء من مدامته |
|
بيضاء كفّ (١٥) مسكيّة العبق |
فخلتها وردة منعّمة |
|
تحمل من سوسن على طبق |
__________________
(١) في الأصل : «من فوقها» وكذا ينكسر الوزن.
(٢) في الأصل : «أدما».
(٣) في الأصل : «وهي السّر يرتمي في هواها الباق».
(٤) القصيدة في المغرب (ج ٢ ص ٦٧) والذخيرة (ق ٣ ص ٧٩٣).
(٥) في الأصل : «حرق».
(٦) في الذخيرة : «حلّت».
(٧) في المصدرين : «بنا».
(٨) في الأصل : «فأجا» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من المغرب. وفي الذخيرة : «فجاءها الدهر ...». وفاجا : أي : فاجأ ، وقد خففها لكي لا ينكسر الوزن.
(٩) في الذخيرة : «هوى».
(١٠) رواية عجز البيت في المصدرين هي : بفتية كالصباح في نسق.
(١١) في المغرب : «واطّلع».
(١٢) في الأصل : «ذاك» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من المصدرين.
(١٣) في المغرب : «البدر».
(١٤) في الأصل : «لذاك» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من المصدرين.
(١٥) في الذخيرة : «كفّا».
يشرب في الراح حين يشربها (١) |
|
ما غادرت مقلتاه من رمق (٢) |
وقال (٣) : [المنسرح]
يا حبذا ليلة لنا سلفت |
|
أغرت بنفسي الهوى وما (٤) عرفت |
دارت بظلمائها المدام فكم |
|
نرجسة من بنفسج قطفت |
وقال في مغنّ زار ، بعده أغبّ وشطّ المزار (٥) : [الكامل]
وافى وقد عظمت عليّ ذنوبه |
|
في غيبة قبحت بها آثاره |
فمحا إساءته لنا (٦) إحسانه |
|
واستغفرت لذنوبه أوتاره |
وقال يعتذر عن استبطاء مكاتبة (٧) : [الطويل]
ألم تعلموا (٨) والقلب رهن لديكم |
|
يخبّركم (٩) عني بمضجره (١٠) بعدي؟ |
فلو (١١) قلّبتني (١٢) الحادثات مكانكم |
|
لأنهبتها وفري وأوطأتها (١٣) خدّي |
ألم تعلموا أني وأهلي وواحد (١٤) |
|
فداء (١٥) ولا أرضى بتفدية (١٦) وحدي؟ |
ومن قوله في غرض المدح يخاطب تاشفين بن علي ، ويذكر الوقعة بكركى ، يقول فيها : [البسيط]
الله أعطاك فتحا غير مشترك |
|
وردّ عزمك عن فوت إلى درك |
__________________
(١) في الأصل : «نشرت ... حين نشرتها» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من المصدرين ، وجاء في الذخيرة : «بالراح» بدل : «في الراح».
(٢) في المغرب : «من رمقي».
(٣) البيتان في الذخيرة (ق ٣ ص ٧٩٣ ـ ٧٩٤). وبغية الوعاة (ص ١٠٥).
(٤) في الذخيرة : «وقد».
(٥) البيتان في قلائد العقيان (ص ١٧٥) وبغية الملتمس (ص ١٣١) والمطرب (ص ١٨٧) والذخيرة (ق ٣ ص ٧٩٦).
(٦) في الذخيرة : «بنا».
(٧) الأبيات في قلائد العقيان (ص ١٧٧) والمطرب (ص ١٨٨) والذخيرة (ق ٣ ص ٧٩٧).
(٨) في الذخيرة : «ألم تسألوا».
(٩) في الذخيرة : «فيخبركم».
(١٠) في المصادر : «بمضمره».
(١١) في القلائد والمطرب : «ولو».
(١٢) في المطرب والذخيرة : «قبلتني».
(١٣) في الأصل : «واودلّاتها». والتصويب من المصادر الثلاثة.
(١٤) في المصادر : «وواحدي».
(١٥) في الأصل : «فدا» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من المصادر.
(١٦) في المطرب : «بتقدمتي».
أرسل عنان جواد أنت راكبه |
|
واضمم يديك ودعه في يد الملك |
حتى يصير إلى الحسنى على ثقة |
|
يهدي سبيلك هاد غير مؤتعك |
قد كان بعدك للأعداء مملكة |
|
حتى استدرّت عليهم كورة الفلك |
سارت بك الجرد (١) أو طار الفضاء (٢) بها |
|
والحين قد قيّد الأعداء في شرك |
فما تركت كميّا غير منعفر |
|
ولا تركت نجيعا غير منسفك |
ناموا وما نام موتور على حنق |
|
أسدى إذا فرصة ليست (٣) من السلك |
فصبّحتهم جنود الله باطشة |
|
والصبح من عبرات الفجر في مسك |
من كل مبتدر كالنّجم منكدر |
|
تفيض أنفسهم غيظا من المسك |
فطاعنوكم بأرماح وما طعنت |
|
وضاربوكم بأسياف ولم تحك |
تعجّل النّحر فيهم قبل موسمه |
|
وقدّم الهدي منهم كلّ ذي نسك |
فالطير عاكفة والوحش واقفة |
|
قد أثقلتها لحوم القوم عن حرك |
عدت على كل عاد منهم أسر |
|
بعثن (٤) في حنجر (٥) رحب وفي حنك |
كلي هنيئا مريئا واشكري ملكا |
|
قرتك أسيافه في كل معترك |
فلو تنضّدت الهامات إذ نشرت |
|
بالقاع للغيظان بالنّبك |
أبرح وطالب بباقي الدهر ماضيه |
|
فيوم بدر أقامه الفيء في فدك |
وكم مضى لك من يوم بنت له |
|
في ماقط برماح الحظّ مشتبك |
بالنّقع مرتكم بالموت ملتئم |
|
بالبيض مشتمل بالشمر محتبك |
فحص القباب إلى فحص الصعاب |
|
إلى أريولة مداسات إلى السّكك |
وكم على حبر محمود وجارته |
|
للرّوم من مرتكل غير متّرك |
وفّيت للصّفر حتى قيل قد غدروا |
|
سموت تطلب نصر الله بالدّرك |
فأسلمتهم إلى الإسلام غدوتهم |
|
وأذهب السيف ما بالدّن من حنك |
يا أيها الملك السامي بهمّته |
|
إلى رضى الله لا تعدم رضى الملك |
ما زلت تسمعه بشرى وتطلعه |
|
أخرى كدرّ على الأجياد منسلك |
بيّضت وجه أمير المؤمنين بها |
|
والأرض من ظلمة الإلحاد في حلك |
__________________
(١) الجرد : جمع أجرد وهو الفرس السبّاق. محيط المحيط (جرد).
(٢) في الأصل : «الفضا» وهكذا ينكسر الوزن.
(٣) كلمة «ليست» ساقطة في الأصل ، وقد أضفناها ليستقيم الوزن والمعنى معا.
(٤) في الأصل : «بعثّه» وهكذا لا يستقيم الوزن ولا المعنى.
(٥) المراد الحنجرة وهي الحلقوم.
فاستشعر النّصر واهتزّت منابره |
|
بذكر أروع للكفار محتنك |
فأخلدك ولمن والاك طاعته |
|
خلود برّ بتقوى الله ممتسك |
وافيت والغيث زاخر قد بكى طربا |
|
لمّا ظفرت وكم بلّله من الضّحك |
وتمّم الله ما أنشأت من حسن |
|
بكل منسبك منه ومنتمك |
وعن قريب تباهي الأرض من زهير |
|
سماها بها غضّة الحبك |
فعد وقد واعتمد واحمد وسد وأبد |
|
وقل وصل واستطل واستول وانتهك |
وحسبك الله فردا لا نظير له |
|
تغنيك نصرته عن كل مشترك |
ومن قوله في غرض الرثاء ، يرثي الفقيد أبا الحسن بن مغيث (١) : [البسيط]
الدهر ليس على حرّ بمؤتمن |
|
وأيّ علق تخطّته يد الزمن |
يأتي العفاء (٢) على الدنيا وساكنها |
|
كأنه (٣) أدبر لم يسكن إلى سكن |
يا باكيا فرقة الأحباب عن شحط (٤) |
|
هلّا بكيت فراق الرّوح للبدن؟ |
نور (٥) تقيّد (٦) في طين (٧) إلى أجل |
|
وانحاز (٨) علوا (٩) وخلّى الطين في الكفن (١٠) |
كالطير في شرك يسمو إلى درك |
|
حتى تخلّص من سقم ومن درن |
إن لم يكن في رضى الله اجتماعهما |
|
فيا لها صفقة تمّت على غبن (١١) |
__________________
(١) وردت من هذه القصيدة فقط الأبيات الثالث والرابع والسادس والسابع في المعجب (ص ٣١٣ ـ ٣١٤) منسوبة إلى ابن طفيل ، صاحب رسالة «حي بن يقظان».
(٢) في الأصل : «العفا» وكذا ينكسر الوزن.
(٣) في الأصل : «كأن» وكذا ينكسر الوزن.
(٤) الشّحط : البعد.
(٥) النور : كناية عن الروح.
(٦) في المعجب : «تردّد».
(٧) الطين : كناية عن البدن.
(٨) في المعجب : «فانحاز».
(٩) في الأصل : «عنوا» ، والتصويب من المعجب.
(١٠) في المعجب : «الكفن».
(١١) في الأصل : «... الله التقي وهما فيا لها صفقه بثّت على دغن» ، والتصويب من المعجب.
والغبن : الخطأ.
يا شدّ ما افترقا من بعد ما اعتنقا (١) |
|
أظنّها محرقة (٢) كانت على دخن (٣) |
وربّ سار إلى وجه يسرّ به |
|
وافى وقد نبت المرعى على الدّمن |
أتى إلى الله لا سمع ولا بصر |
|
يدعو إلى الرّشد أو يهدي إلى السّنن |
في كل يوم فراق لا بقاء له |
|
من صاحب كرم أو سيّد قمن |
أعيا أبا حسن فقد الذين مضوا |
|
فمن لنا بالذي أعيا أبا حسن |
كأنّ البقية في قوم قد انقرضوا |
|
فهاج ما شاء ذاك القرن من شجن |
يعدّ فدا وفي أثوابه رمز من |
|
كل ذي خلق عمرو وذي فطن |
وإنّ من أوجدتنا كلّ مفتقد |
|
حياته لعزيز الفقد والظّعن |
من للملوك إذا خفّت حلومهم |
|
بما يقاوم ذاك الطيش من سكن |
ومنها :
يا يونس لا تسر أصبحنا لوحشتنا |
|
نشكو اغترابا وما بنّا عن الوطن |
ويا مطاعا مطيعا لا عناد له |
|
في كل أمر على الإسلام مؤتمن |
كم خطت كارتجاج البحر مبهمة |
|
فرّجتها بحسام سلّ من لسن |
طود المهابة في الجلا وإن جذبت |
|
عنانه خلوة هزّت ذرى وتر |
أكرم به سببا تلقى الرسول به |
|
لخمس واردة في الفرض والسّنن |
ناهيك من منهج سمّ القصور به |
|
هوى فمن قدر عال إلى فدن |
من كل وادي التّقى يسقى الغمام به |
|
فيستهل شروق الضّرع باللبن |
تجمّلت بك في أحسابها مضر |
|
وأصل مجدك في جرثومة اليمن |
__________________
(١) في المعجب : «اعتلقا». وألف الاثنين يعود إلى الروح والبدن.
(٢) في المعجب : «هدنة».
(٣) الدّخن : الفساد.
من دولة حولها الأنصار حاشدة |
|
في طامح شامخ الأركان والقنن |
من الذين هم رووا وهم نصروا |
|
من عيسة الدّين لا من جذوة الفتن |
إن يبد مطّلع منهم ومستمع |
|
فارغب بنفسك عن لحظ وعن أذن |
ما بعد منطقه وشي ولا زهر |
|
ولا لأعلاق ذاك الدّرّ من ثمن |
أقول وفينا فضل سؤدده |
|
أستغفر الله ملء السّر والعلن |
محمد ومغيث نعم ذا عوضا |
|
هما سلالة ذاك العارض الهتن |
تقيّلا هديه في كل صالحة |
|
نصر السّوابق عن طبع وعن مرن |
ما حلّ حبوته إلّا وقد عقدا |
|
حبا بما اختار من أيد ومن منن |
غرّ الأحبّة عند حسن عهدهما |
|
وإن يؤنس في الأثواب والجنن |
علما وحلما وترحيبا وتكرمة |
|
للزائرين وإغضاء على زكن |
يا وافد الغيث أوسع قبره نزلا |
|
وروما حول ذاك الدّيم من ثكن |
وطبق الأرض وبلا في شفاعته |
|
فنعم رائد ذاك الرّيف واليمن |
وأنت يا أرض كوني مرّة بأبي |
|
مثوى كريم ليوم البعث مرتهن |
وإن تردّت بترب فيك أعظمه |
|
فكم لها في جنان الخلد من ردن |
ومن شعره قوله مخمّسا ، كتب بها ، وقد أقام بمراكش يتشوق إلى قرطبة : [الطويل]
بدت لهم بالغور والشّمل جامع |
|
بروق بأعلام العذيب لوامع |
فباحت بأسرار الضمير المدامع |
|
وربّ غرام لم تنله المسامع |
أذاع بها من فيضها لا يصوّب (١) |
||
ألا في سبيل الشّوق قلب مؤثّل |
|
بركب إذا شاء والبروق تحمل |
هو الموت إلّا أنني أتحمّل |
|
إذا قلت هذا منهل عزّ منهل |
وراية برق نحوها القلب يجنب |
||
أبى الله إمّا كلّ بعد فثابت |
|
وإما دنوّ الدار منهم ففائت |
ولا يلفت البين المصمّم لافت |
|
ويا ربّ حيّ البارق المتهافت |
غراب بتفريق الأحبّة ينعب |
__________________
(١) في الأصل : «... فيضها التصويب» وهكذا ينكسر الوزن ، ولا تتلاءم القافية مع التي تلتها.
خذوا بدمي ذاك الوسيق المضرّجا |
|
وروضا بغيض العاشقين تأرّجا |
عفى الله عنه قاتلا ما تحرّجا |
|
تمشّى الرّدى في نشره وتدرّجا |
وفي كل شيء للمنيّة مذهب |
||
سقى الله عهدا قد تقلّص ظلّه |
|
حيا قطره يحيى الربا مستهلّه |
وعى به شخصا كريما أجلّه |
|
يصحّ فؤادي تارة ويعلّه |
ويلمّه بالذكر طورا ويشعب |
||
رماني على قرب بشرخ ذكائه |
|
فأعشت جفوني نظرة من ذكائه |
وغصّت بأدنى شعبة من سمائه |
|
شعابي وجاء (١) البحر في غلوائه |
فكلّ بقرب (٢) ردع خدّيه يركب |
||
ألم يأته أنّى ركنت قعودا |
|
وأجمعت عن وفز الكلام قعودا |
ولم أعتصر للذّكر بعدك عودا |
|
وأزهقني هذا الزمان صعودا |
فربع الذي بين الجوانح سبسب |
||
على تلك من حال دعوت سميعا |
|
وذكّرت روضا بالعقاب مريعا |
وتملأ الشعب المذحجي جميعا |
|
وسربا بأكناف الرّصافة ريعا |
وأحداق عين بالحمام تقلّب |
||
ولم أنس ممشانا إلى القصر ذي النّخل |
|
بحيث تجافى الطود عن دمث سهل |
وأشرف لا عن عظم قدر ولا فضل |
|
ولكنه للملك قام على رجل |
يقيه تباريح الشمال ويحجب |
||
فكم وجع (٣) ينتابه برسيسه |
|
ويرتحل الفتى بأرجل عيسه |
أبق أمّ عمرو في بقايا دريسه |
|
كسحق اليماني معتليه نفيسه |
فرقعته تسبي القلوب وتعجب |
||
وبيضاء للبيض البهاليل تعتزي (٤) |
|
وتعتزّ بالبان جلالا وتنتزي |
سوى أنها بعد الصّنيع المطرّز |
|
كساها البلى والثّكل أثواب معوز |
يبكي وتبكي للزائرين وتندب |
__________________
(١) في الأصل : «وجا» وهكذا ينكسر الوزن.
(٢) في الأصل : «قرب» وكذا ينكسر الوزن.
(٣) في الأصل : «توجّع» وهكذا ينكسر الوزن.
(٤) في الأصل : «تعتزيه».
وكم لك بالزّهراء من متردّد |
|
ووقفة متّسق المجامع مقصد |
يسكن من خفق الجوانح باليد |
|
ويهتك حجب النّاصر بن محمد |
ولا هيبة تخشى هنالك وترهب |
||
لنعم مقام الخاشع المتنسّك |
|
وكانت في محلّ العبشمين المملّك |
متى يورد النّفس العزيزة يسفك |
|
وإن يسم نحو الأبلق الفرد يملك |
وأي مرام رامه يتصعّب |
||
قصور كان الماء يعشق مبناها |
|
فطورا يرى تاجا بمفرق أعلاها |
وطورا يرى خلخال أسوق سفلاها |
|
إذا زلّ وهنا عن ذوائب يهواها |
يقول هوى بدرا أو انقضّ كوكب |
||
أتاها على رغم الجبال الشّواهق |
|
وكلّ منيف للنجوم مراهق |
وكم دفعت في الصّدر منه بعانق |
|
فأودع في أحشائها والمفارق |
حسابا بأنفاس الرياح يذرب |
||
هي الخود من قرن إلى قدم حسنا |
|
تناصف أقصاها جمالا مع الأدنى |
ودرج كأفلاك (١) مبنى على مبنى |
|
توافقن في الإتقان واختلف المعنى |
وأسباب هذا الحسن قد تتشعّب |
||
فأين الشّموس الكالفات بها ليلا |
|
وأين الغصون المائسات بها ميلا |
وأين الظّباء (٢) السابحات بها ذيلا |
|
وأين الثّرى رجلا وأين الحصا خيلا |
فوا عجبا لو أن من يتعجّب |
||
كم احتضنت فيها القيان المزاهرا |
|
وكم فاوحت فيها الرّياض المجامرا |
وكم ساهرت فيها الكواكب سامرا |
|
وكم قد أجاب الطير فيها المزامرا |
عظيم من الدنيا شعاع مطنّب |
||
كأن لم يكن يقضى بها النّهي والأمر |
|
ويجبي إلى خزائنها البرّ والبحر |
ويسفر مخفورا بذمّتها الفخر |
|
ويصبح مختوما بطينتها الدهر |
وأيامه تعزى إليها وتنسب |
__________________
(١) في الأصل : «كالأفلاك» وهكذا ينكسر الوزن.
(٢) في الأصل : «الظبا» وهكذا ينكسر الوزن.
ومالك عن ذات القسيّ النّواضح |
|
وناصحة تعزى قديما لناصح |
وذي أثر على الدهر واضح |
|
يخبر عن عهد هنالك صالح |
ويعمر ذكر الذاهبين ويخرب |
||
تلاقى عليه فيض نهر وجدول |
|
تصعّد من سفل وأقبل من عل |
فهذا جنوبيّ وذلك شمألي (١) |
|
وما اتفقا إلّا على خير منزل |
وإلّا فإن الفضل منه مجرّب |
||
كأنهما في الطّيب كانا تنافرا |
|
فسارا إلى وصل القضاء وسافرا |
ولمّا تلاقى السابقان تناظرا |
|
فقال وليّ الحق مهلا تظافرا |
فكلّكما عذب المجاجة طيّب |
||
ألم يعلما أن اللّجاج هو المقت |
|
وأن الذي لا يقبل النّصف منبتّ |
وما منكما إلّا له عندنا وقت |
|
فلما استبان الحقّ واتجه السّمت |
تقشّع من نور المودة غيهب |
||
وإن لها بالعامريّة لمظهرا |
|
ومستشرفا يلهي العيون ومنظرا |
وروضنا على شطّي خضارة أخضرا |
|
وجوسق ملك قد علا وتجبّرا |
له ترّة عند الكواكب تطلب |
||
أغيّره (٢) في عنفوان الموارد |
|
وأثبته في ملتقى كل وارد |
وأبرزه للأريحيّ المجاهد |
|
وكلّ فتى عن حرمة الدين زايد |
حفيظته في صدره تتلهّب |
||
تقدّم عن قصر الخلافة فرسخا |
|
وأصحر بالأرض الفضاء ليصرخا |
فحالته أرض الشّرك فيها منوّخا |
|
كذلك من جاس الدّيار ودوّخا |
فردعته في القلب تسري وترهب |
||
أولئك قوم قد مضوا وتصدّعوا |
|
قضوا ما قضوا من أمرهم ثم ودّعوا |
فهل لهم ركز يحسّ ويسمع؟ |
|
تأمّل فهذا ظاهر الأرض بلقع |
إلّا أنهم في بطنها حيث غيّبوا (٣) |
__________________
(١) في الأصل : «شمأل».
(٢) في الأصل : «غيره» وهكذا ينكسر الوزن ، ولا معنى له.
(٣) في الأصل : «غيّب».
ألست ترى أن المقام على شفا |
|
وأن بياض الصّبح ليس بذي خفا |
وكم رسم دار للأجنّة قد عفا |
|
وكأنّ حديثا للوفود معرّفا |
فأصبح وحش المنتدى يتجنّب |
||
ولله في الدّارات ذات المصانع |
|
أخلّاء صدق كالنجوم الطّوالع |
أشيع بينهم كلّ أبيض ناصع |
|
وأرجع حتى لست يوما براجع |
فياليتني في قسمتي أتهيّب |
||
أقرطبة لم يثنني عنك سلوان |
|
ولا بمثل إخواني بمغناك إخوان |
وإني إذا لم أسق ماءك ظمآن |
|
ولكن عداني عنك أمر له شان |
وموطني آثار تعدّ وتكتب |
||
لك الحقّ والفضل الذي ليس يدفع |
|
وأنت لشمس الدّين والعلم مطلع |
ولولاك كان العلم يطوى ويرفع |
|
وكل التّقى والهدى والخير أجمع |
إليك تناهى والحسود معذّب |
||
ألم تك خصّت باختيار الخلائف |
|
ودانت لهم فيها ملوك الطّوائف |
وعضّ ثقاف الملك كلّ مخالف |
|
بكل حسام مرهف الحدّ راعف |
به تحقن الآجال طورا وتسكب |
||
|
||
إلى ملكها انقاد الملوك وسلّموا |
|
وكعبتها ندا الوفود ويمّموا |
وفيها استفادوا شرحهم وتعلّموا |
|
وعاذوا بها من دهرهم وتحرّموا |
فنكّب عنهم صرفه المتسحّب |
||
علوت فما في الحسن فوقك مرتقى |
|
هواؤك مختار وتربك منتقى |
وجسرك للدنيا وللدّين ملتقى |
|
وبيتك مربوع القواعد بالتّقى |
إلى فضله لأكباب تنضى وتضرب |
||
تولّى خيار التابعين بقاءه |
|
وخطّوا بأطراف العوالي فناءه |
ومدّوا طويلا صيته وثناءه (١) |
|
فلا زال مخلوع عليه سناءه (٢) |
ولا زال سعي الكائدين يخيّب |
__________________
(١) في الأصل : «وثناء».
(٢) في الأصل : «سناه».